الوصائل الى الرسائل - ج ٩

آية الله السيد محمد الشيرازي

الوصائل الى الرسائل - ج ٩

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة عاشوراء للطباعة والنشر
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
ISBN: 964-7263-09-0
ISBN الدورة:
964-7263-04-X

الصفحات: ٤٠٠

.................................................................................................

______________________________________________________

بالمخاطب ، ولم يكن الغائب شريكا مع الحاضر في الخطاب حتى يوجب اجمال النص الاحتياط على الغائب ايضا.

وعليه : فانا نعلم تارة باشتراك الخطاب بين الحاضر والغائب كأكثر الاحكام الشرعية ، حيث يشترك فيها الجميع.

وقد نعلم اخرى بعدم الاشتراك ، مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لعن الله من تخلّف عن جيش اسامة» (١) و «نفّذوا جيش اسامة» (٢) حيث نعلم بأن ذلك لم يكن تكليفا للغائبين الذين جاءوا بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قطعا.

وهناك قسم ثالث : لا يعلم أنّ الخطاب من أيّ القسمين؟ ففي هذا المقام يكون الأصل عدم تكليف الغائب لاصالة البراءة ، لا انّه مكلّف كالحاضر لكن حيث كان مجملا بالنسبة اليه وجب عليه الاحتياط ، ولهذا لا يمكن القول بوجوب الاحتياط في صورة اجمال النص مطلقا ، بل انّما يجب الاحتياط في صورة اجمال النص بالنسبة الى الغائب فيما إذا علم انّه شريك مع الحاضر في التكليف ، سواء كان التكليف مبيّنا للحاضر ومجملا للغائب ، أم كان مجملا لهما معا؟.

نعم ، لو فرض قسم رابع وهو : اجماله بالنسبة الى الحاضر ، ووضوحه بالنسبة الى الغائب ، لم يكن الغائب مكلّفا بالاحتياط لفرض تبيّن التكليف بالنسبة اليه وان كان تكليف الحاضر الاحتياط لفرض كونه مجملا عنده.

__________________

(١) ـ نهج الحق : ص ٢٦٣ ، الملل والنحل للشهرستاني : ص ٦ ، الصراط المستقيم ج ٢ ص ٢٩٦ (بالمعنى) ، دعائم الاسلام : ج ١ ص ٤١ ، اثبات الهداة : ج ٢ ص ٣٨٣.

(٢) ـ المناقب : ج ١ ص ١٧٦ ، دعائم الاسلام : ج ١ ص ٤١ ، اعلام الورى : ص ١٣٣ ، قصص الانبياء للراوندي : ص ٣٥٨.

١٨١

المسألة الثالثة

ما إذا اشتبه الواجب بغيره لتكافؤ النصّين ، كما في بعض مسائل القصر والاتمام فالمشهور فيه التخيير ، لأخبار التخيير السليمة عن المعارض حتى ما دلّ على الأخذ بما فيه الاحتياط ، لانّ المفروض عدم موافقة شيء منهما للاحتياط ،

______________________________________________________

(المسألة الثالثة :) من المسائل الاربع صور دوران الأمر بين الواجب وغير الحرام (ما إذا اشتبه الواجب بغيره) اي : بغير الحرام ، المستحب والمباح والمكروه ، وذلك (لتكافؤ النصّين ، كما في بعض مسائل القصر والاتمام).

مثلا : اذا قصد مكانا يبعد أربعة فراسخ عن بلده فسار اليه وبات فيه أقل من عشرة ايام ، فانّ الاخبار الواردة في حكمه مختلفة ، والمشهور بحسب الفتوى في هذه الصورة : وجوب الاتمام ، بينما المشهور بحسب الرواية : وجوب القصر ، كما ذكر تفصيله في الفقه ، ففي مثل هذا المورد الذي تعارض فيه النصّان ما هو الحكم فيه؟.

قال المصنّف : (فالمشهور فيه) اي : فيما اشتبه الواجب بغيره لتكافؤ النصين هو : (التخيير) بينهما ، وذلك (لأخبار التخيير ، السليمة عن المعارض) فانّه إذا لم يكن ترجيح لبعض الاخبار المتعارضة على بعض لزم التخيير لقوله عليه‌السلام «إذن فتخير» (١) ولا معارض لأخبار التخيير في صورة تعارض الخبرين (حتى ما دلّ على الأخذ بما فيه الاحتياط) فانه لم يكن معارضا لما دلّ على التخيير (لانّ المفروض : عدم موافقة شيء منهما للاحتياط).

__________________

(١) ـ غوالي اللئالي : ج ٤ ص ١٣٣ ح ٢٢٩ ، بحار الانوار : ج ٢ ص ٢٤٥ ب ٢٩ ح ٥٧ ، جامع أحاديث الشيعة : ج ١ ص ٢٥٥.

١٨٢

إلّا أن يستظهر من تلك الأدلة مطلوبيّة الاحتياط عند تصادم الأدلّة ، لكن قد عرفت فيما تقدّم : انّ اخبار الاحتياط لا تقاوم سندا ولا دلالة لأخبار التخيير.

______________________________________________________

إذن : فالخبر الدال على الأخذ بالاحتياط في صورة تعارض الخبرين ، انّما هو فيما اذا كان أحد المتعارضين موافقا للاحتياط دون الآخر ، فيرجّح ما وافق الاحتياط على ما لم يكن موافقا ، والمفروض : ان ما نحن فيه ليس كذلك ، بل كلاهما موافقان للاحتياط.

