تراث الشيعة الفقهي والأصولي - ج ١

مهدي المهريزي ومحمد حسين الدرايتي

تراث الشيعة الفقهي والأصولي - ج ١

المؤلف:

مهدي المهريزي ومحمد حسين الدرايتي


الموضوع : الفقه
الناشر: مكتبة الفقه والأصول المختصّة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-21-8
الصفحات: ٦٣٢

٥٢١

٥٢٢

حجّية الشهرة

بسم الله الرّحمن الرّحيم وبه نستعين (١)

الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على خير خلقه محمّد وآله (٢) الطاهرين.

أمّا بعد ، فيقول الفقير إلى ربّه الغنيّ ، عليّ بن محمّد عليّ : إنّ هذه رسالة منفردة (٣) في بيان حجّيّة الشهرة وجواز الاعتماد عليها في إثبات الأحكام الشرعيّة ، قد كتبتها في غاية الاستعجال ، مع كثرة الاشتغال ، وبلبال البال ، وإخلال (٤) الحال ، فأقول ـ وبالله سبحانه التوفيق ، والهداية إلى سواء الطريق ـ :

[ استدلال الشهيد على حجيّة الشهرة : ]

قد حكى شيخنا الشهيد رحمه‌الله في الذكرى عن بعض الأصحاب إلحاق الشهرة بالإجماع ، واستقربه إن كان المراد إلحاقها في الحجّيّة لا في كونها إجماعا ، قال : لأنّ عدالتهم تمنع من الاقتحام على الإفتاء بغير دليل ، ولا يلزم من عدم الظفر بالدليل عدم الدليل ، ولقوّة الظنّ في جانب الشهرة (٥) .

وحكى هذا القول وحيد عصره وزمانه ، وفريد دهره وأوانه ، خالي العلّامة ـ أدام الله سبحانه على رءوس العباد (٦) ظلاله ـ عن استاد الكلّ في الكلّ آقا حسين الخوانساري ، واختاره لكن قال بعدم حجّيّتها إذا خلت عن حجّة أصلا ولو رواية ضعيفة أو نحوها ؛ لاشتهاره بين أصحابنا بحيث كاد (٧) أن (٨) يكون إجماعا.

__________________

(١) خ : وبه توكّلي. ش ، م : ـ به نستعين.

(٢) س : + الطيبين.

(٣) س : مقرّرة.

(٤) خ : اختلال.

(٥) ذكرى الشيعة ، ج ١ ، ص ٥١ ـ ٥٢.

(٦) ش : رءوس الأنام والعباد.

(٧) ق ، م : كان.

(٨) ش ، ق ، ع : ـ أن.

٥٢٣

[ جواب صاحب المعالم عن الشهيد : ]

وهذا هو الأقوى لما ذكره شيخنا (١) في الذكرى من الدليلين وإن اجيب عنهما (٢) :

فعن الأوّل ، بأنّ العدالة إنّما يؤمن معها تعمّد الإفتاء بغير ما يظنّ بالاجتهاد دليلا ، وليس الخطأ بمأمون على الظنون.

وعن الثاني ، بأنّ الشهرة التي يحصل (٣) معها قوّة الظنّ هي الحاصلة قبل زمن الشيخ رحمه‌الله لا الواقعة بعده ، وأكثر ما يوجد مشتهرا (٤) في كلام الأصحاب حدث بعد زمن الشيخ رحمه‌الله كما نبّه عليه شيخنا الشهيد الثاني [ رحمه‌الله ] في كتاب الرعاية (٥) الذي ألّفه في دراية الحديث مبيّنا وجهه فيما حكي عنه (٦) من أنّ (٧) أكثر الفقهاء الذين نشئوا بعد (٨) الشيخ رحمه‌الله كانوا يتّبعونه في الفتوى تقليدا له ؛ لكثرة اعتقادهم فيه (٩) وحسن ظنّهم به ، فلمّا جاء المتأخّرون وجدوا أحكاما مشهورة قد عمل بها الشيخ (١٠) ومتابعوه فحسبوها شهرة من (١١) العلماء وما دروا أنّ مرجعها إلى الشيخ (١٢) وأنّ الشهرة حصلت بمتابعته.

[ الجواب عن صاحب المعالم : ]

وذلك لضعف الجوابين :

فالأوّل (١٣) بأنّ احتمال الخطأ في دليلهم إنّما ينافي قطعيّة صحّته (١٤) لا ظنيّته (١٥)

__________________

(١) خ : + رحمه‌الله.

(٢) المجيب صاحب المعالم ، ص ١٧٦ ، كما سيأتي التصريح بذلك. وعنه في مفاتيح الاصول ، ص ٥٠٠.

(٣) ق ، م ، س : تحصل.

(٤) ش ، ع : شهرة.

(٥) الرعاية ( رسائل في دراية الحديث ) ، ج ١ ، ص ١٧٤.

(٦) حكي عنه صاحب المعالم كما تقدّم.

(٧) ق ، م ، ش : ـ أنّ.

(٨) خ ، م : + زمن.

(٩) ش ، ع : اعتمادهم عليه.

(١٠) خ : + رحمه‌الله.

(١١) خ والمعالم : بين.

(١٢) خ ، ش : + رحمه‌الله.

(١٣) نقل ابنه السيّد المجاهد في مفاتيح الاصول ، ص ٥٠١ و٥٠٢ عن والده وكذا الجواب الثاني.

(١٤) ش : في صحّة حجّته.

(١٥) خ : ظنّيّتها. ق : خلفيتها ـ ! .

٥٢٤

و(١) بعد الخطأ فيه جدّا ، وذلك فإنّ المشهور ـ مع نهاية عدالتهم وفقاهتهم وتبحّرهم (٢) واختلاف أفهامهم وآرائهم وعدم موافقة بعضهم مع بعض في كثير من الأدلّة الاجتهاديّة والمسائل الخلافيّة حتّى أنّ بعضهم ربّما خالف نفسه في مواقع (٣) عديدة ، وتعدّد (٤) أقواله (٥) متخالفة متصاعدة (٦) ربّما (٧) بلغت إلى أربعة ـ إذا رأيناهم توافقوا في مسألة واتّفقوا على الحكم فيها من دون تزلزل ولا شبهة استبعدنا وقوع الخلل والخطأ في دليلهم ، ومنه (٨) يلزم الظنّ القويّ ـ غاية القوّة ـ بصحّته.

لكن لا يخفى عليك أنّ مآل هذا الدليل على هذا التقرير يرجع إلى الدليل الثاني ، وإلّا فأصل (٩) الدليل على التقرير المسطور في الذكرى ربّما لا يندفع عنه الاعتراض المتقدّم كما لا يخفى.

