الدّارس في التاريخ المدارس - ج ١

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي

الدّارس في التاريخ المدارس - ج ١

المؤلف:

عبد القادر بن محمّد النعيمي الدمشقي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٣

وعظمه وولّاه نظر الجامع وغيره ، ولم تكن سيرته إذ ذاك بمحمودة ، ثم إنه في سنة ثلاث عشرة جيء به من مدينة حلب المحروسة في الترسيم إلى الملك الناصر إلى دمشق ، فأهانهما وحبسهما في القلعة بسبب صحبتهما للملك المؤيد شيخ ، وصودر شمس الدين وباع ثيابه وسأل الناس بالأطرق وعاد هو وأخوه إلى مصر ، فلما تسلطن الملك المؤيد شيخ قربهما على العادة ، فلما خرج السلطان من مصر أول سنة سبع عشرة إلى دمشق إلى قتال نوروز وخرج معه فولاه قضاء الحنفية بدمشق ، فجاء وباشر مباشرة لا بأس بها بالنسبة إلى العفة عن أموال الناس ، وكان قد فوّض الحكم إلى نوابه ، وهو قليل جدا ، لا يدخل إلى مدرسة الحكم أبدا ، وإنما نوابه يسدون مسده ، وله وجاهة وجربه ، وولي بعض التداريس في القصاعين وغيرها ، وجلس مدة يسيرة في الجامع يشتغل ، ولما دخل فتنة قاتباي دخل إلى القلعة ودبر أمرها ، وكانت غالب الأمور إليه ، فلما وقع الحريق من القلعة أنكر الناس ذلك منه ، وقيل إن ذلك برأيه وإن لم يكن برأيه فلو شاء لأنكره ، ولكن بلغني أنه حلف أن ذلك لم يكن برأيه ولا بعلمه ، وكان في ظنه وظن الناس أنه قد نال بما فعل عند السلطان مرتبة لا يصل إليها ، فلم يظهر من السلطان احتفال بما فعلوه ، بل ربما ذم على ما وقع من الحريق ، ولما توجه السلطان إلى حلب المحروسة في أول شهر رمضان ، توجه إليه السلطان فأراد السلطان أن يرسله إلى ابن قرمان في رسالته ، فسأله الإقالة من ذلك ، فغضب السلطان عليه وأمره بالرجوع إلى دمشق ، فرجع ومرض في الطريق ، قيل إنه أطعم في حماة لوزينجا مسموما ، ووصل إلى دمشق مريضا يوم السبت عشرينه ، وتوفي عند الصبح يوم الاثنين تاسع عشريه جوار مدرسة بلبان ، وحضر جنازته خلق من الفقهاء والترك وغيرهم ، وصلي عليه بمسجد القصب وأم الناس الشيخ محمد بن قديدار ، ثم صلي عليه ثانيا بجامع يلبغا ، وحضر الصلاة هناك ملك الأمراء ، ثم صلي عليه ثالثا بباب الجابية ، ودفن بمقبرة باب الصغير على يسار الذاهب إلى مسجد الذيان مقابل تربة الجيبغاي على حافة الطريق ، وتوفي رحمه‌الله تعالى في العشر الأخير ظنا ، وترك عليه ديونا كثيرة ، وتركة يسيرة لا

٤٨١

تفي بما عليه ، وكان لباسه ولفته تشبه أهل الدواوين لا القضاة انتهى.

ثم قال في شوال منها : وفي يوم الاثنين سابعه لبس القاضي شهاب الدين بن العز الحنفي المعروف بابن الكشك خلعة نظر الجيش بدمشق عوضا عن صدر الدين بن العجمي (١). إلى أن قال : ثم بعد أيام ورد له مرسوم بأن يباشر القضاء عن ابن التباني ، وجمع بينه وبين نظر الجيش كما فعل القاضي جمال الدين العجمي (٢) بمصر أيام الملك الظاهر برقوق ، وأما بدمشق فلم يتفق ذلك انتهى. ثم قال في ذي القعدة منها : وفي يوم الخميس ثانيه وصل إلى دمشق ـ يعني من السلطان وهو بحلب ـ توقيع القاضي شهاب الدين بن العز بوظيفة قضاء الحنفية عوضا عمن تقدم بدمشق ، وخلع عليه وقرىء التوقيع بالجامع وهو مؤرخ بخامس عشرين شوال انتهى. وقال في جمادى الأولى أو الآخرة سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة : وفي يوم الاثنين خامس عشره آخر النهار وصل الخبر بعزل القاضي الحنفي هو ابن العز المذكور بالقاضي شمس الدين الصفدي قاضي طرابلس بعد ما كتب خطه بألفي دينار ، وبعزل السيد ابن نقيب الأشراف من نظر الجيش بالقاضي جمال الدين بن الصفي (٣) ، وقيل إنه خلع عليه بذلك يوم الخميس رابع الشهر انتهى. وكان ابن العز المذكور المعروف بابن الكشك قد زوج ولده بنت السيد المذكور واتفقا على القاضي نجم الدين بن حجي ، وحصل لهما بسببه شر كثير ، وغرما مالا كثيرا نحو عشرين ألف دينار على ما بلغنا مع كثرة الطنون فيهما لما قيل ، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. ثم قال في شهر رجب منها : وفي سحر ليلة الثلاثاء سابعه وصل قاضي القضاة شمس الدين الصفدي على غفلة من طرابلس ، وجاء إلى دار السعادة فسلم على النائب ثم ذهب ومعه الدوادار الكبير وكاتب السر والحاجب الثاني وجماعة من الأمراء إلى منزله ، ونزل عن أخيه بمرج الدحداح وقد استقرّ ولده شهاب الدين أحمد ، وهو شاب صغير السن في قضاء طرابلس ، وأخبر بأن له في طرابلس ثلاثين سنة إلا شهرا

__________________

(١) شذرات الذهب ٧ : ٢٠٢.

(٢) شذرات الذهب ٦ : ٣٦٢.

(٣) شذرات الذهب ٧ : ٢٩٠.

