الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-224-5
الصفحات: ٤٢٩
ولو أسلم في غنم وشرط أصواف نعجات معيّنة ، صحّ.
مسألة ٥١٦ : الشركة والتولية بيع بلفظ الشركة والتولية حكمها حكم البيع في جميع الأحكام ، إلاّ أنّها تقتضي (١) البيع بالثمن الأوّل خاصّة. ويلحق بهما جميع ما يلحق بالبيع من الخيار والشفعة وغيرهما على إشكال في الشركة.
مسألة ٥١٧ : لو اختلفا في المُسْلَم فيه ، فقال أحدهما : في حنطة ، وقال الآخر : في شعير ، تحالفا ، وانفسخ العقد ؛ لأنّ كلّ واحد مُدّعٍ ومنكر ، فيقدّم قول المنكر مع يمينه في الدعويين.
ولو اختلفا في قدر المُسْلَم فيه أو في قدر رأس المال أو قدر الأجل ، قدّم قول منكر الزيادة في ذلك كلّه مع اليمين.
وقال الشافعي : يتحالفان ، كما في بيع العين (٢).
والأصل ممنوع.
ولو اتّفقا على ذلك واختلفا في انقضاء الأجل بأن يختلفا في وقت العقد ، فيقول أحدهما : عقدنا في رجب ، ويقول الآخر : في شعبان ، فالقول قول المسلم إليه في بقاء الأجل مع يمينه ؛ لأصالة البقاء والمسلم يدّعي انقضاءه ، والأصل أيضاً عدم العقد في رجب.
ولو اختلفا في قبض رأس المال ، فقال أحدهما : كان القبض قبل التفرّق فالعقد صحيح ، وقال الآخر : كان بعد التفرّق فالعقد فاسد ، قُدّم قول مدّعي الصحّة ؛ لأصالتها.
__________________
(١) كذا وردت العبارة في « س ، ي » والطبعة الحجريّة. والظاهر هكذا : « حكمهما حكم البيع في جميع الأحكام ، إلاّ أنّهما تقتضيان ».
(٢) لم نعثر عليه في مظانّه.
وإن أقاما بيّنةً ، قُدّمت بيّنة الصحّة ، قاله بعض الشافعيّة (١). وليس بجيّد.
وكذا إذا كان رأس المال في يد المسلم ، فقال المسلم إليه : قبضته منك قبل الافتراق ثمّ رددته إليك وديعةً أو : غصبتنيه ، فالقول قوله ؛ لأصالة صحّة العقد. ولأنّه انضمّ إلى الصحّة الإثبات. وفيه نظر.
ولو اختلفا في اشتراط الأجل ، فالأقرب : أنّ القول قول مدّعيه إن عقدا بلفظ السَّلَم على إشكال.
وعلى القول بصحّة الحالّ فالإشكال أقوى.
ولو اختلفا في أداء المُسْلَم فيه ، فالقول قول المنكر.
ولو اختلفا في قبض الثمن ، فالقول قول البائع ؛ لأنّه منكر وإن تفرّقا.
مسألة ٥١٨ : لو وجد البائع بالثمن عيباً ، فإن كان من غير الجنس ، بطل العقد إن تفرّقا قبل التعويض أو كان الثمن معيّناً. وإن كان من الجنس ، فإن كان معيّناً ، تخيّر بين الأرش والردّ ، فيبطل السَّلَم. وإن لم يكن معيّناً ، كان له الأرش والمطالبة بالبدل وإن تفرّقا على إشكال.
ولو كان الثمن مستحَقّاً ، فإن كان معيّناً ، بطل العقد ، وإلاّ فإن تفرّقا قبل قبض عوضه ، بطل.
ولو أسلم نصرانيّ إلى نصرانيّ في خمر فأسلم أحدهما قبل القبض ، بطل السلف ، وللمشتري أخذ دراهمه ؛ لتعذّر العين عليه.
ويحتمل السقوط ، والقيمة عند مستحلّيه.
مسألة ٥١٩ : لو أسلم في شيئين صفقة واحدة بثمنٍ واحد ، صحّ ،
__________________
(١) انظر : العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٩٣ ، وروضة الطالبين ٣ : ٢٤٥.
سواء تماثلا أو تخالفا ، ويقسّط الثمن على القيمتين مع التخالف ، وعلى القدر مع التماثل.
ولو شرط الأداء في أوقات متفرّقة ، صحّ إن عيّن ما يؤدّيه في كلّ وقت ، ولو لم يعيّن ، بطل ؛ للجهالة.
ولو شرط رهناً أو ضميناً ، فإن عيّناه ، تعيّن ، وإلاّ احتمل البطلان ؛ للجهالة المفضية إلى التنازع. والصحّة ، فيحتمل رهن المثل وضميناً مليّاً أميناً ، وتخيّر مَنْ عليه الرهن والضمين.
ولو شرطا الرهن أو الضمين ثمّ تفاسخا ، أو ردّ الثمن لعيبٍ ، بطل الرهن ، وبرئ الضمين.
ولو صالحه بعد الحلول على مالٍ آخر غير مال السَّلَم ، سقط الرهن ؛ لتعلّقه بعوض مال الصلح لا به.
خاتمة تشتمل على مسائل تتعلّق بالقبض سلف أكثرها :
مسألة ٥٢٠ : مَنَع جماعة من علمائنا بيعَ ما لم يقبض في سائر المبيعات ، وقد تقدّم (١) وهو قول الشافعي ، وبه قال ابن عباس ومحمّد بن الحسن (٢) لنهيه عليهالسلام عن بيع ما لم يقبض (٣).
__________________
(١) في ج ١٠ ص ١٢٠ ، ضمن المسألة ٦٦.