والثاني (١٠) بما نبّه عليه المحقّقون (١١) ممّا هو ظاهر لكلّ (١٢) ناظر من منع متابعة الفقهاء المتأخّرين عن الشيخ (١٣) له في الفتوى أوّلا ؛ إذ لم نجدها بل وجدنا خلافها كثيرا ، ولو سلّمت فإنّما هي بالدليل لا بالتقليد ، فإنّ عدالتهم تمنع عنه (١٤) مع تصريحهم بحرمة تقليد المجتهد الآخر (١٥) وإن حسن ظنّه (١٦) به (١٧) .

فإن أراد بقوله : « تقليدا له » التقليد بهذا المعنى فوا فضيحتاه ؛ لاستلزامه تفسيق

__________________

(١) هنا بدل « و » في « ش ، ع » كلمة تشبه ب « أحقّ » ؟

(٢) خ ، ش ، ع : بحثهم.

(٣) خ ، م : مواضع.

(٤) ر ، س ومفاتيح الاصول : ـ تعدّد.

(٥) ش ، ع : أقوال.

(٦) س : مبتاعدة.

(٧) في مفاتيح الاصول : حتّى.

(٨) في مفاتيح الاصول : منهم.

(٩) خ : + هذا.

(١٠) المثبت من خ ، م ، وفي سائر النسخ : ـ الثاني.

(١١) ش ، ع ، ق : المحقّق ( ره ) وهو تصحيف.

(١٢) ق ، م : الكلّ.

(١٣) خ : + رحمه‌الله.

(١٤) ر ، س ومفاتيح الاصول : عن ذلك.

(١٥) خ ، ش : للآخر. س : لآخر.

(١٦) في مفاتيح الاصول : ظنّهم.

(١٧) خ ، ش ، ع ، ق : ـ به.

٥٢٥

مجتهدي المتأخّرين عن الشيخ (١) بتقليدهم له من غير دليل ، وظهور فساده كاف في بيان فساده.

وإن أراد به المطابقة له في القول بالدليل فمثله جار في مجتهدي القدماء أيضا ، مع أنّه يقول بقوّة الظنّ المستفاد من الشهرة بينهم.

هذا (٢) ، مع أنّ الجواب ـ على تقدير صحّته ـ إنّما منع حصول قوّة الظنّ من الشهرة المتأخّرة لا مطلق الشهرة كما ترى (٣) .

[ الأولى في الجواب وفساده ، واستدلال صاحب المعالم بدليل الانسداد لحجيّة أخبار الآحاد جريانه في الشهرة أيضا : ]

ولكن لو اجيب عنه (٤) بمنع كلّيّة الكبرى وهو (٥) حجّية كلّ ظنّ للمجتهد ، لكان أولى ؛ من حيث استلزامه عدم حجّيّة الظنّ الحاصل من الشهرتين كلتيهما ، (٦) لكنّه فاسد من جهة اخرى ، وهي عموم ما استدلّ به المجيب ـ وهو صاحب المعالم ـ لحجّيّة (٧) أخبار (٨) الآحاد والظنّ المستفاد منها للظنّ الحاصل منها (٩) ومن غيرها من الدليل الرابع وهو أنّ باب العلم القطعي بالأحكام الشرعيّة ـ التي لم تعلم (١٠) بالضرورة من الدين أو من مذهب أهل البيت عليهم‌السلام (١١) في نحو زماننا (١٢) ـ منسدّ قطعا ؛ إذ الموجود من أدلّتها لا تفيد (١٣) غير الظنّ (١٤) ؛ لفقد السنّة المتواترة ، وانقطاع طريق الاطّلاع على الإجماع من غير جهة النقل

__________________

(١) خ ، م : + رحمه‌الله.

(٢) تبعه في هذا الجواب لجدّه الملّا صالح المازندراني كما في مفاتيح الاصول ، ص ٥٠٢.

(٣) من هنا إلى آخر الرسالة نقل ابنه السيّد المجاهد في مفاتيح الاصول ص ٤٧٧ ـ ٤٨٣.

(٤) في هامش خ : أي عن الدليل الثاني « ١٢ » .

(٥) في مفاتيح الاصول : هي.

(٦) خ ، ش : كليهما.

(٧) في مفاتيح : على حجّيّة.

(٨) خ ومفاتيح : الأخبار.

(٩) خ : ـ للظنّ الحاصل منها.

(١٠) ش ، م ، ع : لم يعلم.

(١١) ع ومفاتيح : ـ عليهم‌السلام.

(١٢) خ وبعض نسخ المعالم : + هذا.

(١٣) خ وبعض نسخ المعالم : لا يفيد.

(١٤) في مفاتيح : إلّا الظنّ.

٥٢٦

بخبر الواحد ، ووضوح كون أصالة البراءة لا يفيد (١) غير (٢) الظنّ ، وكون الكتاب ظنّيّ الدلالة ، وإذا تحقّق سدّ (٣) باب العلم في حكم شرعي (٤) كان التكليف فيه بالظنّ قطعا ، والعقل قاض بأنّ الظنّ إذا (٥) كان (٦) له جهات متعدّدة متفاوتة بالقوّة والضعف ، فالعدول عن القويّ (٧) منها إلى الضعيف قبيح.

قال : ولا ريب أنّ كثيرا من أخبار (٨) الآحاد يحصل بها من الظنّ ما لا يحصل بشيء من سائر الأدلّة ، فيجب تقديم العمل بها (٩) .

وهذا الدليل كما ترى (١٠) جار في الشهرة جدّا ؛ إذ لا ريب في حصول الظنّ بها ما لا يحصل من سائر الأدلّة ، فيجب تقديم العمل بها ، ولعلّه لهذا لم يجب عن الدليل الثاني بما قدّمناه من منع كلّيّة الكبرى ، وإنّما أجاب عنه بما أجاب مشعرا بحجّيّة (١١) الشهرة إذا كانت من القدماء.

[ الجواب عن دليل الانسداد بمنع دلالته على كليّة الكبرى والمناقشة فيه : ]

وأمّا ما يجاب عن الدليل الرابع بمنع دلالته على كلّيّة الكبرى من أنّه إن اريد أنّه كان التكليف بالظنّ من حيث إنّه ظنّ فالملازمة المذكورة (١٢) ـ أي استلزام انسداد باب العلم في حكم شرعي لكون التكليف فيه بالظنّ قطعا ـ ممنوعة ؛ لجواز اعتبار الشارع امورا مخصوصة بخصوصها وإن كانت مفيدة للظنّ لا من حيث إفادتها الظنّ كأصالة البراءة فإنّه ربّما يقال (١٣) : حجّيّتها من جهة الإجماع.

