الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-008-0
الصفحات: ٥٠١
الفصل الثاني
فيمن يجب جهاده ، وكيفية الجهاد
وفيه مباحث :
الأوّل : من يجب جهاده.
مسألة ١٦ : الذين يجب جهادهم قسمان : مسلمون خرجوا عن طاعة الإمام وبغوا عليه ، وكفّار ، وهم قسمان : أهل كتاب أو شبهة كتاب ، كاليهود والنصارى والمجوس وغيرهم من أصناف الكفّار ، كالدهرية وعبّاد الأوثان والنيران ، ومنكري ما يعلم ثبوته من الدين ضرورة ، كالفلاسفة وغيرهم.
قال الله تعالى : ( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ ) (١) وقال تعالى ( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ ) (٢) وقال تعالى : ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) (٣) وقال ( فَضَرْبَ الرِّقابِ ) (٤). دلّت هذه الآيات على وجوب جهاد الأصناف السابقة.
__________________
(١) الحجرات : ٩.
(٢) التوبة : ٢٩.
(٣) التوبة : ٥.
(٤) محمد : ٤.
وروى العامّة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « من أعطى إماما صفقة (١) يده وثمرة قلبه فليطعه (٢) ما استطاع ، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر » (٣).
وكان عليهالسلام يقول لمن يبعثه على جيش أو سريّة : « إذا لقيت عدوّك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال فأيّتهم (٤) أجابوك إليها فاقبل منهم وكفّ عنهم : ادعهم إلى الإسلام ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم ، فإن هم أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكفّ عنهم ، فإن أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم » (٥).
ومن طريق الخاصّة : قول الباقر عليهالسلام : « بعث الله محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم بخمسة أسياف ، ثلاثة منها شاهرة لا تغمد إلى أن( تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ) ، ولن( تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ) حتى تطلع الشمس من مغربها ، فيومئذ( لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ ) (٦) ، وسيف منها مكفوف ، وسيف منها مغمود سلّه إلى غيرنا وحكمه إلينا ، فأمّا السيوف الثلاثة الشاهرة : فسيف على مشركي العرب ، قال الله تعالى : ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ
__________________
(١) في المصادر : ( من بائع إماما فأعطاه صفقة .. ).
(٢) في « ق ، ك » والطبعة الحجرية : فليعطه. وهو تصحيف. وما أثبتناه كما في المصادر.
(٣) صحيح مسلم ٣ : ١٤٧٣ ـ ١٨٤٤ ، سنن النسائي ٧ : ١٥٣ ـ ١٥٤ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٣٠٧ ـ ٣٩٥٦ ، مسند أحمد ٢ : ٣٤٤ ـ ٦٤٦٧.
(٤) كذا ، وفي صحيح مسلم : « فأيّتهنّ ما » وكذا في المغني ـ لابن قدامة ـ إلاّ أنّه ليس فيه كلمة « ما » ، وفي سنن أبي داود : « فأيّتها ».
(٥) صحيح مسلم ٣ : ١٣٥٧ ـ ٣ ، سنن أبي داود ٣ : ٣٧ ـ ٢٦١٢ ، سنن البيهقي ٩ : ٤٩ ، والخبر فيها ورد مفصّلا ، وفي المغني ١٠ : ٣٨٠ كما في المتن.
(٦) الأنعام : ١٥٨.
وَجَدْتُمُوهُمْ ) (١) فهؤلاء لا يقبل منهم إلاّ القتل أو الدخول في الإسلام ، والسيف الثاني على أهل الذمّة ، قال الله تعالى ( قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ) (٢) الآية ، فهؤلاء لا يقبل منهم إلاّ الجزية أو القتل ، والسيف الثالث سيف على مشركي العجم يعني الترك والخزر والديلم ، قال الله تعالى ( فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ ) (٣) فهؤلاء لا يقبل منهم إلاّ القتل أو الدخول في الإسلام ، ولا يحلّ لنا نكاحهم ما داموا في الحرب ، وأمّا السيف المكفوف على أهل البغي والتأويل ، قال الله تعالى : ( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما ) ـ إلى قوله ـ ( حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ ) (٤) فلمّا نزلت هذه الآية قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّ منكم من يقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل ، فسئل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من هو؟ قال : هو خاصف النعل ـ يعني أمير المؤمنين عليهالسلام ـ قال عمّار بن ياسر : قاتلت بهذه (٥) الراية مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ثلاثا وهذه الرابعة ، والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا (٦) السعفات من هجر (٧) لعلمنا أنّا على الحقّ وأنّهم على الباطل » (٨) الحديث.
مسألة ١٧ : كلّ من يجب جهاده فالواجب على المسلمين النفور إليهم
__________________
(١) التوبة : ٥.
(٢) التوبة : ٢٩.
(٣) سورة محمّد : ٤.
(٤) الحجرات : ٩.
(٥) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : هذه. وما أثبتناه من المصدر.
(٦) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : يبلغونا. وما أثبتناه من المصدر.
(٧) هجر : بلدة باليمن ، واسم لجميع أرض البحرين. القاموس المحيط ٢ : ١٥٨ « هجر ».
