الوصائل الى الرسائل - ج ٩

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل الى الرسائل - ج ٩

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-09-0
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

فلا يجب إلّا اذا أوجب إهماله تردّدا في اصل الواجب ، كتكرار الصلاة في الثوبين المشتبهين على اربع جهات ، فانّه يوجب تردّدا في الواجب زائدا على التردّد الحاصل من جهة اشتباه القبلة ، فكما يجب دفع التردّد مع الامكان كذلك يجب تقليله.

أمّا إذا لم يوجب إهماله تردّدا زائدا في الواجب ، فلا يجب ، كما في ما نحن فيه ، فانّ الاتيان بالعصر المقصورة بعد الظهر المقصورة

______________________________________________________

فعلى القول بانّه يجب مراعاة العلم التفصيلي من جهة نفس الواجب ، وذلك لتقليل محتملاته مهما امكن نقول : (فلا يجب) مراعاة العلم التفصيلي (إلّا اذا أوجب إهماله) اي : اهمال مراعاة العلم التفصيلي ازدياد محتملات نفس الواجب وكثرة تكراره بأن اوجب (تردّدا في اصل الواجب).

وامّا مثاله : فهو ما ذكره المصنّف بقوله : (كتكرار الصلاة في الثوبين المشتبهين على اربع جهات) حيث يستلزم ثمان صلوات (فانّه يوجب تردّدا في الواجب زائدا على التردّد الحاصل من جهة اشتباه القبلة) لوضوح : انّ اشتباه القبلة يوجب تردّد الواجب بين أربع صلوات ، فاذا انضم الى تلك الأربع ، اشتباه الساتر في ثوبين ، أوجب تردّد الواجب بين ثمان صلوات.

وعليه : (فكما يجب دفع التردّد) في الامتثال رأسا ، وتحصيل الامتثال التفصيلي (مع الامكان) وذلك بأن يطهّر أحد ثوبيه المشتبهين حتى لا يكرّر الصلاة (كذلك يجب تقليله) أي : تقليل التردّد وقلة التكرار مهما امكن.

(أمّا إذا لم يوجب إهماله) اي : اهمال مراعاة العلم التفصيلي (تردّدا زائدا في الواجب) وكثرة تكراره (فلا يجب) حينئذ مراعاته (كما في ما نحن فيه) من الظهرين (فانّ الاتيان بالعصر المقصورة بعد الظهر المقصورة) الى كل جهة جهة ،

٢٢١

لا يوجب تردّدا زائدا على التردّد الحاصل من جهة القصر والاتمام ، لانّ العصر المقصورة إن كانت مطابقة للواقع كانت واحدة لشرطها ، وهو الترتّب على الظهر ، وإن كانت مخالفة للواقع لم ينفع وقوعها مترتّبة على الظهر الواقعيّة ؛ لأنّ الترتّب انّما هو بين الواجبين واقعا.

______________________________________________________

فيصلي ظهرا وعصرا الى اليمين ، وظهرا وعصرا الى الشمال ، وهكذا (لا يوجب تردّدا زائدا على التردّد الحاصل من جهة القصر والاتمام) لأنّه بالنتيجة يأتي بالظهر اربع مرات ، وبالعصر اربع مرات بلا زيادة.

وعليه : فانّ الاشتباه بين القصر والاتمام قد أوجب تردّد الظهر وكذلك العصر بين محتملين ، بينما الاشتباه في الترتيب لا يوجب زيادة المحتملات حتى يجب رفعه ، فلا يجب إذن مراعاته فيه.

وانّما لا يجب مراعاته فيه (لأنّ العصر المقصورة إن كانت مطابقة للواقع ، كانت واحدة لشرطها ، وهو الترتّب على الظهر) فاذا فرضنا إن القبلة في نقطة الجنوب ـ مثلا ـ وصلّى صلاتين الى نقطة الجنوب ظهرا وعصرا ، فان العصر تقع صحيحة بعد الظهر الصحيحة.

هذا (وان كانت مخالفة للواقع) بأن كانت القبلة طرف الشمال ـ مثلا ـ (لم ينفع وقوعها مترتّبة على الظهر الواقعيّة) فانّه سواء صلّى الظهر قصرا ام تماما ، أولا أم وسطا أم أخيرا ، فانّ الصلاة الى جهة الشمال باطلة ، فالعصر ايضا تقع باطلة.

وانّما لا ينفع وقوعها هنا مترتبة (لأنّ الترتّب) النافع في أداء التكليف (انّما هو بين الواجبين واقعا) كما مثلنا له بصلاة الظهر والعصر الى طرف الجنوب ، لا بين الواجبين ظاهرا من باب وجوب المقدمة العلمية.

٢٢٢

ومن ذلك يظهر عدم جواز التمسك بأصالة بقاء الاشتغال بالظهر وعدم فعل الواجب الواقعي.

وذلك لانّ المترتب على بقاء الاشتغال وعدم فعل الواجب ، عدم جواز الاتيان بالعصر الواقعي ، وهو مسلّم ، ولذا لا يجوز الاتيان حينئذ بجميع محتملات العصر.

______________________________________________________

(ومن ذلك) الذي ذكرناه في كون الترتب المقرّر شرعا هو : الترتب بين الواجبين الواقعيّين ، لا بين الواجبين الظاهريّين من باب المقدمة (يظهر : عدم جواز التمسك بأصالة بقاء الاشتغال بالظهر وعدم فعل الواجب الواقعي) الذي هو الظهر في المثال ، فانه لا يصح التمسك به لا بطال صلاة العصر.