__________________

(١) ق ، م ، ع ، ر ومفاتيح : لا تفيد.

(٢) ر : سوى.

(٣) ش : انسدّ ، وفي المعالم : انسداد.

(٤) ش : بالحكم الشرعي.

(٥) خ : إن.

(٦) ق : كانت.

(٧) المثبت من « ر ، س » والمعالم ، وفي سائر النسخ : ـ عن القويّ.

(٨) ش ، خ ، ع : الأخبار.

(٩) المعالم ، ص ١٩٢ ـ ١٩٣.

(١٠) في مفاتيح : وهو كما ترى.

(١١) المثبت من ش ، ع ومفاتيح ، وفي سائر النسخ ، لحجّية.

(١٢) في مفاتيح : ـ المذكورة.

(١٣) ع : + إنّ.

٥٢٧

وإن اريد أنّه كان التكليف بما يفيد الظنّ وإن لم يكن من حيث إفادة (١) الظنّ فالملازمة مسلّمة ، لكن نمنع (٢) قوله : « والعقل قاض بأنّ الظنّ إذا كان له ... » (٣) اه ؛ لأنّه على هذا التقدير لا دخل للظنّ حتّى يعتبر ضعفه وقوّته ، ويكون الانتقال من القويّ إلى الضعيف قبيحا.

وهذا الجواب كما ترى ؛ لأنّا نقول : المراد هو الأوّل.

قوله : « فالملازمة المذكورة ممنوعة ؛ لجواز اعتبار الشارع ... » إلخ ممنوع ؛ إذ جوازه وإن كان ممكنا ظاهرا (٤) فيتوهّم منه منع الملازمة إلّا أنّ ملاحظة الدليل القاطع من الخارج بعد التأمّل الصادق يمنعه ويثبتها ، وهو الضرورة القاطعة بأنّ لزوم (٥) الاقتصار في الأحكام الشرعيّة على أمثال تلك الامور المخصوصة يوجب الخروج عن الدين ، وعدم (٦) التديّن بدين خير (٧) المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله وذلك فإنّ (٨) مثل تلك الامور ـ التي قطعنا باعتبار الشارع لها وعلمنا بها (٩) علما قطعيا من جهة الإجماع ونحوه من الأدلّة القاطعة ـ ليس إلّا ظواهر الكتاب والسنّة المتواترة وأصالة البراءة ، والاقتصار عليها وعدم التجاوز (١٠) إلى غيرها من الظنون الاجتهاديّة المستفادة من أخبار (١١) الآحاد ونحوها في كلّ مسألة مسألة (١٢) من المسائل الخلافيّة من أوّل الفقه إلى آخره ـ بمعنى وجوب الرجوع إليها وطرح الظنون المخالفة لها ـ يوجب ما ذكرنا (١٣) جدّا ، وإنكاره مكابرة قطعا ، فإنّ أكثر الأحكام الشرعيّة الآن مستفادة ممّا عدا (١٤) الامور المزبورة (١٥) من أخبار الآحاد

__________________

(١) ش ، ع : إفادتها.

(٢) خ ، م : يمنع.

(٣) م : + جهات.

(٤) ش ، ع ومفاتيح : ـ ظاهرا.

(٥) ر ، س ومفاتيح : ـ لزوم.

(٦) مفاتيح : « عن » بدل « عدم » .

(٧) ش ومفاتيح : سيّد.

(٨) ر ومفاتيح : بأنّ.

(٩) المثبت من ش ، ع. وفي سائر النسخ : به.

(١٠) ق : + عنها.

(١١) المثبت من خ ، م. وفي سائر النسخ : الأخبار.

(١٢) المثبت من خ ، م. وفي سائر النسخ : ـ مسألة.

(١٣) ق ، م ، ع : ذكرناه.

(١٤) خ : + هذه.

(١٥) ش : المذكورة.

٥٢٨

والإجماعات المنقولة وغيرها من أسباب الظنون الاجتهاديّة بالضرورة ، وليس على اعتبارها دليل قاطع لو لم نعتبر (١) هذا الدليل ، أعني الدليل الرابع ، فإنّ الآيات المستدلّ بها على حجّيّة الأخبار (٢) ـ على تقدير تسليم وضوح دلالتها ـ يستلزم العمل بها عدم العمل بمضمونها ، وذلك فإنّها ما دلّت على حجّيّة خبر دون خبر وأثر دون آخر ، بل دلّت على حجّيّة جميع أخبار الآحاد ، ومن جملتها الإجماع على عدم حجّيّتها مطلقا المحكيّ في كلام جماعة من القدماء كابن زهرة والحلّي والمرتضى. (٣)

فإن قلت : هذا الإجماع معارض بمثله المحكيّ في (٤) كلام الشيخ (٥) وغيره وهو أرجح ؛ لاشتهاره بالشهرة المتأخّرة العظيمة.

قلت : اعتبار الشهرة (٦) مرجّحا لا دليل قطعي عليه على تقدير منع حجّيّة ظنّ المجتهد مطلقا إلّا إذا كان ظنّا مخصوصا مجمعا عليه ، فإنّه لا يتصوّر دليل قاطع هنا سوى الإجماع ، ودعواه فيما نحن فيه كما ترى ، فإنّ المانع عن حجّيّة أخبار الآحاد مثلا لا يمنع عنها (٧) لكونها أخبار آحاد بل لأنّها لا تفيد إلّا ظنّا ، وهذه العلّة جارية في المقام ، فكلماتهم تمنع عن حجيّته أيضا.

ومن هنا يظهر فساد دعوى الإجماع على حجّيّة الظنون المحتاج إليها في الأخبار والظنون المتعلّقة بها متنا وسندا ودلالة ، و(٨) كيف لا وأصل حجّيّتها مختلف (٩) فيها (١٠) لا إجماع فيها (١١) أصلا ، فكيف يكون إجماع على حجّيّة الظنون المتعلّقة بها ؟ ! مضافا إلى

__________________

(١) ع : لم يعتبر.

(٢) ع : أخبار الآحاد.

(٣) رسائل الشريف المرتضى ، ج ١ ، ص ٢١ وج ٣ ، ص ٣٠٩ ؛ الذريعة ، ج ٢ ، ص ٥٢٩ ، السرائر ، ج ١ ، ٢٧١ و٣٣٠ و٣٨٢ ؛ الغنية ( المطبوع ضمن الجوامع الفقهية ) ص ٥٣٩.