(٢) الامّ ٣ : ٦٩ ٧٠ ، مختصر المزني : ٨٢ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٢٠ ، المهذّب للشيرازي ١ : ٢٦٩ ، المجموع ٩ : ٢٦٤ و ٢٧٠ ، حلية العلماء ٤ : ٧٧ ، الوجيز ١ : ١٤٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٣ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٦ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٢٩ ، ١١٠٠ ، بداية المجتهد ٢ : ١٤٤ ، المغني ٤ : ٢٣٩ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٧.
(٣) صحيح البخاري ٣ : ٨٩ ، سنن النسائي ٧ : ٢٨٥ ، المعجم الكبير للطبراني ١١ : ١٢ ، ١٠٨٧٥ ، وفيها النهي عن بيع الطعام قبل القبض.
وقال مالك : إنّ كلّ بيع لا يتعلّق به حقّ توفّيه على البائع يجوز بيعه قبل القبض ، سوى الطعام والشراب (١) ؛ لقوله عليهالسلام : « من ابتاع طعاماً فلا يبيعه حتى يستوفيه » (٢) وهو يدلّ على أنّ ما عدا الطعام بخلافه.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف : ما لا ينقل ويحوّل يجوز بيعه قبل القبض ؛ لأنّه مبيع لا يخشى انفساخ العقد بتلفه ، فجاز بيعه ، كالمقبوض (٣).
وقال أحمد : ما ليس بمكيل ولا موزون ولا معدود يجوز بيعه قبل قبضه وبه قال الحسن البصري وسعيد بن المسيّب لأنّه إذا لم يكن على البائع توفيته ، فإنّه من ضمان المشتري ؛ لأنّ الخراج له ، وقد قال عليهالسلام : « الخراج بالضمان » (٤) وإذا كان من ضمان المشتري ، لم يخش انفساخ العقد بتلفه ، فجاز التصرّف فيه ، كالثمن (٥).
مسألة ٥٢١ : لا يتعدّى هذا الحكم إلى غير المبيع ، فيجوز بيع الصداق
__________________
(١) بداية المجتهد ٢ : ١٤٤ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٢٠ ، حلية العلماء ٤ : ٧٩ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٢٩ ٣٠ ، ١١٠٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٣ ، المجموع ٩ : ٢٧٠.
(٢) صحيح البخاري ٣ : ٩٠ ، صحيح مسلم ٣ : ١١٥٩ و ١١٦٠ ، ٢٩ و ٣٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٧٤٩ ، ٢٢٢٦ و ٢٢٢٧ ، سنن النسائي ٧ : ٢٨٥ ، سنن البيهقي ٦ : ٣١.
(٣) المبسوط للسرخسي ١٣ : ٩ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٨١ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٢٩ ، ١١٠٠ ، حلية العلماء ٤ : ٧٨ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٣ ، المجموع ٩ : ٢٧٠ ، بداية المجتهد ٢ : ١٤٤ ، المغني ٤ : ٢٣٩ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٧ ١٢٨.
(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٥٤ ، ٢٢٤٣ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٤ ، ٣٥٠٨ ٣٥١٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٣٢١ و ٣٢٢ ، مسند أحمد ٧ : ٧٤ ، ٢٣٧٠٤ ، المستدرك للحاكم ٢ : ١٥.
(٥) المغني ٤ : ٢٣٩ ، الشرح الكبير ٤ : ١٢٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٢٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٤ ، المجموع ٩ : ٢٧٠.
وعوض الخلع قبل قبضه وبه قال أبو حنيفة (١) لأنّه لا يخشى انفساخ العقد بتلفه.
وقال الشافعي : لا يجوز (٢) ؛ لما تقدّم.
فأمّا الثمن فإن كان معيّناً ، فهو بمنزلة المبيع. وإن كان في الذمّة ، جاز التصرّف فيه ؛ لأنّ ابن عمر قال : كنت أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم ، آخذ هذه من هذه وأُعطي هذه من هذه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا بأس أن تأخذها ما لم تتفرّقا وبينكما شيء » (٣) وهذا أحد قولي الشافعي. وفي الثاني : لا يجوز ؛ لعموم الخبر (٤) (٥).
ولو ورث طعاماً ، كان له بيعه قبل قبضه وبه قال الشافعي (٦) لأنّه غير مضمون بعقد معاوضة.
مسألة ٥٢٢ : لو كان لزيد على بكر طعام من سَلَم ولعمرو على زيد طعام من سلف ، فقال زيد لعمرو : اذهب واقبض من بكر لنفسك ، لم يصح قبضه ؛ لأنّه لا يجوز أن يقبض لنفسه مال غيره ، ولا يدخل في ملكه بالأمر.
__________________
(١) حلية العلماء ٤ : ٧٨.
(٢) الوجيز ١ : ١٤٥ ، المهذّب للشيرازي ١ : ٢٦٩ ، المجموع ٩ : ٢٦٧ ، الحاوي الكبير ٥ : ٢٣٠ ، المحلّى ٨ : ٥٢١ ، مختصر اختلاف العلماء ٣ : ٢٩ ، ١١٠٠.
(٣) سنن أبي داوُد ٣ : ٢٥٠ ، ٣٣٥٤ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٨٤ ، مسند الطيالسي : ٢٥٥ ، ١٨٦٨.
(٤) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في ص ٣٦٦ ، الهامش (٢).
(٥) حلية العلماء ٤ : ٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٢ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٢ ١٧٣ ، المجموع ٩ : ٢٧٤.
(٦) الوجيز ١ : ١٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٩ ، المجموع ٩ : ٢٦٥ ، المغني ٤ : ٢٤٠ ، الشرح الكبير ٤ : ١٣٠.
