الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-44-2
الصفحات: ٤٧٨
المقصد الثالث : في باقي الصلوات
وفيه فصول :
الأول : في الجمعة
وفيه مطالب
الأول : الشرائط
مسألة ٣٧٢ : الجمعة واجبة بالنص والإجماع.
قال الله تعالى ( فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ) (١) والأمر للوجوب ، والنهي للتحريم ، وإنما يجب السعي ويحرم البيع لأجل الواجب ، وتوبيخهم بتركه قائما إنما يكون لو وجب ، وليس المراد من السعي الإسراع بل الذهاب إليها.
وقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في خطبته : ( اعلموا أن الله قد افترض عليكم الجمعة في مقامي هذا ، في يومي هذا ، في شهري هذا ، من عامي هذا ، فمن تركها في حياتي ، أو بعد موتي وله إمام عادل استخفافا بها أو جحودا لها فلا جمع الله له شمله ، ولا بارك له في أمره ، ألا ولا صلاة له ، ألا ولا زكاة له ، ألا ولا حج له ، ألا ولا صوم له ، ألا ولا برّ له حتى يتوب ، فإن تاب تاب الله عليه ) (٢).
__________________
(١) الجمعة : ٩.
(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٣٤٣ ـ ١٠٨١ ، سنن البيهقي ٣ : ١٧١ ، الترغيب والترهيب ١ : ٥١٠ ـ ٥١١ ـ ٩ ، مجمع الزوائد ٢ : ١٦٩ ، مسند أبي يعلى ٣ : ٣٨١ ـ ٣٨٢ ـ ١٨٥٦ ، وانظر رسالة صلاة الجمعة للشهيد الثاني : ٦١.
ومن طريق الخاصة قول الباقر عليهالسلام : « فرض الله على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة ، منها صلاة واحدة فرضها الله عز وجل في جماعة وهي الجمعة ، ووضعها عن تسعة » (١) الحديث.
وأجمع المسلمون كافة على وجوب الجمعة.
مسألة ٣٧٣ : ووجوبها على الأعيان بالإجماع ، إلاّ ما حكي عن الشافعي أنها فرض كفاية (٢) ونسبت الحكاية إلى الغلط ، لأن الأمر عام ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( الجمعة حق واجب على كل مسلم ، إلاّ أربعة : عبد مملوك ، أو امرأة ، أو صبيّ ، أو مريض ) (٣).
إذا عرفت هذا فيشترط للجمعة أمور ستة زائدة على الشرائط اليومية :
أ : الوقت. ب : السلطان. ج : العدد. د : الخطبتان. ه : الجماعة. و: الوحدة.
فهنا مباحث :
الأول : الوقت
مسألة ٣٧٤ : أول وقت الجمعة زوال الشمس يوم الجمعة عند علمائنا ـ إلاّ المرتضى فإنه قال : يجوز أن يصلّي الفرض عند قيام الشمس يوم الجمعة خاصة (٤) ـ وبما اخترناه قال الشافعي ، ومالك ، وأصحاب الرأي (٥) ، لأن أنس
__________________
(١) الكافي ٣ : ٤١٩ ـ ٦ ، التهذيب ٣ : ٢١ ـ ٧٧ ، الفقيه ١ : ٢٦٦ ـ ١٢١٧ ، أمالي الصدوق : ٣١٩ ـ ١٧ ، الخصال : ٥٣٣ ـ ١١.
(٢) المجموع ٤ : ٤٨٣ ، فتح العزيز ٤ : ٤٨٤ ، الميزان ١ : ١٨٥
(٣) سنن أبي داود ١ : ٢٨٠ ـ ١٠٦٧ ، سنن البيهقي ٣ : ١٧٢ ، الجامع الصغير للسيوطي ١ : ٥٦١ ـ ٣٦٣٠.
(٤) حكاه الشيخ في الخلاف ١ : ٦٢٠ ، المسألة ٣٩٠ ، وقال ابن إدريس في السرائر : ٦٤ : لم أجد للسيد المرتضى تصنيفا ولا مسطورا بما حكاه شيخنا عنه ، بل بخلافه .. ولعلّ شيخنا أبا جعفر سمعه من المرتضى في الدرس وعرفه منه مشافهة دون المسطور.
