تفسير البغوي - ج ٤

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي

تفسير البغوي - ج ٤

المؤلف:

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي


المحقق: عبدالرزاق المهدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٧

سورة الفتح

مدنية وهي تسع وعشرون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢) وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً (٣))

[١٩٤٦] أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أنا أبو علي زاهر بن أحمد السرخسي (١) أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يسير مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بعض أسفاره فسأله عمر عن شيء فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه ، فقال عمر : ثكلتك أمك يا عمر نزّرت (٢) على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاث مرات ، كل ذلك لا يجيبك ، قال عمر فحركت بعيري حتى تقدمت (٣) أمام الناس ، وخشيت أن [يكون](٤) ينزل في قرآن ، فما نشبت (٥) أن سمعت صارخا يصرخ بي ، فقلت : لقد خشيت أن يكون نزل في قرآن ، فجئت رسول الله فسلمت عليه ، فقال : «لقد أنزلت علي الليلة سورة لهي أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس ، ثم قرأ (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ)».

[١٩٤٧] أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو عمر بكر بن محمد المزني ثنا أبو بكر محمد بن عبد الله

__________________

[١٩٤٦] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ أبو مصعب هو أحمد بن أبي بكر.

ـ وهو في «الموطأ» ١ / ٢٠٣ ـ ٢٠٤ زيد بن أسلم بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٤١٧٧ و ٤٨٣٣ و ٥٠١٢ والترمذي ٣٢٥٨ وأبو يعلى ١٤٨ من طرق عن مالك به.

[١٩٤٧] ـ صحيح. حسين بن الفضل لم أجد له ترجمة ، لكن توبع ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.

ـ عفان هو ابن مسلم ، همام هو ابن يحيى ، قتادة هو ابن دعامة.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٩١٤ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أحمد ٣ / ٢٥٢ عن عفان بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ١٧٨٦ وأحمد ٣ / ١٢٢ و ١٣٤ والطبري ٣١٤٥٤ من طريقين عن همام به.

ـ وأخرجه البخاري ٤١٧٢ و ٤٨٣٤ وأحمد ٣ / ١٧٣ من طريق شعبة.

ـ وأخرجه مسلم ١٧٨٦ والبيهقي ٥ / ٢١٧ من طريق شيبان. ـ

(١) في المطبوع «الطوسي» والمثبت عن ط والمخطوط (أ) والمخطوط (ب)

(٢) في المطبوع «كررت» والمثبت عن «الموطأ» والمخطوط.

(٣) في المطبوع «ثم» والمثبت عن المخطوط (أ) و (ب).

ووقع في «الموطأ» : «حتى إذا كنت».

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) في المطبوع «لبثت» والمثبت عن «الموطأ» والمخطوط.

٢٢١

حفيد العباس بن حمزة ثنا الحسين بن الفضل البجلي ثنا عفان ثنا همام ثنا قتادة ثنا أنس قال : نزلت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١)) إلى آخر الآية ، مرجعه من الحديبية وأصحابه مخالطهم الحزن والكآبة ، فقال : «نزلت علي آية هي أحب إلي من الدنيا جميعا» ، فلما تلاها نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال رجل من القوم : هنيئا مريئا لك قد بيّن الله ما يفعل بك ، فما ذا يفعل بنا؟ فأنزل الله هذه الآية التي بعدها : (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) ، حتى ختم الآية.

قوله عزوجل : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) (١) ، اختلفوا في هذا الفتح ، وروي عن أبي جعفر الرازي عن قتادة عن أنس : أنه فتح مكة ، وقال مجاهد : فتح خيبر ، والأكثرون على أنه صلح الحديبية ، ومعنى الفتح فتح المنغلق ، والصلح مع المشركين بالحديبية كان متعذرا حتى فتحه الله عزوجل.

وروى شعبة عن قتادة عن أنس : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) (١) ، قال : صلح الحديبية.

[١٩٤٨] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال : تعدون أنتم الفتح فتح مكة ، وقد كان فتح مكة فتحا ، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان ، يوم الحديبية كنّا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أربع عشرة مائة ، والحديبية بئر ، فنزحناها فلم نترك فيها قطرة ، فبلغ ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأتاها فجلس على شفيرها ، ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ثم تمضمض ودعا ثم صبّه فيها فتركناها غير بعيد ، ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركابنا.

وقال الشعبي في قوله : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) (١) ، قال : فتح الحديبية ، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وأطعموا نخل خيبر وبلغ الهدي محله وظهرت الروم على فارس ، ففرح المؤمنون بظهور أهل الكتاب على المجوس.

قال الزهري : لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية ، وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم فتمكن الإسلام في قلوبهم أسلم في ثلاث سنين خلق كثير ، وكثر بهم سواد الإسلام.

قوله عزوجل : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) (١) ، أي قضينا لك قضاء بينا. وقال الضحاك : إنا فتحنا لك فتحا مبينا بغير قتال ، وكان الصلح من الفتح المبين ، قيل : اللام في قوله : (لِيَغْفِرَ) لام كي معناه إنا فتحنا لك فتحا مبينا لكي يجتمع لك مع المغفرة تمام النعمة في الفتح. وقال الحسين بن الفضل : هو مردود

__________________

ـ وأخرجه الترمذي ٣٢٦٣ وأحمد ٣ / ١٩٧ من طريق معمر.

ـ وأخرجه مسلم ١٧٨٦ والطبري ٣١٤٥٢ والواحدي في «الوسيط» ٤ / ١٣٢ ـ ١٣٣ من طريق سليمان بن طرخان.

ـ وأخرجه الطبري ٣١٤٥٣ من طريق سعيد بن أبي عروبة.

ـ كلهم عن قتادة به.

ـ وأخرجه ابن حبان ٣٧١ من طريق سفيان عن الحسن عن أنس به.

[١٩٤٨] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ إسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ، أبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٦٩٥ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٤١٥٠ عن عبيد الله بن موسى بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه ابن حبان ٤٨٠١ من طريق عبيد الله بن موسى بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٣٥٧٧ وأحمد ٤ / ٢٩٠ والطحاوي في «المشكل» ٢٥٨٧ والطبري ٣١٤٦٢ مختصرا وأبو نعيم في «الدلائل» ٣١٨ والبيهقي ٩ / ٢٢٣ من طرق عن إسرائيل به.

ـ وأخرجه البخاري ٤١٥١ وابن أبي شيبة ١٤ / ٤٣٥ وأبو يعلى ١٦٥٥ من طرق عن أبي إسحاق به.

٢٢٢

إلى قوله : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) [محمد : ١٩].

(لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) ، وليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات الآية.

وقال محمد بن جرير : هو راجع إلى قوله : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ) [النصر : ١ ـ ٣] ، ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك في الجاهلية قبل الرسالة ، وما تأخر إلى وقت نزول هذه السورة. وقيل : ما تأخر مما يكون ، وهذا على طريقة من يجوز الصغائر على الأنبياء وقال سفيان الثوري : ما تقدم مما عملت في الجاهلية وما تأخر كل شيء لم تعمله ، وبذكر مثل ذلك على طريق التأكيد ، كما يقال : أعطى من رآه ولم يره ، وضرب من لقيه ومن لم يلقه. وقال عطاء الخراساني : ما تقدم من ذنبك : يعني ذنب أبويك آدم وحواء ببركتك ، وما تأخر ذنوب أمتك بدعوتك. (وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) ، بالنبوة والحكمة ، (وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً) ، أي يثبتك عليه ، والمعنى ليجتمع لك مع الفتح تمام النعمة بالمغفرة والهداية إلى الصراط المستقيم وهو الإسلام. وقيل : ويهديك أي يهدي بك.

(وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً) (٣) غالبا. وقيل : معزا.

(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (٤) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً (٥) وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (٦))

(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ) ، الطمأنينة والوقار ، (فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) ، لئلا تنزعج نفوسهم لما يرد عليهم ، قال ابن عباس : كل سكينة في القرآن فهي بطمأنينة إلّا التي في سورة البقرة [٢٤٨] ، (لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) ، قال ابن عباس : بعث الله رسوله بشهادة أن لا إله إلّا الله ، فلما صدقوه زادهم الصلاة ثم الزكاة ثم الصيام ثم الحج ثم الجهاد ، حتى أكمل لهم دينهم ، فكلما أمروا بشيء فصدقوه ازدادوا تصديقا إلى تصديقهم. وقال الضحاك : يقينا مع يقينهم. قال الكلبي : هذا في أمر الحديبية حين صدق الله رسوله الرؤيا بالحق ، (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (٧).

(لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَكانَ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ فَوْزاً عَظِيماً).

