الشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي
المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-064-3
الصفحات: ٨٣٢
[ غزاة حنين ]
وتلا هذه الغزاة غزاة حنين ، كانت هذه الغزاة في شوّال لمّا أمّر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عتاب بن اسيد على مكّة فات الحجّ من فساد هوازن في وادي حنين ، فخرج عليهالسلام في ألفين من مكّة وعشرة آلاف كانوا معه ، وكان النبيّ عليهالسلام استعار من صفوان بن اميّة مائة درع وهو رئيس حشم فعانهم أبو بكر لعجبه بهم ، فقال : لن يغلب القوم عن قلّة ، فنزل ( وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ .. ) الآية (١).
وأقبل مالك بن عوف النظري فيمن معه من قبائل قريش وثقيف ، وسمع عبد الله بن حدرد عين رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ابن عوف يقول : يا معشر هوازن إنّكم أحدّاء العرب وأعداها ، وانّ هذا الرجل لم يلق قوما يصدقونه القتال ، فإذا لقيتموه فاكسروا أجفان سيوفكم واحملوا عليه حملة رجل واحد (٢).
قال الصادق عليهالسلام : كان مع هوازن دريد بن الصمّة قد خرجوا به شيخا كبيرا لينتمونه ، فلمّا نزلوا بأوطاس (٣) قال : نعم مجال الخيل ، لا حزن (٤) ضرس (٥) ولا سهل دهس (٦) ، ما لي اسمع رغاء البعير (٧) ونهاق الحمير وبكاء الصغير وثغاء الشاة (٨). ورغاء البقر؟
فقال لابن مالك في ذلك ، فقال : أردت أن أجعل خلف كلّ رجل أهله وماله ليقاتل عنهم.
قال : ويحك لم تصنع شيئا قدّمت ببيضة هوازن في نحور الخيل ، وهل يردّ وجه المنهزم شيء ، إنّما إن كانت لك لم ينفعك إلاّ رجل بسيفه ورمحه ، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك ، ثمّ قال :
__________________
(١) التوبة : ٢٥.
(٢) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٢١٠.
(٣) أوطاس : واد بديار هوازن.
(٤) الحزن ـ فتح الحاء المهملة ـ من الأرض : ضد السهل.
(٥) الضرس بكسر الضاد : الأكمة العسرة المرتقى.
(٦) الدهس : المكان السهل ليس برمل ولا تراب.
(٧) الرغاء بالضم : صوت البعير.
(٨) الثغاء : صوت الشاة.
حرب عوان ليتني فيها جذع |
|
أخبّ فيها تارة ثمّ أقع (١) |
فقال له مالك : إنّك كبرت وذهب علمك (٢).
قال جابر : كان القوم قد كمنوا في شعاب الوادي ومضائقه ، فما راعنا إلاّ كتائب الرجال ، فانهزم بنو سليم وكانوا على المقدّمة ، وانهزم من ورائهم ، وبقي علي عليهالسلام ومعه الراية.
فقال مالك بن عوف : أروني محمّد ، فأروه محمّدا عليهالسلام ، فحمل عليه فلقيه ابن عبيد وهو أيمن بن أمّ أيمن ، فالتقيا فقتله مالك ، وفي ذلك قال الشاعر :
وثوى امين الأمين من القوم |
|
شهيدا فاعتاض قرّة عين |
فقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم للعبّاس وكان جهوريّ الصوت : ناد في القوم وذكّرهم العهد ، يعني قوله : ( وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ ) (٣).
فنادى يا أهل بيعة الشجرة الى أين تفرّون؟ اذكروا العهد. والقوم على وجوههم ، وذلك في أوّل ليلة من شوّال.
قال : فنظر النبيّ عليهالسلام الى الناس ببعض وجهه في الظلماء فأضاء كأنّه القمر ليلة البدر ، وكان عليّ بين الشعبين حتّى لم يبق فيهما مقتول ، وعاونه بعض الأنصار ، فقام النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في ركاب سرجه حتى أشرف عليهم وقال : الآن حمى الوطيس (٤) :
أنا النبيّ لا كذب |
|
أنا ابن عبد المطّلب |
فما زال المسلمون يقتلون المشركين ويأسرون منهم حتّى ارتفع النهار ، فأمر النبيّ عليهالسلام بالكفّ (٥).
قال الصادق عليهالسلام : سبى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم حنين أربعة آلاف من الذراري
__________________
(١) حرب عوان : أي أشدّ الحروب ، والجذع بمعنى الشاب ، وأخبّ بتشديد الباء : أي أسرع.
(٢) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٢١٠.
(٣) الأحزاب : ١٥.
(٤) الوطيس : المعركة ، وحمى الوطيس : أي اشتدّت الحرب.
(٥) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٢١١.
واثني عشر ألف ناقة سوى ما لا يعلم من الغنائم (١).
وقال الزهريّ : ستة آلاف من الذراري والنساء ، ومن البهائم ما لا يحصى ولا يدرى.
وروي أنّ المسلمين انهزموا ولم يبق منهم مع النبيّ عليهالسلام إلاّ عشرة أنفس ، تسعة من بني هاشم خاصّة ، [ و ] عاشرهم أيمن ابن أم أيمن ، وتاسعهم أمير المؤمنين عليهالسلام (٢).
