تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ١

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٩

وهجر هذا الوجه. فان «فأتوا» ، أمر. قصد به تعجيزهم ، باعتبار المأتي به.

فلو تعلق به «من مثله» وكان الضمير للمنزل ، تبادر منه أن له مثلا محققا جامعا ، لأمثال السور القرآنية. وان عجزهم ، انما هو عن الإتيان بسورة منه. بخلاف ما إذا كان صفة «للسورة». فان المعجوز عنه ، حينئذ ، هو الإتيان بسورة مماثلة للقرآن ، في حسن النظم وغرابة البيان. وهذا لا يقتضي وجود مثل ذلك.

وحاصله ، أن قولنا : أئت من مثل الحماسة ، ببيت ، يقتضي وجود المثل لها ، بأن يكون هناك محقق جامع لكثير أشعار بلغاء العرب. ويؤتى ببيت منه ، بخلاف ائت ببيت ، من مثل الحماسة ، إذا كانت «من» بيانية. ويكون حاصل المعنى ، ببيت يماثل الحماسة ، في الفصاحة والبلاغة. فان ذلك لا يقتضي ، تحقق كتاب جامع ، مثلها. نعم ، إذا كانت «من» ابتدائية ، أو تبعيضية ، يقتضي ذلك من غير فرق.

ورابعتها : أن يكون الضمير ، عائدا الى «عبدنا». وحينئذ ، يكون «من» ابتدائية. وهذا لا يقتضي الا أن يكون «للعبد» ، مثل في كونه بشرا ، عربيا ، أميا لم يقرأ الكتب ، ولم يأخذ من العلماء. ولا محذور في ذلك. لكن ينبغي أن يعتبر مثلية سورة ، للسور القرآنية. كما في الصورة الثانية.

ورد الضمير ، الى المنزل ، أوجه من ستة أوجه :

الأول : الموافقة لقوله تعالى : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) (١). ونظائره. لأن المماثلة فيها ، صفة للمأتي به. فكذا هاهنا ، إذا جعل الظرف ، صفة للسورة.

والضمير عائدا الى المنزل. و «من» ، بيانية. أو زائدة.

والثاني : أن الكلام ، واقع في المنزل. لأن ارتيابهم المفروض ، انما وقع

__________________

(١) البقرة / ٢٣.

٢٦١

فيه. ولورود الضمير ، الى العبد ، كان حق الترتيب ، أن يقال : ان كان لكم ريب في عبدنا المنزل عليه القرآن ، فأتوا بسورة من مثله.

والثالث : أن الضمير ، إذا رد الى المنزل ، يكون طلب المعارضة ، من الجميع.

وإذا كان للمنزل عليه ، يكون طلب المعارضة ، من واحد منهم. إذ لا معنى لخطاب الجماعة ، بأن ائتوا بسورة من واحد منكم. بل الطلب بالحقيقة ، من واحد منهم.

كأنه قيل (١) : فليأت واحد منكم ، بسورة. ولا شك أن طلب المعارضة ، من الجميع ، أبلغ من طلب المعارضة ، من واحد ، لجواز عجز واحد وإتيان الجميع بها.

والرابع : أنه معجز في نفسه. لا بالنسبة الى مثله. لقوله تعالى : (لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ ، عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ ، لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) (٢).

والخامس : أنه لو كان رجع الضمير ، الى «العبد» ، لكان ذلك يوهم أن صدور القرآن ، عمن لم يكن مثل العبد ، في كونه أميا ، ممكن.

والسادس : ان رد الضمير ، الى المنزل ، هو الملائم لقوله : (وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ) : لأن معناه ، على الوجوه المذكورة فيما بعد ، راجع الى : ادعوا شهدائكم ، ليعاونوكم. أو يشهدوا لكم. وهذا المعنى لا يلائم الا رد الضمير في «مثله» ، الى المنزل. ولما ترجح عود الضمير ، الى المنزل ، بهذه الوجوه ، ترجح ـ بها (٣) أيضا ـ كون الظرف ، صفة للسورة. لأنه إذا تعلق «بفأتوا» ، عاد الضمير الى «العبد» ، لما تحققته.

و «الشهداء» ، جمع شهيد ، كالظرفاء ، جمع ظريف. بمعنى الحاضر ، أو

__________________

(١) ليس في أ.

(٢) الاسراء / ٨٨.

(٣) ليس في أ.

٢٦٢

القائم بالشهادة ، أو الامام. فكأنه سمي به ، لأنه يحضر النوادي. ويبرم بمحضره (١) الأمور. ومنه قيل للمقتول في سبيل الله : شهيد. لأنه حضر ما كان يرجوه ، أو الملائكة حضروه.

قال الجوهري في الصحاح (٢) : «الشهادة ، الخبر (٣) القاطع (٤). تقول منه ، شهد الرجل ، على كذا». أو شهد له بكذا ، أي : أدى ما عنده من الشهادة. فهو شاهد. ويقال : شهده ، شهودا ، أي : حضره. فهو شاهد. والشهيد ، الشاهد.