وقد ذكرنا عن أنس أن الصحابة قالوا لما نزل ليغفر لك الله هنيئا مريئا فما يفعل بنا فنزل : (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ) الآية (١).

(وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ) ، يريد أهل النفاق بالمدينة وأهل الشرك بمكة ، (الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ) ، أن لن ينصر [الله](٢) محمدا والمؤمنين ، (عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ) ، بالعذاب

__________________

(١) هو المتقدم قبل حديث واحد.

(٢) زيادة عن المخطوط.

٢٢٣

والهلاك ، (وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً).

(وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (٧) إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٨) لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٩) إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (١٠))

(وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (٧) إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٨) لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ) ، أي تعينوه وتنصروه ، (وَتُوَقِّرُوهُ) ، تعظموه وتفخموه هذه الكنايات راجعة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهاهنا وقف ، (وَتُسَبِّحُوهُ) ، أي تسبحوا الله يريد تصلوا له ، (بُكْرَةً وَأَصِيلاً) ، بالغداة والعشي قرأ ابن كثير وأبو عمر وليؤمنوا ، ويعزروه ، ويوقروه ويسبحوه بالياء فيهن لقوله : (فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) ، وقرأ الآخرون بالتاء فيهن.

(إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ) ، يا محمد بالحديبية على أن لا يفروا ، (إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) ، لأنهم باعوا أنفسهم من الله بالجنة.

[١٩٤٩] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا قتيبة بن سعيد ثنا حاتم بن إسماعيل عن يزيد بن أبي عبيد قال : قلت لسلمة بن الأكوع على أي شيء بايعتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الحديبية؟ قال : على الموت.

[١٩٥٠] أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان عن مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن يحيى ثنا يزيد بن زريع عن خالد عن الحكم بن عبد الله بن الأعرج عن معقل بن يسار ، قال لقد رأيتني يوم الشجرة والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يبايع الناس ، وأنا رافع غصنا من أغصانها عن رأسه ، ونحن أربع عشرة مائة ، قال : لم نبايعه على الموت ولكن بايعناه على أن لا نفر.

قال أبو عيسى : معنى الحديثين صحيح بايعه جماعة على الموت ، أي لا نزال نقاتل بين يديك ما لم نقتل ، وبايعه آخرون ، وقالوا : لا نفر.

(يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : يد الله بالوفاء بما وعدهم من الخير فوق أيديهم. وقال السدي : كانوا يأخذون بيد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويبايعونه ، ويد الله فوق أيديهم في المبايعة. قال الكلبي : نعمة الله عليم في الهداية فوق ما صنعوا من البيعة.

(فَمَنْ نَكَثَ) ، نقض البيعة ، (فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ) ، عليه وباله ، (وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ) ،

__________________

[١٩٤٩] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ يزيد هو مولى سلمة بن الأكوع.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٦٩٦ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٤١٦٩ عن قتيبة بن سعيد بهذا الإسناد.

[١٩٥٠] ـ إسناده صحيح على شرط مسلم.

ـ خالد هو ابن مهران الحذّاء.

ـ وهو في «صحيح مسلم» ١٨٥٨ عن يحيى بن يحيى بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الطبراني ٢٠ (٥٣٠ و ٥٣١ و ٥٣٢) وابن حبان ٤٥٥١ و ٤٨٧٦ والبيهقي ٨ / ١٤٦ من طرق عن خالد الحذاء به.

٢٢٤

ثبت على البيعة ، (فَسَيُؤْتِيهِ) ، قرأ أهل العراق (فَسَيُؤْتِيهِ) بالياء ، وقرأ الآخرون بالنون ، (أَجْراً عَظِيماً) ، وهو الجنة.

(سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١١) بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً (١٢) وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً (١٣) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٤) سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٥))

(سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ).

[١٩٥١] قال ابن عباس ومجاهد : يعني أعراب بني غفار ومزينة وجهينة ، وأشجع وأسلم ، وذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين أراد المسير إلى مكة عام الحديبية معتمرا استنفر من حول المدينة من الأعراب وأهل البوادي ليخرجوا معه حذرا من قريش أن يعرضوا له بحرب ، أو يصدوه عن البيت ، فأحرم بالعمرة وساق معه الهدي ليعلم الناس أنه لا يريد حربا ، فتثاقل عن كثير من الأعراب وتخلفوا واعتلوا بالشغل ، فأنزل الله تعالى فيهم : (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ) يعني الذين خلفهم الله عزوجل عن صحبتك ، فإذا انصرفت من سفرك إليهم فعاتبهم على (١) التخلف عنك.

(شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا) ، يعني النساء والذراري أي لم يكن لنا من يخلفنا فيهم (فَاسْتَغْفِرْ لَنا) ، تخلفنا عنك ، فكذبهم الله عزوجل في اعتذارهم ، فقال : (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) ، من أمر الاستغفار ، فإنهم لا يبالون استغفر لهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو لا.

(قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا) ، سوءا (أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً) ، قرأ حمزة والكسائي : (ضَرًّا) بضم الضاد ، وقرأ الآخرون بفتحها لأنه قابله بالنفع والنفع ضد الضر ، وذلك أنهم ظنوا أن تخلفهم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يدفع عنهم الضر ، ويعجل لهم النفع بالسلامة في أنفسهم وأموالهم ، فأخبرهم الله تعالى : أنه إن أراد بهم شيئا من ذلك لم يقدر أحد على دفعه. (بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً).

(بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً) ، أي ظننتم أن العدو يستأصلهم فلا يرجعون ، (وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ) ، زين الشيطان ذلك الظن في قلوبكم ، (وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ) ، وذلك أنهم قالوا : إن محمدا وأصحابه أكلة رأس ، فلا يرجعون ، فأين تذهبون معه انتظروا ما يكون من أمرهم. (وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً) ، هلكى لا تصلحون لخير.

__________________

[١٩٥١] ـ أخرجه البيهقي في «دلائل النبوة» ٤ / ١٦٥ عن مجاهد مرسلا بنحوه.

ـ وأخرج الطبري ٣١٤٨٤ صدره عن مجاهد ، فالخبر ضعيف ، ولم أر من أسنده عن ابن عباس.

(١) في المخطوط (أ) «عن».

٢٢٥

(وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً (١٣) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٤) سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ) ، يعني هؤلاء الذين تخلفوا عن الحديبية ، (إِذَا انْطَلَقْتُمْ) ، سرتم وذهبتم أيها المؤمنون ، (إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها) ، يعني غنائم خيبر ، (ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ) ، إلى خيبر لنشهد معكم قتال أهلها ، وذلك أنهم لما انصرفوا من الحديبية وعدهم الله فتح خيبر وجعل غنائمها لمن شهد الحديبية خاصة عوضا عن غنائم أهل مكة إذا انصرفوا عنهم على صلح ولم يصيبوا منهم شيئا ، قال الله تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ) ، قرأ حمزة والكسائي : كلم الله بغير ألف جمع كلمة ، وقرأ الآخرون : (كَلامَ اللهِ) ، يريدون أن يغيروا مواعيد الله تعالى لأهل الحديبية بغنيمة خيبر خاصة.

وقال مقاتل : يعني أمر الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن لا يسير منهم أحد ، قال ابن زيد : هو قول الله عزوجل : [فإن رجعك الله إلى طائفة منهم](١)(فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً) [التوبة : ٨٣] ، والأول أصوب ، وعليه عامة أهل التأويل ، (قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا) ، إلى خيبر ، (كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ) ، أي من قبل مرجعنا إليكم أن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية ليس لغيرهم فيها نصيب ، (فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا) ، أي يمنعكم الحسد من أن نصيب معكم الغنائم ، (بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ) ، لا يعلمون عن الله ما لهم وعليهم من الدين ، (إِلَّا قَلِيلاً) ، منهم وهو من صدق الله والرسول.

(قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً (١٧) لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (١٨))

(قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) ، قال ابن عباس ومجاهد وعطاء : هم أهل فارس. وقال كعب : هم الروم : وقال الحسن : فارس والروم. وقال سعيد بن جبير : هوازن وثقيف. وقال قتادة : هوازن وغطفان يوم حنين. وقال الزهري ومقاتل وجماعة : هم بنو حنيفة أهل اليمامة أصحاب مسيلمة الكذاب. قال رافع بن خديج : كنا نقرأ هذه الآية ولا نعلم من هم حتى دعا أبو بكر إلى قتال بني حنيفة ، فعلمنا أنهم هم. وقال ابن جريج : دعاهم عمر رضي الله عنه إلى قتال فارس. وقال أبو هريرة : لم يأت تأويل هذه الآية بعد. (تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً) ، يعني الجنة ، (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا) ، تعرضوا (كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ) ، عام الحديبية ، (يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) ، وهو النار ، فلما نزلت هذه الآية قال أهل الزمانة : كيف بنا يا رسول الله؟

فأنزل الله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ) ، يعني في التخلف عن الجهاد ، (وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً) ، قرأ أهل المدينة والشام ندخله ونعذبه ، بالنون فيهما ، وقرأ الآخرون بالياء لقوله : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ).

