جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٧

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٧

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٣

ولو كانت أرض الأعلى مختلفة في العلو والهبوط سقى كلا على حدته.

ولو تساوى اثنان في القرب من الرأس قسّم بينهما ، فإن تعذر أقرع ، فإن لم يفضل عن أحدهما سقى من أخرجته القرعة بقدر حقه ، ثم يتركه للآخر ، وليس له السقي بجميع الماء لمساواة الآخر له في الاستحقاق ،

______________________________________________________

لأنه لاحق‌ لهم لسبقه.

قوله : ( ولو كانت أرض الأعلى مختلفة في العلو والهبوط سقى كلا على حدته ).

إذ لو سقيا معاً لزاد الماء في المنخفضة عن الحد السائغ شرعاً فيخرج عن المنصوص.

قوله : ( ولو تساوى اثنان في القرب من الرأس قسِّم بينهما ).

إنما يقسم بينهما إذا تساويا مع ذلك في الإحياء ، أو جهل الحال فيقسم بينهما على نسبة الاحتياج ، لأن الأولوية منوطة بالحاجة.

قوله : ( فإن تعذر أقرع ).

أي : فإن تعذر ذلك وهو القسمة بينهما فالحق لهما ، ولا أولوية في التقدم ، والفرض أنه لا يمكن الجمع فلا بد من القرعة.

قوله : ( فإن لم يفضل عن أحدهما سقى من أخرجته القرعة بقدر حقه ، ثم يتركه للآخر ، وليس له السقي بجميع الماء لمساواة الآخر له في الاستحقاق ).

إذا أخرجت القرعة أحدهما نظر فلا يخلو : إما أن يكون من أخرجته القرعة إذا سقي مقدار ما تندفع به حاجته ، وهو المقرر للنخل والشجر والزرع‌

٦١

والقرعة تفيد التقديم ،

______________________________________________________

عند احتياجه إلى السقي عادة ، يفضل للآخر من المدة التي لا يفسد فيها زرعه قبل انقضائها ، أو لا. فإن كان الأول فلا بحث بسقي من أخرجته القرعة حتى يقضي حاجته ثم يرسل إلى الآخر فيسقي كذلك ، وهذا القسم تركه المصنف لظهوره.

وإن كان الثاني لم يكن لمن أخرجته القرعة أن يسقي مقدار حاجته فيفسد زرع الآخر كله أو بعضه ، بل ينظر إلى مقدار زمان السقي لهما ، ومقدار زمان صبر الزرعين ، وعدم تطرق الفساد إليهما.

والفرض في هذا القسم قصور الزمان الثاني عن الأول ، لأن الفرض عدم فضل كفاية سقي الثاني عن سقي الأول ، فمقدار ما قصر به الزمان الثاني يوزّع على كل من المالك الأول والثاني ، فيسقي الأول مقدار حقه وهو ما يبقى بعد إسقاط حصته من التوزيع لا مقدار حاجته جميعاً ، ثم يرسله إلى الثاني.

مثاله : لو كان زمان سقي الأول ـ أعني الذي أخرجته القرعة ـ ستة أيام ، والآخر مثلها ، والثاني ثمانية أيام فلكل منهما أربعة أيام.

ولو تفاوتا في ذلك : فإن كان زمان الأول ستة أيام ، والآخر أربعة ، ومجموع المدة التي لا يبقى الزرعان بعدها ثمانية أيام : فللأول ثلاثة أخماس ثمانية أيام ، وللآخر خمساها. فإذا انقضى ثلاثة أخماس الثمانية الأيام أرسل الماء الأول وهو من أخرجته القرعة إلى الثاني لمساواتهما في أصل الاستحقاق ، وإن كانا قد يختلفان في قدره باعتبار اختلاف الأرض فلا يجوز استئثار أحدهما على الآخر بشي‌ء من الماء.

قوله : ( والقرعة تفيد التقديم ).

جواب عن سؤال مقدّر تقديره : أي فائدة للقرعة حينئذ وقد حكمنا‌

٦٢

بخلاف الأعلى مع الأسفل.

ولو كانت أرض أحدهما أكثر قسّم على قدرها ، لأن الزائد مساوٍ في القرب.

______________________________________________________

باستوائهما في السقي؟

وجوابه : فائدتها تقديم أحدهما على الآخر ، ولو لا القرعة لم يتحقق ذلك ، لعدم الأولوية ، ولا يلزم من القرعة سقوط الاستحقاق الثابت شرعاً ، بل لا يجوز ، لأن القرعة في الأمر المشكل لا في الأمر المعلوم والثبوت شرعاً أو الانتفاء.

قوله : ( بخلاف الأعلى مع الأسفل ).

أي : الحكم في المتساويين في القرب من رأس النهر بخلاف حكم الأعلى مع الأسفل حيث يستوفي حاجته وإن أفضى ذلك إلى تلف زرع من دونه. والفرق أنه لا حق للسافل إلا بعد قضاء حاجة الأعلى ، وما نحن فيه الحق لكل من المالكين على طريق الاشتراك.

