دار الإسلام ، أو يدخل الحربي إلينا لتجارة وزوجته في دار الحرب ، فقد اختلفت الدار بينهما فعلا لا حكما فهما على النكاح بلا خلاف.
واما اختلافهما حكما لا فعلا ، فهو أن يسلم أحد الزوجين في دار الحرب ، فقد اختلف حكمهما في السبي والاسترقاق ، ولم يختلف بهما الدار فعلا ، فهما على النكاح ، ولا يقع الفسخ في الحال ، ويقف على مضي ثلاث حيض ، أو ثلاثة أشهر على ما ذكرناه في المسألة الأولى.
يدل (١) على مذهبنا ـ مضافا الى إجماع الفرقة وأخبارهم ـ أن النبي (١) عليهالسلام لما فتح مكة خرج إليه أبو سفيان ، فلقي العباس فحمله إلى النبي عليهالسلام فأسلم ، ودخل النبي مكة ومضى خالد بن الوليد وأبو هريرة إلى هند وقرءا عليها القرآن فلم تسلم ، ثمَّ أسلمت فيما بعد ، فردها النبي عليهالسلام الى أبي سفيان بالعقد الأول ، فلم يقع الفسخ بينهما ، وكان قد اختلف الدار بينهما فعلا وحكما ، لأن مكة كانت دار حرب وأسلم هو بمر الظهران ، وهي دار الإسلام لأن النبي عليهالسلام كان نزلها وملكها واستولى عليها.
وأسلمت زوجتا صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل ، وخرجت زوجة عكرمة أم حكيم بنت الحرب خلفه الى الساحل ، فردته وأخذت له الأمان.
وكانت زوجة صفوان فاختة بنت الوليد بن المغيرة أخذت الأمان لزوجها ، وكان خرج الى الطائف ، فرجع واستعار النبي عليهالسلام منه أذرعا (٢) ، وخرج مع النبي إلى هوازن ، ورجع معه إلى مكة ، ثمَّ أسلم وأسلم عكرمة ، فردت عليهما امرأتاهما بعد أن اختلفت الدار بهما فعلا وحكما ، فإن مكة دار إسلام والطائف يومئذ دار حرب ، وكذلك الساحل ، فعلم بذلك أن الاختلاف في الدار لا اعتبار به.
__________________
(١) م : دليلنا ان النبي عليهالسلام.
(٢) م : عليهالسلام ـ أذرعا.
وروي عن ابن عباس أن النبي عليهالسلام رد بنته زينب على زوجها (١) أبي العاص بالعقد الأول.
مسألة ـ ١٠٦ ـ : إذا جمع بين العقد على الام والبنت في حال الشرك بلفظ واحد ثمَّ أسلم ، كان له إمساك أيتهما شاء ويفارق الأخرى ، لأنه إنما يحكم بصحة نكاح من ينضم اختياره الى عقدها ، ألا ترى أنه لو عقد على عشر دفعة واحدة وأسلم (٢) اختار أربعا منهن ، ويحكم بصحة نكاح الأربع ، وببطلان نكاح البواقي (٣) ، بدلالة أنه لا يجب عليه نصف المهر ان كان قبل الدخول.
ولل ( ـ ش ـ ) فيه قولان ، أحدهما : ما قلناه ، وهو الأقوى عندهم. والأخر : أنه يمسك البنت ويخلي الام ، وهو اختيار المزني.
مسألة ـ ١٠٧ ـ : إذا أسلم وعنده أربع زوجات إماء ، وهو واجد للطول ولا يخاف العنت ، جاز له أن يختار ثنتين منهن ، لان اختياره استدامة العقد ليس باستئناف عقد ، بدلالة أنه لو أسلم وعنده خمس زوجات فأحرم ثمَّ أسلمن ، كان له أن يختار أربعا وهو محرم ، ولو كان الاختيار كالابتداء لما جاز للمحرم الاختيار كما لم يجز الابتداء.
وقال ( ـ ش ـ ) : ليس له أن يختار واحدة منهن. وقال أبو ثور : له أن يختار واحدة منهن إذا لم يكن واجدا للطول وخاف العنت.
مسألة ـ ١٠٨ ـ : إذا أعتقت الأمة تحت عبد ، كان لها الخيار وهو على الفور ، لأنه لا دلالة على ثبوت الاختيار على التراخي.
ولل ( ـ ش ـ ) فيه قولان ، وإذا قال على التراخي ، فكم مدة التراخي؟ فيه ثلاثة
__________________
(١) م : رد ابنته في حال الشرك زينب على زوجها.
(٢) م : لو عقد على عشر دفعة وأسلم.
(٣) م : وتبطل نكاح البواقي.
أقوال ، أحدها : ثلاثة أيام. الثاني : حتى يمكن من الوطي أو تصريح بالرضا الثالث : أن يكون منها ما يدل (١) على الرضا.
مسألة ـ ١٠٩ ـ ( ـ ج ـ ) : المرتد عن الإسلام على ضربين : أحدهما مرتد عن فطرة الإسلام ، فهذا يجب قتله وتبين امرأته في الحال ، وعليها عدة المتوفى عنها زوجها. والأخر من كان أسلم عن كفر ، ثمَّ ارتد وقد دخل بزوجته ، فان الفسخ يقف على انقضاء العدة ، فإن رجع في العدة إلى الإسلام فهما على النكاح ، وان لم يرجع حتى ينقضي العدة وقع الفسخ بالارتداد ، وبه قال ( ـ ش ـ ) الا أنه لم يفرق.
وقال ( ـ ح ـ ) : يقع الفسخ في الحال ، ولا يقف على انقضاء العدة ولم يفرق أيضا.
