بالدهقان في بغداد ، والتوقيع في جواب كتاب عبد الله بن حمدويه البيهقي ، وهو هكذا فقط :
«ما للفضل بن شاذان ولمواليّ يؤذيهم ويكذّبهم؟! وإني لأحلف بحق آبائي! لئن لم ينته الفضل بن شاذان عن هذا لأرمينّه بمرماة لا يندمل جرحه منها في الدنيا ولا في الآخرة»!
وإنما انتشر هذا التوقيع في سنة ستين ومئتين بعد موت الفضل بن شاذان بشهرين (١). ويظهر من الخبر أنّه كان قبيل وفاة العسكري عليهالسلام بقليل.
ثمّ دافع الكشي عن الفضل فقال : إنّ بعض من يخالف الفضل وقف على هذا التوقيع ، فكان أن طابت نفسه وقال : هذا إمامه قد أوعده وهدّده وكذّب بعض ما وصف.
فقلت له : أما هذا التوقيع فقد عاتب فيه الجميعَ عامة وعاتب الفضلَ خاصة وأدّبه ليرجع عمّا عسى قد أتاه مَن ليس بمعصوم وأوعده نعم ولكن لم يفعل شيئاً من ذلك ، بل ترحّم عليه. وأبو محمد الفضل رحمهالله لم يَعرض له بمكروه بعد هذا العتاب.
ثمّ أشار الكشي إلى التشكيك في صحة انتساب هذه الرقعة إلى العسكري عليهالسلام فقال :
على أنّ هذه الرقعة ممّا كتب به إلى إبراهيم بن عبده ، وكل ما كتب إليه ـ ذُكر ـ أنّ مخرجه من ناحية العمري ، والله المستعان.
ثمّ قال الطوسي المختار من كتاب الكشي : قيل : إنّ للفضل مئة وستين مصنّفاً ، وذكرنا بعضها في «كتاب الفهرست» (٢).
__________________
(١) اختيار معرفة الرجال : ٥٤٢ ، ٥٤٣ ، الحديث ١٠٢٨.
(٢) اختيار معرفة الرجال : ٥٤٤ ، الحديث ١٠٢٩.
أيام مرض الإمام عليهالسلام :
جاء في خبر الكليني عن أحمد بن عبيد الله بن الخاقان : أنّ العسكري عليهالسلام لمّا اعتلّ بعث أخوه جعفر بن علي إلى أبي (عبيد الله بن الفتح بن خاقان) : أنّ ابن الرضا (العسكري) قد اعتلّ ، فركب أبي (عبيد الله الوزير) من ساعته إلى دار الخلافة ثمّ رجع مستعجلاً ومعه خمسة من خدم أمير المؤمنين (المعتمد العباسي) كلّهم من ثقاته وخاصّته فيهم نحرير الخادم ، فأمرهم بلزوم دار الحسن عليهالسلام وتعرّف خبره وحاله. وبعث إلى نفر من المتطبّبين فأمرهم بالاختلاف إليه وتعاهده صباحاً ومساءً.
فلمّا كان بعد ذلك بيومين أو ثلاثة أُخبر أنّه قد ضعف ، فأمر المتطبّبين بلزوم داره ، وبعث إلى قاضي القضاة (الحسن بن محمد بن أبي الشوارب الأُموي) فأحضره مجلسه وأمره أن يختار من أصحابه عشرة ممّن يوثق به في دينه وأمانته وورعه! فأحضرهم ، فبعث بهم إلى دار الحسن عليهالسلام وأمرهم بلزومه ليلاً ونهاراً (١).
خبر أبي الأديان البصري :
من مشايخ الرواية للصدوق : محمد بن الحسين بن عبّاد ، وجد الصدوق لديه كتاباً مصنفاً في أخبار التواريخ ، وسمع روايته عنه.
ومن أخباره ما رواه عن أبي الحسن علي بن محمد بن حُباب (أو خشاب) عن أبي الأديان البصري قال : كنت أحمل كتب الحسن بن علي بن الرضا عليهالسلام إلى الأمصار ، وكتب كتباً وأرسل عليَّ فدخلت عليه وإذا به في علّته ، فناولني الكتب وقال لي : امضِ بها إلى المدائن (؟) وستغيب خمسة عشر يوماً ، وفي اليوم الخامس عشر تدخل سامرّاء ، فتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل.
__________________
(١) أُصول الكافي ١ : ٥٠٣ ، ٥٠٤ ، الحديث ١ ، باب مولد العسكري عليهالسلام.
قال أبو الأديان : فقلت : يا سيدي ، فإذا كان ذلك فمن؟ قال : مَن طالبك بجوابات كتبي فهو القائم من بعدي. فقلت : زدني ، فقال : من يصلّي عليَّ فهو القائم بعدي. فقلت : زدني ، فقال : مَن أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي. ثمّ منعتني هيبته أن أسأل عمّا في الهميان.