هذا تحقيق هذا المبحث ، وإن كان في عبارة المصنف بعض المناقشات ، فإن قوله : ( فإن لم يفضل عن أحدهما ) غير محتاج إليه ، بل المحتاج إليه هنا : ألا يفضل عمن أخرجته القرعة ، ثم مطلق عدم الفضل لا يكون شرطاً للحكم المذكور ، بل الشرط أن لا يفضل بقدر الحاجة ). وقوله : ( وليس له السقي بجميع الماء ) لا يراد ظاهره ، بل المراد : وليس له السقي بمقدار حاجته بحيث ينحصر الضرر في جانب الآخر.

قوله : ( ولو كانت أرض أحدهما أكثر قسّم على قدرها ، لأن الزائد مساوٍ في القرب ).

قد سبق ما يصلح دليلاً على هذا ، وتوضيح تعليل المصنف أن مناط الاستحقاق هو العرف وهو ثابت في الزائد ، فيكون الاستحقاق له ثابتاً ، فيكون‌

٦٣

ولو أحيى إنسان أرضاً على هذا النهر لم يشارك السابقين ، بل يقسّم له ما يفضل عن كفايتهم وإن كان الإحياء في رأس النهر ، وليس لهم منعه من الإحياء.

______________________________________________________

الحق على قدر الجميع.

قوله : ( ولو أحيى إنسان أرضاً على هذا النهر لم يشارك السابقين ، بل يقسّم له ما يفضل عن كفايتهم ، وإن كان الإحياء في رأس النهر ).

لأن العبرة في السبق بالتقدم في الإحياء ، والسابق فيه هو السابق في الاستحقاق.

قوله : ( وليس لهم منعه من الإحياء ).

أي : ليس لأرباب الأملاك على النهر السابقين في الإحياء منع من يريد الإحياء بعدهم في الأرض ، التي هي أقرب من أرضهم إلى فوهة النهر ، أو المساوية لها في ذلك لعموم « من أحيى أرضاً ميتة فهي له » (١).

فإن قيل : يلزم من ذلك لطول الزمان ، وجهل الحال صيرورته أحق أو مساوياً في الاستحقاق فليكن لهم المنع ، كما في الدرب المرفوع إذا أراد أحد من أهله فتح باب ، أو دخل من بابه فإن لهم المنع حذراً من الشبهة بمرور الأيام.

قلنا : الفرق بينهما أن الدرب حق لأرباب الدور ، فلهم المنع عن حقهم.

وأما الأرض العليا أو المساوية فالفرض أنها موات لا حق لأحد فيها ، والناس فيها شرع.

__________________

(١) سنن البيهقي ٦ : ١٤٣.

٦٤

ولو سبق إنسان إلى الإحياء في أسفله ، ثم أحيى آخر فوقه ، ثم ثالث فوق الثاني قدّم الأسفل في السقي لتقدمه في الإحياء ، ثم الثاني ، ثم الثالث.

السادس : الجاري من نهر مملوك ينزع من المباح ، بأن يحفر إنسان نهراً في مباح يتصل بنهر كبير مباح ، فما لم يصل الحفر إلى الماء لا يملكه ، وإنما هو تحجير وشروع في الإحياء ، فإذا وصل فقد ملك بالإحياء ، وسواء أجرى فيه الماء أو لا ، لأن الإحياء للتهيئة للانتفاع.

فإن كان لجماعة فهو بينهم على قدر عملهم أو النفقة عليه ، ويملكون الماء الجاري فيه على رأي ،

______________________________________________________

قوله : ( السادس : الجاري من نهر مملوك ينزع من المباح ، بأن يحفر إنسان نهراً في مباح يتصل بنهر كبير مباح ، فما لم يصل الحفر إلى الماء لا يملكه وإنما هو تحجير وشروع في الإحياء ، فإذا وصل فقد ملك بالإحياء ، وسواء اجري فيه الماء أو لا ، لأن الإحياء للتهيئة للانتفاع ).

أما إجراء الماء فهو بمنزلة الزرع في الأرض المحياة فهو انتفاع ، فإن الماء يملك بالإجراء فيه ، كما يملك الصيد بوقوعه في الحبالة المنصوبة.

قوله : ( فإن كان لجماعة فهو بينهم على قدر عملهم ، أو النفقة عليه ، ويملكون الماء الجاري فيه على رأي ).

خلافاً للشيخ رحمه‌الله فإن المحكي عنه : أنهم لا يملكون ماءه ، ولكن يكونون أولى به (١). وكان يحتج بقوله عليه‌السلام : « الناس شركاء في ثلاثة : النار ، والماء ، والكلأ » (٢). ولا حجة فيه : لأن المراد المباح دون‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٢٨٤ ـ ٢٨٥.

