عبد العزيز كاظم البهادلي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-8629-08-0
الصفحات: ١٦٥
سيرة النبي وأهل البيت
فقد لقينا الذي لم يلقه أحد |
|
من البرية لا عجم ولا عرب |
فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت |
|
لنا العيون بتهمال له سكب (١) |
ثُمَّ ذهبت الصديقة فاطمة عليهاالسلام فتبعها رافع بن رفاعة الزرقي فقال لها : يا سيدة النساء ، لو كان أبو الحسن تكلّم في هذا الأمر وذكر للناس قبل أن يجري هذا العقد ، ما عدلنا به أحداً. فقالت فاطمة عليهاالسلام : « إليك عني ، فما جعل الله لأحد بعد غدير خمّ من حجّة ولا عذر ».
قال الراوي : فما رأينا يوماً كان أكثر باكياً ولا باكية من ذلك اليوم ، وارتجّت المدينة ، وهاج الناس ، وارتفعت الأصوات.
الخطبة الثانية :
لمّا مرضت عليهاالسلام المرضة التي تُوفّيت فيها ، دخلت عليها نساء المهاجرين والأنصار يعدنها ، فخطبت فيهن ، وكان من كلامها في الدفاع عن الإمامة : « ويحهم أنّى زحزحوها عن رواسي الرسالة ، وقواعد النبوة والدلالة ، ومهبط الروح الأمين ، والطبين باُمور الدنيا والدين؟! ( أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ) (٢). وما الذي نقموا من أبي الحسن ؟! نقموا والله منه نكير سيفه ، وقلّة مبالاته لحتفه ، وشدّة وطأته ، ونكال وقعته ، وتنمّره في ذات الله.
وتالله لو مالوا عن المحجّة اللائحة ، وزالوا عن قبول الحجّة ، لردّهم إليها ،
_____________
(١) من مصادر هذه الخطبة : بلاغات النساء / ابن طيفور : ٢٣ ، دلائل الإمامة / الطبري الإمامي : ١١٤ ـ ١١٨ / ٣٦ ، الاحتجاج / الطبرسي ١ : ١٤٦ ، كشف الغمّة / الاربلي ٢ : ١٠٨ ، وغيرها.
(٢) سورة الزمر : ٣٩ / ١٥.
وحملهم إيّاه ، ولسار بهم سيراً سجحاً (١) ، لا يكلم خشاشه ، ولا يكلّ سائره ، ولا يملّ راكبه ، ولأوردهم نميراً صافياً رويّاً تطفح ضفتاه ، ولا يترنّق جانباه ، ولأصدرهم بطانا ، ونصح لهم سرّاً وإعلانا ... ».
وقالت عليهاالسلام : « ألا هلم فاسمع ، وما عشت أراك الدهر عجباً ، وإن تعجب فعجب قولهم ! ليت شعري إلىٰ أي سناد استندوا ؟! وإلىٰ أي عماد اعتمدوا ؟! وبأيّ عروة تمسّكوا ؟! وعلىٰ أي ذرّية أقدموا واحتنكوا ؟! ( لَبِئْسَ الْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ) (٢) ، وبئس للظالمين بدلاً ، استبدلوا والله الذنابىٰ بالقوادم ، والعجز بالكاهل ، فرغما لمعاطس قوم ( يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) (٣) ، ( أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ ) (٤) ويحهم ( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (٥) ؟!
أما لعمري لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج ، ثمّ احتلبوا ملء القعب دماً عبيطاً وذعافاً مبيداً ، هنالك يخسر المبطلون ، ويعرف التالون غبّ ما أسس الأولون ... ».
قال سويد بن غفلة : فأعادت النساء قولها علىٰ رجالهن ، فجاء إليها قوم من المهاجرين والأنصار معتذرين وقالوا : يا سيدة النساء لو كان أبو الحسن ذكر لنا هذا الأمر قبل أن يبرم العهد ويحكم العقد ، لما عدلنا عنه إلىٰ غيره ، فقالت عليهاالسلام :
_____________
(١) سجحاً : سهلاً ليناً.
(٢) سورة الحجّ : ٢٢ / ١٣.
(٣) سورة الكهف : ١٨ / ١٠٤.
(٤) سورة البقرة : ٢ / ١٢.
(٥) سورة يونس : ١٠ / ٣٥.
« إليكم عنّي ، فلا عذر بعد تعذيركم ، ولا أمر بعد تقصيركم » (١).
وصية الصديقة فاطمة عليهاالسلام :
أحسّت سيّدة نساء العالمين عليهاالسلام بدنوّ أجلها ، واشتدّت وطأة المرض عليها ، فقد أنهكتها الكوارث والمصائب التي ألمّت بها بعد وفاة أبيها صلىاللهعليهوآله ، ولاحت عليها بوادر الضعف ، وانهارت قواها ، فأيقنت أنه حان موعد الالتحاق بأبيها صلىاللهعليهوآله والاجتماع به في جوار الربّ الكريم.
لقد مرضت الصدّيقة مرضاً شديداً ، ومكثت أربعين ليلة ، فلمّا نعيت إليها نفسها ، دعت أُم أيمن وأسماء بنت عميس ووجّهتْ خَلْفَ علي عليهالسلام وأحضرته ، فقالت : « يا ابن عم ، إنّه قد نعيت إلي نفسي ، وإني لا أرىٰ ما بي إلّا أنّني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة ، وأنا اُوصيك بأشياء في قلبي ».
