الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٣
ولا بد فيه من الإيجاب والقبول ، الصادرين عن الكامل الجائز التصرف.
______________________________________________________
به البيع لأنه ناقل للمنافع ، لكن لا مع بقاء الملك على أصله. وليس بشيء ، لأن نقل المنافع فيه بالتبعية للملك لا بالعقد ، والعوض فيه إنما هو في مقابل العين.
( قيل : يرد على عكسه الأجير المطلق فإنه لا انتقال لمنافعه. ورد بأن المستأجر حينئذ مالك في ذمة الأجير منفعة مطلقة والمنافع شاملة لها ) (١).
واعلم أنه يرد على التعريف الوصية بالمنفعة مقابل عوض ، والهبة كذلك ، وجعل المنفعة المعينة صداقاً.
ولا يقال : إنّ العوض ـ وهو استحقاق الانتفاع بالبضع ـ غير معلوم.
لأنا نقول : هو في المنفعة معلوم.
وربما دفع ذلك بقوله : ( ثمرته ) لأن شيئاً من العقود المذكورة ليس ثمرته هذا. وفيه نظر ، لأن ذلك وإن لم يكن ثمرة العقد الذي هو نفس الماهيّة ، فإنه ثمرة بعض أنواعه وهو عقد لا محالة فيتحقق النقض به.
ولو قال : عقد شرع لنقل المنافع الى آخره لسلم عن هذا.
واعلم أن الاحتراز بقوله : ( مع بقاء الملك على أصله ) عما لا يصح الانتفاع به إلا مع ذهاب عينه لا يستقيم ، لأن ذلك لا يعد عقداً ، ولأن المنافع في أمثال ذلك ـ وإنما الإذن يفيد جواز الانتفاع ـ ( و ) (٢) بالإتلاف يصير مملوكاً بنفسه لا منفعته ـ فيكون بياناً للواقع لا احترازاً من شيء.
قوله : ( ولا بد فيه من الإيجاب والقبول ، الصادرين عن الكامل الجائز التصرف ).
__________________
(١) ما بين القوسين لم يرد في « ك ».
(٢) لم ترد في « ك ».
فلا تنعقد إجارة المجنون ، ولا الصبي غير المميز ، ولا المميز وإن أذن الولي على إشكال.
والإيجاب : آجرتك ، أو أكريتك.
والقبول : كل لفظ يدل على الرضى.
______________________________________________________
يشترط فيه كلما يشترط في مثله من العقود اللازمة على ما سبق مثل العربية ، ووقوع القبول على الفور ، وتقديم الإيجاب على الأصح.
واحترز بـ ( الجائز التصرف ) عن مثل المفلس ، وإن لم يصرّح به في ذكر المحترزات ، فإن المجنون والصبي محترز عنهما بالكامل.
قوله : ( ولا المميز وإن أذن له الولي على إشكال ).
ينشأ : من انجبار نقصه بإذن الولي ، ومن قوله عليهالسلام : رفع القلم عن ثلاثة منهم الصبي (١) ، فإنه إذا رفع القلم عنه مطلقاً لم يعتد بعبارته شرعاً في حال من الأحوال ، ولأن إذن الولي لا يصيّر الناقص كاملاً ، إنما يؤثر في الكامل المحجور عليه بسبب آخر وهو السفه ، والأصح عدم الصحة.
قوله : ( والإيجاب : آجرتك أو أكريتك ).
كل من اللفظين مؤداه الإجارة ، ومثلهما : ملّكتك منفعة الدار شهراً ـ مثلاً ـ بكذا ، إلا أن الفرق أنهما يردان على العين ، لأن الإجارة إنما تكون للعين وثمرتها تمليك المنفعة ، وكذا الكراء ، فلو أوردهما على المنفعة لم يصح.
وأما التمليك فإنه في الإجارة إنما يكون للمنفعة بالعوض ، فلو أورده على العين لم يصح ، لأن العين تبقى على ملك المؤجر.
قوله : ( والقبول : كل لفظ يدل على الرضى ).
__________________
(١) الخصال : ٩٤ حديث ٤٠ ، مسند أحمد ٦ : ١٠٠.
ولا يكفي في الإيجاب : ملّكتك ، إلا أن يقول : سكنى هذه الدار شهراً ـ مثلاً ـ بكذا.
ولا تنعقد بلفظ العارية ولا البيع ، سواء نوى به الإجارة ، أو قال : بعتك سكناها سنة ، لأنه موضع لملك الأعيان.
وهو لازم من الطرفين ،
______________________________________________________
أي : على الرضى بالإيجاب ، فمن ثم لا يقوم مقامه إيجاب آخر ، ولا يصح تقديمه.
قوله : ( ولا يكفي في الإيجاب : ملكتك ، إلا أن يقول : سكنى هذه الدار شهراً ).
لأن التمليك إنما هو للمنفعة لا للعين ، فلا يجري على نهج آجرتك كما تقدم.
قوله : ( ولا ينعقد بلفظ العارية ).
لأنها تقتضي إباحة المنفعة لا تمليكها ، ولأن العقود متلقاة من الشرع ، فلا ينعقد عقد بلفظ عقد آخر ليس من جنسه.