وبنو هاشم : العبّاس ، والفضل بن العبّاس ، وأبو سفيان بن الحارث ، ونوفل بن الحارث ، وربيعة بن الحارث ، وعبد الله بن الزبير بن عبد المطّلب ، وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب.
قيل : وأقبل رجل من هوازن على جمل أحمر بيده راية سوداء في رأس رمح طويل أمام القوم ، إذا أدرك ظفرا من المسلمين اكبّ عليهم ، فإذا فاته الناس رفعه لمن وراءه من المشركين فاتّبعوه ، وهو يرتجز ويقول :
أنا أبو جرول لا براح |
|
حتّى يبيح القوم أو يباح |
فصمد له أمير المؤمنين عليهالسلام فضرب عجز بعيره فطرحه ، ثمّ ضربه فقطره وقال عليهالسلام :
قد علم القوم لدى الصباح |
|
إنّي في الهيجاء ذو نصاح |
فكانت هزيمة المشركين بقتل أبي جرول (٣).
وكان صخر بن حرب في هذه الغزاة فانهزم في جملة من انهزم من المسلمين ، فروي عن معاوية بن أبي سفيان قال : لقيت أبي ـ وهو صخر ـ منهزما مع بني اميّة من أهل مكّة ، فصحت به : يا ابن حرب والله ما صبرت مع ابن عمّك ولا قاتلت عن دينك ولا كففت هؤلاء الأعراب عن حريمك. فقال : من أنت؟ فقلت : معاوية.
فقال : ابن هند؟ فقلت : نعم. فقال : بأبي وامّي ، ثمّ وقف فاجتمع معه اناس من
__________________
(١) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٢١١.
(٢) الإرشاد : ص ٧٤.
(٣) الإرشاد : ص ٧٥.
أهل مكّة وانضممت إليهم ثمّ حملنا على القوم فضعضعناهم (١).
ولمّا قسم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم غنائم حنين أقبل رجل أدم أجلى بين عينيه أثر السجود فسلّم ولم يخصّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثمّ قال : قد رأيت ما صنعت في هذه الغنائم.
فقال عليهالسلام : فكيف رأيت؟ فقال : لم أرك عدلت. فغضب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقال : ويلك إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون؟ فقال المسلمون : ألا نقتله؟ فقال : دعوه فإنّه سيكون له أتباع يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية يقتلهم الله على يد أحبّ الخلق إليه بعدي. فقتله أمير المؤمنين عليهالسلام فيمن قتله يوم النهروان من الخوارج (٢).
[ غزاة الطائف ]
ثمّ تلت هذه الغزاة غزاة الطائف. ولمّا فضّ الله تعالى جمع المشركين بحنين وتفرّقوا فرقتين ، فأخذت الأعراب ومن تبعهم الى أوطاس ، وأخذت ثقيف ومن تبعها الى الطائف.
فبعث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أبا سفيان الى الطائف فلقيته ثقيف فضربوه على وجهه فانهزم ورجع الى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال : بعثتني مع قوم لا يرفع بهم البلاء من هذيل والأعراب فما أغنوا عنّي شيئا. فسكت النبيّ عليهالسلام.
ثمّ صار بنفسه الى الطائف ، فحاصرهم أيّاما ، وأنفذ أمير المؤمنين عليهالسلام في خيل وأمره أن يطأ ماء جدّة فيكسر كلّ صنم وجده. فخرج حتّى لقيته خيل خثعم في جمع كثير ، فبرز لهم رجل من القوم يقال له شهاب في غبش الصبح فقال : هل من مبارز؟ فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : من له؟ فلم يقم أحد ، فقام إليه أمير المؤمنين عليهالسلام. فوثب أبو العاص بن الربيع زوج ابنة محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : تكفاه أيّها الأمير. فقال : لا ولكن إن قتلت فأنت على الناس. فبرز إليه أمير المؤمنين وهو يقول :
إنّ على كلّ رئيس حقّا |
|
أن يروي الصعدة أو يدقّا |
__________________
(١) الإرشاد : ص ٧٦.
(٢) الإرشاد : ص ٧٨.
ثمّ ضربه فقتله ، ومضى في تلك الخيل حتى كسر الأصنام ، وعاد الى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو محاصر أهل الطائف ، فلمّا رآه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كبّر للفتح وأخذ بيد عليّ فخلا به وناجاه طويلا (١).
فروى عبد الرحمن بن سيابة والأخلج جميعا ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا خلا بعلي يوم الطائف أتاه عمر بن الخطّاب فقال : أتناجيه دوننا وتخلو به دوننا. فقال : يا عمر أنا ما انتجيته ، بل الله انتجاه. قال : فأعرض عمر وهو يقول : هذا كما قلت لنا يوم الحديبيّة ( لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ ) فلم ندخله وصددنا عنه. فناداه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : لم أقل لكم إنّكم تدخلونه في ذلك (٢) العام.
ثم خرج من حصن الطائف نافع بن غيلان بن معتب في خيل من ثقيف ، فلقيه أمير المؤمنين عليهالسلام ببطن وجّ فقتله وانهزم المشركون ، ولحق القوم الرعب ، فنزل منهم جماعة الى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فأسلموا ، وكان حصار النبيّ للطائف بضعة عشر يوما (٣).