(٨) التهذيب ٦ : ١٣٦ ـ ١٣٧ ـ ٢٣٠.
إمّا لكفّهم أو لنقلهم إلى الإسلام ، فإن بدأوا بالقتال ، وجب جهادهم.
وإنّما يجب قتال من يطلب إسلامه بعد دعائهم إلى محاسن الإسلام والتزامهم بشرائعه ، فإن فعلوا وإلاّ قوتلوا.
والداعي إنّما هو الإمام أو من نصبه.
قال أمير المؤمنين عليهالسلام : « بعثني رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى اليمن ، فقال : يا علي لا تقاتل أحدا حتى تدعوه ، وايم الله لأن يهدي الله على يديك رجلا خير لك ممّا طلعت عليه الشمس وغربت ، ولك ولاؤه يا علي » (١).
وإنّما يشترط تقدّم الدعاء في حقّ من لم تبلغه الدعوة ولا عرف بعثة الرسول ، فيدعوهم إلى الإسلام ومحاسنه ، وإظهار الشهادتين ، والإقرار بالتوحيد والعدل والنبوّة والإمامة وأصول العبادات وجميع شرائع الإسلام ، فإن أجابوا وإلاّ قتلوا ، لقوله عليهالسلام : « يا على لا تقاتل أحدا حتى تدعوه » (٢).
أمّا من بلغته الدعوة وعرف البعثة ولم يقرّ بالإسلام فيجوز قتالهم ابتداء من غير دعاء ، لأنّه معلوم عندهم حيث بلغتهم دعوة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وعلموا أنّه يدعوهم إلى الإيمان وأنّ من لم يقبل منه قاتله ومن قبل منه آمنه ، فهؤلاء حرب للمسلمين يجوز قتالهم ابتداء ، فإنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أغار على بني المصطلق وهم غارّون آمنون ، وإبلهم تسقى على الماء (٣).
وقال سلمة بن الأكوع : أمرنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فغزونا ناسا من المشركين فبيّتناهم (٤).
__________________
(١ و ٢) الكافي ٥ : ٢٨ ـ ٤ ، التهذيب ٦ : ١٤١ ـ ٢٤٠.
(٣) صحيح البخاري ٣ : ١٩٤ ، صحيح مسلم ٣ : ١٣٥٦ ـ ١٧٣٠ ، سنن أبي داود ٣ : ٤٢ ـ ٢٦٣٣ ، مسند أحمد ٢ : ١١٢ ـ ٤٨٤٢ ، المغني ١٠ : ٣٨٠.
(٤) سنن أبي داود ٣ : ٤٣ ـ ٢٦٣٨ ، المغني ١٠ : ٣٨٠.
والدعاء أفضل ، لما رواه العامّة : أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أمر عليّا عليهالسلام حين أعطاه الراية يوم خيبر وبعثه إلى قتالهم أن يدعوهم (١) ، وقد بلغتهم الدعوة (٢) ، ودعا سلمان أهل فارس (٣) ، ودعا علي عليهالسلام عمرو بن [ عبد ] ودّ العامري فلم يسلم مع بلوغه الدعوة (٤).
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام : « لمّا بعث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عليّا عليهالسلام إلى اليمن قال : يا علي لا تقاتل أحدا حتى تدعوه » (٥) وهو عامّ.
ولو بدر إنسان فقتل واحدا من الكفّار قبل بلوغ الدعوة إليه ، أساء ، ولا قود عليه ولا دية ، للأصل ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد (٦) ، وهو قياس قول مالك (٧).
وقال الشافعي : يجب ضمانه ، لأنه كافر أصلي محقون الدم ، لحرمته ، فوجب ضمانه ، كالذمّي (٨).
والفرق أنّ الذمّي التزم قبول الجزية فحرم قتله ، أمّا هنا فلم يعلم
__________________
(١) صحيح البخاري ٤ : ٥٧ ـ ٥٨ ، و ٥ : ١٧١ ، سنن سعيد بن منصور ٢ : ١٧٨ ـ ٢٤٧٢ ، المغني ١٠ : ٣٨١.
(٢) في « ق » : « الحجّة » بدل « الدعوة ».
(٣) سنن الترمذي ٤ : ١١٩ ـ ١٥٤٨ ، سنن سعيد بن منصور ٢ : ١٧٧ ـ ٢٤٧٠ ، المغني ١٠ : ٣٨١.
(٤) المغازي ـ للواقدي ـ ٢ : ٤٧١ ، الكامل في التاريخ ٢ : ١٨١ ، تاريخ الطبري ٢ : ٢٣٩.
(٥) الكافي ٥ : ٢٨ ـ ٤ ، التهذيب ٦ : ١٤١ ـ ٢٤٠.
(٦) المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٠ : ٣٠ ، المغني ١٠ : ٣٨١ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢١٤ وفيه قول أبي حنيفة.
(٧) انظر : المنتقى ـ للباجي ـ ٣ : ١٦٨.
(٨) مختصر المزني : ٢٧٣ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢١٤ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٠ : ٣٠ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٣ : ١٦٨.
