الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: المكتبة الأدبيّة المختصّة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-153-2
الصفحات: ٢٢١
الإهداء
إلى من نحله رسول الله صلىاللهعليهوآله هيبته وسؤدده.
وقال أمير المؤمنين عليهالسلام : وجدتك بعضي بل كلّي
المقدّمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والسلام على عباده الذين اصطفى محمّد وآله الطاهرين ومَن تبعهم بإحسان.
ما برحت مدرسة أدب الولاء
لأهل بيت النبي صلىاللهعليهوآله شاخصةً بجهودها الخالدة على طريق المفاداة الحقّة لأمناء الوحي وأئمة الهدى ، حيث امتدت على طول مساحة التاريخ الإسلامي وعرضِه حتى عُدَّ الشعرُ ـ مثلاً ـ فنّاً شيعيّاً
ناهيك عن فنون الأدب الاُخرى التي أسهم فيها اُدباء الحق إسهامات جلّى في بناء صرح الكلمة الصادقة المعبّرة ، العصيّة على الاضطهاد والتنكيل ، الجهيرة دون خوفٍ ، المتألّقة الصافية ، الشجاعة الحاضرة في كلّ موقفٍ فذٍّ ، المنافحة عن الحقيقة المظلومة ، الذابّة دون الخير والصلاح والحريّة .. وهكذا فقد امتدّت هذه الكلمة منذ أوائل صدر الإسلام مارّةً بأدوارها التاريخيّةِ المعهودةِ في كلّ عصور الاُمّة
حتى وصلت إلى يومنا الحاضر وهي تحمل سمات تجذّرها العريق وامتدادها الخصب في عروق الأرض والإنسان والفكرة .. وكثيراً ما يُحمد لبيئاتٍ معروفةٍ خلال هذا السفار الطويل بزوغها المبكّر وألقها الناضح بالجمال في احتضان النور واجتلائه بصدورها الواعية وألسنتها الشاهدة وذلك الحنين المتدفّق رغم الشجى المعترض في الحناجر والأصوات والحروف .. ولعلَّ ( القطيف ) : حاضرة التشيّع
علماً وأدباً وجهاداً ورسوخاً في الولاء هي المثال الساطع على ما سلف ، حيث بقيت رافداً صافياً من روافد سلسال الكوثر الموعود لم تكدّره الأعاصير العابرة أو الخطى الغريبة الخائضة .. والمطبوعة الماثلة بين يدَي قارئنا العزيز هي نتاجُ « ملتقى القطيف الثقافي » في ندوته الثانية عن الإمام الحسن المجتبى عليهالسلام ـ التي تناوبت على منصتها أصوات عديدةٍ لبيئاتٍ شيعيّةٍ عديدةٍ ـ آثرتنا بنشرها لجنة الندوة الموقّرة ، شعوراً منهم ومنّا جميعاً بمسؤولية الانتصاف للأدب المقال في أهل البيت عليهمالسلام ، ووفاءً لعهدٍ قطعته المكتبة الأدبية المختصة على نفسها ان تحتضن كل جهدٍ أدبيٍّ ولائي رائقٍ لا سيّما وانّه قد شارك فيه نخبة من علماء واُدباء الحوزة العلمية المباركة ببحوثهم وقصائدهم المبدعة .. فإلى حيث نسرِّح الطرفَ والقلبَ في صفحات هذا الجهد الرائد المبارك ، المؤسِّس ـ فيما نظنُّ ـ لحالةٍ ناضجةٍ من الأداء المعاصر للنص الأدبي الشيعي العتيد .. وإلى حيث نوفّق في أيامنا القابلة ـ إن شاء الله ـ إلى المزيد من نشرِ اعمالٍ حافلةٍ اُخرى.
|
فرات الأسدي مدير المكتبة الأدبية المختصة غرة رمضان المبارك ١٤١٩ هـ |
البدء
وهكذا .. انتشر الضوء في مدينة الرسول صلىاللهعليهوآله مستقبلاً فجر الرسالة الجديد ، المولود البكر لملتقى النورين علي وفاطمة عليهماالسلام ، فأطلّ أبو محمّد الحسن بن علي عليهماالسلام ليغشى الوجود بحلّته الخضراء.
