محمّد بهاء الدين الاصبهاني
الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-6243-96-7
الصفحات: ٦٠٠
فصل
في ذكر ما يتعلّق بالقصيدة
التي نحن بصدد شرحها
روى الشيخ أبو عمرو الكشي في كتاب « الرجال » قال :
حدّثني نصر بن الصباح ، قال : حدثنا إسحاق بن محمد البصري ، قال : حدّثني علي بن إسماعيل ، قال : أخبرني فضيل الرسّان (١) ، قال : دخلت على أبي عبد اللّه عليهالسلام بعد ما قتل زيد بن علي رحمة اللّه عليه فأُدخلت بيتاً جوف بيت ، فقال لي : يا فضيل قتل عمّي زيد؟
قلت : نعم جعلت فداك.
قال : رحمهالله أما إنّه كان مؤمناً ، وكان عارفاً ، وكان عالماً ، وكان صادقاً ، أما إنّه لو ظفر لوفى ، أما إنّه لو ملك لعرف كيف يضعها.
قلت : يا سيّدي ألا أنشدك شعراً؟
قال : أمهل ، ثم أمر بستور فسدلت وبأبواب ففتحت ، ثمّ قال : أنشد ،
__________________
١ ـ هو الفضيل بن الزبير الرسان : من أصحاب الباقر عليهالسلام كما في رجال الشيخ ( برقم ٢ ) ومن أصحاب الصادق عليهالسلام أيضاً ( برقم٢٢ )
فأنشدته :
لأُمِّ عَمرو باللِّوى مَرْبَعُ |
|
طامِسَةٌ أَعْلامُهُ بَلقَعُ |
لَمّا وقفت (١) العيسُ في رَسْمِهِ |
|
والعينُ مِنْ عِرفانِهِ تَدمَعُ |
ذَكرت مَنْ قد كُنتُ ألْهُو (٢) بهِ |
|
فَبِتُّ والقلبُ شَج مُوجَعُ |
عجبتُ مِنْ قَوم أَتَوا أحمداً |
|
بِخطبةٍ ليس لَها مدفَعُ |
قالوا لَهُ لو شِئتَ أَخْبَرتَنا |
|
إلى مَن الغايةُ والمفزعُ |
( إذاتُوفِّيت وفارقتنا ) (٣) |
|
ومنهم في المُلكِ مَن يَطمَعُ |
__________________
١ ـ كذا في الأصل والمصدر وتنقيح المقال للمامقاني ، وفي إحدى نسخ التنقيح « وقفن ». انظر رجال المامقاني : ١ / ١٤٣.
٢ ـ « أهوى » : المصدر وتنقيح المقال.
٣ ـ ما بين القوسين من المصدر.
( و ) (١) قالَ لَو أخبرتُكُمْ مَفْزَعا |
|
ماذا عَسيتم فيهِ أن تَصنَعُوا |
صَنيعُ أهلِ العِجل إذ فارقوا |
|
هارون فالترك له أوْدَعُ |
فالناسُ يومَ البعث راياتُهُم |
|
خَمسٌ فمنها هالكٌ أربعُ |
قائدها العِجل وفِرعَونُها |
|
وسامِريُّ الأُمّة المفظعُ |
ومُخدعٌ من دينهِ مارِقٌ |
|
أخدع عبد لُكَعٌ أوْكَعُ (٢) |
ورايةٌ قائدُها ، وجهُهُ |
|
كأنّه الشمسُ إذا تَطلَعُ (٣) |
قال : فسمعت نحيباً من وراء الستر وقال : من قال هذا الشعر؟
__________________
١ ـ ما بين القوسين من المصدر.
٢ ـ الأوكع : اللئيم.
٣ ـ هذه الأبيات ليست هي المختارة بالتحديد للشارح في هذا الكتاب ، وفيها أيضاً بعض الاختلاف مع المشروح.
قلت : السيد ابن محمد الحميري.
فقال : رحمهالله.
قلت : إنّي رأيته يشرب النبيذ!
فقال : رحمهالله. قلت : إنّي رأيته يشرب النبيذ الرستاق!
قال : تعني الخمر؟ قلت : نعم.
قال : رحمهالله ، وما ذلك على اللّه أن يغفر لمحبّ عليّ. (١)
وفي « الأغاني » : قال عباد بن صُهَيب (٢) :
كنت عند جعفر بن محمد ، فأتاه نعي السيد ، فدعا له وترحَّم عليه ، فقال له رجل : يابن رسول اللّه ( تدعو له ) (٣) وهو يشرب الخمر ويؤمن بالرجعة! فقال : حدَّثني أبي عن جدّي أنّ مُحِبِّي آل محمد لا يموتون إلاّ تائبين وقد تاب ، ورفع مُصَلّى كانت تحته ، فأخرج كتاباً من السيد يُعرِّفه فيه أنّه قد تاب ويسأله الدعاء له. (٤)
وروى بعض أصحابنا بسنده عن سهل بن ذبيان قال : دخلت على الإمام عليّ بن موسى الرضا عليهالسلام في بعض الأيّام قبل أن يدخل عليه أحد من الناس فقال لي : مرحباً بك يا ابن ذبيان ، الساعة أراد رسولي أن يأتيك لتحضر عندنا فقلت : لماذا يا ابن رسول اللّه؟
__________________
١ ـ الكشي : الرجال : ٢ / ٥٦٩ ـ ٥٧٠.