(٤) ع : من.

(٥) خ : + رحمه‌الله. العدّة ، ج ١ ، ص ١٢٦.

(٦) ع : + حينئذ.

(٧) ش ، ع ومفاتيح : منها.

(٨) خ ، ق ومفاتيح : ـ و.

(٩) ش ، ع : يختلف. م : تختلف.

(١٠) في مفاتيح : فيه.

(١١) ش ، م ، ع ومفاتيح : فيه.

٥٢٩

فساد هذه الدعوى من جهة (١) اخرى ستقف عليها (٢) إن شاء الله تعالى.

فإن قلت : المراد من الإجماع المدّعى ليس إجماع الكلّ بل إجماع القائلين بحجّيّة أخبار الآحاد ، ويعبّر عن مثله بالإجماع المركّب.

قلت : مثل هذا الإجماع ـ على تقدير تسليم إفادته القطع في مثل ما نحن فيه ، وحجّيّته ، وكونه دليلا قاطعا (٣) ـ إنّما يجدي نفعا لو (٤) أثبت (٥) حجّيّة نفس أخبار الآحاد أوّلا مع أنّها غير ثابتة ، كيف لا (٦) وأنت بعد بصدد (٧) إثباتها بالآيات ، ولا دليل لك غيرها ، وقد عرفت أنّه لا يتمّ إلّا باعتبار المرجّح الظنّي ، وإثباته بالإجماع المزبور (٨) يدور (٩) فتأمّل.

مع أنّ هذه الشهرة معارضة بالشهرة القديمة المحكيّة بل الظاهرة (١٠) ، مضافا إلى تعدّد النقلة والاعتضاد بالاصول القطعيّة ، ولو لم تترجّح (١١) هذه المرجّحات (١٢) على تلك ، فلا أقلّ من المساواة والمكافاة.

فإن قلت : غاية هذا (١٣) الاعتراض عدم جواز الاعتماد على مثل هذا المرجّح الظنّي ومقتضاه تكافؤ الإجماعين المنقولين من الطرفين فيتساقطان (١٤) في البين ، فيكون وجودهما كعدمهما (١٥) ، وحينئذ (١٦) فيبقى عموم الآيات الدالّة على حجّيّة أخبار الآحاد سليمة عن المعارض طرّا.

قلت : القول بتساقط المتعارضين عند التكافؤ خلاف التحقيق عند المجتهدين وكذا

__________________

(١) في مفاتيح : + حجّة.

(٢) خ ، ق : ـ عليها.

(٣) خ : + لها.

(٤) خ : إذ.

(٥) في مفاتيح : ثبت.

(٦) ش ، ق : ـ لا.

(٧) ر ، م ، ق ، س ومفاتيح : في صدد.

(٨) ش : المذكور.

(٩) ر ، س ومفاتيح : دور.

(١٠) ش ، ع : ـ المحكيّة بل الظاهرة.

(١١) ق ، ش : لم يرجّح ، خ : لم يترجّح.

(١٢) خ : ـ المرجّحات.

(١٣) في مفاتيح : ـ هذا.

(١٤) ع ، م : فيساقطان. ق : فتساقطان. ش : فساقطان.

(١٥) ش ، ع : وجودها كعدمها.

(١٦) في مفاتيح : ـ وحينئذ.

٥٣٠

الأخباريين ؛ لمصيرهم إلى التخيير كما عليه الأوّلون ، أو التوقّف كما عليه الآخرون (١) ، وكلاهما ينافيان المطلوب من وجوب العمل بأخبار الآحاد وتحتّمه قطعا بحيث يكون مخالفتها وطرحها حراما.

أمّا على التقدير (٢) الآخر (٣) فواضح ، ومقتضاه عدم جواز الخروج عن الدليل القطعي الدالّ على عدم جواز العمل بالظنّ مطلقا ، وخصوص الأدلّة القاطعة النافية للتكليف كأصالة البراءة ونحوها في خصوص المسألة التي وردت أخبار الآحاد بإثبات التكليف فيها.

وأمّا على التقدير الأوّل فكذلك أيضا وإن كان فيه شائبة الوجوب ؛ لأنّ غايته الوجوب التخييري ، وهو خلاف المطلوب المجمع عليه بين الفريقين المانعين عن حجّيّة (٤) الآحاد والمثبتين لها ؛ فإنّ الأوّلين يحرّمون العمل بها ، والباقين يوجبونه ويحرّمون التخلّف عنها مطلقا ، مع أنّ البناء على التخيير يوجب (٥) المحذور الذي قدّمناه من (٦) استلزام ترك العمل إلّا بالظنون (٧) المخصوصة المجمع عليها مثلا الخروج عن الدين من حيث لا يشعر تاركه ، وذلك فإنّ محصّل التخيير و(٨) مفاده جواز ترك العمل بالآحاد (٩) مطلقا ، و(١٠) في المواضع كلّها والرجوع إلى الأدلّة القطعيّة والظنون المخصوصة ، ولو بنى بان (١١) على هذا وأخذ فقهه وحصّله كذلك ، لم يكن له من الدين إلّا رسمه ، ومن الإسلام إلّا اسمه (١٢) .

فإن قلت : لم يلزم ذلك ؟ والحال أنّه في كلّ مسألة اجتهاديّة وقع الخلاف فيها لو ترك

__________________

(١) ر ، س : المتأخّرون.

(٢) خ ، ع : تقدير.

(٣) ق : الأخير.

(٤) خ ، ش : + الأخبار.

(٥) ع ، ر ، ق ، س : موجب.

(٦) للمثبت من س ومفاتيح ، وفي سائر النسخ : في.

(٧) في مفاتيح : بما عدا الظنون.

(٨) ر ، م ، ق : ـ و.

(٩) خ : بأخبار الآحاد.

(١٠) في مفاتيح : ـ و.

(١١) ش : + يحصل. وفي مفاتيح : ـ بان.

(١٢) ش ، ع : إلّا اسمه ... الإسلام إلّا رسمه.

٥٣١

العمل بما عدا الظنون المخصوصة واتّخذها خاصّة حجّة فقد وافق قائلا من العلماء ، ولا يكون بذلك خارجا عن الدين ، ولا عن طريقة المسلمين.