قال لها علي عليهالسلام : « أوصيني بما أحببتِ يا بنت رسول الله » ! فجلس عند رأسها وأخرج من كان في البيت ، ثمّ قالت : « يا ابن عم ، ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ، ولا خالفتك منذ عاشرتني » فقال علي عليهالسلام : « معاذ الله ، أَنت أَعلم بالله وأبرّ وأتقىٰ وأكرم وأشدّ خوفاً من الله من أن أوبّخك بمخالفتي ، قد عزّ عليَّ مفارقتك وفقدك ، إلّا أنه أمر لابدّ منه ، والله جدّدتِ عليّ مصيبة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وقد عظمت وفاتك وفقدك ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون من مصيبة ما
_____________
(١) من مصادر هذه الخطبة : بلاغات النساء / ابن طيفور : ٣٢ ، دلائل الإمامة / الطبري الإمامي : ١٢٦ ـ ١٢٩ / ٣٧ و ٣٨ ، معاني الأخبار / الصدوق : ١٠١ ط إيران ، الأمالي / الطوسي : ٢٣٨ ، الاحتجاج / الطبرسي ١ : ١٤٩ ، شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد ١٦ : ٢٣٤ ، وغيرها من المصادر المعتبرة.
أفجعها وآلمها وأمضّها وأحزنها ! هذه والله مصيبة لا عزاء لها ، ورزية لا خلف لها » ثمّ بكيا جميعاً ساعة وأخذ عليُّ عليهالسلام رأسها وضمّها إلىٰ صدره ، ثمّ قال : « أوصيني بما شئتِ ، فإنّكِ تجديني فيها أمضي كما أمرتِني به ، وأختار أمرك علىٰ أمري » (١).
ثمّ ذكرت وصاياها ، وقد جاءت في كتب السيرة علىٰ النحو التالي :
« بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما أوصت به فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله. أوصت هي تشهد أن لا إله إلّا الله ، وأن محمّداً رسول الله ، وأن الجنّة حقّ ، والنار حقّ ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث مَن في القبور.
يا عليّ ، أنا فاطمة بنت محمّد صلىاللهعليهوآله ، زوّجني الله منك لأكون لك في الدنيا والآخرة ، أنت أولىٰ بي من غيري حنّطني وغسّلني وكفنّي بالليل وصلِّ عليّ ، وادفنّي بالليل ، ولا تُعْلِم أحداً ، وأستودعك الله واقرأ علىٰ ولدي السلام إلىٰ يوم القيامة » (٢).
ثمّ أوصت إلىٰ عليّ عليهالسلام أن يتزوّج بعدها من ابنة أُختها أُمامة بنت زينب بنت السيدة خديجة الكبرىٰ سلام الله عليها ، وقالت عليهاالسلام : « إنها تكون لأولادي مثلي » (٣) ، وأن يتّخذ لها نعشاً وصفته له (٤).
وأن لا يشهد جنازتها أحد ممن كانت غاضبة عليهم ، وأن لا يصلّي عليها
_____________
(١) بحار الأنوار ٤٣ : ١٩١ / ٢٠.
(٢) بحار الأنوار ٤٣ : ٢١٤ / ٤٤.
(٣) بحار الأنوار ٤٣ : ١٩٢.
(٤) بحار الأنوار ٤٣ : ١٩٢ / ٢٠.
أحد منهم ، وأن يدفنها ليلاً إذا هدأت العيون ونامت الأبصار وأن يُعفّىٰ قبرها !! (١) ، وأن تحنّط بفاضل حنوط رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وكان جبرائيل جاء بحنوط من الجنّة ، وكان أربعين درهماً ، فقسّمه رسول الله أثلاثاً ثلاثة ، فثلث لنفسه ، وثلث لابنته فاطمة ، والثلث الأخير لأمير المؤمنين عليهالسلام (٢).
وأوصت بما عندها من بساتين لعليّ ولأولادها من بعده ، وجعلت صدقتها في بني هاشم وبني عبد المطلب ، وقد سئل الإمام الباقر عليهالسلام عن وصية الصدّيقة فاطمة عليهاالسلام ، فأخرج سفطاً وأخرج منه كتاباً فيه : « هذا ما أوصت به فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله بحوائطها ـ بساتينها ـ السبعة : ذو الحسنىٰ ، والساقية ، والدلال ، والعواف ، والرقمة ، والهيثم ، ومشربة أُم إبراهيم ، إلىٰ علي بن أبي طالب عليهالسلام ، ومن بعد عليّ فإلىٰ الحسن ، ومن بعد الحسن فإلىٰ الحسين ، ومن بعد الحسين فإلىٰ الأكبر فالأكبر من ولدي ، شهد الله علىٰ ذلك وكفىٰ بالله شهيداً ، وشهد المقداد بن الأسود ، والزبير بن العوّام ، وكتبه علي بن أبي طالب عليهالسلام » (٣). وأوصت أيضاً : « لأزواج النبي ، لكل واحدة منهن بإثنتي عشرة أوقية ، ولنساء بني هاشم مثل ذلك ، وأوصت لأُمامة بنت أبي العاص بشيء » (٤).
_____________
(١) بحار الأنوار ٤٣ : ١٩٢ / ٢٠ ، روضة الواعظين / الفتّال النيسابوري ١ : ١٥١ ، أعلام النساء / عمر رضا كحالة ٤ : ١٣١.