(٥) المجموع ٤ : ٥١١ ، بداية المجتهد ١ : ١٥٧.
ابن مالك قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يصلي الجمعة إذا زالت الشمس (١).
ومن طريق الخاصة قول الصادق عليهالسلام : « كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يصلي الجمعة حين تزول الشمس قدر شراك ويخطب في الظل الأول » (٢) الحديث.
ولأنها بدل عن عبادة ، فلا تجب قبل وقتها كالتيمم. ولأن آخر وقتهما واحد فكذا الأول.
وقال أحمد بن حنبل : يجوز فعل الجمعة قبل زوال الشمس (٣). فمن أصحابه من قال : أول وقتها وقت صلاة العيد. ومنهم من قال : تجوز في الساعة السادسة (٤).
لأنّ [ وكيعا روى عن عبد الله السلمي ] (٥) قال : شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت صلاته وخطبته قبل نصف النهار (٦).
ولا حجة فيه ، مع مخالفته لفعل الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم.
مسألة ٣٧٥ : آخر وقت الجمعة هو آخر وقت الظهر عند الأكثر ، إلاّ أن عندنا آخر وقت الظهر للإجزاء الغروب ، وآخر وقت الفضيلة إذا صار ظلّ
__________________
(١) صحيح البخاري ٢ : ٨ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٧٧ ـ ٥٠٣ ، سنن أبي داود ١ : ٢٨٤ ـ ١٠٨٤ ، مسند أحمد ٣ : ١٥٠ ، سنن البيهقي ٣ : ١٩٠
(٢) التهذيب ٣ : ١٢ ـ ٤٢
(٣) المغني ٢ : ٢٠٩ ، الشرح الكبير ٢ : ١٦٣ ، المجموع ٤ : ٥١١ ، فتح العزيز ٤ : ٤٨٦ ، بداية المجتهد ١ : ١٥٧
(٤) المغني ٢ : ٢٠٩ ، الشرح الكبير ٢ : ١٦٣ ، المجموع ٤ : ٥١١
(٥) ورد في نسختي « م » و « ش » : وكيع الأسلمي. وصحّح الى ما تراه ، وما بين المعقوفتين أثبتناه من مصادر الحديث والتراجم في الهامش التالي.
(٦) سنن الدار قطني ٢ : ١٧ ـ ١ ، وانظر أيضا : تهذيب التهذيب ١١ : ١٠٩ رقم ٢١١ ، وأسد الغابة ٣ : ١٨٢ ، والإصابة ٢ : ٣٢٣ رقم ٤٧٣٩.
كل شيء مثله ، والمراد هنا هذا الأخير فلا تجوز الجمعة بعده. وكذا يقول الشافعي (١).
وأبو حنيفة جعل آخر وقت الظهر إذا صار ظل كل شيء مثليه (٢) ، فتجوز الجمعة عنده إلى ذلك.
والوجه الأول ، لأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، كان يصلّي دائما بعد الزوال بلا فصل ، فلو جاز التأخير عمّا حدّدناه ، لأخّرها في بعض الأوقات.
إذا عرفت هذا ، فاعلم أنّ أبا الصلاح منّا قال : إذا مضى مقدار الأذان والخطبة وركعتي الجمعة فقد فاتت ، ولزم أداؤها ظهرا (٣).
ويدفعه قول الباقر عليهالسلام : « وقت الجمعة إذا زالت الشمس وبعده بساعة » (٤).
واحتجاجه : بقول الباقر عليهالسلام : « إنّ من الأمور أمورا مضيّقة ، وأمورا موسّعة ، وإنّ صلاة الجمعة من الأمر المضيّق ، إنّما لها وقت واحد حين تزول الشمس ، ووقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر في سائر الأيام » (٥) متأول بالمبالغة في استحباب التقديم.
مسألة ٣٧٦ : بقاء الوقت ليس شرطا ، فلو انعقدت الجمعة وتلبّس بالصلاة ـ ولو بالتكبير ـ فخرج الوقت قبل إكمالها أتمها جمعة ، إماما كان أو مأموما ـ وبه قال أحمد ومالك (٦) ـ لأنه دخل فيها في وقتها فوجب إتمامها كسائر الصلوات. ولأن الوجوب يتحقق باستكمال الشرائط فلا يسقط مع التلبس
__________________
(١) المجموع ٣ : ٢١ ، فتح العزيز ٣ : ٧ ـ ٨.
