أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي
المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥٥٢
والذي يظهر أنه يعود على الرسول الذي يتضمّنه الجمع ، فكأنه قيل : فحاق بهم عاقبة استهزائهم بالرسول المندرج في جملة الرّسل ، وأمّا على رأى الأخفش ، وابن السراج (١) فتعود على «ما» المصدريّة ؛ لأنها اسم عندهما.
و «حاق» ألفه منقلبة عن «ياء» بدليل «يحيق» ، ك «باع» «يبيع» ، والمصدر حيق وحيوق وحيقان كالغليان والنّزوان.
وزعم بعضهم أنه من «الحوق» (٢) ، والمستدير بالشيء ، وبعضهم أنه من «الحقّ» ، فأبدلت إحدى القافين ياء كتظنّنت ، وهذان ليسا بشيء.
أمّا الأول فلاختلاف المادّة ، إلّا أن يريدوا الاشتقاق (٣) الأكبر.
وأما الثاني : فلأنها دعوى مجرّدة من غير دليل ، ومعنى «حاق» أحاط.
وقيل : عاد عليه وبال مكره ، قاله الفراء. وقيل : دار.
__________________
(١) ينظر : الأصول له ١ / ١٦١.
(٢) في ب : الحيوق.
(٣) قال الشوكاني في «إرشاد الفحول» : الاشتقاق : أن تجد بين اللفظين تناسبا في المعنى والتركيب ، فترد أحدهما إلى الآخر. انظر : إرشاد الفحول ص ١٧.
وعرفه الجرجاني : بأنه «نزع لفظ من آخر ، بشرط مناسبتهما معنى وتركيبا ، ومغايرتهما في الصيغة».
وأركانه أربعة :
أحدها : اسم موضوع لمعنى.
وثانيها : شيء آخر له نسبة إلى ذلك المعنى.
وثالثها : مشاركة بين هذين الاسمين في الحروف الأصلية.
ورابعها : تغير يلحق ذلك الاسم في حرف فقط ، أو حركة فقط أو فيهما.
وكل واحد من هذه الأقسام : إما أن يكون بالزيادة فقط ، أو بالنقصان فقط. أو بهما معا.
فهذه تسعة أقسام :
أولها : زيادة الحركة ، وثانيها : زيادة الحرف ، وثالثها : زيادتهما معا ، ورابعها : نقصان الحركة ، وخامسها : نقصان الحرف ، وسادسها : نقصانهما معا ، وسابعها : زيادة الحرف مع نقصان الحركة ، وثامنها : زيادة الحركة مع نقصان الحرف ، وتاسعها : أن تزاد فيه حركة وحرف وتنقص عنه ـ أيضا ـ حركة وحرف. فهذه هي الأقسام الممكنة ، وعلى اللغوي طلب أمثلة ما وجد منها.
ينظر : إرشاد الفحول ص ١٧ ، البحر المحيط للزركشي ٢ / ٧١ ، سلاسل الذهب له ص ١٧١ ، التمهيد للإسنوي ص ١٥٣ ، نهاية السول له ٢ / ٦٧ ، زوائد الأصول له ص ٢١٣ ، منهاج العقول للبدخشي ١ / ٢٦٣ ، غاية الوصول للشيخ زكريا الأنصاري ص ٤٤ التحصيل من المحصول للأرموي ١ / ٢٠٤ ، حاشية البناني ١ / ٢٨٠ ، الإبهاج لابن السبكي ١ / ٢٢٢ ، الآيات البينات لابن قاسم العبادي ٢ / ٧٨ ، حاشية العطار على جمع الجوامع ١ / ٣٦٨ ، الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم ٨ / ٥٨٨ ، تيسير التحرير لأمير بادشاه ١ / ٦٧ ، حاشية التفتازاني والشريف على مختصر المنتهى ١ / ١٧١ ، إرشاد الفحول للشوكاني ص ١٧ ، نشر البنود للشنقيطي ١ / ١٠٧ ، الكوكب المنير للفتوحي ص ٦٤ ، التعريفات للجرجاني ص ١٧.
وقال الربيع بن أنس : نزل (١).
وقال عطاء : حلّ ، والمعنى يدور على الإحاطة والشمول ، ولا تستعمل إلا في الشر.
قال الشاعر : [الطويل]
٢١١٥ ـ فأوطأ جرد الخيل عقر ديارهم |
|
وحاق بهم من بأس ضبّة حائق (٢) |
وقال الراغب (٣) : «قيل : وأصله : حقّ ، فقلب نحو «زلّ وزال» ، وقد قرىء «فأزلهما وأزالهما» وعلى هذا ذمّه وذامه».
وقال الأزهري (٤) : «جعل أبو إسحاق «حاق» بمعنى «أحاط» ، وكأنّ مأخذه من «الحوق» وهو ما استدار بالكمرة» (٥).
قال : «وجائز أن يكون الحوق فعلا من «حاق يحيق» ، كأنه في الأصل : حيق ، فقلبت الياء واوا لانضمام ما قبلها».
وهل يحتاج إلى تقدير مضاف قبل «ما كانوا»؟
نقل الواحديّ عن أكثر المفسرين (٦) ذلك ، أي : عقوبة ما كانوا ، أو جزاء ما كانوا ، ثم قال : «وهذا إذا جعلت «ما» عبارة عن القرآن والشريعة وما جاء به النّبي صلىاللهعليهوسلم ، وإن جعلت «ما» عبارة عن العذاب الذي كان صلىاللهعليهوسلم يوعدهم به إن لم يؤمنوا استغنيت عن تقدير المضاف ، والمعنى : فحاق بهم العذاب الذي يستهزئون به ، وينكرونه».
والسّخرية : الاستهزاء والتهكّم ؛ يقال : سخر منه وبه ، ولا يقال إلّا استهزاء به فلا يتعدّى ب «من».
وقال الراغب (٧) : «سخرته إذا سخّرته للهزء منه ، يقال : رجل سخرة بفتح الخاء إذا كان يسخر من غيره ، وسخرة بسكونها إذا كان يسخر منه ومثله : «ضحكة وضحكة» ، ولا ينقاس».
وقوله : (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا) [المؤمنون : ١١٠] يحتمل أن يكون من التسخير ، وأن يكون من السّخرية.
وقد قرىء سخريا وسخريا بضم السين وكسرها.
وسيأتي له مزيد بيان في موضعه إن شاء الله تعالى.
__________________
(١) في ب : فنزل.
(٢) ينظر : البحر ٤ / ٧٢ ، المحرر الوجيز لابن عطية ٢ / ٢٧٠ ، روح المعاني ٧ / ١٠٢ ، الدر المصون ٣ / ١٥.
(٣) ينظر : المفردات [١٩٦].
(٤) ينظر : تهذيب اللغة ٥ / ١٢٦.
(٥) الكمرة : رأس الذّكر والجمع كمر والمكمور من الرجال : الذي أصاب الخاتن طرف كمرته ينظر : لسان العرب ٥ / ٣٩٢٩ [كمر].
(٦) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٥.
(٧) ينظر : المفردات (٣٣٣) [مخر].
قوله تعالى : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)(١١)
قوله تعالى : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ) كما صبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الآية الأولى (١) ، حذّر القوم في هذه الآية ، وقال لرسوله : قل لهم : لا تغتروا بما وصلتم إليه من الدنيا ولذّاتها ، بل سيروا في الأرض لتعرفوا صحة ما أخبركم الرسول عنه من نزول العذاب بمن كذب الرسل من الأمم السّالفة قبلكم. يحذر كفار «مكّة» ، ويحتمل هذا السير أن يكون بالعقول والفكر ، ويحتمل السّير في الأرض.
قوله : (ثُمَّ انْظُرُوا) : عطف على «سيروا» ولم يجىء في القرآن العطف (٢) في مثل هذا الموضع إلّا بالفاء ، وهنا جاء ب «ثم» فيحتاج إلى فرق.
فذكر (٣) الزمخشري الفرق وهو : أن جعل النّظر مسبّبا عن السّير في قوله : «فانظروا» كأنه قيل (٤) : سيروا لأجل النظر ، ولا تسيروا سير الغافلين.
وهنا معناه إباحة السّير في الأرض للتجارة وغيرها من المنافع ، وإيجاب النظر في آثار الهالكين ، ونبّه على ذلك ب «ثمّ» لتباعد ما بين الواجب والمباح (٥).