* * *
فصل
في ذكر أزواجه صلىاللهعليهوآلهوسلم
أوّل نسائه صلىاللهعليهوآلهوسلم خديجة بنت خويلد عليهاالسلام. تزوّجها بمكّة ، وكانت قبله عند عتيق بن عائد المخزومي ، ثمّ عند أبي هالة زرارة بن نبّاش الاسيدي.
وروى أحمد البلاذريّ وأبو القاسم الكوفي في كتابيهما ، والمرتضى في الشافي ، وأبو جعفر في التلخيص : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم تزوّج بها وكانت عذراء. ويشيّد ذلك ما ذكر في كتابي الأنوار والبدع : أنّ رقيّة وزينب كانتا ابنتي هالة بنت خويلد (٤).
__________________
(١) الإرشاد : ص ٨١.
(٢) في هامش النسخة : هذه ( نسخة بدل ).
(٣) الإرشاد : ص ٨١.
(٤) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٥٩.
وقد ذكرنا قصّة الزواج والخطبة فيما تقدّم.
وتزوّج سودة بنت زمعة بعد موت خديجة بسنة ، وكانت عند السكران بن عمرو من مهاجري الحبشة فتنصّر ومات بها (١).
وتزوّج عائشة بنت أبي بكر ، وهي ابنة سبع ، قبل الهجرة بسنتين ، ويقال : كانت ابنة ست ، ودخل بها بالمدينة في شوّال وهي ابنة تسع. ولم يتزوّج غيرها بكرا على قول من قال إنّ خديجة كانت ثيّبا وتوفّي النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عنها وهي ابنة ثمان عشرة سنة وبقيت الى إمارة معاوية وقد قاربت السبعين.
أمّ سلمة : وروى السمعاني أنّه تزوّج في المدينة أمّ سلمة ـ واسمها هند بنت أبي اميّة بن أبي حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقطة بن مرّة بن كعب بن لؤيّ بن غالب المخزوميّة القرشيّة ، وهي ابنة عمّته عاتكة بنت عبد المطّلب ـ بعد أمّ حبيبة بنت أبي سفيان. وروى غيره : أنّ أمّ حبيبة بعدها بأربع سنين. وكانت قبل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم عند أبي سلمة بن عبد الأسد بن هلال المخزومي ، فهاجرت الهجرتين الى الحبشة والمدينة مع زوجها ، فتوفي عنها وخلّف عليها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
قال المطّلب بن عبد الله عن أمّ سلمة رضي الله عنها قالت : أتاني أبو سلمة يوما من عند رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : سمعت من رسول الله قولا سررت به. قال : لا يصيب أحدا من المسلمين مصيبة ثمّ يقول : « اللهمّ آجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها » إلاّ فعل الله ذلك به.
قالت : فحفظت ذلك. فلمّا توفّي أبو سلمة استرجعت وقلت : اللهمّ آجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها. فقلت : من أين لي خير من أبي سلمة؟
فلمّا انقضت عدّتي استأذن عليّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأنا أدبغ إهابا لي ، فغسلت يدي عن القرظ (٢) وأذنت له ، فوضعت له وسادة أدم حشوها ليف فقعد وخطبني الى نفسه.
فلمّا فرغ من مقالته قلت : يا رسول الله ما أنا بكفو وما بي إلاّ يكون لك الرغبة ،
__________________
(١) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٥٩.
(٢) القرظ : شجر يدبغ به ( لسان العرب ٧ / ٤٥٤ ).
ولكنّي امرأة فيّ غيرة شديدة وأخاف أن ترى منّي شيئا يعذّبني الله به ، وأنا امرأة قد دخلت في الستّين ، وأنا ذات عيال.
فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : أمّا ما ذكرت من الغيرة فسوف يذهبها الله عنك ، وأمّا ما ذكرت من الستّين فقد أصابني مثل الذي أصابك ، وأمّا ما ذكرت من العيال فإنّما عيالك عيالي.
فقالت : فقد سلّمت يا رسول الله. فتزوّجها فقالت : قد أبدلني الله بأبي سلمة خيرا منه (١).
وعاشت بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عمرا طويلا حتّى كانت آخر أزواجه موتا ، توفيت سنة اثني وستّين في زمن يزيد بن معاوية بالمدينة ، ودفنت بالبقيع. وكان زواجه بها بعد وقعة بدر من سنة اثنتين من التاريخ.
وفي هذه السنة تزوّج صلىاللهعليهوآلهوسلم بحفصة بنت عمر ، وكانت قبله عليهالسلام تحت خنيس ابن عبد الله بن حذافة السهميّ ، فبقيت الى آخر خلافة عليّ عليهالسلام وتوفّيت بالمدينة.
ثمّ تزوّج عليهالسلام زينب بنت جحش الأسدية ، وهي بنت أديمة بنت عبد المطّلب ، وكانت عند زيد بن حارثة ، وهي أوّل من ماتت من نسائه بعده في أيّام عمر (٢).
ثمّ تزوّج جويرية بنت الحارث بن ضرار المصطلقية ، ويقال إنّه اشتراها فأعتقها وتزوّجها ، فماتت في سنة ستّ وخمسين ، وكانت من قبل عند مالك بن صفوان بن ذي الشفرتين (٣).
وتزوّج صلىاللهعليهوآلهوسلم أمّ حبيبة بنت أبي سفيان واسمها رملة ـ وكانت عند عبد الله بن جحش ـ في سنة ستّ ، وبقيت الى إمارة معاوية (٤). وفي رواية أنّه تزوّجها قبل أمّ سلمة.