وخرجت بالكتب إلى المدائن (؟) وأخذت جواباتها ، وفي اليوم الخامس عشر كما ذكر دخلت سامرّاء ، فإذا أنا بالواعية في داره (١).
ومقتضاه أن يكون مرض الإمام استدام أكثر من أُسبوعين من الأيام ، والمروي في سائر الأخبار أنّه عليهالسلام بدأت علّته مع أول شهر ربيع الأول واستمرت أُسبوعاً حتى توفي في الثامن من الشهر (٢).
صبيحة وفاة العسكري عليهالسلام :
أسند الطوسي عن أبي سهل إسماعيل بن علي النوبختي البغدادي قال : دخلت على أبي محمد الحسن العسكري عليهالسلام في المرض الذي توفي فيه ، فأنا عنده إذ قال لخادمه عقيد ، وكان نوبيّاً أسود خدم من قبله أباه : يا عقيد ، إغل لي ماءً بمصطكي (٣). فأغلى له ، وجاءت به الجارية صقيل أُم الخلف عليهالسلام ، فلمّا صار القدح في يديه وهمَّ بشربه أخذت يده ترتعش حتى ضرب القدح ثناياه فتركه من يده وقال لعقيد : ادخل البيت فإنك ترى صبيّاً ساجداً فأتني به!
__________________
(١) كمال الدين : ٤٧٣ و ٤٧٥ بعد الخبر ٢٥ ، ولم يُذكر هؤلاء في كتب الرجال ، ولا في رواة الأخبار إلّاهنا!
(٢) الإرشاد ٢ : ٣٣٦.
(٣) المصطكي شجر خاص له صمغ يُعلك وثمر مرّ يُداف ويشرب دواءً. العين ٥ : ٤٢٥.
وأسرعت أُمه صقيل فأخذت بيده وأخرجته إلى أبيه الحسن عليهماالسلام ، وإذا هو درّي اللون في شعر رأسه قطط ، مفلّج الأسنان إذ سلّم على أبيه. فلمّا رآه الحسن عليهالسلام بكى وقال : يا سيّد أهل بيته ، اسقني الماء (المصطكي) فإني ذاهب إلى ربّي! فأخذ الصبيّ القدح المغلّى بالمصطكي بيده وحرّك شفتيه بشيء ثمّ سقاه ، فلمّا شربه قال : هيئوني للصلاة.
فطرح في حجره منديل ، ثمّ وضّأه الصبيّ على وجهه ويديه مرة مرة ، ثمّ مسح رأسه وقدميه.
فقال له أبو محمد عليهالسلام : «أبشر يا بُنيّ فأنت «صاحب الزمان» وأنت «المهدي» وأنت «حجة الله» على أرضه! وأنت ولدي ووصيي ، أنت «محمد» بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهمالسلام.
ولّدك رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وأنت خاتم الأوصياء الأئمة الطاهرين ، و (قد) بشّر بك رسول الله صلىاللهعليهوآله وسمّاك (باسمه) وكنّاك (بكنيته) بذلك عهد إليّ أبي عن آبائك الطاهرين ، وصلّى على «أهل البيت» ربنا إنه حميد مجيد» ثمّ مات من وقته صلوات الله عليه وعليهم أجمعين (١).
ونقل الصدوق عن كتاب مصنّف في أخبار التواريخ سمعه من محمد بن الحسين بن عبّاد قال :
ليلة وفاة الحسن العسكري عليهالسلام كانت ليلة جمعة ، وقد كتب بيده كتباً كثيرة إلى المدينة (أو المُدن) وفي يوم الجمعة مع صلاة الصبح ، وعنده الجارية صقيل والخادم عقيد وغيرهما ، فنقل عن عقيد قال : فدعا بماء قد اغلي له بالمصطكي ،
__________________
(١) كتاب الغيبة للطوسي : ٢٧٢ ، ٢٧٣ ، الحديث ٢٣٧.
فجئنا به إليه فقال : ابدأ بالصلاة فهيّئوني ، فبسطنا في حجره المنديل ، فأخذ الماء من صيقل فغسل به وجهه وذراعيه مرة مرة ، ثمّ مسح على رأسه وقدميه مسحاً ، ثمّ صلّى صلاة الصبح على فراشه ، وأخذ القدح ليشرب ويده ترتعد فأخذ القدح يضرب ثناياه ، فأخذت صقيل القدح من يده ، ومضى من ساعته ، وذلك لثمان خلون من شهر ربيع الأول سنة ستين ومئتين للهجرة (١).
فلعلّ الخادم عقيد تعقّد هنا عن بيان ما زاد عنه في الخبر السابق عن أبي سهل إسماعيل النوبختي ، للراوي هنا محمد بن الحسين بن عبّاد ، أو تعبّد بالتعمية عن وجود الوليد الوحيد للإمام حينئذ رعاية لواجب التقية والكتمان على وليّ العصر وصاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه. كما أغفل أبو سهل أو تساهل في نقل صلاة الإمام عليهالسلام وهذا أكمل النقل بذكرها.