(٢) الفقيه ٣ : ١٥٠ حديث ٦٦٢ ، التهذيب ٧ : ١٤٦ حديث ٦٤٨ وفيهما : ان المسلمين. ، مسند أحمد ٥ : ٣٦٤.

٦٥

فإن وسعهم أو تراضوا ، وإلاّ قسّم على قدر الأنصباء ، فيجعل خشبة صلبة ذات ثقب متساوية على قدر حقوقهم في مصدم الماء ، ثم يخرج من كل ثقب ساقية مفردة لكل واحد.

______________________________________________________

المحرز ، وما جرى مجراه. والأصح أنهم يملكونه.

قوله : ( فإن وسعهم أو تراضوا ، وإلا قسّم على قدر أنصبائهم ، فتجعل خشبة صلبة ذات ثقب متساوية على قدر حقوقهم في مصدم الماء ، ثم يخرج من كل ثقب ساقية مفردة لكل واحد ).

إنما اعتبر في الخشبة الصلابة كي لا تتأثر من الماء على مرور الأيام فيتفاوت الثقب.

واعتبر في الدروس استوائها واستواء مكانها (١) ، ووجهه أنه لولا ذلك لأدى ذلك إلى تفاوت خروج الماء من الثقب فيخرج من بعضها الماء قليلاً ومن البعض كثيراً ، للتفاوت في العلو والانخفاض.

ويكفي في الاشتراط استواء الماء على الثقب إما لاستوائها واستواء المكان ، أو لغمر الماء إياها جميعاً بحيث يخرج الماء من مجموع كل واحدة من الثقب.

وإذا تساوت الحقوق فلا بحث في وجوب تساوي الثقب ، أما إذا تفاوت فلا بد من عدد يخرج منه جميعها صحاحاً. فلو كان لواحد نصف ، ولآخر ربع ولآخر الباقي فلا بد من أربعة ثقب. ولو كان لواحد ربع ، ولآخر سدس ، وللثالث الباقي فلا بد من اثني عشر ثقباً ، مضروب اثنين في ستة ، أو ثلاثة في أربعة.

واعلم أن قوله : ( ثم يخرج من كل ثقب ساقية مفردة لكل واحد ) لا‌

__________________

(١) الدروس : ٢٩٥.

٦٦

فلو كان لأحدهم نصفه ، وللآخر ثلثه ، وللثالث سدسه جعل لصاحب النصف ثلاث ثقب تصب في ساقيته ، ولصاحب الثلث ثقبتان تصبان في أخرى ، ولصاحب السدس ثقب.

وتصح المهاياة وليست لازمة.

وإذا حصل نصيب إنسان في ساقية سقى به ما شاء ، سواء كان له‌

______________________________________________________

ينطبق على جميع الصور ، إنما ينطبق على ما إذا استووا في الحقوق ، فيكون حق كل واحد منحصراً في ثقب ، أما مع التفاوت فلا ، لوجوب التعدد.

ومن ثم لم يحسن تفريع قوله : ( فلو كان لأحدهم نصفه ولآخر ثلثه وللثالث سدسه ... ) على قوله : ( ثم يخرج من كل ثقب ساقية مفردة لكل واحد ).

قوله : ( وتصح المهاياة وليست لازمة ).

إذ ليس معاوضة محضة حقيقة ، وإنما تصح إذا جعل نصيب كل واحد معلوماً مضبوطاً بالأيام ، أو بالساعات ، أو أقل أو أكثر. والمدار على الضبط وعدم التفاوت.

ومتى رجع أحدهم قبل استيفاء بعض نوبته ، سواء كان الراجع قد استوفى نوبته أم لا ضمن المستوفي للآخر اجرة مثل نصيبه من النهر للمالك الذي أجرى الماء فيها ، قاله في التذكرة (١).

فإن قيل : الماء مثلي فكيف يضمن الأجرة؟

قلنا : لما تعذر ضبط الماء المستوفي امتنع إيجاب مثله وقيمته ، فلم يبق إلا الرجوع إلى الزمان الذي استوفى فيه ، فوجبت الأجرة على حسبه.

قوله : ( وإذا حصل نصيب إنسان في ساقية سقى بها ما شاء ،

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٠٨.

٦٧

شرب من هذا النهر أو لا. وكذا البحث في الدولاب له أن يسقي بنصيبه ما شاء. ولكل واحد أن يتصرف في ساقيته المختصة به بمهما شاء ، من إجراء غير هذا الماء ، أو عمل رحى ، أو دولاب ، أو عبارة ، أو غير ذلك ، وليس له ذلك في المشترك.

______________________________________________________

سواء كان له شرب من هذا النهر أو لا ).

الضمير في قوله : ( سواء كان له ) يعود إلى ( ما ) ، أي : سواء كان ما يساقيه من هذه الساقية له شرب من هذا النهر أو لا.

