أبو البركات بن الأنباري
المحقق: الدكتور طه عبد الحميد طه
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: الهيئة المصريّة العامّة للكتاب
الطبعة: ٢
ISBN: 977-419-179-X
الصفحات: ٥٧٦
لظى ، يجوز فيها الرفع والنصب ، وكذلك (نزاعة) ، يجوز فيها الرفع والنصب.
فأما رفع (لظى) فمن ثلاثة أوجه.
الأول : أن يكون (لظى) ، خبر (إن). ونزاعة ، خبر ثان.
والثانى : أن يكون (لظى) خبر (إن). ونزاعة ، بدل من (لظى) ، أو خبر مبتدأ محذوف.
والثالث : أن تكون الهاء فى (إنها) ضمير القصة. و (لظى) ، مبتدأ. ونزاعة ، خبره. والجملة من المبتدأ والخبر فى موضع رفع لأنها خبر (إن).
وأما النصب فى (لظى) فعلى البدل من هاء (إنها) ونزاعة بالرفع خبر (إن).
وأما النصب فى (نزاعة) فعلى الحال ، والعامل فيها معنى الجملة ، وزعم أبو العباس المبرد أنه لا يجوز أن يكون منصوبا على الحال لأن (لظى) لا تكون إلا (نزاعة) لأن الحال تكون فيما يجوز أن يكون ويجوز ألا يكون ، وليس كما زعم ، فإن هذه الحال مؤكدة ، والحال المؤكدة لا يشترط فيها ما ذكر ، ألا ترى إلى قوله تعالى :
(وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً)(١) فإن (مصدقا) منصوب على الحال ، وإن كان الحق لا يكون إلا مصدقا ، فدل على جوازه. وتدعو من أدبر ، خبر ثالث ، ويجوز أن يكون مستأنفا مقتطعا مما قبله.
قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (١٩) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (٢٠) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) (٢١).
العامل فى (إذا) الأولى (هلوع) ، وفى (إذا) الثانية : (منوع). وهلوعا ، منصوب على الحال من المضمر فى (خلق) ، وهذه الحال تسمى الحال المقدّرة ، لأن الهلع إنما يحدث بعد خلقه لا فى حال خلقه ، وجزوعا ومنوعا ، خبر كان مقدرة ، وتقديره ، يكون جزوعا ويكون منوعا.
__________________
(١) ٩١ سورة البقرة.
قوله تعالى : (فَما لِ الَّذِينَ (١) كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ) (٣٧).
ما ، فى موضع رفع لأنها مبتدأ ، وخبره (للذين). وكفروا ، صلة الذين. وقبلك ، ظرف مكان فى موضع الحال من الضمير المرفوع فى (كفروا) ، أو من المجرور على تقدير ، فما للذين كفروا كائنين قبلك. ومهطعين ، منصوب على الحال بعد حال. وعزين ، منصوب على الحال من الضمير فى (مهطعين) أو (الذين). وعن اليمين وعن الشمال ، من صلة (عزين).
وعزين. جمع عزة وأصلها عزوة. وقيل عزهة مثل سنة ، ثم حذفت اللام ، وجمعت بالواو والنون عوضا عن المحذوف ، كما قالوا : ستون وقلون وثبون.
قوله تعالى : (إِنَّا لَقادِرُونَ (٤٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ) (٤١).
على ، فى موضع نصب لأنه يتعلق ب (قادرون). ونبدل خيرا منهم ، تقديره ، نبدلهم بخير منهم ، فحذف المفعول الأول ، وحرف الجر من الثانى.
قوله تعالى : (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً) (٤٣).
يوم ، بدل من قوله : (يَوْمَهُمُ) فى قوله تعالى :
(حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ)
وتقديره ، حتى يلاقوا يوم يخرجون. وسراعا ، منصوب على الحال من الواو فى (يخرجون) ، وكذلك قوله تعالى :
(كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) (٤٣)
فى موضع نصب على الحال فى المضمر فى (يخرجون).
__________________
(١) (فما للذين) هكذا فى أ ، ب ـ وقد أثبتناها حفاظا على إملاء المصحف.
قوله تعالى : (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ) (٤٤).
منصوب على الحال من الواو فى (يوفضون) ، وكذلك :
(تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ).