(٢) كشف الغمّة ٢ : ١٢٢ ـ ١٢٣.
(٣) دلائل الإمامة : ١٢٩ / ٣٩ ، الكافي ٧ : ٤٨ / ٥ باب صدقات النبي صلىاللهعليهوآله وفاطمة والأئمّة عليهمالسلام ووصاياهم ، من كتاب الوصايا.
(٤) دلائل الإمامة : ١٣٠ / ٤٠.
وفاة الصديقة فاطمة عليهاالسلام :
عن أُم سلمة ، قالت : اشتكت فاطمة عليهاالسلام في وجعها ، فخرج عليٌّ عليهالسلام لبعض حاجته فقالت لي فاطمة عليهاالسلام : « يا أُمّاه اسكبي لي غسلاً » ، فسكبت لها غسلاً ، فاغتسلت كأحسن ما رأيتها تغتسل ، ثمّ قالت : « يا أُماه أعطيني ثيابي الجدد » ، فأعطيتها فلبستها ، ثمّ قالت : « يا اُماه قدّمي لي فراشي وسط البيت » ففعلت ، فاضطجعت واستقبلت القبلة وجعلت يدها تحت خدّها ثمّ قالت : « يا أُماه إني مقبوضة الآن ، وقد طهرت فلا يكشفني أحد » ، فقبضت مكانها (١).
وفي رواية أُخرىٰ أنه في اليوم الأخير من حياتها عليهاالسلام كان يبدو عليها الارتياح ، فقامت من فراشها ونادت أولادها وغسّلت لهم ، ثمّ عانقتهم طويلاً وقبّلتهم ، ثمّ أمرتهم بالخروج لزيارة قبر جدّهم صلىاللهعليهوآله ، وكانت أسماء بنت عميس تتولّىٰ خدمتها وتمريضها ، فطلبت منها وبصوت واهٍ ضعيفٍ أن تهيء لها ماء لتغتسل ، فبادرت أسماء إلىٰ إحضار الماء ، فاغتسلت عليهاالسلام ولبست أحسن الثياب وبدأ عليها الحبور ، فظنّت أسماء أنّها تماثلت للشفاء ، ولكن سرعان ما عاودها القلق والاضطراب وتبدّدت ظنونها عندما طلبت منها أن تنقل لها الفراش إلىٰ وسط البيت ، فقامت أسماء وهي تتعثّر بأذيالها ووضعت لها الفراش في وسط البيت ، وقد أثارتها الدهشة ، وكانت بادية علىٰ وجهها لشدّة ما ساءها وانتابها من القلق الشديد عندما رأت السيدة الزهراء عليهاالسلام قد اضطجعت علىٰ
_____________
(١) بحار الأنوار ٤٣ : ١٨٨.
الفراش واستقبلت القبلة والتفتت إلىٰ أسماء ، وقالت : « إنّي مقبوضة الآن وراحلة من هذه الدنيا إلىٰ جوار ربّ رحيم ولاحقة بأبي الرسول الكريم صلىاللهعليهوآله » (١).
سبب وفاة الصديقة فاطمة عليهاالسلام :
لمّا قبض رسول الله صلىاللهعليهوآله وجرىٰ ما جرىٰ من دخول القوم عليها وإخراج ابن عمّها أمير المؤمنين عليهالسلام وما لحقها من أذىً وجهد أسقطت ولداً تامّاً ، وكان ذلك أصل مرضها ووفاتها صلوات الله عليها (٢).
وذكر في سبب وفاتها سلام الله عليها أنّ قنفذاً مولىٰ عمر لعنه الله لكزها بنعل سيفه بأمره فأسقطت محسناً ، ومرضت من ذلك مرضاً شديداً (٣).
ومن هنا فقد جاء في زيارتها عليهاالسلام المرويّة عن أهل البيت عليهمالسلام وصفها بالشهيدة : « السلام عليكِ يا أيتها الصدّيقة الشهيدة » (٤).
وسُئِل الإمام الكاظم عليهالسلام عن سبب وفاة الصدّيقة فاطمة ؟ فقال : « إنّ فاطمة صدّيقة شهيدة » (٥).
دفن الصدّيقة فاطمة عليهاالسلام :
لمّا أرخى الليل سدوله ، وهدأت العيون ، ونامت الأبصار ، قام أمير المؤمنين عليهالسلام
_____________
(١) بحار الأنوار ٤٣ : ١٨٧ / ١٨ باب ما وقع عليها عليهاالسلام من الظلم.
(٢) راجع : دلائل الإمامة : ١٣٤ / ٤٣.
(٣) دلائل الإمامة : ١٣٤ / ٤٣.
(٤) مفاتيح الجنان : ٣١٧ ، زيارة الصدّيقة فاطمة الزهراء عليهاالسلام.
(٥) الكافي ١ : ٤٥٨ / ٢.
