تراث الشيعة الفقهي والأصولي - ج ١

مهدي المهريزي ومحمد حسين الدرايتي

تراث الشيعة الفقهي والأصولي - ج ١

المؤلف:

مهدي المهريزي ومحمد حسين الدرايتي


الموضوع : الفقه
الناشر: مكتبة الفقه والأصول المختصّة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-21-8
الصفحات: ٦٣٢

وكذلك يعتمدون في الترجيحات بين الأخبار المتعارضة والقرائن الرجاليّة وغيرهما على المرجّحات الاجتهاديّة التي لم يقم على أكثرها بل كلّها دليل قاطع يجعلها ظنونا مخصوصة.

وعملهم هذا إن (١) بلغ حدّ الإجماع على حجّية الظنون المحتاج إليها في (٢) أخبار الآحاد وما يتعلّق بها وإن اختلفوا في آحادها مطلقا ولو كانت ضعيفة جدّا مثل ما مضى ، لزم (٣) منه (٤) حجّيّة مثل الظنّ (٥) المستفاد من الشهرة بطريق أولى ؛ لكونه أقوى من تلك الظنون بمراتب شتّى بحيث لا يكاد ينكره أحد من العقلاء ، ويفهم الأولوية (٦) كلّ من سمع موجبها (٧) من أهل العرف والعادة.

فما يقال ـ من أنّها منفردة (٨) مقدوحة لا داعي له (٩) ولا جهة ، (١٠) فإنّ المقدوح من الأولويّة ليس إلّا ما إذا كان متردّدا فيها غير واضحة في العرف والعادة ، وليس منها هذه الأولويّة لما عرفته ، فليس (١١) منكرها هنا (١٢) بهذا الطريق إلّا من قبيل : « الغريق يتشبّث بكلّ حشيش » .

وأضعف منه ما يقال في دفعها بأنّها من أقسام دلالة الألفاظ ، لكونها دلالة التزاميّة عرفيّة على ما هو التحقيق فيها (١٣) ، ولا لفظ (١٤) هنا يدلّ على حكم الأصل حتّى يتفرّع منه انسحابه وجريانه في الفرع بطريق أولى ؛ إذ ليس إلّا المقدّمات العقليّة المرتّبة

__________________

(١) مفاتيح : ـ إن.

(٢) خ : من.

(٣) مفاتيح : يلزم.

(٤) ر ، س ومفاتيح : من.

(٥) خ : نحو ظنّ.

(٦) ر ومفاتيح : + كذلك.

(٧) م ، ش ، ق : + و.

(٨) س : ـ منفردة ش : مقرّرة. ر : منقرة. م : منحصرة. مفاتيح : مضرّة.

(٩) مفاتيح : لها.

(١٠) ر ، س : حرمة.

(١١) خ ، ش : وليس.

(١٢) ر ، س ومفاتيح : ـ هنا.

(١٣) خ : ـ فيها.

(١٤) م : لفظة.

٥٤١

و(١) الإجماع المتقدّم إليهما (٢)(٣) الإشارة ، وهما ليسا من الأدلّة اللفظيّة حتّى يترتّب عليهما الأولويّة ، وذلك لأنّ الإجماع ونحوه وإن لم يتضمّنا لفظ الحكم عن (٤) الشارع صريحا إلّا أنّهما كاشفان عنه قطعا بناء على أنّ حجّيّتهما (٥) عندنا ليست لخصوصيّتهما ، بل لكونهما كاشفين عن قول الشارع ، وهي (٦) الحجّة لا هما (٧) ، وعليه فمآلهما إلى اللفظ جدّا ، فيترتّب عليه الأولويّة قطعا.

وأضعف منهما القدح فيها (٨) باحتمال أن يكون للأصل في الحكم مدخليّة ؛ لجريانه في كلّ أولويّة ، أ لا ترى أنّه لا فرق بين قولك (٩) هنا وبين قول القائل (١٠) في آية التأفيف (١١) بأنّه قد يكون للخصوصيّة مدخل في التحريم ، فلا يتعدّى إلى أنواع الأذى من الضرب والشتم ونحوهما ، وقوله هذا مخالف للضرورة قطعا ، فكذلك قولك هذا.

والجواب عنهما واحد ، وهو أنّ احتمال الخصوصيّة لا ينظر إليها بعد إطباق العرف على فهم الأولويّة وعدم احتمالهم لها (١٢) .

وبالجملة ، الأولوية من الأدلّة الظاهريّة لا يقدح في حجّيّتها الاحتمالات الضعيفة ولو كانت بحسب نفس الأمر محتملة ، وحالها كحال (١٣) سائر الألفاظ مثل الأمر والنهي ، فإنّهما وإن احتملا الاستحباب والكراهة إلّا أنّهما ظاهران في الوجوب والحرمة في العرف واللغة.

هذا إن بلغ عملهم بتلك الظنون الضعيفة المحتاج إليها في أخبار الآحاد وما يتعلّق

__________________

(١) خ : « فيه » بدل : « و » .

(٢) ش : عليهما.

(٣) س : إليها

(٤) ش : من.

(٥) ق ، ر : حجّتهما.

(٦) خ : هو. ش : + هو.

(٧) ر ، س ومفاتيح : ـ لا هما.

(٨) م ، ش ، ق ، ر ، س : فيهما.

(٩) خ : + هذا. ق ، م : + هنا.

(١٠) خ ، ش ، م : قائل. ق : قيل.

(١١) الإسراء (١٧) : ٢٣.

(١٢) خ ومفاتيح : بها.

(١٣) خ ومفاتيح : + دلالة.

٥٤٢

بها حدّ الإجماع ، وإن لم يبلغ حدّ الإجماع فإمّا أن يقتصر عن (١) تلك (٢) الظنون على ما قام الدليل القاطع (٣) على حجّيّته ، ويمنع حجّيّة كلّ ظنّ للمجتهد عداه بمنع كلّيّة الكبرى ، أو لا يقتصر بل يعمل بالكلّيّة ، ويستثنى منها ما قام الدليل على خلافه كظنّ القياس والرأي والاستحسان ونحوها (٤) ، (٥) لا سبيل إلى الأوّل ؛ لما مرّ من استلزامه الخروج عن (٦) الدين وعدم التديّن بدين خير المرسلين (٧) صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتعيّن المصير إلى الثاني. (٨)

لكن لا يخفى عليك أنّ مآل الاستدلال على هذا التقدير (٩) راجع إلى الدليل الرابع ، ولكنّ المقصود من هذا الدليل إنّما هو التقدير (١٠) الأوّل ، وإنّما رددنا بينه وبين هذا التقدير (١١) تضييقا على الخصم وسدّ (١٢) أبواب (١٣) محتملات كلامه بحيث لا يمكنه الذبّ والفرار تحصيلا لمقصوده ومرامه.