قوله تعالى : (ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) (٤٤).
تقديره ، ذلك اليوم الذى كانوا يوعدونه ، فحذف المفعول العائد إلى الاسم الموصوف الذى هو (الذى) تخفيفا ، كقوله تعالى :
(أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً)(١)
أى ، بعثه.
__________________
(١) ٤١ سورة الفرقان.
«غريب إعراب سورة نوح»
قوله تعالى : (أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ) (١).
فى (أن) وجهان.
أحدهما : أن تكون (أن) مفسرة بمعنى (أى) فلا يكون لها موضع من الإعراب.
والثانى : أن تكون فى موضع نصب بتقدير حذف حرف الجر. وتقديره بأن أنذر. ومثلها فى الوجهين قوله تعالى :
(يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) (١١).
يرسل السماء ، مجزوم على جواب الأمر بتقدير (إن) الشرطية ، وتقديره ، إن تستغفروا يرسل السماء عليكم مدرارا. ومدرارا ، منصوب على الحال من (السماء) ، ولم تثبت الهاء فى (مدرارا) لأن (مفعالا) يكون فى المؤنث بغير تاء ، كقولهم : امرأة معطار ومذكار ومئناث ، لأنهما فى معنى النسب ، كقولهم : امرأة طالق وظامث وحائض أى ، ذات طلاق وطمث وحيض.
قوله تعالى : (خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً (١٥) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً) (١٦).
طباقا ، منصوب لوجهين.
أحدهما : أن يكون منصوبا لأنه وصف ل (سبع).
والثانى : أن يكون منصوبا على المصدر. وجعل فيهن ، أى فى إحداهن.
قوله تعالى : (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) (١٧).
منصوب على المصدر ، والعامل فيه وجهان.
أحدهما : أن يكون العامل فيه فعلا مقدرا وتقديره ، والله أنبتكم من الأرض فنبتم نباتا. فقدر له فعل ثلاثى يكون جاريا عليه.
والثانى : أن يكون مصدر (أنبتكم) على حذف الزائد.
قوله تعالى : (وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً) (٢١).
قرئ (ولده) بضم الواو وسكون اللام. و (ولده) بفتح الواو واللام.
فمن قرأ بضم الواو وسكون اللام ففيه وجهان.
أحدهما : أن يكون جمع (ولد).
والثانى : أن يكون لغة فى (ولد) كنحل ونحل ، وحزن وحزن ، وسقم وسقم.
قوله تعالى (١) : * (وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ) (٢٣).
غير منصرفين للتعريف ووزن الفعل.
قوله تعالى : (لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) (٢٦). فيعال من (دار يدور) وأصله : (ديوار) فاجتمعت الياء والواو والسابق منهما ساكن فقلبت الواو ياء ، وجعلتا ياء مشددة ، ولا يجوز أن يكون (فعّالا) ، لأنه لو كان (فعّالا) ، لوجب أن يقال : (دوّار. فلما قيل ديّار ، دل على أنه (فيعال) ، لا (فعّال).
__________________
(١) * عند هذه العلامة سقطت ورقات من ب ، وفيها جزء من سورة نوح ، وجزء من سورة الجن.
«غريب إعراب سورة الجن»
قوله تعالى : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ) (١).
أنه استمع : فى موضع رفع لأنه مفعول ما لم يسم فاعله ، ل (أوحى) ، وعطف عليها ما بعدها من لفظ (أنّ). وذهب بعض النحويين من الكوفيين إلى أنه إنما فتحت (أن) فى سائر المواضع.
إلى قوله تعالى : (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ) (١٤).
بالعطف على الهاء فى (آمنا به) ، على تقدير حذف حرف الخفض ، لكثرة حذفه مع (أنّ) ، وقد قدمنا أن العطف على الضمير المجرور لا يجوز. والكسر فى العطف على قوله : (قالوا) وما بعده : فى تقدير الابتداء والاستئناف.
قوله تعالى : (فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً) (٨).
وجدناها ، فعل وفاعله ومفعول ، وفى (وجد) وجهان.
أحدهما : أن تجعل متعدية إلى مفعولين ، بمعنى (علمناها) ها ، المفعول الأول.