وكون وقت الوفاة في وقت صلاة الصباح لعلّه أشغل أو أغفل المغفّلين المحضَرين لرقابة دار العسكري عليهالسلام في تلك الأيام ، ولعدم علمهم بالوقت بالخصوص مع كتابة الإمام في ليلتها كتباً كثيرة. وقد مرّ الخبر عن إرسال العسكري عليهالسلام لابنه الحجة مع أُمّه السيّدة سليل إلى مكة ، فلابدّ من القول بحضور الحجة حينئذ غيبياً وليس عادياً طبيعياً ، ومعه فعدم إطلاعهم غير بعيد ، إلّافيما يكشف عنه إتماماً للحجة.
وسيأتي في الخبر التالي : أنّ عقيد الخادم خرج من الدار وقال لجعفر الكذاب : يا سيدي قد كُفّن أخوك فقم وصلّ عليه! فإن صح هذا فلعلّه لهذا لم يرَ ما رآه النوبختي فروى ، أو رآه وكتمه؟! والله العالم.
وبعد ذلك أخذوا في تهيئته ، وعُطّلت الأسواق ، وركب بنو هاشم
__________________
(١) كمال الدين : ٤٧٣ ، ٤٧٤ بعد الخبر ٢٥.
(بنو العباس) والقوّاد وسائر الناس إلى جنازته ، فكانت سامرّاء يومئذٍ شبيهة بالقيامة! فلمّا فرغوا من تهيئته بعث السلطان (المعتمِد العباسي) إلى أخيه أبي عيسى بن المتوكل أمره بالصلاة عليه (١).
إجراءات ما بعد الوفاة :
جاء في خبر الكليني عن أحمد بن عبيد الله بن الخاقان : أنّ العسكري عليهالسلام لمّا توفي صارت سامرّاء ضجة واحدة ، وبعث السلطان (المعتمد العباسي) إلى داره من فتّشها وفتّش حُجَرها ، وختم على جميع ما فيها ، وطلبوا أثر ولَده! وجاءوا بنساء يعرفن الحمل فدخلن إلى جواريه ينظرن إليهن ، فذكر بعضهن : أنّ هناك جارية بها حمل! فجُعلت في حجرة ووُكّل بها نحريرُ الخادم وأصحابه ونسوة معهم.
وجاء في خبر أبي الأديان البصري قال : دخلت سامرّاء فإذا أنا بالواعية في داره وهو عليهالسلام على المغتسل ، وإذا بأخيه جعفر بن علي على باب الدار وبعض الشيعة يعزّونه (٢) وأنا كنت أعرفه أنه كان يقامر في جوسق قصر الخليفة ويلعب بالطنبور ويشرب النبيذ (المحرّم عند آبائه) فقلت في نفسي : إن يكن هذا الإمام فقد بطلت الإمامة! وعزّيته فلم يسألني عن شيء.
ثمّ خرج عقيد الخادم وقال لجعفر : يا سيدي : قد كُفّن أخوك ، فقُم وصلّ عليه! فقام جعفر ودخل ، فلمّا صرنا في الدار إذا نحن بالحسن بن علي على نعشه مكفّناً ، وتقدم جعفر ليصلّي عليه.
__________________
(١) أُصول الكافي ١ : ٥٠٣ ، ٥٠٤ ، الحديث ١ ، باب مولد العسكري عليهالسلام.
(٢) هنا في الخبر : ويهنّئونه! ممّا لا عهد لنا به في وفاة أي إمام وبداية عهد أي إمام ويتكرر هذا في الخبر! فهو مردود.
فلمّا همّ بالتكبير خرج صبيّ بوجهه سُمرة وبشعره قطط وبأسنانه تفليج ، فجذب برداء جعفر وقال له : يا عمّ تأخّر! فأنا أحق بالصلاة على أبي! فتأخر جعفر وقد اربدّ وجهه واصفر ، وتقدم الصبيّ فصلّى عليه.
ثمّ توجّه إليّ وقال لي : يا بصري ، هات جوابات الكتب التي معك. فدفعتها إليه وقلت في نفسي : هاتان بيّنتان ، وفي خبر الهميان ، وكان جعفر قد خرج من الدار فخرجت إليه ، وكان معه حاجز الوشّاء فقال له : يا سيدي ، مَن الصبيّ لنقيم عليه الدعوى؟! فقال : والله ما رأيته قط ولا أعرفه!
فبينا نحن جلوس إذ قدم نفر من «قم» وعرفوا وفاة الحسن بن علي عليهالسلام ، فقالوا : فمن نعزّي؟ فأشار الناس إلى جعفر ، فسلّموا عليه وعزّوه وقالوا : إنّ معنا كتباً ومالاً ، فتقول : ممّن الكتب وكم المال؟ فقام ينفض أثوابه ويقول : يريدون منّا أن نعلم الغيب؟
فخرج الخادم (؟) وقال : معكم كتب فلان وفلان ، وهميان فيه ألف دينار عشرة منها مطليّة!
فقالوا له : إنّ الذي وجّه بك لأخذ ذلك هو الإمام ودفعوا إليه الكتب والمال (١).