[ حصيلة البحث : ]

وبالجملة ، ظهر ممّا ذكرنا من أوّل الرسالة إلى هنا من وجوه شتّى حجّيّة الشهرة مطلقا ، كان معها (١٤) رواية ضعيفة (١٥) أم (١٦) لا ، (١٧) اتّضح دليلها أم لا ، (١٨) لكن خرج منها الشهرة التي لا يتّضح دليلها ، ولا وجد (١٩) معها (٢٠) رواية وغيرها من الاصول مطلقا باشتهار عدم

__________________

(١) خ ومفاتيح : من. ش ، ق : على.

(٢) مفاتيح : ـ تلك.

(٣) ر ، س : ـ القاطع.

(٤) ش ، ق : نحوهما. ولم يرد في ش « والرأي » .

(٥) مفاتيح : + و.

(٦) ق ، م ، خ ومفاتيح : من.

(٧) خ : خاتم النبيين.

(٨) مفاتيح : + و.

(٩) ر ، س ومفاتيح : التقرير.

(١٠) ر ، س ومفاتيح : التقرير.

(١١) ر ومفاتيح : التقرير.

(١٢) م : تسديد.

(١٣) خ ، م : الأبواب.

(١٤) خ ، ش : + نحو.

(١٥) ر ، س ومفاتيح : ـ ضعيفة.

(١٦) في مفاتيح : أو ، وفي هامشه « أم » كما في النسخ.

(١٧) خ : + و.

(١٨) خ ، ش : + و.

(١٩) ر ، س ومفاتيح : وجدنا. ش : أو لا يوجد.

(٢٠) من هنا إلى قوله : « الشهرة التي معها » سقط من « خ ، م » .

٥٤٣

حجّيّة مثلها كما ذكره الخال (١) العلّامة ـ أدامه الله تعالى ـ وبقي ما عداها من نحو الشهرة التي معها رواية ضعيفة مثلا باقية بحالها في حجّيّتها ؛ لعدم مانع عنها (٢) أصلا ؛ لاختصاص الشهرة المانعة عن حجّيّة الشهرة بغير مثل هذه الشهرة ممّا لم ينضمّ (٣) إليه نحو رواية ضعيفة ؛ إذ (٤) لا مانع آخر يتصوّر (٥) عنها عدا الأدلّة الدالّة على عدم حجّيّة الظنّ مطلقا ، لكن ما قدّمناه من الأدلّة القاطعة على حجّيّة الظنون الاجتهاديّة في الأحكام الشرعيّة وما يتعلّق بها من نحو الشهرة وغيرها تخصّصها (٦) ؛ لأنّها خاصّة ، والخاصّ مقدّم على العامّ قطعا.

ومن هنا يسهل الخروج عمّا يورد على الاستناد إلى الأخبار الضعيفة والقول بحجّيّتها بدعوى انجبارها (٧) بالشهرة من أنّ كلّا منهما (٨) بانفراده ليس بحجّة (٩) شرعيّة ، فكيف باجتماعهما (١٠) يحصل حجّة شرعيّة أقوى من الحجج الشرعيّة من نحو الصحاح المستفيضة التي كلّ منها حجّة (١١) مستقلّة ، فضلا عن أن يكون كلّها مجتمعة وبعضها إلى بعض منضمّة ؟ !

وذلك فإنّ الحجّة في الحقيقة إنّما هي نفس الشهرة لا الرواية ، وإنّما ذكرت حجّة ونسب (١٢) إليها (١٣) الحجّة (١٤) مسامحة ، تعويلا على الوضوح الخارجي (١٥) المستفاد ممّا قدّمناه ، والمقصود (١٦) من ذكر الرواية حقيقة إنّما هو جعلها طريقة (١٧) ووسيلة إلى

__________________

(١) ش : خالي ، ق : الخالي.

(٢) مفاتيح : عنه.

(٣) مفاتيح : لم يضمّ.

(٤) ر ، ق ، س ومفاتيح : « و » بدل « إذ » .

(٥) مفاتيح : ـ آخر يتصوّر.

(٦) مفاتيح : يخصّصها. س : مخصّصا.

(٧) مفاتيح : انجباره.

(٨) ش ، م ، ر ، س : منها.

(٩) خ : بحجّية.

(١٠) ش ، ق ، س : باجتماعها.

(١١) ش : + شرعية.

(١٢) ر ، ش ، س ومفاتيح : نسبت.

(١٣) ش ، م ومفاتيح : إليه.

(١٤) خ ، م ومفاتيح : الحجّية.

(١٥) ر ، س ، ش ، ق : الخارج.

(١٦) ش ، ق : المستفاد.

(١٧) ر ، ق ، م ، س ومفاتيح : طريقا.

٥٤٤

التخلّص من الشهرة المانعة عن حجّيّة الشهرة ؛ لعدم دخولها (١) فيها كما عرفته ، وإلّا فليس (٢) الرواية هي الحجّة بل إنّما الحجّة هي الشهرة.

فإن قلت (٣) : إنّ هذا التوجيه لم يظهر من كلمات الأصحاب القائلين بحجّيّة الرواية المنجبرة بالشهرة بل ظاهرهم أنّ الرواية هي الحجّة ، فيكون توجيها بما لا يرضى.

قلت أوّلا : إنّه لم يظهر من الأصحاب عذرهم (٤) في حجّيّة مثل هذه الرواية نفيا ولا إثباتا لا بما ذكرنا ، ولا بما سيذكر من الوجوه أصلا ، فكما يمكن جعل تلك الوجوه عذرا لهم في ذلك كذا (٥) يمكن ما ذكرناه ، ولا ترجيح أصلا لو لم نقل بترجيح ما ذكرناه ، فالاعتراض مشترك الورود جدّا ، فما هو الجواب (٦) من طرفكم فهو بعينه الجواب من طرفنا (٧) .

فإن قلت : اشتهار إطلاق عدم حجّيّة الشهرة بينهم يكشف عن عدم كون العذر هذا.

قلت : نمنع الإطلاق ؛ إذ لم يظهر منهم إلّا عدم حجّيّة الشهرة الخالية عن الدليل لا مطلقا.

فإن قلت : نسبتهم الحجّيّة إلى الرواية كاشفة عن فساد هذا العذر.

قلت : كما أنّه يمكن أن يجعل هذا قرينة على ذلك ، كذلك يمكن توجّه (٨) الاعتراض المتقدّم لو لا (٩) ما ذكرنا قرينة على خلافه.