٢ ـ عبّاد بن صهيب أبوبكر التميمي الكليني ( الكليبي ) اليربوعي : بصري ، ثقة روى عن أبي عبد اللّه ( الصادق عليهالسلام ). ( معجم رجال الحديث : ٩ / ٢١٤ رقم ٦١٣٦ ).
٣ ـ ما بين القوسين من المصدر.
٤ ـ أبو الفرج علي بن الحسين الاصبهاني : الأغاني : ٧ / ٢٧٧.
فقال : لمنام رأيته البارحة ، وقد أزعجني وأرَّقني. فقلت : خيراً يكون إن شاء اللّه تعالى؟
فقال : يا ابن ذبيان ، رأيت كأنّي نُصِب لي سُلَّم فيه مائة مرقاة ، فصعدت إلى أعلاه.
فقلت : يا مولاي أُهنّئك بطول العمر ، ربّما تعيش مائة سنة ، لكلّ مرقاة سنة ، فقال لي عليهالسلام : ما شاء اللّه كان.
ثمّ قال : يا ابن ذبيان ، فلمّا صعدت إلى أعلى السلّم رأيت كأنّي دخلت قبّة خضراء يُرى ظاهرها من باطنها ، ورأيت جدِّي رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم جالساً فيها وإلى يمينه وشماله غلامان حسنان يُشرق النور من وجههما ، ورأيت امرأة بهيّة الخلقة ، ورأيت بين يديه شخصاً بهيّ الخلقة جالساً عنده ، ورأيت رجلاً واقفاً بين يديه وهو يقرأ هذه القصيدة : ( لأُمِّ عَمرو بِاللِّوى مَربَعُ ).
فلمّا رآني النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال لي : مرحباً بك يا ولدي يا عليّ بن موسى الرضا سلِّم على أبيك عليّ ، فسلّمت عليه.
ثم قال لي : سلّم علي أُمِّك فاطمة الزهراء ، فسلّمت عليها.
ثمّ قال لي : وسلّم على أبويك الحسن والحسين ، فسلّمت عليهما.
ثمّ قال لي : وسلّم على شاعرنا ومادحنا في دار الدنيا السيد إسماعيل الحميري ، فسلمت عليه ؛ وجلست فالتفت النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى السيد إسماعيل وقال : أعد إليّ ما كنّا فيه من إنشاد القصيدة ، فأنشد يقول :
لأُمِّ عَمرو باللِّوى مَرْبَعُ |
|
طامِسةٌ أعلامُه بَلْقع |
فبكى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلمّا بلغ إلى قوله : ووجهٌ كالشمسِ إذْ تَطْلَع
بكى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وفاطمة عليهاالسلام معه ومن معه ، ولمّا بلغ إلى قوله :
قالُوا لَه لو شِئتَ أعلمْتَنا |
|
إلى مَن الغاية والمفزَعُ |
رفع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يديه وقال : إلهي أنت الشاهد عليّ وعليهم أنّي أعلمتهم أنّ الغاية والمفزع عليّ بن أبي طالب (١) ، وأشار بيده إليه ، وهو جالس بين يديه صلوات اللّه عليه.
قال عليّ بن موسي الرضا عليهماالسلام : فلمّا فرغ السيد إسماعيل الحميري من إنشاد القصيدة التفت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إليَّ وقال لي : يا علي بن موسى احفظ هذه القصيدة ومُر شيعتنا بحفظها ، وأعلمهم أنّ من حفظها وأدمن قراءتها ضمنت له الجنّة على اللّه تعالى.
قال الرضا عليهالسلام : ولم يزل يكرّرها عليّ حتّى حفظتها منه. (٢)
__________________
١ ـ
« إن كان دين محمد
فيه الهدى |
|
حقا فحبّك بابه
والمدخل » |
البيت من حاشية المخطوطة ، وفيه فوق « فحبّك » : « يا علي ».
٢ ـ ذكر الحديث في البحار : ٤٧ / ٣٢٨ دون ذكر مصدر له ، قائلاً : « أقول : وجدت في بعض تأليفات أصحابنا أنّه روى باسناده ـ ثمّ ذكر الحديث ـ ». وجاء في هامش البحار ما يلي : « نقل القاضي نور اللّه في مجالسه : ٢ / ٥٠٨ عن رجال الكشي حديث سهل بن ذبيان وقصّة المنام ولم نقف عليه في المطبوع من رجال الكشّي ، كما أنّ أبا علي في رجاله ص ٥٩ والمامقاني في رجاله : ١ / ١٤٣ نقلاً عن العيون لشيخنا الصدوق قصة المنام ، وذكر شيخنا الأميني في الغدير ٢ / ٢٢٣ خلو نسخ العيون المخطوطة والمطبوعة من ذلك. ونقل عن جماعة ذكر المنام في مؤلّفاتهم فراجع ».