مسألة ـ ١١٠ ـ ( ـ ج ـ ) : أنكحة المشركين صحيحة ، وبه قال ( ـ ح ـ ) وأصحابه و ( ـ ش ـ ) وغيرهم.
وقال ( ـ ك ـ ) : أنكحتهم فاسدة ، وكذلك طلاقهم غير واقع ، فلو طلق المسلم زوجته الكتابية ، ثمَّ تزوجت (٢) بمشرك ودخل بها ، لم تحل لزوجها المسلم.
مسألة ـ ١١١ ـ : إذا تزوج الكتابي بمجوسية أو وثنية ، ثمَّ ترافعوا إلينا قبل أن يسلموا ، أقررناهم على نكاحهم ، بدلالة عموم الأخبار التي وردت بإقرارهم على أنكحتهم وعقودهم ، وبه قال جميع أصحاب ( ـ ش ـ ). وقال الإصطخري : لا نقرهم.
مسألة ـ ١١٢ ـ : كل فرقة كان من اختلاف جهة الدين كان فسخا لا طلاقا ، سواء أسلم الزوج أولا أو الزوجة ، لأنه لا دلالة على كونه (٣) طلاقا ، وما قلناه مجمع عليه ، وبه قال ( ـ ش ـ ).
__________________
(١) م : أن يكون ما يدل.
(٢) م : الكتابية تزوجت.
(٣) د : لا دلالة له على كونه.
وقال ( ـ ح ـ ) : ان أسلم الزوج فكما قلناه ، وان أسلمت الزوجة أولا عرض الإسلام عليه ، فان فعل والا كان طلاقا.
مسألة ـ ١١٣ ـ : كل من خالف الإسلام ، فلا يحل مناكحته ولا أكل ذبيحته سواء كان كتابيا أو غير كتابي على ما تقدم القول فيه ، والمولود بينهما حكمه حكمهما ، بدلالة ما قدمناه من أنه لا يجوز العقد على من خالف الإسلام.
وقال الفقهاء بأجمعهم : ان كانا كتابيين يجوز ذلك ، وان كان الام كتابية والأب غير كتابي ، فعند ( ـ ش ـ ) لا يحل ذبيحته قولا واحدا ، وان كان الأب كتابيا والام غير كتابية ، ففيه قولان ، وحكم النكاح حكم الذبيحة سواء. وقال ( ـ ح ـ ) : يجوز ذلك على كل حال.
مسألة ـ ١١٤ ـ ( ـ ج ـ ) : إذا تحاكم الذميان إلينا ، كنا مخيرين بين الحكم بما يقتضيه شرع الإسلام ، وبين ردهم الى ملتهم (١) ، بدلالة قوله تعالى ( فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ) (٢) وهذا نص ، وعليه إجماع الفرقة. ولل ( ـ ش ـ ) فيه قولان ، أحدهما : ما قلناه. والأخر : يجب عليه أن يحكم بينهما ، وهو اختيار المزني.
مسألة ـ ١١٥ ـ ( ـ ج ـ ) : يكره إتيان النساء في أدبارهن ، وليس ذلك بمحظور ونقل المزني كلاما ذكره في القديم في إتيان النساء في أدبارهن ، فقال قال بعض أصحابنا : حلال. وقال بعضهم : حرام ، ثمَّ قال وآخر ما قال ( ـ ش ـ ) ولا أرخص فيه بل أنهى.
وقال الربيع : نص على تحريمه في ستة كتب. وقال ابن عبد الحكم (٣) قال
__________________
(١) م : الى أهل ملتهم.
(٢) سورة المائدة : ٤٣.
(٣) د : عبد الحكيم.
( ـ ش ـ ) : ليس في هذا الباب حديث يثبت والقياس أنه يجوز. قال الربيع : كذب والله الذي لا إله الا هو ، وقد نص ( ـ ش ـ ) على تحريمه في ستة كتب ، وحكموا تحريمه عن علي عليهالسلام ، وابن عباس ، وابن مسعود ، وأبي الدرداء ، وعن الحسن ، ومجاهد ، وطاوس ، وعكرمة ، وقتادة ، وبه قال ، ( ـ ر ـ ) و ( ـ ح ـ ) ، وأصحابه ، وذهب زيد بن أسلم إلى أنه مباح.
وعن ابن عمر روايتان ، إحداهما : أنه مباح ، وحكى الطحاوي عن حجاج ابن أرطاة اباحة ذلك. وعن ( ـ ك ـ ) روايتان روى أهل المغرب عنه اباحة ذلك ، وقالوا : نص عليه في كتاب السر وأصحابه بالعراق يأبون ذلك ، ويقولون لا يحل عنده ، ولا نعرف لمالك كتاب السر.
وروى نافع قال قال لي ابن عمر : أمسك علي هذا المصحف ، فقرأ عبد الله حتى بلغ ( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ ) (١) فقال : يا نافع تدري فيمن نزلت هذه الآية ، قال قلت : لا ، قال : في رجل من الأنصار أصاب امرأة في دبرها فوجد في نفسه من ذلك ، فسأل النبي عليهالسلام (٢) ، فأنزل الله تعالى ( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ) (٣).
مسألة ـ ١١٦ ـ : نكاح الشغار باطل عندنا ، وبه قال ( ـ ك ـ ) ، و ( ـ ش ـ ) ، و ( ـ د ـ ) ، و ( ـ ق ـ ) ، غير أن ( ـ ك ـ ) أفسده من حيث فساد المهر ، و ( ـ ش ـ ) أفسده من حيث أنه ملك البضع كل واحد من شخصين ، وذهب الزهري ، و ( ـ ر ـ ) ، و ( ـ ح ـ ) ، وأصحابه الى أن نكاح الشغار صحيح (٤) ، وانما فسد فيه المهر فلا يفسد النكاح بفساده.