ولا يجوز أن يعود الضمير إلى قوله : ( إنسان ) وإلا لفسد المعنى. وإنما كان له ذلك ، لأن هذا خالص ملكه يصنع به ما شاء ، خلافاً لبعض الشافعية (١) ، بخلاف ما لو كان النهر مباحاً وأمكنه القسمة بين أرباب المزارع من الجانبين للتساوي في الاستحقاق ، فإنه ليس لأحدهم أن يسقي بقسمة غير ما له استحقاق الشرب من هذا النهر بدون رضى الباقي ، حذراً من حصول الشبهة بمرور الأيام ، ولم أقف على تصريح به.

قوله : ( وكذا البحث في الدولاب ، له أن يسقي بنصيبه ما شاء ).

بقرينة معلومة مما سبق.

قوله : ( فلكل واحد أن يتصرف في ساقيته المختصة به بمهما شاء من إجراء غير هذا الماء ، أو عمل رحى ، أو دولاب ، أو عبارة ، أو غير ذلك ).

بقرينة ما سبق ، والعبّارة خشبة تمتد على طرفي النهر يعبر الماء فيها ، ولو قال : ولكل واحد ، بالواو لكان أولى.

قوله : ( وليس له ذلك في المشترك ).

__________________

(١) انظر : مغني المحتاج ٣ : ٣٧٥ ، والمجموع ١٥ : ٢٤٨.

٦٨

ولو فاض ماء هذا النهر إلى ملك إنسان فهو مباح ، كالطائر يعشش في ملك إنسان.

______________________________________________________

لأنه يلزم من‌ التصرف فيه التصرف في ملك الشريك ...

وقال في الدروس : وليس لأحدهم عمل جسر ولا قنطرة إلا بإذن الباقين إذا كان الحريم مشتركاً ، ولو اختص أحدهم بالحريم من الجانبين ، وكان الجسر غير ضائر بالنهر ولا بأهله لم يمنع منها (١).

هذا كلامه ، وفيه نظر ، لأن هواء النهر يملك بالإحياء كما يملك الحريم ، فإذا كان النهر مشتركاً كان الهواء كذلك ، فلا يكفي الاختصاص بالحريم في جواز عمل الجسر والقنطرة. نعم ، لو اختص بالحريم والهواء كأن نقل المجرى إلى ملك الشركاء بعقد مملك ، واستثنى الهواء جاز حينئذ.

قوله : ( ولو فاض ماء هذا النهر إلى ملك إنسان فهو مباح كالطائر يعشش في ملك إنسان ).

يشير بـ ( هذا ) إلى النهر المملوك المستخرج من المباح ، وبهذا صرح في التذكرة (٢) والتحرير (٣).

وما مثل به [ وهو ] (٤) الطائر يعشش في ملك إنسان غير مطابق ، لأن الطائر لا يملك بمجرد ما ذكر ، بخلاف ماء النهر فإنه يملك كما سبق على الأصح. نعم : على قول الشيخ بعدم ملكه (٥) يطابق المثال ويصح الحكم. وكأنه يحترز بقوله : ( هذا النهر ) عن العين المستخرجة والقناة.

__________________

(١) الدروس : ٢٩٥.

(٢) التذكرة ٢ : ٤٠٦.

(٣) التحرير ٢ : ١٣٣.

(٤) لم ترد في « ه‍ ».

(٥) قاله في المبسوط ٣ : ٢٨٤ ـ ٢٨٥.

٦٩

السابع : النهر المملوك الجاري من ماء مملوك ، بأن يشترك جماعة في استنباط عين وإجرائها فهو ملك لهم على حسب النفقة والعمل.

ويجوز لكل أحد الشرب من الماء المملوك في الساقية ، والوضوء ، والغسل ، وغسل الثوب ما لم يعلم كراهةً ، ولا يحرم على صاحبه المنع ، ولا يجب عليه بذل الفاضل ، ولا يحرم البيع لكن يكره.

______________________________________________________

قوله : ( السابع : النهر المملوك الجاري من ماء مملوك بأن يشترك جماعة في استنباط عين وإجرائها فهو ملك لهم على حسب النفقة والعمل ).

الاعتبار بالعمل ، فلو لم تطابقه النفقة ، كأن عمل بعضهم الخمس وأنفق عليه الربع ، فلا اعتبار بالنفقة ، وقد نبهنا عليه سابقاً. واعلم أن ملك ماء هذا النهر هو مختار الشيخ والأصحاب (١) ، وقد منعه بعض الشافعية (٢).

قوله : ( ويجوز لكل أحد الشرب من الماء المملوك في الساقية ، والوضوء ، والغسل ، وغسل الثياب ما لم يعلم كراهيته ).

عملاً بشاهد الحال ، بخلاف المحرز في الآنية ، ولو أراد سقي الماشية الكثيرة من النهر المملوك لم يجز مع قلة الماء ، قاله في التحرير (٣). ولو توجه على المالك ضرر بالشرب ونحوه اتجه التحريم.