(الّا أن يستظهر من تلك الأدلة) الدالة على الاحتياط في صورة التعارض استظهارا من جهة الملاك على (مطلوبيّة الاحتياط عند تصادم الأدلّة) بتقريب : انّه اذا كان احدهما موافقا للاحتياط لزم الأخذ به ، واذا كانا معا على خلاف الاحتياط ، أو كانا معا على وفق الاحتياط ، فالأولى أن يؤخذ بالخبرين معا.

(لكن قد عرفت فيما تقدّم : انّ اخبار الاحتياط لا تقاوم سندا ولا دلالة لأخبار التخيير) فأخبار التخيير هي المحكمة عند التعارض ، سواء وافق احدهما الاحتياط ام لا ، ويمكن ان يمثل لتعارض الأدلة : بما لو دلّ خبر على وجوب صلاة الجمعة عينا ، ودلّ خبر آخر على استحبابها.

هذا ، وربما يقال : ان هذه المسألة في الحقيقة خارجة عن مسألة البراءة والاشتغال لأن البحث في مسألة البراءة والاشتغال انّما هو من جهة مراعاة العلم الاجمالي وعدم مراعاته ، بينما البحث في هذا المسألة بحث التعارض وهو من مسائل التعادل والتراجيح وذكرها المصنّف هنا استطرادا لاجل التعرّض لجميع صور الشك في المكلّف به وبيان المسألة هل هي من موارد الاحتياط أو من موارد التخيير؟ ومن الواضح : انّ التخيير يكون في معنى البراءة ، كما ان الاحتياط يكون

١٨٣

المسألة الرابعة :

ما إذا اشتبه الواجب بغيره من جهة اشتباه الموضوع ، كما في صورة اشتباه الفائتة أو القبلة أو الماء المطلق ، والاقوى هنا أيضا وجوب الاحتياط ، كما في الشبهة المحصورة لعين ما مرّ فيها

______________________________________________________

في معنى الاشتغال.

أمّا سائر ما يذكر في بحث تعارض النصين أعني : عين التخيير من التوقف ، أو التساقط ، أو ما أشبه ذلك ، فالمناسب ان يبحث عنها في مباحث التعادل والتراجيح ، ولذا لم يتعرّض لها المصنّف هنا.

(المسألة الرابعة) والأخيرة من المسائل الاربع لصور دوران الأمر بين الواجب وغير الحرام : (ما إذا اشتبه الواجب بغيره من جهة اشتباه الموضوع) وقد تقدّم :

انّه يلزم فيه استطراق باب العرف ، فانّ العرف اذا عيّن الموضوع فبها ، والّا لزم الاحتياط ، وذلك (كما في صورة اشتباه الفائتة) بين الصبح وأحد الظهرين وأحد المغربين؟.

(أو) صورة اشتباه (القبلة) بين كونها ذات اليمين ، أو ذات الشمال ، أو طرف الأمام ، أو طرف الخلف؟.

(أو) اشتباه (الماء المطلق) بين كونه في هذا الاناء ، أو في ذلك الاناء؟.

(والاقوى هنا أيضا) في هذه المسألة الرابعة : وجوب الموافقة القطعية بمعنى : (وجوب الاحتياط) فيأتي بالصلوات كلها ، كما يصلي الى الجهات الاربع ويتوضأ أو يغتسل بالماءين ، فانه يجب الاحتياط هنا ، (كما في الشبهة المحصورة) التحريمية حيث قلنا بوجوبه هناك ، وذلك (لعين ما مرّ فيها) وهو : وجود المقتضي للتكليف وعدم المانع عنه كما قال:

١٨٤

من تعلق الخطاب بالفائتة واقعا مثلا ، وإن لم يعلم تفصيلا ، ومقتضاه ترتّب العقاب على تركها ولو مع الجهل.

وقضيّة حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل وجوب المقدّمة العلمية ، والاحتياط بفعل جميع المحتملات.

وقد خالف في ذلك الفاضل القمّي رحمه‌الله ، فمنع وجوب الزائد على واحدة من المحتملات

______________________________________________________

(من تعلق الخطاب بالفائتة واقعا ـ مثلا ـ وان لم يعلم تفصيلا) فالمقتضي فيما نحن فيه وهو : علمه الاجمالي بالتكليف موجود والمانع مفقود ، فاللازم عليه ان يأتي بما يعلم براءة ذمته من التكليف ، سواء كان تكليفا مقدميّا كالماء المشتبه بين المطلق والمضاف يغسل بهما ثوبه الذي يريد الصلاة فيه ، أم كان التكليف نفسيا كمثال الفائتة.

(ومقتضاه) اي : مقتضى وجوب الاحتياط هنا هو (ترتّب العقاب على تركها) اي ترك الشبهة المحصورة الوجوبية وعدم العمل بالاحتياط فيها (ولو مع الجهل) التفصيلي ، لأنّ المفروض : انّ التكليف معلوم ، وانّما الموضوع مشتبه بين هذا وذلك.

(و) أيضا (قضيّة حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل) هو : (وجوب المقدّمة العلمية ، و) معنى وجوب المقدمة العلمية هو (الاحتياط بفعل جميع المحتملات) المحصورة ، فانّ العقل لا يسمح بالمخالفة القطعية ولا بالمخالفة الاحتمالية كما تقدّم الكلام في ذلك في بعض المسائل السابقة.