ولو قال لعمرو : احضر اكتيالي منه لأقبضه لك ، فأكتاله ، لم يصح ؛ لأنّه قبضه قبل أن يقبضه.
وإذا لم يصح القبض لعمرو ، فهل يقع القبض للآمر في هاتين المسألتين؟ للشافعي وجهان بناءً على القولين إذا باع نجوم الكتابة وقبضها المشتري من المكاتب ، فإنّ (١) البيع لا يصحّ ، ولا يصحّ القبض للمشتري ، وهل يقع القبض للسيّد ويعتق المكاتب؟ قولان :
أحدهما : يكون قبضاً له ؛ لأنّه أذن في القبض ، فأشبه قبض وكيله.
والثاني : لا يكون قبضاً له ؛ لأنّه أذن له في أن يقبض لنفسه ، ولم يجعله نائباً عنه في القبض ، فلا يقع له ، بخلاف الوكيل ، فإنّه استنابه في القبض ، كذا هنا (٢).
فإذا قلنا : يصحّ القبض ، يكون ملكاً للمسلم. فإذا قلنا : لا يصحّ القبض ، يكون ملك المسلم إليه باقياً عليه ؛ لأنّ المُسْلَم فيه يتعيّن ملكه بالقبض ، فإذا لم يصح القبض ، لم يصح الملك.
ولو قال له : احضر معي حتى أكتاله لنفسي ثمّ تأخذه بكيله ، فإذا فعل ذلك ، صحّ قبضه لنفسه ، ويصحّ قبض عمرو منه ؛ لما رواه عبد الملك بن عمرو أنّه سأل الصادقَ عليهالسلام : أشتري الطعام فأكتاله ومعي مَنْ قد شهد الكيل وإنّما اكتلته لنفسي ، فيقول : بعنيه ، فأبيعه إيّاه بذلك الكيل الذي اكتلته ، قال : « لا بأس » (٣).
__________________
(١) في الطبعة الحجريّة : « لأنّ » بدل « فإنّ ».
(٢) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٨ ، حلية العلماء ٤ : ٣٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٨.
(٣) الكافي ٥ : ١٧٩ ، ٧ ، التهذيب ٧ : ٣٨ ، ١٦١.
وقال الشافعي : يصحّ قبضه لنفسه ، ولا يصحّ قبض عمرو منه ؛ لأنّه قبضه (١) جزافاً ، والكيل الأوّل لم يكن له ، فيحتاج أن يكيله عليه (٢). وهو ممنوع.
ولو اكتاله لنفسه ولم يفرغه من المكيال ويقول لعمرو : خُذْه بكيله لنفسك ، صحّ ؛ لأنّ استدامة الكيل بمنزلة ابتدائه. ولو كاله وفرّغه ثمّ كاله جاز ، كذلك إذا استدامة ، وهو أحد وجهي الشافعيّة. والثاني : لا يصحّ القبض ؛ لأنّه لم يملكه (٣).
مسألة ٥٢٣ : لو كان لزيد عند عمرو طعام من سَلَم ، فقال عمرو لزيد : خُذْ هذه الدراهم عن الطعام الذي لك عندي ، لم يجز عند الشافعي ؛ لأنّه بيع المُسْلَم فيه قبل قبضه (٤).
والأولى عندي : الجواز ، وليس هذا بيعاً ، وإنّما هو نوع معاوضة.
ولو قال : خُذْها فاشتر لنفسك بها طعاماً مثل الطعام الذي لك عندي ، لم يجز ؛ لأنّ الدراهم ملك المسلم إليه ، فلا يجوز أن يكون عوضاً للمسلم وبه قال الشافعي (٥) لما رواه الحلبي في الصحيح أنّه سأل الصادقَ عليهالسلام : عن رجل أسلفته دراهم في طعام فلمّا حلّ طعامي عليه بعث
__________________
(١) في « س » : « قبض ».
(٢) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٩ ، المجموع ٩ : ٢٧٩ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٩.
(٣) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٩ ، المجموع ٩ : ٢٧٩ ٢٨٠ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٩ ، المغني ٤ : ٢٤١.
(٤) انظر : المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٩ ، والمجموع ٩ : ٢٨٠ ، والعزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٠ ، وروضة الطالبين ٣ : ١٨٠.
(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٩ و ١٨٠ ، المجموع ٩ : ٢٨٠.
إليَّ بدراهم ، فقال : اشتر لنفسك طعاماً واستوف حقّك ، قال : « أرى أن تولّي ذلك غيرك أو تقوم معه حتى تقبض الذي لك ولا تتولّى أنت شراءه » (١).
إذا ثبت هذا ، فإن اشترى بعين تلك الدراهم طعاماً ، لم يصح. وإن اشترى في الذمّة ، صحّ الشراء ، وكان عليه الثمن ، والدراهم للمسلم إليه.
وإن قال : خُذْ هذه فاشتر بها طعاماً ثمّ اقبضه لنفسك ، فإنّ الشراء يصحّ ، والقبض لا يصحّ ؛ لما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله أنّه سأل الصادقَ عليهالسلام : عن رجل أسلف دراهم في طعام فحلّ الذي له ، فأرسل إليه بدراهم ، فقال : اشتر طعاماً واستوف حقّك ، هل ترى به بأساً؟ قال : « يكون معه غيره يوفيه ذلك » (٢).
وهل يصحّ للآمر؟ فيه وجهان للشافعيّة (٣) سبقا (٤).
ولو قال : اشتر لي بها طعاماً واقبضه لي ثمّ اقبضه لنفسك ، فإنّ الشراء يصحّ والقبض له ، وقبضه لنفسه من نفسه لا يصحّ ؛ لأنّه لا يجوز أن يكون وكيلاً في حقٍّ لنفسه ، وبه قال الشافعي (٥).