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

٢٢٦

(لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ) ، بالحديبية على أن يناجزوا قريشا ولا يفروا ، (تَحْتَ الشَّجَرَةِ) ، وكانت سمرة.

قال سعيد بن المسيب : حدثني أبي أنه كان فيمن بايع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تحت الشجرة ، قال : فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها.

وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرّ بذلك المكان بعد أن ذهبت الشجرة ، فقال : أين كانت؟ فجعل بعضهم يقول هاهنا (١) وبعضهم هاهنا ، فلما كثر اختلافهم قال سيروا قد ذهبت الشجرة.

[١٩٥٢] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا علي بن عبد الله ثنا سفيان قال عمرو : سمعت جابر بن عبد الله قال : قال لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الحديبية : «أنتم خير أهل الأرض» ، وكنا ألفا وأربع مائة ، ولو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة.

[١٩٥٣] أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان عن مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن حاتم ثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يسأل : كم كانوا يوم الحديبية؟ قال : كنا أربع عشرة مائة فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشجرة ، وهي سمرة ، فبايعناه غير جد بن قيس الأنصاري اختبأ تحت بطن بعيره.

وروى سالم عن جابر قال : كنا خمس عشرة مائة.

وقال عبد الله بن أبي أوفى : كان أصحاب الشجرة ألفا وثلاثمائة ، وكانت أسلم ثمن المهاجرين.

[١٩٥٤] وكان سبب هذه البيعة على ما ذكره محمد بن إسحاق عن أهل العلم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا خراش بن أمية الخزاعي حين نزل الحديبية ، فبعثه إلى قريش بمكة وحمله على جمل له ، يقال له الثعلب ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له ، فعقروا به جمل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأرادوا قتله فمنعته الأحابيش ، فخلوا سبيله حتى أتى

__________________

[١٩٥٢] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري حيث تفرد عن علي بن عبد الله ، وهو المديني ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.

ـ سفيان هو ابن عيينة ، عمرو هو ابن دينار.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٤١٥٤ عن علي بن عبد الله بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ١٨٥٦ ح ٧١ والحميدي ١٢٢٥ والطحاوي في «المشكل» ٢٥٨٦ والشافعي ٢ / ١٩٨ والبيهقي ٥ / ٢٣٥ و ٦ / ٣٢٦ وفي «دلائل النبوة» ٤ / ٩٧ والبغوي في «شرح السنة» ٣٨٩٠ من طرق عن سفيان به.

[١٩٥٣] ـ إسناده صحيح على شرط مسلم.

ـ حجاج هو ابن محمد الأعور ، ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز ، أبو الزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس.

ـ وهو في «صحيح مسلم» ١٨٥٦ ح ٦٩ عن محمد بن حاتم بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الترمذي ١٥٩٤ وأحمد ٣ / ٣٩٦ وابن حبان ٤٨٧٥ من طرق عن أبي الزبير به.

[١٩٥٤] ـ هذا الخبر ورد منجما عند الطبري من طريق ابن إسحاق.

ـ فقد أخرج صدره ٣١٥١٤ من طريق ابن إسحاق عن بعض أهل العلم.

وأما وسطه فأخرجه ٣١٥١٥ من طريق ابن إسحاق قال : فحدثني من لا أتهم عن عكرمة مولى ابن عباس ... فذكره.

وأما عجزه فأخرجه ٣١٥١٦ من طريق ابن إسحاق قال : حدثني عبد الله بن أبي بكر .... فذكره.

ـ ولعامته شواهد في الصحيح.

(١) في المطبوع «هنا» والمثبت عن ط والمخطوط.

٢٢٧

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة ، فقال : يا رسول الله إني أخاف قريشا على نفسي وليس [بمكة](١) من بني عدي بن كعب أحد يمنعني ، وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها ، ولكن أدلك على رجل هو أعزّ بها منّي عثمان بن عفان ، فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عثمان ، فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب ، وإنما جاء زائرا لهذا البيت معظما لحرمته ، فخرج عثمان إلى مكة ، فلقيه أبان بن سعد بن العاص حين دخل مكة ، أو قبل أن يدخلها ، فنزل عن دابته وحمله بين يديه ، ثم أردفه وأجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال أبو سفيان وعظماء قريش لعثمان حين فرغ من رسالة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن شئت أن تطوف بالبيت فطف به ، قال : ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فاحتبسته (٢) قريش عندها فبلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمين أن عثمان قد قتل ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا نبرح حتى نناجز القوم» ، ودعا الناس إلى البيعة ، فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة ، وكان الناس يقولون : بايعهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الموت ، قال بكير بن الأشج : بايعوه على الموت ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : بل على ما استطعتم.

وقال جابر عبد الله ومعقل بن يسار : لم نبايعه على الموت ولكن بايعناه على أن لا نفر ، فكان أول من بايع بيعة الرضوان رجلا من بني أسد يقال له أبو سنان بن وهب ، ولم يتخلف عنه أحد من المسلمين حضرها إلّا جد بن قيس أخو بني سلمة ، قال جابر : لكأني انظر إليه لاصقا بإبط ناقته مستترا بها من الناس ، ثم أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن الذي ذكر من أمر عثمان باطل.

[١٩٥٥] أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني الحسين بن محمد بن فنجويه ثنا علي بن أحمد بن نصرويه (٣) ثنا أبو عمران موسى بن سهل بن عبد الحميد الجوني ثنا محمد بن رمح ثنا الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة».

قوله عزوجل : (فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ) ، من الصدق والوفاء ، (فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ) ، الطمأنينة والرضا ، (عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) ، يعني فتح خيبر.

(وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٩) وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٢٠))

(وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها) ، من أموال يهود خيبر ، وكانت خيبر ذات عقار وأموال ، فاقتسمها (٤) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بينهم ، (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً).

__________________

[١٩٥٥] ـ إسناده صحيح على شرط مسلم ، وعنعنة أبي الزبير لا تضر ، إذ هي محمولة على السماع في رواية الليث عنه.

ـ أبو الزبير هو محمد بن مسلم.

ـ وأخرجه أبو داود ٤٦٥٣ والترمذي ٣٨٦٠ وأحمد ٣ / ٣٥٠ وابن حبان ٤٨٠٢ من طرق عن الليث به.

ـ وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المطبوع «فاحتسبته» والمثبت عن المخطوط و «ط».

(٣) في المطبوع «نضرويه» والمثبت عن المخطوط.

(٤) في المخطوط (ب) «فأقسمهما» والمثبت عن ط والمخطوط (أ)

٢٢٨

(وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها) ، وهي الفتوح التي تفتح لهم إلى يوم القيامة ، (فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ) ، يعني خيبر ، (وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ) ، وذلك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما قصد خيبر وحاصر أهلها همت قبائل من بني أسد وغطفان أن يغيروا على عيال المسلمين وذراريهم بالمدينة ، فكف الله أيديهم بإلقاء الرعب في قلوبهم ، وقيل : كفّ أيدي الناس عنكم يعني أهل مكة بالصلح ، (وَلِتَكُونَ) ، كفهم وسلامتكم ، (آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) ، على صدقك ويعلموا أن الله هو المتولي حياطتهم وحراستهم في مشهدهم ومغيبهم ، (وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً) ، يثبتكم على الإسلام ويزيدكم بصيرة ويقينا بصلح الحديبية ، وفتح خيبر وذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما رجع من الحديبية أقام بالمدينة بقية ذي الحجة وبعض المحرم ثم خرج في بقية المحرم سنة سبع إلى خيبر.

[١٩٥٦] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا قتيبة بن سعيد ثنا إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس بن مالك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كان إذا غزا بنا قوما لم يكن يغزو (١) بنا حتى يصبح ، وينظر إليهم فإن سمع أذانا كف عنهم وإن لم يسمع أذانا أغار عليهم قال : فخرجنا إلى خيبر فانتهيا إليهم ليلا فلما أصبح ولم يسمع أذانا ركب وركبت خلف أبي طلحة وأن قدمي لتمس قدم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : فخرجوا إلينا بمكاتلهم ومساحيهم ، فلما رأوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالوا : محمد والله محمد والخميس ، فلجأوا إلى الحصن ، فلما رآهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الله أكبر الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين».