وبعبارة اخرى : ان الدخول في العصر قبل اتيان الظهر غير مشروع ، ومقتضى استصحاب عدم الاتيان بالظهر ـ لانّه لا يعلم هل ان الظهر الى هذه الجهة ، وقعت صحيحة أو غير صحيحة؟ ـ هو : عدم الاتيان بالظهر ، وهذا الاستصحاب يقتضي أن لا يأتي بالعصر وذلك رعاية للترتيب بينهما.

والجواب : ان الترتيب هنا من باب الوجوب المقدمي ، وليس واجبا واقعيا حتى يصح فيه التمسك بالاستصحاب (وذلك) كما قال :

(لانّ المترتب على بقاء الاشتغال وعدم فعل الواجب : عدم جواز الاتيان بالعصر الواقعي) فانّ العصر الواقعي لا يقع بعد الظهر الذي هو غير واقعي (وهو) أي : عدم جواز الاتيان بالعصر الواقعي قبل الاتيان بالظهر الواقعي (مسلّم) لا نزاع فيه ، فانّ أحدا لا يتوهم بانّه يجوز الاتيان بالعصر الواقعي عقيب الظهر غير الواقعي.

(ولذا لا يجوز الاتيان حينئذ) اي : حين الاتيان بأحد محتملات الظهر ثم الاتيان (بجميع محتملات العصر) وذلك بأن يصلي الظهر مرة الى جهة واحدة ،

٢٢٣

وهذا المحتمل غير معلوم أنّه العصر الواقعي ، والمصحّح لإتيان به هو المصحّح لإتيان محتمل الظهر المشترك معه في الشك وجريان الأصلين فيه ، أو ان الواجب مراعاة العلم التفصيلي من جهة نفس الخصوصيّة المشكوكة في العبادة ، وإن لم يوجب اهماله تردّدا في الواجب ،

______________________________________________________

ثم يأتي بالعصر اربع مرات الى الجهات الاربع ، فانه لا يجوز قطعا.

(و) لكن (هذا المحتمل) الواحد من العصر الذي صلاه الى جهة واحدة بعد أن صلّى الظهر اليها (غير معلوم انّه العصر الواقعي ، و) انّما هو عصر ظاهري ترتب على الظهر الظاهري ، لا انّه عصر واقعي ترتب على الظهر الظاهري حتى يقال باستصحاب عدم الاتيان بالظهر.

وعليه : فان (المصحّح للاتيان به) اي : بهذا العصر الظاهري (هو المصحّح لإتيان محتمل الظهر) من احتمال كون هذه الجهة جهة القبلة (المشترك) ذلك المحتمل الظهرية (معه) اي : مع المحتمل العصرية (في الشك) في انّه هل هو الى جهة القبلة أم لا؟ (و) كذا المشترك معه أيضا من حيث (وجريان الأصلين فيه) اي : أصالة بقاء الاشتغال ، وأصالة عدم فعل الواجب الواقعي.

هذا تمام الكلام في الشق الأوّل من قول المصنّف : «قولان ... مبنيان» واما الكلام في شقه الثاني فهو ما اشار اليه المصنّف بقوله :

(أو ان الواجب مراعاة العلم التفصيلي من جهة نفس الخصوصيّة المشكوكة في العبادة) فيجب مراعاة العلم التفصيلي من جهة : ان المطلوب هو : العلم بخصوصيّات الواجب مهما أمكن ، حتى (وان لم يوجب اهماله) اي : اهمال مراعاة العلم التفصيلي ازدياد محتملات نفس الواجب وكثرة تكراره ، بان لم يوجب (تردّدا في الواجب).

٢٢٤

فيجب على المكلّف العلم التفصيليّ عند الاتيان بكون ما يأتي به هو نفس الواجب الواقعي.

فاذا تعذّر ذلك من بعض الجهات لم يعذر في إهماله من الجهة المتمكّنة.

فالواجب على العاجز عن تعيّن كون الصلاة قصرا أو اتماما العلم التفصيليّ ، بكون المأتي به مترتّبا على الظهر ،

______________________________________________________

وعليه : فان المكلّف فيما نحن فيه ، سواء اتى بالظهر والعصر معا الى كل جهة من الجهات الاربع ، ام اتى بالظهر الى اربع جهات ، ثم اتى بالعصر كذلك ، فانه بعد كل من هاتين الصورتين ، يعلم بأنه اتى بالعصر الواقعي بعد ظهر واقعي ، إلّا ان في الصورة الاولى كان مراعاة العلم التفصيلي فيها من جهة نفس الواجب بايقاعه الى القبلة ، وفي الصورة الثانية كان مراعاة من جهة نفس الخصوصية المشكوكة في العبادة بايقاعها مترتبة ايضا.

إذن : فعلى القول بوجوب مراعاة العلم التفصيلي من جهة نفس الخصوصية المشكوكة في العبادة ، يجب الاتيان بالصلاة ـ كما في المثال ـ على الصورة الثانية ، ولا يكفي اتيانها على الصورة الاولى.

ولذلك قال : (فيجب على المكلّف : العلم التفصيليّ عند الاتيان ، بكون ما يأتي به هو نفس الواجب الواقعي) بلا تردد في خصوصياته (فاذا تعذّر ذلك) أي : تعذّر العلم التفصيلي (من بعض الجهات) كجهة القبلة (لم يعذر في إهماله من الجهة المتمكّنة) كجهة الترتيب بين الظهرين ، فانه يمكن رفع الترديد منها باتيان الظهر أولا الى اربع جهات ، ثم الاتيان بالعصر كذلك.