(٢) المبسوط للسرخسي ١ : ١٤٢ ، المجموع ٣ : ٢١.
(٣) الكافي في الفقه : ١٥٣.
(٤) الفقيه ١ : ٢٦٧ ـ ١٢٢٣ نقلا بالمعنى.
(٥) التهذيب ٣ : ١٣ ـ ٤٦.
(٦) المغني ٢ : ١٦٣ ، المجموع ٤ : ٥١٣ ، فتح العزيز ٤ : ٤٨٨.
بفوات البعض كالجماعة.
وقال الشافعي : تفوت الجمعة ، حتى لو وقعت تسليمة الإمام في وقت العصر فاتت الجمعة ، لكنه يتمها ظهرا ، لأن ما كان شرطا في ابتداء الجمعة كان شرطا في جميعها كسائر الشرائط (١). وينتقض بالجماعة.
وقال أبو حنيفة : لا يبنى عليها ، ويستأنف الظهر ، لأنهما صلاتان مختلفتان فلا تبنى إحداهما على الأخرى (٢). ويرد على الشافعي لا علينا.
وقال بعض الجمهور : إن أدرك ركعة في الوقت أدرك الجمعة ، وإلاّ فلا (٣). ولا بأس به.
فروع :
أ : لو شك في خروج الوقت أتمها جمعة إجماعا ، لأن الأصل بقاء الوقت.
ب : لو أدرك المسبوق ركعة مع الإمام صحت له الجمعة إن كانت المدركة في الوقت ثم يقوم لتدارك الثانية ، فلو خرج الوقت قبل إكمالها صحت عندنا ، لما تقدم (٤).
وللشافعية وجهان : الفوات كغيره ، والإدراك ، لأن جمعتهم صحيحة فيتبعهم فيها كما يتبعهم في الوقت والقدوة (٥).
ج : لو تشاغلوا عن الصلاة حتى ضاق الوقت فإن علم الإمام أن الوقت يتسع لخطبتين خفيفتين وركعتين كذلك وجبت الجمعة ، وإلاّ جاز أن يصلّوها
__________________
(١) المجموع ٤ : ٥١٠ و ٥١٣ ، الوجيز ١ : ٦١ ، المغني ٢ : ١٦٤.
(٢) المجموع ٤ : ٥١٣ ، المغني ٢ : ١٦٤
(٣) المغني ٢ : ١٦٣.
(٤) تقدّم في أول المسألة.
(٥) المجموع ٤ : ٥١٠ ، الوجيز ١ : ٦١ ، فتح العزيز ٤ : ٤٩٠.
ظهرا قبل خروج وقت الجمعة ، وبه قال الشافعي (١). ولا تكفي الركعة الواحدة هنا ، خلافا لأحمد (٢).
د : يستحب تعجيل الجمعة كغيرها من الصلوات.
مسألة ٣٧٧ : الفرض في الوقت هو الجمعة ، وهي صلاة قائمة بنفسها ليست ظهرا مقصورة ـ وهو أحد قولي الشافعي (٣) ـ فليس له إسقاط الجمعة بالظهر ، لأنه مأمور بالجمعة ، فيكون منهيا عن الظهر ، فلا يكون المنهي عنه فرضا.
وقال عليهالسلام : ( كتب عليكم الجمعة فريضة واجبة إلى يوم القيامة ) (٤) وهو يدل على الوجوب على التعيين.
وقال أبو حنيفة : فرض الوقت الظهر ، ويسقط بالجمعة ، وهي ظهر مقصورة (٥) ، لقوله عليهالسلام : ( أول وقت الظهر حين تزول الشمس ) (٦) وهو عام فيتناول يوم الجمعة كغيره.
ونحن نقول بموجبه ، ولا دلالة فيه على أن الفرض الظهر.
وقال محمد بن الحسن الشيباني : الفرض الجمعة ، وله إسقاطه بالظهر.
وهو قول للشافعي (٧).