وقد احمرّت عيناه من البكاء ، فتوجّه إلىٰ جثمان الصدّيقة فتولّىٰ غسلها بنفسه (١) ، وقيل : أعانته أسماء بنت عميس بوصيّة من الزهراء عليهاالسلام (٢) ، وقيل : ان أمير المؤمنين عليهالسلام أمر الحسن والحسين عليهماالسلام ، يدخلان الماء (٣) ، وكانت أسماء بنت عميس تصبّ الماء عليها (٤) ، ثمّ كفّنها في سبعة أثواب وأدرجها في أكفانها وحنّطها بفاضل حنوط رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ثمّ صلّىٰ عليها وكبّر خمساً ، ودفنها في جوف الليل ، وعفّىٰ قبرها ، وَرَشَّ عليها الماء ، ثمّ جلس عند قبرها باكياً حزيناً ، فأخذ العباس بيده وانصرف به (٥).
ولم يحضر دفنها والصلاة عليها إلّا عليّ والحسنان وعمّار بن ياسر والمقداد وعقيل والزبير وأبو ذرّ وسلمان وبريدة ونفر من بني هاشم وخواص أصحاب الإمام عليهالسلام (٦).
ثمّ وقف الأمير ينفض يديه من تراب القبر ، وهو الثاكل المحزون ، وراح يناجي الرسول صلىاللهعليهوآله بعد أن عفّىٰ قبرها بيده ، ثمّ حوّل وجهه صوب قبره الشريف قائلاً : « السلام عليك يا رسول الله ، عني وعن ابنتك وزائرتك والبائتة الليلة ببقعتك ، والمختار لها الله سرعة اللحاق بك ، قلّ يا رسول الله عن صفيّتك صبري ، وعفا عن سيّدة نساء العالمين تجلّدي ، إلّا أنّ في
_____________
(١) علل الشرائع / الصدوق ١ : ١٨٤ / ١ ، باب ١٤٨.
(٢) السنن الكبرىٰ / البيهقي ٣ : ٣٩٦.
(٣) كشف الغمّة ٢ : ١٢٢.
(٤) تذكرة الخواص : ٣١٩.
(٥) بحار الأنوار ٧٩ : ٢٨ / ١٣.
(٦) روضة الواعظين / الفتّال النيسابوري ١ : ١٥٢.
التأسّي بسنّتك وفي فرقتك موضع تعزِّ ، فلقد وسّدتك في ملحودة قبرك ، وفاضت نفسك بين صدري ونحري ، وفي كتاب الله نعم القول ( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) قد استُرجعت الوديعة ، وأخذت الرهينة ، واختلست الزهراء ، فما أقبح الخضراء والغبراء ! يا رسول الله ، أمّا حزني فسرمد ، وأمّا ليلي فمسهّد ، ولا يبرح ذلك عن قلبي حتىٰ يختار الله لي دارك التي أنت بها ».
إلى أن قال : « فبعين الله تُدفن ابنتك سرّاً ، وأن يُهتضم حقّها ، ويُمنع إرثها جهراً ، وما بعد منك العهد ، ولا اخلولق منك الذكر ، فإلىٰ الله ـ يا رسول الله ـ المشتكىٰ ، وبك أجمل العزاء ، صلوات الله عليك ، وعليها السلام والرضوان » (١).
محل دفنها عليهاالسلام :
اختلفت الروايات في تحديد موضع قبر الصديقة عليهاالسلام فقد رُوي أنّها دُفنت عليهاالسلام في بيتها ، ومستند ذلك إلىٰ الرواية الواردة عن سهل ، عن البزنطي ، عن الإمام الرضا عليهالسلام حينما سُئل عن قبر فاطمة عليهاالسلام ؟ فقال الإمام عليهالسلام : « دُفنت في بيتها ، فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد » (٢).
ورُوي أنها دُفنت في الروضة (بين القبر والمنبر) ، ومستند ذلك إلىٰ الرواية الواردة عن الشيخ المفيد رحمهالله عن ابن أبي عمير مرسلاً عن الصادق عليهالسلام حيث قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة » ،
_____________
(١) أمالي المفيد : ٢٨١ / ٧ ، الكافي / الكليني ١ : ٤٥٨ / ٣ ، تذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي : ٣١٩ ، كشف الغمّة / الاربلي ١ : ٥٠٤.
(٢) الكافي ١ : ٤٦١ / ٩.
« ومنبري علىٰ ترعة من ترع الجنّة » ، ثمّ قال الصادق عليهالسلام : « لأنّ قبر فاطمة عليهاالسلام بين قبره ومنبره ، وقبرها روضة من رياض الجنّة ، وأنه ترعة من ترع الجنّة » (١).
كما رُوي أنها دُفنت بالبقيع ، ومستند ذلك الحديث الوارد في أمالي الطوسي بأسانيد عن ابن عباس في دفن الإمام الحسن المجتبىٰ عليهالسلام ، فأتينا به قبر أُمه فاطمة فدفناه إلىٰ جنبها (٢).
وعلى الجملة ، فإنّ موضع قبرها غير معلوم ، وذلك ما أوصت به عليهاالسلام كما تقدّم.
تاريخ وفاتها عليهاالسلام :
تعدّدت الروايات في تحديد تاريخ وفاة الزهراء عليهاالسلام ، وخلاصتها أنها توفّيت عليهاالسلام بعد أبيها صلىاللهعليهوآله بثلاثة أشهر ، وقيل بعده صلىاللهعليهوآله بثمانية أشهر ، أو بشهر ، أو بخمسة وسبعين يوماً ، أو بستّة أشهر. (٣)
أبعاد وصيّة الزهراء عليهاالسلام :
أوصت الزهراء عليهاالسلام أن تُدفن ليلاً ، وأن لا يشهد الشيخان تشييع جنازتها ، لتعلن للأجيال بأنها ماتت وهي غضبىٰ عليهما ، ولذا عندما سُئل الأمير عليهالسلام من قِبل الأصبغ بن نباتة عن علّة دفن الصدّيقة فاطمة ليلاً ؟ قال عليهالسلام : « إنّها كانت
_____________
(١) بحار الأنوار ٤٣ : ١٨٥ / ١٧.