ذلك منه ، فلا يجب له الضمان ، لأنّه كافر لا عهد له ، كالحربي.
مسألة ١٨ : أصناف الكفّار ثلاثة : أهل الكتاب ، وهم اليهود والنصارى لهم التوراة والإنجيل ، فهؤلاء يطلب منهم إمّا الإسلام أو الجزية ، فإن لم يسلموا وبذلوا الجزية ، حرم قتالهم إجماعا ، لقوله تعالى ( قاتِلُوا ) ـ إلى قوله ـ ( حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ) (١).
ومن له شبهة كتاب ، وهم المجوس كان لهم نبي قتلوه وكتاب حرقوه ، وحكمهم حكم أهل الذمّة إجماعا إن أسلموا ، وإلاّ طلب منهم الجزية ، فإن بذلوها ، كفّ عنهم وأقرّوا على دينهم ، وإلاّ قتلوا. قال عليهالسلام : « سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب » (٢).
ومن لا كتاب له ولا شبهة ، كعبّاد الأوثان وغيرهم ممّن عدا أهل الكتاب والمجوس ، فإنّه لا يقبل منهم إلاّ الإسلام خاصّة ، ولو بذلوا الجزية ، لم تقبل منهم ، عند علمائنا كافّة ـ وبه قال الشافعي (٣) وأحمد في إحدى الروايتين (٤) ـ لقوله تعالى ( قاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً ) (٥).
وقوله عليهالسلام : « أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلاّ الله » (٦)
__________________
(١) التوبة : ٢٩.
(٢) الموطأ ١ : ٢٧٨ ـ ٤٢ ، سنن البيهقي ٩ : ١٨٩ ـ ١٩٠ ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة ـ ٣ : ٢٢٤ ، و ١٢ : ٢٤٣ ، المصنّف ـ لعبد الرزاق ـ ٦ : ٦٩ ـ ١٠٠٢٥.
(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٥ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٨٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٩٤ ، المغني ١٠ : ٣٨١ ـ ٣٨٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٩.
(٤) المغني ١٠ : ٣٨١ ـ ٣٨٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٩.
(٥) التوبة : ٣٦.
(٦) صحيح مسلم ١ : ٥٢ ـ ٢١ و ٥٣ ـ ٣٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٢٩٥ ـ ٣٩٢٧ و ٣٩٢٨ ، سنن النسائي ٥ : ١٤ ، سنن أبي داود ٣ : ٤٤ ـ ٢٦٤٠ ، سنن البيهقي ٩ : ٤٩ و ١٨٢.
خرج منه القسمان الأوّلان ، فيبقى الباقي على أصله.
ولأنّ قوله عليهالسلام في (١) المجوس : « سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب » (٢) يقتضي تخصيص أهل الكتاب بأخذ الجزية ، إذ لو شاركهم غيرهم لم تختصّ الإضافة بهم.
ولأنّ كفر من عدا الثلاثة أشدّ ، لإنكارهم الصانع تعالى وجميع الرسل ولم تكن لهم شبهة كتاب ، فلا يساوون من له كتاب واعتراف بالله تعالى ، كالمرتدّ.
وقال أبو حنيفة : يقبل من عبدة الأوثان من العجم الجزية ، ولا تقبل من العرب إلاّ الإسلام ـ وهو رواية عن أحمد (٣) ـ لأنّهم يقرّون على دينهم بالاسترقاق فأقرّوا بالجزية ، كأهل الكتاب والمجوس (٤).
وقال مالك : الجزية تقبل من جميع الكفّار إلاّ كفّار قريش ، لأنّ النبي عليهالسلام كان يوصي من يبعث من الأمراء بالدعاء إلى ثلاث خصال من جملتها الجزية (٥) ، وهو عامّ في جميع الكفّار (٦).
__________________
(١) في « ق ، ك » : « عن » بدل « في ».
(٢) الموطّأ ١ : ٢٧٨ ـ ٤٢ ، سنن البيهقي ٩ : ١٨٩ ـ ١٩٠ ، المصنّف ـ لابن أبي شيبة ـ ٣ : ٢٢٤ ، و ١٢ : ٢٤٣ ، المصنّف ـ لعبد الرزّاق ـ ٦ : ٦٩ ـ ١٠٠٢٥.
(٣) المغني ١٠ : ٣٨٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٩.
(٤) المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٠ : ٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٧ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٨٤ ، المغني ١٠ : ٣٨٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٩.
(٥) صحيح مسلم ٣ : ١٣٥٧ ـ ٣ ، سنن أبي داود ٣ : ٣٧ ـ ٢٦١٢ ، سنن البيهقي ٩ : ٤٩ ، المغني ١٠ : ٣٨٠.
(٦) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٥٠٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٩٥ ، الحاوي الكبير ١٤ : ٢٨٤ ، المغني ١٠ : ٣٨٢ ، الشرح الكبير ١٠ : ٥٧٩.
ونمنع إقرارهم على دينهم بالاسترقاق ، والأمر بقبول الجزية مخصوص بأهل الذمّة.