قوله : ( ولا البيع ، سواء نوى به الإجارة ، أو قال : بعتك سكناها سنة ، لأنه موضوع لملك الأعيان ).
إذا نوى بلفظ البيع الإجارة فقد تجوّز في لفظ البيع.
وإذا قال : بعتك سكناها سنة فقد تجوز في السنة ، فإن السكنى لا يقع عليها البيع إلا مجازاً. وإنما لم يصح ، لأنه خلاف الوضع لما عرفت من أن البيع لنقل الأعيان ، فإذا تجوّز به لم يثمر الملك ، لما عرفت من أن العقود بالتلقي.
قوله : ( وهو لازم من الطرفين ).
ولا تبطل بالبيع ، ولا العذر إذا أمكن الانتفاع ، ولا بموت أحدهما على رأي ، إلا أن يكون المؤجر موقوفاً عليه فيموت قبل انتهاء المدة فالأقرب البطلان في الباقي ،
______________________________________________________
بالإجماع.
قوله : ( ولا تبطل بالبيع ولا العذر إذا أمكن الانتفاع ).
أما عدم البطلان بالبيع فلأن المنفعة إذا ملكها المستأجر بالإجارة بالعقد اللازم من الطرفين وجب بقاؤها على حكمها ، ولا أثر لبيع ملك المؤجر في إبطال ملك المنفعة السابق.
وأما العذر : فإنه إذا أمكن الانتفاع معه كخراب بعض المسكن.
قوله : ( ولا بموت أحدهما على رأي ).
سواء كان الميت المؤجر أو المستأجر ، وكذا لا تبطل بموتهما ، لعموم الأمر بالوفاء بالعقود (١) للاستصحاب ، ولأن المالك للعين له إتلافها فله نقل منفعتها مدة قصيرة وطويلة من غير تقييد ، ولأن له الإيصاء بالمنفعة مؤبداً ومؤقتاً من غير تعيين ، ويلزم ، فلأن يكون له تمليكها بالإجارة مطلقاً بطريق أولى.
وقال الشيخ تبطل بموت كل منهما (٢) ، وهو ضعيف ، ونقل في الخلاف قولاً بأن موت المستأجر يبطلها دون المؤجر (٣) ـ فالأقوال ثلاثة ـ ، وهو أضعف ، والأصح الأول.
قوله : ( إلا أن يكون المؤجر موقوفاً عليه ، فيموت قبل انتهاء المدة فالأقرب البطلان في الباقي ).
__________________
(١) المائدة : ١.
(٢) النهاية : ٤٤١ ، والخلاف ٢ : ١٢٠ مسألة ٧ كتاب الإجارة.
(٣) الخلاف ٢ : ١٢٠ مسألة ٧ كتاب الإجارة.
فيرجع المستأجر على ورثة المؤجر بباقي الأجرة ،
______________________________________________________
قيل : لو سكت عن قوله : ( فالأقرب البطلان في الباقي ) لأمكن ، لأن الاستثناء يدل عليه.
قلنا : ذكره للتصريح بما دل عليه الاستثناء ، ولأنه أراد الدلالة على ثبوت ذلك على الأقرب ، ولو لا التصريح به لم يعلم ذلك.
ووجه القرب أن الموقوف عليه وإن كان مالكاً إلا أنه محجور عليه في الملك ، لأنه محبوس عليه ممنوع من التصرف به ، ولأن الواقف قد جعل الوقف عليه وعلى من بعده بالأصالة.
وإن تأخر ملك من بعده عن ملكه فلا يكون له التصرف في المنفعة إلاّ زمان استحقاقه لها ، ولهذا لا يملك إتلافها مطلقاً ، بخلاف ملكه المطلق ، ولأن أهل البطن الثاني يتلقون عن الواقف كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ويحتمل عدم البطلان ، لكونه مالكاً لها حقيقة ، فلا تبطل إجارته المحكوم بصحتها. وفيه نظر ، لأن ملكه على وجه مخصوص فلا يتجاوز التصرف في استحقاقه.
وربما قيل : إنه إن كان ناظراً في الوقف وآجره بنظره لم يبطل ، وإلا بطلت وهو قول المصنف ، واختاره شيخنا الشهيد في بعض حواشيه ، والكل ضعيف ، والأقوى البطلان.
نعم : إن كان المؤجر ناظراً فليس ببعيد الحكم بعدم البطلان ، لأن نظره للجميع فهو نائب منابهم ، ولهذا لو وجد البطن الثاني معه كان حق النظر له ، وهذا قوي وسيأتي ما يحققه إن شاء الله تعالى.
قوله : ( فيرجع المستأجر على ورثة المؤجر بباقي الأجرة ).
لأن البطلان يستدعي رجوعها إلى المستأجر ، والمراد من رجوعه على ورثة المؤجر حيث يكون هناك تركه.
ولا يتعلق به خيار المجلس.
ولو شرطا خياراً لهما ، أو لأحدهما ، أو لأجنبي صح ، سواء كانت معينة كأن يستأجر هذا العبد ، أو في الذمة كالبناء مطلقاً.