[١٩٥٧] أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا

__________________

[١٩٥٦] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ حميد هو ابن أبي حميد الطويل.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٦١٠ و ٢٩٤٤ من قتيبة بن سعيد بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه ابن حبان ٤٧٤٥ من طريق يحيى بن أيوب ، والبغوي ٢٦٩٦ من طريق علي بن حجر كلاهما عن إسماعيل بن جعفر به.

ـ وأخرجه البخاري ٢٩٤٣ وأحمد ٣ / ٢٠٦ و ٢٦٣ ومالك ٢ / ٢٦٨ وابن سعد ٢ / ١٠٨ وابن أبي شيبة ١٢ / ٣٦٧ و ٣٦٨ وأبو يعلى ٣٨٠٤ والبيهقي ٩ / ٨٠ و ١٠٨ من طرق عن حميد به.

ـ وأخرجه البخاري ٩٤٧ و ٤٢٠٠ ومسلم ١٢١ والنسائي ١ / ٢٧١ ـ ٢٧٢ وأحمد ٣ / ١٨٦ و ٢٤٦ وابن أبي شيبة ١٤ / ٤٦١ وابن سعد ٢ / ١٠٩ من طريق ثابت البناني عن أنس.

ـ وأخرجه البخاري ٣٧١ ومسلم ٣ / (١٢٠) والنسائي ٦ / ١٣١ ـ ١٣٢ وأحمد ٣ / ١٠١ ـ ١٠٢ من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس.

ـ وأخرجه البخاري ٢٩٩١ و ٣٦٤٧ من طريق محمد بن سيرين عن أنس.

ـ وأخرجه مسلم ٣ / (١٢٢) وأحمد ٣ / ١٦٤ و ١٦٨ وأبو يعلى ٢٩٠٨ من طريق قتادة عن أنس.

ـ وأخرجه أحمد ٤ / ٢٩ وابن سعد ٢ / ١٠٩ من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس عن أبي طلحة.

[١٩٥٧] ـ إسناده صحيح على شرط مسلم.

ـ وهو في «صحيح مسلم» ١٨٠٧ ح ١٣٢ عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٤١٩٦ و ٦٣٣١ و ٦٨٩١ ومسلم ١٨٠٢ وأحمد ٤ / ٤٧ ـ ٤٨ وابن حبان ٥٢٧٦ والبيهقي ٩ / ٣٣٠ والبغوي في «شرح السنة» ٣٦٩٩ من طرق عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع بنحوه.

(١) في المخطوط (ب) «يفير».

٢٢٩

إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي أنا أبو علي الحنفي ثنا عبيد الله بن عبد المجيد ثنا عكرمة بن عمار ثنا إياس بن سلمة حدثني أبي قال : خرجنا إلى خيبر مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال فجعل عمي عامر يرتجز بالقوم (١).

«تالله لو لا الله ما اهتدينا

ولا تصدّقنا ولا صلّينا

ونحن عن فضلك ما استغنينا»

«فثبّت الأقدام إن لاقينا

وأنزلن سكينة علينا

إن الألى قد بغوا علينا»

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من هذا؟ فقال : أنا عامر [قال](٢) غفر لك ربك ، قال وما استغفر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لإنسان يخصه إلّا استشهد ، قال : فنادى عمر بن الخطاب وهو على جمل له : يا نبي الله لو لا [ما](٣) متعتنا بعامر ، قال فلما قدمنا خيبر خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه يقول :

«قد علمت خيبر أني مرحب

شاكي السلاح بطل مجرب

إذا الحروب أقبلت تلهب»

قال : وبرز له عمي عامر ، فقال :

«قد علمت خيبر أني عامر

شاكي السلاح بطل مغامر»

قال فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر وذهب عامر يسفل له ، فرجع سيفه على نفسه فقطع أكحله ، وكانت فيها نفسه. قال سلمة : فخرجت فإذا نفر من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقولون : بطل عمل عامر قتل نفسه ، قال : فأتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنا أبكي ، فقلت : يا رسول الله بطل عمل عامر قتل نفسه ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قال ذلك؟ قال : ناس من أصحابك ، قال : كذب من قال ذلك ، بل له أجره مرتين» ، ثم أرسلني إلى علي رضي الله عنه وهو أرمد ، فقال : لأعطين الراية (٤) رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، قال : فأتيت عليا رضي الله عنه فجئت به أقوده وهو أرمد ، حتى أتيت به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فبصق في عينيه فبرأ ، وأعطاه الراية ، وخرج مرحب فقال :

قد علمت خيبر أني مرحب

شاكي السلاح (٥) بطل مجرب

إذا الحروب أقبلت تلهب (٦)

فقال علي رضي الله عنه :

أنا الذي سمتني أمي حيدرة

كليث غابات كريه المنظرة

أو فيهم بالصاع كيل السندرة

قال : فضرب رأس مرحب فقتله ، ثم كان الفتح على يديه.

__________________

(١) زيد في المطبوع «شعرا».

(٢) زيادة عن «صحيح مسلم» والمخطوط (أ)

(٣) زيادة عن «صحيح مسلم».

(٤) زيد في المطبوع «غدا» وليس في «صحيح مسلم» ولا في المخطوط.

(٥) في المطبوع «السلام» والمثبت عن المخطوط و «صحيح مسلم».

(٦) في المطبوع «تلتهب» والمثبت عن المخطوط و «صحيح مسلم».

٢٣٠

[١٩٥٨] وروى حديث خيبر [جماعة](١) سهل بن سعد وأنس وأبو هريرة يزيدون وينقصون وفيه : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان قد أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس فأخذ أبو بكر رضي الله عنه راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم نهض فقاتل قتالا شديدا ، ثم رجع فأخذها عمر رضي الله عنه فقاتل قتالا شديدا هو أشد من القتال الأول ، ثم رجع ، فأخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذلك فقال : «لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه» ، فدعا علي بن أبي طالب فأعطاه إياها وقال له : امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك ، فأتى مدينة خيبر ، فخرج مرحب صاحب الحصن وعليه مغفر وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه ، وهو يرتجز فبرز إليه علي فضربه فقدّ الحجر والبيضة والمغفر وفلق رأسه حتى أخذ السيف في الأضراس ، ثم خرج بعد مرحب أخوه ياسر ، وهو يرتجز فخرج إليه الزبير بن العوام ، فقالت أمه صفية بنت عبد المطلب : أو يقتل ابني يا رسول الله؟ قال : لا بل ابنك يقتله إن شاء الله ، ثم التقيا فقتله الزبير ، ثم لم يزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يفتح الحصون ، ويقتل المقاتلة ويسبي الذرية ، ويحوز الأموال.

[١٩٥٩] قال محمد بن إسحاق : وكان أول حصونهم افتتح حصن نامعم ، وعنده قتل محمود بن مسلمة ألقت عليه اليهود حجرا فقتله ، ثم فتح العموص (٢) حصن بن أبي الحقيق ، فأصاب منه سبايا ، منهم صفية بنت حيي بن أخطب جاء بلال بها وبأخرى معها ، فمر بهما على قتلى من قتلى يهود (٣) ، فلما رأتهم التي مع صفية صاحت وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها فلما رآها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : أعزبوا عني هذه الشيطانة ، وأمر بصفية فحيزت خلفه وألقى عليها رداءه ، فعرف المسلمون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اصطفاها لنفسه ، وقال رسول الله لبلال لما رأى من تلك اليهودية ما رأى : أنزعت منك الرحمة يا بلال حيث تمرّ بامرأتين على قتلى رجالهما ، وكانت صفية قد رأت في المنام وهي عروس بكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق أن القمر وقع في حجرها ، فعرضت رؤياها على زوجها ، فقال : ما هذا إلّا أنك تتمنين ملك الحجاز محمدا فلطم وجهها لطمة اخضرت عينها منها ، فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بها وبها أثر منها (٤) فسألها ما هو ، فأخبرته هذا الخبر وأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بزوجها كنانة بن الربيع ، وكان عنده كنز بني النضر فسأله فجحده أن يكون يعلم مكانه ، فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم برجل من اليهود فقال لرسول الله إني قد رأيت كنانة يطوف بهذه الخربة كل غداة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لكنانة : أرأيت إن وجدناه عندك أنقتلك؟ قال : نعم.

فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالخربة فحفرت فأخرج منها بعض كنزهم ، ثم سأله ما بقي فأبى أن يؤديه ، فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الزبير بن العوام فقال : عذبه حتى تستأصل ما عنده ، فكان الزبير يقدح بزنده في صدره حتى أشرف على نفسه ، ثم دفعه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى محمد بن مسلمة فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة.