ويأتي جدّه المصطفى صلىاللهعليهوآله ليقول لعلي عليهالسلام : هل أسميته ؟ فيقول : ما كنت لأسبقك باسمه ، فيقول صلىاللهعليهوآله : وما كنت لأسبق باسمه ربّي عزّ وجلّ ، وبعد هذه المحاورة القصيرة هبط الأمين جبرئيل عليهالسلام من السماء حاملاً معه خبر تسمية المولود المبارك ، قائلاً بعد تهنئة الرسول صلىاللهعليهوآله من قِبَل الله عزّ وجلّ : إنّ الله تبارك وتعالى يأمرك أن تسمّيه باسم ابن هارون ، قال : وما كان اسمه ؟ قال : شبّر ، قال : لساني عربي ، قال : سمّه الحسن ، فسمّاه به.
وتمرُّ الليالي والأيام على تلك الثمرة اليانعة والشمعة المضيئة في بيت الرسول صلىاللهعليهوآله ، تحتضنها الحجور الطاهرة ، وتؤويها الأحضان المباركة ، وترضع من ثدي الإيمان والهدى ، وجده الرسول صلىاللهعليهوآله يحبوه الأوسمة الكبيرة.
ثم يأتي القدر فيرفع تلك الشجرة الوارفة الظلال ، لتسكن دار الخلود ، فتهبُّ الأعاصير على زهراتها المتفتحات ، ويعيش الإمام الحسن عليهالسلام مع أبيه عليهالسلام أيام المحنة والفتنة ، ثم يشتدُّ الأمر عليه ، بعد استشهاد أبيه العظيم أمير المؤمنين عليهالسلام ، فيقوم بالأمر مع أخيه الحسين عليهماالسلام.
ويبقى أبو محمّد
الحسن عليهالسلام الصابر المجاهد ، تتكسّر أمواج الفتنة
عند أعتاب حنكته ، إلّا أنّ معاصريه لم يدركوا بُعْدَ مداه ، وعمق رؤاه ، فاتّهموه بما
لم
يكن فيه ، وألحّوا على ما كان فيهم ، فنبذوا الكتاب وراء ظهورهم ، وإنّه الخسران المبين.
ويأتي قلم التأريخ المزيّف ليقف موقفه المتعثّر في أوحال الخيانة المعهودة ، ويسجّل قساوة آرائه وخبث طويّته وحقده ، وغضبه ، فيزيد في طين التعاسة بلّة المروق عن الحق ، فيرمي الإمام عليهالسلام بوابل التهم المجوّفة ، وينسى قول الرسول صلىاللهعليهوآله فيه وفي أخيه الإمام الحسين عليهالسلام : « الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ».
إنّه التاريخ الذي تمرّد على الحقيقة في مواقف متعددة ، ولكنّ الضياء المتوهج أبى إلّا أن يخترق الحجب الداكنة السواد ، فبدت لنا الأشعة تنسل من زوايا الظلماء.
من هنا .. ورفعاً لبعض المظلومية التي أحاطت بحياة الإمام الحسن عليهالسلام انبثقت فكرة ندوة الإمام الحسن عليهالسلام الثقافية ، التي أقامها ( ملتقى القطيف الثقافي ) ـ الأدبي سابقاً ـ فشارك فيها مجموعة من الفضلاء والاُدباء ، وتناولوا حياة الإمام عليهالسلام من زوايا متعددة وبأساليب مختلفة ، شاكرين حسن استجابتهم وتعاونهم.
وقد استمرّت الندوة
ليلتين متتاليتين : الجمعة والسبت : ١٤ ـ ١٥ / ٩ رمضان / ١٤١٧ هـ ، وقد رأينا طبع مادة الندوة ليكون الإصدار الثاني للملتقى خدمة للعلم والأدب ، حيث كان الأوّل ( الإمام الحسين عليهالسلام وهج القصيد ) ١٤١٦ هـ وفي هذه الآونة والكتاب معد للطبع ، اقترح علينا الأخ الاُستاذ الأديب فرات الاسدي مدير المكتبة الأدبية المختصة التابعة لمكتب سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني ( مدّ ظلّه ) ، أن تقوم المكتبة بطباعة الكتاب فنزلنا عند رغبته نرجو الله له وللجميع بالتوفيق ، وأن يجعل المكتبة الأدبية لبنة
في
صرح الأدب العربي والولائي بالخصوص ..