إذا عرفت هذا فإذا فاتت الجمعة صلّى أربعا ظهرا بنية الأداء إن كان وقت الظهر باقيا ، وإن خرج الوقت صلّى أربعا بنية قضاء الظهر لا الجمعة ، لأن مع
__________________
(١) المهذب للشيرازي ١ : ١١٨ ، المجموع ٤ : ٥٠٩ ـ ٥١٠ ، فتح العزيز ٤ : ٤٨٧ ـ ٤٨٨.
(٢) المغني ٢ : ١٦٤ ، الشرح الكبير ٢ : ١٦٩.
(٣) المجموع ٤ : ٥٣١ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١٧.
(٤) أورده في المعتبر : ٢٠١
(٥) بدائع الصنائع ١ : ٢٥٦ ، الاختيار ١ : ١٠٩ ، تحفة الفقهاء ١ : ١٥٩ ، حلية العلماء ٢ : ٢٢٧.
(٦) سنن الدار قطني ١ : ٢٦٢ ـ ٢٢.
(٧) الاختيار ١ : ١٠٩ ، تحفة الفقهاء ١ : ١٥٩ ، المجموع ٤ : ٥٣١.
الفوات تسقط الجمعة وتجب الظهر أداء لسعة وقت الظهر ، وإمكان فوات الجمعة مع بقائه ، فيكون الفائت بعد فوات الجمعة هو الظهر ، لانتقال الوجوب إليه.
ولو فاتته الجمعة بعد انعقادها بأن زوحم وخرج الوقت قبل إدراك ركعة مع الإمام ، استأنف الظهر ، لتغاير الفرضين.
ومن جعلها ظهرا مقصورة جوّز نقل النية إلى الظهر كالمسافر إذا نوى الإقامة في الأثناء فإنه يتم أربعا.
مسألة ٣٧٨ : لو صلّى المكلّف بها الظهر قبل أن يصلّي الإمام الجمعة ، لم تصح صلاته ، ويلزمه السعي إلى الجمعة ، فإن صلاّها سقط عنه الفرض ، وإن لم يصلّها حتى فاتت وجب عليه إعادة الظهر ، لما تقدّم (١) من أنهما فرضان متغايران ، فلا يجزي أحدهما عن الآخر عند علمائنا أجمع ، وبه قال مالك وأحمد والثوري في الجديد ، وإسحاق (٢).
وقال أبو حنيفة : تصح ظهره قبل فوات الجمعة ، ويلزمه السعي إلى الجمعة ، فإذا سعى بطلت ، وإن لم يسع أجزأته (٣).
وقال أبو يوسف ، ومحمد : تصح (٤).
وقال الشافعي في القديم : تصح الظهر ، ويجب عليه السعي ، فإن صلّى الجمعة احتسب الله تعالى له بأيتهما شاء أو آجر كلتيهما ، وإن فاتته
__________________
(١) تقدّم في المسألة ٣٧٧.
(٢) المغني ٢ : ١٩٧ ، الشرح الكبير ٢ : ١٥٦ ، المجموع ٤ : ٤٩٦ ـ ٤٩٧ ، فتح العزيز ٤ : ٦١٢ و ٦١٣ ، القوانين الفقهية : ٧٩.
(٣) المبسوط للسرخسي ٢ : ٣٣ ، اللباب ١ : ١١٢ ، المجموع ٤ : ٤٩٧ ، المغني ٢ : ١٩٧ ، الشرح الكبير ٢ : ١٥٦ و ١٥٧.
(٤) المبسوط للسرخسي ٢ : ٣٣ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٥٧ ، المجموع ٤ : ٤٩٧.
الجمعة أجزأته الظهر التي صلاّها (١).
وليس بجيّد ، لأن الظهر الواقعة إن كانت صحيحة أسقطت الفرض ، إذ لا تجبان عليه في وقت واحد إجماعا ، وإلاّ أعادها.
ولأنه يأثم بترك الجمعة وإن صلّى الظهر ، ولا يأثم بفعل الجمعة وترك الظهر إجماعا ، والواجب هو الذي يأثم بتركه دون ما لا يأثم به.
فروع :
أ : فوات الجمعة برفع الإمام رأسه من ركوع الثانية. وسيأتي في الجماعة.