إذا عرفت هذا ، فإن كان الكفّار ممّن لا يؤخذ منهم الجزية ، عرض الأمير عليهم الإسلام ، فإن أسلموا ، حقنوا دماءهم وأموالهم ، وإن أبوا ، قاتلهم وسبى ذراريهم ونساءهم وغنم أموالهم وقسّمها ، على ما يأتي ، وإن كانوا ممّن يؤخذ منهم الجزية ، دعاهم إلى الإسلام ، فإن أجابوا ، كفّ عنهم ، وإن أبوا ، دعاهم إلى إعطاء الجزية ، فإن بذلوها ، قبل منهم الجزية ، وإن امتنعوا ، قاتلهم وسبى ذراريهم ونساءهم وغنم أموالهم وقسّمها على المستحقّين.
البحث الثاني : في الجند.
مسألة ١٩ : إذا عيّن الإمام شخصا للجهاد معه ، وجب عليه طاعته ، وحرم عليه التخلّف عنه ، سواء وجب عليه أوّلا الدعاء أو لا ، ولو لم يعيّن ، لم يجب عليه الاّ على الكفاية ، إلاّ أن يدهم المسلمين عدوّ يخشى منه على النفس والمال ويخاف على بيضة الإسلام ، فيجب على كلّ متمكّن الجهاد ، سواء أذن له الإمام أو لا ، وسواء كان مقلاّ أو مكثرا ، ولا يجوز لأحد التخلّف إلاّ مع الحاجة إلى تخلّفه ، كحفظ المكان والأهل والمال أو منع الإمام له من الخروج.
فإن أمكن استخراج إذن الإمام في جهاد فرض العين ، وجب ، لأنّه أعرف ، وأمر الحرب موكول إليه ، لعلمه بكثرة العدوّ وقلّته ، ولو لم يمكن استئذانه ، لغيبته ومفاجاة العدوّ ، وجب الخروج بغير إذن.
وإذا نادى الإمام بالنفير والصلاة ، فإن كان العدو بعيدا ، صلوا ثمّ
خرجوا ، وإن كان قريبا يخشى من التأخّر بالصلاة ، خرجوا وصلّوا على ظهور دوابّهم ، ولو كانوا في الصلاة ، أتمّوها ، وكذا يتمّون خطبة الجمعة.
وإذا نادى بالصلاة جامعه لحدوث أمر يحتاج إلى المشورة ، لم يتخلّف أحد إلاّ لعذر. ولا ينبغي أن تنفر الخيل إلاّ عن حقيقة الأمر.
مسألة ٢٠ : إذا بعث الإمام سريّة ، استحبّ له أن يؤمّر عليهم أميرا ثقة جلدا ،
ويأمرهم بطاعته ويوصيه بهم ، وأن يأخذ البيعة على الجند حتى لا يفرّوا ، وأن يبعث الطلائع ويتجسّس أخبار الكفّار ، ويكون الأمير له شفقة ونظر على المسلمين.
ولو كان القائد معروفا بشرب الخمر أو غيره من المعاصي ، لم ينفروا معه ، ولو كان شجاعا ذا رأي ، جاز النفور معه ، لقوله عليهالسلام : « إنّ الله ليؤيّد هذا الدين بالرجل الفاجر » (١) هذا كلّه مع الحاجة إلى النفير من غير إذن الإمام العادل ، أمّا مع عدم الحاجة فلا يجوز بحال.
وإذا احتاج إلى إخراج النساء لمداراة المرضى وشبهها ، استحبّ له أن يخرج العجائز ، ويكره إخراج الشوابّ منهنّ حذرا من ظفر الكفّار بهم فينالوا منهنّ الفاحشة ، فإن احتاج إلى إخراجهنّ ، جاز ، فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خرج بعائشة في غزوات (٢).
مسألة ٢١ : تجوز الاستعانة بأهل الذمّة وبالمشرك المأمون غائلته إذا
__________________
(١) صحيح البخاري ٤ : ٨٨ و ٥ : ١٦٩ و ٨ : ١٥٥ ، صحيح مسلم ١ : ١٠٥ ـ ١٠٦ ـ ١١١ ، سنن الدارمي ٢ : ٢٤١ ، مسند أحمد ٢ : ٥٩٦ ـ ٨٠٢٩ ، المغني والشرح الكبير ١٠ : ٣٦٦.
(٢) المغازي ـ للواقدي ـ ١ : ٢٤٩ و ٤٠٧ و ٢ : ٧٩١ ، صحيح البخاري ٤ : ٤٠.
كان في المسلمين قلّة ، فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم استعان بصفوان بن أميّة على حرب هوازن قبل إسلامه (١) ، واستعان بيهود بني قينقاع ورضخ لهم (٢).
ولو لم يكن مأمونا أو كان بالمسلمين كثرة ، لم يستعن بهم.
قال الله تعالى ( وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً ) (٣).
وقال عليهالسلام : « إنّا لا نستعين بالمشركين على المشركين » (٤) وأراد عليهالسلام مع فقد أحد الشرطين.