ثمّ تزوّج صلىاللهعليهوآلهوسلم صفيّه بنت حييّ بن أخطب النظريّ ، وكانت عند سلام بن
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ٢٢ ص ٢٢٧ باب ٣ ح ١٠ ، رواه مختصرا.
(٢) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٦٠.
(٣) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٦٠.
(٤) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٦٠.
مشكم ، ثمّ عند كنانة بن الربيع ، وكان ابتنى بها في الحال ، وأسرّ بها في سنة سبع (١).
ثمّ تزوّج صلىاللهعليهوآلهوسلم ميمونة بنت الحارث الهلاليّة خالة ابن عبّاس ، وكانت عند عمير بن عمرو الثقفي ، ثمّ عند أبي زيد بن عبد المطّلب ، خطبها للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم جعفر بن أبي طالب ، وكان تزويجها وزفافها وموتها وقبرها بشرف وهو على عشرة أميال من مكّة في سنة سبع ، وماتت في سنة ستّ وثلاثين ، وقد دخل عليهالسلام بهنّ (٢) (٣).
والمطلّقات ولم يدخل بهنّ أو من خطبها ولم يعقد عليها : فاطمة بنت شريح ، وقيل : بنت الضحّاك ، تزوّجها وخيّرها حين انزلت آية التخيير ، فاختارت الدنيا ، ففارقها ، فكانت بعد ذلك تلقط البعر وتقول : أنا الشقيّة اخترت الدنيا (٤).
وزينب بنت حزيمة بن الحارث أمّ المساكين من عبد مناف ، وكانت عند عبيدة بن الحارث بن عبد المطّلب (٥).
وأسماء بنت النعمان بن الأسود الكندي ، من أهل اليمن ، ولمّا دخلت عليه قالت : أعوذ بالله منك. فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم لها : قد أعذتك ، الحقي بأهلك. وكان بعض أزواجه علّمتها وقالت لها : إنّك تحظين عنده (٦).
وقتيلة اخت الأشعث بن قيس الكندي ، مات النبيّ عليهالسلام قبل أن يدخل بها. ويقال : طلّقها النبي عليهالسلام فتزوّجها عكرمة بن أبي جهل ، وهو الصحيح (٧).
وأمّ شريك ، واسمها عزية بنت جابر من بني النجّار (٨).
وسنا بنت الصلت من بني سليم. ويقال : خولة بنت حكيم السّلمي ، ماتت قبل أن تدخل عليه.
__________________
(١) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٦٠ ، وفيه « سلام بن سلم » بدل « سلام بن مشكم ».
(٢) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٦٠.
(٣) وفي نسخة الأصل : بهؤلاء.
(٤) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٦٠.
(٥) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٦٠.
(٦) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٦٠.
(٧) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٦١.
(٨) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٦١.
وكذلك شراف اخت دحية الكلبيّ (١).
ولم يدخل عليهالسلام بعمرة الكلابيّة ، واميمة بنت النعمان الجونيّة ، والعالية بنت ظبيان الكلابيّة ، ومليكة الليثية (٢).
وأمّا عمرة بنت يزيد رأى عليهالسلام بها بياضا فقال : دلستم عليّ ، فردّها (٣).
وليلى ابنة الحطيم الأنصارية ضربت ظهره عليهالسلام وقالت : أقلني ، فأقالها عليهالسلام ، فأكلها الذئب (٤).
وعمرة من الفرطا وصفها أبوها حتّى قال : إنّها لم تمرض قطّ. فقال عليهالسلام : ما لهذه عند الله من خير (٥).
وأمّا التسع اللاتي قبض عنهنّ : أمّ سلمة ، زينب بنت جحش ، ميمونة ، أمّ حبيبة ، صفيّة ، جويرية ، سودة ، عائشة ، حفصة (٦).
مبسوط الطوسي : إنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم اتّخذ من الإماء ثلاثا : عجميتين وعربيّة ، فأعتق العربيّة واستولد إحدى العجميتين.
وكان له سريتان يقسم لهما مع أزواجه ، وهما مارية بنت شمعون القبطيّة وريحانة بنت زيد القرظيّة أهدى بهما إليه المقوقس صاحب الإسكندرية ، وكانت لمارية اخت اسمها شيرين فأعطاها النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم حسّان بن ثابت ، فولد له منها عبد الرحمن ، وتوفّيت مارية بعد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بخمس سنين (٧).
ويقال : إنّه عليهالسلام أعتق ريحانة ثمّ تزوّجها (٨).
__________________
(١) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٦١ وفيه « صراف ». وفي نسخة « سراف » بدل « شراف ».
(٢) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٦١.
(٣) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٦١.
(٤) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٦١.
(٥) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٦١. وفيه : العرطا بدل الفرطا.
(٦) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٦١.
(٧) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٦١.
(٨) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٦١.
وقيل : انّه اختار من سبي بني قريظة جارية اسمها تكانة بنت عمرو ، وكانت في مكّة ، فلمّا توفّي عنها تزوّجها العبّاس (١).
وكان مهر نسائه اثني عشرة أوقية وياسين (٢).