__________________

[١٩٥٨] ـ أخرجه صدره البيهقي في «دلائل النبوة» ٤ / ٢١٠ ـ ٢١٢ والحاكم ٣ / ٣٧ مختصرا من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه ، ولأصله شاهد في الصحيح.

ـ وأما عجزه فأخرجه البيهقي ٤ / ٢١٧ ـ ٢١٨ من طريق يونس عن ابن إسحاق مرسلا.

[١٩٥٩] ـ هذا مرسل ، وأخرجه البيهقي ٤ / ٢٣١ ـ ٢٣٢ عن عروة بن الزبير مرسلا ، في أثناء حديث.

وخبر كنز بني النضير ذكره البيهقي ٤ / ٢٣٣ نقلا عن موسى بن عقبة.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المخطوط «الغموص».

(٣) في المخطوط (ب) «خيبر» والمثبت عن المطبوع والمخطوط (أ) وط.

(٤) في المخطوط (أ) «من اللطمة» والمثبت عن المطبوع وط والمخطوط (ب)

٢٣١

[١٩٦٠] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا ابن علية ثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم غزا خيبر فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس ، فركب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وركب أبو طلحة وأنا رديف أبي طلحة ، فأجرى نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في زقاق خيبر وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله ، ثم حسر الإزار عن فخذه حتى إني لأنظر إلى بياض فخذ نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما دخل القرية قال : «الله أكبر خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين» ، قالها ثلاثا ، قال وخرج القوم إلى أعمالهم ، فقالوا : محمد ، قال (١) عبد العزيز ، وقال بعض أصحابنا والخميس يعني الجيش ، قال : فأصبناها عنوة فجمع السبي فجاء دحية فقال : يا نبي الله أعطني جارية من السبي ، قال : اذهب فخذ جارية فأخذ صفية بنت حيي ، فجاء رجل إلى نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا نبي الله أعطيت دحية صفية بنت حيي سيدة قريظة والنضير ، لا تصلح إلّا لك ، قال : ادعوه بها فجاء بها فلما نظر إليها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : خذ جارية من السبي غيرها ، قال : فأعتقها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتزوجها.

فقال له ثابت : يا أبا حمزة ما أصدقها؟ قال : نفسها أعتقها فتزوجها حتى إذا كان بالطريق جهزتها له أم سليم ، فأهدتها له من الليل فأصبح النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عروسا ، فقال : من كان عنده شيء فليجئ به ، وبسط نطعا (٢) فجعل الرجل يجيء بالتمر وجعل الآخر يجيء بالسمن ، قال : وأحسبه قد ذكر السويق ، قال : فحاسوا حيسا فكانت وليمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

[١٩٦١] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا موسى بن إسماعيل ثنا عبد الواحد [ثنا](٣) الشيباني قال : سمعت ابن أبي أوفى يقول : أصابتنا مجاعة ليالي خيبر ، فلما كان يوم خيبر وقعنا في الحمر الأهلية فانتحرناها ، فلما غلت القدور نادى منادي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أكفئوا القدور ولا تطعموا من لحوم الحمر شيئا.

__________________

[١٩٦٠] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ ابن علية هو إسماعيل بن إبراهيم.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٣٧١ عن يعقوب بن إبراهيم بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٣ / (١٢٠) والنسائي ٦ / ١٣١ ـ ١٣٢ وأحمد ٣ / ١٠١ ـ ١٠٢ من طريق عبد العزيز بن صهيب به.

وانظر الحديث المتقدم برقم : ١٩٥٦.

[١٩٦١] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ عبد الواحد هو ابن زياد العبدي ، الشيباني هو أبو إسحاق سليمان بن أبي سليمان ابن أبي أوفى هو عبد الله.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٣١٥٥ عن موسى بن إسماعيل بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ١٩٣٧ ح ٢٧ من طريق عبد الواحد به.

ـ وأخرجه البخاري ٤٤٢٠ ومسلم ١٩٣٧ من طريقين عن الشيباني به.

ـ وأخرجه البخاري ٤٢٢١ و ٤٢٢٣ و ٤٢٢٥ ومسلم ١٩٣٨ ح ٢٨ وأحمد ٤ / ٢٩١ و ٣٥٦ والطحاوي ٤ / ٢٠٥ من طرق عن شعبة عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب وعبد الله بن أبي أوفى.

(١) في المطبوع «قاله» والمثبت عن «صحيح البخاري».

(٢) في المطبوع «قطعا» والمثبت عن «صحيح البخاري».

(٣) زيادة عن «شرح السنة» و «صحيح البخاري».

٢٣٢

قال عبد الله [ابن أبي أوفى](١) : فقلنا إنما نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عنها (٢) لأنها لم تخمس.

وقال آخرون : حرمها البتة.

وسألت عنها سعيد بن جبير فقال : حرمها البتة.

[١٩٦٢] أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا (٣) محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا يحيى بن حبيب الحارثي أنا خالد بن الحارث ثنا شعبة عن هشام بن زيد عن أنس أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بشاة مسمومة ، فأكل منها ، فجيء بها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فسألها عن ذلك ، فقالت : أردت أن أقتلك ، قال : ما كان الله ليسلطك على ذلك ، أو قال علي : قال : قالوا ألا نقتلها يا رسول الله؟ قال : لا وتجاوز عنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

[١٩٦٣] وقال محمد بن إسماعيل قال يونس : عن الزهري قال عروة قالت عائشة : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول

__________________

[١٩٦٢] ـ إسناده صحيح على شرط مسلم حيث تفرد عن يحيى.

ـ شعبة هو ابن الحجاج.

ـ وهو في «صحيح مسلم» ٢١٩٠ عن يحيى بن حبيب بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أبو داود ٤٥٠٨ والبيهقي في «الدلائل» ٤ / ٢٥٩ وأبو نعيم في «الدلائل» ١٤٨ من طريق يحيى بن حبيب بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٢٦١٧ من طريق عبد الله بن عبد الوهاب عن خالد بن الحارث به.

ـ وأخرجه أحمد ٣ / ٢١٨ من طريق شعبة به.

ـ وخبر الشاة المسمومة قد ورد من عدة وجوه :

أخرجه أبو داود ٤٥١٠ والبيهقي في «الدلائل» ٤ / ٢٦٢ من طريق الزهري عن جابر ، وإسناده منقطع بين جابر والزهري.

ـ وأخرجه البيهقي ٤ / ٢٦٠ من طريق عبد الملك بن أبي نضرة عن أبيه عن جابر.

ـ وأخرجه أبو داود ٤٥١١ من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهدت له يهودية بخيبر ... فذكره.

ـ وأخرجه البخاري ٣١٦٩ و ٥٧٧٧ والبيهقي في «الدلائل» ٤ / ٢٥٦ ـ ٢٥٧ من حديث أبي هريرة.

ـ وأخرجه الحاكم ٤ / ١٠٩ وأبو نعيم في «الدلائل» ١٤٧ من حديث أبي سعيد الخدري وقال الهيثمي في «المجمع» ٨ / ٢٩٥ : أخرجه البزار ، ورجاله ثقات.

ـ وأخرجه أحمد ١ / ٣٠٥ ـ ٣٠٦ من حديث ابن عباس ، وقال الهيثمي : ورجاله رجال الصحيح غير هلال بن خباب ، وهو ثقة.

ـ وأخرجه الطبراني ١٩ / ٧٠ من حديث كعب بن مالك.

ـ قال الهيثمي : وفيه أحمد بن بكر البالسي ، وثقه ابن حبان وقال : يخطئ ، وضعفه ابن عدي ، وبقية رجاله رجال الصحيح.

[١٩٦٣] ـ صحيح. ذكره البخاري ٤٤٢٨ عن يونس به معلقا ، وصله الحاكم ٣ / ٥٨ من طريق أحمد بن صالح عن عنبسة ثنا

(١) زيد في المطبوع «بن عباس» وليست هذه الزيادة في المخطوط والصواب أنه «ابن أبي أوفى» راجع «صحيح البخاري» ٣١٥٥ و ٤٤٢٠.

(٢) زيد في المطبوع «عنا» وليست هذه في الزيادة في «صحيح البخاري ، ولا في المخطوط.

(٣) في المطبوع «أنها» وهو تصحيف.

٢٣٣

في مرضه الذي مات فيه : «يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر ، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم».

[١٩٦٤] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل أنا محمد بن بشار أنا حرمي أنا شعبة قال أخبرني عمارة عن عكرمة عن عائشة قالت : لما فتحت خيبر قلنا : الآن نشبع من التمر.