(٢) الأمالي / الطوسي : ١٥٩ / ١٩ المجلس السادس.
(٣) راجع : بحار الأنوار / المجلسي ٤٣ : ٢١٥ / ٤٥ وما بعده.
ساخطة علىٰ أقوام كرهت حضورهم جنازتها » (١).
وقد تحقّق غرض الزهراء عليهاالسلام في دفنها ليلاً ، فما أن علم الناس بالأمر حتىٰ أخذوا يتلاومون فيما بينهم علىٰ ما ارتكبوه من ظلم واضطهاد لبضعة المصطفىٰ صلىاللهعليهوآله. (٢)
فقد رُوي أنّ المسلمين لمّا علموا وفاتها جاءوا إلىٰ البقيع ، فوجدوا فيه أربعين قبراً ، فأشكل عليهم قبرها من بين القبور ، فضجّ الناس ولام بعضهم بعضاً وقالوا : لم يخلف نبيكم فيكم إلّا بنتاً واحدة تموت وتُدفن ولم تحضروا وفاتها ولا دفنها ولا الصلاة عليها ولا تعرفوا قبرها !؟ (٣)
فسلام عليكِ يا سيدة نساء العالمين يوم وُلدت ويوم استُشهدت ويوم يبعثكِ الله حيّة ، لتكوني أول من يدخل الجنّة علىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ولا عدمنا الله شفاعتك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلّا من أتىٰ الله بقلب سليم.
_____________
(١) الأمالي / الصدوق : ٧٥٥ / ١٠١٨ ، مناقب ابن شهرآشوب ٣ : ٣٦٣ ، بحار الأنوار ٤٣ : ١٨٣.
(٢) سيرة الأئمة الاثني عشر / هاشم معروف الحسني ١ : ١٣٨.
(٣) بحار الأنوار ٤٣ : ٢١٢ / ٤١ ، دلائل الإمامة : ١٣٦.
القسم الثاني
أُمهات الأئمة المعصومين التسعة من ذرّية الإمام الحسين عليهمالسلام
أولاً : أُم الإمام السجاد زين العابدين عليهالسلام
اسمها : هي السيدة شهربانويه بنت يزدجرد بن شاهنشاه آخر ملوك الفرس (١) ، كانت معروفة النسب ، ومن خير النساء ، ومن ربّات البرّ والصلاح والعبادة والتقىٰ ، ويكفيها فخراً أنها زوجة سيد الشهداء خامس أصحاب الكساء الإمام السبط الحسين بن علي بن أبي طالب عليهماالسلام.
وقد وردت لهذه السيدة الجليلة والمخدّرة المنيفة عدّة أسماء ، منها : شاه زنان ، سلافة ، غزالة ، جهانشاه ، بَرّة ، سلامة ، خولة ، مريم (٢).
وقد ورد اسمها ونسبها في أُرجوزة الحرّ العاملي رحمهالله ، قال :
_____________
(١) إكمال الدين وإتمام النعمة / الصدوق ١ : ٣٠٧.
(٢) دلائل الإمامة : ١٩٦ ، فرق الشيعة / النوبختي : ٦٦ ، المعارف / ابن قتيبة : ٢١٤ ، الكافي ١ : ٤٦٦ باب مولد الإمام علي بن الحسين عليهماالسلام ، إثبات الوصيّة / المسعودي : ١٦٧ ، كشف الغمّة / الاربلي ٢ : ١٠١ ، بحار الأنوار ٤٦ : ٧ / ١٨ ، و ١٣ / ٢٤.
وأُمّه ذات العلا والمجد |
|
شاه زنان بنت يزدجرد |
وهو ابن شهريار ابن كسرىٰ |
|
ذو سؤدد ليس بخافٍ كسرىٰ (١) |
ويذهب بعض المؤرخين إلىٰ أن الإمام أمير المؤمين عليهالسلام أبدل اسمها (شاه زنان) إلىٰ (شهربانو) لئلّا تشارك الصدّيقة الزهراء بنت محمّد صلىاللهعليهوآله لقبها (٢) ، لأنّ (شاه زنان) تعني سيدة النساء ، ولأن الرسالة الإلهية قد خصّت الصدّيقة فاطمة عليهاالسلام بلقب سيدة النساء وفقاً لمؤهّلات ومواصفات إلهية توفّرت فيها دون غيرها ، ولهذا قال رسول الله صلىاللهعليهوآله مخاطباً فاطمة الزهراء عليهاالسلام : « يا بنية أما ترضين أنّك سيدة نساء العالمين ؟ » قالت : يا أبت ، فأين مريم عليهالسلام ؟ قال صلىاللهعليهوآله : « تلك سيدة نساء عالمها » (٣).
ويذكر بعض المؤرّخين أنّ الإمام علي عليهالسلام قد أسماها مريم تيمّناً بالصدّيقة مريم عليهاالسلام ، وهو آخر أسمائها حتىٰ تُوفّيت رضوان الله عليها (٤).