ب : لو صلّى الظهر ثم شك هل صلّى قبل صلاة الإمام أو بعدها ، لزمه الإعادة ، لأن الأصل البقاء
ج : لو صلّى الظهر مع صلاة الإمام الجمعة لم تصح ـ إن كان يمكنه إدراكها ـ ظهره لأنه يمكنه الجمعة ، أمّا لو صلاّها قبل فراغ الإمام من الجمعة ـ إذا فاته إدراكها ـ فإنه يجوز ـ وبه قال بعض الشافعيّة (٢) ـ لأن الجمعة فاتت فتجب الظهر ، إذ لا يمكن سقوط الصلاتين.
وظاهر كلام الشافعي أنه لا يجوز أن يصلّيها إلاّ بعد فراغ الإمام (٣).
مسألة ٣٧٩ : من لا تجب عليه الجمعة كالمسافر والعبد ، له أن يصلّي الظهر قبل صلاة الإمام ومعه وبعده ـ وإن جاز أن يصلّي جمعة ـ في قول أكثر العلماء (٤) ، لأنه لم يخاطب بالجمعة ، فتصح منه الظهر ، كالبعيد من موضع الجمعة.
__________________
(١) المهذب للشيرازي ١ : ١١٧ ، المجموع ٤ : ٤٩٦ و ٤٩٧ ، الوجيز ١ : ٦٥ ، فتح العزيز ٤ : ٦١٢ و ٦١٣.
(٢) حلية العلماء ٢ : ٢٢٨.
(٣) حلية العلماء ٢ : ٢٢٨.
(٤) المغني ٢ : ١٩٨ ، الشرح الكبير ٢ : ١٥٩
وقال بعض الجمهور : لا تصح صلاته قبل الإمام ، لأنه لا يتيقن بقاء العذر ، فلم تصح صلاته ، كغير المعذور (١).
والظاهر البقاء والاستمرار كالمريض يصلّي جالسا.
فروع :
أ : لا يستحب للمعذور تأخير الظهر حتى يفرغ الإمام ، لأن فرضه الظهر فيستحب تقديمها.
ب : أصحاب الأعذار المكلّفون إذا حضروا الجامع ، وجبت عليهم الجمعة ، وسقط عنهم فرض الوقت ، لأنها سقطت عنهم لعذر تخفيفا عنهم ، ووجبت على أهل الكمال ، لانتفاء المشقة في حقهم ، فإذا حضروا الجامع سقطت المشقة المبيحة للترك.
ج : لو صلّوا الظهر في منازلهم ثم سعوا إلى الجمعة ، لم تبطل ظهرهم سواء زال عذرهم أوّلا ـ وبه قال أحمد والشافعي (٢) ـ لأنها صلاة صحيحة أسقطت الفرض فلا تبطل بعده.
وقال أبو حنيفة : تبطل ظهرهم بالسعي إلى الجمعة كغير المعذور (٣) والفرق ظاهر.
وقال أبو يوسف ومحمد : تبطل إذا أحرموا بالجمعة (٤).
د : لا يكره لمن فاتته الجمعة أو لم يكن من أهلها أن يصلّي الظهر
__________________
(١) المغني ٢ : ١٩٨ ، الشرح الكبير ٢ : ١٥٩ ، الإنصاف ٢ : ٣٧٢.
(٢) المغني ٢ : ١٩٨ ، الشرح الكبير ٢ : ١٥٩ ، كشاف القناع ٢ : ٢٥ ، المجموع ٤ : ٤٩٥ ، حلية العلماء ٢ : ٢٢٧.
(٣) المبسوط للسرخسي ٢ : ٣٢ و ٣٣ ، اللباب ١ : ١١٢ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٥٧ ، المغني ٢ : ١٩٨ ، الشرح الكبير ٢ : ١٥٩ ، حلية العلماء ٢ : ٢٢٧.
(٤) المبسوط للسرخسي ٢ : ٣٣ ، اللباب ١ : ١١٢.
جماعة ـ وبه قال أحمد والأعمش والشافعي وإسحاق (١) ـ لعموم قوله عليهالسلام : ( صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة ) (٢).
وصلّى ابن مسعود بعلقمة والأسود لمّا فاتته الجمعة (٣).