والوجه الثانى : أن تجعل (وجدناها) متعدية إلى مفعول واحد ، بمعنى (أصبناها) ، وتجعل (ملئت) فى موضع الحال ، بتقدير (قد). وحرسا ، منصوب على التمييز.
قوله تعالى : (وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً) (١٢).
هربا ، منصوب على المصدر فى موضع الحال ، وتقديره ، ولن نعجزه هاربين.
قوله تعالى : (يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً) (١٧).
عذابا ، منصوب ، بتقدير ، حذف حرف الجر ، وتقديره ، يسلكه فى عذاب ، فحذف حرف الجر فاتصل الفعل به فنصبه.
قوله تعالى : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ) (١٨).
فى موضع (أنّ) ثلاثة أوجه.
الأول : أن يكون فى موضع رفع ، لأنه معطوف على قوله تعالى : (أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ).
والثانى : أن يكون فى موضع جر ، بتقدير حذف حرف الجر ، وإعماله بعد الحذف ، وتقديره : فلا تدعوا مع الله أحدا ، لأن المساجد لله.
والثالث : أن يكون فى موضع نصب ، بتقدير حذف حرف الجر ، فلما حذف اتصل الفعل به فنصبه.
قوله تعالى : (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ) (١٩).
أن يجوز فيه الفتح والكسر ، فالفتح بالعطف على (أن) المفتوحة ب (أوحى) ، والكسر بالعطف على (إن) المكسورة بعد (قالوا) ، على ما بينا.
قوله تعالى : (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٢) إِلَّا بَلاغاً) (٢٣).
بلاغا ، فى نصبه وجهان.
أحدهما : أن يكون منصوبا على المصدر ، ويكون الاستثناء متصلا ، وتقديره ، إنى لن يجيرنى من الله أحد ، ولن أجد من دونه ملتحدا ، إن لم أبلغ رسالات ربى بلاغا.
والثانى : ان يكون منصوبا ، لأنه استثناء منقطع.
قوله تعالى : (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً) (٢٤).
من ، فيها وجهان.
أحدهما : أن تكون استفهامية فى موضع رفع لأنها مبتدأ. وأضعف ، خبره. ناصرا ، منصوب على التمييز.
والثانى : (*) أن تكون (من) بمعنى الذى ، فتكون فى موضع نصب لأنه مفعول (فسيعلمون). وأضعف ، خبر مبتدأ محذوف ، تقديره ، من هو* (١) أضعف.
قوله تعالى : (قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ) (٢٥).
قريب ، مرفوع على الابتداء. و (ما) فاعله وهى بمعنى الذى ، وقد سدت مسد خبر المبتدأ ، كقولهم أقائم أخوك ، وأذاهب الزيدان. فقائم وذاهب مرفوعان بالابتداء ، وأخوك والزيدان مرفوعان بأنهما فاعلان ، وقد سدّا مسدّ خبر المبتدأ فكذلك ههنا ، والعائد على (ما) محذوف ، وتقديره ، أقريب ما توعدون ، فحذف الهاء ، ويجوز أن تكون (ما) مصدرية فلا تفتقرا إلى عائد.
قوله تعالى : (إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) (٢٧).
من ، فيها وجهان.
أحدهما : أن تكون فى موضع رفع بالابتداء ، وخبره (فإنه يسلك (٢)).
والثانى : أن يكون فى موضع نصب على الاستثناء المنقطع.
قوله تعالى : (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) (٢٨).
عددا ، منصوب على التمييز وليس بمصدر ، لأنه لو كان مصدرا ، لكان مدغما.
__________________
(*) من قوله تعالى (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ) إلى ، هذه العلامة تكرر فى ٢٢٣ ـ ١ ، ٢٢٣ ـ ٢.
(١) ـ من هذه العلامة بدأت الكتابة بعد ما سقط من ورقات النسخة ب.
(٢) (فإنه لله ملك) هكذا فى أ ، ب.
«غريب إعراب سورة المزمل»
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) (٢).
المزمل ، صفة (أى) وأصله (المتزمل) ، إلا أنه أبدلت التاء زايا ، وأدغمت الزاى فى الزاى ، وكان إبدال التاء زايا أولى من إبدال الزاى تاء ، لأن الزاى فيها زيادة صوت. وهى من حروف الصفير ، وهم أبدا يدغمون الأنقص فى الأزيد ، وقد بينا ذلك فى غير موضع.
(قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) (٢).
تقديره ، قم الليل نصفه إلا قليلا. فنصفه ، منصوب على البدل من (الليل) ، أو هما ظرفان. وقليلا ، استثناء منه ، وقد قدم المستثنى على المستثنى منه ، وهو قليل.
قوله تعالى : (أَشَدُّ وَطْئاً) (٦).
منصوب على التمييز.
(وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) (٨).
تبتيلا ، منصوب على المصدر ، وهذا المصدر غير جار على فعله ، لأن (تبتيلا) تفعيل ، وتفعيل إنما تجىء فى مصدر فعل كقولهم ، رتّل ترتيلا
(وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً)(١) ، وقتّل تقتيلا كقوله تعالى :
__________________
(١) ٤ سورة المزمل.
(وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً)(١)
وههنا جاء ل (تفعّل) ، وقياسه أن يجىء على التفعل نحو ، التبتل ، إلا أنهم قد يجرون المصدر على غير فعله ، لمناسبة بينهما. قال الشاعر :
١٧٣ ـ وخيرا الأمر ما استقبلت منه |
|
وليس بأن تتبّعه اتّباعا (٢) |
فأجرى (اتباعا) مصدرا على (تتبعه) والقياس أن تقول فى مصدره (تتبعا).
وقال الآخر :
١٧٤ ـ وإن شئتم تعاودنا عوادا (٣)
فأجرى (عوادا) مصدرا على (تعاودنا) ، وقياسه (تعاودا) ، والشواهد على هذا النحو كثير جدا.
قوله تعالى : (يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ) (١٤).
يوم ، منصوب على الظرف ، والعامل فيه ما فى (الدنيا) من معنى الاستقرار ، كما تقول : إن خلفك زيدا غدا. والعامل فى (غد) الاستقرار ، الذى دل على (خلفك) ، وهو العامل فى (خلفك) ، وجاز أن يعمل فيهما لاختلافهما ، لأن أحدهما ظرف زمان والآخر ظرف مكان.
__________________
(١) ٦١ سورة الأحزاب.
(٢) استشهد ابن جنى بالشطر الثانى فى كتابه الخصائص ٢ ـ ٣٠٩ ، والبيت للقطامى.
(٣) هذا عجز بيت ، وصدره مع بيت قبله :
سرحت على بلادكم جيادى |
|
فأدّت منكم كوما جلادا |
بما لم تشكروا المعروف عندى |
|
وإن شئتم تعاودنا عوادا |
وقد نسبه المحقق إلى شقيق بن جزء ـ الخصائص ٢ ـ ٣٠٩ ، ٣ ـ ٢١.
قوله تعالى : (كَثِيباً مَهِيلاً) (١٤).
مهيلا ، أصله (مهيولا) على وزن مفعول ، من (هلت) ، فاستثقلت الضمة على الياء ، فنقلت إلى الهاء قبلها ، فبقيت الياء ساكنة والواو ساكنة ، فحذفت الواو لالتقاء الساكنين ، وكسرت الهاء لتصحيح الياء. وذهب الأخفش والكوفيون إلى أن الياء هى المحذوفة ، إلا أنهم كسروا الهاء قبل حذف الياء لمجاورتها الياء. فلما حذفت الياء انقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها. ويجوز أن يؤتى به على الأصل فيقال : مهيولا. كما يقال فى (كيل مكيول) ، وكذلك ما أشبهه من بنات الياء. فإن كان من بنات الواو ، نحو (مقول) ، فإنه لا يجوز أن يؤتى به على أصله عند البصريين ، فلا يقال : مقوول ، إلا أنه يجىء شاذا نحو : مصوور ، ومدوور ، وأجازه الكوفيون.
قوله تعالى : (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) (٩).
يقرأ بالجر والرفع. فالجر ، على البدل من (ربك). والرفع على تقدير مبتدأ محذوف ، وتقديره ، هو رب المشرق.
قوله تعالى : (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً) (١٧).
يوما ، منصوب لأنه مفعول (تتقون) ، وليس منصوبا على الظرف. ويجعل ، جملة فعلية فى موضع نصب ، لأنه صفة (يوم).