* * *
فصل
في ذكر أولاده صلىاللهعليهوآلهوسلم
ولد له من خديجة عليهاالسلام القاسم وبه كنّي ، وعبد الله ، وهما الطاهر والطيّب. وأربع بنات وهنّ : فاطمة وزينب ورقيّة وأمّ كلثوم. ولم يكن له من غير خديجة ولد إلاّ إبراهيم من مارية ، ولد بعالية في قبيلة مازن في مشربة أمّ إبراهيم. ويقال : ولد بالمدينة سنة ثمان من الهجرة ، ومات بها ، وله سنة وعشرة أشهر وثمانية أيّام ، وقبره بالبقيع (٣).
وفي الأنوار والكشف واللمع وكتاب البلاذري : أنّ رقيّة وزينب كانتا ربيبتيه من جحش (٤).
فأمّا القاسم والطيّب فماتا بمكّة صغيرين (٥).
قال مجاهد : مكث القاسم سبع ليال ثمّ مات (٦).
وأمّا زينب فكانت عند أبي العاص القاسم بن الربيع فولدت له أمّ كلثوم ،
__________________
(١) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٦١.
(٢) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٦١ ، كذا في الأصل ، وفي المناقب : ونش. والنش :
النصف من كلّ شيء.
(٣) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٦١ ـ ١٦٢.
(٤) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٦٢.
(٥) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٦٢.
(٦) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٦٢.
وتزوّج بها عليّ عليهالسلام بعد فاطمة عليهماالسلام ، وكان العاص اسر يوم بدر فمنّ عليه النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وأطلقه من غير فداء ، وأتت زينب الطائف ، ثمّ أتت النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بالمدينة ، فقدم أبو العاص المدينة فأسلم ، وماتت زينب بالمدينة بعد مصير النبي عليهالسلام بسبع سنين وشهرين (١).
وأمّا رقيّة فتزوّجها عتبة وأمّا أمّ كلثوم تزوّجها عتيق ، وهما ابنا أبي لهب ، فطلّقاهما ، فتزوّج عثمان رقيّة بالمدينة وولدت له عبد الله فمات صبيّا لم يجاوز ستّ سنين ، وكان ديك نقره على عينه فمات. وبعدها تزوّج بامّ كلثوم (٢).
ولا عقب للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم إلاّ من ولد فاطمة عليهاالسلام (٣).
* * *
فصل
في ذكر وفاته عليهالسلام
ابن عبّاس والسديّ : انّه لمّا نزل قوله تعالى : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) (٤) قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ليتني أعلم متى يكون ذلك؟ فنزلت سورة النصر ، فكان يسكت بين التكبير والقراءة بعد نزولها ، فيقول : سبحان الله وبحمده استغفر الله وأتوب إليه.
فقيل له في ذلك ، فقال عليهالسلام : أما انّ نفسي نعيت إليّ ، ثمّ بكى بكاء شديدا.
فقيل : يا رسول الله أو تبكي من الموت وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟! قال : فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : أين هول المطلع؟ وأين ضيق القبر وظلمة اللحد؟ وأين
__________________
(١) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٦٢.
(٢) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٦٢.
(٣) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ١٦٢.
(٤) الزمر : ٣٠.
القيامة والأهوال؟ فعاش صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد نزول هذه السورة عاما (١).
وقال السديّ وابن عبّاس : ثمّ نزلت : ( لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ... ) الآية (٢) فعاش بعدها ستّة أشهر.
ثمّ لمّا خرج الى حجّة الوداع نزلت عليه في الطريق : ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ ) (٣) فسمّيت آية الصفّ.
ثمّ نزلت عليه صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو واقف بعرفة : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (٤) فعاش بعدها أحدا وثمانين يوما.
ثمّ نزلت عليه آيات الربا ، ثمّ نزلت بعدها : ( وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ ... ) الى آخر الآية (٥) وهي آخر آية نزلت من السماء فعاش بعدها أحدا وعشرين يوما. قال ابن جريح : تسع ليال. وقال مقاتل وابن جبير : سبع ليال.
وقال الله تعالى تسلية للنبيّ عليهالسلام : ( وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ ) (٦).
لمّا مرض عليهالسلام مرضه الذي توفّي فيه ، وذلك يوم السبت أو يوم الأحد من صفر أخذ بيد عليّ عليهالسلام ، وتبعه جماعة من أصحابه ، وتوجّه الى البقيع ثمّ قال : السلام عليكم أهل القبور وليهنكم ما أصبحتم فيه ممّا فيه الناس ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أوّلها ، إنّ جبريل كان يعرض عليّ القرآن في كلّ سنة مرّة ، وقد عرضه عليّ في هذه العامّ مرّتين ، ولا أراه إلاّ لحضور أجلي.
ثمّ خرج صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم الأربعاء معصوب الرأس متكئا على عليّ بيمنى يديه ، وعلى الفضل بن عبّاس باليد الاخرى ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال :
أمّا بعد أيّها الناس فانّه قدحان منّي حقوق من بين أظهركم ، فمن كانت له عندي عدة فليأتني أعطه إيّاها ، ومن كان له عليّ دين فليخبرني به.
__________________
(١) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٢٣٤.
(٢) التوبة : ١٢٩.
(٣) النساء : ١٧٥.
(٤) المائدة : ٣.
(٥) البقرة : ٢٨١.
(٦) الأنبياء : ٣٤.
فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله لي عندك عدة إنّي تزوّجت فوعدتني تعطيني ثلاث أواق.
فقال : انحله إيّاها يا فضل. ثمّ نزل صلىاللهعليهوآلهوسلم.
فلمّا كان يوم الجمعة صعد المنبر فخطب ، ثمّ قال : معاشر أصحابي أيّ نبي كنت لكم؟ ألم اجاهد بين أظهركم؟ ألم تكسر رباعيّتي؟ ألم يعفّر جبيني؟ ألم تسل الدماء على حرّ وجهي؟ ألم اكابد الشدّة والجهد مع جهّال قومي؟ ألم أربط حجر المجاعة على بطني؟
قالوا : بلى يا رسول الله : قال : إنّ ربّي حكم وأقسم أن لا يجوزه ظلم ظالم ، فانشدكم بالله أيّ رجل كانت له قبل محمّد مظلمة إلاّ قام ، فالقصاص في دار الدنيا أحبّ إليّ من القصاص في الآخرة على رءوس الملائكة والأنبياء.
فقام إليه رجل يقال له سوادة بن قيس فقال : إنّك يا رسول الله لمّا أقبلت من الطائف استقبلتك وأنت على ناقتك العضباء وبيدك القضيب الممشوق ، فرفعت القضيب وأنت تريد الراحلة فأصاب بطني.
فقال لبلال : قم الى منزل فاطمة فآتني بالقضيب الممشوق.
فلمّا مضى إليها سألت فاطمة عليهاالسلام : وما يريد به؟
قال : أما علمت أنّه يودّع أهل الدين والدنيا. فصاحت وهي تقول : وا غمّاه لغمّك يا أبتاه.
فلمّا أورد إليه ، قال عليهالسلام : أين الشيخ؟
قال : ها أنا ذا يا رسول الله بأبي أنت وامّي.
فقال له : فاقض حتى ترضى.
فقال الشيخ : فاكشف لي عن بطنك. ثمّ قال : أتأذن لي أن أضع فيّ على بطنك ، فأذن عليهالسلام له. فقال : اللهمّ إنّي أعوذ بموضع القصاص من بطن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
فقال : اللهمّ اعف عن سوادة بن قيس كما عفى عن نبيّك محمّد (١).
__________________
(١) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٢٣٤ ـ ٢٣٥.
الطبريّ في الولاية ، والدار قطني في الصحيح ، والسمعاني في الفضائل ، وجماعة من رجال الشيعة ، عن الحسين بن عليّ بن الحسين وعبد الله بن عبّاس وأبي سعيد الخدري وعبد الله بن الحارث ، واللفظ للصحيح : إنّ عائشة قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو في بيتها لمّا حضره الوفاة : ادعوا لي حبيبي فدعوت له أبا بكر ، فنظر إليه ثمّ وضع رأسه ، ثمّ قال : ادعوا لي حبيبي. فدعوا له عمر ، فلمّا نظر إليه قال عليهالسلام : ادعوا لي حبيبي. قلت : ويلكم ادعوا له عليّ بن أبي طالب ، فو الله ما يريد غيره ، فلمّا رآه أفرج الثوب الذي كان عليه ثمّ أدخله فيه ، فلم يزل يحتضنه حتى قبض ويده عليه (١).
ومن طريقة (٢) أهل البيت عليهمالسلام أنّ عائشة دعت أباها فأعرض عنه ، وأنّ حفصة دعت أباها فأعرض عنه ، ودعت أمّ سلمة عليّا فناجاه طويلا ثمّ اغمي عليه ، فجاء الحسن والحسين عليهماالسلام يصيحان ويبكيان حتى وقعا على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأراد عليّ أن ينحيهما عنه ، فأفاق رسول الله ثمّ قال : يا عليّ دعهما اشمّهما ويشمّاني وأتزوّد منهما ويتزوّدا منّي ، ثمّ جذب عليّا تحت ثوبه ووضع فاه على فيه وجعل يناجيه ، فلمّا حضره الموت قال له : ضع رأسي يا علي في حجرك فقد جاء أمر الله ، فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك وامسح بها وجهك ، ثمّ وجّهني الى القبلة وتولّ أمري وصلّ عليّ أوّل الناس ولا تفارقني حتى تواريني في رمسي ، واستعن بالله عزّ وجلّ.
فأخذ عليّ برأسه فوضعه في حجره ، فاغمي عليه ، فبكت فاطمة ، فأومأ إليها بالدنوّ منه ، فأسرّ إليها شيئا تهلّل وجهها ... القصّة (٣).
ثمّ قضى ويد أمير المؤمنين عليهالسلام اليمنى تحت حنكه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ففاضت نفسه فيها ، فرفعها الى وجهه فمسحه بها ، ثمّ وجّهه ، ومدّ عليه إزاره ، واستقلّ بالنظر في أمره (٤).
__________________
(١) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٢٣٦.
(٢) كذا في الأصل ونسخة المناقب.
(٣) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٢٣٦ ـ ٢٣٧.
(٤) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٢٣٧ وفيه : « واستقبل » بدل « واستقلّ ».
وروي أنّ عليّا عليهالسلام انسلّ من تحت ثيابه وقال : عظّم الله اجوركم في نبيّكم.
فقيل : ما الذي ناجاك به رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم تحت ثيابه؟ فقال عليهالسلام : علّمني ألف باب من العلم ، فتح لي كلّ باب ألف باب ، وأوصاني بما أنا به قائم إن شاء الله تعالى (١).