والجمع ، الشهداء.

فالمراد «بالشهداء» ، اما المقيمون للشهادة. والمعنى : ادعوا من دون الله ، شهداء ، يشهدون لكم بأن ما أتيتم به مثله.

أو الحاضرون الناصرون. والمعنى ، أدعوا أعوانكم وأنصاركم ، حتى يعينوكم ، على إتيان مثله.

أو آلهتهم الذين عبدوهم وأطاعوهم. والمعنى : ادعوا آلهتكم الذين تعبدونهم ، حتى يعينوكم ، بإتيان سورة واحدة ، من جنس ما أتى (٥) به عبدنا.

(مِنْ دُونِ اللهِ) :

«دون» ، في أصله للتفاوت في الأمكنة. يقال لمن أنزل مكانا من الأخر : هو دون ذلك. فهو ظرف مكان ، مثل «عند». الا أنه ينبئ عن دنو أكثر وانحطاط قليل. ومنه ، تدوين الكتب. لأنه ادناء البعض من البعض. ودونك هذا ،

__________________

(١) أ : بمحضرة.

(٢) صحاح اللغة ٢ / ٤٩٤.

(٣) أ : الخير.

(٤) المصدر : خبر قاطع.

(٥) ر : أوتى.

٢٦٣

أي : خذه من أدنى مكان منك. ثم اتسع فيه ، واستعمل في انحطاط ، لا يكون في المكان. كقصر القامة ـ مثلا ـ ثم استعير منه ، للتفاوت في المراتب المعنوية ، تشبيها بالمراتب المحسوسة. وشاع استعماله أكثر من استعماله في الأصل. نحو ، زيد دون عمرو ، أي : في الشرف.

ومنه ، الشيء الدون. ثم اتسع في هذا المستعار ، فاستعمل في كل تجاوز حد الى حد. وان لم يكن هناك ، تفاوت وانحطاط. فهو في هذا المعنى ، مجاز في المرتبة الثالثة. قال تعالى : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) (١) ، أي : لا يتجاوز ولاية المؤمنين ، الى ولاية الكافرين. وقال أمية : يا نفس! مالك دون الله من واق ، أي : إذا تجاوزت وقاية الله ، فلا يقيك غيره.

وهو بهذا المعنى ، قريب من أن يكون بمعنى «غير» كأنه أداة استثناء.

والأحسن هنا ، أن يكون بمنزلة أداة استثناء. أو بمعنى ، أدنى مكان من شيء.

فيستعار لمعنى قدام الشيء وبين يديه.

وكلمة «من» ، إذا كان «دون» بمعنى القدام (٢) ، تبعيضية. لأن الفعل ، يقع في بعض الجهة. وهو ظرف لغو معمول «لشهدائكم» ، إذ يكفيه رائحة الفعل.

فلا حاجة الى اعتماد ولا الى تقدير يشهدوا.

وإذا كان بمعنى ، أدنى مكان من شيء ، ابتدائية متعلقة «بادعوا». وكذا ان كان بمعنى ، التجاوز عن حد الى حد. لكنه ظرف مستقر ، وقع حالا. والعامل فيها «أدعوا» أو «شهدائكم».

وقد يقال : كلمة «من» الداخلة على «دون» ، في جميع مواضعها ، بمعنى ، في. كما في سائر الظروف غير المتصرفة ، أي : التي تكون منصوبة على الظرفية

__________________

(١) آل عمران / ٢٨.

(٢) أ : القدم.

٢٦٤

ـ أبدا ـ ولا تنجرّ «بمن» خاصة.

قال الشيخ الرضي (١) : «من» في الظرف (٢) كثيرا ما يقع (٣) بمعنى ، «في» نحو ، جئت من قبل زيد. ومن عنده. ومن بيننا وبينك حجابا مستورا (٤). وكنت من قدامك.

(إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٣)) : في موضع الحال ، من فاعل «فأتوا». ولهذا لا يحتاج الى الجزاء. أو جوابه محذوف. دل عليه ما قبله. ومفعوله ، محذوف.

والمعنى : ان كنتم صادقين أنه من كلام البشر. والصدق الاخبار المطابق.

وقيل (٥) : مع اعتقاد المخبر ، أنه كذلك ، عن دلالة ، أو أمارة. لأنه تعالى ، كذب المنافقين ، في قولهم : انك لرسول الله. لما لم يعتقدوا مطابقته. ورد بصرف التكذيب ، الى قولهم : نشهد. لأن الشهادة ، اخبار عما علمه. وهم ما كانوا عالمين [به] (٦).

أو ، ان كنتم صادقين في ريبكم. والصدق في الريب ، أن يكون ناشئا عن شبهة ، لا عن الجحود والإنكار.

والمعنى : ان كنتم في ريب مما نزلنا ، فأتوا بسورة من مثله. وادعوا الشهداء ، للمعاونة ، ليظهر عجزكم وعجزهم. فيزول ريبكم.