ونحوه ما أسنده الطوسي عن رجل من العباسيين الحاضرين يومئذ يُدعى أحمد بن عبد الله قال : كنا نحن من ولد العباس الحاضرين دار أبي محمد الحسن بن علي بن الرضا بسامرّاء يوم توفي ، تسعة وثلاثين رجلاً قعود ننتظر ، فأُخرجت جنازته ووضعت ، فخرج غلام عشاريُّ (السنّ) حاف عليه رداء قد تقنّع به ، فقمنا له هيبة منه ولا نعرفه! وقام الناس ، فتقدم للصلاة ،
__________________
(١) كمال الدين : ٤٧٥ ، ٤٧٦ ، الحديث ٢٥.
فاصطفوا له خلفه ، فصلّى عليه ومشى حتى دخل باباً سوى الذي خرج منه (١).
فهذه الصلاة كانت داخل الدار ، أما المحضَرين للرقابة فقد جاء في خبر أحمد بن عبيد الله الخاقان :
أنّ الجنازة لمّا وُضعت للصلاة عليها (خارج الدار بالشارع العام) جمع أبو عيسى حوله بني هاشم من العلويين والعباسيين ، والقوّاد والكتّاب ، والقضاة والمعدّلين ودنا من الجنازة فكشف عن وجه أبي محمد العسكري وعرضه عليهم وقال لهم : هذا الحسن بن علي بن محمد بن الرضا ، مات حتف أنفه على فراشه ، وقد حضره من حضره ، من خدم أمير المؤمنين وثقاته فلان وفلان ، ومن المتطببين فلان وفلان (فهذه هي مُهمّتهم دون من يصلّي عليه في الدار).
قال : ثمّ غطّى وجهه (وصلّى عليه) وأمر بحمله ، فحُمل (إلى) وسط داره ودُفن في البيت الذي دُفن فيه أبوه (٢).
أما خبر وفد قم بالكتب والأموال ، فيظهر من خبر لاحق أنّه لم يكن هنا متلاحقاً لاصقاً بلا فاصل ، بل كان بفاصل زمان ، إلّا أنّ أبا الأديان أوصله هنا استعجالاً باستكمال العلائم التي تلقّاها من العسكري عليهالسلام على الإمام القائم بالأمر من بعده ، وسيأتي الخبر.
قال ابن خاقان : فلمّا دُفن أخذ السلطان (المعتمد) في طلب ولده (فلعلّهم علموا به من صلاته) وكثر التفتيش في المنازل والدور ، وتوقّفوا عن قسمة ميراثه (٣).
__________________
(١) كتاب الغيبة للطوسي : ٢٥٨ ، الحديث ٢٢٦.
(٢) أُصول الكافي ١ : ٥٠٥ ، الحديث ١ ، باب مولد العسكري عليهالسلام.
(٣) المصدر السابق.
وقد مرّ الخبر أنّ العسكري عليهالسلام أرسل أُمّه مع ابنه الحجة إلى الحج ، وبعد الحج رحلوا إلى المدينة فنزلوا بها. فلمّا وصل خبر وفاته عليهالسلام إليها بالمدينة خرجت حتى قدمت سامرّاء. ويظهر أنّ جعفر لم يكن منها بل من امّ ولد أُخرى للهادي عليهالسلام ولذا نازعها في المواريث ورافعها إلى القاضي محمد بن الحسن بن أبي الشوارب الأُموي وقضى لها وأن يقسم الميراث بينهما. وعند ذلك ادّعت السيدة صقيل أنها حامل ، فحُملت إلى دار المعتمد العباسي وجعل نساءه ونساء الواثق ونساء القاضي ابن أبي الشوارب يتعهدن أمرها.
ثمّ دهمهم موت الوزير عبيد الله بن الخاقان وخروج الزنوج بالبصرة والصفّار إلى العراق فتركوها (١).
وجاء في آخر خبر ابن خاقان : أنّ الجارية إنما تُوُهم عليها الحمل ، فوُكّل بها نساء يلازمنها حتّى يتبيّن أمرها ، فلم يزل اللواتي وُكّلن بحفظ الجارية ملازمين لها حتى تبيّن بطلان ذلك.
فلمّا بطل الحمل قُسّم ميراثه وادّعت أُمّه أنها وصيّته ، وثبت ذلك عند القاضي (ابن أبي الشوارب) فقُسّم ميراثه بين امه وأخيه جعفر. ومع بطلان الحمل لم يزل السلطان على ذلك يطلب أثر ولده.
وبعد ذلك جاء جعفر إلى أبي (عبيد الله بن خاقان) وقال له : اجعل لي مرتبة أخي ، وأُوصلُ إليك في كل سنة عشرين ألف دينار!
فقال له أبي : يا أحمق! إنّ السلطان جرّد سيفه في الذين زعموا أنّ أباك وأخاك أئمة ليردّهم عن ذلك ، فلم يتهيّأ له ذلك! فإن كنت عند شيعة أبيك وأخيك إماماً فلا حاجة بك أن يرتّبك في مراتبهما السلطان أو غير السلطان ،
__________________
(١) انظر بعضه في دلائل الإمامة : ٢٢٣.