______________________________________________________
قوله : ( ولا يتعلق به خيار المجلس ).
لأنه من توابع البيع ، وعن المبسوط : أنه جوّز اشتراطه (١). وفي حواشي شيخنا الشهيد : أنه إن أراد به مع تعيين المدة فمسلّم ، وإلا فمشكل.
ولك أن تقول : إنه إذا سلّم جواز اشتراط خيار المجلس فلا وجه لاشتراط تعيين المدة ، لأنه حينئذ لا يكون خيار المجلس بل خيار الشرط.
نعم في جواز اشتراطه تردد : من حيث أنه على خلاف الأصل ، لجهالة مدته فيقتصر فيه على مورد النص ، ولأنه من توابع البيع فلا يكون ثبوته موجباً للجهالة (٢) في شيء من العوضين ( بخلاف ) (٣) ما إذا لم يثبت إلاّ بالاشتراط ، فإنّ اشتراط المجهول يجهل العوض.
أما خيار الغبن ، والعيب ، والشرط ، والرؤية فيثبت ، لأنها من توابع المعاوضات ، وقد نبه على خيار الشرط بقوله : ( ولو شرط خياراً لهما ، أو لأحدهما ، أو لأجنبي صح ، سواء كانت معينة كأن يستأجر هذا العبد ، أو في الذمة كالبناء مطلقاً ) أي : سواء كانت الإجارة معينة ، أي : متعلقها متشخص ، كأن يستأجر هذا العبد المعين ، أو كان موردها الذمة كأن يستأجر للبناء مطلقاً ، أي : غير مقيّد ببناء شخص مخصوص ، ووجهه عموم : « المسلمون عند شروطهم » (٤).
__________________
(١) المبسوط ٣ : ٢٢٦.
(٢) في « ه » : لجهالة.
(٣) لم ترد في « ه » وغير واضحة في « ك » ، وأثبتناها من النسخة الحجرية.
(٤) التهذيب ٧ : ٢٢ حديث ٩٣ ـ ٩٤ ، عوالي اللآلي ٢ : ٢٥٨ حديث ٨ ، سنن الدار قطني ٣ :
الفصل الثاني : في أركانها ، وهي ثلاثة : المحل ـ وهو العين التي تعلقت الإجارة بها كالدار ، والدابة ، والآدمي ، وغيرها ـ والعوض ، والمنفعة.
المطلب الأول : المحل ، كل عين تصح إعارتها تصح إجارتها ، واجارة المشاع جائزة كالمقسوم ، وكذا اجارة العين المستأجرة إن لم يشرط المالك التخصيص.
______________________________________________________
قوله : ( الفصل الثاني : في أركانها وهي ثلاثة : المحل ـ وهو العين التي تعلقت الإجارة بها كالدار والدابة والآدمي وغيرها ـ والعوض ، والمنفعة ).
المعروف أن الركن : ما كان داخلاً في الماهية ، ومعلوم أن الإجارة على ما فسرها به من كونها عقداً لا تكون هذه الأمور داخلة في مفهومها.
وإن أراد بالركن هنا ما يستند توقف الماهية عليه مجازاً فالمتعاقدان أيضاً كذلك ، وقد عدّهما في البيع من الأركان.
قوله : ( كل عين تصح إعارتها تصح إجارتها ).
هذا أكثري ، إذ الشاة تصح إعارتها للحلب ولا تصلح إجارتها.
قوله : ( وإجارة المشاع جائزة كالمقسوم ).
إذ لا مانع باعتبار عدم القسمة.
قوله : ( وكذا إجارة العين المستأجرة إن لم يشترط المالك التخصيص ).
أي : لا يجوز ، لأن ذلك نقل للمنفعة المملوكة ولا مانع منه ، وهذا
__________________
٢٧ ـ ٢٨ ، مستدرك الحاكم ٢ : ٤٩ ـ ٥٠.
ولا بد من مشاهدتها ، أو وصفها بما يرفع الجهالة إن أمكن فيها ذلك ،
______________________________________________________
إذا لم يشترط المالك ـ وهو المؤجر ـ التخصيص ، أي تخصيص المستوفي للمنفعة ، فإنه إذا شرط ذلك امتنعت الإجارة لاستلزامها خلافه ، والوفاء بالشرط واجب ، لكن يرد عليه ما إذا آجرها على أن يستوفي المنفعة للمستأجر الثاني بالوكالة عنه ، فإنّ اشتراط التخصيص حينئذ يجب أن لا يقدح.
قوله : ( ولا بد من مشاهدتها ، أو وصفها بما يرفع الجهالة إن أمكن فيها ذلك ).
لا بد في المنفعة من العلم بها ، لأن الإجارة عقد معاوضة مبني على المغابنة والمكايسة فلا يصح مع الغرر ، فتجب مشاهدة العين المستأجرة التي هي متعلق المنفعة ، أو وصفها بما يرفع الجهالة ، والمراد به : وصفها بصفات السلم إن أمكن فيها ذلك ، لكن يشكل عليه قوله : ( وإلاّ وجبت المشاهدة ) أي : وإن لم يمكن فيها ذلك ـ أي : وصفها بما يرفع الجهالة ، أي : صفات السلم على ما قررناه ـ وجبت المشاهدة.