__________________
(١) سورة البقرة : ٢٢٣.
(٢) د : قال النبي عليهالسلام.
(٣) سورة البقرة : ٢٢٣.
(٤) م : إلى انه صحيح.
مسألة ـ ١١٧ ـ ( ـ ج ـ ) : نكاح المتعة مباح ، وصورته : أن يعقد عليها مدة معلومة بمهر معلوم ، فان لم يذكر المدة كان النكاح دائما ، فإن ذكر الأجل ولم يذكر المهر بطل العقد ، وان ذكر مدة مجهولة لم يصح على الصحيح من المذهب.
وبه قال علي عليهالسلام على ما رواه أصحابنا ، وروي ذلك عن ابن مسعود ، وجابر ابن عبد الله ، وسلمة بن الأكوع ، وأبي سعيد الخدري ، وابن عباس ، والمغيرة ابن سعيد ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وعطاء ، وحكى الفقهاء تحريمه عن علي عليهالسلام ، وعمر ، وابن مسعود ، وابن الزبير ، وابن عمر ، وقالوا : ان ابن عباس رجع عن القول بإباحتها (١).
يدل على المسألة ـ مضافا الى إجماع الفرقة وأخبارهم ـ قوله (٢) تعالى ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (٣) وهذا مما طاب له منهن ، وقوله تعالى ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (٤) وفي قراءة ابن مسعود فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى ، ولفظة الاستمتاع لا تفيد عند الإطلاق إلا نكاح المتعة ولا خلاف أنها كانت مباحة فمن ادعى نسخها فعليه الدليل.
وما روي من الاخبار في تحريمها فأخبار آحاد ، وفيها مع ذلك اضطراب ، لان فيها أنه حرمها يوم خيبر في رواية ابن الحنفية عن أبيه.
وروى الربيع بن سبرة عن أبيه قال : كنت مع رسول الله صلىاللهعليهوآله بمكة عام الفتح ، فأذن في متعة النساء ، فخرجت أنا وابن عمي وعلينا بردان لنفعل ذلك ، فلقيتني امرأة فأعجبها حسني فتزوجت بها وكان الشرط عشرين ليلة ، فأقمت عندها
__________________
(١) م : عن القول باجتهاد.
(٢) م : دليلنا قوله تعالى.
(٣) سورة النساء : ٣.
(٤) سورة النساء : ٢٨.
ليلة فخرجت فأتيت النبي عليهالسلام وهو بين الركن والمقام ، فقال : كنت أذنت لكم في متعة (١) النساء وقد حرمها الله الى يوم القيامة ، فمن كان عنده شيء من ذلك فليخل سبيلها ، ولا يأخذ مما آتاها شيئا.
وفي هذا ما ترى من الاضطراب ، فإنه كان بين الوقتين قريب من ثلاث سنين فان قالوا حرمها يوم خيبر وأعاد تحليها بمكة ، فإن هذا (٢) ساقط بالإجماع ، لأن أحدا لا يقول ان النبي عليهالسلام أباحها دفعتين وحرمها دفعتين ، ودخل بينهما (٣) نسخ دفعتين.
وأيضا فقد قال عمر بن الخطاب : متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما : متعة النساء ، ومتعة الحج ، وابن عباس كان يفتي بها ويناظر فيها ، ومناظرته مع ابن الزبير فيها مشهورة ، ونظم فيه الشعراء القول فقال بعضهم :
أقول للشيخ لما طال مجلسه |
|
يا شيخ هل لك في فتوى ابن عباس |
هل لك في قينة بيضاء بهكنة |
|
تكون مثواك حتى يصدر الناس |
وقوله بذلك مجمع عليه ورجوعه عن ذلك لا دليل عليه.
مسألة ـ ١١٨ ـ : إذا تزوج امرأة قد طلقها زوجها ثلاثا ، بشرط أنه متى أحلها للأول طلقها ، كان التزويج صحيحا والشرط باطلا ، لأنه لا دليل على فساده بمقارنة الشرط.
ولل ( ـ ش ـ ) فيه قولان ، أحدهما : وهو الأظهر ما قلناه. وقال في القديم والإملاء :
__________________
(١) م : اذنتكم في متعة.
(٢) د : فإنه هذا.
(٣) م : بينهما فسخ.
النكاح باطل ، وبه قال ( ـ ك ـ ).
مسألة ـ ١١٩ ـ : إذا نكحها (١) معتقدا أنه يطلقها إذا أباحها ، فلا نكاح بينهما ان اعتقد هو أو الزوجة ذلك ، أو هما والولي. وان تواصوا بذلك قبل العقد على هذا ، ثمَّ تعاقدا من غير شرط ، كان مكروها ولا يبطل العقد به ، لما قلناه في المسألة الأولى سواء (٢).
وروي أنه حدث مثل (٣) ذلك في أيام عمر ، فأوصت المرأة الرجل بأن لا يفارقها فأقرها عمر على النكاح وأوجع الدلالة بالضرب ، فدل ذلك على صحة العقد وعلى كراهته ، وبه قال ( ـ ش ـ ).
وقال ( ـ ك ـ ) : النكاح باطل ، وحكى أبو إسحاق عن ( ـ ح ـ ) أنه يستحب ذلك ، لأنه يدخل السرور على الأول.