وقال أبو حنيفة ومالك : يكره ـ وهو قول الحسن وأبي قلابة ـ لأنه لم ينقل في زمن النبي عليهالسلام من صلّى جماعة من المعذورين (٤).
وهو ممنوع ، لما تقدّم.
إذا ثبت هذا فالأقرب استحباب إعادتها جماعة في مسجد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وغيره من المساجد ، لعموم استحباب طلب الجماعة.
ولا تكره أيضا في المسجد الذي أقيمت الجمعة فيه.
وكره أحمد ذلك كله (٥) ، وليس بجيّد.
نعم لو نسب إلى الرغبة عن الجمعة ، أو أنه لا يرى الصلاة خلف الإمام ، أو خيف فتنة ، ولحوق ضرر به وبغيره كره ذلك.
هـ : الأقرب لمن صلّى الظهر من أصحاب الأعذار السعي إلى الجمعة استحبابا ، طلبا لفضيلة الجماعة ، لأنها تنوب مناب الظهر فأشبهت المنوب ، والأول هو الفرض.
وقال أبو إسحاق : قال الشافعي في القديم : يحتسب الله تعالى له بأيتهما شاء (٦) ، لأنه كان في الابتداء مخيرا بين الظهر والجمعة ، فإذا فعلها
__________________
(١) المغني ٢ : ١٩٩ ، الشرح الكبير ٢ : ١٦٠ ، الإنصاف ٢ : ٣٧٣ ، كشاف القناع ٢ : ٢٥ ، المجموع ٤ : ٤٩٣ ـ ٤٩٤.
(٢) صحيح البخاري ١ : ١٦٦ ، سنن الترمذي ١ : ٤٢٠ ـ ٤٢١ ـ ٢١٥ ، سنن البيهقي ٣ : ٦٠.
(٣) المغني ٢ : ١٩٩ ، الشرح الكبير ٢ : ١٦١.
(٤) المبسوط للسرخسي ٢ : ٣٥ ـ ٣٦ ، اللباب ١ : ١١٢ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٧٠ ، بلغة السالك ١ : ١٨٢ ، المغني ٢ : ١٩٩ ، الشرح الكبير ٢ : ١٦٠ ، المجموع ٤ : ٤٩٤.
(٥) المغني ٢ : ١٩٩ ، الشرح الكبير ٢ : ١٦١.
(٦) المهذب للشيرازي ١ : ١١٧ ، المجموع ٤ : ٤٩٥ ، حلية العلماء ٢ : ٢٢٧.
لم يتعين واحد منهما.
وهو غلط ، لسقوط فرضه مما فعله أولا ، فإذا فعل الجمعة كان متطوعا بها ، وما ذكره إنّما يتحقق قبل الفعل.
مسألة ٣٨٠ : لا يجوز إنشاء السفر لمن وجبت عليه الجمعة ، واستكمال الشرائط (١) ، بعد الزوال قبل أن يصلّيها عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي ، ومالك ، وأحمد (٢) ـ لقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( من سافر من دار إقامة (٣) يوم الجمعة دعت عليه الملائكة ، لا يصحب في سفره ، ولا يعان على حاجته ) (٤) ، والوعيد لا يلحق المباح.
ولأن ذمته مشتغلة فلا يجوز له الاشتغال بما يمنع عنها كاللهو والتجارة.
وقال أبو حنيفة والأوزاعي : يجوز (٥) ، لقول عمر : الجمعة لا تحبس عن سفر (٦) ، ولأنّ الصلاة تجب بآخر الوقت ، ولأنّ كلّ صلاة يجوز السفر بعدها يجوز قبلها كسائر الصلوات.
والفرق أنّ السفر يسقط الجمعة دون غيرها ، وقول عمر ليس حجة خصوصا مع مخالفته (٧) القرآن ، وقد بيّنا وجوب الصلاة بأول الوقت.
فروع :
أ : لا يجوز السفر بعد الزوال لأجل الجهاد إلاّ مع الضرورة.
__________________
(١) كذا ، والمناسب للعبارة : واستكملت الشرائط فيه.
(٢) المجموع ٤ : ٤٩٩ ، الوجيز ١ : ٦٥ ، مغني المحتاج ١ : ٢٧٨ ، الميزان ١ : ١٨٧ ، بلغة السالك ١ : ١٨٣ ، المنتقى للباجي ١ : ١٩٩ ، المغني ٢ : ٢١٧ ، الشرح الكبير ٢ : ١٦١.