تاريخ وصولها إلىٰ المدينة المنورة :
لا خلاف بين الرواة والمؤرخين في أن أُم الإمام السجاد عليهالسلام من بنات ملوك فارس ، وأنّها وصلت إلىٰ الإمام الحسين عليهالسلام مع أختيها ، ولكن الخلاف هو في زمن وصولها إلىٰ المدينة المنورة ، ويمكن حصره بثلاثة أقوال ، وهي :
_____________
(١) أرجوزة الحرّ العاملي عن منتهىٰ الآمال / عباس القمي ٢ : ٧.
(٢) الإمام زين العابدين عليهالسلام / السيد عبد الرزاق المقرم : ١٤ عن دلائل الإمامة / الطبري الإمامي : ١٩٦.
(٣) السيرة الحلبية / الحلبي الشافعي ٢ : ٦.
(٤) بحار الأنوار ٤٦ : ١٣ / ٢٤.
أوّلاً : انها وصلت إلىٰ المدينة في زمان عمر :
ويدلُّ عليه ما رواه ثقة الإسلام الكليني طاب ثراه بسنده عن الإمام الباقر عليهالسلام ، قال : « لما اُقدمت بنت يزدجرد علىٰ عمر ، أشرف لها عذارى المدينة ، وأشرق المسجد بضوئها لما دخلته ، فلما نظر إليها عمر غطّت وجهها وقالت : أف بيروج بادا هرمز (١) ، فقال عمر : أتشتمني هذه ؟ وهمَّ بها ، فقال له أمير المؤمنين عليهالسلام : ليس ذلك لك ، خيرها رجلاً من المسلمين واحسبها بفيئه ، فخيرها فجاءت حتىٰ وضعت يدها علىٰ رأس الحسين عليهالسلام ، فقال لها أمير المؤمنين عليهالسلام : ما اسمك ؟ فقالت : جهان شاه ، فقال لها أمير المؤمنين عليهالسلام : بل شهربانويه ، ثم قال للحسين عليهالسلام : يا أبا عبد الله ، لتلدن لك منها خير أهل الأرض ، فولدت علي بن الحسين عليهماالسلام ، وكان يقال لعلي بن الحسين عليهماالسلام : ابن الخيرتين ؛ فخيرة الله من العرب هاشم ، ومن العجم فارس ».
وروي أنّ أبا الأسود الدئلي قال فيه عليهالسلام :
وإنّ غلاماً بين كسرىٰ وهاشم |
|
لأكرم من نيطت عليه التمائم (٢). |
ثانياً : أنها وصلت إلىٰ المدينة في زمان عثمان :
ويدلّ علىٰ ذلك ما رواه الشيخ الصدوق بالإسناد عن سهل بن قاسم ، قال : قال لي الإمام الرضا عليهالسلام بخراسان : « إن بيننا وبينكم نسب » ، قلت : وما هو أيها
_____________
(١) كلام فارسي : مشتمل على تأفيف ودعاء على أبيها هرمز ، تعني لا كان لهرمز يوم ، فإنّ ابنته اسرت بصغر ونظر إليها الرجال.
(٢) الكافي ١ : ٤٦٦ / ١ باب مولد علي بن الحسين عليهماالسلام من كتاب الحجّة.
الأمير ؟ قال : « إن عبد الله بن عامر بن كريز لمّا افتتح خراسان أصاب ابنتين ليزدجرد بن شهريار ملك الأعاجم ، فبعث بهما إلىٰ عثمان بن عفّان ، فوهب إحداهما للحسن عليهالسلام ، والاُخرىٰ للحسين عليهالسلام ، فماتتا عندهما نفساوين » (١).
ثالثاً : أنها وصلت المدينة في خلافة أمير المؤمنين الإمام علي صلوات الله عليه وسلامه :
ويدلُّ عليه ما رواه الشيخ المفيد رحمهالله بسنده عن أمير المؤمنين عليهالسلام من أنه ولّىٰ حريث بن جابر الجعفي جانباً من المشرق ، فبعث إليه ابنتي ملك فارس ، يزدجرد بن شهريار بن كسرىٰ ، فنحل الإمام علي عليهالسلام الاُولىٰ شاه زنان إلىٰ ابنه الحسين عليهالسلام فأولدها زين العابدين عليهالسلام ، ونحل الاُخرىٰ إلىٰ محمّد بن أبي بكر رضوان الله علىٰ محمد فولدت له القاسم ـ جدّ الإمام الصادق عليهالسلام لاُمّه ـ وعلىٰ هذا فإن القاسم والإمام السجاد عليهالسلام ابنا خالة (٢). والمشهور هو القول الأول ، ورجّح بعضهم القول الثاني (٣).
خطوبتها عليهاالسلام :
ورد في حديث الطبري الإمامي بالإسناد عن المسيّب بن نُجبة أنّه لمّا ورد سبي الفرس إلىٰ المدينة ، أراد عمر بن الخطّاب بيع النساء ، وأن يجعل الرجال
_____________
(١) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ١٢٨ / ٦ ، بحار الأنوار ٤٦ : ٨ / ١٩.
(٢) الإرشاد / المفيد ٢ : ١٣٨ وروىٰ الشيخ المفيد رضياللهعنه نحوه في الاختصاص : ١٥١.