وبالجملة ، عذر الأصحاب غير واضح ، فلا يتوجّه دعوى كون ما ذكرنا توجيها بما لا يرضى.

__________________

(١) ر ، س : دخول ما

(٢) مفاتيح : فليست.

(٣) سقط من هنا بقدر صفحتين من نسخة ش.

(٤) ر ، م ، س ومفاتيح : عندهم.

(٥) مفاتيح : ـ كذا.

(٦) ر : جوابكم.

(٧) خ : منّا.

(٨) ق ، ر ، س ومفاتيح : توجيه.

(٩) مفاتيح : + كون.

٥٤٥

وثانيا : إنّ هذا التوجيه لم أذكره مصحّحا لطريقتهم بل تحصيلا للعذر لنفسي (١) في العمل بالأخبار المنجبرة بالشهرة بيني وبين الله تعالى ، وتخليصا (٢) لها (٣) من الاعتراض المتقدّم سابقا بناء على قوّته ونهاية متانته لو لا ما وجّهنا ، لعدم محيص عنه بعد ذلك عدا الاعتراض (٤) بعدم حجّيّة الرواية المنجبرة بالشهرة ، وهو يستلزم اختلال (٥) أكثر الأحكام (٦) الشرعيّة كما مضى ، وهذه هي الثمرة العظمى في القول بحجّيّة الشهرة كما هو واضح لمن تدبّرها.

فأمّا ما يقال في الذبّ عن الاعتراض المتقدّم ـ من أنّ عدم حجّيّة الرواية إنّما هو حيث لم يحصل التثبّت (٧) والتبيّن الكاشف (٨) عن صدقها وصحّتها ، وأمّا معه فهي حجّة جدّا ؛ لأنّ الله تعالى (٩) لم يأمر بطرح الرواية الضعيفة بل أمر فيها بالتثبّت واستظهار الصدق ، فإن (١٠) ظهر عمل بها وإلّا طرحت ، ولا ريب أنّ الشهرة يحصل بها التثبّت ، ويستظهر بها صدق الخبر ، فتعيّن عليه العمل (١١) ـ فمنظور فيه (١٢) ؛ لتوقّفه على تعميم التثبّت للتثبّت الظنّي ، وهو مشكل ، فإنّ معناه لغة ليس إلّا انكشاف (١٣) حقيقة الخبر وصدقه في نفس الأمر ، ولا يكون ذلك إلّا بتحصيل العلم به واقعا ، والأصل بقاء هذا المعنى إلى أن يظهر من أهل العرف خلافه ولم يظهر ؛ لعدم ثبوت فهمهم عنه (١٤) خلافه بحيث يشمل (١٥) التثبّت الظنّي الحاصل من نحو الشهرة بل الظاهر منهم خلافه

__________________

(١) ر ، س م : النفسي. ق : المنفي. وفي مفاتيح : لعذر نفسي.

(٢) ق ، ر ، س : تخليها. مفاتيح : تخليتها.

(٣) ر ، س : ـ لها

(٤) ر ، ق ، م ، س ومفاتيح : الاعتراف.

(٥) مفاتيح : إخلال ، وخ بهامشه : « اختلال » كما في النسخ.

(٦) ر ، س ومفاتيح : كثير من الأحكام.

(٧) مفاتيح : التثبيت.

(٨) مفاتيح : كاشف.

(٩) ق ، ر : سبحانه. مفاتيح : سبحانه تعالى.

(١٠) مفاتيح : إن.

(١١) مفاتيح : « العمل به » بدل : « عليه العمل » .

(١٢) جواب « أمّا ما يقال » .

(١٣) خ : استكشاف ؛ بدل : ليس إلّا انكشاف.

(١٤) ر ، س ومفاتيح : منه.

(١٥) س ومفاتيح : يشتمل.

٥٤٦

والموافقة (١) للّغة ، فإنّ المتبادر من لفظ « التبيّن » عندهم ليس إلّا ما هو معناه حقيقة في اللغة ، فإذا قال رجل ـ مثلا ـ : تثبّت (٢) الحساب والدفتر ، فبان لفلان عليّ كذا ، فلا شكّ أنّ أهل العرف يفهمون منه حصول العلم والقطع للرجل بالدين ، وقد شهد (٣) بعضهم بل جملة منهم ـ ممّن (٤) خال ذهنه عن الشبهة ـ بذلك بعد عرض المثال عليه.

ومع ذلك تعليل وجوب التثبّت بخوف الوقوع في الندم أوضح شاهد على لزوم كون التثبّت قطعيا ؛ إذ مع ظنّيّته يخاف معه الوقوع في الندم قطعا ؛ إذ الخطأ غير مأمون على الظنون جدّا. ومثل هذا الكلام جار في خبر العدل أيضا ، ولهذا يتأمّل في دلالة الآية على حجّيّة أخبار الآحاد مطلقا ، وهو متين وإن أمكن الجواب عنه لكن بصعوبة كما لا يخفى.

ثمّ (٥) لو سلّم مخالفة العرف للّغة (٦) وفهمهم من (٧) التثبّت ما يعمّ العلمي والظنّي الحاصل من نحو الشهرة ، وأنّه مقدّم عليها حيث حصل معارضة بينهما كما هو الأقوى نقول : إنّ سياق الآية على هذا ظاهر في حجّيّة الشهرة (٨) بنفسها مطلقا ، كان معها رواية أم لا ؛ لظهورها في أنّ الاعتماد في الخبر حقيقة إنّما هو على المبيّن ؛ إذ ليس معنى « تبيّنوا » إلّا حصّلوا البيان والمبيّن ، ورخصة (٩) العمل بمضمونه بعده (١٠) ليست إلّا من حيث كونه هو الكاشف والمصدّق ، وصدق الحكم إنّما ينتهي (١١) إليه (١٢) ، فيكون (١٣) هو الحجّة على إثباته ، وهو مستلزم لحجّيّة الشهرة ؛ لحصول البيان الذي هو المناط في (١٤) العمل بالرواية

__________________

(١) مفاتيح : فالموافقة.

(٢) خ : تبيّن.

(٣) ق : استند.

(٤) ق ومفاتيح : فمن.

(٥) ق ، م : ـ ثمّ. ر ، س « و » بدل : « ثمّ » .

(٦) ر ، س ومفاتيح : اللغة.

(٧) خ : + أنّ.

(٨) نهاية ما سقط من ش.

(٩) خ : وخصّه.

(١٠) المثبت من خ. وفي سائر النسخ : بعد. وفي ر ، س : بعد إلّا.