وفي حلية الأولياء وتاريخ الطبريّ : أنّ عليّ بن أبي طالب عليهالسلام كان يغسّل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والفضل بن العبّاس يصبّ عليه الماء ، وجبرئيل عليهالسلام يعينهما. وكان عليّ عليهالسلام يقول : ما أطيبك حيّا وميّتا (٢).
ابن بطّة ، قال يزيد بن هلال : قال عليّ عليهالسلام : أوصى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أن لا يغسّله غيري فانّه لا يرى أحد عورتي إلاّ طمست عيناه.
قال : فما تناولت عضوا إلاّ كأنّما نقله معي ثلاثون رجلا حتّى فرغت من غسله (٣).
وروي أنّه لمّا أراد عليّ عليهالسلام غسله استدعى الفضل بن عبّاس ليعينه ، وكان مشدود العينين ، وقد أمره عليّ بذلك إشفاقا عليه من العمى (٤).
قال أبو جعفر عليهالسلام : قال الناس : كيف الصلاة عليه؟
فقال عليّ عليهالسلام : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إمامنا حيّا وميّتا.
فدخل عليه عشرة عشرة فصلّوا عليه صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم الاثنين وليلة الثلاثاء حتّى الصباح ويوم الثلاثاء حتّى صلّى عليه الأقرباء والخواصّ. ولم يحضر أهل السقيفة. وكان عليّ عليهالسلام أنفذ إليهم بريدة ، وإنّما تمّت بيعتهم بعد دفنه (٥).
وروي أنّه عليهالسلام توفّي يوم الاثنين الثاني من صفر (٦).
__________________
(١) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٢٣٧ ، واستلّ بالتشديد أي انتزع وأخرج برفق.
(٢) تاريخ الطبري : ج ٣ ص ٢١٢ ، المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٢٣٨ عنهما.
(٣) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٢٣٩.
(٤) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٢٣٩.
(٥) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٢٣٩.
(٦) الإرشاد : ص ١٠١.
ويقال : يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأوّل.
وكان بين قدومه المدينة صلىاللهعليهوآلهوسلم ووفاته عشر سنين. وقبض صلىاللهعليهوآلهوسلم قبل أن تغيب الشمس ، وهو ابن ثلاث وستّين سنة ، فغسّله عليّ بوصيّة منه.
وفي رواية : أنّه نودي بذلك ، وبقي غير مدفون ثلاثة أيّام يصلّي عليه الناس.
واختلف أصحابه أين يدفن. فقال بعضهم : في البقيع. وقال بعضهم : في صحن المسجد. فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : إنّ الله تعالى لم يقبض نبيّه إلاّ في أطهر بقاع الأرض فينبغي أن يدفن في البقعة التي قبض فيها. فاتّفقت الجماعة على قوله ، ودفن في حجرته عليهالسلام (١).
وحفر له اللحد أبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري. ودفنه عليّ عليهالسلام ، وعاونه العبّاس وابنه الفضل واسامة بن زيد.
فنادت الأنصار : يا عليّ نذكّرك الله وحقّنا اليوم من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يذهب ، أدخل منّا رجلا فيه.
فقال : ليدخل أوس بن خولي. فلمّا دلاّه في حفرته قال له : اخرج (٢). وربّع قبره ولم يسنّم.
وروي أنّ المغيرة بن شعبة قال : قد وقع خاتمي في قبر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. فقال عليّ عليهالسلام لرجل : انزل فأعطه خاتمه فإنّما يريد أن يقول أنا أقرب الناس عهدا برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. وقد ادّعى المغيرة ذلك (٣).
روى مقسم مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل أنّ مولاه عبد الله بن الحارث قال : اعتمرت مع عليّ عليهالسلام في زمن عمر أو زمان عثمان فنزل على اخته أمّ هاني ابنة أبي طالب ، فلمّا فرغ من عمرته رجع فسكب له غسل فاغتسل ، فلمّا فرغ من غسله دخل عليه نفر من أهل العراق فقالوا : يا أبا الحسين جئناك نسألك عن أمر
__________________
(١) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٢٤٠.
(٢) الإرشاد : ص ١٠١.
(٣) راجع السيرة النبوية لابن هشام : ج ٤ ص ٢٣٠ ـ ٢٣١.
نحبّ أن تخبرنا عنه. قال عليهالسلام : إنّ المغيرة يخبركم أنّه كان أحدث الناس عهدا برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
قالوا : أجل عن ذلك جئنا نسألك.
قال عليهالسلام : كذب ، أحدث الناس عهدا برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قثم بن العبّاس (١).