وذلك بشرط أن تكونوا ، من الصادقين في ريبكم. وذلك إذا نشأ من شبهة.

__________________

(١) شرح الكافية ٢ / ٣٢١.

(٢) المصدر : الظروف.

(٣) المصدر : تقع.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) ر. أنوار التنزيل / ٣٦١.

(٦) يوجد في المصدر.

٢٦٥

وأما إذا كان من الجحود والإنكار ، فلا يمكن زواله.

وفي الاية ، دلالة على نبوته ـ صلى الله عليه وآله ـ فانه ، كان معلوم الحال موفور العقل والمعرفة ، بالعواقب. فلا تطرقت تهمة. الى ما ادعاه ، من النبوة ـ لما استجاز أن يتحداهم ، ويبلغ في التحدي ، الى نهايته. بل كان ينبغي ، أن يكون خائفا ، من أن يعارض. فتدحض حجته. حاشاه من ذلك ـ صلى الله عليه وآله ـ

(وفي عيون الأخبار (١) : حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور ـ رضي الله عنه ـ.

قال : حدثنا الحسين بن محمد بن عامر. قال : حدثنا أبو عبد الله السياري ، عن أبي يعقوب البغدادي. قال : قال ابن السكيت لابي الحسن الرضا ـ عليه السلام ـ : لما ذا بعث الله تعالى موسى بن عمران بيده البيضاء والعصا (٢) وآلة السحر؟ وبعث عيسى بالطب؟ وبعث محمدا ـ صلى الله عليه وآله ـ بالكلام والخطب؟

فقال له ابو الحسن ـ عليه السلام ـ : ان الله [ـ تبارك وتعالى ـ] (٣) لما بعث موسى ـ عليه السلام ـ كان الأغلب على أهل عصره ، السحر. فأتاهم من عند الله تعالى ، بما لم يكن من عند القوم وفي وسعهم مثله ، وبما أبطل به ، سحرهم ، وأثبت به الحجة عليهم. وان الله تعالى ، بعث عيسى ـ عليه السلام ـ في وقت ، ظهرت فيه الزمانات. واحتاج الناس الى الطب. فأتاهم من عند الله تعالى ، بما لم يكن عندهم مثله ، وبما أحيى لهم الموتى وابرأ الأكمه والأبرص ـ بإذن الله ـ وأثبت به الحجة عليهم. وان الله ـ تبارك وتعالى ـ بعث محمدا ـ صلى الله عليه وآله ـ في وقت كان الأغلب على أهل عصره ، الخطب والكلام ـ وأظنه قال : والشعر ـ فأتاهم

__________________

(١) عيون أخبار ٢ / ٧٩ ، ح ١٢.

(٢) المصدر : موسى بن عمران بالعصا ويده البيضاء.

(٣) يوجد في المصدر.

٢٦٦

من كتاب الله ـ عز وجل ـ ومواعظه وأحكامه ، ما أبطل به قولهم. وأثبت به الحجة عليهم.

فقال ابن السكيت : تالله! ما رأيت مثل (١) اليوم ، قط. فما الحجة على الخلق اليوم؟

فقال ـ عليه السلام ـ : العقل. تعرف به الصادق على الله ، فتصدقه (٢). والكاذب على الله ، فتكذبه (٣).

فقال له ابن السكيت : هذا ، والله! الجواب) (٤).

(فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا ، فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) : لمّا بيّن لهم ، ما يتعرفون به أمر الرسول وما جاء به. وميّز لهم الحق ، عن الباطل رتب عليه ، ما هو كالنتيجة له. وهو ، أنكم إذا اجتهدتم في معارضته (٥). وعجزتم جميعا ، عن الإتيان بما يساويه أو يدانيه. ظهر أنه معجز. والتصديق به واجب.

فآمنوا به واتقوا العذاب المعد لمن كذب.

فعبر عن الإتيان المكيف ، بالفعل الذي يعم الإتيان به وغيره ، ايجازا.

ونزل لازم الجزاء ، منزلته ، على سبيل الكناية ، تقريرا ، للمكنّى عنه. وتهويلا لشأن العناد. وتصريحا بالوعيد ، مع الإيجاز. وانما أتى «بإن» الذي للشك دون (٦) ، «إذا» الذي للوجوب ، مع أن ظاهر الحال ، يقتضي ذلك تهكما بهم ، تهكم الواثق

__________________

(١) المصدر : مثلك.

(٢) المصدر : فيصدقه.

(٣) المصدر : فيكذبه.

(٤) ما بين القوسين ليس في أ.

(٥) أ : معارضة.

(٦) أ : ليس في أ.

٢٦٧

بغلبته ، على من يغاويه ، حيث يقول له : ان غلبتك ، لم أبقي عليك. أو خطابا معهم ، على حسب ظنهم. فان العجز ـ قيل ـ (١) لم يكن محققا عندهم. أو حفظا لمشاكلة (٢) صدر الاية السابقة.