(٣) في « م » : إقامته.
(٤) كنز العمال ٦ : ٧١٥ ـ ١٧٥٤٠.
(٥) المجموع ٤ : ٤٩٩ ، المغني ٢ : ٢١٧ ، الشرح الكبير ٢ : ١٦١
(٦) سنن البيهقي ٣ : ١٨٧ ، وانظر : الام ١ : ١٨٩ ، والمغني ٢ : ٢١٧ ، والشرح الكبير ٢ : ١٦١.
(٧) في « م » والطبعة الحجرية : مخالفة.
ونقل عن أحمد الجواز (١) ، لأنّه عليهالسلام لمّا وجّه زيد بن حارثة ، وجعفر بن أبي طالب ، وعبد الله بن رواحة في جيش مؤتة فتخلّف عبد الله ، فرآه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال : ( ما خلّفك؟ ) فقال : الجمعة ، فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( لروحة في سبيل الله أو غدوة خير من الدنيا وما فيها ) فراح منطلقا (٢).
والذي نقله أصحابه إنّ ذلك كان قبل الزوال (٣).
ب : يجوز السفر بعد الزوال لأصحاب الأعذار المتجددة بعد الوجوب ، كمريد الصحبة إذا خاف فوتها مع ضرورته إليها ، لأنها تسقط الوجوب ، وبالجملة كلّ ما يخاف معه على نفسه أو ماله فهو عذر ، وكذا لو ضلّ له ولد أو رقيق أو حيوان.
ج : يجوز السفر قبل الزوال بعد الفجر ، لكنّه مكروه عند علمائنا ـ وبه قال مالك وأحمد ـ والحسن وابن سيرين ـ في رواية ، والشافعي في القديم ، وأصحاب الرأي (٤) ـ لحديث عبد الله بن رواحة (٥). ولأنّ ذمته خالية من وجوب فلا يمنعه إمكان وجوبها.
وقال الشافعي في الجديد : لا يجوز ـ وبه قال ابن عمر وأحمد ـ إلاّ في الجهاد ، لأنّه وقت الرواح إلى الجمعة ، وقد يجب فيه السعي على من بعد طريقه ، فلا يجوز له ترك الجمعة بالسفر فيه كما بعد الزوال (٦).
__________________
(١) الشرح الكبير ٢ : ١٦٢.
(٢) مسند أحمد ١ : ٢٥٦ ، سنن البيهقي ٣ : ١٨٧ ، وانظر : المغني ٢ : ٢١٨.
(٣) المغني ٢ : ٢١٨.
(٤) المغني ٢ : ٢١٨ ، الشرح الكبير ٢ : ١٦٢ ، المجموع ٤ : ٤٩٩ ، حلية العلماء ٢ : ٢٢٨ ، الوجيز ١ : ٦٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١٧ ، الميزان ١ : ١٨٧ ، مغني المحتاج ١ : ٢٧٨ ، المنتقى للباجي ١ : ١٩٩.
(٥) مسند أحمد ١ : ٢٥٦ ، سنن البيهقي ٣ : ١٨٧.
(٦) المجموع ٤ : ٤٩٩ ، الوجيز ١ : ٦٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ١١٧ ، الميزان ١ : ١٨٧ ، المغني ٢ : ٢١٨ ، الشرح الكبير ٢ : ١٦٢ ، حلية العلماء ٢ : ٢٢٨ ، مغني المحتاج ١ : ٢٧٨.
والفرق شغل الذمة في الأول دون الثاني ، والسعي يجب فيه على من تجب عليه وهو بسفره خرج عن ذلك.
واستثناء الشافعي الجهاد ، لحديث ابن رواحة.
د : لا يكره السفر ليلة الجمعة إجماعا.
البحث الثاني : السلطان
مسألة ٣٨١ : يشترط في وجوب الجمعة السلطان أو نائبه عند علمائنا أجمع ـ وبه قال أبو حنيفة (١) ـ للإجماع على أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يعيّن لإمامة الجماعة ـ وكذا الخلفاء بعده ـ كما يعيّن للقضاء.