قوله تعالى : (السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ) (١٨).
وإنما قال : منفطر. من غير تاء لثلاثة أوجه.
الأول : أن يكون جملة على معنى النسب ، أى ، ذات انفطار.
والثانى : أن يكون جملة على المعنى بأن جعل السماء فى معنى السقف ، كما قال تعالى :
(وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً)(١).
والثالث : أن (السماء) يجوز فيها التذكير والتأنيث. فيقال (منفطر) أتى به على التذكير ، وهذا قول الفراء.
قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) (٢٠).
طائفة ، مرفوع لأنه (٢) معطوف على (طائفة) (٣). وإنما جاز العطف على الضمير المرفوع المستكن فى (تقوم) ، لوجود الفصل ، والفصل يقوم مقام التوكيد فى تجويز العطف. ونصفه وثلثه ، ويجوز جرهما ونصبهما. فالجر بالعطف على (ثلثى الليل). والنصب بالعطف على قوله تعالى :
(عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) (٢٠).
أن. مخففة من الثقيلة. والسين ، عوض عن التشديد ، وقد يقع التعويض بسوف وقد وحرف النفى ، كما يعوض بالسين جبرا لما دخل الحرف من النقص.
قوله تعالى : (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً) (٢٠).
خيرا ، منصوب لأنه مفعول ثان ل (تجدوه) ، والهاء هى المفعول الأول ، وهو ، فصل على قول البصريين ، ولا موضع له من الإعراب ، ويسميه الكوفيون عمادا ، ويحكمون له بموضع من الإعراب. فمنهم من يحكم عليه بإعراب ما قبله ، ومنهم من يحكم عليه بإعراب ما بعده ، وقد بينا فساده فى كتاب الإنصاف فى مسائل الخلاف (٤).
__________________
(١) ٣٢ سورة الأنبياء.
(٢) (لا) فى أبدل (لأنه) فى ب.
(٣) (طائفة) فى الأصل والصحيح (لأنه معطوف على الضمير المرفوع فى تقوم).
(٤) المسألة ١٠٠ الإنصاف ٢ ـ ٤١٥.
«غريب إعراب سورة المدّثر»
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) (١).
صفة (أى) وأصله (المتدثر). إلا أنه أبدلت التاء وإلا لقرب مخرجهما. وأدغمت الدال فى الدال ، وأدغمت التاء فى الدال ، ولم تدغم الدال فى التاء ، لأن التاء مهموسة والدال مجهورة ، والمجهور أقوى من المهموس والمهموس أضعف ، فكان إدغام الأضعف فى الأقوى ، أولى من إدغام الأقوى فى الأضعف.
قوله تعالى : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) (٦).
تستكثر ، جملة فعلية فى موضع نصب على الحال وتقديره ، ولا تمنن مستكثرا.
قوله تعالى : (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ) (٨).
فى الناقور ، فى موضعه وجهان : الرفع والنصب. فالرفع لأنه قام مقام ما لم يسم فاعله ، والنصب لأن المصدر قام مقام الفاعل ، فاتصل الفعل به بعد تمام الجملة ، فوقع فضله ، فكان فى موضع نصب.
قوله تعالى : (فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ) (٩).
فذلك ، مبتدأ. ويومئذ ، بدل منه. ويوم عسير ، خبر المبتدأ. ويجوز أن يكون (يومئذ) خبر المبتدأ ، إلا أنه بنى على الفتح ، لأنه أضعف إلى غير متمكن ، وهو (إذا) ولا يجوز أن يتعلق قوله : (يومئذ) بقوله : عسير ، لأن ما تعمل فيه الصفة ، لا يجوز أن يتقدم على الموصوف.
قوله تعالى : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) (١١).
وحيدا ، منصوب على الحال من الهاء المحذوفة فى (خلقت) ، وتقديره ، خلقته وحيدا.
قوله تعالى : (لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) (٢٩).
لواحة ، مرفوع لأنه خبر مبتدأ محذوف ، وتقديره ، هى لواحة.
قوله تعالى : (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) (٣٠).