٤٨٢

وأياما ، وكان مشكور السيرة بها ، مشهور الاسم ، مقصودا للطلبة ، وفي يوم الخميس تاسعه لبس في الاصطبل ومعه القاضي المالكي وكاتب السر والحجاب الصغار ودوادار السلطان وجاء إلى الجامع وقرىء تقليده ، قرأه عماد الدين بن السرميني نائب كاتب السر وليس فيه شيء من الوظائف بل فيه ويستقرّ في الوظائف التي تتعلق بالقضاء ، وتاريخ توقيعه مستهل الشهر ، واستناب السيد ركن الدين (١) فقط ، ويومئذ وصل الخبر أن كاتب السر بدر الدين بن مزهر توفي ، وكان ولده جلال الدين استقر في كتابة سر مصر عوضا عن والده بمائة ألف دينار ، وهو صبي صغير عمره نحو خمس عشرة سنة انتهى. ثم قال في ذي القعدة منها : وفي ثامنه عقد مجلس للقاضيين الحنفيين المتصل والمنفصل بسبب حاجب الحجاب ، وسبب ذلك أن السلطان كان قد رسم أن تكون الوظائف كلها وظائف القضاء وغيرها بينهما نصفين : نصف للقاضي المتصل ، ونصف للمنفصل وولده ، فسعى القاضي في إحضار مرسوم بأن ينظر في مستندات القاضي شهاب الدين بن العز ويحرر ، وأنه ما منع من تحريرها في مصر إلا أنه لا يمكن ذلك هناك ، فيعمل بينهما بالحق مع غير حيف أو ميل من إحدى الجهتين على الأخرى ، وإن وقع حيف أو ميل من أحد من القضاة فتحمل القضاة الثلاثة إلى مصر ، وأن الأمير محمد بن منجك يحضر الصلح ، فحضر عند الحاجب القضاة ونوابهم وجماعة من العلماء ، ووقع كلام وانتشر ، ثم اصطلحوا على أن القاضي شهاب الدين بن العز ينزل للقاضي شمس الدين الصفدي عن تدريس القصاعين ونظرها وتدريس الصادرية ونظرها ، ففعل ذلك واستقر باسم ابن القاضي تدريس الخاتونيتين والمرشدية ونظرها وخطابة جامع دنكز وبيده والده نظر الجمالية ونظر الحافظية ونصف نظر الماردانية ، وانفصل الأمر انتهى.

ثم قال في شهر رمضان سنة أربع وثلاثين وثمانمائة : وفي يوم الأربعاء حادي عشره وصل الخبر إلى دمشق بعزل القاضي شمس الدين الصفدي الحنفي ، ورسم بعوده إلى قضاء طرابلس عوضا عن ولده ، ولبس قاضي القضاة شهاب الدين بن

__________________

(١) شذرات الذهب ٧ : ٢٣١.

٤٨٣

العز يوم الأحد رابع عشره ، وقرىء توقيعه بالجامع ، وفي التوقيع يستقر هو وولده فيما كان بيدهما من الوظائف ، ومن جملتها الخاتونية والصادرية ، وكان القاضي شمس الدين الصفدي قد أخذهما بنزول ابن قاضي القضاة له في ذلك المجلس الذي عقده ببيت الحاجب في ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين ، واستمرّ بنيابة السيد ركن الدين ، واستناب بقية نوبه انتهى.

ثم قال في المحرم سنة سبع وثلاثين وثمانمائة : وفي يوم الجمعة خامس عشره استناب نواب القاضي الحنفي من المدرسة النورية إلى دار الحديث النورية ، وكان القاضي شمس الدين الصفدي لما عرض عليه القاضي شهاب الدين الحنفي النورية والصادرية اعتلّ الصفدي بأن نواب القاضي والشهود والرسل (كذا) بالنورية فكيف ندخل إليها ، فقال له القاضي الحنفي : أنا أنتقل منها. ثم إن القاضي الصفدي لحق السلطان وأخذ منه مرسوما بالوظيفتين ، كتب معه القاضي زين الدين عبد الباسط إلى الحنفي أن يفي له بما شرطه ، فلم يسعه إلا الانتقال منها ، وحصل له بذلك ذلّ انتهى.

وقال في شهر ربيع الأول منها : وممن توفي فيه قاضي القضاة شهاب الدين أبو العباس أحمد ابن قاضي القضاة محيي الدين محمود ابن قاضي القضاة نجم الدين أحمد ابن قاضي القضاة عماد الدين إسماعيل ابن الشيخ شرف الدين أبي البركات محمد بن عز الدين أبي العز الأذرعي الأصل الدمشقي الحنفي المعروف بابن العز وبابن الكشك ، مولده على ما أخبرني به ليلة الجمعة سابع عشر شهر رمضان سنة ثمانين ، واشتغل بالعلم يسيرا ، ودرّس بالمدرسة الظاهرية ، وناب عن والده وهو شاب ، فأنكر الناس ذلك ، ولما جاء التتار ورحل والده معهم كان هو أيضا معه في ذلك ، وأخذهما تمرلنك إلى مدينة تبريز ، ثم رجعا ، ولما مات والده في ذي الحجة سنة ست وثمانمائة أخذ جهاته ، وناب في القضاء ، وظهر للناس جرأته وإقدامه ثم ولي قضاء القضاة في صفر سنة اثنتي عشرة ، ثم عزل بعد نحو شهرين ثم أعيد ثانيا في شهر رمضان سنة ثلاث عشرة ، وعزل في آخر سنة أربع عشرة بابن القضامي الحموي ، ثم أعيد المذكور قبل مباشرة ابن

٤٨٤

القضامي ، وكان قبل ذلك بأسبوع قدم من مصر على قضاء الحنفية رجل إسكندري يقال له ابن عطاء الله ، فأعقبه وصول توقيع ابن العز قبل أن يباشر ، ففي مدة عشرة أيام كان بدمشق ثلاثة قضاة حنفية وعزلوا ، وولي القاضي شهاب الدين فيها مرتين ، وهذا من عجيب الاتفاقات ، ثم عزل في أواخر سنة عشرة عند إرادة الملك المؤيد الخروج من مصر لقتال نوروز ، ثم ولي نظر الجيش في شوال سنة ثمان عشرة وثمانمائة ، ثم أعيد في الشهر المذكور إلى القضاء وجمع له بين الوظيفتين ، ثم عزل بعد مباشرته نظر الجيش ست سنين وأربعة أشهر في صفر سنة خمس وعشرين ، واستمر في القضاء إلى أن عزل في جمادى الآخرة سنة اثنتين وثلاثين ، بعد مباشرته في هذه المرة ثلاث عشرة سنة وثمانية أشهر ، ثم أعيد إلى القضاء وهي الولاية السادسة في شعبان سنة أربع وثلاثين ، واستمر يباشر إلى حين وفاته ، ومباشرته في ولاياته الست نحو تسع عشرة ونصف ، وبعد قتل القاضي نجم الدين بن حجي طلب إلى مصر بسبب ذلك هو والسيد ابن النقيب أي نقيب الأشراف ، فقيل إنه ظهرت براءة ساحته من ذلك ، ومع ذلك غرم لهم جملة مستكثرة نحو أربعة آلاف دينار ، وكان جريئا مقداما سديد الرأي لا يبالي ما يقول ولا ما يفعل ، ولا يتأثر بما يغرم من الأموال.