والأقرب عندي : الجواز.
مسألة ٥٢٤ : لو كان له على رجل قفيز طعام سَلَماً وعليه قفيز من قرض ، فأحال صاحب القرض بمال السَّلَم ، أو كان له قفيز من قرض وعليه
__________________
(١) الكافي ٥ : ١٨٥ ، ٥ ، الفقيه ٣ : ١٦٤ ، ٧٢١ ، التهذيب ٧ : ٢٩ ، ١٢٥.
(٢) الكافي ٥ : ١٨٦ ، ٩ ، التهذيب ٧ : ٣٠ ، ١٢٦.
(٣) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٨ ـ ٣٠٩ ، المجموع ٩ : ٢٨٠ ، حلية العلماء ٤ : ٣٨٣ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٩.
(٤) في ص ٣٦٨ ضمن المسألة ٥٢٢.
(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣١٠ ، روضة الطالبين ٣ : ١٨٠ ، المجموع ٩ : ٢٨٠.
قفيز من سلف ، فأحال به على المقترض ، فالوجه عندي : الجواز ؛ إذ الحوالة ليست بيعاً.
ولما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله أنّه سأل الصادقَ عليهالسلام : عن رجل عليه كُرّ (١) من طعام فاشترى كُرّاً من رجلٍ آخر ، فقال للرجل : انطلق فاستوف كُرّك (٢) ، قال : « لا بأس به » (٣).
وقال الشافعي : لا يصحّ بناءً على أنّ الحوالة بيع (٤). وهو ممنوع.
ولو كان القفيزان من القرض ، جازت الحوالة ؛ لأنّ القرض يستقرّ ولم يملكه عن عقد معاوضة.
وبعض الشافعيّة قال : لا تجوز الحوالة ؛ لأنّ الحوالة لا تصحّ إلاّ في الأثمان (٥). وليس بشيء.
مسألة ٥٢٥ : لو كان له على غيره طعام بكيل معلوم في ذمّته فدفع إليه الطعام جزافاً ، لم يكن له قبضه إلاّ بالكيل. فإن أخبره بكيله فصدّقه عليه ، صحّ القبض ؛ لما رواه محمّد بن حمران عن الصادق عليهالسلام ، قال : اشترينا طعاماً فزعم صاحبه أنّه كاله فصدّقناه وأخذناه بكيله ، فقال : « لا بأس » قلت : أيجوز أن أبيعه كما اشتريته بغير كيل؟ قال : « لا ، أمّا أنت فلا تبعه حتى تكيله » (٦).
__________________
(١) الكُرّ : ستّون قفيزاً ، والقفيز ثمانية مكاكيك ، والمكّوك : صاع ونصف ، فهو على هذا الحساب اثنا عشر وَسْقاً ، وكلّ وَسْق ستّون صاعاً. النهاية لابن الأثير ٤ : ١٦٢ « كرر ».
(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « كرّي » وما أثبتناه من الكافي والتهذيب. وفي الفقيه بدلها : « حقّك ».
(٣) الكافي ٥ : ١٧٩ ، ٥ ، الفقيه ٣ : ١٢٩ ، ٥٦١ ، التهذيب ٧ : ٣٧ ، ١٥٦.
(٤) حلية العلماء ٤ : ٣٨٢.
(٥) حلية العلماء ٤ : ٣٨٢.
(٦) التهذيب ٧ : ٣٧ ، ١٥٧.
وقال الشافعي : لا يصحّ القبض ؛ لأنّه لم يكله عليه (١).
فإن كان الطعام بحاله ، كِيل عليه ، فإن كان وفق حقّه ، فقد استوفاه. وإن كان أقلّ من حقّه ، كان له الباقي. وإن كان أكثر من حقّه ، ردّ الفضل.
وإن استهلكه قبل أن يكال عليه فادّعى أنّه دون حقّه ، كان القول قوله مع يمينه ، سواء كان النقصان قليلاً أو كثيراً ؛ لأنّ الأصل عدم القبض وبقاء الحقّ ، فلا يبرأ منه إلاّ بإقراره بالقبض ، وبه قال الشافعي (٢).
واختلفت الشافعيّة في جواز التصرّف في هذا الطعام المقبوض جزافاً :
فقال بعضهم : إنّه يجوز أن يتصرّف فيما يتحقّق أنّه مستحقّ له من الطعام ويتحقّق وجوده فيه ، مثل أن يكون حقّه قفيزاً فيبيع نصف قفيز ، فلا يجوز أن يبيع جميعه ؛ لاحتمال أن يكون أكثر من حقّه.
وقال بعضهم : لا يجوز أن يبيع شيئاً منه ؛ لأنّ العلقة ثَمَّ باقية بينه وبين الذي قبضه منه ، فلم يجز التصرّف فيه (٣).
والأوّل أولى ؛ لأنّ الضمان قد انتقل إليه بقبضه ، فجاز التصرّف فيما هو حقّه منه.
ولو كان له عنده قفيز فأحضره اكتياله عن رجل له عليه مثله ثمّ دفعه إليه بكيله ولم يكله عليه فأتلفه ثمّ ادّعى نقصانه ، فإن كان ممّا يقع مثله في الكيل ، كان القول قوله مع يمينه فيه. وإن كان ممّا لا يقع مثله في الكيل ،
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٨.
(٢) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٨ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٨.
(٣) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٨ ، حلية العلماء ٤ : ٣٨١ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٣٠٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٧٧.
لم يُقبل قوله ؛ لأنّه يعلم كذبه ، وقد نصّ علماؤنا على أنّه إذا ادّعى النقص في الكيل أو الوزن ، فإن كان حاضراً ، لم يُقبل منه دعواه ، وصُدّق الآخر باليمين. وإن لم يحضر ، كان القول قوله مع يمينه.