ولأنّهم مغضوب عليهم ، فلا تحصل النصرة بهم ، ومع عدم الأمن منهم لا يجوز استصحابهم. وهذا كلّه مذهب الشافعي (٥).
وله قول آخر : جواز الاستعانة بشرط كثرة المسلمين بحيث لو خان المستعان بهم وانضمّوا إلى الكفّار ، تمكّن المسلمون من مقاومتهم جميعا (٦).
ومنع ابن المنذر من الاستعانة بالمشركين مطلقا (٧). وعن أحمد روايتان (٨).
ويجوز أن يستعين بالعبيد مع إذن السادة ، وبالمراهقين ، والذمّيّ إذا
__________________
(١) المغازي ـ للواقدي ـ ٢ : ٨٥٤ ـ ٨٥٥ سنن البيهقي ٩ : ٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨١.
(٢) سنن البيهقي ٩ : ٣٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٠ ـ ٣٨١.
(٣) الكهف : ٥١.
(٤) سنن البيهقي ٩ : ٣٧.
(٥) الوجيز ٢ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٠ ـ ٣٨١ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٣١ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤١ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٣١ و ١٣٢ ، المغني ١٠ : ٤٤٧.
(٦) روضة الطالبين ٧ : ٤٤١ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨١.
(٧ و ٨) المغني ١٠ : ٤٤٧ ، الشرح الكبير ١٠ : ٤٢١.
حضر بإذن ، رضخ له ، وبغير إذن لا يرضخ.
وللشافعي في استحقاقه الرضخ مع عدم الإذن قولان ، ولو نهي لم يستحق (١).
مسألة ٢٢ : لا يجوز للإمام ولا للأمير من قبله أن يخرج معه من يخذّل الناس ويثبّطهم (٢) عن الغزو ويدهدههم (٣) في الخروج ، كمن يقول : الحرّ شديد أو البرد ، والمشقّة عظيمة ، والمسافة بعيدة ، والكفّار كثيرون والمسلمون أقلّ ولا يؤمن هزيمتهم. ولا المرجف ، وهو الذي يقول : هلكت سريّة المسلمين ولا طاقة لكم بهم ولهم قوّة وشوكة ومدد وصبر ، ولا يثبت لهم مقاتل. ونحوه ، ولا من يعين على المسلمين بالتجسّس للكفّار ومكاتبتهم بأخبار المسلمين ، واطّلاعهم على عوراتهم وإيواء جاسوسهم ، ولا من يوقع العداوة بين المسلمين ويمشي بينهم بالنميمة ويسعى بالفساد ، لقوله تعالى ( لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاّ خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ ) (٤).
فإن خرج واحد منهم ، لم يسهم له ولا يرضخ ، ولو قتل كافرا ، لم يستحق سلبه وإن أظهر إعانة المسلمين ، لأنّه نفاق.
ولو كان الأمير أحد هؤلاء ، لم يخرج الناس معه ، لأنّ التابع يمنع منه فالمتبوع أولى (٥) ، لأنّه أكثر ضررا.
__________________
(١) الوجيز ٢ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤١.
(٢) ثبّطه عن الشيء تثبيطا : إذا شغله عنه. لسان العرب ٧ : ٢٦٧ « ثبط ».
(٣) الدهدهة : قذفك الحجارة من أعلى إلى أسفل دحرجة. لسان العرب ١٣ : ٤٨٩ « دهده ».
(٤) التوبة : ٤٧.
(٥) ورد في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : لأنّ المتبوع يمنع منه فالتابع أولى. وما أثبتناه هو الصحيح.
مسألة ٢٣ : إذا خرج الإمام بالنفير ، عقد الرايات ، فجعل كلّ فريق تحت راية ، وجعل لكلّ من تابعه شعارا يتميّز به عندهم حتى لا يقتل بعضهم بعضا بيانا ، ويدخل دار الحرب بجماعته ، لأنّه أحوط وأهيب ، وأن ينتظر الضعفاء فيسير على مسيرهم إلاّ مع الحاجة إلى قوّة السير ، ويدعو عند التقاء الصفّين ، ويكبّر من غير إسراف من رفع الصوت ، وأن يحرّض الناس على القتال وعلى الصبر والثبات.
ولو تجدّد عذر أحد معه ، فإن كان لمرض في نفسه ، كان له الانصراف وإن كان بعد التقاء الصفين ، لعدم تمكّنه من القتال ، وإن كان لغير مرض ، كرجوع صاحب الدّين أو أحد الأبوين ، فإن كان بعد التقاء الصفّين ، لم يجز الانصراف ، وإن كان قبله ، جاز.
ولا ينبغي له أن يقتل أباه الكافر بل يتوقّاه ، لقوله تعالى : ( وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً ) (١) إلاّ أن يسبّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإنّ أبا عبيدة قتل أباه حين سبّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلمّا قال له النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لم قتلته؟ » قال : سمعته يسبّك. فسكت عنه (٢).
ولا يميل الأمير مع موافقة في المذهب والنسب على مخالفه فيهما ، لئلاّ يكسر قلوب غيرهم فيخذلونه عند الحاجة.