هذا (و) لكن (قد خالف في ذلك الفاضل القمي رحمه‌الله ، فمنع وجوب الزائد على واحدة من المحتملات) وقال ـ مثلا ـ عليه ان يصلي صلاة واحدة

١٨٥

مستندا في ظاهر كلامه الى ما زعمه جامعا لجميع صور الشك في المكلّف به من قبح التكليف بالمجمل وتأخير البيان عن وقت الحاجة.

وأنت خبير بأنّ الاشتباه في الموضوع ليس من التكليف بالمجمل في شيء : لانّ المكلّف به مفهوم معيّن طرأ الاشتباه في مصداقه لبعض العوارض الخارجيّة ، كالنسيان ونحوه،

______________________________________________________

في اشتباه القبلة ، وأن يصلي فائتة واحدة في اشتباه الفوائت ، وان يغسل ثوبه بواحد من الإناءين ، ان يتوضأ بأحدهما وهكذا (مستندا في ظاهر كلامه الى ما زعمه جامعا لجميع صور الشك في المكلّف به : من قبح التكليف بالمجمل وتأخير البيان عن وقت الحاجة).

وعليه : فانّ المحقق القمي تصوّر انّ العقل يمنع عن تنجزّ التكليف بالعلم الاجمالي حتى في الشبهة الموضوعية ، فقال بعدم وجوب الاتيان بكل المحتملات بل اكتفى باتيان احد المحتملات ، لانّ المتيقن من الاجماع هو : حرمة ترك المجموع ، لا انّه يجب المجموع.

(و) لكن (أنت خبير بأنّ الاشتباه في الموضوع ليس من التكليف بالمجمل في شيء) فانّه على فرض تسليم كفاية اتيان المكلّف بأحد الأطراف فانّما هو فيما اذا كان التكليف مجملا بينما لم يكن التكليف في الشبهة الموضوعية مجملا ، بل المجمل هو المكلّف به.

وانّما لم يكن من التكليف بالمجمل (لانّ المكلّف به مفهوم معيّن طرأ الاشتباه في مصداقه) الخارجي (لبعض العوارض الخارجيّة ، كالنسيان ونحوه) من الجهل بالقبلة ـ مثلا ـ لانه خرج الى الصحراء ، أو الجهل بالفائتة لانّه قد مضى عليها زمنا طويلا ، أو ما أشبه ذلك.

١٨٦

والخطاب الصادر لقضاء الفائتة عام في المعلومة تفصيلا والمجهولة ، ولا مخصّص له بالمعلومة لا من العقل ولا من النقل ، فيجب قضائها ، ويعاقب على تركها مع الجهل كما يعاقب مع العلم.

ويؤيّد ما ذكرنا

______________________________________________________

هذا (والخطاب الصادر لقضاء الفائتة) مثل قوله عليه‌السلام : «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته» (١) (عام في المعلومة تفصيلا والمجهولة ، ولا مخصّص له بالمعلومة) تفصيلا ، لما تقدّم : من انّ الألفاظ موضوعة للمعاني الواقعية ، فقوله عليه‌السلام : «من فاتته فريضة» يعني ان فوت الفريضة يوجب القضاء ، سواء علم بها الانسان معيّنا أم لم يعلم بها معيّنا ، فان علم بها قضاها معيّنا ، وان لم يعلم بها قضى كل الاطراف المحتملة.

وإنّما يقضي كل الاطراف المحتملة ، لأنّ وجوب قضاء الفائتة لا مخصّص له بما إذا كانت الفائتة معلومة (لا من العقل ولا من النقل) كما اشرنا اليه في بعض المسائل السابقة (فيجب قضائها) اي : تلك الفائتة (ويعاقب على تركها مع الجهل) التفصيلي بأن كانت الفائتة مردّدة بين أمور (كما يعاقب مع العلم) التفصيلي بالفائتة إذا تركها.

(ويؤيّد ما ذكرنا) : من وجوب قضاء كل المحتملات في صورة العلم الاجمالي ما ورد من الخبر في هذا المجال ، وقال : «يؤيّد» ولم يقل : «بدل» ، لانّ الخبر الآتي إنّما هو في موضوع خاص وتعميمه لجميع موارد الشبهة يكون

__________________

(١) ـ غوالي اللئالي : ج ٢ ص ٥٤ ح ١٤٣ وج ٣ ص ١٠٧ ح ١٥٠ ، تهذيب الاحكام : ج ٣ ص ١٦٣ ب ١٣ ح ١٤ ، بحار الانوار : ج ٨٩ ص ٩٢ ب ٢ ح ١٠ (وما عدا الأوّل بالمعنى).

١٨٧

ما ورد من وجوب قضاء ثلاث صلوات على من فاتته فريضة ، معلّلا ذلك ببراءة الذمة على كل تقدير ،

______________________________________________________

من جهة الملاك.

وربّما يقال : انّ وجه كونه مؤيّدا لا دليلا : انّ الموافق للاحتياط هو القول بوجوب قضاء خمس صلوات من باب المقدمة ، كما اختاره أيضا بعض الفقهاء ، لا الاتيان بثلاث صلوات ، فالخبر أقرب الى ما ذكره المحقّق القمي مما ذكره المصنّف.