[١٩٦٥] أنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا أحمد بن المقدام ثنا فضيل بن سليمان ثنا موسى بن عقبة أخبرني نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما ظهر على أهل خيبر أراد أن يخرج اليهود منها ، وكانت الأرض حين ظهر عليها لله ولرسوله وللمسلمين ، فسأل اليهود رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يتركهم على أن يكفوا العمل ولهم نصف الثمر ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : نقركم على ذلك ما شئنا فأقروا حتى أجلاهم عمر في أمارته إلى تيماء وأريحا.

[١٩٦٦] قال محمد بن إسحاق : فلما سمع أهل فدك بما صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بخيبر بعثوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يسألونه أن يسيرهم ويحقن لهم دماءهم ، ويخلوا له الأموال ، ففعل ثم إن أهل خيبر سألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يعاملهم (١) الأموال على النصف ، ففعل على أنا إذا شئنا أخرجناكم ، فصالحه أهل فدك على مثل ذلك ، فكانت خيبر للمسلمين وكانت فدك خالصة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لأنهم لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب ، فلما اطمأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم شاة مصلية ، وقد سألت أي عضو من الشاة أحب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فقيل لها : الذراع ، فأكثرت فيها السم ، وسمّمت سائر الشاة ، ثم جاءت بها فلما وضعتها بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، تناول الذراع فأخذها فلاك منها مضغة فلم يسغها ومعه بشر بن البراء بن معرور ، وقد أخذ منها كما أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأما بشر فأساغها وأما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلفظها ، ثم قال : إن هذا العظم (٢) ليخبرني أنه مسموم ، ثم دعا بها فاعترفت ، فقال : ما حملك على ذلك؟ قالت : بلغت من قومي ما لم يخف عليك ، فقلت : إن كان ملكا استرحت (٣) منه ، وإن كان نبيا فسيخبر عنها ،

__________________

يونس به وصححه على شرطهما ، ووافقه الذهبي ، والصواب أنه على شرط البخاري فقد تفرد عن أحمد بن صالح وعن عنبسة ، وهو ابن خالد الأموي. وله شواهد ، انظر «فتح الباري» ٨ / ١٣١.

[١٩٦٤] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري.

ـ حرمي هو ابن عمارة ، شعبة هو ابن الحجاج ، عمارة هو ابن أبي حفصة.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٤٢٤٢ عن محمد بن بشار بهذا الإسناد.

[١٩٦٥] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري حيث تفرد عن أحمد بن مقدام ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.

ـ وهو في «شرح السنة» ٢٧٥١ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٣١٥٢ عن أحمد بن المقدام بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٢٣٣٨ ومسلم ١٥٥١ وأبو داود ٣٠٠٨ والطحاوي في «المشكل» ٢٦٧٤ والبيهقي ٦ / ١١٤ من طرق عن نافع به.

[١٩٦٦] ـ هذا معضل ، لكن أصله محفوظ له شواهد.

(١) العبارة في المخطوط (أ) «أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سأله اليهود أن يعاملهم على».

(٢) في المطبوع «العضو» والمثبت عن المخطوط.

(٣) في المطبوع «اسحترت» والمثبت عن المخطوط.

٢٣٤

فتجاوز عنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومات بشر بن البراء من أكلته التي أكل.

[١٩٦٧] قال : ودخلت أم بشر [بن](١) البراء على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تعوده في مرضه الذي توفي فيه ، فقال : «يا أم بشر ما زالت أكلة خيبر التي أكلت بخيبر مع ابنك تعاودني فهذا أوان انقطاع أبهري».

وكان المسلمون يرون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مات شهيدا مع ما أكرمه الله من النبوة.

(وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (٢١) وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٢٢) سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً (٢٣) وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٢٤))

قوله عزوجل : (وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها) ، أي وعدكم الله فتح بلدة أخرى لم تقدروا عليها ، (قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها) ، حتى يفتحها لكم كأنه حفظها ومنعها من غيركم حتى تأخذوها ، قال ابن عباس : علم الله أنه يفتحها لكم ، واختلفوا فيها ، فقال ابن عباس [والحسن](٢) ومقاتل : هي فارس والروم ، وما كانت العرب تقدر على قتال فارس والروم ، بل كانوا خولا لهم حتى قدروا عليها بالإسلام. وقال الضحاك وابن زيد : هي خيبر (٣) وعدها الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل أن يصيبها ، ولم يكونوا يرجونها. وقال قتادة : هي مكة. وقال عكرمة : حنين. وقال مجاهد : ما فتحوا حتى اليوم ، (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً).

(وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعني أسد وغطفان وأهل خيبر ، (لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ) ، لانهزموا ، (ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً).

(سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ) ، أي كسنة الله في نصر أوليائه وقهر أعدائه ، (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً).

قوله عزوجل : (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً) (٢٤) ، قرأ أبو عمرو بالياء ، وقرأ الآخرون بالتاء ، واختلفوا في هؤلاء.

[١٩٦٨] أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا

__________________

[١٩٦٧] ـ صحيح. أخرجه أبو داود ٤٥١٣ من طريق الزهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه أن أم مبشر قالت للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في مرضه الذي مات فيه ... فذكره.

ـ وإسناده صحيح ، وانظر الحديث ١٩٦٣.

[١٩٦٨] ـ إسناده صحيح على شرط مسلم.

ـ ثابت هو ابن أسلم البناني.

ـ وأخرجه الواحدي في «الوسط» ٤ / ١٤٢ من طريق إبراهيم بن محمد بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح مسلم» ١٨٠٨ عن عمرو الناقد بهذا الإسناد ـ وأخرجه أبو داود ٢٦٨٨ والترمذي ٣٢٦٤ والنسائي في «التفسير» ٥٣٠ والطبري ٣١٥٥٨ وأحمد ٣ / ١٢٤ و ٢٩٠ والطحاوي في «المشكل» ٦٠ والبيهقي في «الدلائل» ٤ / ١٤١ من طرق عن حماد بن سلم به ـ وورد بنحوه في أثناء حديث سلمة بن الأكوع عند مسلم ١٨٠٧ وأحمد ٤ / ٤٩ والطحاوي ٦٢.

(١) زيادة عن المخطوط (أ)

(٢) زيادة عن المخطوط (أ)

(٣) في المطبوع «خبير» والمثبت عن المخطوط.

٢٣٥

إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عمرو بن محمد الناقد ثنا يزيد بن هارون أنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنهم : أن ثمانين رجلا من أهل مكة ، هبطوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من جبل التنعيم متسلحين يريدون غرّة (١) النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه ، فأخذوا سلما (٢) فاستحياهم ، وأنزل الله عزوجل هذه الآية : (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ).

[١٩٦٩] وقال عبد الله بن مغفل المزني : كنا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالحديبية في أصل (٣) الشجرة التي قال الله تعالى في القرآن ، على ظهره غصن من أغصان تلك الشجرة فرفعته عن ظهره ، وعلي بن أبي طالب بين يديه يكتب كتاب الصلح ، فخرج علينا ثلاثون شابا عليهم السلاح فثاروا في وجوهنا ، فدعا عليهم نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخذ الله بأبصارهم فقمنا إليهم فأخذناهم ، فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : جئتم في عهد أو جعل لكم أحد أمانا؟ فقالوا : اللهم لا ، فخلى سبيلهم ، فأنزل الله عزوجل هذه الآية.

(هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (٢٥))

قوله عزوجل : (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) الآية.

[١٩٧٠] روى الزهري عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قالا : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من المدينة زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه ، يريدون زيارة البيت ، لا يريدون قتالا ، وساق معه سبعين بدنة ، والناس سبعمائة رجل ، وكانت كل بدنة عن عشرة نفر ، فلما أتى ذا الحليفة قلّد الهدي وأشعره وأحرم منها بعمرة ، وبعث عينا له من خزاعة يخبره عن قريش ، وسار النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى كان بغدير الأشطاط قريبا من عسفان ، أتاه عتبة الخزاعي وقال : إن قريشا جمعوا لك جموعا وقد جمعوا لك الأحابيش ، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أشيروا عليّ أيها الناس ، أترون أن أميل على

__________________

[١٩٦٩] ـ صحيح. أخرجه النسائي في «التفسير» ٥٣١ وأحمد ٤ / ٨٦ ـ ٨٧ والحاكم ٢ / ٤٦٠ ـ ٤٦١ والطبري ٣١٥٥٤ والواحدي في «الوسيط» ٤ / ١٤٢ والبيهقي ٦ / ٣١٩ من طرق عن الحسين بن واقد عن ثابت عن عبد الله بن المغفل به.

ـ وصححه الحاكم على شرطهما ، ووافقه الذهبي ، وقال الهيثمي في «المجمع» ٦ / ١٤٥ : رواه أحمد ، ورجاله رجال الصحيح ، وهو كما قالوا.