وينبغي أن يستشير بأصحاب الرأي من أصحابه ، للاية (٣).
ويتخيّر لأصحابه المنازل الجيّدة وموارد المياه ومواضع العشب.
__________________
(١) لقمان : ١٥.
(٢) الحاوي الكبير ١٤ : ١٢٧ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٩ ـ ٣٩٠.
(٣) آل عمران : ١٥٩.
ويحمل من نفقت (١) دابّته إذا كان فضل معه أو مع أتباعه.
ولو خاف رجل تلف آخر لموت دابّته ، احتمل وجوب بذل فاضل مركوبه ليحيى به صاحبه ، كما يجب بذل فاضل الطعام للمضطرّ ، وتخليصه من عدوّه.
ويجوز العقبة بأن يكون الفرس الواحد لاثنين ، لما فيه من الإرفاق.
مسألة ٢٤ : قد بيّنا أنّه لا يخرج المخذّل وشبهه ، فإن نهاه الإمام عن الخروج فخرج ، لم يستحق اجرة ولا رضخا ، لأنّه متّهم بموالاة أهل دينه (٢) ، وللإمام أن يعزّره إذا رآه.
ولو لم يأمره ولا نهاه ، لم يستحق رضخا عندنا ـ وهو أصحّ وجهي الشافعية (٣) ـ لأنّه ليس من أهل الذبّ عن الدين ، بل هو متّهم بالخيانة.
والثاني : أنّه يستحقّ ، لأنّه بالعهد المؤبّد صار من أهل الدار وأهل نصرتها (٤).
وليس بشيء ، لأنّ المخذّل أقوى منه في دفع التهمة عنه.
وليس له إخراج نساء أهل الذمّة ولا ذراريهم ، لأنّه لا قتال فيهم ولا رأي ولا يتبرّك (٥) بدعائهم.
وللشافعي قولان (٦).
فعلى الجواز هل له أن يرضخ لهنّ؟ وجهان ، أحدهما : المنع (٧).
__________________
(١) نفقت الدابّة : إذا ماتت. لسان العرب ١٠ : ٣٥٧ « نفق ».
(٢) في « ق ، ك » والطبعة الحجرية : أهل ذمّته. والظاهر أنّ ما أثبتناه هو الصحيح.
(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٤ و ٣٨٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤٢.
(٥) ورد في « ق ، ك » : ولا يترك. وهو ظاهر الطبعة الحجريّة. والصحيح ما أثبتناه.
(٦) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤١.
(٧) العزيز شرح الوجيز ٧ : ٣٥٣ و ١١ : ٣٨٤ ، روضة الطالبين ٥ : ٣٣٠.
وأخرج (١) النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم معه عبد الله بن أبيّ (٢) مع ظهور التخذيل منه ، لأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يطّلع بالوحي على أفعاله فلا يتضرّر بكيده.
ولو قهر الإمام جماعة من المسلمين على الخروج والجهاد معه ، لم يستحقّوا اجرة ، قاله بعض الشافعيّة (٣).
والوجه : أنّه إن كان الجهاد تعيّن عليهم (٤) ، فلا اجرة لهم (٥) ، وإلاّ فلهم الأجرة من حين إخراجهم إلى أن يحضروا الوقعة ، والأقرب : إلى فراغ القتال.
وللإمام استئجار عبيد المسلمين بإذن ساداتهم ، كالأحرار.
وللشافعيّة قولان ، هذا أحدهما (٦). والثاني : أن يقال : إن جوّزنا استئجار الأحرار ، جاز استئجار العبيد ، وإلاّ فوجهان مخرّجان مبنيّان على أنّه إذا وطئ الكفّار طرفا من بلاد الإسلام هل يتعيّن الجهاد على العبيد؟ إن قلنا : نعم ، فهم من أهل فرض الجهاد ، فإذا وقفوا في الصفّ ، وقع عنهم ، وإلاّ جاز استئجارهم (٧).
__________________
(١) الظاهر أنّ موضع قوله : « وأخرج .. بكيده » في صدر المسألة بعد قوله : « قد بيّنا .. وشبهه ».
(٢) انظر : سنن البيهقي ٩ : ٣١.
(٣) الوجيز ٢ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤٢.
(٤) في « ق ، ك » والطبعة الحجريّة : « عليه » بدل « عليهم » وما أثبتناه لأجل سياق العبارة.
(٥) في « ق » والطبعة الحجريّة : « له » بدل « لهم » ولم يرد لفظ « له » في « ك » وما أثبتناه يقتضيه السياق.
(٦) انظر : العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٤ ، وروضة الطالبين ٧ : ٤٤١ وفيهما : يجوز الاستعانة بالعبيد إذا أذن السادة.
الاستعانة بالعبيد إذا أذن السادة.
(٧) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤٢ ـ ٤٤٣.
ولو أخرج العبيد قهرا ، فإن كان مع الحاجة ، فلا اجرة ، وإلاّ لزمته الأجرة من يوم الإخراج إلى العود إلى ساداتهم.
وللإمام أن يستعمل الذمّي للجهاد بمال يبذله إمّا على وجه الإجارة أو الجعالة.