قلت : إنّه وإن وافق في كلّ مسألة قائلا (١) إلّا أنّه بعد رجوعه في جميع المسائل المختلف (٢) فيها (٣) التي هي أكثر الأحكام الشرعيّة جدّا إلى ما عرفته خالف العلماء طرّا ؛ إذ لم يوجد منهم من رجع (٤) في جميع تلك المسائل إلى الظنون المخصوصة ، ويطرح (٥) ما عداها ، ويعمل بمقتضاها خاصّة ، بل إن عمل (٦) بعضهم في بعض المسائل كذلك لفقد دليل خاصّ قطعي أو ظنّي إن عمل (٧) يخصّص به الاصول (٨) المزبورة ، لكنّه يعمل في غيره بخلافها ؛ لقيام دليل قاطع عليه عنده أو ظنّي يخصّصها ولا قاطع لهذا الثالث ؛ إذ الذي يدّعيه ويخصّص به الاصول في جملة من المسائل إنّما هو القدماء المتمكّنون من تحصيله غالبا كما يفهم عن (٩) المرتضى وابن زهرة وأضرابهما ، وهذا لم يتمكّن من ذلك جدّا ، والمفروض أيضا أنّه (١٠) لم يعتمد ظنّيا (١١) إذا (١٢) لم يكن ظنّه (١٣) ظنّا مخصوصا.

وبالجملة ، لا ريب (١٤) ولا شبهة في أنّ المقتصر على الظنون المخصوصة في الأحكام الشرعيّة في نحو هذه الأزمنة (١٥) لم يبق له أثر من الإسلام والشريعة.

وبملاحظة هذا يظهر بداهة وجوب اعتبار ظنّ آخر ما عدا الظنون المخصوصة المجمع عليها من نحو أخبار الآحاد وغيرها ، وحيث تساوت مراتبها في كونها ظنونا غير مخصوصة ولم يمكن (١٦) ترجيح بعضها على بعض من هذه الجهة لا جرم جاز

__________________

(١) مفاتيح : + من العلماء.

(٢) ق : المختلفة.

(٣) ع ، ق : فيه.

(٤) خ ، ش ومفاتيح : يرجع.

(٥) ر ومفاتيح : + جميع.

(٦) ش : + به. ر ، س : يحمل.

(٧) خ ، م : + به ، وفي مفاتيح : ـ إن عمل.

(٨) خ : الامور.

(٩) ر ومفاتيح : من.

(١٠) م : أنّه أيضا.

(١١) ع وخ بهامش مفاتيح : ظنّا.

(١٢) ر ، س : إذ.

(١٣) ش ، ع : كلّه.

(١٤) خ : لا شكّ.

(١٥) ر ، س ومفاتيح : + كذلك.

(١٦) ع ، ش ، ق : لم يكن.

٥٣٢

العمل بكلّ منها ، بل وجب حيث لا يعارضها أقوى منها بحسب القوّة والضعف ، وحيث ثبت جواز العمل بالظنّ مطلقا مخصوصا كان أو غيره ظهر أنّ التكليف في أمثال هذه الأزمنة المنسدّ فيها باب العلم القطعي بالأحكام الشرعيّة إنّما هو بالمظنّة من حيث كونها مظنّة ، وبه ثبت (١) الملازمة ويتّضح كونها ضروريّة ويتوجّه ما ذكرنا (٢) من حجّيّة الشهرة ؛ لأنّ الظنّ المستفاد منها أقوى من الظنّ الحاصل من أصالة البراءة وغيرها.

وإنّما لم يذكر صاحب المعالم هذا الدليل القاطع المتمّم به الملازمة ؛ لوضوحه من الخارج غايته ، فكأنّه أحاله إلى الظهور الخارجي للبداهة (٣) ، ولو سلّم عدم الإحالة فغايته ورود (٤) الاعتراض بمنع الملازمة عليه دون من (٥) يضمّ إلى ما ذكره من المقدّمات هذه المقدّمة ، فإنّه لا يرد (٦) عليه هذا الاعتراض بالكلّيّة ، ولا ينكر الملازمة وكلّيّة الكبرى الثابتة من جهتها من له أدنى فهم ودربة (٧) فضلا عن اولي الأفهام والسلائق المستقيمة.

فإن قلت : مبنى ما ذكرت في (٨) تصحيح الملازمة إنّما هو دعوى عدم دليل قاطع (٩) على حجّيّة أخبار الآحاد والظنون التي تتعلّق بها متنا وسندا ودلالة ، وهي ممنوعة ولو سلّمنا عدم دلالة الآيات عليها ، وذلك لإطباق المتأخّرين على العمل بها وبالظنون التي يحتاج (١٠) إليها في متعلّقاتها إطباقا لا يشكّ في كونه منهم إجماعا وإن حصل الخلاف بين العلماء قبلهم سابقا ؛ لأنّ الإجماع عندنا هو الاتّفاق الكاشف عن قول المعصوم عليه‌السلام ولو خلّي [ عن ] المائة من أصحابنا ، مضافا إلى جواز أن يكون حكم نظريا (١١) مختلفا (١٢) فيه في زمان مجمعا عليه في آخر كما برهن عليه في محلّه.

__________________

(١) ق : يثبت. س : تثبت.

(٢) خ ، م : ذكرناه.

(٣) خ : البداهة.

(٤) في مفاتيح : أورد.

(٥) ش : ما.

(٦) في مفاتيح : لا يورد.

(٧) خ ، ق ، س : درية. ر ، ش : دراية.

(٨) ر ، س ومفاتيح : من.

(٩) ش : الدليل القاطع.

(١٠) خ ، ش : : تحتاج.

(١١) ش : نظري.

(١٢) ر : مختلف.

٥٣٣

وحيث قام (١) الدليل القاطع على حجّيّة أخبار الآحاد والظنون المتعلّقة بها كانت أيضا ظنونا مخصوصة كأصالة البراءة ونحوها ، وحينئذ لم يبق ظنّ غير مخصوص عدا الشهرة الخالية عن الدليل كما هو (٢) مفروض المسألة ، ولا يستلزم (٣) من عدم العمل بها المحذور الذي ذكرته ، وهو الخروج من الدين من حيث لا يشعر قائله ، فإنّ في العمل بما عداها مغناة (٤) عنها ، وتحصل (٥) الأحكام الشرعيّة كلّها بحيث لا يشذّ شيء (٦) منها.

قلت : محصّل هذا الكلام على تقدير تسليمه (٧) كون الظنون المستفادة من أخبار الآحاد وما يتعلّق بها ظنونا مخصوصة كأصالة البراءة ونحوها من الكتاب والسنّة المتواترة من غير جهة الدليل الرابع ، بل من جهة الإجماع خاصّة (٨) ، وشناعته واضحة وخرافته ظاهرة ، كيف لا (٩) ولم يشر إلى هذا أحد أصلا ، ولم ينبّه (١٠) عليه مطلقا ، بل يظهر منهم خلافه جدّا سيّما في بحث تخصيص الكتاب بخبر الواحد كما لا يخفى على من راجع كلماتهم وتأمّلها تأمّلا صادقا.