قوله : ( ولا يحرم على صاحبه المنع ، ولا يجب عليه بذل الفاضل ، ولا يحرم البيع بل يكره ).

__________________

(١) منهم المحقق في الشرائع ٣ : ٢٨٠ ، والعلامة في التذكرة ٢ : ٤٠٩.

(٢) هو أبو إسحاق كما في المجموع ١٥ : ٢٣٩.

(٣) التحرير ٢ : ١٣٣.

٧٠

ولو احتاج النهر إلى حفر ، أو إصلاح ، أو سد بثق فهو عليهم على حسب ملكهم ، فيشترك الكل إلى أن يصلوا إلى الأدنى من أوله ، ثم لا شي‌ء عليه. ويشترك الباقون إلى أن يصلوا إلى الثاني ، وهكذا ، ويحتمل التشريك.

______________________________________________________

خلافاً لبعض‌ العامة (١).

فرع : لو خرج الماء السائغ من ملك الغير عنه فأخذه أجنبي فهل يملكه؟ قال في التذكرة يملكه على القول بأنه غير مملوك بملكه وعلى الثاني لا يملكه (٢).

قوله : ( ولو احتاج النهر إلى حفر ، أو إصلاح ، أو سد بثق فهو عليهم على حسب ملكهم ).

قد سبق في تزاحم الحقوق أنه لو امتنع بعض الشركاء من الإصلاح لم يجبر. والبثق ـ بفتح أوله وكسره ذكره في الصحاح (٣) ـ هو الخرق ، بثق السيل موضع كذا أي خرقة.

قوله : ( فيشترك الكل إلى أن يصلوا إلى الأدنى من أوله ، ثم لا شي‌ء عليه ، ويشترك الباقون إلى أن يصلوا إلى الثاني ، وهكذا ، ويحتمل التشريك ).

المراد بالأدنى : الأقرب إلى فم النهر.

ووجه الأول : أن نفعه ينتهي بانتهاء ملكه ، ولا ملك له فيما وراء أرضه ، فيختص الباقون بمؤنة ما بقي على حسب استحقاقهم.

__________________

(١) انظر : مغني المحتاج ٢ : ٣٧٦ ، والمجموع ١٥ : ٢٤٢.

(٢) التذكرة ٢ : ٤٠٩.

(٣) الصحاح ٤ : ١٤٤٨ « بثق ».

٧١

______________________________________________________

ووجه الثاني : أن ما بعد ملكه وإن لم يكن مملوكاً إلا أنه من ضرورات ملكه ، لأنه مصب لمائه. والأول أصح لأنه لا حق له بعد ذلك الموضع لانحصار الاستحقاق في الباقين. نعم لو فضل الماء عن جميعهم بعد انتهاء الأملاك ، واحتاج الفاضل إلى مصرف ينصب إليه فمؤنة ذلك المصرف على جميعهم لأنهم مشتركون في الحاجة إليه والانتفاع به. وقد صرح به في التذكرة (١).

وهنا سؤال وهو : أنه إذا انتهى حق الأدنى عند أرضه ، فكيف تجب عليه حصة مؤنة مصرف الفاضل عن الجميع؟ فإما أن يجب عليه حقه من المؤنة في الجميع ، أو لا يجب شي‌ء لما بعد ملكه على حال.

وقد يجاب بأنه لا استبعاد في أن يتعلق حق الشريك بملك شريكه من الماء لاستوائهما في الإحياء ، ثم ينتهي استحقاقه أيضاً بانتهاء ملكه ، فتتعلق بالأول أحكام ملكه حينئذ ، وفيه نظر ، لأن أحدهم لا يتعلق حقه بملك الآخر ، وإن امتزج حقه بحقه.

ثم هنا سؤال آخر وهو ، إن لم يكن لأحد الشريكين إجبار شريكه في القناة ونحوها على العمارة فلا معنى للوجوب المذكور في هذا المبحث؟

ويمكن الجواب بأن هنا فوائد :

أحدها : أنه يأثم بالترك وإن لم يجز النهي عن إضاعة المال ، وقد ينظر فيه بأن ذلك لو كان واجباً لجاز الإجبار إلا أن يقال لا يجبر على كل فعل واجب.

الثانية : أنه إذا تحقق الوجوب كان للحاكم التسلط على إجباره على واحد من أمور متعددة : إما الإصلاح ، أو البيع ، أو الإجارة ، أو القسمة إن‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٠٨.

٧٢

تتمة : المرجع في الإحياء إلى العرف ، فقاصد السكنى يحصل إحياؤه بالتحويط ولو بخشب أو قصب ، وسقف.

______________________________________________________

أمكنت إلى آخر الأمور المتعددة ، فكان له إجبار في الجملة. ومتعلقة واحد غير معين من متعدد ، وكل واحد لا يجبر عليه بخصوصه وإن أجبر على واحد غير معين ، وهذا في قوة فائدة ثالثة.

قوله : ( تتمة : المرجع في الإحياء إلى العرف ).