حكي لي أنه غرم من سلطنة المؤيد إلى سلطنة الملك الظاهر ططر سبعين ألف دينار ، وغرم بعد ذلك أموالا كثيرة ، وكان يتهم بأن ذلك مما أخذوه من أموال الناس في الفتنة ، وحصل أملاكا كثيرة ، وأخذ غالب مدارس الحنفية تدريسا ، وأنظار الخاتونيتين والقصاعين والنورية والصادرية وغير ذلك من عامر وخراب ، ثم إن الصفدي انتزع منه القصاعين والصادرية ، فلما عزل الصفدي استعادهما ، ولما جاء السلطان في هذه السنة سعى الصفدي في المدرستين المذكورتين فرسم له بهما ، فسعي المذكور إلى أن القاضي شمس الدين الصفدي يسكن النورية والصادرية ، وانتقل القاضي ونوابه من النورية وحصل له بذلك نكاية عظيمة.

وقال في مرض موته : ما ملك فقيه في زماني من النقد ما ملكت : ملكت مائتي مملوك ومائتي جارية. وكان كثير الاسراف على نفسه شديد التخليط والله

٤٨٥

غفور رحيم ؛ غير أنه كان لا يأخذ في القضاء شيئا لا هو ولا نوابه ، وكان كثير المداراة للظلمة وأعدائه ، والوفود إلى أبوابهم والخضوع لهم ، وكان يتجبر على غيرهم ، وكان ذكيا يتكلم في العلم جيدا لكن من غير حاصل ، ويستحضر جملة من التاريخ ، توفي بمسكنه بالصالحية آخر ليلة الخميس السابع منه ، وصلي عليه من الغد بجامع الخاتونية ، وحضر جنازته النائب والحجاب والقضاة وخلق من الناس ، ودفن بتربتهم غربي المدرسة المعظمية ، سامحه الله وإيانا ، وعامله وإيانا بفضله وكرمه لا بعدله انتهى. ثم قال في شهر ربيع الآخر منها : وفي يوم الأحد ثاني عشره آخر النهار وصل الخبر بولاية القاضي شمس الدين ابن القاضي شهاب الدين بن الكشك قضاء الحنفية عوضا عن والده ، وجاء كتابه إلى القاضي ركن الدين بالمباشرة ، فباشر من الغد انتهى. ثم قال في جمادى الأول منها : وفي يوم الاثنين مستهله دخل القاضي شمس الدين ابن القاضي شهاب الدين بن العز إلى دمشق لابسا خلعة القضاء ، وجاء إلى النائب فسلم عليه ، ثم ذهب إلى الجامع ومعه القضاة والحجاب وكاتب السر وغيرهم ، وقرىء توقيعه بالجامع على العادة المذكورة ، وقرأه عماد الدين بن السرميني وفيه استمراره لما كان بيده ويد والده من التداريس والأنظار انتهى.

ثم قال في صفر سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة : وفي يوم الأربعاء سابع عشره وصل هجان ومعه توقيع بقضاء الحنفية أيضا للقاضي شمس الدين في القبول وأرسل النائب إليه من الغد ليلبس الخلعة فامتنع لأنه جاء في كتابه أنه يؤخذ منه ألف وخمسمائة دينار وخمسمائة للمستقر ، وذلك على القضاء بمجرده ، والمذكور لا يأخذ على القضاء شيئا. فآل الحال به بعد أيام أنه سافر إلى مصر انتهى.

ثم قال في شهر ربيع الآخر منها : وفي ليلة الجمعة ثالثه وصل إلى دمشق القاضي شمس الدين الصفدي الحنفي من القاهرة وقد اجتمع بالسلطان واعتذر عن ولايته فأعفي من ذلك ، وذلك بعد أن نقص عنه من الألفين المذكورة خمسمائة فلم يقبل ، ورجع وحمده الناس على ذلك ولكن تأذى منه المباشرون انتهى.

٤٨٦

ثم قال في جمادى الآخرة منها : وفي يوم الاثنين ثالثه لبس القاضي شمس الدين بن الكشك خلعة عوده إلى القضاء من بيته وجاء إلى دار السعادة فسلم على النائب ، وذهب إلى الجامع ومعه القضاة والحجاب وكاتب السر وناظر الجيش وجماعة من الفقهاء والأعيان ، فقرأ تقليده بدر الدين ابن قاضي أذرعات ، وكان قد ورد على يده ، وتاريخ ذلك عاشر جمادى الأولى ، ولم ينتظم ما جاء به الخبر أولا من أخذ النورية والصادرية من القاضي شمس الدين الصفدي ، وكان قد جاءهم كتاب بذلك ثم انتقض انتهى.

ثم قال في شعبان منها : وفي يوم الخميس سادس عشره جاءه الخبر بأن السيد ركن الدين بن زمام ولي قضاء الحنفية عوضا عن القاضي شمس الدين بن العز ، وسبب ذلك أن ابن العز كتب يسعى في النورية أو يعفى من القضاء ، والصفدي قبله كتب يسعى في القضاء والخاتونية ولم يقبل القضاء مجردا ، فغضب السلطان منهما وسأل عن شخص من أهل العلم يوليه ، فذكر له المذكور فولاه ، واستقر عوضه في إفتاء دار العدل قوام الدين بن قوام الدين انتهى. ثم قال فيه : وفي يوم الاثنين عشريه لبس السيد ركن الدين على العادة وحضر معه الحاجب والقضاة وغيرهم ، وتاريخ التوقيع في خامس شعبان ، واستناب السيد بدر الدين الخضيري ، والشمس بن اللبودي ، والشرف بن منصور الذي كان نقيب القاضي نجم الدين بن حجي ولم يستحسن الناس منه ذلك انتهى.

ثم قال فيه في سنة تسع وثلاثين : وفي آخر يوم السبت سابع عشر المحرم توفي الامام العالم المفيد شيخ الحنفية قاضي القضاة ركن الدين أبو هريرة عبد الرحمن بن علاء الدين ابي الحسن علي بن شمس الدين بن محمد بن زمام الحسيني ، مولده على ما أخبرني سنة تسع وستين أو سنة سبعين ، واشتغل وحفظ المنظومتين وغير ذلك ، وكان يستحضر في المجالس إلى آخر وقت ، ويحفظ منظومة في الوفيات ، وناب في القضاء بعد الفتنة إلى آخر وقت ، وولي إفتاء دار العدل عوضا عن الشيخ برهان الدين بن خضر ، وكان قد صحبه كثيرا ، وخدمه وأخذ وصاهره ، وخطب بجامع يلبغا ، وكان بيده نصف الخطابة يخطب به شهرا