إذن : (فالواجب على العاجز عن تعيّن كون الصلاة قصرا أو اتماما : العلم التفصيليّ بكون المأتي به مترتّبا على الظهر) وذلك بأن يأتي باحتمالي الظهر

٢٢٥

ولا يكفي العلم بترتبه على تقدير صحته.

هذا كله مع تنجّز الأمر بالظهر والعصر دفعة واحدة في الوقت المشترك.

أمّا إذا تحقّق الأمر بالظهر فقط في الوقت المختصّ ففعل بعض محتملاته ، فيمكن أن يقال بعدم الجواز نظرا الى الشك في تحقّق الأمر بالعصر ، فكيف يقدّم على محتملاتها التي لا تجب الّا مقدمة لها ،

______________________________________________________

تماما وقصرا ، ثم باحتمالي العصر تماما وقصرا (ولا يكفي العلم بترتبه) اي : العصر لا علما تفصيليا ، بل احتمالا (على تقدير صحته) كما اذا اتى بظهر تمام وعصر تمام ، ثم بظهر قصر وعصر قصر ، فانه حينئذ لا يقطع بالترتيب بينهما.

(هذا كله مع تنجّز الأمر بالظهر والعصر دفعة واحدة) كما (في الوقت المشترك) بين الظهر والعصر ، بأن لم تكن الصلاتان في أول الوقت ولا في آخر الوقت ، ففيه كان الكلام : من وجوب مراعاة الواجب وخصوصياته او عدم وجوبه.

(أمّا إذا تحقّق الأمر بالظهر فقط) كما (في الوقت المختصّ ، ففعل بعض محتملاته ، فيمكن أن يقال بعدم الجواز) اي : عدم جواز الدخول في محتمل العصر اطلاقا.

وإنّما يقال بعدم الجواز (نظرا الى الشك في تحقّق الأمر بالعصر ، فكيف يقدّم على محتملاتها التي لا تجب) تلك المحتملات (الّا مقدمة لها؟) اي : للعصر الواقعي ، فانّ العصر انّما يتحقق الأمر بها بعد دخول وقتها ، ولا يدخل وقتها الّا بعد امكان الاتيان بالظهر بجميع مقدمات الظهر ، كالطهارة ، وتحصيل القبلة ، وما أشبه ذلك ، ومن تلك المقدمات : المقدمات العقلية أعني : الاحتياط باتيان جميع المشتبهات.

وعليه : فاذا لم يفرغ من الظهر بكل مقدماتها : من القصر والاتمام عند الشك فيهما ، او التكرار الى جهات أربع عند الاشتباه في القبلة ، أو غير ذلك ،

٢٢٦

بل الأصل عدم الأمر ، فلا يشرع الدخول في مقدمات الفعل.

ويمكن أن يقال : إنّ أصالة عدم الأمر إنّما يقتضي عدم مشروعية الدخول في المأمور به ومحتملاته التي يحتمله على تقدير عدم الأمر واقعا ، كما اذا صلّى العصر الى غير الجهة التي صلّى الظهر ، وأمّا ما لا يحتمله الّا على تقدير وجود الأمر ، فلا يقتضي الأصل المنع عنه ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

لم يدخل وقت العصر ، فاذا أتى بالعصر حينئذ وقعت باطلة ، لانّها في الوقت المختص بالظهر وليس في الوقت المشترك.

(بل) حتى اذا شككنا في انّ وقت العصر دخل أو لم يدخل ، كان (الأصل عدم الأمر) بالعصر (فلا يشرع الدخول في مقدمات الفعل) اي : في مقدمات صلاة العصر بأن يأتي بأحد العصرين بعد احد الظهرين.

ثم ان المصنّف بعد أن انتهى من قوله : فيمكن ان يقال ، شرع في الردّ عليه بقوله : (ويمكن أن يقال :) بانّه إذا صلّى الظهر تماما ـ مثلا ـ وكان في الواقع صحيحا لان تكليفه كان هو التمام ، فقد دخل وقت العصر لانّه فرغ من الظهر ، فاذا صلّى العصر تماما كان في وقته ، فلا يكون العصر باطلا وذلك كما قال :

(انّ أصالة عدم الأمر) بالعصر (انّما يقتضي عدم مشروعية الدخول في المأمور به ومحتملاته التي يحتمله : على تقدير عدم الأمر واقعا) فاذا لم يكن امر واقعا لم يصح الدخول لا في العصر ولا في محتملاته من باب العلم الاجمالي والمقدمة العلمية (كما اذا صلّى العصر الى غير الجهة التي صلى الظهر) اليها.

(وأمّا ما لا يحتمله الّا على تقدير وجود الأمر) كما إذا صلّى العصر للجهة التي صلّى الظهر اليها (فلا يقتضي الأصل المنع عنه) حتى يكون العصر باطلا (كما لا يخفى).

٢٢٧

الثاني :

______________________________________________________

وعلى هذا : فيجوز أن يأتي بالعصر بعد الظهر في أول الوقت حتى ولو كان الواجب عليه تكرار الصلاة ، كما في صورة اشتباه القبلة ، فيأتي بالظهرين الى كل جهة جهة ، وكما في صورة اشتباه التكليف بين القصر والتمام ، فيأتي بالعصر تماما بعد الظهر تماما ، وبالعصر قصرا بعد الظهر قصرا في أول الوقت ، وهكذا.