ولمّا فرغ أمير المؤمنين عليهالسلام من دفن النبيّ عليهالسلام أنشأ يقول :
الموت لا والدا يبقي ولا ولدا |
|
هذا السبيل الى أن لا يرى أحدا |
هذا النبيّ ولم يخلّد لامته |
|
لو خلّد الله خلقا قبله خلدا |
للموت فينا سهام غير خاطئة |
|
من فاته اليوم سهم لم يفته غدا (٢) |
وقال أيضا :
أمن بعد تكفين النبيّ ودفنه |
|
بأثوابه آسى على هالك ثوى |
رزينا رسول الله فينا فلم يرى |
|
لذلك عدلا ما حيينا من الورى |
وكان لنا كالحصن من دون أهله |
|
لهم معقل فيه حريز من العدى |
وكنّا به شمّ الانوف بنحوه |
|
على موضع لا يستطاع ولا يرى |
فيا خير من ضمّ الجوانح والحشى |
|
ويا خير ميّت ضمّه الترب والثرى (٣) |
كأنّ امور الناس بعدك ضمّنت |
|
سفينة موج البحر والبحر قد طمى |
وضاق فضاء الأرض عنهم برحبه |
|
لفقد رسول الله إذ قيل قد قضى |
فيا حزنا انّا رأينا نبيّنا |
|
على حين تمّ الدين واشتدّت القوى |
كان الالى شبّهنه سفر ليلة |
|
أضلّ الهدى لا نجم فيها ولا ضوى (٤) |
__________________
(١) السيرة النبوية لابن هشام : ج ٤ ص ٢٣١ ، تاريخ الطبري : ج ٣ ص ٢١٤.
(٢) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٢٣٨.
(٣) الجوانح : الأضلاع ، والحشا : ما احتوته الأضلاع. قيل : ضم الجوانح والحشا كناية عن الموت ، والمعنى : يا خير من مات. وقيل : المعنى يا خير جميع الناس فإنّ كلّ انسان له جوانح وحشا منضمّين.
(٤) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٢٤٠ ـ ٢٤١.
وله أيضا :
ألا يا رسول الله كنت رجاءنا |
|
وكنت بنا برّا ولم تك جافيا |
كأنّ على قلبي لذكر محمّد |
|
وما كنت من بعد النبيّ المكاويا (١) |
أفاطم صلّى الله ربّ محمّد |
|
على جدث (٢) أمسى بيثرب ثاويا |
فدى لرسول الله امّي وخالتي |
|
وعمّي وزوجي ثمّ نفسي وخاليا |
فلو أنّ ربّ العرش أبقاك بيننا |
|
سعدنا ولكن أمره كان ماضيا |
عليك من الله السلام تحية |
|
وادخلت جنات من العدن راضيا (٣) |
وقالت الزهراء عليهاالسلام :
قل للمغيّب تحت أطباق الثرى |
|
إن كنت تسمع صرختي وندائيا |
صبّت عليّ مصائب لو أنّها |
|
صبّت على الأيّام صرن لياليا |
قد كنت ذات حمى بظلّ محمّد |
|
لا أخش من ضيم وكان جماليا |
فاليوم أخضع للذليل وأتّقي |
|
ضيمي وأدفع ظالمي بردائيا |
فإذا بكت قمرية في ليلها |
|
شجنا على غصن بكيت صباحيا |
فلأجعلنّ الحزن بعدك مؤنسي |
|
ولأجعلنّ الدمع فيك وشاحيا |
ما ذا على من شمّ تربة أحمد |
|
أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا (٤) |
وقالت أمّ سلمة رضي الله عنها :
فجعنا بالنبي وكان فينا |
|
إمام كرامة نعم الإمام |
وكان قوامنا والرأس منّا |
|
فنحن اليوم ليس لنا قوام |
ننوح ونشتكي ما قد لقينا |
|
ويشكو فقدك البلد الحرام |
فلا تبعد فكل فتى كريم |
|
سيدركه ولو كره الحمام (٥) |
__________________
(١) المكاوي جمع مكواة : حديدة يكوى بها.
(٢) الجدث : القبر.
(٣) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٢٤٢.
(٤) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٢٤٢.
(٥) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٢٤٣.
وقالت صفيّة بنت عبد المطّلب رضي الله عنها :
يا عين جودي بدمع منك منحدر |
|
ولا تملّي وبكّي سيّد البشر |
بكّي الرسول فقد هدّت مصيبته |
|
جميع قومي وأهل البدو والحضر |
ولا تملّي بكاك الدهر معولة |
|
عليه ما غرّد القمريّ في السحر (١) |
وجدت في كتاب مناقب أمير المؤمنين عليهالسلام تأليف المعرّيّ : أنّ رسول الله عليهالسلام خرج في مرضه الذي مات فيه لينظر إلى الناس وهم يصلّون ، وهو يتوكأ على رجلين أحدهما عليّ عليهالسلام ، فوجد أبا بكر يؤمّ بالناس فأزاحه من القبلة ، وأمّ هو صلوات الله عليه وآله بالناس. وكان عليّ عليهالسلام أقرب الناس إليه في الصحّة والمرض ، وخرج عليّ عليهالسلام من عند النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالوا له : كيف أصبح رسول الله؟ فقال : أصبح بارئا. فتوفّي صلىاللهعليهوآلهوسلم حين اشتدّ الضحى من ذلك اليوم.
في ذكر مواليه صلىاللهعليهوآلهوسلم
زيد بن حارثة ، بركة ، أسلم ، أبو كبشة ، آنسة ، ثوبان ، شقران ، يسار ، فضالة ، أبو مويهبة ، رافع ، سفينة.
ومن النساء : أمّ أيمن كانت خاصّته وزوّجها صلىاللهعليهوآلهوسلم من زيد بن حارثة ، سلمى ، رضوى ، مارية القبطية ، ريحانة.
* * *
__________________
(١) المناقب لابن شهرآشوب : ج ١ ص ٢٤٣.