(١١) ش : ينهض.

(١٢) المثبت من خ. وفي سائر النسخ : « بعد » بدل : « إليه » .

(١٣) ق : ليكون.

(١٤) المثبت من خ ومفاتيح. وفي سائر النسخ : من.

٥٤٧

فيها (١) مطلقا ولو مجرّدة عنها ؛ إذ الاعتبار القاطع شاهد على أنّ الرواية لا مدخليّة لها في وصف كون الشهرة مبيّنة ، ولا في رخصة العمل بها بعد حصول وصف البيان بها.

وذلك لأنّ الرواية الضعيفة بنفسها لا محصّل لها إلّا التردّد بين احتمالي الصدق والكذب فيها ، وإن ترجّح الأوّل رجحانا ضعيفا لا يكون معتبرا (٢) ، فهي بالإضافة إليهما متساوية النسبة فكما يحتمل صدقها و(٣) كذا يحتمل كذبها (٤) ، وهذان الاحتمالان يأتيان (٥) في كلّ مسألة يدور الأمر في الحكم الشرعي فيما (٦) بينهما ، فإذا جاءت الشهرة تشخّصت إحداهما (٧) بوصفها (٨) البياني (٩) الذاتي عن الآخر.

وبالجملة ، فحال الاحتمالين المتساويين في الرواية (١٠) الضعيفة ليس إلّا كحالهما في كلّ مسألة لم توجد (١١) رواية فيها أصلا ، فإذا صلحت الشهرة مبيّنة مشخّصة لأحدهما عن الآخر بنفسها بمقتضى الآية الشريفة ، صلحت لذلك مطلقا ، كان معها نحو رواية أم لا ، فلهذا اعترف بعض الأفاضل حرسه الله تعالى (١٢) بصعوبة الاستناد (١٣) إلى الآية في دفع الاعتراض المتقدّم إليه الإشارة ، مشيرا (١٤) في وجه الصعوبة إلى ما عرفته من ظهور الآية في أنّ العبرة إنّما هي بالتبيّن لا نفس الرواية (١٥) لكن (١٦) ليت شعري كيف غفل عن دلالة الآية على هذا على حجّيّة الشهرة بنفسها من غير مدخليّة رواية ، ومع ذلك فقد دفع (١٧) الاعتراض المتقدّم بما هو أعرف به ، وهو دعواه الإجماع على حجّيّة الرواية المنجبرة

__________________

(١) مفاتيح : ـ فيها. ق : فيه.

(٢) ش : معتبرة.

(٣) ر ومفاتيح : ـ و.

(٤) خ ، ش ، ق : عدمها.

(٥) ش ، ق : ـ يأتيان.

(٦) ش ، ر ، م ، س : فيها. ق : فيهما. مفاتيح : + فيها.

(٧) المثبت من ر. وفي سائر النسخ : أحدهما.

(٨) ق ، ر ، س ومفاتيح : لوصفها.

(٩) م ومفاتيح : البيان.

(١٠) المثبت من خ. وفي سائر النسخ : الأدلّة.

(١١) خ : لو توجد.

(١٢) ر ، ش ، س : ـ حرّسه الله تعالى.

(١٣) س : الإسناد

(١٤) مفاتيح : مستندا.

(١٥) المثبت من ر ومفاتيح. وفي ق ، م : ـ لا. وفي خ : في ؛ بدل : لا. وفي ش : ـ لا نفس الرواية.

(١٦) خ : لكنيّ.

(١٧) خ ، ش ، ق : وقع.

٥٤٨

بالشهرة ، ولم أعرف وجهها ولم أتحقّقه أصلا بعد شهرة الخلاف العظيم في حجّيّتها فقد أنكرها من محقّقي متأخّري (١) المتأخّرين جماعة ، ولا يمكن الاطّلاع فيها بالإجماع غالبا سيّما في أمثال زماننا ، ولكنّه غير مستحيل وإن بعد ؛ لكونه حدسيا ، (٢) فلعلّ العلم من جهته قد حصل (٣) له (٤) ولم يحصل للعبد (٥) .

[ المقصود الأهمّ من وضع الرسالة : ]

و(٦) اعلم أنّ أصل (٧) وضع الرسالة وإن كان لبيان حجّيّة الشهرة إلّا أنّ المقصود الأهمّ منها إنّما هو إثبات كلّيّة الكبرى المستفادة (٨) من الدليل الرابع بالتقريب الذي ذكرنا (٩) ، فإنّ منعها يترتّب عليه (١٠) مفاسد عظيمة و(١١) منها : عدم تمكّن المجتهد من (١٢) التمسّك بشيء (١٣) من الظنون المختلف فيها بل مطلقا حيث لم يقم دليل قاطع على حجّيّته ما عدا الدليل الرابع ، ورفع اليد عنها كلّيا (١٤) والاقتصار على القطعيّات والظنون المخصوصة (١٥) توجب ما ذكرنا من الخروج من (١٦) الدين ، فإنّ المستفاد منها ليس إلّا أحكاما قليلة ، ومع ذلك فهي غالبا (١٧) امور إجماليّة لا تتشخّص (١٨) إلّا بالظنون الاجتهاديّة ، مثلا الإجماع واقع على أنّ الركوع واجب ، أمّا أنّه إلى أيّ حدّ يجب ، وأيّ شيء يعتبر (١٩) ، هل هو مطلق الذكر أو التسبيح ؟ وعليه أيّ قدر يجب منه ؟ وغير ذلك فليس بمقطوع (٢٠) بل لا بدّ فيه من

__________________

(١) ش ومفاتيح : ـ متأخّري.

(٢) ر ، س : + بيان.

(٣) مفاتيح : جعل.

(٤) ش ، ق : ـ له.

(٥) مفاتيح : للغير.

(٦) ر ، س ومفاتيح : ـ و.

(٧) مفاتيح : ـ أصل.

(٨) خ ، ش ، س : المستفاد.

(٩) خ ، ش : ذكرناه.

(١٠) م : عليها.

(١١) ر ، م ، س ومفاتيح : ـ و.

(١٢) ر : عن.

(١٣) مفاتيح : ـ بشيء.

(١٤) مفاتيح : كلّها.

(١٥) المثبت من مفاتيح. وفي سائر النسخ : ـ المخصوصة.

(١٦) ر ، س ومفاتيح : عن.

(١٧) خ ، ش : هو ؛ بدل : فهي غالبا.

(١٨) مفاتيح : لا يتشخّص. ش ، ق : لا تشخّص. خ : ولا متشخّص.

(١٩) خ ، ش : معتبر.

(٢٠) مفاتيح : + به.