وكيف كان : فان المؤيّد لما ذكرناه هو : (ما ورد من : وجوب قضاء ثلاث صلوات على من فاتته فريضة ، معلّلا ذلك) في كلام الإمام عليه‌السلام (ببراءة الذمة على كل تقدير) (١) فقد روى المحاسن عن ابي عبد الله عليه‌السلام ما يلي :

انه سئل عن رجل نسي صلاة من الصلوات الخمس لا يدري أيّها هي؟ قال عليه‌السلام : يصلي ثلاث ، وأربع ، وركعتين ، فان كانت الظهر والعصر والعشاء كان قد صلّى ؛ وان كان المغرب والغداة فقد صلّى (٢).

ومن المعلوم : انّ الشارع قد قنع في الاربع بواحدة ، وظاهر ذلك : التخيير بين الجهر والاخفات ، ولو لا هذا النص لكان الواجب ان نقول بقضاء خمس أو اربع صلوات ، أمّا الخمس فمن جهة الوجه ، وأمّا الأربع فمن جهة عدم اشتراط الوجه مع اشتراط الجهر والاخفات.

وعليه : فان فهمنا الملاك من هذه الرواية جاز التعدّي منها الى الصلاة الفائتة

__________________

(١) ـ تهذيب الاحكام : ج ٢ ص ١٩٧ ب ٢٣ ح ٧٩ (بالمعنى) ، وسائل الشيعة : ج ٨ ص ٢٧٦ ب ١١ ح ١٠٦٤٦.

(٢) ـ وسائل الشيعة : ج ٨ ص ٢٧٦ ب ١١ ح ١٠٦٤٦.

١٨٨

فانّ ظاهر التعليل يفيد عموم مراعاة ذلك في كل مقام اشتبه عليه الواجب.

ولذا تعدّى المشهور عن مورد النص ـ وهو تردّد الفائتة بين رباعيّة وثلاثية وثنائيّة ـ الى الفريضة الفائتة من المسافر المردّدة بين ثنائية وثلاثيّة ، فاكتفوا فيها بصلاتين.

______________________________________________________

عن المسافر ، المردّدة بين الثنائية والثلاثية ، فيصلّي صلاتين : ثنائية لكونها احدى الأربع ، وثلاثية لكونها مكان المغرب الفائتة احتمالا ، وذلك كما قال :

(فانّ ظاهر التعليل) في كلام الإمام عليه‌السلام بكفاية الثلاث لتفريغ الذمة (يفيد عموم مراعاة ذلك) اي : الاحتياط (في كل مقام اشتبه عليه الواجب) ولو في غير باب الصلاة ، كما إذا شك في انّه هل نذر صوم أول رجب أو أول شعبان؟ فاللازم أن يصومهما.

(ولذا) اي : لعموم التعليل (تعدّى المشهور عن مورد النص ، وهو : تردّد الفائتة بين رباعيّة وثلاثية وثنائيّة ، الى الفريضة الفائتة من المسافر المردّدة بين ثنائية وثلاثية ، فاكتفوا فيها) أي : في هذه الفائتة المرددة (بصلاتين) فقط على نحو ما ذكرناه.

كما ويتعدى الى موارد أخر ، كالشك في انّه نذر صيام يوم أو صلاة الليل ، فانّه يجب عليه كلاهما ، أو شك في انّه نذر الحج أو نذر الاعتكاف ، فعليه أن يأتي بهما معا ، وهكذا.

١٨٩

وينبغي التنبيه على أمور

الأوّل :

انّه يمكن القول بعدم وجوب الاحتياط في مسألة اشتباه القبلة ونحوها ممّا كان الاشتباه الموضوعي في شرط من شروط الواجب ، كالقبلة واللباس وما يصح السجود عليه وشبهها ، بناء على دعوى سقوط هذه الشروط عند الاشتباه ،

______________________________________________________

(و) هنا (ينبغي التنبيه على امور) ترتبط بالبحث وهي عبارة عمّا يلي :

(الأوّل) : قد يتوهّم عدم وجوب الاحتياط في موارد الشبهة الموضوعية فيما كان الشك في الشرائط والموانع مثل : القبلة ، وما يصح السجود عليه ، وما أشبه ذلك ، بدعوى : سقوط الشرط ونحوه عند عدم العلم به تفصيلا ، فيأتي بالمشروط فاقدا للشرط أو واجدا للمانع ، وذلك كما قال :

(انّه يمكن القول : بعدم وجوب الاحتياط في مسألة اشتباه القبلة ونحوها ، ممّا كان الاشتباه الموضوعي في شرط من شروط الواجب ، كالقبلة ، واللباس ، وما يصح السجود عليه وشبهها) من الشرائط والموانع (بناء على دعوى : سقوط هذه الشروط عند الاشتباه) فيها.

وعليه : فان شرطية القبلة ـ مثلا ـ في الصلاة انّما هي في مورد العلم بها تفصيلا ؛ فتسقط الشرطية عند التردّد ، فيصح للمصلي الجاهل بجهة القبلة أن يصلي الى أحد الجهات.

نعم ، لا يمكن القول بذلك في مثل الطهارة : من الوضوء ، والغسل ، والتيمم ، التي ثبتت شرطيتها للصلاة على الاطلاق عالما كان المكلّف بها أم جاهلا.