(٣) اُنظر : مجلة رسالة الإمام الحسين عليهالسلام نشر مركز دراسات نهضة الإمام الحسين عليهالسلام العدد / ٢ سنة ١٤١٢ ه ص ٢٤٦ ويتضمّن بحثا بهذا الموضوع للشيخ محمّد هادي اليوسفي الغروي.
عبيداً ... فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : « إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : أكرموا كريم كلّ قوم ... وإنّ هؤلاء قوم قد ألقوا إليكم السلم ، ورغبوا في الإسلام ، ولابدّ أن يكون لي منهم ذريّة ».
ثمّ أنّه عليهالسلام وهب نصيبه منهم لوجه الله ، وتابعه جميع بني هاشم والمهاجرون والأنصار. فرغبت جماعة من قريش في أن يستنكحوا النساء ، فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : « هؤلاء لا يُكرَهن علىٰ ذلك ، ولكن يخيّرن ، فما اخترنه عُمل به » ، فأشار جماعة إلىٰ شهربانويه بنت كسرىٰ ، فخيّرت وخوطبت من وراء حجاب ، فقيل لها : من تختارين من خطّابك ، وهل تريدين بعلاً ؟ فسكتت. فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : « قد أرادت ، وبقي الاختيار » ، فأُريت شهربانويه الخطّاب وأومأت بيدها مشيرة إلىٰ الحسين عليهالسلام ، فأُعيد القول عليها في التخيير ، فأشارت إليه وقالت بلغتها : هذا إن كنت مخيّرة. وجعلت علياً عليهالسلام وليّها ، فأوكل حذيفة ، فتكلّم بالخطبة (١).
وقد روي عنها رضي الله عنها أنها قالت : رأيت في النوم قبل ورود عسكر المسلمين ، كأن محمّداً رسول الله صلىاللهعليهوآله دخل دارنا ، فقعد مع الحسين عليهالسلام ، وخطبني له وزوّجني منه ، فلما أصبحت كان ذلك يؤثّر في قلبي ، وما كان لي خاطر غير هذا.
فلمّا كان في الليلة الثانية رأيت أُمّه فاطمة بنت محمّد صلىاللهعليهوآله قد أتتني وعرضت عليّ الإسلام فأسلمتُ ، ثمّ قالت : إنّ الغلبة تكون للمسلمين ، وإنّك تصلين عن
_____________
(١) دلائل الإمامة : ١٩٤ / ١١١.
قريب إلىٰ ابني الحسين عليهالسلام سالمة لا يصيبك بسوء أحد. قالت : وكان من الحال أنّي خرجت إلىٰ المدينة وما مسّ يدي إنسان ! (١).
وعندها زوَّجَ الإمام علي عليهالسلام شهربانويه من ولده السبط الإمام الحسين عليهالسلام قائلاً له : « يا بني احتفظ بها ، وأحسن إليها ، فستلد لك خير أهل الأرض في زمانه بعدك ، وهي أُمّ الأوصياء الذرّية الطيّبة » (٢).
ولادتها الإمام السجاد عليهالسلام :
مرّت الأيام والشهور علىٰ زواج السبط الإمام الحسين عليهالسلام ، ثمّ عمّت البشرىٰ بيت الرسالة ، وساد أهل البيت عليهمالسلام السرور والحبور ، إذ أتحفت تلك السيدة المخدّرة البيت العلوي بوليدها المبارك عليّ السجاد عليهالسلام في يوم الخامس من شعبان المعظم سنة ثمان وثلاثين من الهجرة علىٰ وجه التحديد (٣).
وحين زفّت البشرىٰ لأمير المؤمنين علي عليهالسلام سجد لله شكراً وأسماه عليّاً. لقد ولدته عليهالسلام وسيماً جميلاً من أحسن الناس وجهاً وأطيبهم رائحة :
ينشق نور الدجىٰ عن نور غرّته |
|
كالشمس تنجاب عن أشراقها الظلم |
الله فضّله قدماً وشرّفه |
|
جرىٰ بذاك له في لوحه القلم (٤) |
كراماتها :
لعلّ أبرز كراماتها هو إشاءة الإرادة الإلهية الإتيان بها من بلاد فارس
_____________
(١) بحار الأنوار / المجلسي ٤٦ : ١١ / ٢١.
(٢) الخرائج والجرائح / القطب الرواندي ١ : ١٩٦ ، بحار الأنوار ٤٦ : ١١ / ٢١.
(٣) كشف الغمّة في معرفة الأئمة / الاربلي ٢ : ٢٨٥ ، تاريخ علي بن الحسين عليهالسلام.
(٤) الاختصاص : ١٩٢.
البعيدة لتكون قرينة سيّد شباب أهل الجنة الإمام الحسين عليهالسلام ، وكذلك انحصار الذرّية الطاهرة المعصومة بها عن طريق وليدها السجّاد عليهالسلام ، فتلك كرامة ما أعظمها !
ومن ثَمَّ فهي طاهرة نقيّة ، كما تشهد علىٰ ذلك زيارة الأئمة عليهمالسلام : « أشهد أنك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهّرة ... لم تزالوا بعين الله ينسخكم من أصلاب كلّ مطهّر ، وينقلكم من أرحام المطهّرات » (١) على أن السيدة شهربانويه عليهاالسلام كانت ذات شرف عظيم قبل إسلامها ، وقد أنشد الشعراء في مدحهم الإمام السجّاد عليهالسلام ما يشير إلىٰ هذا بكل وضوح.