٥٤٩

الرجوع إلى أخبار الآحاد وغيرها ، ويحتاج كلّ منها إلى ظنون اجتهاديّة لا تكاد تحصى سندا ومتنا ودلالة وتعارضا ، ودعوى الإجماع على حجّيّة أمثال (١) هذه الظنون لا من حيث كونها ظنّا مع وقوع الخلاف في كثير من جزئياتها (٢) لم أر لها وجها بل يكاد يقطع بفسادها ، فإنّ مع الخلاف كيف يمكن دعوى الوفاق (٣) لعسر (٤) العلم به معه في أمثال هذه الأزمنة غالبا وإن كان ممكنا كما مضى (٥) .

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ وقوع الخلاف في بعض الجزئيات ليس لإنكار المخالف حجّيّة الظنّ المختلف فيه ، بل لمنعه حصول الظنّ من السبب الخاصّ الذي ندّعي (٦) إفادته الظنّ.

وفيه نظر ، فإنّا نرى كثيرا من الظنون المختلف فيها لا يمكن أن يختلف في كونها ظنونا ، مثل تزكية العدل الواحد في اعتبار العدالة ؛ إذ لا ريب في إفادتها الظنّ بها ، ومع ذلك نرى الخلاف في حجّيّتها ، والمنكر لها لا يعتذر إلّا بأنّ مقتضى اشتراط العدالة اعتبار حصول العلم بها (٧) أو ما يقوم مقامه شرعا ومثل ذلك كثير جدّا. وحينئذ (٨) فكيف يمكن دعوى الإجماع على حجّيّة الظنون المتعلّقة بأخبار الآحاد وغيرها من الأدلّة الشرعيّة مطلقا ؟ ! مع أنّ كثيرا من أخبار (٩) الآحاد وغيرها لا تصير (١٠) أدلّة إلّا بعد (١١) مراعاة تلك الظنون المختلف فيها.

ولو سلّم الإجماع على حجّيّة الظنون المتعلّقة بالأدلّة من حيث كونها ظنونا متعلّقة بها فإنّما غايته إثبات حجّيّة الظنّ المتعلّق بما علم أو ثبت (١٢) كونه دليلا وأمّا الظنّ الذي يصير به (١٣) الشيء دليلا ، فلم يستفد منه حجّيّته إلّا أن يدّعى الإجماع على مثل هذا أيضا بدعوى

__________________

(١) مفاتيح : ـ أمثال. خ : مثل.

(٢) خ ، ش : جزئياته.

(٣) خ بهامش مفاتيح : الإجماع.

(٤) مفاتيح : لعدم. خ : لغير. ش : بغير.

(٥) ر ، س ومفاتيح : ـ كما مضى.

(٦) ر ، م ، ق ، س ومفاتيح : يدّعى.

(٧) خ ، ش : ـ بها.

(٨) مفاتيح : ـ وحينئذ.

(٩) ر ، م : الأخبار.

(١٠) ر ، س : لا تعتبر. خ : لا يعتبر.

(١١) خ ، ش : لعدم.

(١٢) خ : يثبت.

(١٣) خ ، ش : فيه.

٥٥٠

الاستقراء وتتبّع موارد كلماتهم ، وهو تعسّف ظاهر.

ولا فرق بينها (١) وبين أن يدّعي مدع (٢) الإجماع على حجّيّة ظنّ المجتهد مطلقا بأن يقول : إنّ تتبّع موارد استدلالاتهم في الأحكام الشرعيّة بالظنون الاجتهاديّة يحصّل القطع بأنّ اعتمادهم على الظنون وركونهم إليها ليس إلّا من حيث كون ظنّ المجتهد حجّة عندهم مطلقا من حيث كونه (٣) ظنّا من دون أن يكون لخصوصيّة مورد دون آخر مدخليّة فيه أصلا ، ولذا لو تعارضت ظنونهم يأخذون منها بما هو أقوى ، ولا يعكفون (٤) منها على ما انعقد الإجماع عليه وكان مقطوعا ، فتأمّل جدّا.

[ كلام الوحيد البهبهاني في إثبات كلّية الكبرى : ]

وللخال (٥) العلّامة (٦) في إثبات هذه الكلّيّة كلام لا بأس بذكره وختم الرسالة به (٧) قال :

واحتجّ صاحب المعالم (٨) وغيره على حجّيّة أخبار الآحاد بأنّ (٩) باب العلم (١٠) في غير الضروريّات منسدّ ، والطريق منحصر في الظنّ ، فلا بدّ من كونه حجّة ، إلى آخر ما ذكره (١١) ، وحاصله أنّ الإجماع واقع على مشاركتنا مع الحاضرين في الأحكام الشرعيّة بل بقاء الشرع الأنور إلى يوم المحشر (١٢) ، وكوننا متشرّعين (١٣) به ومن امّته صلى‌الله‌عليه‌وآله من (١٤) بديهيات الدين وما (١٥) أجمع عليه المسلمون وظهر من الأخبار المتواترة ، وسدّ باب (١٦)

__________________

(١) ق ، م : بينهما.

(٢) خ ، ش : صدق.

(٣) خ ، ش : كونها.

(٤) ر ، س ومفاتيح : ولا يكتفون.

(٥) خ : لخالي.

(٦) خ : + رحمه‌الله.

(٧) ر : ـ به ، وفي ر ، س ومفاتيح : + فنقول.

(٨) المعالم ، ص ١٩٢. وتقدّم نصّ عبارته في أوائل الرسالة.

(٩) المثبت من « خ » وفي سائر النسخ : من أنّ.

(١٠) ر ، ق ، م ، س ومفاتيح : القطع.

(١١) مفاتيح : ذكرناه.

(١٢) ر ، ق ، م ، س ومفاتيح : القيامة.

(١٣) خ ، ش : متشرّعة.

(١٤) المثبت من « خ » ومفاتيح. وفي سائر النسخ : « ومن » وهو غلط.

(١٥) خ : ممّا.

(١٦) خ ، ش : + العلم و.

٥٥١

اليقين بتفاصيل تلك (١) الأحكام قطعي (٢) وجداني ؛ لأنّ المعلوم بالضرورة أو الإجماع ليس إلّا أمرا إجماليا قدر مشترك بين خصوصيات لا بدّ من اعتبارها حتّى ينفع (٣) ذلك الإجمالي ويتعيّن ذلك (٤) المشترك بصيرورته حكم الشرع بالنسبة إلى أفعالنا. انتهى كلامه سلّمه الله (٥).