قال أبو حيّان (٦) ـ رضي الله عنه ـ : وما ذكره أوّلا متناقض ؛ لأنه جعل النظر متسبّبا عن السّير ، فكان السّير سببا للنّظر ، ثم قال : فكأنه قيل : سيروا لأجل النّظر ، فجعل السّير معلولا بالنّظر ، والنّظر سبب له فتناقضا ، ودعوى أن «الفاء» سببية دعوى لا دليل عليها ، وإنّما معناها التّعقيب فقط ، وأمّا «زنى ما عز فرجم» ففهم السببية من قرينة غيرها.
قال : «وعلى تقدير [تسليم](٧) إفادتها السّبب ، فلم كان السير هنا سير إباحة ، وفي غيره سير إيجاب؟».
وهذا اعتراض صحيح إلّا قوله : «إنّ «الفاء» لا تفيد السّببيّة» (٨) فإنه غير (٩) مرض ،
__________________
(١) في ب : المتقدمة.
(٢) في ب : أن العطف.
(٣) في ب : ذكر. وينظر : الكشاف ٢ / ٨.
(٤) في ب : قال.
(٥) ينظر : البحر المحيط للزركشي ١ / ٢٧٥ ، البرهان لإمام الحرمين ١ / ٣١٣ ، سلاسل الذهب للزركشي ١٠٩ ، الإحكام في أصول الأحكام للآمدي ١ / ١١٤ ، التمهيد للإسنوي ٦١ ، نهاية السول له ١ / ٨٠ ، زوائد الأصول للشيخ زكريا الأنصاري ١٠ ، التحصيل من المحصول للأرموي ١ / ١٧٤ ، المستصفى للغزالي ١ / ٧٥ ، حاشية البناني ١ / ٨٣ ، الإبهاج لابن السبكي ١ / ٦٠ ، الآيات البينات لابن قاسم العبادي ١ / ١٣٨ حاشية العطار على جمع الجوامع ١ / ١١٣ ، المعتمد لأبي الحسين ١ / ٥ ، تيسير التحرير لأمير بادشاه ٢ / ٢٢٥ ، حاشية التفتازاني والشريف على مختصر المنتهى ١ / ٢٢٥ ، شرح التلويح على التوضيح لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني ٢ / ١٢٣ ، الموافقات للشاطبي ١ / ١٠٩ ، ميزان الأصول للسمرقندي ١ / ١٤٥ ـ ١٤٩ ، الكوكب المنير للفتوحي ١٣٠.
(٦) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٨٥.
(٧) سقط في ب.
(٨) في ب : السبب.
(٩) في ب : ليس.
[ودليله في غير هذا الموضع](١) ومثل هذا المكان في كون الزّمخشريّ جعل شيئا علّة ، ثم جعله معلولا (٢) ، كما (٣) سيأتي إن شاء الله ـ تعالى ـ في أوّل «الفتح» ، ويأتي هناك جوابه.
قوله : (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ) «كيف» خبر مقدّم ، و «عاقبة» اسمها ، ولم يؤنّث فعلها ؛ لأنّ تأنيثها غير حقيقي ؛ ولأنها بتأويل المآل والمنتهى ، فإنّ العاقبة مصدر على وزن «فاعلة» ، وهو محفوظ في ألفاظ تقدّم ذكرها وهي منتهى الشيء وما يصير إليه.
والعاقبة إذا أطلقت اختصت بالثواب قال تعالى : (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف : ١٢٨] وبالإضافة قد تستعمل في العقوبة كقوله تبارك وتعالى : (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى) [الروم : ١٠] ، (فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها) [الحشر : ١٧] فصحّ أن تكون استعارة من ضدّه كقوله تعالى : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [آل عمران : ٢١].
و «كيف» معلّقة للنظر ، فهي في محلّ نصب على إسقاط الخافض ؛ لأنّ معناه هنا التّفكّر والتدبّر. والله أعلم.
قوله تعالى : (قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)(١٢)
«لمن» خبر مقدّم واجب التقديم ، لاشتماله على ما له صدر الكلام ، فإنّ «من» استفهامية [والمبتدأ «ما» وهي بمعنى «الذي»](٤) ، والمعنى : لمن استقرّ الذي في السماوات.
وقوله : «قل لله» قيل : إنّما أمره أن يجيب ، وإن كان المقصود أن يجيب غيره ؛ ليكون أوّل من بادر بالاعتراف بذلك.
وقيل : لمّا سألهم كأنّهم قالوا : لمن هو؟ فقال الله : قل لله ، ذكره الجرجاني فعلى هذا قوله : «قل لله» جواب للسؤال المضمر الصّادر من جهة الكفّار ، وهذا بعيد ؛ لأنهم لم يكونوا يشكّون في أنّه لله ، وإنما هذا سؤال تبكيت وتوبيخ ، ولو أجابوا لم يسعهم أن يجيبوا إلّا بذلك (٥).
وقال ابن الخطيب (٦) : إنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ أمره بالسّؤال أوّلا (٧) ، ثمّ بالجواب ثانيا ، وهذا إنّما يحسن في الموضع الذي يكون جوابه قد بلغ في الظهور إلى حيث لا يقدر على إنكاره منكر ، ولمّا كانت آثار الحدوث والإمكان ظاهرة في ذوات جميع
__________________
(١) في ب : في كتب النحو.
(٢) في ب : ونظيره.
(٣) في ب : ما.
(٤) سقط في ب.
(٥) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٦ ـ ١٧ البحر المحيط ٤ / ٨٦.
(٦) ينظر : تفسير الرازي ١٢ / ١٣٦.
(٧) في ب : أولا بالسؤال
الأجسام ، وفي جميع صفاتها ، لا جرم كان الاعتراف (١) بأنها بأسرها لله تعالى ، وملك له ، ومحلّ تصرّفه وقدرته ، لا جرم أمره بالسّؤال أوّلا ، ثم بالجواب ثانيا ليدلّ ذلك على أنّ الإقرار بهذا المعنى ممّا لا سبيل إلى دفعه ألبتّة ، كما قال تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [لقمان : ٢٥] وقوله : «الله» خبر مبتدأ محذوف أي : هو الله.
فصل في المراد بالآية
والمقصود من هذه الآية الكريمة تقرير إثبات الصّانع ، وتقرير المعاد ، وتقرير النّبوّة ، أما تقدير إثبات الصّانع ، فلأن أحوال العالم العلويّ والسّفلي تدلّ على أنّ جميع هذه الأجسام موصوفة بصفات كان يجوز عليها اتّصافها بأضدادها ، وإذا كان كذلك كان اختصاص كلّ جزء منها بصفة معيّنة لا بدّ وأن يكون لأجل أنّ الصانع الحكيم القادر المختار خصّه بتلك الصّفة المعينة ، وهذا يدلّ على أن العالم مع كل ما فيه مملوك لله تعالى ، وإذا ثبت هذا ثبت كونه قادرا على الإعادة والحشر والنّشر ؛ لأن التركيب الأوّل إنما حصل لكونه ـ تبارك وتعالى ـ قادرا على كل الممكنات ، عالما بكل المعلومات ، وهذه القدرة والعلم ممتنع زوالهما ، فوجب صحّة الإعادة ثانيا.
وإذا ثبت أنه ـ تعالى ـ ملك مطاع ، والملك المطاع من له الأمر والنهي على عبيده ، لا بدّ من مبلّغ ، وذلك يدلّ على أن بعثة الأنبياء والرّسل عليهم الصّلاة والسّلام من الله إلى الخلق غير ممتنع ، فدلّت هذه الآية الكريمة على هذه المطالب الثلاثة ، ولما سبق ذكر هذه المسائل الثلاثة ذكر الله ـ تبارك وتعالى ـ بعدها هذه الآية لتكون مقرونة (٢) بمجموع تلك المطالب.
قوله : (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ) أي قضى وأوجب إيجاب تفضّل (٣) ، لا أنّه مستحقّ عليه تعالى.
وقيل : معناه القسم ، وعلى هذا فقوله : «ليجمعنّكم» جوابه ؛ لما تضمّن من معنى القسم ، وعلى هذا فلا توقّف على قوله : «الرّحمة».
وقال الزجاج (٤) : إن الجملة في قوله : «ليجمعنّكم» في محل نصب على أنها بدل من الرحمة ؛ لأنه فسّر قوله تعالى : «ليجمعنّكم» بأنه أمهلكم وأمدّ لكم في العمر والرّزق مع كفركم ، فهو تفسير للرحمة.
وقد ذكر الفرّاء (٥) هذين الوجهين : أعني أن الجملة تمّت عند قوله تعالى : «الرّحمة» ، أو أنّ «ليجمعنّكم» بدل منها ، فقال : إن شئت جعلت الرّحمة غاية الكلام ، ثمّ
__________________
(١) في ب : الأعراف.
(٢) في الرازي مقررة ١٢ / ١٣٦.