ونودُّ أن نشير إلى أنّ وقت الندوة لم يتسع إلى بعض الكلمات والقصائد فآثرنا نشر ما سمحت نفس صاحبها بها.
وفي الختام نشكر جميع مَن شارك وحضر ، كما نشكر الاُستاذ الناقد ( ثامر الوندي ) على استجابته لنا بكتابة مقاله القيم ( ثمرة الاقتران المقدّس دراسة في مستويات التلقّي ) حول القصائد التي اُلقيت ، مقدّرين له وللجميع الخُلُق الرفيع والروح العالية ، كما نشكر الأخ فضيلة الشيخ ( مصطفى الموسى ) على إدارته للندوة ، سائلين المولى عزَّ وجل أن يوفّقنا جميعاً لما يحب ويرضى إنّه أكرم مسؤول وخير معطٍ.
|
لجنة الندوة ١٠ / ذو الحجّة الحرام / ١٤١٧ هـ |
افتتاحية الندوة
السيّد محمّد العوّامي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبيّنا محمّد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
القطيف واحة تواجه أمواج الخليج من جهة ، ورياح الصحراء من جهتها الاُخرى ، لها أعماق غائرة في صلب التاريخ ، طالما أوصل البحر إليها غزاة تركوا آثارهم فيها عندما غادروها ، فأصبحت نسيج حضارات امتزجت مع بعضها حتى صارت جزءاً من تكوين المنطقة عبر امتداد الغزو منذ الفينقيين إلى البرتغاليين.
وفي يوم من أيام التاريخ الإنساني المشرق ، نشرت رياح الصحراء على المنطقة راية خفّاقة استظلت بها القطيف ولا زالت تستظلّ بأفيائها الفينانة. وتحدّثت القطيف فكانت لغة الذوبان والارتباط الصميمي بأهل البيت عليهمالسلام منبع الفكر ومصدر الإشعاع وخزّان العلم.
انعكست هذه الأجواء على أرض القطيف صرحاً حضارياً له امتداذ متميز في ميادين العلوم الدينية ، ودور واضح المعالم في تفعيل وتنشيط الحركة الفكرية في العالم الإسلامي.
ففي الوقت الذي نشطت فيه الحركة العلمية والأدبية في كثير من الحواضر الإسلامية ، كما في حوزة النجف الأشرف أو في الأزهر الشريف ـ على سبيل المثال ـ اُطلق على القطيف اسم ـ النجف الصغرى ـ وهذه التسمية تحمل دلالات ومؤشّرات واضحة لما تملكه المنطقة من عدد كبير من الفقهاء والمجتهدين ذوي المكانة العلمية ، ومن شعراء واُدباء هم في الطليعة أيضاً ، بامتداد تاريخي واضح المسار منذ الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد إلى جملة من الشعراء المعاصرين.
إنّ الحركة العلمية النشطة ، وجهود علماء المنطقة تركت تراثاً هائلاً في مختلف ميادين العلوم الدينية والفكرية وفي تخصصات اُخرى ، غير أن عوامل متعددة ساهمت بشكل أو بآخر على إبقاء هذا التراث الفكري رهين المكتبات الخاصة أو حبيس أيدي من لا يعرف العلم وأهله ، فاندثر الكثير من هذا التراث ولم يبق منه إلّا نزر يسير كثمالة الكأس.
ومن هنا تأتي خطورة المهمة الملقاة على عاتق الأبناء لإكمال المسيرة التي بدأها الآباء ، فلقد واصل الآباء مسيرة البناء تلك التي اعتبروها أمانة سلّمها لهم مَن كان قبلهم ، فحافظوا عليها بحسب الآلية المتاحة لهم والظروف التي عاشوها.
ونحن اليوم في سباق مع الزمن ، بل في لهاث وراء ثورة معلوماتية هائلة تعجُّ من حولنا بشتى أصناف المعرفة. لذا علينا أن نجعل من تراثنا جزءاً منها كما علينا أيضاً الاستفادة من التقنية العالية في مجال المعلومات.