[ المختار من القصيدة ]
وإذا بلغ الكلام هذا المبلغ حان أن أُعوّض على الدرر مستعيناً باللّه خالق القوى والقدر ، وقد اخترت من نسخ القصيدة أطولها وأبسطها وأوضحها وأسبطها (١) ، قال رحمهالله :
[ ١ ]
لأُمِّ عَمرو باللِّوى مَرْبَعُ |
|
طامِسةٌ أعلامُه بَلْقَعُ |
اللغة :
« اللام » المفرد على وجهين :
حرف هَجْي ، وحرفُ مَعنى.
فلنتكلّم على أحوالها بكلّ اعتبار.
أمّا الكلام عليها بالاعتبار الأوّل ، فاعلم أنّ مخرجها ـ على ما قاله سيبويه (٢) وغيره ـ : من حافّة اللسان من أدناها إلى منتهى طرف اللسان ما بينها وبين ما
__________________
١ ـ السَّبْطُ : الشّعْرُ الذي لا جعُودة فيه ، وشعرٌ سَبْطٌ وَسَبِطٌ : مُستَرسِلٌ غير جَعْد. ( لسان العرب : « سبط » ).
٢ ـ هو عمرو بن عثمان بن قبرالفارسي ( المتوفّى ١٨٠ هـ ) لقب ب « سيبويه » له ترجمة في « المعارف » لابن قُتيبة : ٣٠٢ ـ اخبارالنحويّين والبصريّين للسيرافي : ٤٨ ـ انباء الرواة : ٢ / ٣٦.
يليها من الحنك الأعلى ممّا فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية (١).
قوله : « من أدناها إلى ما دون طرف اللسان » إلى رأسه ، وقوله : « إلى منتهى طرف اللسان » : أي رأسه.
والضواحك : هي الأسنان الأربعة التي بين الأضراس والأنياب. وجاء بمعنى : كلّ سن يبدو عند الضحك.
وتخصيص الأوّل لأنّها نهاية ما يظهر من الأسنان عند الضحك ، ووَصْف السن به وصفٌ مجازي كالشارب.
والضحك : بمعنى الظهور والتلألؤ والالتماع ، كما يقال : له رأي ضاحك لا لَبس فيه. ويقال لِطَلع النخل : الضاحك والضُّحك. وضحك البرق. والحوض يضحك في الروضة. وكما قال بأحد المعنيين :
لا تَعْجَبي يا سَلمُ مِنْ رجلٍ |
|
ضَحِكَ المَشِيبُ بِرأْسِهِ فبَكَى(٢) |
والأنياب من الأسنان : التي بين الضواحك والرباعيات.
والرباعيات : هي الأسنان التي بين الناب والثنايا.
والثنايا : هي التي في مقدّم الفم فلكلّ من الأصناف الأربعة أربع : اثنتان من فوق واثنتان من أسفل.
__________________
١ ـ كتاب سيبويه : ٤ / ٤٣٣. ونصّه : ... وما فويق الثنايا مخرج النون.
٢ ـ البيت لدعبل الخزاعي من ( الكامل ) ، انظر ديوانه : ١٤٣. ( مؤسّسة الأعلمي ، بيروت ١٤١٧ هـ ). ونسبه في أعلام الزركلي : ٥ / ٢١٤ إلى ( البرداني محمد بن أحمد ابن محمد أبوالحسن ) عن كتاب ( المحمّدون : ٥٦ ).
وخالف في ذلك الحاجبي (١) فلم يعتبر من الأسنان إلاّ الثنايا ، قال في الإيضاح : وكان ينبغي أن يقال فوق الثنايا إلاّ أنّ سيبويه قال مثل ذلك ، فمن أجل ذلك عددوا ، وإلاّ فليس في الحقيقة فوق ذلك ، لأنّ مخرج النون يلي مخرجها وهو فوق الثنايا فكذلك هذا ، على أنّ الناطق باللام تنبسط جوانب طرفي لسانه ممّا فوق الضاحك إلى الضاحك الآخر وإن كان المخرج في الحقيقة ليس إلاّ فوق الثنايا ، هذا وإنّما ذلك يأتي لما فيها من شبه الشدّة ودخول المخرج في ظهر اللسان فينبسط الجانبان لذلك ، فلذلك عدّد الضاحك والناب والرباعية والثنايا.
وخالف الشاطبي (٢) في ظاهره فلم يعتبر إلاّاللسان والحنك ، والشيخ أبو الحجاج يوسف بن محمد البلوي المعروف بابن الشيخ في كتاب « الف باء » فلم يعتبر إلاّ اللسان.
وقال الجعبري (٣) في « شرح حرز الأماني » : من رأس حافّة اللسان وطرفه ومحاذيهما من الحنك الأعلى ومن اللثّة في سمت الضاحك لا الثنيّة ، خلافاً لسيبويه.
واعتبر الشيخ أحمد بن علي الكوفي صاحب « حل الرّموز » فويق الناب إلى الثنايا.