وإنما قلنا أنه مشكل ، لأنه يقتضي أنّ كلما لا يجوز السلم فيه [ تجب مشاهدته ] (١) بعينه ، وسيأتي ـ عن قريب إن شاء الله تعالى ـ قوله : ( وتصح إجارة العقار مع الوصف والتعيين لا في الذمة ) فإن العقار لا يجري فيه السلم ، ومع ذلك قد يوصف ليؤجر إذا كان الوصف وافياً بصفاته الشخصية. ومن ثم قال : ( لا في الذمة ) لأن الموصوف بصفات السلم يكون كلياً لا شخصياً ، ولا امتناع في أن لا يوصف الشيء بصفات السلم ، لأنه حينئذ يعز وجوده ويعسر تسليمه.
__________________
(١) لم ترد في النسختين الخطبتين « ك » و « ه » ، أثبتناه من مفتاح الكرامة ٧ : ٨٦ نقلاً عن جامع المقاصد ، وإثباتها هو الصحيح.
وإلاّ وجبت المشاهدة فإن باعها المالك صح ، فإن لم يكن المشتري عالماً تخيّر بين فسخ البيع ، وإمضائه مجاناً مسلوب المنفعة إلى آخر المدة.
______________________________________________________
ويوصف الشخص بصفاته المميزة له ، الكافلة ببيان ما يطلب منه ليؤجر ، وحينئذ فلا يكون في الذمة لتشخصه ، إذ المشار ـ بتلك الأوصاف ـ إليه هو الموجود في الخارج ، فيمكن حينئذ أن يكون المراد بقوله : ( أو وصفها بما يرفع الجهالة ) أعم من صفات السلم فيما يسلم فيه. ويكون موضعه الذمة ، والوصف بالصفات الخاصة بالشخص المعين إذا لم يكن السلم فيه ، ولا يكون موضعه الذمة ، إلا أنه حينئذ قد ينظر في قوله : ( إن أمكن فيها ذلك ، وإلا وجبت المشاهدة ) فإن الظاهر أن كل شيء يمكن وصفه بما يرفع الجهالة.
أما ما يمكن السلم فيه فظاهر ، وأما غيره فلأنه إنما يوصف فيه الشخصي ، ولا ريب أن الموجود المتشخص يمكن تتبع جميع صفاته واستقصاؤها وإن كثرت.
قوله : ( فإن باعها المالك صح ).
أي : العين المؤجرة ، لأنها باقية على ملكه فيمكن نقل الملك وإن استحق المستأجر المنفعة.
قوله : ( فإن لم يكن المشتري عالماً تخير بين فسخ البيع وإمضائه مجاناً مسلوب المنفعة إلى آخر المدة ).
أي : لو لم يكن المشتري للعين المؤجرة عالماً بسبق عقد الإجارة ، واستحقاق المستأجر المنافع تخير بين الفسخ والإمضاء ، لأن امتناع انتفاعه بالعين واستحقاق غيره منعه منها ضرر ، ولأن إطلاق العقد وقع على اعتقاد التسليم (١) والانتفاع نظراً إلى الغالب ، وقد فات ، فلا بد أن يجعل له وسيلة
__________________
(١) في نسختي « ك » و « ه » : السلم ، وفي الحجرية : التسلم ، وما أثبتناه هو المناسب.
ولو كان هو المستأجر فالأقرب الجواز ، وتجتمع عليه الأجرة والثمن.
______________________________________________________
إلى الخلاص من هذا الضرر وهو الخيار ، فإن فسخ فلا بحث ، وإن اختار الإمضاء لم يكن له إلا الإمضاء مجاناً لا مع الأرش ، لأنه إنما يثبت مع العين ـ وهو النقصان أو الزيادة في أصل الخلقة ـ وهو منتفٍ هنا لسلامة العين ، وإنما الفائت تابعها واستحقاق تسلمها والتسلط عليها.
قوله : ( ولو كان المستأجر فالأقرب الجواز وتجتمع عليه الأجرة والثمن ).
أي : ولو كان المشتري للعين المؤجرة هو المستأجر لها فالبيع صحيح لا محالة ، وهل تنفسخ الإجارة أم لا؟ وجهان : أقربهما عند المصنف بقاؤها ، فتجتمع عليه الأجرة عوض المنفعة ، والثمن عوض العين.
ووجه القرب : أن كلا منهما عقد صدر من أهله في محله وحكم بصحته ، فيجب استصحاب ما ثبت له ، ولعموم قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١).
ولا استعباد في ملك كل من التابع والمتبوع بعوض يخصه إذا سبق ملك التابع ، كما إذا ملك ثمرة غير مؤبرة ثم اشترى الشجر فإنه لا يبطل ملك الثمرة وإن كانت تدخل في الشراء لو لم يملكها أولاً ، وهو الأصح.