وإن لم تكن عندهم بهذه المنزلة لم تنلها بنا. ثمّ أمر أبي حاجبه أن يحجبه عنه فلم يأذن له بالدخول عليه حتى مات أبي (١).
وفود الأموال من قم والجبال :
أسند الصدوق عن سنان الموصلي قال : لمّا قُبض سيدنا أبو محمد الحسن العسكري عليهالسلام ، وفدت وفود بالأموال من قم والجبال ، كما كانت تُحمل على الرسم والعادة من دون أن يعلموا بوفاته عليهالسلام. فلمّا وصلوا سامرّاء وسألوا عن سيدنا الحسن عليهالسلام وقيل لهم بوفاته قالوا : فمن وارثه؟ قالوا : أخوه جعفر بن علي! وقد خرج اليوم يتنزّه فركب زورقاً في دجلة ومعه المغنون وهم يشربون!
فتوقّفوا وتشاوروا وقال بعضهم : امضوا بنا حتى نردّ هذه الأموال على أصحابها ، فهذه ليست من صفات الإمام! وكان فيهم محمد بن جعفر الحميري القمي فقال لهم : بل قفوا بنا حتى يرجع ونختبر أمره.
فلمّا عاد دخلوا عليه فسلموا وقالوا : يا سيدنا نحن من أهل قم ، ومعنا جماعة من الشيعة وغيرهم ، وكنا نحمل أموالاً إلى سيدنا أبي محمد الحسن. ولها خبر طريف! قال : وما هو؟ قالوا : إنّ هذه الأموال تُجمع من عامة الشيعة ويكون فيها الدرهم والدرهمان! ثمّ يجعلونها في كيس ويختمون عليه. وكنا إذا وردنا بالمال على سيدنا أبي محمد يقول : جملة المال كذا وكذا ديناراً ، من عند فلان كذا ومن فلان كذا ، حتى يأتي على أسماء الناس كلّهم ويقول ما على الخواتيم من نقوش!
__________________
(١) أُصول الكافي ١ : ٥٠٥ ، ٥٠٦ ، الحديث ١ ، باب مولد العسكري عليهالسلام ، وفي كمال الدين : ٤٠ ـ ٤٤ وفيه : لازموها سنتين!
فقال لهم : كذبتم ، إنكم تقولون على أخي ما لم يفعله ، فهذا «علم الغيب» ولا يعلمه إلّاالله! وقال لهم : احملوا هذا المالي إليّ.
فقالوا : إنا قوم وكلاء مستأجَرون لأرباب المال ولا نسلّم المال إلّا بالعلامات التي كنا نعرفها من سيدنا أبي محمد الحسن ، فإن كنت الإمام فبَرهِن لنا ، وإلّا رددناها إلى أصحابها يرون رأيهم فيها.
فاستعداهم جعفر إلى المعتمِد العباسي وأحضرَهم لديه ، فقال لهم الخليفة :
احملوا هذا المال إلى جعفر! قالوا : أصلح الله أمير المؤمنين! إنّا قوم وكلاء مستأجَرون لأرباب هذه الأموال ، وهي ودائع لجماعات أمرونا أن لا نسلّمها إلّا بدلالة وعلامة ، جرت بها العادة مع أبي محمد الحسن.
فقال الخليفة : وما كانت العلامة التي كانت مع أبي محمد؟
قال القوم : كان يصف لنا الدنانير وأصحابها وكم هي الأموال؟ فإذا فعل ذلك سلّمناها إليه ، وقد وفدنا إليه مراراً فكانت هذه دلالتنا معه وعلامتنا ، وقد مات ، فإن يكن هذا الرجل صاحب هذا الأمر! فليُقِم لنا ما كان يقيمه لنا أخوه ، وإلّا رددناها إلى أصحابها.
فقال جعفر : يا أمير المؤمنين! هذا «علم الغيب» وهؤلاء قوم كذّابون يكذبون على أخي بهذا!
فقال الخليفة : القوم رسل ، (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ)! فلم يرد جعفر جواباً.
فقال قائل القوم للخليفة : يتطوّل أمير المؤمنين! باصدار أمره إلى أن يبَدرِقوننا (يشايعوننا) حتى نخرج من هذه البلدة! فأمر لهم بنقيب (من الشرطة) فأخرجوهم من سامرّاء.
فلمّا أن خرجوا من البلد خرج إليهم غلام من أحسن الناس وجهاً ، فناداهم : يا فلان ويا فلان! أجيبوا مولاكم! قالوا : أنت؟ قال : أنا عبد مولاكم فسيروا إليه.