فى موضع رفع لأنها مبتدأ ، وهو مبنى على الفتح ، وعليها خبره. وإنما بنى (تسعة عشر) لأنه تضمن معنى الحرف. وهو واو العطف ، لأن الأصل فيه ، تسعة عشر. إلا أنه لما حذفت الواو : تضمنا معنى الحرف ، فوجب أن يبنيا ، وبنيا على حركة تمييزا لهما عما بنى وليس له حالة إعراب ، وبنيا على الفتح لأنه أخف الحركات.
قوله تعالى : (نَذِيراً لِلْبَشَرِ) (٣٦).
منصوب من خمسة أوجه.
الأول : أن يكون منصوبا على المصدر ، أى ، إنذارا للبشر ، فيكون نذير بمعنى إنذار ، كنكير بمعنى إنكار.
(فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ)(١) أى ، إنكارى.
والثانى : أن يكون منصوبا على الحال من (إحدى الكبر).
والثالث : أن يكون منصوبا على الحال من المضمر فى (قسم) فى أول السورة. وتقديره ، قم نذيرا للبشر.
والرابع : أن يكون منصوبا بتقدير فعل ، أى ، صيرها الله نذيرا ، أى. ذات إنذار ، فذكر اللفظ على النسب.
__________________
(١) ٤٤ سورة الحج ، ٤٥ سورة سبأ ، ٣٦ سورة فاطر ، ١٨ سورة الملك.
والخامس : أن يكون منصوبا بتقدير ، أعنى ، وتقديره أعنى نذيرا للبشر.
قوله تعالى : (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ) (٥٠).
ما ، فى موضع رفع بالابتداء. ولهم ، خبره. ومعرضين ، منصوب على الحال من الضمير فى (لهم) ، والعامل ما فى (لهم) من معنى الفعل. وعن التذكرة ، وكأنهم حمر ، فى موضع الحال بعد حال ، أى مشابهين حمرا مستنفرة ، أى نافرة والله أعلم.
«غريب إعراب سورة القيمة» (١)
قوله تعالى : (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) (١).
لا ، فيها وجهان.
أحدهما : أن تكون زائدة ، وإن كانت لا تزاد أولا ، لأنها فى حكم المتوسطة.
والثانى : أنها ليست زائدة ، بل هى ترد لكلام مقدم فى سورة أخرى. و (لا) الثانية ، غير زائدة.
وقرئ (لأقسم بيوم القيامة) وهى لام القسم ، وقد جاء عنهم حذف النون مع وجود اللام ، والأكثر فى كلامهم ثبوت النون مع اللام ، وقيل : إنما حذفت النون لأنه جعله حالا ، والنون تنقل الفعل من الحال إلى الاستقبال.
قوله تعالى : (بَلى قادِرِينَ) (٤).
قادرين ، منصوب على الحال ، والعامل فيها محذوف لدلالة الكلام عليه ، وتقديره ، بلى نجمعها قادرين.
قوله تعالى : (يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ) (٦).
أيان ، مبنى على الفتح ، وإنما بنى لتضمنه معنى حرف الاستفهام ، لأنه بمعنى (متى) ، وكما أن متى مبنى لتضمنه حرف الاستفهام ، وكذلك (أيان) ، وبنى على حركة لالتقاء الساكنين ، وهما الألف والنون ، وكانت الفتحة أولى لأنها أخف الحركات.
قوله تعالى : (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) (٩).
إنما قال : (جمع) بالتذكير لوجهين.
__________________
(١) سورة القيامة.
أحدهما : أنه قال : (جمع) ، لأن تأنيث الشمس غير حقيقى ، وإذا كان تأنيثها غير حقيقى ، جاز تذكير الفعل الذى أسند إليها.
والثانى : أنه لما جمع بين المذكر والمؤنث ، غلّب جانب المذكر على جانب المؤنث كقولهم : قام أخواك هند وزيد.
قوله تعالى : (كَلَّا لا وَزَرَ (١١) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) (١٢).
خبر (لا) محذوف وتقديره ، لا وزر هناك ، أى لا ملجأ. والمستقر ، مبتدأ وإلى ربك ، خبره.
قوله تعالى : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) (١٤).
بصيرة ، فيه ثلاثة أوجه.
الأول : أن تكون الهاء فيه للمبالغة ، كعلّامة ونسّابة وراوية.
والثانى : أن حمل الإنسان على النفس ، فلذلك أنث (بصيرة).