١٩٠

ولذا أسقط الحلّي وجوب الستر عند اشتباه الساتر الطاهر بالنجس وحكم بالصلاة عاريا بل النزاع فيما كان من هذا القبيل ينبغي أن يكون على هذا الوجه ، فانّ القائل بعدم وجوب الاحتياط ينبغي أن يقول بسقوط الشروط عند الجهل ، لا بكفاية الفعل مع احتمال الشرط ، كالصلاة المحتمل وقوعها الى القبلة

______________________________________________________

(ولذا) أي : لأجل ما ذكرناه : من انّه يمكن القول بعدم وجوب الاحتياط في أمثال الشرط والمانع (أسقط الحلّي) ابن إدريس رحمه‌الله (وجوب الستر عند اشتباه الساتر الطاهر بالنجس) وذلك فيما اذا كان له ثوبان أحدهما طاهر والآخر نجس ، فانّه قال : ليس الستر بشرط حينئذ (وحكم بالصلاة عاريا) بدون ستر اطلاقا.

لكن حيث كان النزاع في اصل الصلاة من كفاية الاتيان بأحد المحتملات وعدم كفايته ، وليس في الشروط والموانع ، أضرب عنه المصنّف بقوله : (بل النزاع فيما كان من هذا القبيل ، ينبغي أن يكون على هذا الوجه) اي : ان النزاع إذا كان في موارد العلم الاجمالي في اصل الصلاة كتردّد الفائتة ، وجب تحريره في وجوب الاحتياط وعدمه ، أمّا اذا كان في الشرائط والموانع كتردّد القبلة والساتر ، فينبغي أن يحرّر النزاع في انّه هل الشرط يسقط مع عدم العلم التفصيلي به أو لا يسقط؟.

وعليه : (فانّ) النزاع لمّا كان في سقوط الشرط وعدمه ، نقول : ان من قال بوجوب الاحتياط في مسئلة اشتباه القبلة ونحوها ، لا بد ان يقول بعدم سقوط الشروط هنا ، كما ان (القائل بعدم وجوب الاحتياط) هناك (ينبغي أن يقول بسقوط الشروط عند الجهل) بها هنا (لا بكفاية الفعل مع احتمال) تحقق (الشرط ، كالصلاة المحتمل وقوعها الى القبلة).

١٩١

بدلا عن القبلة الواقعيّة.

ثم الوجه في دعوى سقوط الشرط المجهول ، إما انصراف أدلّته الى صورة العلم به تفصيلا ، كما في بعض الشروط ، نظير اشتراط الترتيب بين الفوائت ،

______________________________________________________

إذن : فالقائل بالتخيير في باب الشروط والموانع ينبغي له ان يقول بسقوط القبلة ونحوها عند تردّدها في امور محصورة ، لا أن يقول بشرطيتها ثم يقول بكفاية الموافقة الاحتمالية واتيان صلاة واحدة الى جهة محتملة لأن تكون هي القبلة ، أو تكون (بدلا عن القبلة الواقعيّة).

قال الأوثق : انّه لا فرق في الاشتباه بين أن يكون في اصل الصلاة أو في مثل القبلة ، الّا انّ المصنّف قد ادّعى : انّ ما كان من قبيل الثاني ينبغي ان يقرّر النزاع في أصل ثبوت الشرطية وعدمه ؛ معلّلا ذلك : بأنّ القائل بعدم وجوب الاحتياط ينبغي ان يقول بسقوط الشروط عند الجهل ، لا بكفاية الفعل مع احتمال الشرط ، ولعل الوجه فيه : انّ مرجع القول بالتخيير لاشتباه بعض الشروط : الى نفي الشرطية ، لعدم ترتب أثر على أحدهما بالخصوص ، بخلاف ما لو جهل أصل المكلّف به ، كالفائتة المردّدة بين الظهر والعصر ، فانّ أثر القول بالتخيير فيه هو : عدم جواز المخالفة القطعية (١).

(ثم الوجه في دعوى سقوط الشرط المجهول) بأن علم إجمالا بأصل الشرط وجهل الخصوصية ، هو أحد وجهين :

الأوّل : (إما انصراف أدلته) اي : أدلة الشرط (الى صورة العلم به) اي : بالشرط (تفصيلا ، كما في بعض الشروط ، نظير اشتراط الترتيب بين الفوائت)

__________________

(١) ـ أوثق الوسائل : ص ٣٥٦ فيما اشتبه الواجب بغيره من جهة اشتباه الموضوع.

١٩٢

وإما دوران الأمر بين إهمال هذا الشرط المجهول وإهمال شرط آخر ، وهو وجوب مقارنة العمل لوجهه بحيث يعلم بوجوب الواجب وندب المندوب حين فعله.

وهذا يتحقق مع القول بسقوط الشرط المجهول ،

______________________________________________________

فانّ اشتراط الترتيب بين الفوائت انّما هو فيما إذا علم المكلّف بترتيب فوائته علما تفصيلا ، امّا إذا جهل الترتيب فالشرط ساقط على ما ذكره غير واحد.

بخلاف من قال برعاية هذا الشرط حتى مع الجهل به ، فانه اوجب تكرار الصلاة بصورة يعلم منها تفصيلا حصول الترتيب ، فاذا علم ـ مثلا ـ بفوت صبح وظهر منه ، ولم يعلم الترتيب ، قال : يأتي بثلاث صلوات : بصبحين وظهر وسطهما ، أو بظهرين وصبح وسطهما ، وهكذا في سائر الفروض حتى يعلم بحصول الترتيب.