ووجه الانفساخ : أن ملك العين يستدعي ملك المنافع ، لأنها نماء الملك ، وتمتنع المعاوضة على المنافع من مالكها. وفيه نظر ، لأن ملك العين يقتضي ملك المنافع تبعاً ، إذا لم يسبق ملكها بسبب آخر لا مطلقاً ، ولأن المنافع إذا امتنعت المعاوضة عليها بعد تملكها امتنعت المعاوضة عليها بعد التملك ، إذا حدث التملك فإنها تتجدد كالأمة ، فإنها لما امتنع نكاحها
__________________
(١) المائدة : ١.
ولو وجدها المستأجر معيبة بعيب لم يعلمه فله الفسخ وإن استوفى بعض المنفعة.
______________________________________________________
من مالكها حكم بانفساخ النكاح إذا طرأ عليه الملك. وليس بشيء ، فإنّ تجدد المنافع لا ينافي ملكها بالعقد السابق وانفساخ النكاح ، لأن جواز الانتفاع بالبضع إنما يكون مع الملك أو العقد ويمتنع اجتماعهما ، لظاهر قوله تعالى ( إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ) (١) ، والتفصيل قاطع للشركة ، والنكاح لا يقتضي ملك المنافع بل جواز الانتفاع ، وللإجماع على حكم النكاح بخلاف ما نحن فيه.
واعلم أن في قوله : ( ولو كان هو المستأجر فالأقرب الجواز ) نظر ، لأنه لا معنى للجواز ها هنا ، وكان حقه أن يقول : فالأقرب بقاء الإجارة ، فإنه المطلوب بالبيان ، وربما أوهمت العبارة أن الأقرب جواز البيع ، ويحتمل عدمه.
قوله : ( ولو وجدها المستأجر معيبة بعيب لم يعلمه فله الفسخ وإن استوفى بعض المنفعة ).
أي : لو وجد المستأجر العين المؤجرة معيبة ولم يعلم بالعيب قبل الإجارة فله الفسخ ، سواء كان العيب منقصاً للمنفعة أم لا ، لأن مورد الإجارة العين وهي متعلق المنفعة ، وبينهما كمال الارتباط. والإطلاق إنما ينزّل على الصحيح ، والصبر على العيب ضرر ، فلا بد من سبيل إلى التخلص منه وهو الفسخ.
ولا فرق في ذلك بين أن يستوفي بعض المنفعة أو لا يستوفي شيئاً.
لا يقال : إذا استوفى البعض فقد تصرف ، ومع التصرف يسقط الخيار كالبيع.
__________________
(١) المؤمنون : ٦.
ولو لم يفسخ لزمه جميع العوض ، ولو كانت العين مطلقة موصوفة لم ينفسخ العقد وعلى المؤجر الأبدال.
ولو تعذر فله الفسخ ، فإن رد المستأجر العين لعيب بعد البيع
______________________________________________________
لأنا نقول : المعقود عليه في الحقيقة هو المنفعة وإن جرى العقد على العين ، والتصرف في المنفعة إنما هو في المستوفي دون ما بقي ، وفيه ما فيه.
أو يقال : إن الصبر على المعيب ضرر فلا يسقط الخيار بالتصرف كما في الغبن ، وفي استحقاق الأرش تردد ينشأ : من نقص المنفعة التي هي إحدى العوضين ، فلا يكون الآخر مستحقاً بكماله ، ومن أن العقد جرى على المجموع وهو باق ، فإما الفسخ أو الرضى بالجميع ، وسيأتي إن شاء الله تعالى أن الأصح وجوب الأرش.
قوله : ( ولو لم يفسخ لزمه جميع العوض ).
ينبغي أن يكون هذا حيث لا يكون العيب منقّصاً للمنفعة لنقصان العين ، فإنه مع ذهاب بعض العين يجب التقسيط قطعاً مع الخيار.
قوله : ( ولو كانت العين مطلقة موصوفة لم ينفسخ العقد ، وعلى المؤجر الإبدال ).
لأن المعقود عليها في الذمة كلي.
قوله : ( ولو تعذر فله الفسخ ).
أي : لو تعذر الإبدال لفقد البدل على خلاف الغالب ، أو لعجز المؤجر بسبب من الأسباب فللمستأجر الفسخ ، لتعذر ما جرت عليه المعاوضة فيرجع إلى ماله.
قوله : ( فإن رد المستأجر العين لعيب بعد البيع فالمنفعة
فالمنفعة للبائع.
ولو تلفت العين قبل القبض ، أو عقيب القبض بطلت مع التعيين ، وإلاّ بطل في الباقي ويرجع من الأجرة بما قابل المتخلف. وكذا لو ظهر استحقاقها.
______________________________________________________
للبائع ).
لأن المنفعة لم يستحقها المشتري ، لأنه إنما اشترى العين مسلوبة المنفعة إلى آخر المدة نظراً إلى استحقاقها بالإجارة ، والأصل بقاء ذلك بعد الفسخ.
لا يقال : المنفعة تابعة للملك.
لأنا نقول : امتنعت هذه التبعية هنا بسبب الإجارة ، فيستصحب.