مسألة ٥٢٦ : لو كان لرجلٍ على آخر طعامٌ سَلَفاً أو قرضاً فأعطاه مالاً ، فإن كان الذي أعطاه طعاماً من جنس ما هو عليه ، فهو نفس حقّه. وإن أعطاه من غير جنسه ، فإن كان طعاماً فإن عيّنه ، جاز ، ووجب قبضه في المجلس ، فإن تفرّقا قبل القبض ، بطل العقد عند الشافعي (١).
والوجه عندي : الجواز ؛ لأنّه قضاء دَيْن لا بيع.
وإن كان في الذمّة ، صحّ ، فإن عيّنه وقبضه إيّاه في المجلس ، جاز.
وإن تفرّقا قبل تعيينه أو قبضه ، بطل عنده (٢) ؛ لأنّه إذا لم يعيّنه ، فقد باعه الدَّيْن بالدَّيْن.
وإن تفرّقا قبل القبض ، لم يجز ؛ لأنّ ما يجري في الربا بعلّة لا يجوز التفرّق فيه قبل القبض.
وإن كان من غير جنس المطعومات ، كالأثمان وغيرها ، فإن كان غير معيّن ، وجب تعيينه في المجلس.
وإن تفرّقا قبل تعيينه ، بطل العقد قاله الشافعي لأنّه بيع الدَّيْن بالدَّيْن (٣). وهو ممنوع.
وإن كان معيّناً بالعقد فتفرّقا قبل قبضه ، ففي إبطال العقد وجهان : البطلان ؛ لأنّ البيع في الذمّة ، فوجب قبض الثمن في المجلس ، كرأس مال المسلم. وعدمُه ، كما لو باع طعاماً بثمن في الذمّة مؤجّل.
__________________
(١) لم نعثر عليه في مظانّه.
(٢) لم نعثر عليه في مظانّه.
(٣) لم نعثر عليه في مظانّه.
هذا إذا كان القرض قد استقرّ في ذمّته ، وأمّا إذا كان القرض في يده ، فإنّه لا يجوز أن يأخذ عوضه ؛ لأنّه قد زال ملكه عن العين ، ولم يستقر في ذمّته ؛ لأنّه بمعرض أن يرجع في العين.
فأمّا إذا قلنا : إنّه لا يملك إلاّ بالتصرّف ، فقال بعض الشافعيّة : لا يجوز أخذ بدل القرض ، فإنّه وإن كان ملكه باقياً إلاّ أنّه قد ضعف بتسليط المستقرض عليه (١).
مسألة ٥٢٧ : لو كان عليه سلف في طعام ، فقال للّذي له الطعام : بِعْني طعاماً إلى أجل لأقبضك إيّاه ، جاز ، وهي العينة ، وقد تقدّمت (٢) ؛ للأصل.
ولما رواه أبو بكر الحضرمي عن الصادق عليهالسلام ، قال : قلت له : رجل تعيّن ثمّ حلّ دَيْنه فلم يجد ما يقضي أيتعيّن من صاحبه الذي عيّنه ويقضيه؟ قال : « نعم » (٣).
وعن بكار بن أبي بكر عن الصادق عليهالسلام في رجل يكون له على الرجل المال فإذا حلّ قال له : بِعْني متاعاً حتى أبيعه فأقضي الذي لك عليَّ ، قال : « لا بأس » (٤).
وقال الشافعي : إنّه باطل إن عقد البيع على ذلك ؛ لأنّه شرط في عقد البيع أن يقبضه حقّه ، وذلك غير لازم له ، فإذا لم يثبت الشرط ، لم يصح البيع. ولأنّه شرط عليه أن لا يتصرّف في المبيع ، وذلك مفسد للعقد (٥).
ويمنع عدم اللزوم مع الشرط ، فكلّ الشروط غير لازمة إلاّ بالعقد ،
__________________
(١) لم نعثر عليه في مظانّه.
(٢) في ص ٢٥٦ ، المسألة ٤١٨.
(٣) الكافي ٥ : ٢٠٤ ، ٤ ، التهذيب ٧ : ٤٨ ، ٢٠٨ ، الاستبصار ٣ : ٧٩ ، ٢٦٦.
(٤) الفقيه ٣ : ١٨٣ ، ٨٢٦ ، التهذيب ٧ : ٤٩ ، ٢١٠ ، الاستبصار ٣ : ٨٠ ، ٢٦٨.
(٥) لم نعثر عليه في مظانّه.
ولم يشرط عليه عدم التصرّف ، بل شرط عليه التصرّف ، لكنّه خاصّ فجاز ، كالعتق.
أمّا لو لم يشرطا ذلك ، فإنّه يصحّ قطعاً وإن نوياه ، وبه قال الشافعي.
ولو كان (١) له عنده طعام ، فقال : اقضني (٢) إيّاه على أن أبيعك إيّاه ، فقضاه ، صحّ القبض ، ولم يلزمه بيعه ؛ لأنّه وفّاه حقّه فصحّ. ولو زاده على ما لَه بشرط أن لا يبيعه (٣) منه ، لم يصحّ القبض.
ولو باعه طعاماً بمائة إلى سنة ، فلمّا حلّ الأجل أعطاه بالثمن الذي عليه طعاماً ، جاز ، سواء كان مثل الأوّل أو أقلّ أو أكثر ، وهو على المشهور من قول الشافعي : إنّ بيع الثمن يجوز قبل القبض (٤).
ومَنَع مالك ؛ لأنّه يصير كأنّه بيع الطعام بالطعام (٥).