مسألة ـ ١٢٠ ـ : إذا نكحها (٤) نكاحا فاسدا ودخل بها ، لم تحل للأول كقوله تعالى ( فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) (٥) ومعلوم أنه أراد به تزويجا صحيحا.
ولل ( ـ ش ـ ) فيه قولان ، أحدهما : مثل ما قلناه ، قاله في الجديد ، لأنه لا يثبت به الإحصان. وقال في القديم : يبيحها لأنه نكاح يثبت به النسب ويدرأ به الحد ويجب بالوطئ المهر.
مسألة ـ ١٢١ ـ ( ـ ج ـ ) : يفسخ عندنا النكاح بالعيب ، المرأة تفسخه بالجب والعنة والجنون ، والرجل يفسخه بستة أشياء : الجنون ، والجذام ، والبرص ،
__________________
(١) م : إذا أنكحها.
(٢) م : لما قلناه فيما تقدم سواء.
(٣) م : في مثل ذلك.
(٤) م : إذا أنكحها.
(٥) سورة البقرة : ٢٣٠.
والرتق ، والقرن والإفضاء ، وفي أصحابنا من ألحق به العمى وكونها محدودة ، ولا يحتاج في الفسخ الى الطلاق.
وقال ( ـ ش ـ ) : يفسخ النكاح من سبعة (١) ، اثنان يختص الرجال الجب والعنة ، واثنان يختص النساء القرن والرتق ، وثلاثة يشتركان فيه الجنون والجذام والبرص وبه قال عمر ، وابن عباس (٢) ، و ( ـ ك ـ ).
وقال ( ـ ح ـ ) وأصحابه : النكاح لا يفسخ بالعيب أصلا ، لكن ان كان الرجل مجبوبا أو عنينا (٣) ثبت لها الخيار خيار الفرقة ، فيفرق بينهما ويكون طلاقا لا فسخا.
ورووا عن علي عليهالسلام أنه قال : إذا وجد الرجل بالمرأة الجذام والبرص ، فان شاء أمسك وان شاء طلق. وعن ابن مسعود أنه قال : الحرة لا ترد بالعيب.
ويدل على مذهبنا ـ مضافا الى إجماع الفرقة وأخبارهم ـ ما رواه (٤) زيد بن كعب عن أبيه عن النبي عليهالسلام أنه تزوج امرأة (٥) من غفار ، فلما خلا بها رأى في كشحها بياضا ، فقال لها : ضمي عليك ثيابك والحقي بأهلك ، وفي بعضها فردها وقال : دلستم علي. فالراوي نقل الحكم وهو الرد ، ونقل السبب وهو وجود البرص بكشحها ، فوجب أن يتعلق الحكم بهذا السبب متى وجد.
مسألة ـ ١٢٢ ـ : إذا كان الرجل مسلولا لكنه يقدر على الجماع ولا ينزل أو كان خنثى ، حكم له بالرجل لم يرد بالعيب ، وان كانت المرأة خنثى حكم لها بالمرأة فمثل ذلك ، لأنه لا دلالة على ثبوت الخيار لهما ، والعقد قد ثبت بالإجماع.
ولل ( ـ ش ـ ) فيه قولان.
__________________
(١) م : النكاح بسعة.
(٢) م : قال عمرو ابن عمرو ابن عباس.
(٣) م : ان كان الرجل عنينا.
(٤) م : دليلنا ما رواه.
(٥) د : أن تزوج امرأة.
مسألة ـ ١٢٣ ـ ( ـ ج ـ ) : إذا دخل بها ثمَّ وجد بها عيبا ، فلها المهر ويرجع على من دلسها وغرم. ولل ( ـ ش ـ ) فيه قولان ، أحدهما : ما قلناه. والأخر : يستقر عليه ولا يرجع على أحد ، وروي ذلك في بعض الاخبار عن النبي عليهالسلام.
ويدل على المسألة ـ مضافا الى إجماع الفرقة وأخبارهم ـ ما روى (١) سعيد بن المسيب قال : قال عمر بن الخطاب : أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص فمسها فلها صداقها ، وذلك لزوجها غرم على وليها ، ولم يخالفه أحد من الصحابة.
مسألة ـ ١٢٤ ـ : إذا حدث (٢) بالرجل جب أو جنون أو جذام أو برص لم يكن في حال العقد ، فإنه لا يرد بذلك الا الجنون الذي لا يعقل معه أوقات الصلوات فإنه يرد به ، لان العقد قد صح ، ولا دلالة على ثبوت الرد. وقال ( ـ ش ـ ) : يرد به قولا واحدا.
مسألة ـ ١٢٥ ـ : إذا حدث بالمرأة أحد العيوب التي ترد بها ، ولم يكن في وقت العقد ، فإنه يثبت به الفسخ (٣) ، بدلالة عموم الأخبار التي وردت في أن له الرد بهذه العيوب ولم يفصلوا ، وخبر الغفارية يدل على ذلك أيضا. ولل ( ـ ش ـ ) فيه قولان ، أحدهما في القديم قال : لا خيار (٤) له ، وقال في الجديد : له الخيار وهو أصحهما.
مسألة ـ ١٢٦ ـ : إذا دخل بها مع العلم بالعيب ، فلا خيار له بعد ذلك بلا خلاف ، فان حدث بها بعد عيب آخر فلا خيار له ، لأنه لا دلالة عليه.
__________________
(١) م : دليلنا ما روى سعيد بن.
(٢) د : إذا وجدت.
(٣) د : فإنه ثبت به الفسخ.
(٤) د : في القديم وقال لا خيار له.