إذن : فلا فرق على هذا ، بين الوقت المختص والوقت المشترك.

المقام (الثاني) : من بحث الشبهة الوجوبية في الشك بين الاقل والأكثر ، ولا يخفى انّ الأقل والأكثر على قسمين :

الأوّل : الأقل والأكثر الاستقلاليين.

الثاني : الأقل والأكثر الارتباطيين.

والفرق بينهما : ان الاقل والاكثر الاستقلاليين هو : ما لم يكن امتثال بعضه مرتبطا بامتثال البعض الآخر ، كالشك في انّه هل فاته صوم خمسة أيام من شهر رمضان أو اربعة؟ أو هل فاتته خمس صلوات أو أربع صلوات؟ وكالشك في انّه هل هو مديون لزيد اربعة دنانير أو خمسة دنانير؟ أو هل انّه مديون لكل بقّالي البلد او لعدد معيّن منهم فقط ـ مثلا ـ؟.

وعلى هذا : فينحل الواجب في الاقل والاكثر الاستقلاليين الى واجبات متعددة غير مرتبطة بعضها ببعض ، فاذا أتى ـ مثلا ـ ببعض وأخلّ ببعض ، فقد امتثل بالنسبة الى ما أتى به وان عصى بالنسبة الى ما أخلّ به.

أمّا الأقل والأكثر الارتباطيين : فهو ما كان امتثال بعضه مرتبطا بامتثال البعض الآخر ، وذلك بأن كان المطلوب فيه هو المجموع من حيث المجموع بحيث إذا أتى بالجميع دون جزء واحد أو شرط واحد لم يمتثل أصلا ، من غير فرق بين

٢٢٨

فيما إذا دار الأمر في الواجب بين الأقلّ والأكثر ، ومرجعه الى الشك في جزئية شيء للمأمور به وعدمها ،

______________________________________________________

ان يكون أبعاضه أمورا وجودية : كالتكبير والركوع والسجود وما أشبه ذلك بالنسبة الى الصلاة.

أو يكون أبعاضه أمورا عدمية : كالكف عن الأكل والشرب وما أشبه ذلك بالنسبة الى الصيام.

أو يكون أبعاضه مركبا من امور وجودية وعدمية معا كالنية ولبس الثوب والتلبية ، فانها امور وجودية ، كالكف عن الصيد والطيب والنساء فانّها امور عدمية بالنسبة الى الاحرام ـ مثلا ـ.

وبذلك ظهر : انّ الأقل والاكثر الارتباطيين يجري في الوجودي وفي العدمي وفي المركب منهما ، كما ان الاستقلاليين أيضا كذلك ، فقد يكون بعض المحرمات غير مرتبط بعضها ببعض كالزّنا وشرب الخمر والغيبة ، وقد يكون بعضها مرتبط ببعض ، كما في النهي عن الغناء إذا دار أمره بنحو الشبهة الحكمية بين كونه هو الصوت المطرب مع الترجيع ، أو بلا ترجيع ، أو بلا طرب.

ثم ان الواجب الارتباطي يكون الأقل فيه معلوم الوجوب والأكثر مشكوك الوجوب ، أما الحرام الارتباطي فيكون الاكثر فيه معلوم الحرمة والأقل غير معلوم الحرمة.

هذا ، لكن المصنّف لم يتعرّض لحال الحرام الارتباطي ، كما لم يتعرّض لحال بقية اقسام الأقل والأكثر ، وانّما اقتصر (فيما إذا دار الأمر في الواجب بين الأقلّ والاكثر) الارتباطيين فقال : (ومرجعه الى الشك في جزئية شيء للمأمور به وعدمها) اي : عدم جزئيّته له يعني : انّ الجزء المشكوك هل هو جزء أو ليس بجزء؟.

٢٢٩

وهو على قسمين : لأنّ الجزء المشكوك إمّا جزء خارجي ، أو جزء ذهنيّ وهو القيد ، وهو على قسمين : لأنّ القيد إمّا منتزع من أمر خارجيّ مغاير للمأمور به في الوجود الخارجي ، فمرجع اعتبار ذلك القيد الى ايجاب ذلك الأمر الخارجي ، كالوضوء الذي يصير منشئا للطهارة ، المقيّد بها الصلاة ،

______________________________________________________

(وهو) اي الجزء المشكوك (على قسمين :) كالتالي : ـ

أولا : (لانّ الجزء المشكوك إمّا جزء خارجي) كجلسة الاستراحة والاستعاذة في أوّل الصلاة.

ثانيا : (أو جزء ذهنيّ وهو القيد) ثم ان القيد قد يكون قيدا وجوديا كتقيّد الصلاة بالطهارة ، وتقيّد الرقبة بالايمان ، وهذا يسمّى شرطا ، وقد يكون قيدا عدميا : كتقيّد الصلاة بعدم غصبية المكان ، وعدم نجاسة الساتر ، وهذا يسمّى مانعا ، أو كتقيّد الصلاة بعدم الضحك ، وعدم البكاء ، وهذا يسمّى قاطعا.

(وهو) اي : القيد كما عرفت يكون (على قسمين) ايضا ، وذلك (لأنّ القيد) كما قال :

أولا : (امّا منتزع من أمر خارجيّ مغاير للمأمور به في الوجود الخارجي) مثل : انتزاع الطهارة من الوضوء ، فالصلاة مقيّدة بالطهارة ، والطهارة منتزعة من الوضوء الذي هو أمر خارجي مغاير للصلاة (فمرجع اعتبار ذلك القيد) يكون (الى ايجاب ذلك الأمر الخارجي) من قبل الشارع (كالوضوء الذي يصير منشئا للطهارة ، المقيّد بها) اي : بتلك الطهارة (الصلاة) ولذا ورد : «اذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة» (١).