ومع ذلك فالإجماع من المتأخّرين على حجّيّة الآحاد ليس كلّيا بل أجمعوا عليه (١١) في الجملة كالقدماء عند من يدّعي إجماعهم عليه ، وهو حجّيّة أخبار العدل المتّفق على عدالته ، أو الثابت عدالته بالصحبة (١٢) المتأكّدة ، أو الشياع المفيد (١٣) للقطع ، أو البيّنة الشرعيّة.

أمّا أخبار غير العدول (١٤) كذلك ـ (١٥) كالموثّق والحسن والقويّ والضعيف المنجبر بالشهرة ونحوها من القرائن الاجتهاديّة والصحيح المختلف في صحّته ؛ لعدم (١٦) ثبوت

__________________

(١) ر ، س : أقام.

(٢) خ ، ق ، م : هي.

(٣) خ : فلا يستلزم. ش ، ق ومفاتيح : ولا يلزم.

(٤) ش ، م ، ع : منعناه.

(٥) ع ، م : تحصيل. في مفاتيح : يحصل.

(٦) ر ، س : ـ شيء.

(٧) ع ، م ، ر ، س ومفاتيح : تسليم.

(٨) في مفاتيح : إجماع الخاصّة.

(٩) في مفاتيح : ـ لا.

(١٠) خ : + أحد.

(١١) في مفاتيح : عليها.

(١٢) ق ، ر ، س : بالصحّة.

(١٣) خ ، ق : المفيدة.

(١٤) في مفاتيح : + ليست.

(١٥) ش : + وهو.

(١٦) ر ، ق ، ع ومفاتيح : بعدم.

٥٣٤

عدالة رواته أو بعضهم بما (١) مرّ إليه الإشارة ، بل بنحو من تزكية الواحد أو شهادة (٢) القرائن و(٣) أمثال ذلك ـ فلا اتفاق (٤) على حجّيّتها ، كيف لا وقد أنكر جماعة من الفضلاء (٥) حجّيّة ما عدا الصحيح منها ، وبعضهم ألحقوا (٦) به في الحجّية الموثّق والحسن والخبر المنجبر بالشهرة ، وبعضهم نقص ، وبعضهم زاد (٧) عليه (٨) فلا دليل قاطع على حجّيّة ما عدا الصحيح من أخبار الآحاد ، وينحصر الحجّة (٩) فيه على تقدير تسليم (١٠) دليل قاطع عليه ، ويأتي في الاقتصار عليه دون باقي الأنواع المحذور السابق من الخروج عن (١١) الدين وإن كان أخفّ منه في السابق.

وذلك فإنّ أكثر الأحكام الشرعية مستفادة من الأخبار الغير الصحيحة أو (١٢) الصحيحة الغير المتّفق على صحّتها ، أو (١٣) المتّفق على صحّتها (١٤) و(١٥) لكن لها معارض من قبيلها (١٦) لا يمكن الترجيح بينهما إلّا بالظنون الاجتهاديّة التي لا دليل (١٧) على (١٨) حجّيّة كثير منها كما لا يخفى.

[ اختلال فقه صاحب المدارك : ]

ولذا نرى (١٩) أنّ مثل صاحب المدارك وغيره ممّن يقتصر (٢٠) في الأخبار (٢١) على ما صحّ

__________________

(١) ع : كما.

(٢) ر ، س ومفاتيح : اشتهار.

(٣) ر ، ع ومفاتيح : أو.

(٤) ر ، س : إثبات

(٥) ر ، ش ، ق ، ش : العقلاء. ع : الفقهاء.

(٦) في مفاتيح : وألحق بعضهم في الحجّية.

(٧) ع ، ش ، ق : زادوا.

(٨) ع ، ش : عليهم.

(٩) ر ، ش ، ع ، س : الحجّية.

(١٠) ع ، ش ، ق ، ر ، س : التسليم.

(١١) ر ومفاتيح : من.

(١٢) ر ، س : و.

(١٣) س : و

(١٤) في مفاتيح : من الأخبار الغير الصحيحة الغير المتّفق أو المتّفق على صحّتها.

(١٥) ع ، ش ، ر ، س ومفاتيح : ـ و.

(١٦) ش ، م ، ع : قبلها. في مفاتيح : مثلها.

(١٧) في مفاتيح : إجماع.

(١٨) ر ، س : الاجتهادية لا على

(١٩) ش ، م ، ع ومفاتيح : ترى.

(٢٠) ش : يقتصروا.

(٢١) في مفاتيح : الأحكام.

٥٣٥

عدالة رواته بالعلم أو نحو (١) البيّنة الشرعيّة القائمة مقامه شرعا يختلّ نظام أحكامه ، ولا يتمكّن من إثباتها على طريقته غالبا ، فتارة (٢) يستشكل ويبقى على الإشكال فيقول : موافقة الأصحاب من دون دليل مشكل ، ومخالفتهم والتخلّف عنهم (٣) أشكل (٤) أو بالعكس ، واخرى يخالف طريقته ويوافقهم ، وليس ذلك إلّا من حيث إنّ الجري على تلك الطريقة يستلزم اختلال كثير من الأحكام الشرعيّة كما لا يخفى على من له أدنى فهم وبصيرة (٥) . (٦)

وعلى هذا فلا معدل عن (٧) اعتبار المظنّة من حيث هي في الأحكام الشرعيّة ولا مندوحة ، وقد عرفت أنّ جهات الظنّ إذا كانت مختلفة ضعفا وقوّة لزم الرجوع إلى أقواها بالضرورة ؛ لتقبيح العقل ترجيح المرجوح على الراجح ، وسبق أيضا أنّ الشهرة ربّما يستفاد منها ما لا يستفاد من سائر الأدلّة. وبنحو هذا يجاب عن الآيات المستدلّ بها على حجّيّة الآحاد.

و(٨) بعد تصحيح الاستدلال بها بالذبّ عمّا اورد عليه سابقا من الإجماع المنقول على عدم حجّيّتها بأن يقال : إنّه خبر واحد مخالف للكتاب فيطرح اتّفاقا نصّا وفتوى واعتبارا ، وذلك فإنّها ما دلّت إلّا على حجّيّة الخبر (٩) الصحيح المتّفق على صحّته أو (١٠)

__________________

(١) ش : نحوه من. في مفاتيح : بالعلم والبيّنة.