هذا هو الأصح ، لأن ما لا تعين لمدلوله شرعاً مرجعه إلى العرف الذي قد سبق استقراره ، وقد خالف في ذلك ابن نما من أصحابنا ، وقد حكيناه سابقاً.

قوله : ( فقاصد السكنى يحصل إحياؤه بالتحويط ولو بخشب أو قصب وسقف ).

لا بد من شمول التحويط لأجزاء الدار ، أما السقف فيكفي حصوله فيما يمكن معه السكنى ، صرح به في التذكرة (١) ، والعرف المستقر قاض بذلك.

واكتفى بعض الشافعية بالتحويط ولم يشترط السقف (٢) ، وكلام المصنف في التذكرة يوافقه حيث اكتفى في الإحياء لنوع بما يكفي للمالك في نوع آخر ، كما لو حوّط بقعة بقصد السكنى ، مع أن التحويط إحياء لحظيرة الغنم.

والمشهور في كلام الأصحاب ما هنا (٣) ، وهو الذي ينساق إليه النظر ، نعم لا يشترط تعليق الأبواب لأنها للحفظ ، والسكنى لا تتوقف عليه ،

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤١٢.

(٢) انظر المجموع ١٥ : ٢١٢ ، ومغني المحتاج ٢ : ٣٦٥.

(٣) منهم الشيخ في المبسوط ، وابن سعيد في الجامع للشرائع : ٣٧٤ ـ ٣٧٥ ، والمحقق في الشرائع ٣ : ٢٧٥ ـ ٢٧٦ ، والشهيد في اللمعة : ٢٤٢ ، والدروس : ٢٩٤.

٧٣

والحظيرة يكفيه الحائط ، ولا يشترط تعليق الباب.

والزراعة بتحجير ساقية ، أو مسناة ، أو مرز وسوق الماء. ولا يشترط الحرث ، ولا الزرع ، لأنه انتفاع كالسكنى.

______________________________________________________

واشترطه أكثر الشافعية (١).

قوله : ( والحظيرة يكفيه الحائط ).

أي : وقاصد الحظيرة يكفيه الحائط لتملكها.

قوله : ( ولا يشترط تعليق الباب ).

يعود إلى كل من قاصد السكنى والحظيرة ، أي : لا يشترط في حصول الملك لواحد منهما تعليق الباب لما سبق.

قوله : ( وللزراعة التحجير بساقية ، أو مسناة ، أو مرز وسوق الماء ، ولا يشترط الحرث ولا الزرع لأنه انتفاع كالسكنى ).

المرز وجدته مضبوطاً بكسر الميم ، وهو جمع التراب حول ما يراد إحياؤه (٢) والمسناة ، بضم الميم على ما وجدته أكبر منه (٣).

وفي قوله : ( التحجير بساقية ) مسامحة ، إلا أن يقصد بالتحجير معناه اللغوي ، وإلا فإن وجود ما ذكر إحياء موجب للملك فكيف يعد تحجيراً.

واعلم أن المصنف في التذكرة اعتبر لإحياء المزرعة أموراً :

الأول : جمع التراب حواليه ليفصل المحيي عن غيره ، واعتبر هذا جميع الأصحاب. قال : وفي معناه نصب قصب ، وحجر ، وشوك وشبهه ، فلا حاجة إلى التحويط إجماعاً.

__________________

(١) انظر : مغني المحتاج ٢ : ٣٦٥ ، وكفاية الأخيار ١ : ١٩٦.

(٢) مجمع البحرين ( مرز ) ٤ : ٣٥.

(٣) الصحاح ( سنا ) ٦ : ٢٣٨٤.

٧٤

______________________________________________________

الثاني : تسوية الأرض بطمّ الحفر التي فيها ، وإزالة الارتفاع من المرتفع ، وحراثتها ، وتليين ترابها ، فإن لم يتيسر ذلك إلا بماء يساق إليها فلا بد منه لتهيئة الأرض للزراعة.

الثالث : ترتيب مائها إما بشق ساقية من نهر ، أو حفر بئر أو قناة وسقيها إن كانت عادتها لا يكتفى في زراعتها بماء السماء ، وإن اكتفت فلا حاجة إلى سقي ولا ترتيب ماء (١).

ومقتضى هذا الكلام أن المحتاجة إلى ترتيب الماء لا بد من سقيها ، وهو مقتضى كلام الشيخ في المبسوط (٢). ثم قال في التذكرة : وإذا احتاجت في السقي إلى النهر وجب تهيئة ماء من عين أو نهر أو غيرهما ، فإذا هيأه : فإن حفر له الطريق ولم يبق إلا إجراء الماء فيه كفى ولم يشترط إجراء الماء ولا سقي الأرض ، وإن لم يحفر فللشافعية وجهان (٣).