(٣) في ب : تفضيل.
(٤) ينظر : معاني القرآن له ٢ / ٢٥٥.
(٥) ينظر : معاني القرآن له ١ / ٣٢٨.
استأنفت بعدها «ليجمعنّكم» ، وإن شئت جعلتها في موضع نصب كما قال : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ) [الأنعام : ٥٤] قال شهاب الدين (١) ـ رحمهالله ـ : واستشهاده بهذه الآية الكريمة حسن جدا.
وردّ ابن عطيّة (٢) هذا بأنه يلزم دخول نون التوكيد [في الإيجاب قال : وإنما تدخل على الأمر والنهي ، وجواب القسم ، ورد أبو حيان (٣) حصر ابن عطيّة ورود نون التوكيد](٤) فيما ذكر وهو صحيح ، وردّ كون «ليجمعنّكم» بدلا من الرحمة بوجه آخر ، وهو أنّ «ليجمعنكم» جواب قسم ، وجملة الجواب وحدها لا موضع لها من الإعراب ، إنما يحكم على موضع جملتي القّسم والجواب بمحلّ الإعراب.
قال شهاب الدين (٥) : وقد خلط مكّي المذهبين ، وجعلهما مذهبا واحدا ، فقال : «ليجمعنّكم» في موضع نصب على البدل من «الرحمة» واللام لام القسم ، فهي جواب «كتب» ؛ لأنه بمعنى : أوجب ذلك على نفسه ، ففيه معنى القسم ، وقد يظهر جواب عما أورده أبو حيّان على غير مكي ، وذلك أنهم جعلوا «ليجمعنّكم» بدلا من الرّحمة ـ يعني : هي وقسيمها المحذوف ، واستغنوا عن ذكر القسم ، لا سيما وهو غير مذكور.
وأمّا مكّي فلا يظهر هذا جوابا له ؛ لأنّه نصّ على أنّه جواب ل «كتب» ، فمن حيث جعله جوابا ل «كتب» لا محلّ له ، ومن حيث جعله بدلا كان محلّه النّصب ، فتنافيا ، والذي ينبغي في هذه الآية الكريمة أن يكون الوقف عند قوله : «الرحمة».
وقوله : «ليجمعنّكم» جواب قسم محذوف أي : «والله ليجمعنّكم» ، والجملة القسميّة لا محلّ لها بما قبلها من حيث الإّعراب ، وإن تعلّقت به من حيث المعنى.
و «إلى» على بابها ، أي : ليجمعنّكم منتهين إلى يوم القيامة.
وقيل : هي بمعنى «اللّام» كقوله تعالى : (إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ) [آل عمران : ٩] وقيل : بمعنى «في» أي : ليجمعنّكم في يوم القيامة.
وقيل : هي زائدة ، أي : ليجمعنكم يوم القيامة ، وقد يشهد له قراءة من قرأ (تَهْوِي إِلَيْهِمْ) [إبراهيم : ٣٧] بفتح «الواو» إلّا أنه لا ضرورة هنا إلى ذلك.
وتقدّم الكلام في (لا رَيْبَ فِيهِ) في أول «البقرة» [البقرة : ٢] والجملة حال من «يوم» والضمير في «فيه» يعود على «اليوم».
وقيل : يعود على الجمع المدلول عليه بالفعل ؛ لأنه ردّ على منكري القيامة.
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٧.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٧٢.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٨٦.
(٤) سقط في أ.
(٥) ينظر : الدر ٢ / ١٧.
فصل في الكلام على الآية
قال بعضهم (١) : هذا كلام مبتدأ لا تعلّق له بما قبله ، فيه تصريح بكمال إلهيته سبحانه تعالى بقوله : (قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ) ثم بيّن ـ تبارك وتعالى ـ أنه يرحمهم بالإمهال ، ورفع عذاب الاستئصال ، وبيّن أنّه يجمعهم إلى يوم القيامة.
فقوله : (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) ، أي : يمهلهم.
وقوله : (لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) أنّه لا يمهلهم بل يحشرهم ويحاسبهم بكلّ ما فعلوا.
وقال آخرون : إنه متعلّق [بما قبله](٢) ، والتقدير : «كتب ربّكم على نفسه الرّحمة ليجمعنّكم إلى يوم القيامة».
وقيل : إنه لمّا قال : كتب ربكم على نفسه الرحمة ، فكأنه قيل : وما تلك الرحمة؟ فقيل : إنّه تبارك وتعالى «ليجمعنكم» [إلى يوم القيامة» وذلك لأنّه لو لا خوف العذاب لحصل الهرج والمرج فصار يوم القيامة من أعظم أسباب الرحمة ، فكان قوله : (لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ)](٣). كالتفسير لقوله : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)(٤).
فصل في المراد بهذه الآية
اختلفوا في المراد بهذه الرّحمة ، فقيل : إنّه ـ [تبارك وتعالى] ـ يمهلهم مدّة عمرهم ، ويدفع عنهم عذاب الاستئصال ، ولا يعاجلهم بالعقوبة [في الدنيا](٥).
وقيل : المراد (كَتَبَ عَلى) نفس (الرَّحْمَةَ) لمن ترك التّكذيب بالرّسل ، وقبل شريعتهم وتاب (٦).
فصل في الإخبار عن سعة رحمة الله
روى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لمّا قضى الله الخلق كتب كتابا فهو عنده فوق العرش إنّ رحمتي غلبت (٧) غضبي» (٨).
وروى أبو الزّناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة : «إنّ رحمتي سبقت غضبي» (٩).
__________________
(١) تفسير الرازي ١٢ / ١٣٧.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في أ.
(٤) ينظر : تفسير الرازي ١٢ / ١٣٧.
(٥) سقط في أ.
(٦) الرازي ١٢ / ١٣٧.
(٧) في ب : سبقت.
(٨) متفق عليه من رواية أبي هريرة رضي الله عنه ، أخرجه البخاري في الصحيح ٦ / ٢٨٧ ، كتاب بدء الخلق : باب ما جاء في قول الله تعالى : هُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ... [الروم : ٢٧] الحديث (٣١٩٤) ، وأخرجه مسلم في الصحيح ٤ / ٢١٠٨ كتاب التوبة : باب في سعة رحمة الله الحديث (١٦ / ٢٧٥١).
(٩) أخرجه البخاري في الصحيح ١٣ / ٥٢٢ ، كتاب التوحيد : باب قول الله تعالى : بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ ... سورة البروج الآية (٢١) الحديثان (٧٥٥٣ / ٧٥٥٤) واللفظ له ، وأخرجه مسلم في الصحيح ٤ / ٢١٠٨ ، كتاب التوبة : باب في سعة رحمة الله الحديث (١٥ / ٢٧١٥).
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ لله مائة رحمة واحدة منها بين الجنّ والإنس والبهائم والطير والهوامّ فيها يتعاطفون وبها يتراحمون ، وبها تعطف الوحوش على أولادها وأخّر تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة» (١).
وعن عمر بن الخطّاب ـ رضي الله عنه ـ قال : «قدم على النّبيّ صلىاللهعليهوسلم صبيّ ، فإذا امرأة من السّبي قد تحلب ثديها لسقي إذ وجدت صبيا في السّبي ، فأخذته فألصقته ببطنها وأرضعته فقال لنا رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم : أترون هذه طارحة ولدها في النّار؟ قلنا : لا وهي تقدر على أن تطرحه ، فقال : لله أرحم بعباده من هذه بولدها» (٢).
قوله : (الَّذِينَ خَسِرُوا) فيه ستّة أوجه (٣) :
أحدها : أنه منصوب بإضمار «أذمّ» ، وقدّره الزّمخشري (٤) ب «أريد» ، وليس بظاهر.
الثاني : أنه مبتدأ أخبر عنه بقوله : (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ، وزيدت الفاء في خبره لما تضمّن من معنى الشّرط ، قاله الزجاج (٥) ، كأنه قيل : من يخسر نفسه فهو لا يؤمن.
الثالث : أنه مجرور على أنه نعت للمكذّبين.
الرابع : أنه بدل منهم ، وهذان الوجهان بعيدان.
الخامس : أنه منصوب على البدل من ضمير المخاطب ، [وهذا](٦) قد عرفت ما فيه غير مرّة ، وهو أنه هل يبدل من ضمير الحاضر بدل كلّ من كل في غير إحاطة ولا شمول أم لا؟
ومذهب الأخفش جوازه ، وقد تقدّم دليل الفريقين ، وردّ المبرد (٧) عليه مذهبه ، بأنّ البدل من ضمير الخطاب لا يجوز ، كما لا يجوز : «مررت بك زيد» وهذا عجيب ؛ لأنه استشهاد بمحلّ النزاع ، وهو «مررت بك زيد» ، وردّ ابن عطيّة (٨) ـ رحمهالله تعالى ـ ردّه فقال : «ما في الآية مخالف للمثال ؛ لأنّ الفائدة في البدل مترتّبة من الثاني ، فأمّا في «مررت بك زيد» فلا فائدة في الثاني.