والمعنى : فان لم تفعلوا ، أي : لم تقدروا على الفعل الذي هو الإتيان المكيف بقرينة ما سبق. ومحقق أنكم لا تقدرون ، بناء على أنه اعتراض. (فَاتَّقُوا النَّارَ) ـ الى آخره ـ.

وبما قررنا ، ظهر فساد ما قاله العلامة السبزواري ، في تفسيره (٣). قال : ويخطر بالبال ، أن الحالية ، في كمال الاستقامة. وان أطبق المفسرون ، على أنها اعتراضية. والمعنى : أنكم لم تأتوا بسورة ، حال كونكم ، غير قادرين على الإتيان بها. وحينئذ ترتب الجزاء على الشرط ، إذ بمجرد عدم الفعل ، لا يعلم عدم صحة القدرة ، حتى يترتب عليه ، اتقاء النار. بل يمكن أن لا يعتنوا بشأنه. وعدم القدرة ، من تأبيد النفي. إذ لو تحقق القدرة منهم ، لأتى واحد من هؤلاء ، بما طلبوا ، في زمان من الأزمنة ، ليتخلصوا من القتل والغارة وذل إعطاء الجزية.

ثم كتب في الحاشية : قال الشيخ الرضي ، في شرح الكافية : ويشترط في

__________________

(١) أ ، ر : قبل.

(٢) أ : لمشاكلته.

(٣) الظاهر ، هو مولى حسين بن على الواعظ الكاشفى (م ٩١٠) وتفسيره الموسوم بجواهر التفسير لتحفة الأمير. ويقال له «العروس» ـ أيضا. وهو تفسير فارسى ألفه باسم الوزير الأمير نظام الدين على شير الجغتائى الذي استوزره السلطان حسين ميرزا بايقرا في شعبان ٨٧٦ ، الى أن توفى في ١١ ، ج ٢ ، ٩٠٦. وهذا التفسير لم يتم تأليفه بل لم يبلغ حد النصف من الجزء الخامس. ثم انه اختصره وكتب تفسيرا آخر. سماه «بالمواهب العلية». ويسمى ـ أيضا هذا التفسير الاخر «بتفسير حسينى». (ر. الذريعة ٥ / ٢٦٦ ـ ٢٦٥).

جواهر التفسير لم يطبع ، الى الآن. وتفسير المواهب العلية ، طبع مرتين في الهند وايران.

٢٦٨

المضارع الواقع حالا ، خلوه عن حرف الاستقبال ، كالسين ولن ونحوهما. وذلك لأن الحال الذي نحن في بابه والحال الذي يدل عليه المضارع وان تباينا حقيقة لأن في قولك ـ مثلا ـ : اضرب زيدا غدا يركب ، لفظ يركب حال ، بأحد المعنيين ، غير حال ، بالآخر. لأنه ليس في زمان التكلم. لكنهم التزموا تجريد صدر هذه الجملة ، أي : المصدرة بالمضارع ، عن علم الاستقبال ، لتناقض الحال والاستقبال ، في الظاهر. وان لم يكن التناقض ، هنا ، حقيقيا. ولمثله التزموا لفظة «قد» ، اما ظاهرة ، أو مقدرة ، في الماضي. إذا كان حالا. مع أن حاليته ، بالنظر الى عامله. ولفظه «قد» ، تقرب الماضي ، من حال التكلم ـ فقط ـ وذلك لأنه كان يتنافى في الظاهر ، لفظ الماضي والحالية. فقالوا : جاء زيد العام الأول ، وقد ركب المجيء بلفظة «قد» ، هنا ، الظاهر الحالية. كما أن التجريد ، عن حرف الاستقبال ، في المضارع ، لذلك ـ انتهى ـ.

والعلامة التفتزاني ، اقتفى اثره في المطوّل. والمحقق الشريف ، في حاشية المطوّل ، رد عليه. وقال : وهذا الوجه ، وان كان منقولا في الموضعين ، عن كلام الرضي ، لكنه غير مرضي كما ترى. والصواب أن يقال : ان الأفعال ، إذا وقعت قيودا ، لما له اختصاص بأحد الأزمنة ، فهم منها ، استقباليتها وحاليتها. وماضويتها بالقياس الى ذلك المقيد. لا الى زمان التكلم. كما في معانيها الحقيقية. وليس ذلك بمستبعد ـ انتهى ـ.

وابن هشام ، في مغني اللبيب (١) ، في تمييز الجمل المعترضة عن الحالية ، صرح بأن المصدر بحروف الاستقبال ، اعتراضية ، وشنع على من جعلها حالية ، لكن لم ينقل الوجه ، هنا.

__________________

(١) مغنى اللبيب ، ٢ / ٣٩٨.