وللشافعيّة وجهان ، أحدهما : أنّه جعالة ، لجهالة أعمال القتال. وأصحّهما عندهم : الإجارة ، ولا يضرّ جهالة الأعمال ، فإن المقصود القتال على ما يتّفق والمقاصد هي المرغّبة (١) (٢).
إذا عرفت هذا. فلا حجر في قدر الأجرة ، بل يجوز بما يتراضيان عليه ـ وهو أصحّ وجهي الشافعيّة (٣) ـ كغيرها من الإجارات.
والثاني : أنّه لا يجوز أن يبلغ به سهم راجل ، لأنّه ليس من أهل فرض الجهاد ، فلا يعطى سهم راجل ، كالمرأة.
وعلى هذا الوجه يحكم بفسخ العقد والردّ إلى أجرة المثل إذا ظهر أنّ الأجرة أزيد من سهم من الغنيمة ، وإلاّ ففي الابتداء لا ندري قدر الغنيمة وسهم الراجل (٤).
والأقرب : أنّ لآحاد المسلمين استيجار الذمّي للجهاد.
وأصحّ وجهي الشافعيّة : المنع ، لأنّ الآحاد لا يتولّون المصالح العامّة خصوصا والذمي مخالف في الدين وقد يخون إذا حضر ، فليفوّض أمره إلى الإمام (٥).
__________________
(١) في العزيز شرح الوجيز : والمقاصد هي المرعيّة.
(٢) الوجيز ٢ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤٣.
(٣ و ٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤٣.
(٥) الوجيز ٢ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٧ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤٣.
مسألة ٢٥ : لو أخرج الإمام أهل الذمّة ، فالأولى أن يعيّن لهم أجرة ، فإن ذكر شيئا مجهولا ، مثل : نرضيكم ونعطيكم ما تستعينون (١) به ، وجب اجرة المثل.
وإن أخرجهم قهرا ، وجب اجرة المثل كالاستئجار في سائر الأعمال. ولو خرجوا باختيارهم ولم يسمّ لهم شيئا ، فهو موضع الرضخ ، وسيأتي بيان محلّه.
وأما الأجرة الواجبة سواء كانت مسمّاة أو اجرة المثل : فالأقرب خروجها من رأس مال الغنيمة ، إذ لحضورهم أثر في تحصيل الغنيمة ، فيخرج منها ما يدفع إليهم ، كسائر المؤن ، وهو أحد وجوه الشافعيّة (٢).
والثاني : أنّه من خمس الخمس سهم المصالح ، لأنهم يحضرون للمصلحة لا أنّهم من أهل الجهاد (٣).
والثالث : أنّها تؤدّى من أربعة أخماس الغنيمة ، لأنها تؤدّى بالقتال ، كسهام الغانمين (٤).
ولو أخرجهم الإمام قهرا ثمّ خلّى سبيلهم قبل أن يقفوا في الصف ، أو فرّوا ولم يقفوا ، فلا اجرة لهم عن الذهاب وإن تعطّلت منافعهم في الرجوع ، لأنّه لا حبس هناك ولا استئجار.
__________________
(١) لعلها : تستغنون.
(٢) الوجيز ٢ : ١٨٩ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٧ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٨١ ـ ٦٨٢.
(٣) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٧ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٨١ ـ ٦٨٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤٣.
(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٨ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٤٧ ، حلية العلماء ٧ : ٦٨١ ـ ٦٨٢ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤٣.
ولو وقف المقهورون على الخروج ولم يقاتلوا ، فالأقرب أنّ لهم اجرة الوقوف والحضور ، لأنّه كالقتال في استحقاق سهم الغنيمة ، وكذا في استحقاق اجرة الجهاد ، وهو أحد وجهي الشافعيّة (١).
وأظهرهما عندهم : المنع ، لأنّ الأجرة في مقابلة العمل ، والفائدة المقصودة لم تحصل (٢).
ويحتمل أن يقال : إن استؤجروا للقتال ، فلا اجرة ، وإلاّ فلهم.
البحث الثالث : في كيفيّة القتال.
مسألة ٢٦ : الجهاد أمر كلّي من أعظم أركان الإسلام يحتاج فيه إلى المساعدة والاعتضاد والاستعداد والفكر في الحيل وغيرها ، فيجب أن يكون أمره موكولا إلى نظر الإمام واجتهاده ، ويجب على الرعايا طاعته والانقياد لقوله فيما يراه ، فيبدأ بترتيب قوم على أطراف البلاد رجالا كفايا ليقوموا بإزاء من يليهم من المشركين ، وبعمل الحصون والخنادق وجميع ما فيه حراسة المسلمين ، ويجعل في كلّ ناحية أميرا يقلّده أمر الحروب وتدبير الجهاد ، ويكون ثقة مأمونا على المسلمين ذا رأي وتدبير في الحرب ، وله شجاعة وقوّة وعقل ومكايدة.
ولو احتاجوا إلى مدد ، استحبّ للإمام ترغيب الناس في المقام عندهم والتردّد إليهم كلّ وقت ، ليأمنوا فساد الكفّار ويستغنوا عن طلب الجيوش.