أقول : أمّا النزاع بين سيبويه والحاجبي فيشبه أن يكون لفظياً كما هو الظاهر
__________________
١ ـ هو عثمان بن عمر بن أبي بكر المعروف بابن الحاجب ( المتوفّى ٦٤٦ هـ ). له ترجمة في البداية والنهاية : ١٣ / ٨٠ ـ النجوم الزاهرة : ٤ / ٣٠١ )
٢ ـ أبوالقاسم بن فيّرة بن أبي القاسم خلف بن أحمد الرعيني الشاطبي الضرير ( ٥٣٨ ـ ٥٩٠ هـ ). له ترجمة في سير أعلام النُّبلاء : ٢١ / ٢٦١ ، البداية والنهاية : ١٣ / ١٠ ، النجوم الزاهرة : ٦ / ١٣٦.
٣ ـ ابراهيم بن عمر بن ابراهيم بن خليل الجعبري ( ٦٤٠ ـ ٧٣٢ هـ ) يُعرف بابن السراج. له ترجمة في معجم المؤلّفين : ١ / ٦٩ ، اعلام الزركلي : ١ / ٥٥ ، البداية والنهاية : ١٤ / ١٨٥.
ممّا حكينا من كلامه ، فإنّه معترف بأنّ اللسان ينبسط على الضواحك وما بينها جميعاً ، إلاّ أنّه يقول : إنّ المخرج حقيقة ما فوق الثنايا ، وكأنّه في ذلك صادق ، واعتبر سيبويه جميع ذلك وإن كان بعضه تابعاً لبعض. وأمّا ابتداء صاحب « حل الرّموز » من الناب ، فلانتهاء الضعف في الضاحك ، فإنّ نهاية القوة في الوسط الذي هو بازاء الثنايا ولا يزال يضعف قليلاً قليلاً إلى الضاحك ، وربّما لم يظهر مدخليته لغاية الضعف فيه.
وأمّا عدم اعتبار الجعبري للثّنايا ، فلا يتمّ إلاّ إذا تلفّظ باللام بشدّة فإنّه حينئذ ينعطف طرف اللّسان إلى الحنك.
وأمّا الشاطبي فلعلّه تسامح إمّا باستعمال الحنك فيما يشمل اللثَّة تغليباً ، أوبالاكتفاء ببعض أجزاء المخرج.
ثمّ اللام من الحروف الذولقية أو الذلقية التي تبتدئ من ذولق اللّسان أو ذلقه أي حدّه وهي ثلاثة : الراء واللاّم والنون ، وفي بعض نسخ « العين » للخليل : إنّ حروف الذلق : الراء واللاّم والنون والفاء والباء والميم ، ولعلّه إدخال الثلاثة الأخيرة باعتبار طرف الفم إذ لا مدخل للسان فيها ، والمراد النسبة إلى الذلق ، بمعنى الفصاحة لخفّة النطق بها وسهولته ، ثمّ هي من المجهورة (١) أي التي يقوى التصويت بها ؛ لما يمنع النفس من الجبران معها وهي ما عدا حروف « سكت فحثه شخص ». وهي أيضاً بين الشديدة والرخوة وهي حروف لم ترو عنّا ، فإنّ الشديدة ما ينحصر الصوت في مواضعها عند الوقف وهي حروف « أجدك قطبت » ، والرخوة مايجري الصوت معها في الوقف وتلك الأحرف الثمانية ينحصر
__________________
١ ـ قال في تاج العروس : ٣ / ١١٤ ، المجهورة من الحروف عند النحويّين بأجمعهم في قولهم « ظلّ قوربض إذ غزا جند مطيع ».
الصوت في مواضعها ، إلاّ أنّه تعرض لها أعراض توجب خروج الصوت من غير مواضعها ، أمّا اللاّم فلأنّ مخرجها أعني طرف اللسان ، وإن لم يتجاف عن الحنك عند النطق حتى يجري الصوت بينهما ، إلاّ أنّه لم يسد طريق الصوت بالكلّية كالدال والتاء ، بل انحرف طرف اللسان فخرج الصّوت من مستدق اللّسان فويق مخرجه.
وأمّا البواقي فنكِل بيانها إلى كتب التصريف.
ثمّ هي من المنفتحة وهي ما عدا المطبقة والصّاد والضّاد والطاء والظاء ، والإطباق أن ينطبق الحنك على اللسان عند النطق بالحرف.
ثمّ هي من المنخفضة وهي ما عدا المستعلية وهي المطبقة مع الخاء والغين والقاف ، والاستعلاء ارتفاع اللسان إلى الحنك عند النطق بالحرف.
وهي وحدها تسمّى منحرفة ، لأنّ اللّسان ينحرف عند النطق بها. وجعل الكوفيون وحكى ابن أبي طالب الراء أيضاً منحرفة.
وأمّا الكلام عليها بالاعتبار الثاني ، فاعلم أنّهما نوعان : إحداهما غير عاملة ، والأُخرى عاملة.
والكلام هنا في العاملة وهي على قسمين : الجارة ، والجازمة ، خلاف الكوفيين فقد زادوا الناصبة ، لزعمهم أنّ « لام كي » و « لام الجحود » بأنفهسما ناصبتان.