٤٨٧

وبالركنية شهرا ، ودرّس بالركنية ، وكان بيده حصة من التدريس بالزنجبيلية وغير ذلك ، وكان بيده جهات كثيرة ، وكانت سيرته في القضاء جيدة من جهة الأخذ على القضاء لم يسمع ذلك عنه ، إلا أنه لا يتوقف في شيء ويحكم بما دب ودرج ، ويعسر على المشارع في ذلك المدح في حكمه لعلمه ، وعدم الأخذ على القضاء ، فهلك بذلك خلق كثير ، أقاله الله تعالى عثرته ورحمه بموته ، وكان لا يهتدي إلى معرفة الصواب ؛ بل الغالب سلامة الفطرة ، وعليه مأخذ في دينه ومباشرته الأوقاف ، وكان يشغل بالجامع ويفتي وهو عين مذهبه بدمشق من مدة ، وكان لا يحسن تعليم الطلبة ، ولا يتصرف في البحث وغيره ، وإنما ينقل ما يحفظه ، ويستحضر فوائد غريبة ، ولقد بحثت معه مرة من مدة قريبة ، فسألته عن تحقيق شيء ، فقال : أنتم تنقلون وتتصرفون ونحن ننقل ولا نتصرف. وقال لي في ختم مسلم بالجامع الأموي ، وقد نقل شيئا فنازعته أنا وغيري فيه ، فقال : لي خمسون سنة أبحث مع العلماء وهم يكذبوني ولا أغضب ، وكان عنده كرم نفس وتواضع ، وقدر في آخر عمره أنه ولي القضاء من غير سؤال ، وكان السبب في ذلك أن القاضي شمس الدين بن العز استعفى ، والقاضي شمس الدين الصفدي لم يقبل الولاية بما وضع عليه ، فغضب السلطان الأشرف برسباي ، وأراد أن يولي ثالثا فذكر له ، فولاه القضاء وتدريس القصاعين لا غير ، وجاءته الولاية في أثناء شعبان من غير سعي منه ولا طلب ، فباشر ذلك دون الخمسة أشهر ، ولم يسمع عنه ما يحمد به ، بل كان له حرمة لما كان نائبا أكثر منها لما كان مستقلا بالقضاء ، ودفن بسفح قاسيون عند والدته بالقرب من زاوية الشيخ عبد الرحمن ابن أبي بكر بن داود رحمه‌الله تعالى ، وكانت جنازته مشهودة ، حضرها النائب والحاجب والأمراء والقضاة والفقهاء وخلق من الناس ، وصلي عليه بالجامع المظفري ، فقدم في الصلاة عليه القاضي الشافعي السراج الحمصي ، وأرسل القاضي الشافعي المذكور ولاية للقاضي زين الدين عبد الباسط ناظر جيش مصر بوظائفه يتقرب إلى خاطره بذلك انتهى.

ثم قال في أول سنة أربعين : وقاضي القضاة الحنفي شمس الدين الصفدي

٤٨٨

واستقر في ذي القعدة من السنة الحالية انتهى.

ثم قال في شعبان سنة أربع وأربعين : وفي يوم الخميس حادي عشره توفي العماد إسماعيل ابن القاضي شهاب الدين بن الكشك وهو صغير ، وانقرض هذا البيت ، فسبحان الدائم الباقي انتهى.

ثم قال في سنة ست وأربعين في صفر : وفي يوم السبت الحادي والعشرين وصل الخبر بعزل القاضي شمس الدين الصفدي الحنفي من قضاء الحنفية بالقاضي تاج الدين بن قاضي بغداد ، وسرّ الناس بذلك ، ولقد باشر مباشرة قبيحة ، وسار سيرة قضاة الشر ، وكان لا يتوقف فيما يقوله ولا فيما يفعله ، ولا يتوقف في الحكم على مذهب معين ، ويصرّح بذلك ويتبجح به انتهى.

ثم قال في شهر ربيع الأول منها : في ليلة مستهله سافر الصفدي المنفصل عن القضاء إلى مصر غير مصحوب بالسلامة انتهى.

ثم قال في شهر ربيع الآخر منها : وفي يوم الخميس تاسعه دخل القاضي بهاء الدين بن حجي راجعا من مصر ، ودخل معه القاضي نجم الدين ابن قاضي بغداد متوليا قضاء الحنفية ووكالة بيت المال مضافا إلى الحسبة ، وخرج النائب إلى لقاهما فلم يصل إلى القبة بل وقف عند القبو ، فلما وصلا إليه نزلا وقبلا يده فاستنكر الناس ذلك ، وقريء تقليد الحنفي بالجامع على العادة إلى أن قال : وفي يوم الخميس عاشره استناب القاضي شهاب الدين ابن الشيخ بدر الدين ابن قاضي أذرعات وهو شاب لا اشتغال له في الفقه أصلا انتهى. ثم قال في أول سنة سبع وأربعين وقاضي القضاة نجم الدين ابن قاضي بغداد ولي في صفر من السنة الحالية وبيده الحسبة. ثم عزل بالقاضي شمس الدين الصفدي في جمادى الأولى من هذه السنة انتهى.

ثم قال فيها في جمادى الأولى : وفي يوم الاثنين حادي عشريه لبس القاضي شمس الدين الصفدي ، وعزل نجم الدين بن البغدادي ، وشكا عليه إلى مصر ، ولم

٤٨٩

تكن سيرته محمودة ، وكان عنده جرأة وإقدام ، والناس يزدحمون عليه لأغراضهم انتهى.

ثم قال في أول سنة ثمان وأربعين : وقاضي القضاة شمس الدين الصفدي عزل في شهر رجب بالشيخ قوام الدين انتهى.

ثم قال في شهر رمضان منها : وفي يوم الخميس ثانيه طلب الشيخ قوام الدين الرومي الأصل الحنفي ، وقد وصل توقيعه بالقضاء مؤرخا من أربعين يوما ، وعرض عليه قبول ذلك فامتنع ، وبلغني أن الصفدي أثخنوا جراحه عند السلطان ، وذكروا فيه أشياء ، وأنه يشتم الخصمين شتما قبيحا انتهى.

ثم قال في شوال منها : وفي يوم الخميس خامس عشره جاء ساع ومعه كتاب بأن الشيخ قوام الدين يلزم بمباشرة القضاء ، فتعلل أياما ، ثم لبس الخلعة يوم الخميس ثاني عشريه انتهى.

ثم قال في ذي القعدة منها : ويوم الخميس سابعه بلغني أن الشيخ قوام الدين استناب شخصا طالب علم يقال له ابن الحمراء ، وهو رجل خامل لكن قيل له فضل انتهى.

ثم قال في ذي الحجة منها : في أوله جاء مرسوم للشيخ قوام الدين أن يرتب له على الجوالي كل يوم أربعين درهما عوضا عن الوظائف التي لم يقبلها ، ورسم أن يستمر في إفتاء دار العدل ويستنيب انتهى.