وقوله : «ليجمعنّكم» يصلح لمخاطبة النّاس كافّة ، فيفيدنا إبدال «الّذين» من الضمير أنهم هم المختصّون بالخطاب ، وخصّوا على جهة الوعيد ، ويجيء هذا إبدال البعض من الكلّ».
__________________
(١) أخرجه البخاري في الصحيح ١٠ / ٤٣١ ، كتاب الأدب : باب جعل الله الرحمة الحديث (٦٠٠٠) ، وأخرجه مسلم في الصحيح ٤ / ٢١٠٨ ، كتاب التوبة : باب سعة رحمة الله الحديث (١٩ / ٢٧٥٢) واللفظ له.
(٢) أخرجه البخاري في الصحيح ١٠ / ٤٢٦ ـ ٤٢٧ ، كتاب الأدب باب رحمة الله الحديث (٥٩٩٩) ، وأخرجه مسلم في الصحيح ٤ / ٢١٠٩ ، كتاب التوبة : باب في سعة رحمة الله الحديث (٢٢ / ٢٧٥٤).
(٣) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٨٧ الدر المصون ٣ / ١٧ ، ١٨.
(٤) الكشاف ٢ / ٩.
(٥) ينظر : معاني القرآن له ٢ / ٢٥٥.
(٦) سقط في ب.
(٧) في ب : ورد عليه المبرد.
(٨) ينظر : المحرر الوجيز (٢ / ٢٧٢).
قال أبو حيّان (١) : «هذا الرّد ليس بجيّد ؛ لأنه إذا جعلنا «ليجمعنّكم» صالحا لخطاب جميع النّاس كان «الّذين» بدل بعض ، ويحتاج إذ ذاك إلى ضمير ، تقديره : خسروا أنفسهم فيهم وقوله : «فيفيدنا إبدال الذين من الضمير أنهم هم المختصّون بالخطاب ، وخصّوا على جهة الوعيد» ، وهذا يقتضي أن يكون بدل كلّ من كلّ ، فتناقض أوّل كلامه مع آخره ؛ لأنه من حيث الصّلاحيّة بدل بعض ، ومن حيث اختصاص الخطاب بهم يكون بدل كلّ ، فتناقضا».
قال شهاب الدّين (٢) : ما أبعده عن التّناقض ؛ لأن بدل البعض من الكلّ من جملة المخصّصات (٣) ، كالتخصيص بالصّفة (٤) والغاية (٥) والشرط (٦) ، نصّ العلماء ـ رضي الله عنهم
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٨٧.
(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٨.
(٣) التخصيص بالبدل : أعني بدل البعض من الكل ، نحو : أكلت الرغيف ثلثه ، ومنه قوله تعالى : ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ [المائدة : ٧١] ذكره ابن الحاجب في مختصره. وأنكره الصفي الهندي ، قال : لأن المبدل كالمطروح ، فلم يتحقق فيه معنى الإخراج ، والتخصيص لا بد فيه من الإخراج ؛ ألا ترى إلى قوله تعالى : وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران : ٩٧] ، أن تقديره : ولله حج البيت على من استطاع ؛ وكذا أنكره الأصفهاني شارح «المحصول» ، وهذا أحد المذاهب فيه ، والأكثرون على أنه ليس في نية الطرح.
قال السّيرافي : زعم النحويون أنه في حكم تنحية الأول ، وهو المبدل منه ، ولا يريدون بذلك إلغاءه ، وإنما مرادهم: أن البدل قائم بنفسه ، وليس تبيينا للأول ؛ كتبيين النعت الذي هو تمام المنعوت ، وهو معه كالشيء الواحد ، ومنهم من قال لا يحسن عدّ البدل ؛ لأن الأول في قولنا : أكلت الرغيف ثلثه ، يشبه العام المراد به الخصوص ، لا العام المخصوص.
تنبيهان : الأول : إذا جعلناه من المخصصات ، فلا يجيء فيه خلاف الاستثناء في اشتراط بقاء الأكثر : بل سواء قلّ ذلك البعض أو ساواه أو زاد عليه ، كأكلت الرغيف ثلثه ، أو نصفه ، أو ثلثيه.
الثاني : يلتحق ببدل البعض في ذلك بدل الاشتمال ؛ لأن في كليهما بيانا وتخصيصا للمبدل منه. ينظر البحر المحيط ٣ / ٣٥٠.
(٤) والمراد بها : المعنوية لا النعت بخصوصه ، نحو : أكرم العلماء الزهاد ، فإن التقييد بالزهاد يخرج غيرهم. قال إمام الحرمين في باب القضاء من «النهاية» : الوصف عند أهل اللغة معناه : التخصيص ، فإذا قلت : رجل ، شاع هذا في ذكر الرجال ، فإذا قلت : طويل ، اقتضى ذاك تخصيصا ، فلا تزال تزيد وصفا ، فيزداد الموصوف اختصاصا ، وكلما كثر الوصف قل الموصوف. اه.
وهي كالاستثناء في وجوب الاتصال وعودها إلى الجمل. قال المازري : ولا خلاف في اتصال التوابع وهي النعت ، والتوكيد ، والعطف ، والبدل ، وإنما الخلاف في الاستثناء. وقال بعضهم : الخلاف في الصفة النحوية ، وهي التابع لما قبله في إعرابه ، أما الصفة الشرطية فلا خلاف فيها.
وقال أبو البركات بن تيمية : فأما الصفات وعطف البيان والتوكيد والبدل ونحوها من المخصصات ، فينبغي أن تكون بمنزلة الاستثناء. وقال الإمام فخر الدين : إذا تعقبت الصفة شيئين ، فإما أن تتعلق إحداهما بالأخرى ، نحو : أكرم العرب والعجم المؤمنين عادت إليهما ، وإما ألّا يكون كذلك ، نحو : أكرم العلماء ، وجالس الفقهاء الزهاد ، فههنا الصفة عائدة إلى الجملة الأخيرة ، وللبحث فيه مجال كما في الاستثناء. وقال الصفي الهندي : إن كانت الصفات كثيرة ، وذكرت على الجمع عقب جملة تقيدت بها ، أو على البدل ، فلواحدة غير معينة منها ، وإن ذكرت عقب جمل ، ففي العود إلى كلها أو إلى الأخيرة الخلاف. ـ
ـ على ذلك ، فإذا تقرّر هذا ، فالمبدل منه بالنسبة إلى اللّفظ في الظاهر عامّ ، وفي المعنى ليس المراد به إلّا ما أراده المتكلّم ، فإذا ورد : «واقتلوا المشركين بني فلان» مثلا ، فالمشركون صالح لكلّ مشرك من حيث اللّفظ ، ولكنّ المراد به بنو فلان ، فالعموم في اللفظ والخصوص في المعنى ، فكذا قول أبي محمّد يصلح لمخاطبة الناس ، معناه أنه يعمّهم لفظا.
__________________
ـ ينظر : البحر المحيط للزركشي ٣ / ٣٤١ : ٣٤٤ ، أحكام الآمدي ٢ / ٢٩١ ، التمهيد للإسنوي ٤٠٩ ، نهاية السول له ٢ / ٤٤٢ ـ ٤٤٣ ، منهاج العقول للبدخشي ٢ / ١٢٢ ، غاية الوصول للشيخ زكريا الأنصاري ٧٧ ، التحصيل من المحصول للأرموي ١ / ٣٨٥ ، حاشية البناني ٢ / ٢٣ ، الإبهاج لابن السبكي ٢ / ١٦١ ، ١٦٣ ، الآيات البينات لابن قاسم العبادي ٣ / ٥٢ ، حاشية العطار على جمع الجوامع ٢ / ٥٨ ، تيسير التحرير لأمير بادشاه ١ / ٢٨١ ، ٢٨٢ ، حاشية التفتازاني والشريف على مختصر المنتهى ٢ / ١٤٥ ، ميزان الأصول للسمرقندي ١ / ٤٥٢ ، تقريب الوصول لابن جزي ٧٦ ، نشر البنود للشنقيطي ١ / ٢٤٨. وينظر : المسودة (١٩٧) شرح العضد ٢ / ١٣٢.