وكما لا يصح أن ينصب الإنسان نفسه قاضيا من دون إذن الإمام كذا إمامة الجمعة.
ولرواية محمد بن مسلم قال : « لا تجب الجمعة على أقل من سبعة : الإمام ، وقاضيه ، ومدّع حقا ، ومدّعى عليه ، وشاهدان ، ومن يضرب الحدود بين يدي الإمام » (٢).
ولأنّه إجماع أهل الأعصار ، فإنه لا يقيم الجمعة في كلّ عصر إلاّ الأئمة.
وقال الشافعي ومالك وأحمد : ليس السلطان شرطا ولا إذنه (٣) ، لأنّ عليا
__________________
(١) المبسوط للسرخسي ٢ : ٢٣ و ٢٥ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٥٩ ، ٢٦١ ، اللباب ١ : ١١٠ ، المجموع ٤ : ٥٨٣ ، المغني ٢ : ١٧٣ ـ ١٧٤ ، الشرح الكبير ٢ : ١٨٨ ، بداية المجتهد ١ : ١٥٩ ، الميزان ١ : ١٨٨.
(٢) الفقيه ١ : ٢٦٧ ـ ١٢٢٢ ، التهذيب ٣ : ٢٠ ـ ٧٥ ، الإستبصار ١ : ٤١٨ ـ ١٦٠٨.
(٣) الام ١ : ١٩٢ ، المجموع ٤ : ٥٠٩ و ٥٨٣ ، مختصر المزني : ٢٨ ، الوجيز ١ : ٦٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٢٤ ، بداية المجتهد ١ : ١٦٠ ، المغني ٢ : ١٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ١٨٨.
عليهالسلام صلّى بالناس الجمعة وعثمان محصور (١) ، ولم ينكر أحد.
ولأنها عبادة بدنية فلا تفتقر إقامتها إلى السلطان كالحج.
وفعل علي عليهالسلام حجة لنا ، لأنّه عليهالسلام الإمام عندنا ، ولأنّ عثمان بمنع المسلمين له عن التصرف خرج عن الإمامة ، إذ الإمامة عندهم تثبت بالاختيار من أهل الحلّ والعقد فتزول لزوال سببها.
والفرق في الحج عدم احتياجه إلى رئيس يتقدّم عليهم فيها ، بخلاف الجمعة المفتقرة إلى إمام يتقدّمهم.
مسألة ٣٨٢ : أجمع علماؤنا كافة على اشتراط عدالة السلطان وهو الإمام المعصوم ، أو من يأمره بذلك ـ خلافا للجمهور كافة (٢) لأن الاجتماع مظنة التنازع ، والحكمة تقتضي انتفاء ذلك ، ولا يحصل إلاّ بالسلطان ، ومع فسقه لا يزول ، لأنّه تابع في أفعاله لقوته الشهوية لا مقتضى الشرع ومواقع المصلحة ، وليس محلا للأمانة فلا يكون أهلا للاستنابة.
احتجّوا بقوله عليهالسلام : ( فمن تركها في حياتي أو بعد موتي وله إمام عادل ، أو جائر فلا جمع الله شمله ) (٣).
ولأن السلطان يسوّي بين الناس في إيقاعها فلا يفوت بعضا.
ونمنع الحديث أوّلا ، ودلالته على المطلوب ، لأنه وعيد على من تركها مستخفا بها ، ولا شك في أنه مستحق للوعيد سواء كان الإمام عادلا أو جائرا ، بل يستحب الاجتماع فيها وعقدها وإن كان السلطان جائرا.
__________________
(١) انظر سنن البيهقي ٣ : ١٢٤ ، والمغني ٢ : ١٧٤.
(٢) المجموع ٤ : ٢٥٣ ، المغني ٢ : ١٤٩ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ٢٥ ، بدائع الصنائع ، ٢٦١.
(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٣٤٣ ـ ١٠٨١ ، سنن البيهقي ٣ : ١٧١ ، مجمع الزوائد ٢ : ١٦٩ نقلا عن الطبراني في الأوسط ، مسند أبي يعلى ٣ : ٣٨١ ـ ٣٨٢ ـ ١٨٥٦ ، الترغيب والترهيب ١ : ٥١٠ ـ ٥١١ ـ ٩.