فساروا معه حتى دخلوا دار المولى الحسن عليهالسلام فإذا ولده سيدنا القائم قاعد على سرير ، وكأنه فلقة قمر! وعليه ثياب خُضر! فسلّموا عليه فردّ عليهمالسلام ثمّ قال لهم : جملة المال كذا وكذا ديناراً حَمّل فلان كذا ، وحَمّل فلان كذا ، حتى وصف كلّها ، ووصف ثيابهم ورحالهم ودوابَّهم!
فسجدوا شكراً لله لما عرّفهم وقبّلوا الأرض بين يديه وسألوه مسائل فأجابهم ، وحملوا إليه الأموال. فقال لهم : لا تحملوا بعدها شيئاً من المال إلى سامرّاء بل إنه ينصب لهم «ببغداد» رجلاً يحملون إليه المال وتخرج من عنده «التوقيعات».
ثمّ دفع إلى محمد بن جعفر الحميري القمي كفناً وحنوطاً وقال له : أعظم الله أجرك في نفسك!
فلمّا بلغ أبو العباس محمد الحميري عقبة همَدان توفي رحمهالله (١) فاختصر بل اختزل أبو الأديان هذا البيان كلّه في كلمات وأوهم أنها كانت يوم بل حين تشييع الجنازة والصلاة عليها ، وهو غير معقول تقريباً!
نقل الصدوق الخبر ثمّ علّق عليه قال : لماذا كفّ عمّا مع القوم من الأموال بل ودفع جعفراً الكذاب عن مطالبته إياهم ، ولم يأمرهم بتسليمها إليه؟!
وأجاب : إنّ هذا الخبر يدل على أنّ الخليفة (المعتمد) كان يعرف هذا الأمر من أين هو وكيف هو وأين موضعه! إلّاأنّه كان يحب أن يخفى هذا الأمر ولا ينتشر ، لئلّا يهتدى الناس إليه فيعرفونه. ثمّ نقل هنا آخر خبر ابن خاقان في
__________________
(١) كمال الدين : ٤٧٦ ـ ٤٧٨ ، الحديث ٢٦ ، الباب ٤٣.
عرض جعفر على أبيه العشرين ألف دينار ، ليجعل له مرتبة أخيه الحسن العسكري عليهالسلام ، وجواب أبيه الخاقان ، إلّاأنّه بدّله بالخليفة نفسه (١).
فإما أن يكون هذا من الصدوق سهواً ، أو أنه يرى أنّ هذا العرض على الوزير لا يكون له رأساً مستقلاً بل بوصفه وزيراً للخليفة فالعرض عليه بالحقيقة ، ولا يبعد أن يكون هذا بعد أن رأى من الخليفة المعتمد من تعمّد إغفاله وإهماله والتسامح والتساهل مع اولئك الشيعة وأموالهم المحمولة الحاضرة!
ولعلّ أحمد بن خاقان لم يُحط علماً بسوابق هذا العرض من جعفر على أبيه وخلفياته فأخبر بما علِم.
هل كنّ الجواري عند العَمري؟ :
مرّ الخبر أنّ العسكري عليهالسلام نعى نفسه إلى والدته سليل جدّة الحجة عجل الله فرجه وأرسله معها إلى الحج ثمّ إلى المدينة ، إلّاأنها بعد علمها بوفاته عليهالسلام عادت إلى سامراء ، ولم يكن جعفر منها فنازعها الميراث فادّعت الوصية عن ابنها الحسن عليهالسلام وحكم لها بذلك القاضي ابن أبي الشوارب الأُموي العبّاسي!
وبلا استناد إلى خبر خاص تحدّث من قدماء الشيعة الشيخ علي السدّآبادي : أنّ العسكري عليهالسلام لما أدركته وفاته أمر وكيله الشيخ عثمان بن سعيد الأسدي العَمري أن يجمع له جمعاً من شيعته ، فأخبرهم بابنه الحجة وأنه صاحب الأمر بعده ، وأنّ أبا محمد عثمان العَمري ، بابه ووكيله وسفيره بينه وبينهم ، فمن كانت له حاجة فليقصده كما كان. ثمّ سلّم إليه أمر جواريه بما فيهن والدة الحجة (عجل الله تعالى فرجه).
__________________
(١) كمال الدين : ٤٧٨ ـ ٤٧٩.
فلمّا قُبض العسكري عليهالسلام تسلّم العمريّ أمرهن ، فسعى جعفر إلى المعتمِد في جواري أخيه عند العَمري وقال له : إنّ في هذه الجواري جارية حُبلى إذا ولدت ولداً يكون على يده ذهاب دولتكم! فأنفد المعتمد إلى الشيخ العَمري وأمره أن ينقلهنّ إلى دار القاضي محمد بن الحسن بن أبي الشوارب الأُموي ، أو بعض شهوده ، حتى يُستبرأنَ من الحمل. فسلّمَهن إلى بعض عدولهم (؟)
فأقمن الجواري عند ذلك العدل سنة ، ثمّ ردّهن إلى الشيخ العمري وفيهن والدة الحجة (عجل الله تعالى فرجه) فلمّا تسلّمهن الشيخ العَمري انتقل إلى بلده بغداد ونقلهنّ معه.