وهي نهاية الشيء ومنقطعه ، وهي حدّ لثبوت الحكم قبلها وانتفائه بعدها ، ولها لفظان : «حتى ، وإلى» ؛ كقوله تعالى : وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ [البقرة : ١٨٧] وقوله : وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ [المائدة : ٦] ونحو : أكرم بني تميم ، حتى يدخلوا أو إلى أن يدخلوا ، فيقتضي تخصيصه بما قبل الدخول.
والمقصود بالغاية : ثبوت الحكم لما قبلها ، والمعنى يرتفع بهذه الغاية ؛ لأنه لو بقي فيما وراء الغاية ، لم تكن الغاية منقطعا ، فلم تكن الغاية غاية ؛ لكن هل يرتفع الحكم من غير ثبوت ضد المحكوم عليه أو تدلّ على ثبوت المحكوم عليه فقط؟ هو موضوع الخلاف كما في الاستثناء ، والمختار الأول.
ينظر : البحر المحيط ٣ / ٣٤٤ ، والمصادر السابقة.
قالوا : وهو لغة : العلامة ، والذي في الصحاح وغيره من كتب اللغة : ذلك في الشّرط بالتحريك ، وجمعه أشراط ، ومنه أشراط الساعة ، أي : علاماتها ، وأما الشّرط بالتسكين ، فجمعه شروط في الكثرة ، وأشراط في القلة كفلوس وأفلس.
وأما في الاصطلاح : فذكر فيه حدود : أولاها : ما ذكره القرافي ، وهو أن الشرط ما يلزم من عدمه العدم ، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته ؛ فاحترز بالقيد الأول من المانع ؛ فإنه لا يلزم من عدمه شيء ، وبالثاني من السبب ، فإنه يلزم من وجوده الوجود ، وبالثالث من مقارنة الشرط وجود السبب فيلزم الوجود ، أو وجود المانع فيلزم العدم ، ولكن ليس ذلك لذاته ، بل لوجود السبب والمانع.
قال ابن القشيري : والشرط لا يتخصص بالوجود ؛ بل يجوز أن يكون عدما ؛ لأنا كما نشترط في قيام السواد بمحله وجود محله ، يشترط عدم ضده ، ويشترط عدم القدرة على استعمال الماء في صحة التيمم.
ينظر : البحر المحيط للزركشي ٣ / ٣٢٧ ، أحكام الآمدي ٢ / ٢٨٨ ، التمهيد للإسنوي ٤٠١ ، نهاية السول له ٢ / ٤٣٧ ، منهاج العقول للبدخشي ٢ / ١٢٢ ، غاية الوصول للشيخ زكريا الأنصاري ٧٧ ، التحصيل من المحصول للأرموي ١ / ٣٨٣ ، المستصفى للغزالي ٢ / ١٦٣ ، حاشية البناني ٢ / ٢٠ ، الإبهاج لابن السبكي ٢ / ١٥٥ ، الآيات البينات لابن قاسم العبادي ٣ / ٤٥ ، حاشية العطار ٢ / ٥٥ ، المعتمد لأبي الحسين ١ / ٢٤٠ ، تيسير التحرير لأمير بادشاه ١ / ٢٨٠ ، حاشية التفتازاني والشريف على مختصر المنتهى ٢ / ١٤٥ ، ميزان الأصول للسمرقندي ١ / ٤٥٢ ، تقريب الوصول لابن جزي ٧٦ ، نشر البنود للشنقيطي ١ / ٢٣٨ ، الكوكب المنير للفتوحي ٤٠٧ ، ٤٠٩ ، ٤١٠. وينظر : شرح تنقيح الفصول (٨٢).
وقوله «فيفيدنا إبدال الضمير إلى آخره» هذا هو المخصّص فلا يجيء تناقض ألبتّة ، وهذا مقرر في «أصول الفقه».
السادس : أنه مرفوع على الذّمّ ، قاله الزّمخشري (١) ، وعبارته فيه وفي الوجه الأول :
«نصب على الذم أو رفع ، أي : أريد الذين خسروا أنفسهم ، أو أنتم الذين خسروا أنفسهم» انتهى.
قال شهاب الدين (٢) ـ رحمهالله تعالى ـ : «إنما قدّر المبتد «أنتم» ليرتبط مع قوله : «ليجمعنّكم» ، وقوله : (خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) من مراعاة الموصول ، ولو قال : «أنتم الّذين خسروا أنفسكم» مراعاة للخطاب لجاز ، تقول : أنت الذي قعد ، وإن شئت : قعدت».
فإن قيل : ظاهر اللّفظ يدلّ على أنّ خسرانهم سبب لعدم إيمانهم ، والأمر على العكس؟
فالجواب : أنّ هذا يدلّ على أن سبق القضاء بالخسران والخذلان هو الذي حملهم على الامتناع من الإيمان ، وهو مذهب أهل السّنّة (٣).
قوله تعالى : (وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(١٣)
قوله : (وَلَهُ ما سَكَنَ) : جملة من مبتدأ وخبر ، وفيها قولان :
أظهرهما : أنها استئناف إخبار بذلك.
والثاني : أنها في محلّ نصب نسقا على قوله : «لله» ، أي : على الجملة المحكيّة ب «قل» أي : قل : هو لله ، وقل : له ما سكن.
و «ما» موصولة بمعنى «الذي» ، ولا يجوز غير ذلك.
و «سكن» قيل : معناه ثبت واستقرّ ، ولم يذكر الزمخشري غيره (٤).
كقولهم : فلان يسكن بلدة كذا ، ومنه قوله تبارك وتعالى (وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) [إبراهيم : ٤٥].
وقيل : هو من «سكن» مقابل «تحرّك» ، فعلى الأوّل لا حذف في الآية الكريمة.
قال الزمخشري (٥) : وتعدّيه ب «في» كما في قوله : (وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) [إبراهيم : ٤٥] ، ورجّح هذا التفسير (٦) ابن عطية (٧).
وعلى الثّاني اختلفوا ، فمنهم من قال : لا بدّ من محذوف لفهم المعنى ، وقدّر ذلك
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٩.
(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٨.
(٣) الرازي ١٢ / ١٣٨.
(٤) ينظر : الكشاف ٢ / ٩.
(٥) ينظر : الكشاف ٢ / ٩.
(٦) في ب : التقدير.
(٧) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٧٢.
المحذوف معطوفا ، فقال : تقديره : وله ما سكن وما تحرك ، كقوله في موضع آخر : (تَقِيكُمُ الْحَرَّ) [النحل : ٨١] أي : والبرد وحذف المعطوف فاش في كلامهم ، وأنشد القائل في ذلك :
٢١١٦ ـ كأنّ الحصى من خلفها وأمامها |
|
إذا نجلته رجلها خذف أعسرا (١) |
وقال الآخر : [الطويل]
٢١١٧ ـ فما كان بين الخير لو جاء سالما |
|
أبو حجر إلّا ليال قلائل (٢) |
يريد : رجلها ويدها ، وبين الخير وبيني.
ومنهم من قال : لا حذف ؛ لأنّ كلّ متحرك قد يسكن.
وقيل : لأنّ المتحرّك أقلّ ، والساكن أكثر ، فلذلك أوثر بالذّكر.
وقيل : إنما خصّ السّكون بالذّكر ؛ لأن النعمة فيه أكثر.
فصل في نظم الآية
قال أبو مسلم : وجه نظم الآية الكريمة أنه ـ تبارك وتعالى ـ ذكر في الآية الأولى : السّموات والأرض ؛ إذ لا مكان سواهما ، وفي هذه الآية الكريمة ذكر الليل والنّهار ، إذ لا زمان سواهما ، فالزّمان والمكان ظرفان للمحدثات ، فأخبر ـ تبارك وتعالى ـ أنه مالك للمكان والمكانيّات ، ومالك للزّمان والزّمانيّات (٣).
قال محمد بن جرير (٤) : كلّ ما طلعت عليه الشّمس وغربت ، فهو من مساكن الليل والنّهار ، والمراد جميع ما في الأرض.
وقيل : معناه له ما يمرّ عليه الليل والنّهار ، وهو السميع لأصواتهم ، العليم بأسرارهم.
قوله تعالى : (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١٤)
قوله : «أغير الله» مفعول أوّل ل «أتّخذ» و «وليا» مفعول ثان ، وإنما قدّم المفعول الأوّل على فعله لمعنى ، وهو إنكار أن يتّخذ غير الله وليّا لا اتّخاذ الوليّ ، ونحوه قولك لمن يهين زيدا وهو مستحقّ للإكرام : «أزيدا أهنت»؟! أنكرت أن يكون مثله مهانا.