وبالجملة : السقي نفسه غير محتاج إليه في تحقق الإحياء ، إنما الحاجة إلى ترتيب ماء يمكن السقي منه (٤). هذا كلامه وهو مدافع للأول ، وكلام الأصحاب في اشتراط سوق الماء (٥) يقتضي عدم الاكتفاء بالتهيؤ.

ثم إن الأمر الثاني الذي اعتبره في تحقق الإحياء للزرع لم أجده في كلام غيره من الأصحاب ، نعم هو في كلام الشافعية (٦). واعتبار تسوية الأرض والحفر وإزالة الارتفاع ليس ببعيد ، لعدم صيرورتها زرعاً من دونه.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤١٢.

(٢) المبسوط ٣ : ٢٧٢.

(٣) انظر : المجموع ١٥ : ٢١٣.

(٤) التذكرة ٢ : ٤١٢.

(٥) منهم الشيخ في المبسوط ٣ : ٢٧٢ ، وابن سعيد في الجامع للشرائع : ٣٧٥ ، والمحقق في الشرائع ٣ : ٢٧٦ ، والشهيد في الدروس : ٢٩٢.

(٦) هو لأبي العباس بن سريج ، انظر : المجموع ١٥ : ٢١٣.

٧٥

والغرس به ، وسوق الماء إليه

______________________________________________________

أما الحرث والسقي فلا دليل على اعتبارهما ، ولأنهما بمنزلة الزرع وهو غير شرط.

قوله : ( والغرس به وسوق الماء إليه ).

أي : وقاصد الغرس يحصل إحياؤه به ـ أي بالغرس ـ لأنه أقرب مرجع للضمير ، وهو معتبر عند بعض الفقهاء (١).

وفي التذكرة : اعتبر أحد الأمرين : إما الغرس ، أو التحويط بحائط (٢) ، فيكون كلامه هنا غير مناف لمختاره في التذكرة.

ويحتمل عود الضمير إلى التحجير السابق في المزرعة ، ويشكل عليه اعتبار التحويط في البلاد التي يقتضي عرفها تحويط البستان.

وقد صرح في التذكرة باعتباره حيث يقتضيه العرف ، وظاهر المبسوط اعتباره وأطلق (٣) ، فإن عاد الضمير إلى التحجير لم يشترط الغرس عنده. واعتبره كثير من الفقهاء ، لأن البستان لا يصدق بدونه بخلاف الزرع ، ولأنه لدوامه جرى مجرى أبنية الدار.

وفي الدروس ذهب إلى اشتراط أحد الثلاثة في حصول الإحياء إذا قصد الغرس (٤) ، والظاهر من كلامه أنه يريد بها الحائط والمسناة والغرس.

واعتبر في التذكرة الأول والثالث كما ذكرناه ، ومختار التذكرة قوي لانتفاء اسم البستان مع انتفاء كل من الأمرين ، أما الغرس فإنه داخل في‌

__________________

(١) منهم ابن سعيد في الجامع للشرائع : ٣٧٥ ، والمحقق في الشرائع ٣ : ٢٧٦ ، والعلامة في التحرير ٢ : ١٣٠.

(٢) التذكرة ٢ : ٤١٣.

(٣) المبسوط ٣ : ٢٧٢.

(٤) الدروس : ٢٩٢.

٧٦

ولو كانت مستأجمة فعضد شجرها ، أو قطع المياه الغالبة وهيأها للعمارة فقد أحياها.

______________________________________________________

الانتفاع فلا يعتبر تعيينه ، والاكتفاء بالمرز عن التحويط بعيد.

فرع : إذا زرع الأرض وساق الماء إليها فقد تحقق الإحياء وإن لم يجمع التراب حولها ، لأن المطلوب من جمعه تميز المحيي وقد حصل.

قوله : ( ولو كانت مستأجمة فعضد شجرها ، أو قطع المياه الغالبة وهيأها للعمارة فقد أحياها ).

الأجمة من القصب ، يقال : استأجمت الأرض ، إذا عرفت ذلك فإطلاق قوله : إنّ قطع شجر الأرض المستأجمة ، أو قطع المياه عن المغارف إحياء يقتضي الاكتفاء بذلك ، والتهيئة للعمارة بسوق الماء ونحوه عن إدارة التراب حولها.

ومثل هذا في التذكرة (١) والتحرير (٢) والشرائع (٣) والدروس (٤) محتجين بأن ذلك يعدّ إحياء عرفاً ، وليس قطع الماء بأبلغ من حفر نهر بحيث يتسلط ماؤه على بقعة مخصوصة ويستقر عليها إذا أرسل من غير توقف على حفر. مع أن ذلك لا يعدّ إحياء من دون إدارة التراب.

والاحتجاج بأنه لا بد فيه لتمييز المحيي مدفوع بتميّزه باستيعاب الماء إذا أرسل عليه ، بل مقتضى كلامهم أنه لو أرسل الماء على أرض لم يكن إحياء ما لم يدر التراب حولها ، وهو أظهر في المنافاة لحصول الإحياء بقطع المياه الغالبة.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤١٣.