__________________

(١) ـ من لا يحضره الفقيه : ج ١ ص ٣٣ ح ٦٧ ، تهذيب الاحكام : ج ٢ ص ١٤٠ ب ٢٣ ح ٤ ، وسائل الشيعة : ج ١ ص ٣٧٢ ب ٤ ح ٩٨١ وج ٢ ص ٢٠٣ ب ١٤ ح ١٩٢٩ وفيهم (وجب الطهور والصلاة).

٢٣٠

وإمّا خصوصيّة متحدة في الوجود مع المأمور به ، كما اذا دار الأمر بين وجوب مطلق الرقبة ، أو رقبة خاصة ، ومن ذلك دوران الامر بين إحدى الخصال وبين واحدة معيّنة منها.

والكلام في كلّ من القسمين في أربع مسائل :

______________________________________________________

ثانيا : (وامّا خصوصيّة) وكيفية (متحدة في الوجود مع المأمور به) وذلك كالصلاة الى القبلة ، أو الصلاة في الثوب المباح ، أو (كما اذا دار الأمر بين وجوب مطلق الرقبة ، أو رقبة خاصة) كالرقبة المؤمنة في كفارة الصيام ـ مثلا ـ.

ومن المعلوم : انّ الصلاة باتجاه القبلة ، والصلاة بالثوب الطاهر ، والرقبة المؤمنة ، هذه القيود كلّها كيفيّات متحدة في الوجود الخارجي مع المأمور به ، وليست مغايرة له.

(ومن ذلك) اي : من القيد المتحد مع المأمور به : (دوران الامر بين إحدى الخصال ، وبين واحدة معيّنة منها) كما إذا شككنا في ان كفارة الصوم ـ مثلا ـ هل هي مقيّدة بخصوص العتق ، أو انّها مخيّرة بين الثلاث : العتق والصيام والاطعام؟ فيكون الشك فيها من الشك في القيد بمعنى : هل ان للعتق خصوصية في الكفارة ام لا؟.

ومنه يظهر : ان الدوران بين التعيين والتخيير في كلامهم يرجع الى الشك الجزء الذهني المتحد مع المأمور به في الوجود الخارجي.

هذا (والكلام في كلّ من القسمين) المذكورين للجزء وفيما يتفرع على الثاني من قسمين أيضا حيث يكون المجموع بعد اسقاط المقسم ثلاثة اقسام ، فالكلام يقع في كل منها (في اربع مسائل) وهي ما يشك فيه من جهة : عدم النص ،

٢٣١

أمّا مسائل القسم الاوّل

وهو الشك في الجزء الخارجيّ

فالأولى منها :

أن يكون ذلك مع عدم النصّ المعتبر في المسألة فيكون ناشئا من ذهاب جماعة الى جزئية الأمر الفلاني ، كالاستعاذة قبل القراءة في الركعة الاولى مثلا ، على ما ذهب اليه بعض فقهائنا.

وقد اختلف في وجوب الاحتياط هنا ، فصرّح بعض متأخّري المتأخّرين بوجوبه ، وربّما يظهر من كلام بعض القدماء كالسيد والشيخ ،

______________________________________________________

أو اجمال النص ، أو تعارض النصين ، أو اشتباه الموضوع الخارجي ، فالمسائل إذن اثنتا عشرة مسئلة.

(أمّا مسائل القسم الاوّل : وهو الشك في الجزء الخارجيّ) فكما قال :

(فالاولى منها : ان يكون ذلك) اي : الشك (مع عدم النصّ المعتبر في المسألة ، فيكون) الشك (ناشئا من ذهاب جماعة الى جزئية الأمر الفلاني ، كالاستعاذة قبل القراءة في الركعة الاولى مثلا ، على ما ذهب اليه بعض فقهائنا) فانّ بعضهم أوجب الاستعاذة قبل القراءة ، وبعضهم لم يوجبها قبل القراءة ، وحيث ان النص مفقود في هذا المجال ، فنشك هل انّ الاستعاذة واجبة أو ليست بواجبة؟.

هذا من جهة منشإ الشك (و) أمّا من حيث الحكم : فانه (قد اختلف في وجوب الاحتياط هنا) اي : فيما كان الشك في جزئيته من جهة عدم النص (فصرّح بعض متأخّري المتأخرين بوجوبه) بل (وربّما يظهر من كلام بعض القدماء كالسيد والشيخ) : انّه واجب.

٢٣٢

لكن لم يعلم كونه مذهبا لهما ، بل ظاهر كلماتهم الأخر خلافه ، وصريح جماعة إجراء أصالة البراءة وعدم وجوب الاحتياط ، والظاهر أنّه المشهور بين العامّة والخاصّة المتقدّمين منهم والمتاخّرين ، كما يظهر من تتبّع كتب القوم ، كالخلاف والسرائر وكتب الفاضلين والشهيدين والمحقق الثاني ومن تأخّر عنهم.

بل الانصاف : أنّه لم أعثر في كلمات من تقدّم على المحقّق السبزواري على من يلتزم بوجوب الاحتياط في الأجزاء والشرائط ، وإن كان فيهم

______________________________________________________

(لكن لم يعلم كونه مذهبا لهما) أي : للسيد والشيخ ، لاحتمال انّهما استطرادا ذكرا الاحتياط لتأييد الدليل لمن قال بالوجوب (بل ظاهر كلماتهم الأخر : خلافه) وانّه ليس بواجب ، ولذا احتملنا انّه ليس مذهبا لهما.