فرع : لو باع العين ، واستثنى منفعتها مدة لم يصح على ما سبق في البيع (١).
قوله : ( ولو تلفت العين قبل القبض أو عقيب القبض ).
حقه أن يقول : قبل القبض أو عقيبه بطلت مع التعيين ، أي مع تعيين العين المؤجرة وتشخيصها لفوات محلها ، بخلاف ما إذا كانت في الذمة.
قوله : ( وإلا بطل في الباقي ).
أي : وإن لم يكن التلف قبل القبض أو عقيبه ، بل بعد مضي زمان ذهب فيه بعض المنفعة بطل ، أي : الإجارة ، على حد : والأرض أبقل إبقالها في الباقي ، أي : في الباقي من مدة الإجارة أو من المنفعة فتسقط الأجرة ، كما أشار إليه بقوله : ( ويرجع من الأجرة بما قابل المتخلف ).
قوله : ( وكذا لو ظهر استحقاقها ).
__________________
(١) هذا الفرع لم يرد في « ك ».
ويستقر الضمان على المؤجر مع جهل المستأجر ، وفي الزائد من أجرة المثل إشكال. وتصح اجارة العقار مع الوصف والتعيين ، لا في الذمة.
______________________________________________________
لا موضع لهذا التشبيه ، لأن المشبه به لا يستقيم أن يكون هو قوله : ( ولو تلفت العين قبل القبض أو عقيب القبض ) لأن البطلان في هذه طارئ ، وفيما إذا ظهر استحقاق الإجارة من أول الأمر غير صحيحة.
ويمكن أن يقال : لا يمتنع تشبيهه به في البطلان مع عدم التعيين وإن كان بطلان أحدهما طارئاً ، وبطلان الآخر من أصله.
قوله : ( ويستقر الضمان على المؤجر مع جهل المستأجر ).
لأن الجاهل مغرور ، فيكون معذوراً وإن باشر التلف لضعف المباشرة بالغرور.
قوله : ( وفي الزائد من أجرة المثل إشكال ).
أي : في الزائد من أجرة المثل عن المسمى الذي اغترمه المستأجر الجاهل للمالك ، حيث تتحقق الزيادة إشكال بالنسبة إلى رجوعه به وعدمه ، ينشأ : من أنه مغرور ، فإنه إنما دخل على سلامته له من غير غرم ، والمغرور يرجع على من غيره. ومن أنه إنما دخل على ضمانه بالأجرة المبذولة في مقابل مجموع المنفعة فيغرم أجرة المثل ويرجع بالمسمى.
ويضعّف بأنّ ذلك لا ينافي غروره في الزائد ، لأنه إنما دخل على استحقاقه من غير غرم ، والأصح الرجوع.
قوله : ( وتصح إجارة العقار مع الوصف والتعيين لا في الذمة ).
المراد بالتعيين مقابل كونه في الذمة ، وإنما لم يجز جعله في الذمة لأنه لا يجوز السلم فيه كما حققناه.
ويفتقر الحمّام إلى مشاهدة البيوت ، والقدر ، والماء ، والأتون ، ومطرح الرماد ، وموضع الزبل ، ومصرف مائه ، أو وصف ذلك كله.
ويجب على المستأجر علف الدابة وسقيها ، فإن أهمل ضمن.
______________________________________________________
وتجوز إجارته بالمشاهدة كما دل عليه كلامه في أول البحث.
قوله : ( ويفتقر الحمّام إلى مشاهدة البيوت والقدر ، والماء ، والأتون ، ومطرح الرماد ، وموضع الزبل ومصرف مائه ، أو وصف ذلك كله ).
من جملة العقار الحمّام ، وذكر ما يشترط لصحة إجارته تدريباً لغيره ، فتشترط مشاهدة بيوته ليعلم سعتها وضيقها. وكذا حال القدر لاختلاف الغرض بذلك ، وكذا الماء واستعلام أنه ماء قناة أو بئر ، ومشاهدة البئر ليعلم سعتها وضيقها ، وغزارة الماء وعدمها ، وحال العمق ، ومؤنة إخراج الماء منها.
ومشاهدة الأتون ، الذي هو موضع الوقود ، وموضع الزبل الذي يجمع فيه للأتون ، والموضع الذي يجمع فيه الزبل والوقود ، ومطرح الرماد ، ومصرف الماء ، الذي هو المستنقع ، أو وصف ذلك. فمتى أخلّ بشيء من ذلك لم تصح الإجارة ، للجهالة.
قوله : ( ويجب على المستأجر علف الدابة وسقيها ، فإن أهمل ضمن ).
مراده : أنه يجب عليه بذل ذلك من ماله بلا رجوع ، وهو قول جمع من الأصحاب (١). أما وجوب العلف والسقي أعم من أن يكون من ماله أو من مال المؤجر ، فلا كلام في وجوبه.
__________________
(١) منهم الشيخ في النهاية : ٤٤٦ ، وابن إدريس في السرائر : ٢٧١ ، والمحقق في الشرائع ٢ : ١٨٧.