وفيه تأييد لما ذكرنا وتقوية لما سطرنا وإن كان في مواضع (٦) ممّا (٧) ذكره اشتباهات ليس (٨) محلّ نشرها (٩) هذا آخر ما انتهى إليه (١٠) .

__________________

(١) خ ، ش : ـ تلك.

(٢) س : القطعية

(٣) خ ، ش ، ق : تنفع.

(٤) ر ، س : بذلك

(٥) المثبت من « ق » وفي خ ، ش : ـ سلّمه الله. وفي ر ، س م ومفاتيح : رحمه‌الله.

(٦) مفاتيح : موضع ، خ : ـ مواضع.

(٧) خ ، ش : ما.

(٨) ر ، س : + بهذه.

(٩) ش : لنشرها. مفاتيح : نشيرها.

(١٠) خ ، ش ، س : ـ هذا ... انتهى إليه.

نهاية نسخة خ : « تمّت الرسالة والصلاة على خاتم الرسالة ، والحمد لله على إتمامه ، وصلّى الله على محمّد وآله ، وقد وقع الإتمام في يوم الأربعاء الثالث والعشر من شهر الشعبان المنتظم في شهور سنة أربع وأربعين ومائتين بعد الألف من الهجرة النبويّة المصطفويّة على هاجرها ألف ألف صلاة وتحيّة بيد العبد الفقير إلى الله الغنيّ محمّد رضا بن عليّ الكوكدي بلغ الله تعالى من النقصان إلى الكمال بحقّ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله خير آل ، واغفرهما وتجاوز عن سيّئاتهما واستر عيوبهما واجعلهما من أهل الجنّة واحرم شيبتهما من النار. تمّ.

الخط یبقی زماناً بعد صاحبه

و صاحب الخط تحت الارض مدفون

وافعل به ما أنت أهله ولا تفعل به ما هو أهله ، إنّك جواد كريم ذو الفضل العظيم بمحمّد وآله » .

نهاية نسخة ق : « تمّت الرسالة من تحقيقات المحقّق العلّامة آقا سيّد عليّ أدام الله ظلاله على رءوسنا معشر الشيعة بحقّ محمّد وآله خير البريّة صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » .

نهاية نسخه ش : « تمّت الرسالة في شهر شعبان المعظّم في يوم الجمعة سنة ١٢٣٣ » .

نهاية نسخه م : « تمّت الرسالة سنة ١٢٣٣ » .

نهاية نسخه ر : « حرّرته للأخ العزيز دام عمره » .

٥٥٢

٧

التسامح في أدلّة السنن

محمّد باقر بن محمّد جعفر البهاري الهمداني

( م ١٣٣٣ ه‍ )

تحقيق

حميد الأحمدي الجلفائي

٥٥٣
٥٥٤

مقدّمة التحقيق

لقد وقع البحث بين الفقهاء والاصوليّين من الأصحاب والعامّة حول قاعدة « التسامح في أدلّة السنن والمكروهات » منذ زمان الصدوقين ـ رحمهما‌الله ـ تقريبا ؛ (١) ولا زال يدور إلى يومنا هذا ، وهي من أهمّ القواعد الاصوليّة على رأي الأكثر من الباحثين ، ومنهم المحقّق الأعظم استاد المجتهدين الشيخ مرتضى الأنصاري رحمه‌الله وغالب من تبعه بعده ، (٢) أو من القواعد الفقهيّة كما هو الظاهر من عمل بعض المحقّقين أو صرّح به البعض الأندر. (٣)

وأمّا أصل هذه القاعدة فمقبول عند الجمهور من الفريقين إلّا من شذّ وندر ، كالظاهر من عمل الصدوقين ـ رحمهما‌الله ـ والمحقّق البحراني وغيرهما ، (٤) أو صريح قول السيّد الخوانساري في مواضع من كتابه جامع المدارك ، (٥) أو السيّد محسن الحكيم من المعاصرين ، حيث قال في مستمسك العروة : « وأمّا قاعدة التسامح في أدلّة السنن فغير ثابتة ، بل الظاهر من أخبارها أن ترتّب الثواب على مجرّد الانقياد ، فلا طريق

__________________

(١) انظر : الفصول الغرويّة ، ص ٣٠٥.

(٢) انظر : رسائل فقهيّة للشيخ الأنصاري ، ص ١٤٩.

(٣) راجع على سبيل المثال : الحدائق الناضرة ، ج ١٠ ، ص ٥٣٥ ؛ عوائد الأيّام للمحقّق النراقي ، ص ٧٩١ ؛ فوائد الاصول للمحقّق الكاظمي ، ص ٤١٥ ؛ القواعد الفقهيّة للسيّد البجنوردي ، ج ٣ ، ص ٣٢٥ ؛ .

(٤) انظر : الحدائق الناضرة ، ج ١٠ ، ص ٥٣٥ ؛ مشارق الشموس للمحقّق الخوانساري ، ص ٣٤ ؛ الفصول الغرويّة ، ص ٣٠٥.

(٥) انظر : جامع المدارك ، ج ١ ، ص ٢٠٦ وص ٥٠٧ ؛ وج ٢ ، ص ٢٠٦ و٢٢٨ و٢٢٩ ؛ وج ٥ ، ص ١٩٠.

٥٥٥

لإثبات المشروعيّة ... » . (١)

هذا ، وقد نسبها بعض الأعاظم والمشاهير من الأصحاب إلى المشهور أو الجمهور ، ونحن نكتفي في هذا المقام بنقل كلام الشيخ الأنصاري رحمه‌الله في طليعة رسالته في هذا المضمار ، حيث كتب :

المشهور بين أصحابنا والعامّة التسامح في أدلّة السنن ، بمعنى عدم اعتبار ما ذكروه من الشروط للعمل بأخبار الآحاد من الإسلام والعدالة والضبط في الروايات الدالّة على السنن فعلا أو تركا.

ثمّ قال في نقل كلمات الأعلام حول الموضوع هكذا :

وعن الذكرى : أنّ أخبار الفضائل يتسامح فيها عند أهل العلم. (٢)

وفي عدّة الداعي بعد نقل الروايات الآتية : فصار هذا المعنى مجمعا عليه بين الفريقين. (٣)

وعن الأربعين لشيخنا البهائي رحمه‌الله نسبته إلى فقهائنا. (٤)

وعن الوسائل نسبته إلى الأصحاب مصرّحا بشمول المسألة لأدلّة المكروهات أيضا. (٥)

وعن بعض الأجلّة نسبته إلى العلماء المحقّقين ، (٦) خلافا للمحكيّ عن موضعين من المنتهى ، (٧) وصاحب المدارك في أوائل كتابه ، قال بعد ذكر جملة من الوضوءات المستحبّة وذكر ضعف مستندها ما لفظه : « وما يقال من أنّ أدلّة السنن يتسامح فيها بما لا يتسامح في غيرها منظور فيه ؛ لأنّ الاستحباب حكم شرعي يتوقّف على دليل شرعي » ، (٨) انتهى.