وقد تقدّم هذا موضحا في قوله : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ) [المائدة : ١١٦] ، ومثله : (أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا) [الأنعام : ١٦٤] ، (أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ) [الزمر : ٦٤] (آللهُ أَذِنَ
__________________
(١) تقدم.
(٢) تقدم.
(٣) ينظر : الرازي ١٢ / ١٣٨.
(٤) تفسير الطبري (٥ / ١٥٨).
لَكُمْ) [يونس : ٥٩] (آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ) [الأنعام : ١٤٣] وهو كثير ، ويجوز أن يكون «اتخذ» متعدّيا لواحد ، فيكون «غير» منصوبا على الحال من «وليا» ؛ لأنه في الأصل صفة له ، ولا يجوز أن يكون استثناء ألبتّة ، كذا منعه أبو البقاء (١) ، ولم يبيّن وجهه.
والذي يظهر أنّ المانع تقدّمه على المستثنى منه في المعنى ، وهو «وليا».
وأمّا المعنى فلا يأبى الاستثناء ؛ لأن الاستفهام لا يراد به حقيقته ، بل يراد به الإنكار ، فكأنه قيل : لا أتّخذ وليّا غير الله ، ولو قيل كذا لكان صحيحا ، فظهر أنّ المانع عنده إنما هو التّقديم على المستثنى منه ، لكن ذلك جائز وإن كان قليلا ، ومنه : [الطويل]
٢١١٨ ـ وما لي إلّا آل أحمد شيعة |
|
وما لي إلّا مشعب الحقّ مشعب (٢) |
وقرأ الجمهور (٣) «فاطر» بالجر ، وفيها تخريجان :
أحدهما ـ وبه قال الزمخشريّ والحوفيّ وابن عطيّة (٤) ـ : صفة للجلالة المجرورة ب «غير» ، ولا يضرّ الفصل بين الصّفة والموصوف بهذه الجملة الفعلية ومفعولها ؛ لأنها ليست بأجنبية ، إذ هي عاملة في عامل الموصوف.
الثاني ـ وإليه نحا أبو البقاء (٥) ـ : أنه بدل من اسم الله ، وكأنه فرّ من الفصل بين الصّفة وموصوفها.
فإن قيل : هذا لازم له في البدل ، فإنه فصل بين التّابع ومتبوعه أيضا ، فيقال : إنّ الفصل بين البدل والمبدل فيه أسهل ؛ لأن البدل على نيّة تكرار العامل ، فهو أقرب إلى الفصل ، وقد يرجّح تخريجه بوجه آخر ، وهو أنّ «فاطر» اسم فاعل ، والمعنى ليس على المضيّ حتى تكون إضافته غير محضة ، فيلزم وصف المعرفة بالنّكرة ؛ لأنه في نيّة الانفصال من الإضافة ، ولا يقال : الله فاطر السماوات والأرض فيما مضى ، فلا يراد حال ولا استقبال ؛ لأن كلام الله ـ تبارك وتعالى ـ قديم متقدّم على خلق السماوات ، فيكون المراد به الاستقبال قطعا ، ويدلّ على جواز كونه في نيّة التّنوين ما يأتي ذكره عن أبي البقاء قريبا.
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ٣٣٦.
(٢) البيت للكميت.
ينظر : الإنصاف ص (٢٧٥) ، تخليص الشواهد ص (٨٢) ، خزانة الأدب ٤ / ٣١٤ ، الدرر ٣ / ١٦١ ، شرح أبيات سيبويه ٢ / ١٣٥ ، شرح التصريح ١ / ٣٥٥ ، شرح شذور الذهب ص (٣٤١) ، شرح قطر الندى ص (٢٤٦) ، لسان العرب (شعب) ، اللمع في العربية ص (١٥٢) ، المقاصد النحوية ٣ / ١١١ ، أوضح المسالك ٢ / ٢٦٦ ، شرح الأشموني ١ / ٢٣٠ ، شرح ابن عقيل ص (٣٠٨) ، مجالس ثعلب ص (٦٢) ، المقتضب ٤ / ٣٩٨.
(٣) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٠ ، الكشاف ٢ / ٩.
(٤) ينظر : الكشاف ٢ / ٩ والمحرر الوجيز ٢ / ٢٧٣ والدر المصون ٣ / ٢٠ فيه النقل عن الحوفي وكذلك البحر المحيط ٤ / ٩٠.
(٥) ينظر : الإملاء ١ / ٢٣٦.
وقرأ (١) ابن أبي عبلة برفعه ، وتخريجه سهل ، وهو أنه خبر مبتدأ محذوف.
وخرّجه ابن عطية (٢) على أنه مبتدأ ، فيحتاج إلى تقدير خبر ، والدلالة عليه خفيّة بخلاف تقدير المبتدأ ، فإنه ضمير الأول ، أي : «هو فاطر». وقرىء شاذا (٣) بنصبه ، وخرّجه أبو البقاء (٤) على وجهين :
أحدهما : أنه بدل من «وليا» ، قال : «والمعنى على هذا أجعل فاطر السماوات والأرض غير الله» ، كذا قدّره ، وفيه نظر ؛ لأنه جعل المفعول الأول ، وهو «غير الله» مفعولا ثانيا ، وجعل البدل من المفعول الثاني مفعولا أوّل ، فالتقدير عكس التركيب الأصلي.
والثاني : أنه صفة ل «وليّا» قال : ويجوز أن يكون صفة ل «وليّا» والتنوين مراد.
قال شهاب الدين (٥) : يعني بقوله : «التنوين مراد» أنّ اسم الفاعل عامل تقديرا ، فهو في نيّة الانفصال ، ولذلك وقع وصفا للنكرة كقوله : (هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) [الأحقاف : ٢٤].
وهذا الوجه لا يكاد يصحّ ، إذ يصير المعنى : أأتّخذ غير الله وليّا فاطر السماوات إلى آخره ، فيصف ذلك الوليّ بأنه فاطر السّموات.
وقرأ الزّهري (٦) : «فطر» على أنه فعل ماض ، وهي جملة في محلّ نصب على الحال من الجلالة ، كما كان «فاطر» صفتها في قراءة الجمهور.
ويجوز على رأي أبي البقاء أن تكون صفة ل «وليّا» ، ولا يجوز أن تكون صفة للجلالة ؛ لأن الجملة نكرة.
والفطر : الشّقّ مطلقا ، وقيّده الرّاغب (٧) بالشّقّ طولا ، وقيّده الواحدي بشقّ الشيء عند ابتدائه (٨).
والفطر : إبداع وإيجاد شيء على غير مثال ، ومنه (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، أي : أوجدها على غير مثال يجتدى.
وعن ابن عبّاس (٩) : ما كنت أدري ما معنى فطر وفاطر ، حتّى اختصم إليّ أعرابيّان
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٠ ، الشواذ ص (٣٦) ، الكشاف ٢ / ٩.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٧٣.
(٣) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٠ ، الإملاء ١ / ٢٣٦.
(٤) ينظر : الإملاء ١ / ٢٣٦.
(٥) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٠.
(٦) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٠ ، الكشاف ٢ / ٩ ، البحر المحيط ٤ / ٩٠.
(٧) ينظر : المفرادات (فطر).
(٨) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢١.
(٩) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ١٥٨) عن ابن عباس وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ١١) وزاد نسبته لأبي عبيد في فضائله وابن الأنباري في «الوقف والابتداء».
في بئر ، فقال أحدهما : «أنا فطرتها» ، أي : أنشأتها وابتدأتها.
ويقال : فطرت كذا فطرا وفطر هو فطورا ، وانفطر انفطارا وفطرت الشّاة : حلبتها بأصبعين ، وفطرت العجين : خبزته في وقته.
وقوله تبارك وتعالى : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) [الروم : ٣٠] إشارة منه إلى ما فطر ، أي : أبدع وركز الناس من معرفته [ما ركز](١) ، ففطرة الله ما ركّز من القوّة المدركة لمعرفته ، وهو المشار إليه بقوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [الزخرف : ٨٧].
وعليه : «كلّ مولود يولد على الفطرة» الحديث.
وهذه الآية الكريمة نزلت حين دعا إلى الله (٢) آباءه فقال تعالى : يا محمد (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا) ربا معبودا وناصرا ومعينا.
قوله : (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ) القراءة (٣) المشهورة ببناء الأوّل للفاعل ، والثّاني للمفعول ، والضمير لله تعالى ، والمعنى : وهو يرزق ولا يرزق ، وهو موافق لقوله تعالى : (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) [الذاريات : ٥٧].