______________________________________________________
والضمان بالإهمال كالمرتهن والمستودع ، ويدل على أن ما ذكرناه مراده
قوله : ( ولو استأجر أجيراً لينفذه في حوائجه فنفقته على المستأجر ، إلا أن يشترطه على الأجير ، فإن تشاحّا في قدره فله أقل مطعوم مثله وملبوسه ، ولو قيل بوجوب العلف على المالك والنفقة على الأجير كان وجهاً ) ، فإن قوله : ( ولو قيل بوجوب العلف على المالك ) يدل على ما قدمناه.
إلا أن الشيخ خالف في الأجير المنفذ في الحوائج ، فأوجب نفقته على المستأجر لاستحقاق المنافع المانع عن تحصيل النفقة ، ولرواية سليمان بن سالم عن الرضا عليهالسلام (١).
وجوابه : أن استحقاق المنافع لا يمنع من وجوب نفقته في ماله الذي من جملة الأجرة ، والرواية لمخالفتها أصول المذهب يجب أن تحمل على اشتراط النفقة على المستأجر في العقد.
وإنما قلنا إنها مخالفة لأصول المذهب ، لأن الإجارة معاوضة تقتضي وجوب العوضين للمتعاوضين دون ما سواهما ، وإلا لوجب دخوله في المعاوضة ، وهو باطل لجهالة النفقة المقتضية للغرر ، ولعدم جريان العقد عليها ، فتكون خارجة عن العوضين ، فلا يندرج فيما يجب الوفاء به.
ومتى قلنا بوجوبها فإنما هو إذا لم يشترط المستأجر النفقة على الأجير ، فإن تشاحّا في قدر الواجب بذل على أقل مطعوم مثله وملبوسه ، رجوعاً إلى العادة في جنس المطعوم والملبوس ، وتمسكاً بأصالة البراءة في عدم وجوب ما زاد على الأقل.
وهل الإسكان من جملة النفقة؟ الذي يقتضيه النظر نعم ، كما في نظائره من نفقة الزوجة والمملوك والقريب ، ولم يصرح المصنف به.
__________________
(١) النهاية : ٤٤٧ ، وانظر : الكافي ٥ : ٢٨٧ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٢١٢ حديث ٩٣٣.
ولو استأجر أجيراً لينفذه في حوائجه فنفقته على المستأجر ، إلاّ أن يشترط على الأجير ، فإن تشاحا في قدره فله أقل مطعوم مثله وملبوسه.
ولو قيل بوجوب العلف على المالك والنفقة على الأجير كان وجهاً ، فحينئذ إن شرطه على المستأجر لزم بشرط العلم بالقدر والوصف ، فإن استغنى الأجير لمرض أو بطعام نفسه لم يسقط حقه.
ولو احتاج إلى الدواء لمرض لم يلزم المستأجر ،
______________________________________________________
والأصح أن العلف على المالك ، والنفقة على الأجير ، لكن مع غيبة المالك يجب الإنفاق على الدابة بإذن الحاكم مع تعذر إذن المالك ، ويرجع.
ولو تعذر الحاكم أشهد ، فإن تعذر فكما سبق في الرهن والوديعة.
قوله : ( فحينئذٍ إن شرطه على المستأجر لزم بشرط العلم بالقدر والوصف ).
أي : فحين كان الوجه وجوب العلف والنفقة على المؤجر ، إن شرط ذلك على المستأجر لزم قضيةً للشرط ، لكن بشرط العلم بالقدر والوصف لتنتفي الجهالة.
قوله : ( فإن استغنى الأجير لمرض ، أو بطعام نفسه لم يسقط حقه ).
لأن ذلك من جملة عوض المنفعة ، فلا يسقط بعد وجوبه واستحقاقه إلا بمسقط من هبة ونحوها.
قوله : ( ولو احتاج إلى الدواء لمرض لم يلزم المستأجر ).
لا محل لهذا على القول بأن النفقة إنما تجب مع الشرط ، لأن الواجب هو ما شرط دون غيره قطعاً ، غالباً كان أو نادراً ، فكأنه مستدرك. نعم على القول بوجوب النفقة بمقتضى الإجارة وإن لم يشترط لذكره وجه ، لأنه قد
ولو أحب الأجير أن يستفضل بعض طعامه منع منه إن كان قدر كفايته ، ويخشى الضعف عن العمل ، أو اللين معه.
______________________________________________________
يتوهم كونه من جملة النفقة بالإضافة إلى المريض.
قوله : ( ولو أحب المريض أن يستفضل بعض طعامه منع منه إن كان قدر كفايته ، ويخشى الضعف عن العمل أو اللين معه ).
قد يقال : إذا كان الطعام قدر الكفاية ، فمتى استفضل منه شيئاً أثر الضعف عن العمل ، فيكون قوله : ( ويخشى الضعف عن العمل ) مستدركاً.
ويجاب : بأن المراد قدر كفايته عادة ، وحينئذ فقد لا يؤثر ترك بعضه ضعفاً في بعض الأحوال لعارض.