(٢) ع ، ش ، ق ، ر ، س ومفاتيح : وتارة.

(٣) ش ، ع : ـ والتخلّف عنهم.

(٤) مدارك الأحكام ، ج ٤ ، ص ٩٥.

(٥) ش ، م ، ع : + خبرة. ق : خبيرة.

(٦) قال الوحيد البهبهاني في الفوائد الحائريّة ، ص ٢٢٤ ، فائدة ٢٢ : إنّه قد شاع بعد صاحبي المعالم والمدارك أنّهم يطرحون أخبارنا المعتبرة التي اعتبرها فقهاؤنا القدماء ، بل والمتأخّرون أيضا طرحا كثيرا بسبب أنّهم لا يعتبرون من الأمارات الرجاليّة سوى التوثيق وقليل من أسباب الحسن ، وبسبب ذلك اختلّ أوضاع فقههم وفتاواهم وصار بناؤهم على عدم ثبوت المسائل الفقهيّة غالبا ، وذلك فاسد ؛ لأنّ أسباب التثبّت الظنّيّة موجودة في غاية الكثرة وحصول الظنّ القويّ منها لا يتأمّل فيه.

(٧) خ ل في هامش خ : على.

(٨) خ ومفاتيح : ـ و.

(٩) ع ، ش ، ق : ـ الخبر.

(١٠) ر ، س ومفاتيح : و.

٥٣٦

الضعيف المستظهر صدقه المثبت (١) بالبيّن القطعي من إجماع أو غيره من الأدلّة القاطعة دون الظنّي لما يأتي ، ويأتي في الاقتصار عليها ما مضى كما لا يخفى.

[ وجه آخر للمؤلّف على إثبات الملازمة وكليّة الكبرى : ]

هذا ، ولنا (٢) على إثبات الملازمة وكلّيّة الكبرى المستفادة (٣) منها في الدليل الرابع وجه آخر : وهو أنّه لا ريب في أنّه دلّ على حجّيّة الظنّ ، ولا يخلو إمّا أن يكون من حيث المظنّة فهو المطلوب ، أو من حيث الخصوصيّة ، فلا سبيل (٤) إليه بعد ما تقرّر سابقا وتمهّد من أنّ الظنّ المستفاد من نحو أخبار الآحاد والشهرة أقوى ممّا يستفاد من غيرها (٥) من الظنون المخصوصة كأصالة البراءة ، و(٦) أنّه (٧) حيثما تعارضا لزم العمل بأقواهما ؛ (٨) لكونه (٩) راجحا والضعيف مرجوحا ، وترجيح المرجوح على الراجح قبيح عقلا فكذا شرعا ، وحينئذ فاحتمال الخصوصيّة يستلزم ترجيح الشارع المرجوح بتخصيصه له (١٠) لفضيلة (١١) الخصوصيّة دون ما هو أرجح (١٢) منه بمراتب عديدة ، وهو باطل بالضرورة.

فإن قلت : لو تمّ هذا لوجب فيما إذا حصل للحاكم من شهادة العدل الواحد أو (١٣) دعواه ظنّ أقوى (١٤) من الظنّ الحاصل بشهادة العدلين أن يحكم بالواحد أو (١٥) بالدعوى ، وهو (١٦) خلاف الإجماع.

__________________

(١) خ : ـ المثبت.

(٢) م ، ش ، ق : امّا.

(٣) ع ، ش : المستفاد.

(٤) ر ، م ، ق ، س ومفاتيح : ولا سبيل.

(٥) في مفاتيح : غيرهما.

(٦) المثبت من « ر » . وفي سائر النسخ : ـ و.

(٧) ش ، ع : ـ أنّه.

(٨) المثبت من ع ومفاتيح. وفي سائر النسخ : بأقربهما.

(٩) خ : لكونها.

(١٠) ش ، ع : به.

(١١) ش ومفاتيح : لفضيلة. ر ، س : الفضيلة.

(١٢) م : راجح.

(١٣) ق ، ع ، ر ، س : و.

(١٤) في مفاتيح : أقول !

(١٥) ش ، ع : و.

(١٦) ر ، س ومفاتيح : هذا.

٥٣٧

قلت : نعم ، إلّا أنّ الإجماع المدّعى هو الفارق ، ولو لاه لقيل (١) فيه بما قلناه في المقام ، لكنّه المانع ، ومثله فيما نحن فيه غير حاصل ، وعليه فيكون الأصل في الظنون المختلفة ضعفا وقوّة لزوم الأخذ بالراجح (٢) منها حتّى يقوم دليل قاطع على خلافه من إجماع (٣) أو غيره ، فيؤخذ (٤) به كما في مثل (٥) النقض وغيره ، لكن للتأمّل في هذا الوجه مجال.

[ إثبات الملازمة بوجه آخر أوضح من الوجه المتقدّم ]

ويمكن إثبات الملازمة بوجه آخر أوضح من هذا الوجه وقريب منه بل نفسه ، إلّا أنّه (٦) يقال على التقدير (٧) الثاني : أنّ حجّيّة مثله إذا كان ضعيفا مستلزم (٨) لحجّيّة ما هو أقوى منها بطريق أولى ، والأولويّة ظنّ مخصوص قطعا ؛ لكونها مجمعا عليها ، والنقض على هذا بما نقض به في الوجه السابق مدفوع (٩) بما ذكرنا ، ولا مجال للتأمّل فيه هنا بناء على أنّ الأولويّة دلالة ظاهريّة يمكن تخصيصها بأقوى منها حيثما تعارضا ، ولا يقدح ذلك في حجّيّتها كما هو الحال في سائر الظنون التي هي من قبيلها ، فثبت (١٠) ظنّيّتها وإفادتها الظهور كما لا يخفى ، فتأمّل.

فإن قلت : نمنع ذلك ؛ إذ ربّما يتمكّن المجتهد من إثبات بعض (١١) ما ليس بضروري بالتواتر سيّما (١٢) بالتواتر المعنوي الحاصل له من تتبّع النصوص كما يتّفق أحيانا ، وبالإجماع أيضا بناء (١٣) على إمكان تحقّق العلم به في مثل زماننا هذا أيضا على الأقوى ، فإنّ في (١٤) كثير من المواضع ثبت (١٥) من التتبّع والتطلّع والتظافر والتسامع (١٦) من (١٧) القدماء والمتأخّرين ، وربّما

__________________

(١) ر ، ع ، س : يقبل. في مفاتيح : لقلنا.

(٢) خ : بالمرجّح.