وليس بصحيح ؛ لأنّه باع الطعام بالدراهم ، واشترى بالدراهم طعاماً ، فجاز ، كما لو اشترى من غيره وباع منه.
مسألة ٥٢٨ : لو باعه طعاماً بثمن على أن يقضيه طعاماً له عليه أجود ممّا عليه البيع ، صحّ ؛ لأنّه شرط سائغ ، وعموم قوله عليهالسلام : « المؤمنون عند شروطهم » (٦) يقتضيه.
وقال الشافعي : لا يجوز ؛ لأنّ الجودة لا يصحّ أن تكون مبيعةً بانفرادها (٧).
__________________
(١) لم نعثر عليه في مظانّه.
(٢) في الطبعة الحجريّة : « اقبضني ».
(٣) الظاهر : بشرط أن يبيعه ، بدون كلمة « لا ».
(٤) حلية العلماء ٤ : ٣٨٤.
(٥) حلية العلماء ٤ : ٣٨٤.
(٦) التهذيب ٧ : ٣٧١ ، ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ ، ٨٣٥ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٣٣.
(٧) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٦ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٥٧٧ ، حلية العلماء ٤ : ٣٦٦ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٤٢٣ ، روضة الطالبين ٣ : ٢٦٩.
وهو غلط ؛ لأنّها شرط لا بيع.
مسألة ٥٢٩ : لو اقترض طعاماً بمصر ، لم يكن له المطالبة به بمكّة لو وجد المقترض ؛ لاختلاف قيمة الطعام بالبلدان.
ولو طالبه المقترض بأخذ بدله بمكّة ، لم يجب على المقرض قبوله ؛ لأنّ عليه مئونةً وكلفةً في حمله إلى مصر. ولو تراضيا على قبضه ، جاز.
ولو طالب صاحب الطعام المقترض بقيمته بمصر ، لزمه دفعها إليه ؛ لأنّ الطعام الذي يلزمه دفعه إليه معدوم ، فكان كما لو عدم الطعام بمصر. أمّا إذا غصبه طعاماً بمصر فوجده بمكّة ، كان له مطالبته به وإن غلا ثمنه.
وقال الشافعي : ليس له ذلك كالقرض (١). وليس بجيّد.
ولو أسلم إليه في طعام بمصر فطالبه بمكّة ، لم يكن له ذلك ، وليس له المطالبة بقيمته ؛ لأنّ المسلم إليه لا يجوز أخذ قيمته ، قاله الشافعي (٢). وفيه ما تقدّم.
مسألة ٥٣٠ : لو باع عبداً بعبد وقبض أحدهما من صاحبه ، جاز له التصرّف فيه ؛ لأنّ انفساخ العقد بتلفه قد أُمن ، فإن باعه فتلف العبد الذي في يده قبل التسليم ، بطل الأوّل ؛ لتلف المبيع قبل القبض ، ولم ينفسخ الثاني ؛ لأنّه باعه قبل انفساخ العقد. ويجب عليه قيمته لبائعه ؛ لتعذّر ردّه عليه ، فهو كما لو تلف في يده.
فإن اشترى شقص دارٍ بعبد وقبض الشقص ولم يسلّم العبد فأخذه الشفيع بالشفعة ثمّ تلف العبد في يده ، انفسخ العقد ، ولم يؤخذ الشقص من يد الشفيع ؛ لأنّه ملكه قبل انفساخ العقد ، فيجب على المشتري قيمة
__________________
(١) لم نعثر عليه في مظانّه.
(٢) لم نعثر عليه في مظانّه.
الشقص للبائع ، ويجب (١) له على الشفيع قيمة العبد ؛ لأنّه بذلك يأخذ الشقص.
ولو اشترى نخلاً حائلاً من رجل فأثمر في يد البائع ، فالثمرة أمانة في يده للمشتري ؛ لأنّه (٢) حدثت في ملكه.
فإن هلكت الأُصول في يده والثمرة (٣) ، انفسخ العقد ، وسقط الثمن ، ولا ضمان عليه في الثمرة ؛ لأنّها أمانة ، إلاّ أن يكون أتلفها أو طالبه المشتري بالثمرة فمنعه ، فإنّه يصير ضامناً لها ، وبه قال الشافعي (٤).
وقال أبو حنيفة : تدخل في العقد (٥).
وإن هلكت الثمرة دون النخل ، فلا ضمان عليه ، ولا خيار للمشتري.
وإن هلكت الأُصول دون الثمرة ، انفسخ العقد ، وكانت الثمرة للمشتري ، وسقط عنه الثمن.
ولو كسب العبد المبيع في يد البائع شيئاً ، كان حكمه حكم الثمرة.
مسألة ٥٣١ : لو كان له في ذمّة رجل مال وعنده وديعة له أو رهن فاشتراه منه بالدَّيْن ، جاز ، وللمودع والمرتهن أن يقبضه بغير إذن البائع ؛ لأنّه قد استحقّ القبض ، وقبضه بمضيّ زمان يمكن فيه القبض ، وبه قال الشافعي (٦).
وهل يحتاج إلى نقله من مكانه أو يكفي مضيّ زمان النقل؟ للشافعي وجهان :
__________________
(١) في الطبعة الحجريّة : « فيجب ».
(٢) في الطبعة الحجريّة : « فإنّه ».
(٣) في « س ، ي » : « والثمر ».
(٤) لم نعثر عليه في مظانّه.
(٥) لم نعثر عليه في مظانّه.
(٦) انظر : المجموع ٩ : ٢٨١.
أحدهما : أنّه يحتاج ؛ لأنّه ممّا ينقل ويحوّل ، فلا يحصل قبضه إلاّ بالتحويل.