الثاني : (وأمّا دوران الأمر بين إهمال هذا الشرط المجهول) المردّد بين فردين ، كما إذا تردّد الثوب النجس بين ثوبين ، فيدور امره بين ان يهمل شرط طهارة الساتر في الصلاة ويأتي بصلاة واحدة مجزوم بنيّتها (و) بين (اهمال شرط آخر وهو : وجوب) قصد التعيين والجزم بالنية ، فلا يلزم (مقارنة العمل لوجهه) من وجوب أو ندب أو ما أشبه ذلك (بحيث يعلم بوجوب الواجب ، وندب المندوب حين فعله) اي : فعل الصلاة ـ مثلا ـ.

(وهذا) أي : وجوب مقارنة العمل لوجهه ، وبعبارة اخرى : احراز الشرط الآخر وهو : الجزم بالنية (يتحقق مع القول بسقوط الشرط المجهول) لانّه مع عدم سقوطه لا بدّ من تكرار العمل ، ومع تكرار العمل ينتفي الجزم بالنية.

والحاصل : انّه إذا أراد الصلاة وكان له ثوبان اشتبه النجس بينهما ، فاللازم

١٩٣

وهذا هو الذي يظهر من كلام الحلّي.

وكلا الوجهين ضعيفان.

أمّا الاوّل : فلأنّ مفروض الكلام ما اذا ثبت الوجوب

______________________________________________________

أمّا ان نقول : بأن شرط الطهارة في الساتر انّما هو مع العلم بالطهارة تفصيلا ، لا مع تردّدها بين ثوبين ، وهنا حيث تردّدت يسقط شرط الطهارة ، وعليه أن يأتي بصلاة واحدة في احد الثوبين.

واما ان نقول : بأنّ شرط الطهارة في السّاتر واجب سواء علم بها تفصيلا ، ام كانت مردّدة بين ثوبين ، وهنا حيث تردّدت يدور الامر بين احد شرطين : شرط الطهارة ، وشرط الجزم بالنية ، وحيث لا يمكن الجمع بينهما لزم اهمال احدهما.

وعليه : فاذا أهملنا شرط الطهارة ، كان عليه أن يصلي صلاة واحدة في أحد الثوبين ، ليحرز شرط الجزم بالنية ، واذا أهملنا شرط الجزم بالنية ، كان عليه ان يصلي صلاتين ليحرز شرط الطهارة.

(وهذا) الوجه الثاني وهو : سقوط الشرط المجهول لاجل إحراز شرط الجزم بالنية (هو الذي يظهر من كلام الحلّي) ابن ادريس رحمه‌الله.

(و) لكن (كلا الوجهين) لتوجيه دعوى سقوط الشرط المجهول : من انصراف الادلة ، ودوران الامر بين اهمال احد شرطين (ضعيفان) لانّا نقول : لا انصراف للأدلة ، ولا دوران للأمر بين اسقاط أحد شرطين ، بل اللازم الاتيان بصلاتين في الثوبين.

(أمّا) ضعف الوجه (الاوّل :) وهو انصراف الأدلة (فلانّ مفروض الكلام) في التردّد في باب الشبهة الموضوعية كالساتر في المثال (ما اذا ثبت الوجوب

١٩٤

الواقعي للفعل بهذا الشرط ، وإلّا لم يكن من الشك في المكلّف به ، للعلم حينئذ بعدم وجوب الصلاة الى القبلة الواقعية المجهولة بالنسبة الى الجاهل.

وأمّا الثاني : فلأنّ ما دلّ على وجوب مقارنة العمل بقصد وجهه والجزم مع النية

______________________________________________________

الواقعي للفعل) اي : لفعل الصلاة (بهذا الشرط) وهو شرط طهارة الساتر.

(والّا لم يكن من الشك في المكلّف به) فانّ كلامنا بعد ثبوت التكليف بوجوب الصلاة مع طهارة الساتر ، غير ان الساتر الطاهر اشتبه بين ثوبين ، فلم نعلم هل المكلّف به : الصلاة بهذا الثوب أو بذاك الثوب؟ وكذا الكلام في اشتباه القبلة ، فانّه بعد ثبوت التكليف بوجوب الصلاة نحو القبلة ، لكن القبلة اشتبهت بين أطراف أربعة ، فلم نعلم هل المكلّف به : الصلاة الى هذه الجهة أو الى تلك الجهة؟ وهكذا.

وعليه : فلا معنى لانصراف أدلة القبلة والساتر ـ مثلا ـ الى صورة العلم بالقبلة والساتر ، وذلك (للعلم حينئذ) أي : حين القول بانصراف أدلة الشرط الى صورة العلم بالشرط تفصيلا (بعدم وجوب الصلاة الى القبلة الواقعية المجهولة بالنسبة الى الجاهل) لفرض انصراف شرط القبلة الى العلم بالقبلة ، فلا يكون المقام من الشك في المكلّف به ، وهو : خلاف الفرض.

(وأمّا) ضعف الوجه (الثاني :) وهو دوران الأمر بين إهمال هذا الشرط : طهارة الساتر ، أو شرط آخر : الجزم بالنية (فلانّ ما دلّ) من بناء العقلاء في تحقق الطاعة (على وجوب مقارنة العمل بقصد وجهه والجزم مع النية) به ، فانما هو بشرط القدرة عليه ، لا حتى مع العجز عنه.

١٩٥

إنّما يدلّ عليه مع التمكّن.

ومعنى التمكّن القدرة على الاتيان به مستجمعا للشرائط جازما بوجهه من الوجوب والندب حين الفعل ، أمّا مع العجز عن ذلك فهو المتعيّن للسقوط دون الشرط المجهول الذي أوجب العجز عن الجزم بالنيّة.