ثم قال في أول سنة خمسين : وقاضي القضاة قوام الدين الرومي الأصل الدمشقي الحنفي ، باشر في شوال من السنة الحالية بعد ما كان ورد توقيعه في شعبان ، وروجع فيه ، فجاء الجواب بالزامه بذلك انتهى.

ثم قال : في سنة إحدى وخمسين في خامس عشر شهر ربيع الآخر تولى العلامة شيخنا حسام الدين محمد بن زين الدين عبد الرحمن بن العماد الكاتب قاضي صفد الشهير هناك بابن بريطع عوضا عن قوام الدين ، فسافر من صفد إلى قضاء دمشق.

٤٩٠

ثم قال في سنة ثلاث وخمسين : في مستهل شهر رجب منها وصل حميد الدين ، وقد استقرّ قاضي الحنفية بدمشق من مصر عوضا عن حسام الدين ، ورسم لحسام الدين بقضاء طرابلس.

ثم قال في سنة أربع وخمسين : وفي أول جمادى الأولى منها أخرج أبو الفتح في مجيئه مرسوما بعزل حميد الدين فتوجه إلى مصر. وقال في سنة أربع وخمسين : وفي يوم الاثنين حادي عشرين في شعبان منها وصل حميد الدين ابن قاضي بغداد من مصر إلى دمشق ، وقد أعيد إلى قضاء الحنفية بها.

قال ابن الزملكاني رحمه‌الله تعالى : وفي يوم الاثنين خامس عشر شهر ربيع الآخر سنة خمس وخمسين وصل تشريف من مصر باعادة شيخ الحنفية قوام الدين محمد بن قوام الدين لقضاء الحنفية بدمشق فأبى أن يلبسه وامتنع غاية الامتناع ، فلم يزل عليه أركان دولة دمشق حتى قبل بعد الجهد العظيم ، ورسم على المعزول شيخنا حميد الدين بالعادلية ليقوم بما التمسه من أموال أوقاف الحنفية ، ثم ضمن عليه وخرج ليعمل الحساب فسحب إلى مصر ، وفي أواخر شعبان سنة خمس وخمسين المذكورة عزل قوام الدين المذكور وأعيد حميد الدين المنسحب إلى مصر. وفي يوم الاثنين ثاني عشرين جمادى الأولى سنة ست وخمسين وصل قاصد من مصر وعلى يده تشريف بقضاء الحنفية للشيخ قوام الدين محمد بن قوام الدين فامتنع أيضا من لبس التشريف ، وصمم على عدم قبول الولاية ، فلاطفه القاضي جمال الدين الباعوني ونائب الشام جلبان والحاجب والدوادار إلى أن وافق كرها وألبس التشريف عوضا عن حميد الدين ، ولم يحضر توقيعه حينئذ ، ثم ورد التوقيع من مصر في شهر رجب. وفي يوم السبت ثالث عشرين جمادى الآخرة سنة سبع وخمسين وصل الشيخ العلامة حسام الدين بن العماد الحنفي إلى دمشق على أنظار أوقاف الحنفية. بدمشق عوضا عن القاضي حميد الدين ابن قاضي بغداد. وفي سابع شهر ربيع الأول سنة ثمان وخمسين ورد الخبر من مصر بعزل قوام الدين وتولية حميد الدين المذكور وعوضه. ثم في ثالث عشرين ربيع الأول المذكور وصل القاضي حميد الدين إلى دمشق في وظيفة قضاء الحنفية عوضا عن

٤٩١

قوام الدين ، وكان قبل هذا الشهر أشيع بدمشق باستمرار قوام الدين في القضاء ، ثم أشيع ولاية حسام الدين ، ثم أسفر الحال عن ولاية حميد الدين. وفي عاشر شوال من السنة ثمان وخمسين المذكورة ، ورد مرسوم السلطان إلى دمشق بأن الشيخ حسام الدين قد استقر في قضاء الحنفية بدمشق عوضا عن حميد الدين مضافا لما بيده من الوظائف والأنظار ، وأن توقيعه وتشريفه واصلان إليه صحبة الحاجب الكبير بدمشق جانبك البرسباي ، وأن يجهز حميد الدين المشار إليه إلى بغداد بلدته من درك إلى درك من غير فترة ولا مراجعة ، ثم تجهز من فوره إلى بغداد ، فطلبه جلبان نائب الشام ، وأمره أن لا يقيم يوما واحدا بدمشق حسب المرسوم الشريف ، فجهز المذكور وصحبته شرف الدين موسى أحد الحجاب بدمشق وأمير آخر معهما ليوصلاه إلى نائب الرحبة ليرسله مع العماد من عنده إلى العراق ، ثم أعقبه مرسوم ثان بأن يجهز من الرحبة إلى حلب المحروسة ليقيم بها ملازما لبيته لا يخرج منه ، فتوجه من درب الرحبة إلى حلب المحروسة ، ثم أطلق ابن الزملكاني لسانه فيه لا حول ولا قوة إلا بالله. ثم في خامس ذي القعدة منها عاد جانبك إلى الحاجب الكبير المذكور مستمرا وعلى يده التوقيع والتشريف المذكوران وقريء بالجامع على العادة. ثم في يوم الخميس ثامن ذي القعدة المذكور توفي الشيخ قوام الدين محمد بن قوام الدين المذكور عن بنت صغيرة اسمها عائشة من زوجته آسية بنت التاجر عز الدين العيني وعن أخت لأبويه وزوجة ، وكان بيده أقطاع بالحلقة من جملته قرية انخل من عمل نوى ، فاراد جماعة أخذه بحكم وفاته فجعله النائب رزقه لابنته المذكورة ، وارسل الى مصر فاحضر لها مرسوما بذلك. توفي المذكور بعد مرض طويل بداره بالحراكين بصالحية دمشق ، وقد قارب الستين ، ودفن تجاه داره. وكان قد وقف كتبه على الحنفية بدمشق. وكان هو رأس الحنفية بدمشق ، عالما عاملا ، كثير المعروف للناس. ولي قضاء الحنفية مرات مكرها ، وحضر له توقيع بوظائف الحنفية والأنظار فلم يقبل. وكانت جنازته حافلة ، حضرها النائب فمن دونه ، ورؤيت له منامات حسنة بعد موته تدل على خير فيه رحمه‌الله تعالى. ثم في أول جمادى

٤٩٢

الآخرة سنة تسع وخمسين ورد مرسوم من مصر بعود القاضي حميد الدين من حلب المحروسة الى دمشق بعد أن كان رسم له أن يتوجه إلى بغداد يقيم بها ، ثم ورد مرسوم أن يقيم بحلب المحروسة. ثم ورد في هذا التاريخ أن يعود الى دمشق. وفي يوم الاثنين سابع شهر ربيع الآخر سنة اثنين وستين وصل علاء الدين علي ابن شهاب الدين أحمد بن قاضي عجلون الزرعي الى دمشق ، وقد استقر في قضاء الحنفية بها عوضا عن حسام الدين بن العماد ، وكان لعلاء الدين علي المذكور مدة مقيما بمصر لم ينقض له شغل حتى قام فيها بمال كثير ، واستقر حسام الدين المذكور في وظيفتين من وظائف الحنفية القصاعين والخاتونية بمال قام به فيها انتهى.