والثاني : لا يحتاج وهو الأقوى عندي لأنّ المراد من النقل حصوله في يده ، وهو حاصل في يده (١).
وإن باعه الوديعة بثمن ولم يقبض الثمن ، لم يكن للمودع نقل الوديعة إلاّ بإذن البائع ، وإذا نقلها بغير إذنه ، لم تصر مقبوضةً قبضاً يملك به التصرّف.
مسألة ٥٣٢ : قد تقدّم (٢) الخلاف في أنّ بيع المبيع قبل القبض هل يصحّ أم لا؟ وكذا هبته ورهنه من غير البائع.
وأمّا رهنه من البائع فالأقرب عندي : الصحّة ؛ عملاً بالأصل. ولأنّ الرهن غير مضمون على المرتهن ، وما لا يقتضي نقل الضمان فليس من شرط صحّته قبضه ، وهو أحد قولي الشافعيّة (٣).
وقال بعضهم : لا يصحّ ؛ لأنّه عقد يفتقر إلى القبض ، فأشبه الهبة (٤).
ويصحّ نكاح الأمة قبل قبضها ؛ لأنّ نكاح المغصوبة يصحّ.
والأقوى صحّة إجارة العين قبل قبضها.
وللشافعيّة وجهان (٥).
وتصحّ كتابة العبد قبل قبضه ، خلافاً للشافعي ؛ لأنّ الكتابة تفتقر إلى تخليته للتصرّف ، وهو ممنوع حالة العقد (٦).
__________________
(١) انظر : المجموع ٩ : ٢٨١.
(٢) في ج ١٠ ص ١١٩ وما بعدها ، المسألة ٦٦.
(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٨ ، المجموع ٩ : ٢٦٦.
(٤) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٧ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٨ ، المجموع ٩ : ٢٦٦.
(٥) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٦ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٨ ، المجموع ٩ : ٢٦٥.
(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٩٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٧ ، المجموع ٩ : ٢٦٤.
والعتق قبل القبض يصحّ ، لأنّ العتق لا يفتقر إلى القبض.
ويصحّ في المغصوب وقال بعض الشافعيّة : لا يصحّ (١) لأنّه إزالة ملك.
مسألة ٥٣٣ : فضول الموازين لا بأس به إذا جرت العادة به ولم يكن فيه تعدٍّ (٢) ؛ لرواية عبد الرحمن بن الحجّاج الصحيحة عن الصادق عليهالسلام أنّه سأله عن فضول الكيل والموازين ، فقال : « إذا لم يكن به تعدٍّ (٣) فلا بأس » (٤).
وكذا يجوز أن يندر للظروف ما يحتمل الزيادة والنقصان. ولو كان ممّا يزيد دائماً أو ينقص دائماً ، لم يجز ؛ لأنّ حنّان قال : كنت جالساً عند الصادق عليهالسلام ، فقال له معمر الزيّات : إنّا نشتري الزيت بأزقاقه (٥) فيحسب لنا نقصان منه لمكان الأزقاق ، فقال له : « إن كان يزيد وينقص فلا بأس ، وإن كان (٦) يزيد ولا ينقص فلا تقربه » (٧).
وينبغي التعويل في الكيل بصاع المصر ؛ لما رواه الحلبي في الحسن عن الصادق عليهالسلام ، قال : « لا يصلح للرجل أن يبيع بصاع غير صاع المصر » (٨).
__________________
(١) لم نعثر عليه في مظانّه.
(٢) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « بعد » بدل « تعدٍّ ». والصحيح ما أثبتناه. وفي المصدر بالنسبة إلى الرواية هكذا : « إذا لم يكن تعدّياً ».
(٣) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « بعد » بدل « تعدٍّ ». والصحيح ما أثبتناه. وفي المصدر بالنسبة إلى الرواية هكذا : « إذا لم يكن تعدّياً ».
(٤) الكافي ٥ : ١٨٢ ، ٢ ، التهذيب ٧ : ٤٠ ، ١٦٧.
(٥) الزِّقُّ : السقاء ، وجمع القلّة أزقاق. الصحاح ٤ : ١٤٩١ « زقق ».
(٦) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة زيادة : « ممّا ».
(٧) التهذيب ٧ : ٤٠ ، ١٦٨ ، وفي الكافي ٥ : ١٨٣ ، ٤ بتفاوت في بعض الألفاظ.
(٨) الكافي ٥ : ١٨٤ ( باب لا يصلح البيع إلاّ بمكيال البلد ) الحديث ١ ، الفقيه ٣ : ١٣٠ ، ٥٦٥ ، التهذيب ٧ : ٤٠ ، ١٦٩.
وعن الحلبي عن الصادق عليهالسلام ، قال : « لا يحلّ للرجل أن يبيع بصاع سوى صاع المصر ، فإنّ الرجل يستأجر الجمّال (١) فيكيل له بمدّ بيته لعلّه يكون أصغر من مدّ السوق ، ولو قال : هذا أصغر من مدّ السوق لم يأخذ به ، ولكنّه يحمله ذلك ويجعله في أمانته » وقال : « لا يصلح إلاّ مدّاً واحداً ، والأمناء (٢) بهذه المنزلة » (٣).
مسألة ٥٣٤ : لا يجوز أن يدفع إلى الطحّان طعاماً ليأخذ منه الدقيق بزيادة ، ولا السمسم إلى العصّار ليعطيه بكلّ صاع أرطالاً معلومة ؛ لأنّ ذلك ليس معاملةً شرعيّة ولا معاوضةً على عين موجودة ولا مضمونة ؛ لتعلّقها بالعين.