__________________

(١) مستمسك العروة ، ج ٧ ، ص ١٧١.

(٢) الذكرى ، ص ٦٨ ، باب في التلقين على الميّت.

(٣) عدّة الداعي ، المقدّمة ، ص ١٣.

(٤) الأربعين ، ذيل الحديث ٣١ ، ص ١٩٥.

(٥) راجع : مفاتيح الاصول ، للسيّد المجاهد ، ص ٣٤٦.

(٦) راجع : مفاتيح الاصول ، للسيّد المجاهد ، ص ٣٧٦.

(٧) حكاه السيّد المجاهد رحمه‌الله في مفاتيح الاصول ، ص ٣٤٦.

(٨) مدارك الأحكام ، ج ١ ، ص ١٣.

٥٥٦

وحاصل هذا يرجع إلى التمسّك بأصالة العدم إلى أن يثبت الدليل المعتبر شرعا ، ويؤكّدها ما دلّ على حرمة العمل بما وراء العلم. (١)

وقد صنّفت في هذا المجال رسالات مستقلّة مختصّة بالموضوع ـ مضافا إلى ما ورد في ضمن الكتب الاصوليّة أو الفقهيّة المفصّلة (٢) ـ وذكر المحقّق الطهراني رحمه‌الله ثلاث عشرة منها في كتابه الذريعة إلى تصانيف الشيعة وهي :

١. التسامح في أدلّة السنن ؛ للشيخ سليمان بن عبد الله بن الحسن بن أحمد بن يوسف ابن عمّار البحراني الماحوزي ( ت ١١٢١ ق ) . (٣)

٢. التسامح في أدلّة السنن ؛ للمحقّق القمّي ميرزا أبي القاسم بن المولى حسن الشفتي الجيلاني القمّي ، صاحب كتاب القوانين في الاصول. ( ت ١٢٣١ ق ) . (٤)

٣. إثبات التسامح ( رسالة في التسامح في أدلّة السنن ) ؛ للشيخ مرتضى بن الموسى محمّد أمين الأنصاري ( ت ١٢٨١ ق ) ، طبع مكرّرا. (٥)

٤. التسامح في أدلّة السنن ؛ للمولى محمّد حسن بن محمّد باقر القره باغي ، تلميذ العلّامة الشيخ الأنصاري ، فرغ عنه سنة ١٢٦٠ ق ، وتوجد نسخة منه في مكتبة المرعشي بقمّ. (٦)

٥. التسامح في أدلّة السنن ؛ للسيّد الحاجّ ميرزا أبي طالب بن الحاجّ ميرزا أبي القاسم

__________________

(١) رسائل فقهيّة ، ص ١٣٨ و١٣٩.

(٢) انظر على سبيل المثال : الفصول الغرويّة ، ص ٣٠٥ ؛ فرائد الاصول ، ج ٢ ، ص ١٥٣ وص ٣٨٤ ؛ نهاية الدراية في شرح الكفاية ، ص ٥٤٢ ؛ فوائد الاصول للمحقّق الكاظمي ، ص ٤٠٨ ؛ منتهى الاصول للبجنوردي ، ص ٢١١ ؛ حاشية السيّد البروجردي على الكفاية ، ص ٦٠٢ ؛ دروس في علم الأصول للسيّد الصدر ، ص ٢٦١ ؛ تهذيب الاصول للسيّد الخميني ، ص ٢٩٧ ؛ مصباح الاصول للسيّد الخوئي ، ص ٣١٩ ؛ زبدة الاصول للسيّد الروحاني ، ص ٢٧٦ ؛ وغيرها.

(٣) الذريعة ، ج ٤ ، ص ١٧٤ ، الرقم ٨٦٠.

(٤) الذريعة ، ج ٤ ، ص ١٧٣ ، الرقم ٨٥٦.

(٥) الذريعة ، ج ١ ، ص ٨٧ ، الرقم ٤١٣ ؛ وج ٤ ، ص ١٧٤ ، الرقم ٨٦٢.

(٦) الذريعة ، ج ٤ ، ص ١٧٣ ، الرقم ٨٥٨.

٥٥٧

الموسوي الزنجاني ( ت ١٣٢٩ ق ) . قال المحقّق الطهراني رحمه‌الله : « ذكر في آخر إيضاح السبل له المطبوع سنة ١٣٠٨ ق. (١)

٦. التسامح في أدلّة السنن ؛ للحاجّ ميرزا أبي القاسم بن الحاجّ ميرزا زين العابدين الأصفهاني الطهراني ( ت ١٣٣٧ ق ) ، كان إمام الجمعة بطهران ، وطبع هذا الأثر في ضمن مجموعة من تصانيفه في سنة ١٣٢٣ ق. (٢)

٧. التسامح في أدلّة السنن ؛ للشيخ محمّد رفيع بن عبد الحميد بن محمّد رفيع بن أحمد بن صيفي الكزازي النجفي ، تلميذ العلّامة الحاجّ ميرزا حبيب الله الرشتي وكان معتمده وتوفّي قبله. (٣)

٨. التسامح في أدلّة السنن ؛ للشيخ محمود اللواساني الطهراني ، من تلاميذ الشيخ الأنصاري ، توجد نسخة خطّ المؤلّف في مكتبة الحاجّ علي محمّد النجف آبادي في النجف الأشرف. (٤)

٩. التسامح في أدلّة السنن ؛ للشيخ نصر الله المازندراني ، من تلاميذ الشيخ لطف الله الأسكي اللاريجاني في النجف الأشرف. قال المحقّق الطهراني رحمه‌الله : « رأيت نسخة خطّ يده في كتب المرحوم السيّد محمّد اللواساني في النجف الأشرف » . (٥)

١٠. حديث الحسن في التسامح في أدلّة السنن ؛ للسيّد محمّد حسين بن السيّد بنده حسين بن السيّد محمّد بن السيّد دلدار علي النقوي اللكهنوي ( ت ١٣٢٥ ق ) ، وهو باللغة الاردوية ، مطبوع بالهند. (٦)

١١. الخلسة من الزمن في معنى التسامح في أدلّة السنن ؛ للشيخ عليّ بن الحاجّ حسن الخنيزي القطيفي ، من تلاميذ الشيخ الخراساني صاحب الكفاية. (٧)

__________________

(١) الذريعة ، ج ٤ ، ص ١٧٣ ، الرقم ٨٥٥.