المنطقة ـ القطيف ـ تمتلك مخزوناً كبيراً وهائلاً من طاقات الفكر والعلم والأدب ، بحيث لو جمع ودوِّن لشكّل مكتبة إسلامية متكاملة في كل أبعاد المعرفة ، ولكن تبقى الأرقام التي أشرنا إليها مقبولة إلى حدّ ما وغير مبالغ فيها.
نقدّم شاهداً على ما
تختزنه المنطقة من تراث فكري وأدبي كبير ، وهو ما
شاهدته الكاتبة والأديبة المصرية بنت الشاطىء التي زارت القطيف سنة ١٣٧٠ هـ ـ ١٩٥١ م ، وسجّلت هذه الزيارة في كتابها ( أرض المعجزات ) قالت الأديبة :
« أكتب هذا وما تزال ملء مسمعي أصداء آتية من بعيد ، أصداء قوية لسمر أدبي حافل ، ملأ احدى امسياتنا في شرق الجزيرة حين اجتمعنا بأخوتنا من علماء القطيف واُدبائها على ساحل الخليج ». وأضافت تقول : « كم تألّمت وأنا اُصغي إلى حديث اُدباء القطيف عن معاركنا النقدية ومذاهبنا الفنية ؟ وكم خجلت وأنا أرى في أيديهم كتبنا ومجلاتنا نحن الذين لا نشعر بهم أو نلقي إليهم بالا ».
« كم تأثّرت وأنا أسمع الشاعر عبد الرسول الجشي يعرفنا بلده الذي هو قطعة من بلدنا الشرق العربي ».
كلمة لا تحتاج إلى تعليق لما انطوت عليه من اللغة الصريحة عن تراث هذه المنطقة ، أو عن القطيف التي ضرب عليها سياج لكي لا يتعرّف أحد على عطائها وفكرها ، ومع كل التقدير والاعتزاز بما بذل من جهود في هذا المضمار ، من إيجاد بعض المراكز العاملة على إحياء هذا التراث ، وكذلك ما حقّق من بعض الكتب فعلاً وخرج إلى النور ، فإنّ هذه المساعي والجهود لا تشكل إلّا نقطة من بحر ، وهي لا تتناسب مع حجم التراث الهائل والكبير الذي تركه العلماء الأفذاذ في الماضي ، لكنّنا نقول : إنّ مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة.
هذا بالنسبة للتراث الذي نبارك للأخوة المساهمين في تحقيق نصوصه ، وفي إنشاء مراكز إحيائه لرفد مسيرة الحاضر ، أمّا بالنسبة لما هو معاصر فإنّنا نشدّ على أيدي الأخوة العاملين على المنتديات والملتقيات الثقافية ، بل نقف معهم لتوجيه الطاقات وتحريك الهمم والمشاركة الفعّالة في المحافظة على الزخم العلمي الحضاري الذي تتصف به المنطقة وأبناؤها المخلصون للإسلام الحنيف.
ونحن نبارك هذه الخطوة المباركة لملتقى القطيف كشكل من أشكال التواصل مع مسيرة العطاء ، حيث يستقبل الملتقى نخبة من الأفاضل والأدباء والشعراء لتسليط الأضواء على شخصية الإمام الحسن عليهالسلام في كل أبعادها ، من خلال الكلمة والقصيدة. فتبقى الذكرى منطلقاً لإبراز الطاقات العلمية والأدبية والتعريف بها فيكون الملتقى ساحة لتلاقح الأفكار ، وبعد ذلك لتصبّ هذه الرؤى والتصورات والإبداعات في مسيرة العطاء والبناء نحو الهدف المنشود.
وكمحاولة للمشاركة والاصطفاف مع الجهود المخلصة أقدم بحثي القصير عن الإمام الحسن عليهالسلام.
جاء الإمام الحسن عليهالسلام إلى الخلافة في مناخ قلق غير مستقر ، وفي ظروف التعقيد والصراع التي برزت وتأزّمت في أيام الإمام الحسن عليهالسلام. تلك هي شريحة زمنية جاءت بين دوافع الأوّلين وتساهل الآخرين صورة مشوّهة من صور التاريخ ، وتعرضت في مختلف أدوارها لما كان يجب أن يتعرّض له أمثالها من الفترات المطموسة المنسية الحقائق ، فإذا بالحسن عليهالسلام في عرف الكثير من المتسرعين من شرقيين وغربيين ذلك الخليفة الضعيف الذي باع الخلافة بثمن زهيد إلى كثير من التخرّصات التي لا تستند إلى دليل أو منطق.