ولما رواه محمّد بن مسلم في الصحيح عن الباقر عليهالسلام ، قال : سألته عن الرجل يدفع إلى الطحّان الطعام فيقاطعه على أن يعطي صاحبه لكلّ عشرة اثني عشر دقيقاً ، قال : « لا » قلت : فالرجل يدفع السمسم إلى العصّار ويضمن لكلّ صاع أرطالاً مسمّاة ، قال : « لا » (٤).
مسألة ٥٣٥ : إذا تلف المبيع قبل القبض بآفة سماويّة ، فهو من ضمان البائع على ما تقدّم (٥). ويتجدّد انتقال الملك إلى البائع قبل الهلاك بجزء لا يتجزّأ من الزمان ، فالزوائد الحادثة في يد البائع من الولد واللبن والصوف والبيض والكسب للمشتري.
__________________
(١) في « ي » والطبعة الحجريّة وكذا في التهذيب : « الحمّال » بدل « الجمّال ».
(٢) المنا والمناة : كيل أو ميزان ، ويثنّى منوان ومنيان ، والجمع : أمناء. القاموس المحيط ٤ : ٣٩٢.
(٣) الكافي ٥ : ١٨٤ ، ٢ ، التهذيب ٧ : ٤٠ ، ١٧٠ بتفاوت في بعض الألفاظ.
(٤) الكافي ٥ : ١٨٩ ، ١١ ، التهذيب ٧ : ٤٥ ٤٦ ، ١٩٧.
(٥) في ج ١٠ ص ١١٤ ، المسألة ٦٤.
وللشافعي وجهان (١).
وكذا الإقالة إذا جعلناها فسخاً.
والأصحّ فيها (٢) جميعاً أنّها للمشتري ، وتكون أمانةً في يد البائع.
ولو هلكت والأصل باقٍ [ فالبيع باقٍ (٣) ] بحاله ، ولا خيار للبائع (٤).
وفي معنى الزوائد الركاز الذي يجده العبد ، وما وُهب منه فقَبِله وقبضه ، وما أُوصي له به فقَبِله.
ولو أتلفه المشتري ، فهو قبض منه ، وبه قال الشافعي (٥).
وله وجه : أنّه لا يكون قبضاً (٦).
هذا إذا كان المشتري عالماً ، أمّا إذا كان جاهلاً بأن قدّم البائع الطعام المبيع إلى المشتري فأكله ، فهل يجعل قابضاً؟ الأقرب : أنّه ليس قابضاً ، ويكون بمنزلة إتلاف البائع ، وهو أحد قولي الشافعي (٧).
وكذا لو قدّم الغاصب الطعام المغصوب إلى المالك فأكله جاهلاً ، هل يبرأ الغاصب؟ وجهان للشافعي (٨).
والوجه عندنا : أنّه لا يبرأ.
__________________
(١) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٧ ٢٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦٠.
(٢) في « س » والطبعة الحجريّة وظاهر « ي » : « فيهما ». والظاهر ما أثبتناه. والضمير راجع إلى الزوائد.
(٣) ما بين المعقوفين أضفناه لأجل السياق. ويحتمل أن تكون العبارة هكذا : « ولو هلكت والأصل باقٍ ، فلا خيار .. ».
(٤) كذا ، والظاهر « للمشتري » بدل « للبائع ».
(٥) المهذّب للشيرازي ١ : ٣٠٣ ، التهذيب للبغوي ٣ : ٣٩٥ ، العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٨ ، المجموع ٩ : ٢٨١ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦١ ، منهاج الطالبين : ١٠٢.
(٦) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦١.
(٧) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦١ ، منهاج الطالبين : ١٠٢.
(٨) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٨ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦١ ، منهاج الطالبين : ١٠٢.
وإن أتلفه أجنبيّ ، فقد تقدّم (١) قولنا فيه.
وللشافعي طريقان :
أظهرهما : أنّه على قولين ، أحدهما : أنّه كالتالف بآفة سماويّة ؛ لتعذّر التسليم. وأصحّهما وبه قال أبو حنيفة وأحمد أنّه ليس كذلك ، ولا ينفسخ البيع ؛ لقيام القيمة مقام المبيع ، لكن للمشتري الخيار في الفسخ فيغرمه البائع ، ومطالبة الأجنبيّ.
والثاني : القطع بالقول الثاني.
وإن قلنا به ، فهل للبائع حبس القيمة لأخذ الثمن؟ وجهان : أحدهما : نعم ، كما يحبس المرتهن قيمة المرهون.
[ وأظهرهما : لا ؛ لأنّ الحبس غير مقصود بالعقد حتى ينتقل إلى البدل ، بخلاف الرهن ، ولهذا لو أتلف الراهن ، غرم القيمة ] (٢) وإذا أتلف المشتري المبيع ، لا يغرم القيمة ليحبسها البائع.
وعلى الأوّل لو تلفت القيمة بآفة سماويّة ، فهل ينفسخ البيع ؛ لأنّها بدل المبيع؟ وجهان ، أظهرهما : لا (٣).
وإن أتلفه البائع ، قال الشيخ : ينفسخ البيع ، كما لو تلف بآفة سماويّة (٤). وهو أحد قولي الشافعي.
والثاني : لا ينفسخ ، كإتلاف الأجنبيّ ؛ لأنّه جنى على ملك غيره ، وعلى هذا إنشاء المشتري فسخ البيع ، وسقط الثمن. وإن شاء أجاز وغرم
__________________
(١) انظر : ج ١٠ ص ١١٥ ، ضمن المسألة ٦٤.
(٢) ما بين المعقوفين أضفناه من « العزيز شرح الوجيز ».
(٣) العزيز شرح الوجيز ٤ : ٢٨٨ ٢٨٩ ، روضة الطالبين ٣ : ١٦١ ١٦٢.
(٤) المبسوط للطوسي ٢ : ١١٧.