والثالث : أن يكون أنث بصيرة لأن التقدير فيه ، بل الإنسان على نفسه عين بصيرة. فحذف الموصوف ، وأقيمت الصفة مقامه.
قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (٢٣).
ناضرة من النضارة بالضاد. وإلى ربها ناظرة ، من النظر بالبصر بالظاء ، وفى هذه دليل على إثبات الرؤية ، لأن النظر إذا قرن بالوجه ، وعدّى بحرف الجر ، دل على أنه بمعنى النظر بالبصر. فقال : نظرت الرجل ، إذا انتظرته ، ونظرت إليه ، إذا أبصرته ، فأما قول الشاعر :
١٧٥ ـ وجوه يوم بدر ناظرات إلى الرحمن (١) ......
__________________
(١) لم أقف على صاحب هذا الشاهد.
فتقديره ، إلى أسماء الرحمن ، لأن النصر ينزل من السماء.
قوله تعالى : (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى) (٣١).
أى ، لم يصدق ولم يصل ، كقوله تعالى :
(فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ)(١).
أى ، لم يقتحم. وسنذكره فى موضعه إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى : (ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى) (٣٣).
أصله (يتمطط) أى ، يتبختر ، من المطيطاء (٢) ، فأبدل من الطاء الآخرة ياء كقولهم : تظنيت وأصله ، تظننت ، وأمليت ، وأصله أمللت ، ثم قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها.
قوله تعالى : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) (٣٤).
أولى مبتدأ. ولك ، خبره. وحذف خبر (أولى) الثانى ، اجتزاء بخبر الأول عنها ، وأولى لا ينصرف للتعريف ووزن الفعل ، لأنه على وزن أفعل ، وقيل إنه اسم من أسماء الأفعال ل (قاربك).
قوله تعالى : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) (٣٦).
أن يترك ، سد مسد مفعولى (يحسب). وسدى ، فى موضع نصب على الحال من المضمر فى (يترك).
قوله تعالى : (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) (٣٩).
الذكر والأنثى ، منصوبان على البدل من (الزوجين).
__________________
(١) ١١ سورة البلد.
(٢) (المطيطاء) اسم مشية بنى مخزوم فى الجاهلية ومنهم أبو جهل ، تفسير جزء تبارك للشيخ عبد القادر المغربى.
قوله تعالى : (عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) (٤٠).
لا يجوز إدغام إحدى الياءين فى الأخرى ، لأن الحركة فى الثانية حركة إعراب ، وأجاز الفراء فيه الإدغام لحركة الياء الثانية ، وإن كانت الحركة حركة إعراب ، وأجمعوا على أنه لا يجوز الإدغام ، إذا كان فى موضع رفع ، لأن الياء الثانية تكون فى حالة الرفع ساكنة ، فلو جاز الإدغام ، لأدى ذلك إلى اجتماع ساكنين ، والإدغام إنما يكون بإدغام ساكن فى متحرك لا فى ساكن.
«غريب إعراب سورة الإنسان»
قوله تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ) (١).
هل : فيها وجهان.
أحدهما : أن تكون (هل) بمعنى قد. كقول الشاعر :
١٧٦ ـ سائل فوارس يربوع بشدتنا |
|
أهل رأونا بسفح القفّ ذى الأكم (١) |
أى ، أقد.
والثانى : أن يكون الاستفهام بمعنى التقرير ، وهو تقرير لمن أنكر البعث ، ولا بد من (نعم) فيقال له : من أحدثه بعد العدم ، كيف يمتنع عليه إعادته فإن من قدر على إحداث شىء بعد أن لم يكن ، كان على إعادته أولى.
قوله تعالى : (إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (٣).
شاكرا وكفورا ، منصوبان على الحال من الهاء فى (هديناه).
قوله تعالى : (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً) (٤).
قرئ (سلاسل) بتنوين وغير تنوين ، فمن نونه فلأنه جاور (أغلالا) كقوله :
(ارجعن مأزورات غير مأجورات).
وكقولهم :
__________________
(١) من شواهد ابن جنى ، الخصائص ٣ ـ ٤٦٣ قد نسبه المحقق إلى زيد الخيل الطائى. بشدتنا : أى عنها ، والشدة الحملة ـ والقف : جبل ليس بعال فى السماء.