جاء الإمام الحسن عليهالسلام في خضم تيارات متعددة من الاُمويين والخوارج وغيرهم ، وأمام كل هذه التحديات تبرز عدّة نقاط تشكّل عائقاً أمام المخططات الإلٰهية التي كان يرومها الإمام الحسن عليهالسلام في مواصلة جهود المسيرة منها :
١ ـ عدم رسوخ فكرة النص أو نزولها إلى الساحة ، فهي لم تكن مألوفة ولا معروفة لدى الجمهور الذي عاصره الإمام الحسن ، لذا لم يتعامل معه الجمهور على انّه إمام ومفترض الطاعة.
٢ ـ تولّي الإمام
الحسن عليهالسلام بعد أبيه قوّى الشك في رسالية المعركة
،
فأصبح في نظر الكثير انّ المعركة معركة بين بيت وآخر : اُمـوي وهاشمي ، وليست معركة رسالية.
من خلال هذين العاملين وأسباب اُخرى دقّق الإمام الحسن عليهالسلام عدّة من الخيارات :
الأوّل ـ إغراء الزعامات وأصحاب النفوذ لاستقطابهم ، وهذا الاقتراح اقترحه البعض على الإمام الحسن لكنّه رفض هذا بقوله : « أتريدون أن أطلب النصر بالجور فوالله ما كان ذلك أبداً ».
الثاني ـ أن يخوض معركة ، لكنّ المقاومة في دور الإمام الحسن عليهالسلام كانت تؤدّي إلى فناء الصف المدافع عن الدين فلو غامر الإمام الحسن عليهالسلام لقُتِل هو ومَن معه من بني هاشم وتنتصر الاُموية. وأيضاً يمكن أن يكون دخول الإمام عليهالسلام في معركة يائسة يجعل معركته في نظر الكثير بمستوى المعركة التي خاضها ابن الزبير ، وقد نتساءل هل أحدٌ من المسلمين فكّر بابن الزبير ؟ هل حققت معركته مكسباً للإسلام ؟ الجواب : كلّا ؟ والإمام الحسن عليهالسلام يدرك كل هذه الأبعاد والتفصيلات.
الثالث ـ الصلح وهو مجرّد اُطروحة تشكّل هدنة زمنية مؤقتة وهي تجسّد امتداداً لمنهجية بدأها النبي صلىاللهعليهوآله في صلح الحديبية وللإمام الحسن عليهالسلام اُسوة بجدّه ، ولا غرو أن يسير الأبناء على ما خطّه الآباء ، هذا مع العلم بأنّ الصلح تضمن مجموعة من البنود الهامة التي لعبت دوراً كبيراً ، وحقّقت مكاسب في طريق الإسلام.
وبذلك تمكّن الإمام
الحسن عليهالسلام بصلحه من أن يكشف زيف الاُموية ، ويعري أولئك الذين تستّروا بالإسلام وساهموا بانحراف المسيرة عن الطريق المستقيم ، فالإمام الحسن عليهالسلام كشف اللِّثام عن هؤلاء ومهّد الطريق
أمام
الحسين عليهالسلام ليكمل المسيرة ويحقّق الانتصار الكبير للإسلام على الجاهلية والاُموية. وندرك بعد ذلك أنّ الإمام الحسن والحسين وجهان لرسالة واحدة ، فكان للإمام الحسن دور الصابر الحكيم ، وكان للحسين عليهالسلام دور الثائر الكريم.
إذاً ـ لا شك ـ ندرك حجم التضحية التي قام بها الإمام الحسن عليهالسلام من أجل الإسلام ، كما قال المصلح الكبير السيّد شرف الدين : « كانت شهادة الطف حسنية أوّلاً وحسينية ثانياً » كم تحمل هذه الكلمة من معان مؤشرات لأطروحة الصلح ، وكيف تحوّل الصمت والهدوء إلى قنبلة موقوتة جاءت في وقتها المناسب ؟.