وقرأ (٤) سعيد بن جبير ، ومجاهد بن جبر ، والأعمش ، وأبو حيوة ، وعمرو بن عبيد ، وأبو عمرو بن العلاء في رواية عنه : «ولا يطعم» بفتح الياء والعين ، بمعنى : ولا يأكل ، والضمير لله تعالى أيضا.
وقرأ (٥) ابن أبي عبلة ويمان العماني : «ولا يطعم» بضم الياء ، وكسر العين كالأول ، فالضميران ـ أعني هو والمستكنّ في «يطعم» ـ عائدان على الله تعالى ، والضمير في ولا يطعم للوليّ.
وقرأ (٦) يعقوب في رواية أبي المأمون : «وهو يطعم ولا يطعم» ببناء الأوّل للمفعول ، والثّاني للفاعل ، على عكس القراءة المشهورة ، والضمائر الثلاثة أعني هو والمستترين في الفعلين للولي فقط أي: وذلك الولي يطعمه غيره ، ولا يطعم هو أحدا لعجزه.
وقرأ (٧) الأشهب : «وهو يطعم ولا يطعم» ببنائهما للفاعل.
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : دين.
(٣) ينظر : الشواذ ص (٣٦) ، البحر المحيط ٤ / ٩٠ ، الكشاف ٢ / ٩ ، الدر المصون ٣ / ٢١.
(٤) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢١ ، البحر المحيط ٤ / ٩٠ ، الإملاء ١ / ٢٣٨ ، الكشاف ٢ / ٩.
(٥) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢١ ، البحر المحيط ٤ / ٩٠.
(٦) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢١ ، البحر المحيط ٤ / ٩٠.
(٧) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢١ ، البحر المحيط ٤ / ٩٠ ، الكشاف ٢ / ٩.
وذكر الزمخشري فيهما تخريجين (١) ثانيهما لنفسه ، فإنه قال بعد أن حكى القراءة : وفسّر بأنّ معناه وهو يطعم ولا يستطعم.
وحكى الأزهري (٢) : أطعمت بمعنى استطعمت ، ونحوه : أفدت (٣) ، ويجوز أن يكون المعنى : هو يطعم تارة ، ولا يطعم أخرى على حسب المصالح ، كقولك : هو يعطي ويمنع ، ويقدر ويبسط ويغني ويفقر.
قال شهاب الدين (٤) : هكذا ذكر أبو حيّان (٥) هذه القراءات.
وقراءة الأشهب (٦) هي كقراءة ابن أبي عبلة والعماني سواء لا تخالف بينهما ، فكان ينبغي أن يذكر هذه القراءة لهؤلاء كلّهم ، وإلّا يوهم هذا أنهما قراءتان متغايرتان ، وليس كذلك (٧).
وقرىء شاذّا (٨) : «يطعم» بفتح الياء والعين ، «ولا يطعم» بضم الياء وكسر العين ، أي: وهو يأكل ، ولا يطعم غيره ، ذكر هذه القراءة أبو البقاء (٩) قال : «والضمير راجع على الولي الذي هو غير الله».
فهذه ست قراءات ، وفي بعضها ـ وهو تخالف الفعلين ـ من صناعة البديع تجنيس التشكيل ، وهو أن يكون الشّكل فارقا بين الكلمتين ، وسمّاه أسامة بن منقذ تجنيس التّحريف ، وهو تسمية فظيعة ، فتسميته بتجنيس التّشكيل أولى.
قوله : (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) يعني من هذه الأمّة ، والإسلام بمعنى الاستسلام لأمر الله تعالى.
وقيل : أسلم أخلص ، و «من» يجوز أن تكون نكرة موصوفة واقعة موقع اسم جمع أي : أوّل فريق أسلم ، وأن تكون موصولة أي : أوّل الفريق الذي أسلم ، وأفرد الضمير في «أسلم» إمّا باعتبار «فريق» المقدّر وإمّا باعتبار لفظ «من» ، وقد تقدّم الكلام على «أول» وكيف يضاف إلى مفرد بالتأويل المذكور في سورة البقرة (١٠).
قوله : (وَلا تَكُونَنَّ) فيه تأويلان :
أحدهما : على إضمار القول ، أي : وقيل لي : لا تكونن.
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٩.
(٢) ينظر : تهذيب اللغة ٢ / ١٩٠.
(٣) في ب : أقرب.
(٤) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢١.
(٥) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٩٠.
(٦) ينظر : الكشاف ٢ / ٩ ، الدر المصون ٣ / ٢١ ، البحر المحيط ٤ / ٩٠.
(٧) في ب : ولا يستطيع.
(٨) قرأ بها مجاهد ينظر : الشواذ (٤٢) ، الدر المصون ٣ / ٢١.
(٩) ينظر : الإملاء ١ / ٢٣٧.
(١٠) ينظر : الآية رقم (٤١) من سورة البقرة.
قال أبو البقاء (١) : «ولو كان معطوفا على ما قبله لفظا لقال : «وأن لا أكون» وإليه نحا الزمخشري (٢) فإنه قال : (وَلا تَكُونَنَ) : وقيل لي لا تكوننّ ، ومعناه : وأمرت بالإسلام ، ونهيت عن الشّرك».
والثاني : أنه معطوف على معمول «قل» حملا على المعنى ، والمعنى : قل إني قيل لي : كن أوّل من أسلم ، ولا تكوننّ من المشركين ، فهما جميعا محمولان على القول ، لكن أتى الأوّل بغير لفظ القول ، وفيه معناه ، فحمل الثاني على المعنى.
وقيل : هو عطف على «قل» أمر بأن يقول كذا ، ونهي عن كذا.
قوله تعالى : (قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)(١٥)
قوله : (قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي) فعبدت غيره (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) أي عذاب يوم القيامة ، و «إن عصيت» شرط حذف جوابه لدلالة ما قبله عليه ، ولذلك جيء بفعل الشرط ماضيا ، وهذه الجملة الشرطية فيها وجهان :
أحدهما : أنه معترض بين الفعل ، وهو «أخاف» ، وبين مفعوله وهو «عذاب».
والثاني : أنّها في محلّ نصب على الحال.
قال أبو حيّان (٣) : كأنه قيل : «إني أخاف عاصيا ربّي» ، وفيه نظر ؛ إذ المعنى يأباه. و «أخاف» وما في حيّزه خبر ل «إنّ» وإنّ وما في حيّزها في محلّ نصب ب «قل» وقرأ ابن كثير (٤) ، ونافع «إنّي» بفتح الياء ، وقرأ أبو عمرو ، والباقون (٥) بالإرسال.
قوله تعالى : (مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ)(١٦)
«من» شرطية ، ومحلّها يحتمل الرّفع والنصب ، كما سيأتي بيانه.
وقرأ الأخوان (٦) ، وأبو بكر عن عاصم : «يصرف» بفتح الياء وكسر الراء على تسمية الفاعل.
والباقون (٧) بضمّ الياء وفتح الراء على ما لم يسمّ فاعله.
فأمّا في القراءة الأولى ، ف «من» فيها تحتمل الرفع والنصب ، فالرفع من وجه واحد ، وهو الابتداء ، وخبرها فعل الشّرط أو الجواب أو هما ، على حسب الخلاف ، وفي مفعول «يصرف» حينئذ احتمالان :
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ٢٣٧.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ١٠.
(٣) ينظر : البحر ٤ / ٩١ والدر ٣ / ٢٢.
(٤) ينظر : اتحاف فضلاء البشر ٢ / ٦.
(٥) ينظر : اتحاف فضلاء البشر ٢ / ٧.
(٦) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٢ ، حجة القراءات ص (٢٤٣) ، الكشاف ٢ / ١٠ ، النشر ٢ / ٢٥٧ ، البحر المحيط ٤ / ٩١ ، السبعة ص (٢٥٤) ، التبيان ١ / ٤٨٤ ـ ٤٨٥ ، الزجاج ٢ / ٢٥٦ ، المشكل ٣ / ٢٤٧.
(٧) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٢ ، حجة القراءات ص (٢٤٣) ، إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٧ ، النشر ٢ / ٢٥٧.
أحدهما : أنه مذكور وهو «يومئذ» ، ولا بدّ من حذف مضاف ، أي : من يصرف الله عنه هول يومئذ أو عذاب يومئذ ـ فقد رحمه ـ فالضمير في «يصرف» ، يعود على الله تعالى ، ويدلّ (١) عليه قراءة أبيّ (٢) بن كعب «من يصرف الله» بالتصريح به.
والضميران في «عنه» و «رحمه» ل «من».
والثاني : أنه محذوف لدلالة ما ذكر عليه قبل ذلك ، أي : من يصرف الله عنه العذاب «يومئذ» منصوب على الظرف.