والسرّ في تعيينه للسقوط هو أنّه إنّما لوحظ اعتباره في الفعل المستجمع للشرائط ، وليس اشتراطه

______________________________________________________

وعليه : فانّ العقلاء بنوا على ان أوامر الموالي لا تتحقق اطاعتها الّا باتيانها مع الجزم بالنية لكن (إنّما يدلّ عليه) اي : على وجوب مقارنة العمل بقصد الوجه والجزم به (مع التمكّن) من قصد الوجه كذلك (ومعنى التمكّن : القدرة على الاتيان به) اي بالعمل (مستجمعا للشرائط جازما بوجهه من الوجوب والندب حين الفعل) فيأتي الانسان بالعمل الجامع للشرائط بهذا القصد جازما.

و (أمّا مع العجز عن ذلك) اي : عن الاتيان بالعمل مستجمعا للشرائط مع الجزم بالنية ، وذلك لدورانه بين أن يأتي به مستجمعا للشرائط دون الجزم بالنية ، أو ياتي به جازما بالنية دون الشرائط ، ففي هذه الصورة يقدّم وجوب استجماع الشرائط على الجزم بالنية فيتعيّن سقوط الجزم بالنيّة ، كما قال :

(فهو المتعيّن للسقوط) اي : شرط الجزم بالنية (دون الشرط المجهول الذي أوجب العجز عن الجزم بالنيّة) فلا تسقط الطهارة ، وانّما يسقط الجزم بالنية ، فيأتي بصلاتين في الثوبين وان لم يجزم حين الاتيان بكل صلاة انّها هي الواجبة.

(والسرّ في تعيينه) اي : تعيين الجزم بالنية (للسقوط هو : انّه) اي : الجزم بالنية (إنّما لوحظ اعتباره في الفعل المستجمع للشرائط) بمعنى : انّ مرحلة الجزم بالنية بعد مرحلة استجماع الفعل للشرائط (وليس اشتراطه) أي : اشتراط الجزم

١٩٦

في مرتبة سائر الشرائط ، بل متأخر عنه ، فاذا قيّد اعتباره بحال التمكّن سقط حال العجز ، يعني العجز عن إتيان الفعل الجامع للشرائط مجزوما به.

______________________________________________________

بالنية (في مرتبة سائر الشرائط) كشرط القبلة وشرط الطهارة وما أشبه (بل) الجزم بالنية (متأخر عنه) وعن سائر الشرائط فيكون هو المتعين للسقوط.

وبعبارة اخرى : ان شرائط العبادة على قسمين :.

الاوّل : ما لاحظها الشارع قبل الأمر بأن قال ـ مثلا ـ : الصلاة ذات الاجزاء والشرائط ائت بها ، ويقال لهذا القسم من الشرائط : شرائط المأمور به ، كالقبلة والستر ، والطهارة ، وما أشبه ذلك ، فانّ الشارع لاحظ الصلاة الجامعة لهذه الشرائط ثم أمر بها.

الثاني : الشرائط التي تكون متأخرة عن الأمر وتابعة له ، لانّها من آثار الأمر ، كقصد التعيين ، والوجه ، وما أشبه ذلك ، فانّه يلزم اتيان الصلاة الواجبة للشرائط بهذه القصود.

وعليه : (فاذا قيّد اعتباره) أي : اعتبار القسم الثاني من الشرائط (بحال التمكّن) من الاتيان بذات العبادة بشرائطها الأولية (سقط) ما ذكرناه : من الشرائط الثانوية والقصود التابعة للأمر (حال العجز ، يعني : العجز عن إتيان الفعل الجامع للشرائط مجزوما به) فاذا عجز الانسان عن الاتيان بالصلاة الجامعة للشرائط مجزوما بتلك الصلاة سقط الجزم ، ولم تسقط تلك الشرائط.

وبهذا ظهر : انّه لا انصراف في أدلة شرط الطهارة الى صورة العلم بها تفصيلا ، ولا دوران للأمر بين إهمال هذا الشرط المجهول وإهمال شرط آخر وهو وجوب مقارنة العمل لوجهه ، بل هناك وجه واحد يلزم أن نقول به وهو : الاتيان بصلاتين في مثال الثوبين وإن لم يتمكن من قصد الجزم حين الاتيان بكل واحدة من هاتين الصلاتين.

١٩٧

الثاني :

إنّ النية في كلّ من الصلوات المتعدّدة على الوجه المتقدّم في مسألة الظهر والجمعة.

وحاصله : أنّه ينوي في كل منهما فعلهما احتياطا لإحراز الواجب الواقعيّ المردّد بينها وبين صاحبها تقرّبا الى الله ، على أن يكون القرب علّة للاحراز الذي جعل غاية للفعل.

______________________________________________________

التنبيه (الثاني :) إذا تردد الواجب بين أمرين متباينين كالظهر والجمعة في يوم الجمعة ـ مثلا ـ فقد تقدّم فيه القول بوجوب الاحتياط وانّ للنية فيه طريقين : أن ينوي بكل واحد منهما الوجوب والقربة ، أو ينوي الوجوب الواقعي المردّد بينهما ، بان يقصد ما هو الثابت في نفس الأمر ، الحاصل في ضمن هذين الفعلين تقرّبا الى الله تعالى ، وقد ذكر المصنّف هناك بطلان الطريق الأوّل وان المتعيّن هو الطريق الثاني.