قال أبو الأسود الدؤلي :
وإن غلاماً بين كسرىٰ وهاشم |
|
لأكرم من نيطت عليه التمائم (٢) |
وقال مهيار الديلمي :
قد قبست المجد عن خير أبٍ |
|
وقبست الدين عن خير نبي |
وضممت الفخر من أطرافه |
|
سؤدد الفرس ودين العربِ |
وفاتها عليهاالسلام :
بالنظر لاختلاف الروايات في وصولها المدينة المنورة وزواجها ، فقد اختُلِف في وفاتها رضوان الله عليها ، وقد قيل : إنها ماتت عليهاالسلام في نفاسها بالإمام السجّاد عليهالسلام (٣) ، وكأنما كانت عليهاالسلام مُعدّة لولادة السجّاد عليهالسلام فحسب ، ثمّ الرحيل
_____________
(١) مفاتيح الجنان : ٤٢٩ ، و : ٣٢٧.
(٢) الكافي ١ : ٤٦٦ / ١.
(٣) بحار الأنوار ١٦ : ١١ / ٢١.
إلىٰ جوار ربّها الرحيم في جنّة الفردوس مع محمّد وآله الطاهرين.
فسلام عليك يا من خصّك الله دون النساء بأن جعل الإمامة من ذرّيتك ، وسلسلة الأئمّة من رحمك الطاهر.
ثانياً : أُمّ الإمام الباقر عليهالسلام
اسمها ونسبها : هي السيدة فاطمة بنت الإمام الحسن السبط عليهالسلام بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام ، فهي من العلويات المخدّرات والصدِّيقات الطاهرات ذات العلم والشرف والحياء والعفّة والكمال ، وتمتاز عن سائر بنات الإمام الحسن المجتبىٰ عليهالسلام بالجلالة وعظمة الشأن والنجابة.
عمّها الإمام الحسين الشهيد عليهالسلام ، وجدّها الامام علي بن أبي طالب عليهالسلام وجدّتها الصدِّيقة فاطمة عليهاالسلام ، وبهذا النسب يكفيها فخراً أنّها من أغصان الشجرة الطيّبة ومن ثمار الدوحة الهاشمية ، فزوجها الإمام السجّاد زين العابدين عليهالسلام ، وهي أُم الإمام الباقر عليهالسلام ، وهي أوّل علوية تتزوّج من علوي ، وأوّل فاطمية تتزوّج من فاطمي سلام الله عليهم ، وعلىٰ هذا فتكون ذرّيتها علوية فاطمية وحسينية وحسنية ، وبهذا فهي ثالث هاشمية تتزوّج من هاشمي بعد جدّتها الكبرىٰ فاطمة بنت أسد التي تزوّجت جدّها الأكبر أبا طالب ، وفاطمة الزهراء عليهاالسلام والتي تزوّجت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام.
كنيتها : أُم عبد الله (١) ، وأُم الحسن (٢).
_____________
(١) إكمال الدين وإتمام النعمة / الصدوق ١ : ٣٠٧.
(٢) في رحاب أئمة أهل البيت عليهمالسلام / السيد الأمين ٤ : ٤.
زواجها من الامام السجاد عليهالسلام :
وُلد هذان الزوجان ونشئا في بيوتٍ أذن الله أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه ، حيث مهبط الملائكة ونزول البركات بكرةً وعشيّاً. وفي هذه الأثناء كانت السيدة فاطمة بنت الإمام الحسن السبط عليهالسلام تعيش في كنف والدها الإمام المعصوم عليهالسلام حيث العلم والحلم والكرم ، غير أن تلك الحياة الرغيدة لم تستمر إذ استُشهدَ أبوها الإمام الحسن المجتبىٰ عليهالسلام بمؤامرة دنيئة دبّرها له معاوية بن أبي سفيان بالاستعانة بزوجة الإمام (جعدة بنت الأشعث). فأصبحت عائلة الإمام الحسن عليهالسلام تحت رعاية إمام زمانها الحقّ وخليفة رسول الله (الإمام الحسين عليهالسلام).
فبادر الإمام الحسين عليهالسلام برعاية أُسرة أخيه الإمام الحسن عليهالسلام وجعلها كأُسرته تماماً في التربية والتعليم والنصح والإرشاد والانفاق ونحو ذلك من الأمور الأُخرىٰ ، وهكذا عاشت فاطمة أُم الإمام الباقر عليهالسلام في كنف السبطين عليهماالسلام معاً ، الأمر الذي أسهم في تكوين شخصيتها ، حتىٰ توفّرت فيها جميع المقوّمات والمؤهّلات من سموّ الحسب وعلوّ النسب وغزارة العلم وقمّة الحلم ، فزوجها الإمام الحسين من ولده السجّاد عليهماالسلام ، لتكون فيما بعد أُمّاً للذرّيّة الطاهرة ، ولتنال شرف الدنيا والآخرة حيث أصبحت أُمّاً لثاني التسعة المعصومين من ذرّيّة الإمام الحسين عليهالسلام ، وهكذا اقترنت بابن عمّها السجّاد عليهالسلام فغمرت البيت النبوي بهجةً وسروراً.
ولادتها الإمام الباقر عليهالسلام :
في يوم الجمعة ـ وقيل : الاثنين أو
الثلاثاء ـ من شهر رجب الخير عام ٥٧