ـ وقال ابن حجر في «فتح الباري» ٥ / ٣٥١ : أخرجه أحمد والنسائي من حديث عبد الله بن مغفل بسند صحيح.

[١٩٧٠] ـ صحيح. أخرجه البخاري ٢٧٣١ و ٢٧٣٢ و ٤١٧٨ و ٤١٧٩ وأبو داود ٢٧٦٥ مختصرا وأحمد ٤ / ٣٢٨ والطبري ٣١٥٦٦ وابن حبان ٤٨٧٢ والبيهقي في «دلائل النبوة» ٤ / ٩٩ ـ ١٠٨ من طريق معمر عن الزهري به.

وسيأتي.

(١) في المطبوع «عدر» وفي المخطوط (ب) «غزو» والمثبت عن المخطوط (أ) و «صحيح مسلم».

و «الفرّة» : الغفلة : أي يريدون أن يصادفوا منه ومن أصحابه غفلة عن التأهب لهم ليتمكنوا من غدرهم والفتك بهم.

(٢) في المطبوع «سبايا» والمثبت عن المخطوط (أ) و «صحيح مسلم».

ـ سلما والسلم : الأسد والمراد به الاستسلام والإذعان.

(٣) في المخطوط (أ) «ظل» والمثبت عن «تفسير النسائي» والمخطوط (ب)

٢٣٦

ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم؟ فإن قعدوا قعدوا موتورين ، وإن نجوا تكن (١) عنقا قطعها الله أو ترون أن نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه ، فقال أبو بكر : يا رسول الله إنما خرجت (٢) عامدا لهذا البيت لا تريد قتال أحد ولا حربا ، فتوجه له فمن صدنا عنه قاتلناه ، قال : امضوا على اسم الله ، فنفروا (٣) قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة ، فخذوا ذات اليمين فو الله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة الجيش فانطلق يركض نذيرا لقريش ، وسار النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته ، فقال الناس : حلّ حلّ ، فألحت ، فقالوا : خلأت (٤) القصواء خلأت القصواء فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق ، ولكن حبسها حابس الفيل ، ثم قال : والذي نفسي بيده لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يعظمون فيها حرمات الله وفيها صلة الرحم إلّا أعطيتهم إياها ، ثم زجرها فوثبت ، قال : فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء ، يتربضه الناس تربّضا (٥) ، فلم يلبث الناس أن نزحوه ، وشكى الناس إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم العطش ، فانتزع سهما من كنانته وأعطاه رجلا من أصحابه يقال له ناجية بن عمير وهو سائق بدن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فنزل في البئر فغرزه في جوفه ، فو الله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه ، فبينما هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة ، وكانوا عيبة نصح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أهل تهامة ، فقال : إني تركت كعب بن لؤي نزلوا على أعداد مياه الحديبية معهم العود المطافيل ، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنا لم نجيء لقتال أحد ولكنا جئنا معتمرين ، وإن قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم ، فإن شاءوا ماددتهم مدة ويخلّوا بيني وبين الناس ، فإن أظهره ، فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا ، وإلّا فقد جمّوا وإن هم أبو فو الذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي ، أو لينفذن الله أمره ، فقال بديل : سأبلغهم ما تقول ، فانطلق حتى أتى قريشا ، قال : إنا جئناكم من عند هذا الرجل وسمعناه يقول قولا فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا ، قال فقال سفهاؤهم (٦) : لا حاجة لنا أن تخبرنا عنه بشيء ، وقال ذووا الرأي منهم : هات ما سمعته يقول ، قال : سمعته يقول كذا وكذا ، فحدّثهم بما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقام عروة بن مسعود الثقفي فقال : أي قوم ألست بالوالد؟ قالوا : بلى قال : أولستم بالولد؟ قالوا : بلى ، قال : فهل تتهموني [بشيء من أمر محمد](٧)؟ قالوا : لا ، قال : ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ ، فلما بلّحوا علي جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني؟ قالوا : بلى ، قال : فإن هذا [الرجل](٨) قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ودعوني آته ، قالوا : ائته ، فأتاه فجعل يكلم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نحوا من قوله لبديل ، فقال عروة : عند ذلك يا محمد أرأيت إن استأصلت أمر قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك؟ وإن تكن الأخرى ، فإني والله لا أرى وجوها وإني لأرى أشوابا من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك ، فقال أبو بكر الصديق : امصص بظر اللات ، أنحن نفر عنه وندعه؟ فقال : من ذا؟ قالوا : أبو بكر ، فقال : أما والذي نفسي بيده لو لا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك ، قال وجعل يكلم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكلما (٩) كلما أخذ بلحيته ، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعه السيف وعليه المغفر ،

__________________

(١) في المطبوع «نجوتكن» والمثبت عن المخطوط.

(٢) في المخطوط (ب) «جئت».

(٣) في المطبوع والمخطوط (أ) «فنفذوا» والمثبت عن «ط» والمخطوط (ب)

(٤) في المخطوط (ب) «كلأت».

(٥) في المطبوع «تربصا» والمثبت عن «صحيح البخاري» والمخطوط (ب)

(٦) في المطبوع «سفاؤهم» والمثبت عن «صحيح البخاري» والمخطوط.

(٧) زيادة عن المخطوط (ب)

(٨) زيادة عن المخطوط (ب)

(٩) تصحّف في المخطوط (ب) إلى «فلما».

٢٣٧

فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ضرب يده بنعل السيف ، وقال أخر يدك عن لحية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرفع عروة رأسه فقال : من هذا؟ قالوا : المغيرة بن شعبة ، فقال : أي غدر الست أسعى في غدرتك ، وكان المغيرة صحب قوما في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أما الإسلام فأقبل ، وأما المال فلست منه في شيء ، ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم [بعينيه](١) قال : فو الله ما تنخم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نخامة إلّا وقعت في كف رجل منهم ، فدلك بها وجهه وجلده ، وإذا أمرهم ابتدروا أمره ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ، وما يحدون إليه النظر تعظيما له ، فرجع عروة إلى أصحابه ، فقال : أي قوم والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي ، والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا ، والله إن تنخم نخامة إلّا وقعت في كف رجل منهم ، فدلك بها وجهه وجلده ، وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ، وما يحدّون إليه النظرة تعظيما له ، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ، فقال رجل من بني كنانة : دعوني آته ، فقالوا : ائته ، فلما أشرف على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن ، فابعثوها له فبعثت له واستقبله الناس يلبّون ، فلما رأى ذلك قال : سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت؟ فلما رجع إلى أصحابه قال : رأيت البدن قد قلّدت وأشعرت ، فما أرى أن يصدّوا عن البيت ، ثم بعثوا إليه الحليس بن علقمة وكان يومئذ سيد الأحابيش ، فلما رآه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : إن هذا من قوم يتألهون فابعثوا بالهدي في وجهه حتى يراه ، فلما رأى الهدي يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده قد أكل أوباره من طول الحبس ، رجع إلى قريش ولم يصل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إعظاما لما رأى ، فقال : يا معشر قريش إني قد رأيت ما لا يحل صدّ الهدي في قلائده ، وقد أكل أوباره من طول الحبس عن محله ، فقالوا له : اجلس إنما أنت رجل أعرابي لا علم لك ، فغضب الحليس عند ذلك ، فقال : يا معشر قريش والله ما على هذا حالفناكم ولا على هذا عاقدناكم أن تصدوا عن بيت الله من جاءه معظما له ، والذي نفس الحليس بيده (٢) لتخلن بين محمد وبين ما جاء له ، أو لأنفرنّ بالأحابيش نفرة رجل واحد ، فقالوا له : مه كفّ عنا يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا بما نرضى به ، فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص ، فقال : دعوني آته ، فقالوا (٣) : ائته ، فلما أشرف عليهم قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذا مكرز وهو رجل فاجر ، فجعل يكلم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو.

وقال عكرمة فلما رآه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «قد سهل لكم من أمركم» ، قال الزهري في حديثه : فجاء سهيل بن عمرو ، فقال : هات نكتب بيننا وبينكم (٤) كتابا ، فدعى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال له : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال سهيل : أما الرحمن فو الله ما (٥) أدري ما هو ، ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب ، فقال المسلمون : والله لا نكتبها إلّابسم الله الرحمن الرحيم ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلي : اكتب باسمك اللهم ، ثم قال : اكتب هذا قاضي (٦) عليه محمد رسول الله ، فقال سهيل : والله لو كنا نعلمه أن رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ، ولكن اكتب محمد بن عبد الله ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : والله إني لرسول الله وإن كذبتموني ، اكتب يا محمد بن عبد الله.