هذا (وصريح جماعة) آخرين : (إجراء أصالة البراءة وعدم وجوب الاحتياط) فلا يجب الاتيان بالاستعاذة ـ مثلا ـ في الصلاة.

(والظاهر : انّه) اي : عدم الوجوب هو (المشهور بين العامّة والخاصّة ، المتقدّمين منهم والمتأخرين ، كما يظهر) ذلك (من تتبع كتب القوم ، كالخلاف) للشيخ الطوسي (والسرائر) لابن ادريس الحلي (وكتب الفاضلين) المحقق والعلامة (والشهيدين) : الأوّل والثاني (والمحقق الثاني) صاحب جامع المقاصد (ومن تأخّر عنهم) من العلماء.

(بل الانصاف : انّه لم أعثر في كلمات من تقدّم على المحقّق السبزواري) الذي كان قبل اربعمائة عام تقريبا ، لم أعثر فيهم (على من يلتزم بوجوب الاحتياط في الأجزاء والشرائط) المشكوك فيها (وان كان فيهم) اي : في العلماء

٢٣٣

من يختلف كلامه في ذلك ، كالسيّد والشيخ بل الشهيدين قدس‌سرهما ، وكيف كان فالمختار جريان أصل البراءة.

لنا على ذلك حكم العقل وما ورد من النقل.

أمّا العقل :

فلاستقلاله بقبح مؤاخذة من كلّف بمركّب لم يعلم من أجزائه إلّا عدّة أجزاء ، ويشك في أنّه هو هذا أو له جزء آخر ، وهو الشيء الفلاني ثم بذل جهده في طلب الدّليل على جزئية ذلك الأمر فلم يقتدر ، فأتى

______________________________________________________

المتقدّمين (من يختلف كلامه في ذلك) ويتردّد في الوجوب وعدمه (كالسيّد) المرتضى (والشيخ) الطوسي (بل الشهيدين قدس‌سرهما) ايضا.

(وكيف كان : فالمختار : جريان أصل البراءة) فيما اذا شككنا في جزئية شيء للمأمور به من جهة عدم النص ، كما في الاستعاذة ـ مثلا ـ.

(لنا على ذلك) اي : دليلنا على جريان البراءة في الجزء المشكوك من الواجب الذي يدور امره بين الأقل والاكثر الارتباطيين : (حكم العقل ، وما ورد من النقل) فانّهما يدلان على البراءة.

(امّا العقل : فلاستقلاله بقبح مؤاخذة من كلّف بمركّب لم يعلم من أجزائه إلّا عدّة أجزاء ، ويشك في انّه هو هذا) أي : المركب التام (أو له جزء آخر ، وهو الشيء الفلاني) كما مثّلنا له بالاستعاذة قبل البسملة بالنسبة الى الصلاة.

(ثم) ان هذا المكلّف الشاك في أجزاء المركب (بذل جهده) بالمقدار المطلوب ، لانّ للفحص مقدارا عقلائيا ، فاجتهد (في طلب الدّليل على جزئية ذلك الأمر) المشكوك (فلم يقتدر) أي : لم يعثر على ما يدل على جزئيته (فأتى

٢٣٤

بما علم وترك المشكوك ، خصوصا مع اعتراف المولى بانّي ما نصبت لك عليه دلالة ، فانّ القائل بوجوب الاحتياط لا ينبغي ان يفرّق في وجوبه بين ان يكون الآمر لم ينصب دليلا أو نصب واختفى ،

______________________________________________________

بما علم وترك المشكوك) وكان ذلك المشكوك في الواقع جزءا لكنّه لم يصل اليه ، فانه يقبح مؤاخذته به سواء نصب له المولى دليلا ولم يصل اليه ، أم لم ينصب له المولى دليلا أصلا.

هذا (خصوصا مع اعتراف المولى بأنّي ما نصبت لك عليه دلالة ، فانّ) قبح مؤاخذته على ترك هذا الجزء في هذه الصورة أوضح من صورة النصب والاختفاء.

وعليه : فتكون الصورتان مجرى للبراءة ، وذلك لانّ المعيار في تنجز التكليف هو الوصول الى العبد ، وفي كلتا الصورتين لم يصل الى العبد ، ولو أراده المولى منه لقال له : يجب عليك الاحتياط في كل جزء شككت في جزئيّته وان لم يصل اليك جزئيته ، لكن المولى لم يفعل ذلك أيضا ، فتثبت البراءة في كلتا الصورتين.

كما ان (القائل بوجوب الاحتياط ، لا ينبغي ان يفرّق في وجوبه) اي : وجوب الاحتياط في كلتا الصورتين أيضا اي : (بين ان يكون الآمر لم ينصب دليلا ، أو نصب واختفى) وذلك للعلم الاجمالي منّا بأن عدم وجود الدليل على الجزئية إمّا للاختفاء ، أو لعدم النصب ، والعلم الاجمالي هذا يقتضي الاحتياط في كلتا الصورتين.

ان قلت : سلّمنا قبح المؤاخذة على تقدير عدم النصب ، لكنّا لا نسلمه على تقدير النصب والاختفاء عنا ، فيلزم التفصيل بين الصورتين ، يعني : القول بوجوب الاحتياط في صورة النصب والاختفاء ، وجريان البراءة في صورة عدم النصب.