وقال ( ـ ش ـ ) : ان كان الحادث في مكان آخر ، فإنه يثبت به الخيار. وان كان الحادث زيادة في المكان الذي كان فيه ، فلا خيار له.
مسألة ـ ١٢٧ ـ : إذا تزوجها على أنها مسلمة فبانت كتابية ، كان العقد باطلا لان العقد على الكتابية عندنا لا يصح ، فكيف إذا انضاف اليه الغرور. ولل ( ـ ش ـ ) فيه قولان.
مسألة ـ ١٢٨ ـ : إذا عقد على أنها كتابية فكانت مسلمة ، كان العقد باطلا ، ويكون صحيحا عند من أجاز نكاح الكتابيات من أصحابنا. ويدل على بطلانه أنه عقد على من يعتقد أنه لا ينعقد نكاحها ، فيجب أن يكون باطلا.
ولل ( ـ ش ـ ) فيه قولان ، أحدهما : أنه باطل. والثاني : أنه صحيح فاذا قال صحيح هل له الخيار؟ قال : ليس له الخيار (١).
مسألة ـ ١٢٩ ـ ( ـ ج ـ ) : إذا عقد الحر على امرأة على أنها حرة (٢) فبانت أمة ، كان العقد باطلا ، وكذلك القول في الزوج إذا كان حرا. ولل ( ـ ش ـ ) فيه قولان.
مسألة ـ ١٣٠ ـ : بيع الأمة المزوجة طلاقها ، وبه قال ابن عباس ، وابن مسعود ، وأنس بن مالك ، وأبي بن كعب ، وذهب عمر ، وابن عمر ، وعبد الرحمن ابن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، والفقهاء أجمع الى أن النكاح بحاله ، ويقوم المشتري مقام البائع في ملك رقبتها ، ولا يكون بيعها طلاقها.
مسألة ـ ١٣١ ـ : إذا أعتقت الأمة تحت حر ، فالظاهر من روايات أصحابنا أن لها الخيار. ويدل على ذلك أيضا ما روى إبراهيم عن الأسود عن عائشة قال :
__________________
(١) د : الخيار ، وقال ليس الخيار.
(٢) م : على امرأة أنها حرة.
خير رسول الله (١) صلىاللهعليهوآله بريرة وكان زوجها حرا ، وقد روى مثل ذلك أصحابنا ، وبه قال النخعي ، والشعبي ، وطاوس. وقال طاوس : لها الخيار ولو أعتقت تحت قرشي وبه قال ( ـ ر ـ ) ، و ( ـ ح ـ ) ، وأصحابه.
وروي في بعض أخبارنا أنه ليس لها الخيار ، وبه قال ( ـ ش ـ ) ، و ( ـ ك ـ ) ، وربيعة ، و ( ـ ع ـ ) ، وابن أبي ليلى ، و ( ـ د ـ ) ، و ( ـ ق ـ ) ، وقال به في الصحابة ابن عمر ، وابن عباس وعائشة ، وصفية.
ويدل عليه الرواية الأخرى التي رواها أصحابنا أن زوج بريرة كان عبدا ، قال الشيخ : والذي يقوى عندي أنه لا خيار لها ، لان العقد قد ثبت ووجوب الخيار لها يحتاج الى دليل ، وروي عن عائشة أن زوج بريرة كان عبدا وأنها قالت : لو كان حرا لم يخيرها.
مسألة ـ ١٣٢ ـ ( ـ ج ـ ) : العنة عيب يثبت للمرأة به الخيار ويضرب له المدة سنة ، فان جامع فيها والا فرق بينهما ، وبه قال جميع الفقهاء.
وقال ( ـ ش ـ ) : لا أعلم خلافا فيه عن مفتي يفتيه في أنه ان جامع والا فرق بينهما.
وقال الحكم : لا يضرب له مدة ولا يفسخ به النكاح ، وبه قال أهل الظاهر.
مسألة ـ ١٣٣ ـ ( ـ ج ـ ) : فسخ العنين ليس بطلاق ، وبه قال ( ـ ش ـ ). وقال ( ـ ح ـ ) و ( ـ ك ـ ) : وهو طلاق.
مسألة ـ ١٣٤ ـ ( ـ ج ـ ) : إذا قال لها انه عنين ، فتزوجته على ذلك فكان كما قال ، لم يكن لها بعد ذلك خيار. ولل ( ـ ش ـ ) فيه قولان.
مسألة ـ ١٣٥ ـ ( ـ ج ـ ) : إذا كان له أربع نسوة فعن عن واحدة ولم يعن عن الثلاث ، لم يكن لها الخيار ولا يضرب لها الأجل.
وقال ( ـ ش ـ ) : لها حكم نفسها ويضرب لها المدة ويثبت لها الخيار.
__________________
(١) د : عن عائشة خير رسول الله.
مسألة ـ ١٣٦ ـ : إذا رضيت به بعد انقضاء المدة ، أو في خلال المدة ، لم يكن لها بعد ذلك خيار ، بدلالة عموم الأخبار الواردة في سقوط خيارها إذا رضيت بالعنة.
ولل ( ـ ش ـ ) فيه قولان ، أحدهما : ما قلناه. والأخر وهو الأظهر عندهم أنه لا يسقط خيارها.
مسألة ـ ١٣٧ ـ ( ـ ج ـ ) : إذا اختلفا في الإصابة فقال أصبتها وأنكرت ذلك ، فان كانت ثيبا فالقول قوله مع يمينه عند ( ـ ح ـ )
وأصحابه و ( ـ ش ـ ) ، و ( ـ ر ـ ).