٢٦٩

وانا أقول : ان كان يعلم من تتبع كلام الفصحاء ، من العرب العرباء ، أن أمثال هذه الجمل ، اعتراضية. وليست بحالية. وانهم لم يستعملوها ، حالا ، لكان لكلام النحاة ، وجه. ويحسن منهم ، ارتكاب ما ارتكبوا ، في هذا الباب. ومعلوم أن الأمر ، ليس كذلك. وعدم شيوع دخول الحروف (١) الاستقبالية ، على الجمل الحالية ، لا يوجب الحكم ، بالامتناع. ووجوب خلو الحال عنها ، إذا لم يكن ، يلزم المفارقة في الزمان ، بينها وبين صاحبها. وبمحض قول جماعة ، إذا علم مأخذ قولهم ، لا يجب متابعتهم. وان كانوا من المشاهير. خصوصا إذا لم يوجد ذلك الاشتراط ، في كلام من هو أشهر منهم ـ انتهى كلام ذلك العلامة ـ.

فلينظر الى ما في هذا الكلام ، من الخبط.

ثم قال : وعلى التقديرين ، هذا الكلام ، معجزة أخرى له ـ عليه السلام ـ إذ أخبر وكان كما أخبر.

أقول : على تقدير كونه ، (اعتراضا معجزة. وأما على تقدير كونه) (٢) حالا ، كما قال ، فلا. فان الجمل التي لها محل من الاعراب وقعت موقع المفردات ، فتكون نسبها ملحوظة ، اجمالا. ولا يصح اتصافها بالصدق والكذب.

و «الوقود» ، ـ بالفتح ـ الحطب. يرفع (٣) به النار. وأما المصدر ، فمضموم.

وقد جاء فيه الفتح.

وقرئ بالضم :

اما (٤) على أنه مصدر مستعمل ، بمعنى المفعول ، مجازا لغويا ، فأريد بالوقود ،

__________________

(١) أ : الحرف.

(٢) ما بين القوسين ليس في أ.

(٣) ر : ينرفع.

(٤) ليس في أ.

٢٧٠

ما يتوقد به. كما يراد بفخر قومه ، ما يفتخرون به. وبزين بلده (١) ، ما يتزين به بلده.

أو على أنه حقيقة. والمجاز ، اسناد الناس اليه. وحمله عليه. كما في قولك : حياة المصباح السليط ، أي (٢) : الزيت الجيد. فقد جعل السليط ، الذي به قوام حياته ، عينها ومحمولا لها.

وفي قراءة ، فتح الواو ، على تقدير المصدرية. يجري هذان الوجهان.

ووجه بتقدير مضاف ، اما في جانب المبتدأ أو الخبر. كما يقال : أصحاب وقودها الناس والحجارة. أو وقودها إحراق الناس والحجارة (٣).

والحجارة جمع حجر. كجمالة ، جمع جمل. وهو قليل غير منقاس.

والمراد بها ، اما أصنامهم التي نحتوها وعبدوها. كما يدل عليه قوله تعالى : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) (٤) وانما قرنوا بها ، لأنهم قرنوا بها ، أنفسهم ، بالعبادة لها.

أو لأنها كانت منشأ جرمهم. فعذبوا بها. كما عذب الكافرون ، بما يكنزونه.

أو لزيادة تحيرهم ، حيث ظهر منها ، خلاف ما توقعوا منها ، من الانتفاع بشفاعتها واستدفاع المضار ، بمكانتها.

أو مطلق الأحجار ، لما فيه من الدلالة على شدة إيقاد النار وقوته.

أو الذهب والفضة ، اللذان كانوا يكنزونهما. ويغترون بهما.

أو حجارة الكبريت.

__________________

(١) أ : بلدة.

(٢) ر : رأى.

(٣) ليس في ر.

(٤) الأنبياء / ٩٨.

٢٧١

وخصت بذلك ، لاختصاصها من بين الأحجار ، بسرعة الاتقاد وبطء الخمود (١).

ونتن الرائحة. وكثرة الدخان. وشدة الالتصاق بالأبدان. وقوة حرها ، إذا حمت.

هكذا ذكروا.

وفي كتاب الاحتجاج (٢) ، للطبرسي ـ رحمه الله ـ : روي عن موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن الحسين بن علي ـ عليهم السلام ـ قال : قال أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ : ولقد مررنا مع رسول الله (٣) ـ صلى الله عليه وآله ـ بجبل.

وإذا الدموع تخرج من بعضه.

فقال له [النبي] (٤) : ما يبكيك؟ يا جبل! فقال : يا رسول الله! كان المسيح مرّ بي. وهو يخوف الناس بنار (٥) وقودها الناس والحجارة. فأنا أخاف أن أكون من تلك الحجارة.

قال (٦) : لا تخف! تلك الحجارة ، الكبريت.

فقرّ الجبل. وسكن. وهدأ. وأجاب.

ومضمون (٧) الصلة ، يجب أن يكون قصة معلومة للمخاطب. وهنا كذلك ، اما بالسماع من أهل الكتاب. أو من النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ أو بسماع آية سورة التحريم. ولا يرد أن سماعهم على هذه الوجوه ، لا يفيدهم العلم ، إذ

__________________

(١) ليس في أ.

(٢) الاحتجاج ١ / ٣٢٦.

(٣) المصدر : معه.

(٤) يوجد في المصدر.

(٥) المصدر : من نار.

(٦) المصدر : قال له.