وفي يوم السبت سابع شعبان سنة اثنتين وثمانين توفي قاضي الحنفية بدمشق ، وهو علاء الدين علي بن شهاب الدين أحمد بن قاضي عجلون الزرعي قبل دخول السلطان قايتباي إلى دمشق من البلاد الشمالية بستة أيام من هيبة السلطان وكثرة الشكاوى عليه بمرض الفواق ، ودفن غربي القلندرية بمقبرة باب الصغير ، وكان يوم تزيين دمشق لقدوم السلطان ، وفي يوم الأحد ثامن شهر رمضان سنة اثنتين وثمانين فوض السلطان وهو بقلعة دمشق قضاء الحنفية بها للشيخ شرف الدين موسى بن أحمد بن عيد بحكم وفاة علاء الدين علي ابن قاضي عجلون ، وفي تاسع شهر رجب سنة أربع وثمانين عزل شرف الدين موسى بن عيد بمصر عن قضاء الحنفية بدمشق ، وتولى مكانه فيها تاج الدين عبد الوهاب بن شهاب الدين أحمد ابن عربشاه ، ودخل دمشق في حادي عشرين ذي القعدة منها ، وقرأ توقيعه نقيبه بهاء الدين الحجيني بمشهد النائب بالجامع ، وفي سابع شهر رجب سنة خمس وثمانين فوض نيابة القضاء لأمين الدين ابن قاضي القضاة الحسباني ، وفي ثالث عشرين شوال منها عزل تاج الدين ابن عربشاه عن قضاء الحنفية بدمشق ، وتولّاها عنه محب الدين محمد بن علاء الدين علي بن القصيف ، ودخل دمشق يوم الاثنين ثامن عشر المحرم سنة ست وثمانين ، وقد تزلزلت الأرض قبل دخوله بيوم وهو بقية يلبغا وبها سقطت شرافة على قاضي الحنفية بمصر شرف الدين بن

٤٩٣

عيد المنفصل عن قضاء الحنفية بدمشق فمات منها وفي سادس عشرين شهر رجب سنة ست وثمانين تولى بمصر قضاء الحنفية بدمشق العمادي إسماعيل الناصري وعزل المحب بن القصيف ، ثم في ذي القعدة سنة إحدى وتسعين عزل العمادي الناصري وتولى الزيني عبد الرحمن بن أحمد الحسباني بمصر ودخل إلى دمشق في رابع عشرين ذي الحجة سنة اثنتين وتسعين وصحبته خاصكي قيل إنه من أقارب السلطان ليسلمه جميع الجهات التي كانت بيد علاء الدين علي بن قاضي عجلون وتلقاهما نائب الغيبة أينال الخسيف والأمير الكبير بدمشق جاثم ومحمد بن شاهين نائب القلعة بدمشق ، ونزل الحسباني في بيت المستوفي جوار الحنبلية ، وكان قد تقدمه ولده أمين الدين معزولا من كتابة السر بدمشق ، ونزل بمنزل قاضي القضاة علاء الدين علي بن قاضي عجلون في جيرون ونائبا عن والده في العرض وغيره ، وتولى بعده كتابة السر بدر الدين بن الفرفور ، ثم في آخر شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وتسعين اعتقل القاضي زين الدين الحسباني بقلعة دمشق على دين كثير لأمير أخور ، ثم أطلق بعد أيام. ثم في يوم الثلاثاء ثامن جمادى الأولى بل الآخرة منها أعيد العمادي قاضي الحنفية بدمشق وعزل الزيني الحسباني عنها ، ثم دخل العماديّ من مصر إلى دمشق بخلعة بيضاء يوم السبت ثامن عشر شهر رجب منها صحبة أمير أخور الكبير قانوصة خمسمائة ، وفي يوم الخميس ثامن عشر شوال منها ورد المرسوم الشريف باعادة الزيني الحسباني إلى قضاء الحنفية وبالترسيم على العمادي ، فطاش الحسباني وركب في المراكب وعرض واعتقل بمجرد ذلك من غير ليسن تشريف ، والذي في المرسوم : إنا قد عزلنا العمادي واستقرينا الزيني الحسباني ، ثم قدم الأمير أخور قانصوه خمسمائة المفوض إليه التفويض إلى العمادي في ولايته المنفصل عنها والعمادي خلفه ، ولم يعلم العمادي بعزل الحسباني ، ثم أهين الحسباني بسبب الديون مرارا. وفي يوم الاثنين رابع شوال سنة أربع وتسعين ورد المرسوم الشريف بعزل الحسباني من قضاء الحنفية وأن يختار الحنفية لهم قاضيا فيفوض إليه النائب ، فاختار بعضهم تولية العمادي وفوض إليه النائب ، ثم بعد أيام سافر الحسباني إلى مصر ، فلما دخل إليها أهين

٤٩٤

إهانة بالغة بسبب الديون ، وفي يوم الاثنين خامس شهر ربيع الآخر سنة خمس وتسعين لبس العمادي تشريفا من السلطان لكون النائب فوض إليه بالاذن الشريف وقرىء توقيعه بالجامع ، وفيه إطراء كثير ، فلا حول ولا قوة إلا بالله. وفي يوم الأحد عاشر شهر رجب منها وهو آخر آذار ورد مرسوم شريف بالقبض على قاضي الحنفية بدمشق العمادي إسماعيل ، وأن يعطي المنفصل عنها الزيني الحسباني أربعة آلاف دينار ، وفي يوم الجمعة ثاني عشر ذي القعدة قبل صلاتها منها ، ورد مرسوم تشريف إلى الحاجب يونس بأن يفوض وظيفة قضاء الحنفية عوضا عن العمادي لمن يختاره ، وكان النائب يومئذ بالمرج مغيبا عن جلبان السلطان مرجعهم من التجريدة ، فقام جماعة مع القاضي البرهان بن القطب ، وقام آخرون مع المحب بن القصيف ، وزاد في قدر المال وتأبى البرهان واعتذر بالعجز والضعف ، فاستكتب المحب جماعة بأنه لا بأس به ، وأحضر خطوطهم للحاجب المذكور. ثم في يوم الثلاثاء سادس عشري الشهر المذكور فوض إليه الحاجب المذكور وألبسه التشريف والطرحة من الاصطبل إلى بيته قرب الجرن الأسود ، وفي يوم السبت حادي عشر شهر ربيع الأول سنة ست وتسعين لبس المحب المشار إليه تشريفا جاء من مصر على حكم تفويض الحاجب المذكور ، وورد مرسوم شريف باعتقال البرهان بن القطب إلى أن يعطي المحب المذكور ألف دينار ويقبل الوظيفة عوضا عن المحب المذكور ، فاعتقل بقلعة دمشق ، ثم عزل المحب المذكور في ثاني عشر جمادى الآخرة منها ، وفي يوم الخميس عاشر شهر رجب منها وهو يوم موسم الحلاوة ، لبس البرهان بن القطب تشريف قضاء الحنفية بدمشق عوضا عن المحب المذكور على مبلغ ألفي دينار ، وذلك بعد أن اعتقل بجامع قلعة دمشق نحو تسعة شهور ، وقرأ توقيعه بالجامع صاحبه الحلبي الشمسي على العادة ، وتاريخه ثاني عشر جمادى الآخرة المذكور. وفي شهر رمضان من سنة ست المذكورة وصل الحسباني من مصر إلى غزة منفصلا فرفسه به فرس وهو راكب فانكسرت رجله ، فحمل إلى دمشق ودخلها أيام العيد فاستمر في شدة منها ومن غيرها ، وفي يوم السبت تاسع عشر صفر سنة سبع وتسعين سافر