واعلم أن المنقول عن فخر الدين : إن اللين بالياء المثناة تحت وهو في معنى الضعف ، لأن المراد به الفتور عن العمل ، والضمير في ( معه ) يعود إلى المصدر في ( يستفضل ) أي : مع الاستفضال (١) ، لكن يرد عليه أن اللين حينئذ مستدرك لإغناء الضعف عنه.
والذي يقتضيه كلام غير القواعد على ما ذكره شيخنا الشهيد في بعض حواشيه : أن اللبن بالباء الموحدة ، وذلك إذا استأجر الظئر وشرط لها النفقة ، وأرادت أن تستفضل من طعامها فإنها تمنع منه إذا خشي من ذلك قلة اللبن.
وذكر أنه وجد في مقروءة على المصنف تحت اللبن : إذا كانت مرضعة ، وهذا وإن كان معنى صحيحاً إلا أن تأدية العبارة إياه لا يخلو من تعسف ، لأن اللبن معطوف على العمل فيصير التقدير : يخشى الضعف عن العمل ( أو يخشى الضعف عن اللبن ) (٢) وفيه ما لا يخفى.
__________________
(١) نقله عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٧ : ٩٨.
(٢) لم ترد في « ك ».
ولو آجر الولي الصبي مدة يعلم بلوغه فيها ، أولا لكن اتفق ، لزمت الأجرة إلى وقت البلوغ ، ثم يتخيّر الصبي في الفسخ والإمضاء.
ولو مات الولي ، أو انتقلت الولاية إلى غيره لم تبطل به.
______________________________________________________
قوله : ( ولو آجر الولي الصبي مدة يعلم بلوغه فيها ، أولا لكن اتفق لزمت الأجرة إلى وقت البلوغ ، ثم يتخير الصبي في الفسخ والإمضاء ).
لا يخفى أن زمان الولاية هو ما قبل البلوغ والرشد ، فإذا أجر الولي الصبي مدة يقطع ببلوغه فيها ، كابن عشر إذا أجره عشراً ، وكان رشيداً ، وإن لم يذكر في العبارة فإن الإجارة تلزم الى وقت الكمال ، ثم هي موقوفة على إجارة الصبي.
ومثله ما إذا لم يعلم ذلك ، لكن اتفق في خلال المدة البلوغ والرشد. ووجهه أن زمان الولاية هو ما قبل الكمال ، فيكون نفوذ تصرف الولي مقصوراً على ذلك الزمان دون ما سواه.
قوله : ( ولو مات الولي ، أو انتقلت الولاية إلى غيره لم تبطل به ).
أي : لو مات الولي في خلال مدة الإجارة فإن الإجارة لا تبطل ، لأن تصرف الولي بمنزلة تصرف المالك ، لقيامه مقامه.
وقد عرفت أن المالك إذا آجر ثم مات فالإجارة بحالها ، وكذا لو آجره الولي مدة ثم انتقلت الولاية بموت ، أو طروء مانع فإنها لا تبطل ، لما قلناه من أن الولي نائب عن المولّى عليه ، ففعله بمنزلة فعله فلا يفسد بطروء مانع كما لو فعله بنفسه.
وإنما قلنا إن فعله بمنزلة فعله ، لأنه كالوكيل بل آكد ، لأن الوكيل إنما
ولو آجر عبده ثم أعتقه في الأثناء لم تبطل الإجارة ، ويجب على العبد إيفاء المنافع باقي المدة.
والأقرب عدم رجوعه على مولاه بأجرة ،
______________________________________________________
يتولى ما تدخله النيابة ، بخلاف الولي فإن له أن يحرم عن غير المميز ويباشر أفعال الحج عنه.
ولا يخفى أن الوكيل لو أجر مدة ثم عزل لا تنفسخ الإجارة ، ولا فرق بين كون الإجارة للصبي أو لماله.
لا يقال : فعلى هذا إذا أجر ناظر الوقف ، ثم مات يجب أن لا تنفسخ الإجارة لعين ما ذكرته ها هنا.
لأنا نقول : لا يبعد ذلك إن بقي البطن الأول ، لثبوت ولايته ( بالنسبة ) (١) ، أما بالنسبة إلى البطن الثاني إذا كان موته قبل وجوده واستحقاقه فلا.
قوله : ( ولو آجر عبده ، ثم أعتقه في الأثناء لم تبطل الإجارة ).
لأن المنافع مملوكة كالرقبة ، وملك المستأجر لها بالعوض صحيح ، ولزومه مانع من البطلان بالعتق ، فإذا أعتق لم يصادف العتق إلا رقبته دون منافعه مدة الإجارة ، فتزول السلطنة عن رقبته خاصة.
قوله : ( ويجب على العبد إيفاء المنافع باقي المدة ).
لأنه حق وجب عليه بمقتضى ما سبق ، فيستصحب حتى كأنه رقيق بالنسبة إلى المنافع تلك المدة.
قوله : ( والأقرب عدم رجوعه على مولاه بأجرة ).
وجه القرب أن المولى إنما أزال الرق عنه مسلوب المنافع تلك المدة ، وقد ملك المستأجر تلك المنافع بالإجارة ، وملك المولى العوض. وليس هذا
__________________
(١) لم ترد في « ه ».