فكانت الشيعة تقصده من كل بلد بحوائجهم في قصاصات أوراق ، فكانت الأجوبة تخرج منه إليهم (١).
وهنا هكذا ينبتر الخبر بلا خبر عن عودة السيّدة نرجس ورجوعها إلى سامراء ، ووفاتها ودفنها بدارهم هناك! على المشهور المعروف في ذلك ، كما عليه الشيعة اليوم ، بل خلفاً عن سلف.
هذا ، وقد أسند الطوسي عن هبة الله ابن الكاتب سبط الشيخ محمد بن عثمان العَمري : أنّ جدّه لأُمّه الشيخ عثمان العَمري كان مأموراً بتولّي جميع أُمور العسكري عليهالسلام فحضر غسله وتولّى تحنيطه وتكفينه ودفنه (٢).
ولم يذكر تسلّمه لجواريه ثمّ نقلَهنّ معه إلى بغداد ثمّ عودتهنّ إلى سامرّاء كما في الأخبار السابقة.
__________________
(١) المقنع في الإمامة : ١٤٦ ، وعنه في الأنوار البهية : ٣٢٨ ، ٣٢٩.
(٢) كتاب الغيبة للطوسي : ٣٥٦ ، الحديث ٣١٨.
عهد
الإمام المهدي عليهالسلام
في الغيبة الصغرى
بقي المهدي (عجل الله تعالى فرجه) بسامرّاء :
مرّ الخبر أنّ جعفر بن علي الكذّاب ادّعى كذباً وراثته لأخيه الحسن عليهالسلام ، واستظهرنا أنه لم يكن من أُمّ الحسن عليهالسلام ولذا خاصمها في ذلك ورافعها إلى القاضي ابن أبي الشوارب الأُموي فقضى له.
وقد مرّت أخبار عن عناية العسكريَّين عليهماالسلام بأبي هاشم داود بن القاسم الجعفري من أحفاد عمّهم جعفر الطيار ، فلعلّه كان هو أو أحد الجعفريّين أودع صبيّة له في دار العسكريَّين يربّونها ، فروى الكليني عن شيخه علي بن محمد بن بندار القمي قال : كان فيما باع جعفر الكذّاب صبيّة جعفرية كانت في دار العسكريَّين ، فذهب بعض العلويّين إلى أهل «الناحية» فأعلمهم بالخبر ، فبعثوا إلى الذي اشترى الصبيّة من جعفر بثمنها أحد وأربعين ديناراً ، وأمروه أن يدفعها إلى صاحبها. فقال المشتري : قد طابت نفسي بردّها وأن لا أرزأ (لا أنقص) من ثمنها شيئاً ، فخذوها (١).
__________________
(١) أُصول الكافي ١ : ٥٢٤ ، الحديث ٢٩ ، باب مولد الصاحب عليهالسلام.
والمعنيّ بالناحية : الناحية المقدسة للحجة عليهالسلام ، وظاهره أنه وإن لم يكن بداره جهاراً ولكنّه كان بسامرّاء سرّاً يعلمه ويعرفه بعض العلويّين فأعلمهم بخبر الصبيّة وبعثوا (؟) بثمنها عن أصحابها من آل جعفر الطيار رضى الله عنه. وكان لهم من المال ما يتصرّفون به وإن كان جعفر الكذّاب حاول أن يجرّدهم منه.
بل أسند الكليني عن شيخه علي بن محمد القمي عن الفضل المدائني الخزّاز (عن) مولى خديجة بنت الجواد عليهالسلام (أُخت حكيمة) : أنّ قوماً من الطالبيين بالمدينة كانوا يقولون بالحق ، وكانت ترد عليهم وظائف (مالية) في أوقات معلومة! عن أبي محمد العسكري عليهالسلام ، فلمّا مضى أبو محمد عليهالسلام ثبت جمع منهم على القول بولده (المهدي عليهالسلام) فوردت إليهم وظائفهم (المالية) وقُطعت عن من لم يثبت منهم على القول به عليهالسلام (١).
وكان من وكلاء الهادي عليهالسلام : فارس بن حاتِم القزويني البغدادي ، ثمّ غلا فيه وفتن جمعاً ودعاهم إلى البدع ، وبلغ ذلك إلى الإمام عليهالسلام فخرج منه كتاب فيه : هذا فارس «لعنه الله» كان يعمل من قبلي (ثمّ كان) فتّاناً داعياً إلى البدعة ، فدمه هدر لكل من قتله! فمن يقتله ويريحني منه وأنا ضامن له على الله الجنة!
وقصد فارس سامرّاء ، فأرسل الهادي عليهالسلام إلى رجل من مواليه يُدعى الجُنيد أمره بقتل فارس!
فأسند الكشي عن سعد بن عبد الله الأشعري القمي عن جُنيد هذا قال : لمّا أرسل إليَّ أبو الحسن العسكري يأمرني بقتل فارس ، قلت : لا ، حتى أسمعه منه يقول لي ذلك يشافهني به!