والكلام هنا في الجارّة : فاعلم أنّها في المشهور مكسورة إلاّ المضمر غير الياء فإنّها مفتوحة في الأكثر ، وخزاعة تكسرها معه أيضاً.
وأمّا مع الياء فكسرها متّفق عليه. هذا في غير المستغاث ، وأمّا فيه فتفتح إذا لم يكن معطوفاً على غيره ، وحكى يونس وأبو عبيدة وأبو الحسن وأبو عمرو ، أنّهم
سمعوا العرب بفتحها مع الظاهر مطلقاً.
وحكى ابن أبي طالب عن بني العنبر (١) أنّهم يفتحونها مع الفعل. وعن أبي زيد أنّه سمع من يقرأ ( وَما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ ) (٢) بفتح اللاّم.
وحكى المبرّد عن ابن جبير أنّه قرأ ( وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لتَزولَ مِنْهُ الجِبالُ ) (٣) بفتح اللاّم مع فتح لام الفعل.
فإن قلت : على من كسرها أنّ الأصل في البناء ، لا سيما في الحروف ، أن يبنى على السكون لخفّته ، ولكونه عدماً والعدم أصل في الحادث ، ولمّا تعذّر هنا السّكون للزوم الابتداء بالساكن ، كان الأصل أن يبنى على الفتح لكونها أُخت السكون في الخفّة وإن كانت أُخت الكسرة في المخرج ، كما بنيت الكاف والواو والفاء وغيرها من الحروف المبنية على حرف واحد ، على الفتح.
قلنا : فرقاً بينها وبين لام الابتداء ، ولم يعكس لياطبق حركة الجارّة ، أثرها الذي هو الكسر وما بحكمه ، ولمّا كان الافتراق في الضمائر حاصلاً فإنّ لام الابتداء لا يتصل به ضمير جعلت فيها مع الأصل إلاّ في الياء ، فإن استدعاها كسر ما قبلها قويّ ، وإبقائها في المستغاث على الفتح ، للفرق بين المستغاث والمستغاث له ، وكسرها في المعطوف ، لحصول الفرق بالعطف.
وأمّا معاني اللاّم الجارّة فكثيرة ، والمناسب هنا ثلاثة معاني :
الاختصاص : كما في قولك : المنبر للخطيب ، والحصير للمسجد ، والسرج للفرس ، وقوله تعالى : ( فإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ ) (٤).
__________________
١ ـ بني العنبر بن عمرو بن تميم وآليهم ينسب « العنبري ».
٢ ـ الأنفال : ٣٣.
٣ ـ إبراهيم : ٤٦.
٤ ـ النساء : ١١.
والملك : كما في قوله ( تعالى ) : ( لَهُ ما فِي السَّمواتِ وَما في الأَرض ) (١).
والاستحقاق : كما في : الحمد للّه ، والعزّة للّه ، والملك للّه ، والنار للكافر ، وغيرها.
وما قيل من اختصاصها بالوقوع بين معنى وذات ، لم يثبت ، ولو سلّم فليؤوّل هنا بالتمكّن في المَربَع ، كما يُؤوّل في النار بعذابها.
أُمّ الشيء : أصله. ومنه الوالدة. وأُمّ النجوم : المجرّة لأنّها لاجتماع كثير من النجوم فيها كأنّها أصل ينبعث منها النجوم. وأُمّ القرى ، لمكة ؛ لأنّ الأرض دُحِيَت من تحتها. ويقال للمعدة : أُمّ الطعام ، وللجلدة التي تشتمل على الدماغ : أُمّ الدماغ ، تشبيهاً لهما بالوالدة.
وعن الخليل والأخفش : كلّ شيء انضمّت إليه أشياء فهو أُمّ ، وبذلك سمّي رئيس القوم أُمّاً لهم ، وأُمّ مثوى الرجل صاحبه منزله الذي ينزله.
وقوله سبحانه : ( فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ ) (٢) بمعنى : التي تضمّه وتؤويه.
وأُمّ الكتاب : اللَّوح المحفوظ; لاشتماله على كلّ عِلم.
ومن العرب من يكسر همزته ، وقرأ ( فَرَدَدْناهُ إلى أُمّه ) (٣) بالكسر.
وقد يحذفون الهمزة استخفافاً فيقولون : « ويل مه » ، وربّما كتبوه « ويلمه » متّصلاً.
وربّما قالوا : « أُمّة » بإلحاق التاء.
واختلف في أصله ، فقيل : أصله « أُمَّهةٌ » لجمعه على « أُمّهات » ، وقيل :
__________________
١ ـ البقرة : ١٠٧ و ١١٦.
٢ ـ القارعة : ٩.
٣ ـ أي « إمّه ». القصص : ١٣.
« أُمّهتي صدفٌ والياس أبي ».
وقيل بل هو الأصل ولكن جاء « أُمَّهة » بمعناه ، ولذا يُجمع على « أُُمّات » أيضاً. وقيل : « الأُمّهات » يخصّ الناس ، و « الأُمّات » البهائم. وقيل إنما زيدت الهاء في جمعها للتفخيم ، وخُص بها الجمع لأنّه موضع تخييرمّا.