__________________

(١) زيادة عن «صحيح البخاري» والمخطوط (ب)

(٢) في المخطوط (ب) «في يده».

(٣) في المطبوع «فقال» والمثبت عن المخطوط.

(٤) في المخطوط (ب) و (أ) «هات نكتب بيننا وبينك» والمثبت عن «صحيح البخاري».

(٥) في المخطوط (ب) و (أ) «أما الرحمن فلا أدري».

(٦) في المطبوع «ما قضى» والمثبت عن المخطوط و «صحيح البخاري».

٢٣٨

قال الزهري : وذلك لقوله لا يسألوني (١) خطة يعظمون فيها حرمات الله ألا أعطيتهم إياها ، فكتب : هذا ما قاضى (٢) عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو واصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيه الناس ويكف بعضهم عن بعض ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : وعلى أن تخلوا بيننا وبين البيت ، فنطوف به ، فقال سهيل : والله لا [نخلي بينكم وبينه في هذا العام لربما](٣) تتحدث العرب إنا أخذنا ضغطة [منكم](٤) ولكن ذلك من (٥) العام المقبل ، فكتب ، فقال سهيل : وعلى أنه لا يأتيك منّا رجل وإن كان على دينك إلّا رددته إلينا ، قال المسلمون : سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما.

[١٩٧١] وروى أبو إسحاق عن البراء قصة الصلح وفيه قالوا : لو نعلم إنّك رسول الله ما منعناك شيئا ولكن أنت محمد بن عبد الله ، قال : أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله ، ثم قال لعلي رضي الله عنه : امح رسول الله ، قال علي : لا والله لا أمحوك أبدا ، قال : فأرنيه فأراه إياه ، فمحاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيده وفي رواية فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الكتاب وليس يحسن أن يكتب ، فكتب هذا ما قاضى (٦) محمد بن عبد الله ، قال البراء : صالح على ثلاثة أشياء على أن من أتاه من المشركين ردّه إليهم ، ومن أتاهم (٧) من المسلمين لم يرده (٨) ، وعلى أن يدخلها من قابل ، ويقيم بها ثلاثة أيام ، ولا يدخلها إلّا بجلباب السلاح السيف والقوس ونحوه.

[١٩٧٢] وروى ثابت عن أنس : أن قريشا صالحوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاشترطوا : إن من جاءنا منكم لم نرده عليكم ، ومن جاءكم منا رددتموه علينا ، فقالوا : يا رسول الله أنكتب هذا؟ قال : «نعم إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله ، ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجا ، ومخرجا».

رجعنا إلى حديث الزهري قال : فبينما (٩) هم كذلك إذا جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده قد انفلت وخرج من أسفل مكة ، حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين ، فقال سهيل : هذا يا محمد أول ما أقاضيك عليه أن ترده إليّ ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنا لم نقض الكتاب بعد ، قال فو الله إذا لا أصالحك على شيء أبدا ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فأجزه (١٠) لي ، فقال : فما أنا بمجيزه (١١) لك ، قال : بلى فافعل ، قال : ما أنا بفاعل ، ثم جعل سهل يجره ليرده إلى قريش ، قال أبو جندل : أي معشر المسلمين أرد

__________________

[١٩٧١] ـ صحيح. أخرجه البخاري ٢٦٩٨ و ٢٧٠٠ و ٣١٨٤ ومسلم ١٧٨٣ وأبو داود ١٨٣٢ وأحمد ٤ / ٢٨٩ و ٢٩١ و ٣٠٢ وأبو يعلى ١٧١٣ وابن حبان ٤٨٧٣ والبيهقي ٩ / ٢٢٦ من طرق عن أبي إسحاق به.

[١٩٧٢] ـ صحيح. أخرجه مسلم ١٧٨٤ وأحمد ٣ / ٢٦٨ وأبو يعلى ٣٣٢٣ وابن حبان ٤٨٧٠ والبيهقي ٩ / ٢٢٦ من طرق عن حماد بن سلمة عن ثابت به.

(١) هو تابع لما تقدم برقم : ١٩٧٠.

(١) في المطبوع «يسألون» والمثبت عن «صحيح البخاري» والمخطوط.

(٢) في المطبوع «قضى» والمثبت عن المخطوط و «صحيح البخاري».

(٣) زيادة عن المخطوط (ب)

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) في المخطوط «في».

(٦) في المطبوع «قضى» والمثبت عن المخطوط.

(٧) تصحف في المخطوط إلى «أتاه» والمثبت عن «صحيح البخاري».

(٨) تصحف في المخطوط إلى «يرده» والمثبت عن «صحيح البخاري».

(٩) في المطبوع «فبينا» والمثبت عن صحيح البخاري» والمخطوط (ب)

(١٠) في المطبوع «فأجره» والمثبت عن «صحيح البخاري» والمخطوط (أ)

(١١) في المطبوع «بمجيره» والمثبت عن «صحيح البخاري».

٢٣٩

إلى المشركين وقد جئت مسلما ألا ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عذب عذابا شديدا في الله.

[١٩٧٣] وفي الحديث : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يا أبا جندل احتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا ، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم عقدا وصلحا وأنا لا نغدر» فوثب عمر يمشي إلى جنب أبي جندل ، فقال : اصبر فإنما هم المشركون ودم أحدهم كدم كلب ويدني قائم السيف منه ، قال عمر : رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه (١) فضن الرجل بأبيه ، وقد كان أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرجوا وهم لا يشكون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما رأوا ذلك دخل الناس أمر عظيم حتى كادوا يهلكون ، وزادهم أمر أبي جندل شرا إلى ما بهم.

قال عمر : والله ما شككت منذ أسلمت إلّا يومئذ.

قال الزهري في حديثه عن عروة عن مروان والمسور (٢) ، ورواه أبو وائل عن سهل بن حنيف قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : فأتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقلت : ألست نبيّ الله حقا؟ قال : بلى ، قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال : بلى ، قلت : أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال : : بلى ، قلت : فلم نعطي الدنيّة في ديننا إذن؟ قال : إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري ، قلت : أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال : بلى ، أفأخبرتك أنّا نأتيه العام؟ قلت : لا ، قال : فإنك آتيه ومطوف به ، قال : فأتيت أبا بكر : يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا؟ قال : بلى ، قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال : بلى ، قلت : أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال : بلى ، قلت : فلم نعطي الدنية في ديننا؟ قال : أيها الرجل إنه رسول الله ليس يعصي ربّه وهو ناصره ، فاستمسك بغرزه فو الله إنه على الحق ، قلت : أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال : بلى ، أفأخبرك أنك تأتيه العام؟ قلت : لا ، قال : فإنك آتيه ومطوّف به (٣).

قال الزهري : قال عمر : فعملت لذلك أعمالا ، قال : فلما فرغ من قضية الكتاب ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأصحابه : قوموا فانحروا ، ثم احلقوا ، قال : فو الله ما قام منهم رجل ، حتى قال ذلك ثلاث مرات ، فلما لم يقم منهم أحد قام فدخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس ، فقالت أم سلمة يا نبي الله أتحب ذلك؟ اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك ، فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك ، نحر بدنه ودعا حالقه وفحلقه ، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا ، وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم أن يقتل بعضا غمّا وحزنا.

[١٩٧٤] قال ابن عمر وابن عباس : حلق رجال يوم الحديبية وقصر آخرون ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

__________________

[١٩٧٣] ـ هذه الفقرة ، ذكرها ابن هشام في «السيرة» ٣ / ٢٤٨ عن ابن إسحاق عن الزهري ، في أثناء خبر صلح الحديبية المطول.

[١٩٧٤] ـ صدره صحيح ، وعجزه ضعيف ، والصحيح موقوف.

حديث ابن عباس أخرجه أبو يعلى ٢٧١٨ وأحمد ١ / ٣٥٣ والطبراني ١١١٥٠ والطحاوي في «المشكل» ١٣٦٤ و ١٣٦٥ من طريق محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس بتمامه.

ـ وهو معلول ، فابن إسحاق ، وإن صرح بالتحديث ، فقد اضطرب فيه حيث رواه غير واحد عنه فجعل عجزه موقوفا ، كذا أخرجه ابن ماجه ٣٠٤٥ والطحاوي ١٣٦٦ والبيهقي ٤ / ١٥١ وصححه البوصيري في الزوائد ، وهو الصواب.

(١) تصحّف في المطبوع إلى «إيّاه».

(٢) تصحّف في المطبوع إلى «المثور».

(٣) في المطبوع «تطوف» والمثبت عن المخطوط و «صحيح البخاري».

٢٤٠