وقال ( ـ ع ـ ) : يخلى بينهما ويكون بالقرب منهما امرأتان من وراء الحجاب ، فاذا قضى وطره بادرتا إليها ، فإن كان الماء في فرجها فقد جامعها ، والا فإنه لم يجامعها.
وقال ( ـ ك ـ ) : هكذا الا انه قال يقتصر على امرأة واحدة. وقد روى أصحابنا أنها تؤمر بأن تحشو قبلها خلوقا ، فاذا وطئها وكان على ذكره أثر الخلوق علم أنه أصابها ، وان لم يكن علم أنه لم يصبها ، وهذا هو المعمول عليه.
مسألة ـ ١٣٨ ـ ( ـ ج ـ ) : إذا تزوج برجل ، فبان أنه خصي أو مسلول أو موجوء كان لها الخيار ، وهو أحد قولي ( ـ ش ـ ). والأخر لا خيار لها ، لأنه متمكن من الإيلاج وانما لا ينزل وذلك لا يوجب الفسخ.
مسألة ـ ١٣٩ ـ ( ـ ج ـ ) : الخنثى يعتبر بالمبال ، فمن أيهما خرج أولا حكم به فان خرج منهما ، فمن أيهما انقطع أخيرا حكم به ، وبه قال ( ـ ش ـ ) الى ها هنا ، فان انقطعا معا ، فعندنا يرجع الى القرعة.
وروي عد الأضلاع والمعول على القرعة ، وعنده هل يراعى قلة البول وكثرته فيه قولان ، فان تساويا في ذلك رجع إليه فإلى أيهما مال طبعه حكم
به ، وهو المعول عليه عندهم ، ورووا عنه الرجوع الى عد الأضلاع وهو ضعيف.
مسألة ـ ١٤٠ ـ ( ـ ج ـ ) : العزل عن الحرة لا يجوز الا برضاها ، ومتى عزل بغير رضاها أثم ، وكان عليه عشر دية الجنين عشرة دنانير.
ولل ( ـ ش ـ ) فيه وجهان (١) ، أحدهما : أنه محظور ، مثل ما قلناه غير أنه لا يوجب الدية والمذهب أن ذلك مستحب ، وليس ذلك بمحظور (٢).
مسألة ـ ١٤١ ـ ( ـ ج ـ ) : إذا تزوج الحر بأمة ، فرزق منها ولدا كان حرا. وقال ( ـ ش ـ ) : ان كان الرجل عربيا ، فالولد على قولين أحدهما يكون حرا ، وبه قال ( ـ ح ـ ) ، والأخر يكون رقا. وان كان غير عربي فهو رق (٣) قولا واحدا.
مسألة ـ ١٤٢ ـ : إذا غاب الرجل عن امرأته ، فقدم رجل فذكر لها أنه طلقها طلاقا بانت منه ، وذكر لها أنه وكله في استيناف النكاح عليها ، وأن يصدقها ألفا يضمنها لها ففعلت ذلك وعقد النكاح وضمن الرسول الصداق ، ثمَّ قدم الزوج فأنكر الطلاق وأنكر الوكيل ، فالقول قوله والنكاح الأول بحاله ، ولم ينعقد الثاني ولا يلزم الوكيل ضمان ما ضمنه لها ، لأنه انما يلزم الصداق بالعقد ، فاذا لم يكن عقد فلا صداق ، وبه قال ( ـ ح ـ ) ، و ( ـ ش ـ ) على ما حكاه الساجي عنه.
وقال في الإملاء : على الوكيل نصف المسمى وقال ( ـ ك ـ ) ، وزفر : يلزمه ضمان ذلك.
__________________
(١) م : ولل ( ـ ش ـ ) فيه قولان.
(٢) م : وليس بمحظور.
(٣) م : ان لم يكن عربيا فهو رق.
كتاب الصداق
مسألة ـ ١ ـ : إذا عقد على مهر فاسد ، مثل الخمر والخنزير والميتة وما أشبهها ، فسد المهر ولم يفسد النكاح ، ووجب لها مهر المثل ، بدلالة أن ذكر المهر ليس من شرط صحة العقد ، فذكر المهر الفاسد لا يكون أكثر من ترك ذكره أصلا ، فينبغي أن لا يؤثر في فساد العقد ، كما لو عقد بغير مهر ، فلا خلاف أنه يصح النكاح ، ولأنهما عقدان يصح أن ينفرد كل واحد منهما عن صاحبه ، ففساد أحدهما لا يدل على فساد الأخر.
وهذا قول جميع الفقهاء ، الا ( ـ ك ـ ) فإنه قال في إحدى الروايتين عنه مثل ما قلناه ، وفي الأخرى قال : يفسد النكاح ، وبه قال قوم من أصحابنا.
مسألة ـ ٢ ـ ( ـ ج ـ ) : الصداق ما تراضيا عليه مما يصح أن يكون ثمنا لمبيع أو أجرة لمكترى ، قليلا كان أو كثيرا ، وبه قال في الصحابة عمر ، وابن عباس ، وفي التابعين سعيد بن المسيب ، والحسن البصري ، وفي الفقهاء ربيعة ، و ( ـ ع ـ ) ، و ( ـ ر ـ ) ، و ( ـ ش ـ ) ، و ( ـ د ـ ) ، و ( ـ ق ـ ).
وقال ( ـ ك ـ ) : مقدر بأقل ما يجب فيه القطع ، وهو ثلاثة دراهم.
وقال ( ـ ح ـ ) وأصحابه : مقدر بعشرة دراهم ، فان عقد النكاح بأقل من عشرة
صحت التسمية وكملت عشرة ، فيكون كأنه عقد بعشرة ، وهذه التسمية يمنع وجوب مهر المثل.