٤٩٥

البرهان بن القطب إلى مصر ثم رجع إلى دمشق ، ووقع بينه وبين الجمال بن طولون (١) ، وفي يوم الجمعة ثامن عشرين ذي القعدة سنة سبع المذكورة سافر أيضا البرهان ابن القطب وصحبته القاضي نور الدين بن منعة (٢) مطلوبين إلى مصر. وفي يوم الثلاثاء سابع شهر رجب سنة ثمان وتسعين وصل الخبر من مصر إلى دمشق بأن البرهان المذكور توفي بمصر في حادي عشرين جمادى الآخرة منها ، وأنه دفن بالصوفية بعد أن ضيق عليه بمال كثير بسبب شكاية جمال الدين ابن طولون ومولده سنة سبع وعشرين وثمانمائة ، وفي يوم الثلاثاء ثالث عشر ذي الحجة سنة ثمان المذكورة دخل العمادي إسماعيل من مصر إلى دمشق ، وقد ضرب قبل ذلك بالمقارع على ظهره وألزم بنحو ألفي دينار. وفي يوم الاثنين ثامن شهر رجب سنة تسع وتسعين وهو رابع عشر نيسان لبس المحب بن القصيف تشريف قضاء الحنفية ، وفي يوم الخميس تاسع عشري جمادى الآخرة سنة تسعمائة توفي بصالحية دمشق قاضي قضاة الحنفية وكان الشيخ زين الدين عبد الرحمن بن الشهاب أحمد الحسباني الدمشقي الصالحي بعد أن دخل في أمور سامحه الله تعالى وإيانا ، بعد أن أظهر الفاقة وترك ولدا رجلا وآخر صغيرا ، ودفن في مقبرة سوق القطن. وفي أول شهر رجب سنة إحدى وتسعمائة تواتر الخبر بعزل قاضي الحنفية بدمشق المحب بن القصيف منها وتوليتها لنور الدين بن منعة الذي له مدة يصادر بالقلعة ثم لم يصح ذلك. ثم في أول شعبان منها صلى بالجامع الأموي غائبة على تاج الدين عبد الوهاب بن شهاب الدين أحمد بن عربشاه الصالحي توفي بالمدرسة الصرغتمشية في مصر في خامس عشر منها ، ومولده سنة ثلاث عشرة وثمانمائة. وفي الخميس حادي العشرين المحرم سنة اثنتين وتسعمائة ورد التوقيع الشريف بعزل المحب بن القصيف وتولية البدري محمد بن الفرفور (٣). ثم في يوم الاثنين عاشر صفر منها دخل من مصر إلى دمشق الأمير أركماس وقد تولى نيابة حماة وصحبته الشريف عبد الرحيم العباسي (٤) وصحبتهما

__________________

(١) شذرات الذهب ٨ : ٢٢٧.

(٢) شذرات الذهب ٨ : ٢٤.

(٣) شذرات الذهب ٨ : ١٤٧.

(٤) شذرات الذهب ٨ : ٣٣٥.

٤٩٦

تشريف البدري بقضاء الحنفية بدمشق ، ثم في يوم الخميس ثالث عشر لبس التشريف على العادة ، وقرأ توقيعه بالجامع ، وتاريخه خامس عشر المحرم منها ، وقرأه الشريف الجعبري الموقع ، وصحف فيه كثيرا ، وفي بكرة يوم الثلاثاء خامس عشري شعبان سنة ثلاث وتسعمائة سابع عشر نيسان لبس البدري المذكور تشريفه بقضاء الحنفية بدمشق. وفي أوائل شهر رجب سنة سبع وتسعمائة شاع بدمشق عزل البدري المذكور عن الوظيفة المذكورة وإعادة المحب بن القصيف ، وفي بكرة يوم الاثنين ثامن شهر رجب منها لبس المحب المذكور تشريفة بذلك ، وقرىء توقيعه على العادة ، وتاريخه رابع عشر جمادى الآخرة منها ، وفي شهر رجب المذكور سقط المحب بن القصيف عن قبقابه وانفكت رجله. وفي يوم الخميس رابع عشر ربيع الأول سنة ثمان وتسعمائة توفي العمادي إسماعيل الناصري الدمشقي بالمدرسة المعينية ، بعد أن ظلم نفسه بأمور وأهين ، وكان في آخر عمره قد خرج به الحب الفارسي. وفي هذه الأيام شاع بدمشق عزل المحب بن القصيف عن قضاء الحنفية بدمشق وإعادة البدري بن الفرفور. ثم في سلخ المحرم سنة تسع وتسعمائة ورد من مصر تشريفه بذلك على يد عبد القادر بن الشبق البغدادي العاتكي ثم سافر النائب ولم يلبث إلى أن يلبس البدري تشريفه ، ثم عاد النائب إلى دمشق. وفي يوم الخميس عاشر صفر منها ، لبس البدريّ تشريفه المذكور ، وكان المحب بن القصيف في شدة من وجعه بالحبّ الفارسي بعد انفكاك رجله ، وقد بني له حماما في بيته وأجره ، وكان يظن أن عمّ خصمه قاضي القضاة شهاب الدين بن الفرفور الشافعي الذي هو بمصر معه على ابن أخيه ، فلما بلغه زاد طيشه وهمه وحنقه على الفرفورين ، وقرىء توقيع البدري بالجامع على العادة ، وتاريخه المحرم الماضي قبله. وفي يوم الخميس سادس عشر ربيع الأول منها توفي المحب محمد بن علي بن أحمد بن هلال بن عثمان الشهير بابن القصيف ، مولده سنة ثلاث وأربعين وكان يقول سنة أربعين وبالأول أخبرني أخوه من أبيه كمال الدين قد ظلم نفسه بأمور سامحه الله ، ودفن بمقبرة باب الفراديس. وفي أوائل شهر رجب سنة إحدى عشرة وتسعمائة اعتقل البدري