٢٣٥

غاية الأمر أنّ ترك النصب من الآمر قبيح ، وهذا لا يرفع التكليف بالاحتياط عن المكلّف.

فان قلت : إنّ بناء العقلاء على وجوب الاحتياط في الأوامر العرفيّة الصادرة من الأطباء أو الموالي ،

______________________________________________________

إذن : فلا يلزم من القول بالبراءة في احدى الصورتين ، القول بها في الصورة الاخرى ، كما لا يلزم من القول بالاحتياط في احدى الصورتين ، القول به في الصورة الاخرى.

قلت : التفصيل بين الصورتين غير تام ، لانّ مرجع الشك في كلتا الصورتين الى فقد الدليل على الجزئية واذا كان كذلك لزم ان تكون الصورتان متساويتين من حيث الحكم ، يعني : القول بالبراءة ، أو القول بالاحتياط.

نعم (غاية الأمر) انّه يرد على القول بالاحتياط في صورة عدم نصب الدليل : (انّ ترك النصب من الآمر قبيح ، و) لكن بعد ما عرفت : من منجّزية التكليف بسبب العلم الاجمالي بكون فقد الدليل على الجزئية إمّا للاختفاء ، أو لعدم النصب ، وهو يقتضي الاحتياط ، فانّ (هذا) القبح لترك النصب على ما مرّ (لا يرفع التكليف بالاحتياط) في هذه الصورة (عن المكلّف).

هذا من جهة تساوي الصورتين بالنسبة الى القول بالاحتياط.

وأمّا تساويهما من جهة القول بالبراءة ، وهو الذي نقول به : فلأن العقل حاكم بقبح التكليف فيما إذا لم يصل الى المكلّف دليل على جزئية الجزء المشكوك ـ مثلا ـ ، سواء كان عدم الوصول لعدم النصب ، أم للاختفاء؟.

(فان قلت : إنّ بناء العقلاء على وجوب الاحتياط) عند الشك في الجزء ، بل وكذلك عند الشك في الشرط (في الأوامر العرفيّة الصادرة من الأطباء أو الموالي)

٢٣٦

فانّ الطبيب إذا أمر المريض بتركيب معجون ، فشك في جزئية شيء له مع العلم بانّه غير ضارّ له فتركه المريض مع قدرته عليه استحق اللوم ، وكذا المولى إذا أمر عبده بذلك.

قلت : أمّا أوامر الطبيب فهي ارشادية ، ليس المطلوب فيها إلّا احراز الخاصيّة المترتبة على ذلك المأمور به ، ولا يتكلم فيها

______________________________________________________

الى المرضى أو العبيد (فانّ الطبيب إذا أمر المريض بتركيب معجون ، فشك في جزئية شيء له مع العلم بأنّه غير ضارّ له) فليس له أن يتركه.

وإنّما قلنا مع العلم بأنه لا يضره ، لانّ المفروض : عدم اضرار الجزء المشكوك بالمأمور به ، فالاستعاذة ـ مثلا ـ لا تضر بالصلاة قطعا ، فاذا كان كذلك (فتركه المريض مع قدرته عليه ، استحق اللوم) اذا كان ذلك الذي تركه جزءا أو شرطا في الواقع يسبب ـ مثلا ـ عدم علاجه ، أو زيادة مرضه ، أو تلف عضوه ، أو موته.

(وكذا المولى اذا أمر عبده بذلك) التركيب ، فشك العبد لكنّه لم يأت بذلك الجزء المشكوك ، فانّ الناس يذمّونه مع احتماله الجزئية.

وعليه : فاذا كان المتعارف من أوامر الطبيب وأوامر المولى هو هذا ، فالمتبع في أحكام الشرع هو ذلك أيضا ، لانّ طريقة الاطاعة الشرعية هي طريقة الاطاعة العرفية ، فيجب عند الشك في جزئية شيء الاتيان بذلك الجزء المشكوك.

ان قلت ذلك (قلت : أمّا أوامر الطبيب ، فهي ارشادية ليس المطلوب فيها إلّا احراز الخاصّية) كإسهال الصفراء ـ مثلا ـ على ما يأتي من مثال الشيخ له ، أو سائر الأدوية الموجبة لمعالجة الأمراض المختلفة (المترتبة) تلك الخاصية (على ذلك المأمور به) من الدواء المركب (ولا يتكلم فيها) اي : في أوامر

٢٣٧

من حيث الاطاعة والمعصية ، ولذا لو كان بيان ذلك الدواء بجملة خبريّة غير طلبيّة

______________________________________________________

الطبيب (من حيث الاطاعة والمعصية) كما يتكلم في أوامر المولى.

إذن : بين أوامر المولى الحقيقي وبين أوامر الأطباء فرق وهو : ان البحث في البراءة والاحتياط عند الشك في الجزء أو في الشرط ، انّما يكون في الأمر المولوي الذي قصد به إطاعة المولى باتيان المأمور به ، فانّ امتثال هذا الأمر طاعة وتركه معصية ، فيكون الكلام في ان هذا الجزء المشكوك هل يصح العقاب على تركه أم لا يصح؟.

بينما الأمر الارشادي الذي هو صادر عن الطبيب ، لا يقصد به طاعة لأحد بل يقصد به الوصول الى نتيجة ذلك المركّب المأمور به وهي صحة المريض ، وهذا خارج عن محل بحثنا ، اذ ليس امتثال الطبيب طاعة وتركه معصية حتى يبحث في أن الجزء المشكوك فيه يصح العقاب على تركه أم لا يصح.