(٢) الذريعة ، ج ٤ ، ص ١٧٣ ، الرقم ٨٥٧.

(٣) الذريعة ، ج ٤ ، ص ١٧٣ ، الرقم ٨٥٩.

(٤) الذريعة ، ج ٤ ، ص ١٧٤ ، الرقم ٨٦١.

(٥) الذريعة ، ج ٤ ، ص ١٧٤ ، الرقم ٨٦٣.

(٦) الذريعة ، ج ٦ ، ص ٣٧٦ ، الرقم ٢٣٦٥.

(٧) الذريعة ، ج ٧ ، ص ٢٤٠ ، الرقم ١١٦٦.

٥٥٨

١٢. رسالة في التسامح في أدلّة السنن ؛ للشيخ محمّد بن محمّد صادق ، وهي ملحقة بآخر مجلّد القضاء من كتابه معتمد الأنام في شرح شرائع الإسلام. (١)

١٣. رسالة في التسامح في أدلّة السنن ( الرسالة الحاضرة ) ؛ للعلّامة الحاجّ الشيخ محمّد باقر بن الحاجّ محمّد جعفر البهاري الهمداني ( ت ١٣٣٣ ق ) ، وستأتي ترجمة المؤلّف وتوضيح رسالته إن شاء الله تعالى.

الرسالة التي بين يديك

وهذه رسالة وزينة ثمينة حول قاعدة التسامح في أدلّة السنن ، للمحقّق الفاضل والعلّامة الكامل ، آية الله الشيخ الحاجّ محمّد باقر بن محمّد جعفر البهاري الهمداني ( ت ١٣٣٣ ق ) ، الذي سيأتي ذكر حاله وترجمته إن شاء الله.

ومن الإنصاف أنّه قد أجاد البحث في الموضوع كما في سائر آثاره التي سيأتي ذكرها ، وليس من المبالغة إن قلنا بأنّ رسالته أجود الرسالات وأدقّها وأكملها وجوها في هذا المجال بعد ما ألّفه الشيخ الأعظم الأنصاري ـ رحمهما‌الله ـ بل يمكن القول بالمساواة بينهما.

وقد بحث فيها في مجالات شتّى من حيث هل هي مسألة اصوليّة أم فقهيّة ؟ وفي بيان مفهوم القاعدة وحدودها ووجوه القول بها أو الشبهات والإيرادات حولها بوجه أحسن كما سترون إن شاء الله تعالى.

وفي الحقيقة إنّ هذه الامتيازات ـ التي ذكرناها ـ وغيرها كانت الباعثة لتحقيق آثاره الفقهيّة والاصوليّة ، رغم الصعوبة التي واجهناها ، حيث لم تتوفّر النسخ التي تساعد إحياءها سوى نسخة واحدة في أغلب الآثار ، وكانت بخطّه الشريف مع أنّها لم تكن واضحة ، وهي غير مقروءة جدّا.

__________________

(١) الذريعة ، ج ١١ ، ص ١٤٦ ، الرقم ٩١٦.

٥٥٩

وأمّا نسخة هذه الرسالة فهي موجودة في مكتبة المرعشي رحمه‌الله بقمّ ، وهي الرسالة الاولى من مجموعة ١٢٣١٢. ( الفهرست ، ج ٣١ ، ص ١٨٤ ) .

نبذة في ترجمة المؤلّف

هو آية الله الشيخ الحاجّ محمّد باقر ـ وقد يعبّر عنه بمحمّد ، أو الباقر مفردا ـ بن الحاجّ ملّا محمّد جعفر بن محمّد الكافي بن محمّد يوسف البهاري الهمداني. (١)

ولد في قرية بهار من قرى مدينة همدان ، في اسرة العلم والدين ، وفي تاريخ ولادته خلاف : المعروف في التراجم والفهارس أنّه ولد في اليوم الآخر من شهر ذي الحجّة من شهور سنة ١٢٧٧ ق. (٢) ونقل عن ابن المصنّف ، الشيخ محمّد حسين البهاري ـ المشهور بحجّة الإسلامي ـ أنّه ولد في الثلاثين من شهر ذي الحجّة ، سنة ١٢٧٥ ق. (٣) والمنقول عن البعض أنّه ولد في سنة ١٢٦٥ ق. (٤)

وقد احتمل بعض المحقّقين أنّ منشأ هذا الاختلاف معلول الخلط بين هذا المصنّف وشخص آخر معاصر له ومتّحد اسمه واسم أبيه معه ومع أبيه ، وهو من الشيخيّة ، يسمّى بالشيخ ميرزا باقر بن محمّد جعفر الجندقي الهمداني الشيخي ، (٥) حتّى

__________________

(١) انظر : الذريعة ، ج ١ ، ص ٧٩ ، الرقم ٣٧٩ ؛ ج ١٥ ، ص ٣٣٢ و... ؛ نقباء البشر ، ج ١ ، ص ٢٠١ ؛ مصفّى المقال ، ص ٨٧ و٨٨ ؛ أعيان الشيعة ، ج ٣ ، ص ٥٣٧ ؛ طبقات أعلام الشيعة ، ج ١ ، ص ٢٠١ ـ ٢٠٣ ؛ الفوائد الرضويّة ، ص ٤١٨ ؛ الأعلام ، ج ٢ ، ص ٤٢ ؛ معجم المؤلّفين ، ج ٣ ، ص ٣٦ ؛ مستدركات علم رجال الحديث للشيخ النمازي ، ص ١٨٢ ؛ معارف الرجال ، ج ١ ، ص ١٤٤.

(٢) انظر : أعيان الشيعة ، ج ٣ ، ص ٥٣٧ ؛ الفوائد الرضويّة ، ص ٤١٨.

(٣) انظر : مجلّة ميراث الشهاب ، العدد الثاني من السنة الرابعة ، ص ٦٧.

(٤) انظر : مكارم الآثار ، ج ٦ ، ص ٢١٦٥.

(٥) انظر من آثاره : البشارات ، التوحيد ، شرح زيارة الحسين عليه‌السلام ، عصمة الملائكة ، مبدأ اشتقاق موجودات ، مجالس ماه رمضان ، ميزان ، وغيرها في مكتبة المرعشي رحمه‌الله بقمّ. ( الفهرست ، ج ١٦ ، ص ١٠٨ و١٠٩ ؛ ج ١٤ ، ص ٣٤٢ ؛ ج ٧ ، ص ٧٩ ؛ ج ١٢ ، ص ٣٤ ؛ و... ) .

٥٦٠