وقال زفر : يسقط المسمى ويجب مهر المثل ، وهو القياس على قولهم.
وقال ابن شبرمة : أقله خمسة دراهم. وقال النخعي أقله أربعون درهما. وقال سعيد ابن جبير : أقله خمسون درهما.
مسألة ـ ٣ ـ ( ـ ج ـ ) : يجوز أن يكون منافع الحر مهرا ، مثل تعليم القرآن أو شعر أو مباح أو بناء أو خياطة ثوب ، وغير ذلك مما له اجرة.
وقال أصحابنا : الإجارة من جملة ذلك مستثناة ، فقالوا : لا يجوز ذلك ، لأنه كان يختص بذلك موسى عليهالسلام ، وبه قال ( ـ ش ـ ) ولم يستثن الإجارة بل أجازها.
وقال ( ـ ح ـ ) وأصحابه : لا يجوز أن يكون منافع الحر صداقا بحال ، سواء (١) كان المنفعة فعلا أو غيره ، لان عندهم لا يجوز المهر الا أن يكون مالا أو ما يوجب تسليم المال ، مثل سكنى دار أو خدمة عبد سنة ، فأما ما لا يكون مثل ذلك فلا يجوز.
ويدل على المسألة ـ مضافا الى إجماع الفرقة وأخبارهم ـ ما روى (٢) سهل بن سعد الساعدي أن امرأة أتت النبي صلىاللهعليهوآله ، فقالت : يا رسول الله اني قد وهبت نفسي لك ، فقامت قياما طويلا ، فقام رجل فقال : يا رسول الله زوجنيها ان لم يكن لك فيها حاجة ، فقال رسول الله : هل عندك من شيء تصدقها إياه ، فقال : ما عندي إلا إزاري هذا ، فقال النبي عليهالسلام : ان أعطيتها إياه جلست لا إزار (٣) لك فالتمس شيئا ، فقال : ما أجد شيئا ، فقال : التمس ولو خاتما من حديد ، فالتمس فلم يجد شيئا ، فقال له رسول الله : هل معك من القرآن شيء ، فقال : نعم سورة كذا وسورة كذا
__________________
(١) م : لا يجوز ذلك بحال سواء.
(٢) م : دليلنا ما روى.
(٣) د : ان أعطيتها جلست لا إزار.
سماهما ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : زوجتكها بما معك من القرآن.
ولا يمكن أن يكون عليهالسلام جعل القرآن الذي معه صداقا ، فثبت أنه جعل الصداق تعليمها إياه.
وروى عطاء عن أبي هريرة أن النبي عليهالسلام قال للرجل : ما تحفظ من القرآن؟
قال : سورة البقرة والتي تليها ، فقال : قم فعلمها عشرين آية وهي امرأتك.
مسألة ـ ٤ ـ : إذا أصدقها تعليم سورة ، فلقنها فلم يتحفظ لها شيء ، أو حفظتها من غيره فالحكم واحد ، وكذلك ان أصدقها عبدا فهلك قبل القبض فالكل واحد كان لها بدل الصداق ، وهو اجرة مثل تعليم السورة وقيمة العبد ، لان الواجب لها بالعقد هو شيء بعينه ، فيجب أن يكون لها أجرته وقيمته (١) عند التعذر ، وبه قال ( ـ ش ـ ) في القديم.
وقال في الجديد : يسقط المسمى ويجب لها مهر المثل.
مسألة ـ ٥ ـ : إذا أصدقها تعليم سورة ، ثمَّ طلقها قبل الدخول بها وقبل تعليمها ، جاز له تلقينها النصف الذي استقر عليه ، لان الواجب في ذمته ذلك ، ولا يؤدي ذلك الى الافتتان ، فإنه لا يلقنها الا من وراء حجاب ، وكلام النساء من وراء حجاب ليس بمحظور بلا خلاف.
ولل ( ـ ش ـ ) فيه وجهان ، أحدهما : ما قلناه. والثاني : ليس له ذلك ، لأنه لا يؤمن من الافتتان بها.
مسألة ـ ٦ ـ : إذا أصدقها صداقا ملكته بالعقد كله ، وكان من ضمانه ان تلف قبل القبض ومن ضمانها بعد القبض ، فان دخل بها استقر ، وان طلقها قبل الدخول رجع بنصف العين دون ما نمى ، وبه قال ( ـ ح ـ ) ، و ( ـ ش ـ ).
__________________
(١) م : أو قيمته.
وقال ( ـ ك ـ ) : انما ملك بالعقد نصفه ، فيكون الصداق بينهما نصفين ، فاذا قبضه (١) كان لها نصفه بالملك ، والأخر أمانة في يدها لزوجها ، فان هلك من غير تفريط هلك بينهما ، فان طلقها قبل الدخول بها كان له أخذ النصف ، لأنه ملك لم يزل عنه.
ويدل على ما ذهبنا اليه قوله (٢) تعالى ( وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً ) (٣) فأضاف الصدقة إليهن (٤) والظاهر أنه لهن ، ولم يفرق بين قبل الدخول وبعده.
وأيضا فإنه أمر بايتائهن ذلك كله ، فثبت أن الكل لهن.
ويدل عليه أيضا إجماع الفرقة ، فإنهم رووا بلا خلاف بينهم أنه إذا أصدقها غنما ، ثمَّ طلقها قبل أن يدخل بها ، فان كان أصدقها وهي حامل عنده ، فله نصفها ونصف ما ولدت. وان أصدقها حائلا ، ثمَّ حملت عندها ، لم يكن له من أولادها شيء. وهذا يدل على أنها ملكته بالعقد دون الدخول.