وعليه : فالكلام في المولويّة هو : انّه هل العقلاء يوجبون الاتيان بالجزء المشكوك ام لا؟.

والكلام في الارشادية هو : انّه لو اريد حصول غرض خاص من الأمر بمركب ، فهل العقلاء يحكمون بلزوم الاتيان بالجزء المشكوك جزئيته لذلك المركب أم لا؟.

وعليه : ففي الارشاديّة يرى العقل والعقلاء : لزوم الاحتياط والاتيان بالجزء المشكوك ، لانّ الغرض مترتب على الكامل احتمالا بينما هذا الكلام لا يأتي في المولوية ، فلا يقاس المولوية بالارشادية في وجوب الاتيان بالجزء المشكوك.

(ولذا) اي : لانّ المقصود في الأوامر الارشادية هو : احراز خاصيّة مترتبة على المركب ، لا الطاعة للمولى فانه (لو كان بيان ذلك الدواء بجملة خبرية غير طلبيّة)

٢٣٨

كان اللازم مراعاة الاحتياط فيها وإن لم يترتّب على مخالفته وموافقته ثواب أو عقاب.

والكلام في المسألة من حيث قبح عقاب الآمر على مخالفة المجهول وعدمه.

وأمّا أوامر المولى الصادرة بقصد الاطاعة ، فيلتزم فيها بقبح المؤاخذة إذا عجز العبد عن تحصيل العلم بجزء ، فاطّلع عليه المولى وقدر على رفع جهله ،

______________________________________________________

كما لو قال الطبيب : هذا المركب مسهل للصفراء أو نجد مثل هذه العبارة في كتاب ابن سينا (كان اللازم مراعاة الاحتياط فيها ، وان لم يترتّب على مخالفته) أي : مخالفة الخبر (وموافقته ثواب أو عقاب).

وعليه : فاذا عدّد ابن سينا في كتابه القانون ـ مثلا ـ : خمسة أجزاء لمسهل الصفراء ، وكان بعده اضطراب في الخط مما يورث الشك بوجود جزء سادس غير ضار اضافته الى الخمسة الأخر ، فان العقل يحكم هنا بوجوب ضمّه الى المركب لمن أراد معالجة الصفراء.

هذا (و) الحال انّ (الكلام في المسألة) اي : مسألة ما نحن فيه : من الشك في الجزء لفقد النص ليس من هذا البحث ، بل (من حيث قبح عقاب الآمر على مخالفة) الجزء (المجهول وعدمه) أي : عدم العقاب ، ومن المعلوم : انّ العقاب وعدمه مختصّ بالأوامر المولوية لا الأوامر الارشادية.

إذن : فقياس المستشكل ما نحن فيه : من الأوامر المولوية بالأوامر الارشادية غير تام.

ولهذا قال المصنّف : (وأمّا أوامر المولى الصادرة بقصد الاطاعة ، فيلتزم فيها بقبح المؤاخذة) على ترك ذلك الجزء (إذا عجز العبد عن تحصيل العلم بجزء ، فاطّلع عليه) اي : على ذلك العجز (المولى وقدر على رفع جهله) اي : جهل

٢٣٩

ولو على بعض الوجوه غير المتعارفة ، إلّا انّه اكتفى بالبيان المتعارف ، فاختفى على العبد لبعض العوارض.

نعم ، قد يأمر المولى بمركّب يعلم أنّ المقصود منه تحصيل عنوان يشك في حصوله اذا أتى بذلك المركّب بدون ذلك الجزء المشكوك ، كما إذا أمر بمعجون وعلم أنّ المقصود منه إسهال الصفراء ، بحيث كان هو

______________________________________________________

العبد (ولو على بعض الوجوه غير المتعارفة) كأن يلقي في قلبه إلقاء ، أو ما أشبه ذلك (الّا انّه اكتفى بالبيان المتعارف ، فاختفى على العبد لبعض العوارض) كالنسيان ـ مثلا ـ ففي هذه الصورة نلتزم بقبح المؤاخذة على تركه.

(نعم) إذا كان الشيء المأمور به من قبل المولى من قبيل : العنوان والمحصّل ، وكان الشك في أجزاء المحصّل لذلك العنوان ، وجب الاحتياط بالاتيان بذلك الجزء المشكوك.

وإنّما يجب الاحتياط لو كان الشك في المحصل ، لانه يكون حينئذ من قبيل الشك في المكلّف به لا من قبيل الشك في أصل التكليف ، وذلك كما إذا علمنا :

بأنّ مراد المولى من الصلاة : انارة النفس واحتملنا انّ الانارة لا تحصل الّا بعشرة أجزاء بما فيها الجزء المشكوك كالاستعاذة في المثال ، فانّه يلزم علينا الاتيان بالاستعاذة ، لانّه حينئذ يكون من قبيل جزء الدواء المشكوك في أوامر الطبيب.

وعليه : فانه (قد يأمر المولى) أمرا كأمر الطبيب (بمركّب يعلم انّ المقصود منه) هو الارشاد الى (تحصيل عنوان) اي : خاصيّة وغرض (يشك في حصوله) أي : حصول ذلك العنوان (اذا أتى بذلك المركّب بدون ذلك الجزء المشكوك) فهنا يلزم الاتيان به حتى يحصل له العلم باتيان المأمور به.

(كما إذا أمر بمعجون وعلم أنّ المقصود منه : إسهال الصفراء بحيث كان هو)

٢٤٠