« العمر » : بالفتح والضم ، وبضمّتين : الحياة.
وقال أبو حيّان في « ارتشافه » : وفي معنى عمر قولان :
أحدهما مذهب البصريين : أنّه بمعنى البقاء ، تقول : طال عمرك وعمرك. والتزموا فتح العين مع اللام في القَسَم فالمجرور بعده فاعل والمصدر مضاف إليه.
والثاني ما ذهب إليه بعض الكوفيين والهروي : أنّه مصدر ضدّ الخلو ، مِن : عمّر الرجل منزله ، والمقسم يريد تذكير القلب بذكر اللّه تأكيداً للصدق. وبه قال السهيلي.
وقال الراغب : اسم لمدّة عمارة البدن بالحياة ، ـ قال : ـ فهو دون البقاء فإذا قيل : طال عمره ، فمعناه : عمارة بدنه بروحه. وإذا قيل : بقاؤه ، فليس يقتضي ذلك ، فإنّ « البقاء » ضد « الفناء » ، ـ قال : ـ ولفضل البقاء على العمر وصف به اللّه تعالى ، وقلّما وصف بالعمر (١).
أقول : ولذا ورد النهي عن قول : لعمر اللّه.
والعَمر ، بالفتح وبفتحتين : الدِّين ، قيل : ومنه لَعَمري.
وبالفتح والضمّ : منابت الأسنان وما بينها من اللحم المستطيل ، وجمعه بالمعنيين عمور ، وتحملهما قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « أوصاني جبرئيل بالسواك حتى خفت على
__________________
١ ـ مفردات غريب القرآن : ٣٤٧.
عُموري » (١).
والعَمَر ، بالفتحتين : المنديل تُغطي به الحرّة رأسها. والعمران : الكمال.
والعَمر بالفتح : ضرب من النخل طويل. و : القرط.
والعمران : اللحمتان المتدلّيتان على اللَّهاة.
والعُمر ، بالضم : المسجد والبيعة والكنيسة.
وعَمرو ، بالفتح : اسم مأخوذ من أحد المعاني المناسبة من هذه المعاني ، كُتب بالواو فرقاً بينه وبين عُمَر مضموم الأوّل مفتوح الثاني ، ولذا لم تكتب بها في النصب لحصول الافتراق بالألف.
الباء : حرف تَهجِّي. وحرف مَعنَى.
أمّا الكلام عليها بالاعتبار الأوّل : فاعلم أنّها من الحروف الشفويّة ، مخرجها ما بين الشفتين بانطباق بينهما بالاتفاق. وهي مجهورة شديدة ، منفتحة منخفضة ذلقية على رأي ، وهي من حروف القلقلة وهي حروف « قطب جد » ، وإنّما سميت قلقلة ، لأنّها يصحبها ضغط اللسان في مخارجها في الوقف مع شدّة الصوت المتصعّد من الصدر وهذا الضغط يمنع من خروج ذلك الصوت ، فإذا أردت بيانها احتجت إلى قلقلة اللسان ، أي تحريكه عن موضعه حتى يخرج صوتها فيسمع.
وأمّا الكلام عليها بثاني الاعتبارَين : فاعلم أنّها مكسورة.
وعن ابن جنّي أنّه حكى عن بعضهم أنّ حركتها الفتح مع الظاهر ، وإنّما بنيت على الكسر مع أنّ الأصل بناؤها على الفتح كما علمت ، للزومها الحرفية
__________________
١ ـ ابن أثير : النهاية في غريب الحديث : ٣ / ٢٩٩ ، ولسان العرب : ٤ / ١٢١٥ « عمر ».
والجرّ ، وكلّ منهما يناسب الكسر.
أمّا الحرفية : فلأنّها تقتضي عدم الحركة ، والكسر يناسب العدم لقلّته ، إذ لا يؤخذ في الفعل ، ولا في غير المنصرف من الأسماء ولا في الحرف إلاّنادراً ، ولقربه من السكون في المخرج كما مرّت إليه الإشارة ، لأنّ الواقف على السكون لافظ بكسرة خفيّة.
وأمّا الجر : فللمناسبة : وهذا بخلاف الكاف فإنّها وإن لزمت الجرّ لكن لم تلازم الحرفية. وبخلاف الواو فإنّها وإن لزمت الحرفية إلاّ أنّها لا تلازم الجرّ ، لأنّها تكون عاطفة ومعترضة ونحوهما. وأمّا تاء القسم : فلا تلازم شيئاً من الحرفية والجرّ.
وقال الزجاج : إنّما كُسرت الباء للفصل بين ما يجر ، وقد يكون اسماً كالكاف وما يجر ولا يكون إلاّحرفاً كالباء.
وقال المبرّد : العلّة في كسرها ردّها إلى الأصل ، ألا ترى أنّك إذا أخبرت عن نفسك بأنّك كتبت باءً قلت : « ببيت » فرددتها إلى الياء ، والياء أُخت الكسرة.
وأمّا معانيها : فكثيرة إلاّ أنّه يمكن اعتبار الإلصاق (١) في كلّ منها ، ولذا حصرها سيبوبه في الالزاق والاختلاط.