(٧) أ : ومضمون الجملة.

٢٧٢

لا يعتقدون صدق ما يسمعونه. لأن المراد من العلم (١) ، معناه الأعم.

(أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (٢٤)) : أي ، هيئت لهم. وجعلت عدة لعذابهم.

وقرئ «اعتدت» ، من العتاد. بمعنى العدّة.

(وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ) : عطف على الجملة السابقة.

والمقصود : عطف حال من آمن ووصف ثوابه ، على حال من كفر ، وكيفية عقابه ، على ما جرت به العادة الالهية ، من أن يشفع الترغيب بالترهيب ، تنشيطا لارتكاب (٢) ما ينجي. وتثبيطا ، عن اقتراف ما يردي. لا عطف الفعل ، نفسه. حتى يطلب له مشاكل من أمر أو نهي ، فيعطف عليه.

و «الجنة» المرة (٣) من الجنّ. وهو مصدر جنّه إذا ستره (٤). ومدار التركيب على الستر. سمي بها الشجر المظلل. لالتفاف أغصانه للمبالغة. كأنه يستر ما تحته سترة واحدة.

(وفي كتاب علل الشرايع (٥) : بإسناده الى يزيد بن عبد الله بن سلام ، عن أبيه ، عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ حديث طويل ، وفيه : قال : فلم سميت الجنة ، جنة؟

قال : لأنها جنية خيرة نقية. وعند الله تعالى ذكره مرضية) (٦).

__________________

(١) أ : بالعلم.

(٢) أ : الارتكاب.

(٣) المتن : الحرة. و «المرة» موافق نسخة ر والمصدر (أنوار التنزيل)

(٤) أ : سره.

(٥) علل الشرايع / ٤٧٠ ، ح ٣٣.

(٦) ما بين القوسين ليس في أ.

٢٧٣

(تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) : صفة لجنات.

أي : من تحت أشجارها. على حذف المضاف.

أو ارادة الأشجار بالجنات ، مجازا.

أو من ضميرها ، على طريقة الاستخدام.

و «من» اما ابتدائية. أو تبعيضية. فان الماء ، لا يجري في جميع أسافل الأشجار. بل في بعضها.

ويحتمل بعيدا أن يكون المراد في تحتها ، على ما مر.

و «الأنهار» ، جمع نهر ـ بالسكون. أو بالفتح ـ. وهو الأفصح.

وجاز فيما عينه أو لامه ، حرف حلق ، أربعة أوجه : فتح الفاء والعين. وفتح الأول. وكسر الثاني. وكسرهما. وكسر الأول مع سكون الثاني. لكن لم يسمع من هذه الوجوه ، في النهر ، الا اثنان. وهو المجرى الواسع ، فوق الجدول.

ودون البحر ، كالنيل والفرات. والتركيب للسعة. والمراد ، ماءها. على الإضمار.

أو المجاري أنفسها.

واسناد الجري ، اليها ، مجاز ، كما في قوله تعالى : (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها) (١). أو على التجوز في المفرد ، بإطلاق اسم المكان ، على المتمكن.

و «اللام» فيها ، اما للجنس ، من غير قصد ، الى العموم والاستغراق. كما في قولك : لفلان (٢) بستان فيه الماء الجاري. أو بدل (٣) من الاضافة ، أي : أنهارها.

أو للعهد اشارة الى الأنهار المذكورة في قوله تعالى : (أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ). (٤)

__________________

(١) الزلزلة / ٢.

(٢) ليس في أ.

(٣) أ : أول.

(٤) محمد / ١٥.

٢٧٤

والأول ، أحسن.

والثاني ، مذهب كوفي ، مرجوح. وقد منعه صاحب الكشاف (١) ، حيث قال في قوله تعالى : (فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى) (٢). المعنى : فان الجحيم هي مأواه ، وليس الألف واللام ، بدلا من الاضافة. ولكن لما علم أن الطاغي ، هو صاحب المأوى ، ولأنه لا يقص (٣) الرجل طرف (٤) غيره ، تركت الاضافة.

والثالث ، مع توقفه على سبق ذكر المنكر ، على المعرف فيه ، بعد لا يخفى.

وانما نعت الجنان بجري الأنهار تحتها ، لأن الرياض وان كانت أحسن شيء إذا لم يجري فيها الماء ، كانت كتماثيل لا أرواح فيها. وصور ، لا حيوة لها.

ولهذا قدمها على سائر نعوتها.

وعن مسروق ، أن أنهار الجنة ، تجري في غير أخدود. والأخدود (٥) ، الشق المستطيل في الأرض.

والمعنى : أن تلك الجنات ، تجري من تحتها أنهار (٦) من ماء ولبن وعسل.

(كُلَّما رُزِقُوا) : صفة ثانية ، لجنات. وترك العاطف بينهما. تنبيها على أن كل واحد منهما ، صفة على الاستقلال.

أو استئناف. كأنه لما قيل : ان لهم جنات. وقع في قلب السامع ، أثمارها ، مثل ثمار الدنيا. أم أجناس آخر. فأزيح بذلك.