مسألة ـ ٧ ـ : ليس للمرأة التصرف في الصداق قبل القبض ، لما روي عن النبي عليهالسلام أنه نهى عن بيع ما لم يقبض ، ورواه أصحابنا أيضا ولم يفصل ، وبه قال جميع الفقهاء ، وقال بعضهم : لها ذلك.
مسألة ـ ٨ ـ : إذا أصدقها شيئا بعينه ، كالثوب والعبد والبهيمة ، فتلف قبل القبض ، سقط حقها من عين الصداق والنكاح بحاله بلا خلاف ، ويجب لها مثله ان كان له مثل ، فان لم يكن (٥) له مثل فقيمته ، لان كل عين يجب تسليمها الى مالكها إذا هلكت ولم يسقط سبب الاستحقاق وجب الرجوع الى بدلها ، كالقرض
__________________
(١) م : فاذا أقبضته.
(٢) م : دليلنا قوله تعالى.
(٣) سورة النساء : ٤.
(٤) د : فأضاف الصدقة اليمين.
(٥) م : وان لم يكن.
والغصب.
ولل ( ـ ش ـ ) فيه قولان ، أحدهما : مثل ما قلناه ، وبه قال ( ـ ح ـ ) ، واختار المزني قوله الجديد أن لها مهر مثلها ، وعليه أكثر أصحابه.
مسألة ـ ٩ ـ ( ـ ج ـ ) : إذا أصدقها عبدا مجهولا أو دارا مجهولة ، روى أصحابنا أن لها دارا وسطا من الدور ، وكذلك عبدا وسطا.
وقال ( ـ ش ـ ) : يبطل المسمى ويجب لها مهر المثل.
مسألة ـ ١٠ ـ : إذا قال أصدقتها هذا الخل فبان خمرا ، كان لها قيمتها عند مستحليها ، لان العقد انعقد على معين.
وقال ( ـ ش ـ ) : يبطل المسمى ولها مهر المثل.
مسألة ـ ١١ ـ ( ـ ج ـ ) : إذا عقد في السر بمهر ذكراه ، وعقدا في العلانية بخلافه ، فالمهر هو الأول. ولل ( ـ ش ـ ) فيه قولان ، أحدهما : ما قلناه ، وهو الأشهر.
وقال المزني : مهر العلانية أولى.
مسألة ـ ١٢ ـ : إذا تزوج أربع نسوة بعقد واحد ممن له الولاية عليهن بألف ، فالنكاح صحيح ، لأنه لا مانع منه والأصل جوازه وكذلك عند ( ـ ش ـ ). وقال المزني : العقد باطل ، والمهر عندنا صحيح لمثل ذلك ، وعند ( ـ ش ـ ) على قولين.
وهكذا لو خالعهن دفعة واحدة بعقد واحد بألف ، صح الخلع بلا خلاف والبدل عنه على قولين ، وان كان له أربعة أعبد ، فكاتبهن بألف إلى نجمين ، صح عندنا وعنده في صحة الكتابة قولان ، فالقولان في الكتابة في أصل العقد ، وفي النكاح والخلع في البدل دون العقد. ويدل على الجميع أن الأصل جوازه وصحته والمنع يحتاج الى دليل.
مسألة ـ ١٣ ـ ( ـ ج ـ ) : إذا زوج الرجل ابنه الصغير (١) على مهر معلوم ، فان
__________________
(١) م : إذا زوج ابنه الصغير.
كان الولد موسرا تعلق المهر بذمة الولد (١) ، ولزمه في مال بلا خلاف (٢) ، وان كان معسرا تعلق بذمته ويكون الأب ضامنا.
ولل ( ـ ش ـ ) في ضمان الأب قولان ، قال في القديم مثل ما قلناه ، وفي الجديد قال : لا يتعلق بذمة الوالد شيء بإطلاق العقد.
مسألة ـ ١٤ ـ : إذا تزوج المولى عليه لسفه أو صغر بغير اذن وليه ، كان النكاح باطلا بلا خلاف ، فان دخل بها لم يلزمه المهر ، لأنه لا دليل عليه ، وهو أصح قولي ( ـ ش ـ ). وقال في القديم : يلزمه مهر المثل.
مسألة ـ ١٥ ـ : المفوضة إذا طلقها زوجها قبل الفرض وقبل الدخول بها فلا مهر لها ، لكن يجب لها المتعة ، بدلالة قوله تعالى ( ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ ) (٣) وهذا أمر يقتضي الوجوب وقوله تعالى ( لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ) (٤) وعليه إجماع الصحابة ، وروي ذلك عن علي عليهالسلام ، وعمر ، ولا مخالف لهما ، وبه قال ( ـ ع ـ ) ، و ( ـ ح ـ ) ، و ( ـ ش ـ ).
وقال ( ـ ك ـ ) : لا مهر لها ولا نفقة ، ويستحب أن يمتعها استحبابا ، وبه قال الليث وابن أبي ليلى.
مسألة ـ ١٦ ـ ( ـ ج ـ ) : المتعة على الموسر خادم ، وعلى المتوسط ثوب أو مقنعة ، وعلى الفقير خاتم وما أشبهه.
وقال ( ـ ش ـ ) : المستحب من ذلك خادم ، فان لم يقدر فمقنعة ، فان لم يقدر
__________________
(١) م : بذمته الولد.
(٢) م ود : في ماله بلا خلاف.
(٣) سورة الأحزاب : ٤٨.
(٤) سورة الأحزاب : ٢٣٧.