والمعنى المناسب هنا هو الظرفية ، كقوله تعالى : ( نَجَّيْناهُمْ بِسَحَر ) (٢) ونحو : زيدٌ بالبصرة.
الألف واللام اللّتان للتعريف ، فيهما أقوال :
أحدها : إنّ الحرف المعرّف ثنائي الوضع « ال » ك « قد » و « هل » وإنّ الهمزة
__________________
١ ـ لَصِق ، وهي لغة تميم ، وقيس تقول لَسق بالسين وربيعة تقول لَزَق. ( لسان العرب : « لصق » ).
٢ ـ القمر : ٣٤.
للقطع كما في « أُم » و « أو » وهو الذي ذهب إليه الخليل وابن كيسان.
وثانيها : إنّ المعرّف « ال » إلاّ أنّ همزتها همزة وصل معتدّ بها في الوضع وهو المعزى إلى سيبويه.
وثالثها : إنّ المعرّف إنّما هو اللام الساكنة وضعاً ، والهمزة زائدة ؛ للوصل بالساكن ، وعليه الأكثر.
ورابعها : إنّ المعرّف إنّما هو الهمزة ، واللام مزيدة ، للفرق بين همزة التعريف وهمزة الاستفهام ، وعُزي إلى المبرّد.
واستدلّ للأوّلَيْن : بأنّ حروف المعاني ليس فيها ما وضع على حرف واحد ساكن ، وبفتح الهمزة وثبوتها في الاستفهام ، نحو : أالان ، وفي النداء نحو : يا اللّه ، وفي القسم نحو : ها للّه لأفعلن ، وبأنّهم يقولون في التذكير « ألي » كما يقولون « قدي » ، وبأنّ الأصل في كلّ كلمة أن تكون جميع حروفها أصليّة.
وللثالث : بحذف الهمزة في الدّرج ، وبأنّ حرف التنكر حرف واحد ساكن هو التنوين ، فكان المناسب أن يكون حرف ضدّه كذلك.
وإنّما خالفت التنوين فدخلت أوّل الكلمة لتحفظ عن الحذف فإنّ الآخر يدخله الحذف كثيراً ، وإنّما كانت لاماً لأنّ اللام تدغم في ثلاثة عشر حرفاً.
وأمّا إثبات همزتها في الاستفهام ، فللفرق بينه وبين الإخبار.
وأمّا إثباتها في « يا اللّه » و « ها للّه » فلأنّ الألف واللام في لفظ « اللّه » عوضان عن همزة « إله » ولازمتان للكلمة وبذلك صارتا بمنزلة أجزاء الكلمة.
وأمّا قولهم : « ألي » ك « قدي » فلتنزيلهم لهما ؛ لتلازمهما منزلة « قد » ، ولعلّ سيبويه لمّا رأى تعارض دليلَي أصالة الهمزة وزيادتها جمع بين الأصالة والوصيلة.
وأمّا حجّة الرابع : فهو أنّه حرفٌ زيد لمعنى ، وأولَى الحروف بذلك حروف العلّة وأولاها « الألف » ، لكونها أخفّها ، ولمّا تعذّر الابتداء بها قُلبت همزة.
ويدلّ على عدم أصالة « اللاّم » أنّها تُقلب ميماً في لغة حمير إمّا مطلقاً أو فيما لا يُدغم فقط.
ولا يخفى أنّ الدليلين بمكان من الوهن ، وأنّ هذا الرّأي بمكان من الضعف ، وإنّما الأمر متردّد بين الثلاثة الأُُوَل ، بل بين الأوّل والثالث والأظهر هو الثالث ، ومعناهما التعريف أي جعل الاسم معرفة ، وزعم ابن مالك أنّه لا يمكن حدّ المعرفة قال : لأنّ هاهنا ما هو معرفة معنى نكرة لفظاً نحو : كان ذلك عام أوّل ، وعكسه نحو : أُسامة ، وما فيه الوجهان كذي اللام الجنسيّة.
والمشهور : إمكان التعريف فقيل : ما وضع لشيء بعينه ، وقيل : ما وضع ليستعمل في شيء بعينه ، والحقّ ما هو المشهور من إمكان التعريف.
وأمّا استعمال النكرة لفظاً في معنى المعرفة وعكسه ، فهما من التوسعات.
وأمّا التعريفان فلكلّ وجه.
والمراد بالتعيين المأخوذ فيهما ، ما يعمّ الشخصي والنوعي ، والمقصود منها : أن يكون اللفظ إشارة إلى المعنى باعتبار تعيينه ، فلا يرد أنّ النكرات أيضاً تدل على معان معيّنة ، إذ ما من معنى إلاّ وله تعيين وامتياز عن غيره لا سيما إذا عمّم التعيين للنوعي ، فإنّ معاني النكرات وإن كانت كذلك إلاّ أنّها ليست إشارات إليها باعتبار تعيّناتها.