٤٩٧

الفرفوري الحنفي بجامع القلعة على مال وجد عليه في دفتر عمه مكتوب بمرسوم شريف. وفي يوم الجمعة ثاني عشرين شعبان منها فرج عنه ثم في يوم الأحد ثالث عشرين شعبان المذكور أعيد إلى جامع القلعة. ثم في يوم الثلاثاء خامس عشريه دخل من حلب المحروسة إلى دمشق محيي الدين عبد القادر بن يونس (١) قاضي الحنفية بحلب ، وقد سعى في قضاء دمشق وسكن بالجرن الأسود ، ثم سافر إلى مصر بعد أن حكم وفوض لجماعة واستولى على الجهات. ثم في يوم الأربعاء آخر أيام التشريق منها ورد الخبر من مصر بأن البدري لم يعزل عن القضاء ، ونودي له في دمشق بذلك ، واستمر هو بالقلعة لم يخرج ، وحينئذ قد آن وصول خصمه إلى القاهرة ، ثم تولى بمصر ودخل إلى دمشق في رابع عشر جمادى الأولى سنة اثنتي عشرة وتسعمائة ، والبدري مستمر بالقلعة ، وفي مستهل ذي القعدة منها أفرج عنه بعد سفر أمه إلى مصر وتعلقها بمن يشفع بولدها فشفع الأمير الكبير فيه على سبعة آلاف دينار. وفي يوم الاثنين ثاني عشر المحرم سنة ثلاث عشرة لبس خلعة العود التي جاءته من مصر ، ودخل الجامع وجلس بمحراب الحنفية على العادة وبقية القضاة الأربعة ، وقرأ توقيعه أحد العدول ، وهو المحب بركات ابن سقط (٢) ، وتاريخه في مستهل ذي الحجة من الماضية. وفي يوم الأحد حادي عشرين شعبان سنة ثلاث المذكورة أعيد البدري المذكور إلى القلعة على ثلاثة آلاف دينار وخصمه ابن يونس يومئذ بمصر. ثم في يوم الأربعاء حادي عشري ذي الحجة منها دخل إلى دمشق بعد عزل البدري ، وتاريخ توقيعه سابع شوال منها. وفي يوم الاثنين رابع عشر شهر ربيع الأول سنة خمس عشرة سافر المحيوي بن يونس قاضي الحنفية بدمشق مطلوبا إلى مصر. وفي يوم الخميس خامس عشرين ذي القعدة سنة خمس عشرة المذكورة رجع إلى دمشق على عادته بخلعة وفي يوم الجمعة سابع ذي الحجة ورد مرسوم شريف إلى نقيب القلعة باعتقاله على تسعة آلاف دينار قيل وخمسة مائة ، فوضع في جامع القلعة قبل صلاة الجمعة.

__________________

(١) شذرات الذهب ٨ : ١٧٤.

(٢) شذرات الذهب ٨ : ٩١.

٤٩٨

(فائدة) : قال الذهبي في سنة تسع وثلاثين وسبعمائة : مات بدمشق نقيب الأشراف عماد الدين موسى بن جعفر بن محمد بن عدنان الحسيني وكان سيدا نبيلا ، وقف على من يقرأ الصحيحين بالنورية في الأشهر الحرم انتهى.

١٣٨ ـ المدرسة النورية الحنفية الصغرى

بجامع قلعة دمشق. قال ابن شداد : مدرسة بجامع القلعة واقفها الشهيد نور الدين محمود بن زنكي رحمه‌الله تعالى ، وقد مرت ترجمته بالمدرسة النورية قبل هذه. ثم قال ابن شداد : ولم يعلم من درس بها من زمن نور الدين الشهيد رحمه‌الله تعالى إلى زمن الملك الأشرف سوى بهاء الدين عياك ، وكان خطيبا بالجامع ، وكان رجلا فاضلا وتولاها من بعده تاج الدين بن سوار إلى أن انتقلت منه إلى شمس الدين سلمان الملطي. ثم تولاها بعده برهان الدين التركماني أياما قلائل. ثم تولاها بعده نجم الدين حمزة المعروف بابن الكاشي إلى أن سافر إلى الكرك وأقام بها ، فتولّاها شخص يقال له الشهاب الرومي ، وذكر بها الدرس أياما قلائل ، ثم نقل إلى الديار المصرية واعتقل بها. فولاها بعده شمس الدين محمد بن الأذرعي وهو بها إلى الآن. وقد مرّ في المدرسة الركنية الحنفية أن درس بهذه المدرسة الشيخ محيي الدين الأسمر. ثم أخذت منه لعماد الدين بن الطرسوسي الذي ولي قضاء الحنفية.

١٣٩ ـ المدرسة اليغمورية الحنفية

بالصالحية. لم أقف على ترجمة واقفها ، ولكن قال الذهبي في العبر في سنة ثلاث وستين وستمائة : وجمال الدين بن يغمور الباروقي ، ولد في الصعيد سنة تسع وتسعين ، وكان من أعيان الأمراء ، ولي نيابة مصر ونيابة دمشق ، توفي في شعبان انتهى. وقال ابن كثير في سنة سبع وأربعين وستمائة : وفي عاشر صفر دخل إلى دمشق نائبها الأمير جمال الدين ابن يغمور من جهة الملك الصالح أيوب ، فنزل بدرب الشعارين داخل باب الجابية. وفي جمادى الآخرة أمر النائب بتخريب

٤٩٩

الدكاكين المحدثة في وسط باب البريد ، وأمر أن لا يبقى فيه دكان سوى ما في جانبيه إلى جانب الحائطين القبلي والشمالي وما في وسط الطريق فهدم. قال أبو شامة رحمه‌الله تعالى : وقد كان الملك العادل هدم ذلك ، ثم أعيد ثم هدمه ابن يغمور والمرجوّ استمراره على هذه الصنعة. وفيها توجه الملك الناصر داود من الكرك إلى حلب المحروسة ، فأرسل الملك الصالح أيوب إلى نائبه بدمشق وهو جمال الدين بن يغمور بخراب دار أسامة المنسوبة إلى الناصر بدمشق وبستانه الذي بالقابون ، وهو بستان القصر أن تقطع أشجاره ويخرب القصر انتهى. والذي علم من مدرسيها القاضي شمس الدين بن أبي العز ، وقد مرت ترجمته رحمه‌الله تعالى في المدرسة الظاهرية الجوانية.

تمّ الجزء الأول

٥٠٠