فإن رأى الإمام بالمسلمين قلّة يحتاج معها إلى المهادنة ، هادنهم ،
__________________
(١ و ٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٣٨٨ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤٣.
وإلاّ جاهدهم مع القدرة في كلّ سنة مرّة ، وإن كان أكثر منه ، كان أفضل. ويبدأ بقتال الأقرب إلاّ أن يكون الأبعد أشدّ خطرا فيبدأ به.
مسألة ٢٧ : إذا التقى الصفّان ، وجب الثبات وحرم الهرب.
قال الله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ ) (١) وقال تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا ) (٢).
وعدّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الفرار من الزحف من الكبائر (٣).
ويجوز الهرب في أحوال ثلاثة :
الاولى : أن يزيد عدد الكفّار على ضعف عدد المسلمين ، لقوله تعالى ( الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ) (٤).
وما رواه العامّة عن ابن عباس ، قال : من فرّ من اثنين فقد فرّ ، ومن فر من ثلاثة فما فرّ (٥).
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام : « من فرّ من رجلين في القتال من الزحف فقد فرّ ، ومن فرّ من ثلاثة في القتال من الزحف فلم يفرّ » (٦).
__________________
(١) الأنفال : ١٥.
(٢) الأنفال : ٤٥.
(٣) المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ٦ : ١٠٣ ـ ٥٦٣٦.
(٤) الأنفال : ٦٦.
(٥) سنن البيهقي ٩ : ٧٦ ، الحاوي الكبير ١٤ : ١٨٢ ، المغني ١٠ : ٥٤٣ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٠٥.
(٦) الكافي ٥ : ٣٤ ـ ١ ، التهذيب ٦ : ١٧٤ ـ ٣٤٢.
ولو لم يزد عدد المشركين على الضعف لكن غلب على ظنّ المسلمين الهلاك إن ثبتوا ، قيل : يجب الثبات ، لقوله تعالى ( إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ ) (١) (٢).
وقيل : يجوز ، لقوله تعالى ( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) (٣) (٤).
ولو غلب على ظنّه الأسر ، فالأولى أن يقاتل حتى يقتل ، ولا يسلّم نفسه للأسر ، لئلاّ يعذّبه الكفّار بالاستخدام.
ولو زاد المشركون على ضعف المسلمين ، لم يجب الثبات إجماعا.
ولو غلب على ظنّ المسلمين الظفر بهم ، استحب الثبات ولا يجب ، لأنهم لا يأمنون التلف.
ولو غلب على ظنّ المسلمين العطب ، قيل : يجب الانصراف ، لقوله تعالى ( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) (٥) (٦).
وقيل : لا يجب ، تحصيلا للشهادة (٧).
وقيل : إن كان في الثبات الهلاك المحض من غير نكاية فيهم ، لزم
__________________
(١) الأنفال : ١٥.
(٢) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٠٥ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٣٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤٩.
(٣) البقرة : ١٩٥.
(٤) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٠٥ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ٢ : ٢٣٤ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤٩.
(٥) البقرة : ١٩٥.
(٦ و ٧) نفس المصادر في الهامش (٤).
الفرار ، وإن كان في الثبات نكاية فيهم ، فوجهان (١).
ولو قصده رجل وظنّ أنّه إن ثبت قتله ، وجب الهرب. ولو ظنّ الهلاك مع الثبات والانصراف ، فالأولى الثبات ، تحصيلا لثواب الصبر ، ولجواز الظفر ، لقوله تعالى ( كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ ) (٢).
ولو انفرد اثنان بواحد من المسلمين ، قيل : يجب الثبات (٣).
وقيل : لا يجب ، لأنّ وجوب الثبات مع تعدد المسلمين ، فيقوى قلب كلّ واحد منهم بصاحبه (٤).
وقيل : إن طلباه ، كان له الفرار ، لأنّه غير متأهّب للقتال ، وإن طلبهما ولم يطلباه ، لم يجز ، لأنّ طلبهما والحمل عليهما شروع في الجهاد فلا يجوز الإعراض (٥).
وفي جواز فرار مائة بطل من المسلمين من مائتي بطل وواحد من ضعفاء الكفّار إشكال ينشأ : من مراعاة العدد ، ومن المقاومة لو ثبتوا ، والعدد مراعى مع تقارب الأوصاف.
وللشافعيّة وجهان (٦).
وكذا الإشكال في عكسه ، وهو : فرار مائة من ضعفاء المسلمين من
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٠٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤٩.
(٢) البقرة : ٢٤٩.
(٣) كما في شرائع الإسلام ١ : ٣١١ ، وانظر : العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٠٥ ـ ٤٠٦.
(٤) قال به أيضا المحقّق الحلّي في شرائع الإسلام ١ : ٣١١ ، وانظر أيضا : العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٠٥ ـ ٤٠٦.
(٥) العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٠٥ ـ ٤٠٦ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤٩.
(٦) الوجيز ٢ : ١٩٠ ، العزيز شرح الوجيز ١١ : ٤٠٥ ، روضة الطالبين ٧ : ٤٤٩.