__________________

(١) الكشاف ٤ / ٦٩٨.

(٢) النازعات / ٣٩

(٣) ر : يغص.

(٤) ر : طرف.

(٥) ليس في أ.

(٦) أ : الأنهار.

٢٧٥

أو خبر مبتدأ محذوف. والتقدير هي أو هم.

ورد ذلك الأخير ، بأن تلك الجملة المحذوفة المبتدأ ، ان جعلت صفة ، أو استئنافا ، كان تقدير الضمير ، مستدركا. وان جعلت ابتداء كلام ، لا يكون صفة ولا استينافا. فلتكن كذلك بلا حذف.

وأجيب ، بأن تقدير هي ، يظهر معنى الوصفية. وبتقديرهم ، يظهر تقوّي شأن الاستيناف. فلا استدراك. وفيه ضعف لا يخفى.

(مِنْها) ، متعلق «برزقوا».

(مِنْ ثَمَرَةٍ) ، متعلق به ، أيضا.

وكلمة «من» ، فيهما ، لابتداء الغاية.

فان قلت : لا يصح أن يتعلق بفعل واحد ، حرفا جر ، يتحدان في المعنى ، عند النحاة ، الا على قصد (١) الابدال والتبعية.

قلت : لا مجال لذلك في الاية الكريمة. فإنهما ليستا متعلقتين بفعل واحد.

بل بفعلين مختلفين ، بالإطلاق والتقيد. فالمطلق ، أعني : «رزقوا» ، جعل مبتدأ من الجنات. وبعد تقييده ، بالابتداء منها ، جعل مبتدأ من الثمرة ، مع أنه لقائل ، أن يمنع عدم صحة الابدال هاهنا. فانه يجوز أن يكون بدلا من الأولى ، بتقدير صفة ، أي : من ثمرة كائنة منها. وكلا الطرفين ، لغو ، لرزقوا. فلا حاجة الى أن يجعل الأول ، حالا من «رزقا» ، والثاني من ضميره (٢) فيها ، أي : الحال (منه (ره)) (٣).

(قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ) :

أي : هذا الظاهر المحسوس ، من المرزوق ، كالمرزوق الذي رزقناه في الشكل

__________________

(١) ر : قصة.

(٢) ر : ضمير.

(٣) ذكرت في هامش النسخ.

٢٧٦

واللون لا في الطعم.

فحذف أداة التشبيه. ووجهه للمبالغة. كما في : زيد أسد.

ويحتمل أن يجعل ، هذا اشارة ، الى نوع ما رزقوا. فلا حاجة الى اعتبار التشبيه. فان نوع المرزوق ، في الاخرة ، هو نوع المرزوق ، في الدنيا من قبل ، أي : من قبل هذا في الدنيا.

وانما جعل الثمرات ، متشابهين ، لأن الطبع الى المألوف ، أميل. والى تناوله أسرع. ووجود المزية ، أظهر ، إذ لو كان جنسا لم يعهد ظن أنه لا يكون ، الا كذلك.

وإعجاب النفس به واستغرابه له ، أشد. أو في الجنة ، لما روي : أن ثمار الجنة ، إذا جنيت ، بدّل الله مكانها مثلها (١). فقالوا : هذا الذي رزقنا من قبل ، لاشتباه الأمر عليهم. أو لاستغرابهم إياه. وابتهاجهم به.

وفيه ، أن قول ذلك في المرة الأولى ، لا معنى له. كما يقتضيه عموم «كلما».

(وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً) : جملة معترضة ، بين أوصاف الجنة ، لتقرير ما قالوا.

أو حال من فاعل قالوا ، بتقدير «قد» ، عند البصرية : كقوله تعالى : (جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) (٢). وبدونه ، عند الكوفية.

وللمرزوق والرزق ، من حيث وحدتهما الجنسية ، توحد. ومن حيث اثنينيتهما النوعية ، تعدد. فافراد الضمير ، للجهة الأولى.

وجعل متشابها ، المقتضى تعدد الفاعل ، حالا عنه ، بالاعتبار الثاني.

والمعنى : وأتوا به متشابها به ، أي : بهذا الجنس ، حال كونه متشابها في كل من نوعيه نفسه ، في الاخر.

فمرجعه على الوجه الأول ، هو جنس المرزوق ، الشامل لكل من مرزوق الدنيا

__________________

(١) أ : مثلا.

(٢) النساء / ٩٠.

٢٧٧

والاخرة. فانه يفهم من مضمون ما تقدم. وعلى الوجه الثاني ، هو الرزق.

قال علي بن ابراهيم (١) : يؤتون من فاكهة واحدة ، على ألوان متشابهة.

(وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) :

«الزوج» ، يقال للذكر والأنثى. وهو في الأصل ، لما له قرين من جنسه.

كزوج الخف.