(٣) ع ، ر ، ش ومفاتيح : الإجماع.

(٤) في مفاتيح : فنأخذ.

(٥) ش ، ع : ـ مثل.

(٦) ق ومفاتيح : أن.

(٧) ق : التقرير.

(٨) ق ، م ، ر ، ش ، س : مستلزما.

(٩) ق : فمدفوع.

(١٠) ع ، ش ، ق ، ر ، س : ثبت. في مفاتيح : وثبت.

(١١) مفاتيح : ـ بعض.

(١٢) مفاتيح : ـ سيّما.

(١٣) مفاتيح : ـ بناء.

(١٤) م ، ش ، ق : ـ في ، ش : كثيرا.

(١٥) ق : يثبت.

(١٦) ر ، م ، س : + من فرد ( و « م » ) .

(١٧) خ : + فتاوى.

٥٣٨

انضمّ إليه (١) بالقرائن (٢) من الأخبار والقرآن والعقل وغيرها ، بل ربّما نقل الإجماع بحدّ التواتر مثل الإجماع على اشتراط الإذن الخاصّ في وجوب صلاة الجمعة ، وربّما انضمّ إلى الإجماع المنقول المذكور قرائن أخر مفيدة للعلم ، بل وربّما انضمّ إلى الإجماع المنقول (٣) بخبر الواحد أمثال ما ذكر إلى حدّ يحصل اليقين ، وربّما يحصل العلم من الخبر المحفوف بالقرائن سيّما إذا استفاض وبلغ حدّ الكثرة في (٤) الاستفاضة ، وأصالة البراءة في الموضع الذي لا يكون فيه دليل على التكليف من اليقينيات ؛ للآيات الكثيرة لكنّها (٥) من السنّة والإجماعات المنقولة واتّفاق فتاويهم عليها ، بل وحصول القطع (٦) من ملاحظة طريقة الرسول (٧) صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام بالنسبة إلى المكلّفين في تكاليفهم.

وبالجملة ، دعوى انسداد (٨) باب العلم في المسائل الاجتهاديّة كلّها و(٩) استلزام طرح الظنون الاجتهاديّة فيها ما مضى مخالف للوجدان في كثير من المواضع.

قلت : إنّ تلك المواضع المدّعى فيها إمكان تحصيل العلم لا تبلغ عشر معشار الفقه قطعا ، ومع ذلك فحيثما يحصل (١٠) لا يحصل غالبا إلّا علوما (١١) إجماليّة بحيث يحتاج في تشخيص معلوماتها إلى الظنون الاجتهاديّة يقينا.

وبالجملة ، فهذا القدر من العلم حيث يحصل لا يكفي لإثبات التكاليف كما هي في الأحكام (١٢) الشرعيّة المقطوعة (١٣) بثبوتها (١٤) وبقائها ضرورة (١٥) إلى يوم القيامة كما أنّ

__________________

(١) ع : إليها.

(٢) ع ، ش ، ق ومفاتيح : القرائن.

(٣) من قوله : « المذكور قرائن أخر » إلى هنا سقط من مفاتيح.

(٤) ع ، ش : إلى.

(٥) م : كمثلها وفي مفاتيح : ومثلها.

(٦) مفاتيح : ويحصل القطع أيضا.

(٧) ر ومفاتيح : رسول الله.

(٨) نهاية نسخه « ع » .

(٩) س : + إن

(١٠) خ : + القطع.

(١١) خ : علوم.

(١٢) المثبت من ر ومفاتيح ، وفي م : فالأحكام ، وفي سائر النسخ : والأحكام.

(١٣) ق ، م ، ر ومفاتيح : المقطوع.

(١٤) خ : ثبوتها. في س : لا يكفي لسائر الأحكام الشرعية ؛ يقطع بثبوتها.

(١٥) مفاتيح : ـ ضرورة.

٥٣٩

القدر (١) الضروري من الدين أو (٢) المذهب لا يكفي لسائر الأحكام الشرعيّة ، فلا بدّ من اعتبار الظنّ من حيث هو هو (٣) ؛ لعدم التكليف بما لا يطاق ، وعدم إمكان الخروج عن العهدة بعنوان اليقين.

وممّا ذكر ظهر أنّ القرآن لو كان قطعي الدلالة أيضا لا يكفي ولا يفي (٤) بذلك ، وكذلك أصالة البراءة.

[ طريق آخر للمؤلّف لإثبات حجّيّة الشهرة : ]

و(٥) لنا على إثبات حجّيّة الشهرة طريق آخر من غير جهة الدليل الرابع ، وهو أنّا نرى العلماء العاملين بأخبار الآحاد (٦) يعتمدون في تعديل رواتها وتصحيحهم وتسقيمهم (٧) وغيرهما (٨) على الظنون الضعيفة غاية الضعف حتّى أنّ الذي يقتصر منها على الصحيح الثابت عدالة رواته (٩) بشهادة العدلين مثلا ولا يتعدّى عنه أصلا تراه (١٠) يعتمد (١١) في تمييز الرواة المشتركين بين العدول (١٢) وغيره ـ ممّن يقدح (١٣) وجوده عنده أو عند الكلّ (١٤) في حجّيّته ـ بمثل (١٥) القرائن الرجالية التي هي (١٦) في غاية من (١٧) الضعف ، مثل أنّ عليّ ، بن الحكم هو الكوفي الثقة (١٨) بقرينة أنّ أحمد بن محمّد يروي عنه ، وأمثال ذلك من الظنون الضعيفة التي هي في غاية من (١٩) الكثرة بحيث لا تعدّ ولا تحصى.

__________________

(١) مفاتيح : ـ القدر.

(٢) ش ر ، س ومفاتيح : و.

(٣) ق ومفاتيح : ـ هو.

(٤) ق ، ر : لا يكفي. م ومفاتيح : لا يكتفي.

(٥) م ، ش ، ق : ـ و.

(٦) خ : + و.

(٧) ر ، س ومفاتيح : تفسيقهم.

(٨) خ ، س ومفاتيح : غيرها.

(٩) خ : راويه.

(١٠) م ، س ومفاتيح : نراه.

(١١) ع ، ش ومفاتيح : ـ يعتمد.

(١٢) ر ، س : العدل.

(١٣) ر ، س : + في.

(١٤) خ : عندنا وعند الكلّ.

(١٥) مفاتيح : + يعتمد على مثل.

(١٦) ر ، س : ـ هي.

(١٧) خ : ـ من.

(١٨) ق ، ش ، ر ، س ومفاتيح : ـ الثقة.

(١٩) ر ، س : ـ من.

٥٤٠