فبلغ ذلك إلى الإمام عليهالسلام فبعث إليّ فدعاني إليه ، فصرت إليه ، فقال لي :
__________________
(١) أُصول الكافي ١ : ٥١٨ ، الحديث ٧ ، باب مولد الصاحب عليهالسلام.
آمرك بقتل فارس بن حاتم! وناولني دراهم وقال لي : اشتر بهذه سلاحاً واعرضه عليَّ.
قال جُنيد : فذهبت واشتريت سيفاً فعرضته عليه فقال : ردّ هذا وخذ غيره. قال : فرددته وأخذت مكانه ساطوراً فعرضته عليه فقال : هذا نعم.
قال جُنيد : وكان فارس يصلّي في المسجد فلما صلّى المغرب وخرج جئته فضربت على رأسه بالساطور وثنّيت عليه فسقط ميتاً ، ورميت بالساطور من يدي. ووقعتِ الضجة واجتمع عليه الناس ، وإذ لم يوجد هناك أحد غيري اخذت ، ولكنّهم لم يروا معي سلاحاً ولا سكيناً ، ولم يروا أثراً للساطور! وطلبوا الزقاق والدور فلم يجدوا شيئاً (١) فأفلتوه. وكان ذلك بعد سنة (٢٤٨ ه) (٢).
ثمّ أمر الهادي عليهالسلام بعض وكلائه أن يُجروا على الجُنيد هذا قاتل فارس وآخرين معه وظيفة مالية في أوقات معلومة ، ولمّا توفي في (٢٥٤ ه) كان يرد كتاب العسكري عليهالسلام على وكيله الحسين بن محمد الأشعري القمي البغدادي بالإجراء على الجُنيد كما كان ، حتى توفي في (٢٦٠ ه) فورد عليه من الصاحب عليهالسلام استئناف الإجراء على الآخرين ولم يرد في أمر الجُنيد شيء. بل ورد نعيه (٣). فعُرف أنه توفي في سنة وفاة العسكري عليهالسلام عام (٢٦٠ ه).
فلعلّ هذه المصارف الأولية كانت من أموال الوفدين القميّين : وفدهم في خبر أبي الأديان البصري ، ثمّ وفدهم الذي طالبهم جعفر الكذاب ثمّ رافعهم إلى المعتمِد العباسي فسلِموا منه ، وقد مرّ خبرهما.
__________________
(١) اختيار معرفة الرجال : ٥٢٤ ، الحديث ١٠٠٦.
(٢) المصدر السابق : ٥٢٧ ، الحديث ١٠٠٩.
(٣) أُصول الكافي ١ : ٥٢٣ ، الحديث ١٩.
وممّا يؤكد أنّ «الناحية» يومئذٍ بسامراء : ما أسنده الكليني عن شيخه علي بن محمد بن بندار القمي عن أبي محمد الحسن بن عيسى العُريضي : أنّ مصرياً ورد بمال معه من مصر إلى مكة يسأل عن أبي محمد العسكري عليهالسلام ، فقيل له : إنّ أبا محمد قد مضى بسامرّاء وخلفه أخوه جعفر ، وقيل له : بل إنه مضى عن خلف له بسامرّاء.
فبعث رجلاً من أصحابه يكنّى أبا طالب بكتاب معه إلى سامرّاء! فوردها وصار إلى جعفر وسأله عن برهان فلم يتهيّأ له! فدُل على الباب (؟) فصار إليه وأنفذ الكتاب ، فخرج إليه الجواب : آجرك الله في صاحبك فقد مات ، وأوصى بالمال الذي كان معه إلى ثقة ليعمل فيه بما يحب (١).
كذا جاء في هذا الخبر ذكر «الباب» بلا تسمية له ، ولعلّه لمعلوميته أنه الشيخ عثمان بن سعيد العَمري الأسدي باب الهادي عليهالسلام ، ومن قِبل العسكري له ثمّ لابنه المهدي عليهماالسلام في سامرّاء.
إلّا أنّ ذلك لم يكن مشهوراً معروفاً معلوماً لدى عموم شيعتهم عليهمالسلام ومنهم أهل قم ، فأسند الكليني عن شيخه علي بن محمد بن بندار القمي عن سعد بن عبد الله الأشعري القمي بأنهم لمّا بلغهم مُضيّ العسكري عليهالسلام اجتمعوا وفيهم الحسن بن النضر وتكلّموا في الوكلاء ، وأرادوا الفحص ، فقال الحسن بن النضر أنه يريد الحج ، فقال له أبو صدّام (؟) أخِّره هذه السنة فأبى ، وأوصى بمال له للناحية إلى أحمد بن يعلى بن حمّاد ، وأمره أن لا يُخرج من يده شيئاً إلّابعد ظهور أمره ، وخرج إلى العراق.
ولمّا عاد من سفره حدّث إلى سعد بن عبد الله قال : لمّا وافيت بغداد اكتريت
__________________
(١) أُصول الكافي ١ : ٥٢٣ ، الحديث ١٩.