(٢) التحرير ٢ : ١٣٠.

(٣) الشرائع ٣ : ٢٧٦.

(٤) الدروس : ٢٩٢.

٧٧

ولو نزل منزلاً فنصب فيه خيمة أو بيت شعر لم يكن إحياء ، وكذا لو أحاط بشوك وشبهه.

ولا يفتقر في الإحياء إلى إذن الإمام ولا الإسلام ، إلا في أرض المسلمين.

______________________________________________________

فرع : لا يجوز إحياء شطوط الأنهار التي لم يبلغها الماء في العادة ولو في بعض السنة ، أما الجزيرة الخارجة في النهر العظيم وغيره فيجوز إحياؤها.

قوله : ( ولو نزل منزلاً فنصب فيه خيمة أو بيت شعر لم يكن إحياء ).

نظراً إلى العرف ، لكنه يصير أولى به إلى أن يرحل عنه ، وكذا ما حواليه مما يحتاج إليه للارتفاق ، ولا يزاحم في الوادي الذي تسرح فيه مواشيه إلا أن يفضل عنه ، وإذا ارتحل بطل الاختصاص وإن بقيت آثار الفسطاط والخيم.

قوله : ( وكذا لو أحاط بشوك وشبهه ).

لما قلناه من مقتضى العرف ، نعم هو تحجير.

قوله : ( ولا يفتقر في الإحياء إلى إذن الإمام عليه‌السلام ولا الإسلام ، إلا في أرض المسلمين ).

قد سبق أن إحياء الموات في بلاد الكفر يصح من الكافر وإن كان حربياً ، ويملك المحيي ، وحينئذ فلا يشترط إسلام المحيي.

ومثله الإحياء في حال الغيبة كما نبهنا عليه سابقاً ، وحكيناه عن بعض ما ينسب إلى شيخنا الشهيد.

أما عدم الافتقار في الإحياء إلى إذن الإمام ، فإن أراده على إطلاقه‌

٧٨

وإحياء المعادن بلوغ نيلها.

______________________________________________________

فليس بظاهر ، لتصريح الأصحاب ، وتصريحه في كتبه بأنه لا بد منه ، وتعليلهم بأن الموات ملكه قاض بذلك. وإن أراد عدم الافتقار في الجملة فهو المناسب ، لأنه قد صرح في أول الباب باشتراط الإذن ، ويبعد أن يكون ما ذكره هنا لغفلة وذهول.

وعدم الافتقار في الجملة صحيح ، فإن موات الكفر لا يشترط فيه الإذن كما نبهنا عليه ، وكذا الحكم حال الغيبة.

قوله : ( وإحياء المعادن بلوغ نيلها ).

أي : بلوغ نيل المعادن ، وهو بلوغ الحالة التي ينال بها المعدن ويتمكن من أخذه ، فيملك ما بلغ نيله وكل ما يعدّ حريماً له على ما سبق.

* * *

٧٩

كتاب الإجارة وتوابعها

وفيه مقاصد : الأول : في الإجارة ، وفيه فصول :

الأول : الماهية ، وهي عقد ثمرته نقل المنافع بعوض معلوم ، مع بقاء الملك على أصله.

______________________________________________________

قوله : ( وهي عقد ثمرته نقل المنافع بعوض معلوم مع بقاء الملك على أصله ).

هذا بيان حقيقة الإجارة شرعاً ، لكن يشكل [ على ] (١) جعل الإجارة هي العقد : آجرتك ، وهو الإيجاب ، فإنه لا يراد به ـ العقد ـ إنشاءً ولا إخباراً ، لأن القبول من المستأجر ، ولأنه لو كان معناه العقد لم يقع موقعه : ملّكتك المنفعة شهراً بكذا ، اللهم إلا أن يكون المراد في الإيجاب معنى آخر غير المعنى الشرعي ، وهو تمليك المنفعة بالعوض.

ولو جعلت الإجارة عبارة عن تمليك المنفعة المعينة ، مدة معينة ، بعوض معلوم إلى آخره يسلم من هذا.

إذا عرفت هذا فالعقد بمنزلة الجنس والباقي كالفصل فيخرج البيع لأن ثمرته نقل الأعيان ، وبعوض معلوم تخرج الوصية بالمنفعة والسكنى والعمرى ، ومع بقاء الملك على أصله يخرج ما لا يصح الانتفاع به إلا مع ذهاب عينه. والمعاوضة على العين ومنفعتها معينة إن جوزناه ، لكن لا نجوّزه ، لأن نقل العين من حين العقد يقتضي ملك المنفعة المملوكة للناقل فيمتنع نقلها بسبب آخر.

ولأنّ العقود بالتلقي من الشرع ولم تثبت شرعية مثل هذا ، وربما أخرج‌

__________________

(١) لم ترد في نسختي « ك‍ » و « ه‍ » ، أثبتناها من الحجرية لاقتضاء السياق لها.

٨٠