فالذين آمنوا ، ان كان شاملا للمؤمنين والمؤمنات ، تغليبا ، فمعنى ، لهم (٢) أزواج ، ان للذكور أزواجا من جنس الإناث. والمراد به اما الحور العين. أو نساء الدنيا. سلبت عنها القذرات. وارادة الأعم ، أولى. وللإناث ، أزواجا من جنس الذكور.

وان كان خاصا بالمؤمنين ، اكتفاء بهم ، لأنه يعرف حال المؤمنات ، بالقياس الى حالهم. فمعناه : أن للمؤمنين أزواجا مطهرة.

وقرئ مطهرة ـ بتشديد الطاء وكسر الهاء ـ بمعنى ، مطهرة ومطهرات. وهي (٣) تؤيد (٤) الاحتمال الثاني. لأن القياس ، على الأول ، مطهرون. فانه لم يعهد تغليب النساء على الرجال. ومطهرة أبلغ من طاهرة ومطهرة. لأنها تنبئ من أن مطهر طهرها. وليس هو الا الله ـ عز وجل ـ. والمراد بتطهرها ، أن طهرت مما يختص بالنساء ، من الحيض والاستحاضة. وما لا يختص من الأقذار والأدناس. ويجوز لإطلاقه أن يدخل تحته ، الطهر من ذمائم الأخلاق وقبائح الأفعال. وانما لم يجمع

__________________

(١) تفسير القمي ١ / ٣٤.

(٢) أ : لهم فيها.

(٣) ر : هو.

(٤) النسخ : يؤيد.

٢٧٨

الصفة كالموصوف ، إذ أتى بها على قاعدة الرجال (١) والنساء. فعلت للتأويل بالجماعة.

وهي لغة فصيحة.

(وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٥)) : دائمون.

والخلد والخلود ، يطلق على الثبات المديد الدائم ، وعلى غير الدائم ، بالاشتراك المعنوي ، أو اللفظي ، أو الحقيقة والمجاز.

والأول أولى ، نفيا للتجوز والاشتراك. اللذين هما ، خلاف الأصل.

ومنه قيل للاثافي والأحجار : خوالد. وللجزء الذي يبقى من الإنسان ، على حاله ما دام حيا ، خلدا.

وقيل : والا يلزم أن يكون التقييد ، بالتأبيد (٢) ، في قوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها أَبَداً) ، لغوا.

وبالجملة ، المراد به ، الدوام هنا ، عند الجمهور ، لما يشهد له من الآيات والسنن. ثم ان مجامع اللذات ، المسكن والمطعم والمنكح. فوصف الله تعالى ، المسكن ، بقوله : (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ). والمطعم ، بقوله : (كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ). والمنكح بقوله : (وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ). ثم ان هذه الأشياء إذا حصلت وقارنها خوف الزوال ، كان التنعم بها منغصا (٣) ، فأزال تعالى هذا الخوف عنهم ، بقوله : (وَهُمْ فِيها خالِدُونَ). فصارت الاية ، دالة على كمال التنعم والسرور.

فان قلت : فائدة المطعوم ، هو التغذي ودفع (٤) ضرر الجوع. وفائدة المنكوح ،

__________________

(١) أ : الرجاء.

(٢) أ : بالتأييد.

(٣) أ : منقصا.

(٤) أ : ليس في أ.

٢٧٩

التوالد وحفظ النوع.

قلت : مطاعم الجنة ومناكحها وسائر أحوالها ، انما تشارك نظائرها الدنيوية ، في بعض الصفات والاعتبارات. و

يسمى بأسمائها ، على سبيل الاستعارة والتمثيل.

ولا يشاركها في تمام حقيقتها ، حتى يستلزم جميع ما يلزمها ويفيد عين فائدتها.

فان قيل : الأبدان مركبة من أجزاء متضادة الكيفية ، معرضة للاستحالة المؤدية الى الانفكاك والانحلال. فكيف يعقل خلودها في الجنان؟

قلت : ان الله تعالى يعيدها ، بحيث لا يعتورها الاستحالة ، بأن يجعل أجزائها ـ مثلا ـ متقاومة (١) في الكيفية ، متساوية في القوة ، لا يقوى شيء منها ، على احالة الاخر ، متعانقة متلازمة ، لا ينفك بعضها عن بعض ، كما في بعض المعادن.

(وفي تفسير علي بن ابراهيم (٢) ـ حديث طويل ـ عند قوله تعالى (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً) (٣) يذكر فيه ـ عليه السلام ـ أحوال المتقين بعد دخولهم الجنة. وفيه : ثم يرجعون الى عين أخرى عن يسار الشجرة فيغسلون فيها. وهي عين الحياة. فلا يموتون) (٤).

وفي أصول الكافي (٥) : علي بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمد عن المنقري ، عن احمد بن يونس ، عن أبي هاشم ، قال : قال أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ :

__________________

(١) أ : متفاوته.

(٢) تفسير القمي ٢ / ٥٤.

(٣) مريم / ٨٥.

(٤) ما بين القوسين ليس في أ.

(٥) الكافي ٢ / ٨٥ ، ح ٥.

٢٨٠