اذا عرفت ذلك قلنا : (انّ النية في كلّ من الصلوات المتعدّدة) فيما اذا اشتبهت القبلة الى جهتين واكثر ، او اشتبه الساتر في ثوبين واكثر ، أو ما أشبه ذلك انّما هو (على الوجه المتقدّم في مسألة الظهر والجمعة) وذلك بأن يأتي بها جميعا بقصد ما هو الواقع منها.

(وحاصله : انّه ينوي في كل منهما فعلها احتياطا لإحراز الواجب الواقعيّ المردّد بينها) اي : بين هذه الصلاة التي يصليها الى جهة اليمين ـ مثلا ـ (وبين صاحبها) كالصلاة التي يصليها الى جهة الشمال ، وذلك فيما إذا تردّدت القبلة بين اليمين والشمال ، فيأتي بالصلاتين لاحراز الواجب الواقعي (تقرّبا الى الله) تعالى (على ان يكون القرب علّة) غائية (للاحراز الذي جعل غاية للفعل) فيقصد انّه

١٩٨

ويترتّب على هذا أنّه لا بدّ من أن يكون حين فعل أحدهما عازما على فعل الآخر ، إذ النية المذكورة لا تتحقق بدون ذلك ، فانّ من قصد الاقتصار على أحد الفعلين ليس قاصدا لامتثال الواجب الواقعي على كلّ تقدير ، نعم ، هو قاصد لامتثاله على تقدير مصادفة هذا المحتمل له لا مطلقا ، وهذا غير كاف في العبادات المعلوم وقوع التعبّد بها.

______________________________________________________

يأتي بهاتين الصلاتين لاحراز الواقع بينهما ، وإحراز الواقع انّما هو لحصول القرب اليه سبحانه.

(ويترتّب على هذا) اي : على انّه يلزم ان تكون التي بهذه الكيفية (انّه لا بدّ من أن يكون حين فعل أحدهما عازما على فعل الآخر ، إذ النية المذكورة) في الطريقة الثانية (لا تتحقق بدون ذلك) اي : بدون قصد الاتيان بكلا الصلاتين من الاول ، لانّ من لم يعزم على اتيان الصلاة الثانية حين اتيان الأولى لم يكن عازما لاحراز الواقع ولا جازما بالتقرب.

وعليه : فاذا عصى وأتى بأحدهما باحتمال الأمر والتقرّب من دون عزم على اتيان الآخر بعد ذلك ، لم يكف في حصول الاحتياط ورفع العصيان كما قال : (فانّ من قصد الاقتصار على احد الفعلين) فهو (ليس قاصدا لامتثال الواجب الواقعي على كلّ تقدير) بينما يجب أن يكون قصده امتثال الواقع على كل تقدير.

(نعم ، هو قاصد لامتثاله) اي : لامتثال الواقع (على تقدير مصادفة هذا المحتمل له) اي : للواقع (لا مطلقا) فانه حين يقصد الاقتصار على احد الفعلين لم يكن عازما على امتثال الواقع على كل تقدير بل على تقدير المصادفة (وهذا غير كاف في العبادات المعلوم وقوع التعبّد بها) علما اجماليا.

لكن يكون هذا كافيا عند من يقول بجواز اتيان كل واحد من المحتملين بقصد

١٩٩

نعم ، لو احتمل كون الشيء عبادة كغسل الجنابة إن احتمل الجنابة اكتفي فيه بقصد الامتثال على تقدير تحقق الأمر به ، لكن ليس هنا تقدير آخر يراد منه التعبّد على ذلك التقدير.

______________________________________________________

الوجه والقربة ، وذلك بأن يقصد من الاول الاتيان بأحدهما دون الآخر ، فيأتي به قاصدا للوجه والقربة غير عازم على الاتيان بالآخر ، فان انكشف بعد الاتيان به انه كان مصادفا للواقع كفاه ، وان انكشف عدم مصادفته للواقع لم يكفه.

وكذا لم يكفه لو بقي الأمر مجهولا فيلزمه الاتيان بالآخر ، وكذا لو انتقل من ذلك المكان الى مكان كانت القبلة فيه معلومة ، فانه يلزمه الاتيان بصلاة الى القبلة ، لانّه لم يحرز بتلك الصلاة اتيانه بالصلاة الواجبة عليه.

وحيث قال المصنّف هنا : بعدم كفاية الاقتصار على أحد الفعلين في امتثال الواجب الواقعي ، كان محلا لتوهم ورود نقض عليه : وهو انه كيف يكفي حينئذ لامتثال الواجب الواقعي بالاقتصار على اتيان غسل واحد في احتمال الجنابة ـ مثلا ـ؟ فأخذ المصنّف في بيان هذا التوهم بقوله :

(نعم ، لو احتمل كون الشيء عبادة) من دون علم اجمالي (كغسل الجنابة إن احتمل الجنابة) ـ مثلا ـ فانه يكفي الاتيان بغسل واحد قربة الى الله تعالى ، اي : (اكتفي فيه بقصد الامتثال على تقدير تحقق الأمر به) اي : بهذا الغسل الواحد ، بينما هناك لم يكف صلاة واحدة؟.

فأجاب عنه بقوله : (لكن) كفاية الغسل الواحد هنا من جهة انّه (ليس هنا تقدير آخر يراد منه) اي : من ذلك التقدير الآخر (التعبّد على ذلك التقدير) ففي مثل : غسل الجنابة المحتملة تقدير واحد ، امّا في مثل القبلة المشتبهة أو الساتر المشتبه تقديران.

٢٠٠