واعلم أنّ اللام لها معاني أربعة. وتحقيقها أيضاً :
إمّا للإشارة إلى حصّة معيّنة من الماهية المدلول عليها بمدخولها فرداً أو فردين أو أفراداً ، ولابدّ من أن تكون الحصّة إمّا مذكورةً قبل ، نحو ( كَما أَرْسَلْنا
إِلى فِرْعَونَ رَسُولاً * فَعَصى فِرعَوْنُ الرَّسُولَ ) (١) ، ( فِيها مِصْباحٌ المِصْباحُ في زُجاجَة الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوكَبٌ دُرِّيٌّ ) (٢) ، أو حاضرة عند المتكلّم نحو : جاءني هذا الرجل ، و : يا أيّها الرجل ، و : خرجتُ فإذا أسد ، و : الآن ، و : اليوم ، وكما أنّك تقول لرجل يشتم رجُلاً بحضرتك : لا تشتم الرَّجل ، أو معلومة معهودة بين المتكلّم والمخاطب نحو : ( إِذْ هُما فِي الغارِ ) (٣).
وإمّا للإشارة إلى الماهية وهو يتشعّب إلى ثلاثة ، فإنّها : إمّا إشارة إلى نفس الماهية من حيث هي من غير اعتبار وُجودها في ضمن الأفراد وتسمّى لام الطبيعة ولام الحقيقة ، نحو : الرَّجل خيرٌ من المرأة ، أو إليها باعتبار وجودها إمّا مع قرينة البعضية أي الوجود في ضمن بعض الأفراد ويسمّى لام العهد الذّهني ، نحو : أكلتُ الخُبْزَ ، وشَرِبتُ الماءَ ، ورَكِبتُ الخَيْلَ ، أو مع قرينة العموم ، أو مع عدم القرينة ، وتحمل على العموم أيضاً في المقامات الخطابية حذراً من الترجيح بلا مرجِّح ويسمّى لام الاستغراق ، نحو : ( إِنَّ الإِنْسانَ لَفِي خُسْر * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا ) (٤) والّذي يحتمله اللاّم هنا ، العهدان.
« اللِّو » ى ، كألي : ما التَوَى من الرَّمْل ، أو مُسْتَرَقُّه ، ومُنْقَطَعُهُ ، ألْوى القَوم : صاروا إلى لِوى الرَّمْلِ ، يقال : ألوَيتُم فَانزِلُوا.
« المَربَعُ » : منزل القوم. في الربع خاصّة ، يقال : هذه مَرابِعُنا وَمصايفُنا.
« الطُّمُوسُ » : الدُّرُوسُ والامِّحاء (٥) ، وقد طَمَسَ يَطْمِسُ وَيَطْمُسُ وَطَمَسْتُهُ طَمْساً ، يتعدَّى ولا يتعدَّى ، وانْطَمَس الشيءُ وَتَطَمَّسَ : أي انْمَحى وَدَرَسَ ، ولفظ
__________________
١ ـ المزمّل : ١٦ ـ ١٧.
٢ ـ النور : ٣٥.
٣ ـ التوبة : ٤٠.
٤ ـ العصر : ٢ ـ ٣.
٥ ـ اِمَّحى ، يَمَّحِي ، اِمحاء. والأصل في اِمََّّحى : اِنْمَحى ، ووزنه « اِنْفَعَلَ ». ( لسان العرب : « محا » ).
الطامسة هنا يجوز جعله من كلّ من اللاّزم والمتعدّي : أمّا الأوّل فظاهر ، وأمّا الثاني فلأنّ اسم المفعول كثيراً ما يكون على صيغة اسم الفاعل بمعنى ذو كذا ، كراضية في ( عيشَة راضية ) على وجه.
التاء : حرف واسم ، والحرف : حرف هجاء ، وحرف معنى.
أمّا حرف الهجاء : فمخرجها على ما قاله سيبويه وغيره : ما بين طرف اللّسان وأُصول الثنايا ، يعني الثنايا العليا.
وزاد في الارتشاف مصعداً إلى جهة الحنك.
وفي « الإيضاح » للحاجبي قوله : وأُصول الثنايا ليس بحتم ، بل قد يكون ذلك من أُصول الثنايا وقد يكون ممّا بعد أُصولها قليلاً مع سلامة الطّبع من التكلّف.
وفي « المفتاح » للسكّاكي و « حرز الأماني » وغيرهما : أنّه ما بين طرف اللّسان والثنايا العليا من غير تقييد بالأُصول ، وهو موافق لما ذكره الحاجبي.
وفي « شرح حرز الأماني » للجعبري بين رأس اللّسان وبين أُصول الثنتين العليتين أو وسطهما ، وهو تصريح بموافقته.
وفي « حلّ الرّموز » : بين رأس اللّسان وما يلي أُصول الثنايا فقد حتم الوسط على عكس الأوّل.
وهي مجهورة شديدة منفتحة منخفضة نطعية ، أي مبدؤها من نطع الغار الأعلى وهو بالكسر وكعنب ، ما ظهر منه فيه آثار كالتحرير.
والحروف النطعية هي : الطّاء والدال والتاء ، وهي مصمتة أي ممّا عدا حروف الذلاقة والإصمات ، أنّه لا يكاد يبنى منها كلمة رباعية أو خماسية مُعراة عن حروف الذلاقة فكأنّه قد صمت عنها.