وقال مكيّ (٣) : «ولا يحسن أن تقدّر هاء ؛ لأن الهاء إنما تحذف من الصّلات».
قال شهاب الدين (٤) : يعني أنه لا يقدّر المفعول ضميرا عائدا على عذاب يوم ؛ لأن الجملة الشرطية عنده صفة ل «عذاب» ، والعائد منها محذوف ، لكنّ الحذف إنما يكون من الصّلة لا من الصّفة ، وهذا معنى قول الواحديّ أيضا (٥) ، إلّا أنّ قول مكي «إنما يحذف من الصّلات» يريد في الأحسن ، وإلّا فيحذف من الصّفات والأخبار والأحوال ، ولكنّه دون الصّلة.
والنصب من وجهين :
أحدهما : أنّه مفعول مقدّم ل «يصرف» والضمير في «عنه» على هذا يتعيّن عوده على العذاب المتقدّم ، والتقدير : أيّ شخص يصرف الله عن العذاب.
والثاني : أنه منصوب على الاشتغال بفعل مضمر لا يبرز ، يفسره هذا الظّاهر من معناه لا من لفظه ، والتقدير : من نكرم أو من ننجّ يصرف الله.
والضمير في «عنه» للشرطية.
وأمّا مفعول «يصرف» على هذا فيحتمل الوجهين المتقدّمين ، أعني كونه مذكورا ، وهو «يومئذ» على حذف مضاف ، أو محذوفا اختصارا.
وأمّا القراءة الثّانية ف «من» تحتمل وجهين :
أحدهما : أنها في محلّ رفع بالابتداء ، وخبره ما بعده على ما تقدّم والفاعل المحذوف هو الله ـ تعالى ـ يدلّ عليه قراءة أبيّ المتقدّمة وفي القائم مقامه أربعة أوجه :
أحدها : أنه ضمير العذاب ، والضمير في «عنه» يعود على «من» فقط ، والظرف فيه حينئذ ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه منصوب ب «يصرف».
__________________
(١) في ب : ودل.
(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٢.
(٣) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٣.
(٤) ينظر : المصدر السابق.
(٥) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٣.
والثاني : أنه منصوب بالعذاب ، أي : الذي قام ضميره مقام الفاعل ، قاله أبو البقاء (١) ـ رضي الله عنه ـ. ويلزم منه إعمال المصدر مضمرا ، وقد يقال : يغتفر ذلك في الظروف.
الثالث : قال أبو البقاء (٢) : «إنه حال من الضمير» ـ يعني الضمير الذي قام مقام الفاعل ، وجاز وقوع الحال ظرف زمان ؛ لأنها في معنى لا عن جثّة.
الثاني من الأوجه الأربعة : أن القائم مقام الفاعل ضميره «من» والضمير في «عنه» يعود على العذاب ، والظّرف منصوب ، إمّا ب «يصرف» وإمّا على الحال من هاء «عنه».
والثالث من أوجه العامل في «يومئذ» متعذّر هنا وهو واضح ، والتقدير : أي شخص يصرف هو عن العذاب.
الثالث : أنّ القائم مقام الفاعل «يومئذ» إمّا على حذف مضاف أي : من يصرف عنه فزع أو هول يومئذ ، وإمّا على قيام الظرف دون مضاف ، كقولك : «سير يوم الجمعة» ، وإنما بني «يومئذ» على الفتح لإضافته إلى غير متمكّن (٣) ، ولو قرىء بالرفع لكان جائزا في الكلام ، وقد قرىء: (وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) [هود : ٦٦] فتحا وجرا بالاعتبارين ، وهما اعتباران متغايران.
فإن قيل : يلزم على عدم تقدير حذف المضاف إقامة الظّرف غير التام مقام الفاعل ، وقد نصّوا على أنّ الظّرف المقطوع عن الإضافة لا يخبر به ، ولا يقوم مقام فاعل ، ولو قلت : «ضرب قبل» لم يجز ، والظرف هنا في حكم المقطوع عن الإضافة فلا يجوز هنا قيامه مقام الفاعل ، إلّا على حذف مضاف ، فالجواب أن هذا في قوّة الظّرف المضاف ؛ إذ التنوين عوض عنه ، وهذا ينتهض على رأي الجمهور أما الأخفش (٤) فلا ، لأنّ التنوين عنده تنوين صرف والكسر كسر إعراب.
والرابع : أنّ القائم مقامه «عنه» ، والضمير في «عنه» يعود على «من» ، و «يومئذ» منصوب على الظّرف ، والعامل فيه «يصرف» ، ولا يجوز الوجهان الأخيران ، أعني نصبه على الحال ؛ لأن الضمير للجثّه والزّمان لا يقع حالا عنهما ، كما لا يقع خبرا ، وأعني كونه معمولا للعذاب ، إذ ليس هو قائما مقام الفاعل.
والثاني من وجهي (٥) «من» أنها في محلّ نصب بفعل مضمر يفسّره الظاهر بعده ، وهذا إذا جعلنا «عنه» في محلّ نصب بأن يجعل القائم مقام الفاعل : إمّا ضمير العذاب ، وإمّا «يومئذ».
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ٢٣٧.
(٢) المصدر السابق.
(٣) في ب : ممكن.
(٤) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٣.
(٥) في ب : وجهين.
والتقدير : من يكرم الله ، أو من ينجّ يصرف عنه العذاب أو هول يومئذ ، ونظيره : «زيد مرّ به مرور حسن» ، أقمت المصدر فبقي «عنه» منصوب المحلّ.
والتقدير : جاوزت زيدا مرّ به مرور حسن ، وأمّا إذا جعل «عنه» قائما مقام الفاعل تعيّن رفعه بالابتداء.
واعلم أنه متى قلت : منصوب على الاشتغال ، فإنما يقدّر الفعل بعد «من» ؛ لأن لها صدر الكلام ، ولذلك لم أظهره إلّا مؤخّرا ، ولهذه العلّة منع بعضهم الاشتغال فيما له صدر الكلام كالاستفهام والشرط.
والتنوين في «يومئذ» عوض عن جملة محذوفة تضمّنها الكلام السّابق.
التقدير : يومئذ يكون الجزاء ، وإنّما قلنا ذلك ؛ لأنه لم يتقدّم في الكلام جملة مصرّح بها يكون التنوين عوضا منها ، وقد تقدّم خلاف الأخفش.
وهذه الجملة الشّرطيّة يجوز فيها وجهان : الاستئناف ، والوصف ل «عذاب يوم» ، فحيث جعلنا فيها ضميرا يعود على عذاب يوم ، إمّا من «يصرف» ، وإمّا من «عنه» جاز أن تكون صفة وهو الظّاهر ، وأن تكون مستأنفة ، وحيث لم نجعل فيها ضميرا يعود عليه ـ وقد عرفت كيفية ذلك ـ تعيّن أن تكون مستأنفة ، ولا يجوز أن تكون صفة لخلوّها من الضمير.
ورجّح بعضهم إحدى القراءتين على الأخرى ، وذلك على عادتهم ، فقال أبو عليّ الفارسي : قراءة «يصرف» يعني المبنيّ للفاعل أحسن لمناسبة قوله : «رحمه» ، يعني : أنّ كلّا منهما مبنيّ للفاعل ، ولم يقل : «فقد رحم» واختارها أبو حاتم ، وأبو عبيد (١) ، ورجّح بعضهم قراءة المبني للمفعول بإجماعهم على قراءة قوله : (لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) [هود : ٨] يعني في كونه أتى بصيغة اسم المفعول المسند إلى ضمير العذاب المذكور أوّلا.
ورجّحها محمد بن جرير (٢) بأنها أقلّ إضمارا ، ومكي ـ رحمهالله ـ تلعثم في كلامه في ترجيحه لقراءة الأخوين ، وأتى بأمثلة فاسدة في كتاب «الهداية» له.
قال ابن عطية (٣) : «وقد تقدّم أوّل الكتاب (٤) عن ثعلب وغيره من العلماء أنّ ترجيح إحدى القراءات المتواترة على الأخرى بحيث تضعّف الأخرى لا يجوز».
والجملة من قوله : «فقد رحمه» في محلّ جزم على جواب الشرط والفاء واجبة.
قوله : (وَذلِكَ الْفَوْزُ) مبتدأ وخبر جيء بهذه الجملة مقرّرة لما تقدّم من مضمون
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٤ البحر المحيط ٤ / ٩٢.
(٢) لم يحكها في التفسير وحكاها عنه أبو حيان في البحر ٤ / ٩٢ والسمين في الدر ٣ / ٢٤.
(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٧٤.
(٤) ينظر : تفسير قول الله تعالى : مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ.