جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٧

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٧

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٣

ولو كان استأجرها لزمه المسمى ، ولا يشترط اتصال المدة بالعقد.

الثالث : إمكان الانتفاع بالأرض في الزرع ، بأن يكون لها ماء ، إما من بئر ، أو نهر ، أو عين ، أو مصنع ، وكذا إن آجرها للزرع.

ولو زارعها أو آجرها له ولا ماء لها تخيّر العامل مع الجهالة لا مع العلم ، لكن في الأجرة يثبت المسمى.

______________________________________________________

العقد ، كما لو كانت المدة مجهولة ، ولأن مدة المزارعة حينئذ هي ما تضمنها الشرط لا المعينة ، لوجوب التأخير عنها إن بقي بعدها فيكون ذكرها لغوا ، وما تضمنه الشرط مجهول فيكون العقد باطلا ، لعدم تعيين المدة.

وتحتمل الصحة ، لأن الشرط تابع ، وقد يغتفر في التابع ما لا يغتفر في غيره ، وهو ضعيف ، والأصح البطلان.

قوله : ( ولا يشترط اتصال المدة بالعقد ).

سبق الكلام عليه في الإجارة.

قوله : ( بأن يكون لها ماء إما من بئر ، أو نهر ، أو عين أو مصنع ).

لا معنى لهذا الحصر ، فلو كان لها ماء من الغيث ، أو من زيادة موثوق بها غالبا صحت المعاملة عليها.

قوله : ( وكذا إن آجرها للزرع ).

قد سبق في الإجارة أنه لو آجرها وأطلق كان كما لو آجرها للزرع ، حيث أن المقصود الأصلي والغالب من مثلها هو الزرع.

قوله : ( ولو زارعها أو آجرها له ولا ماء لها تخيّر العامل مع الجهالة لا مع العلم ، لكن في الأجرة يثبت المسمى ).

٣٢١

ولو استأجرها ولم يشترط الزرع لم يكن له الفسخ ،

______________________________________________________

في قوله : ( زارعها ) تجوّز‌ غير حسن ، لأنه لا معنى لمزارعة الأرض وإن كان المراد معلوما.

والضمير في قوله : ( له ) يعود إلى الزرع ، أي : لو آجرها للزرع.

وفي قوله : ( تخيّر العامل مع الجهالة ) نظر ، فإن ثبوت الخيار فرع صحة المزارعة ، وقد علم ان من شروط صحة المزارعة إمكان الانتفاع بالأرض في الزرع ، وكذا القول في الإجارة للزرع.

وقد سبق كلام المصنف في الإجارة من هذا الكتاب بطلان الإجارة للزرع مع عدم الماء وعدم العلم بحالها ، وكذا في التذكرة. وقد خالف كلامه في هذا الباب هنا ، وفي التذكرة ما سبق في الإجارة.

واعلم أن المصنف في التذكرة قال : إذا لم يكن للأرض ماء يمكن زرعها به إلا نادرا ففي جواز المزارعة عليها اشكال ، والذي يقتضيه النظر بطلان العقد من رأس (١).

إذا عرفت هذا فاعلم أن قول المصنف : ( لا مع العلم ) يريد به عدم بطلان المزارعة والإجارة للزرع مع العلم بأن الأرض لا ماء لها ، وهو صحيح على القول بجواز التخطي إلى غير المنفعة المشروطة مما يكون مساويا أو أقل ضررا حينئذ ، فلا شي‌ء للمالك في المزارعة ، لعدم إمكان الانتفاع الذي حصول الحصة المشترطة متوقف عليه. أما في الإجارة فيجب المسمى لصحة الإجارة ، وعلى البطلان فلا يجب شي‌ء.

قوله : ( ولو استأجر ولم يشترط الزرع لم يكن له الفسخ ).

الظاهر أن مراده : وإن لم يكن عالما بحالها ، وهو المطابق لما في‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٣٧ ـ ٣٣٨.

٣٢٢

وكذا لو اشترط الزراعة وكانت في بلاد تشرب بالغيث غالبا.

ولو انقطع في الأثناء فللمزارع الخيار إن زارع أو استأجر له ، وعليه اجرة ما سلف.

______________________________________________________

التذكرة في هذا الباب (١) ، لإمكان الانتفاع بها بغير الزرع كالنزول فيها ووضع الرحل ، ويشكل إطلاق العبارة بما إذا كان الغالب على الأرض إرادتها للزراعة ، فإن المنفعة المطلوبة منها غير حاصلة.

قوله : ( وكذا لو شرط الزراعة وكانت في بلاد تشرب بالغيث غالبا ).

أي : وكذا ليس له الفسخ لو شرط المزارعة إلى آخره. والأحسن أن يكون المراد : وكذا تصح الإجارة لو شرط الزراعة إلى آخره ، إلا أنه ليس في الكلام ما يقتضي كون وجه التشبيه ذلك.

قوله : ( ولو انقطع الماء في الأثناء فللزارع الخيار : إن زارع ، أو استأجر له وعليه أجرة ما سلف ).

هذا راجع إلى أصل الباب ، ومعناه أنه إذا انقطع الماء الدائم ، أو الغالب في أثناء المدة فللزارع الخيار إن كان العقد مزارعة أو إجارة للزرع ، ولا يبطل من رأس ، بناء على أنّ المزارعة على مثل هذه الأرض جائزة.

وكذا الإجارة بشرط الزرع ، لإمكان الانتفاع بها بغير ذلك ، بناء على جواز التخطي. ويمكن أن يكون مخصوصا بالتي تشرب بالغيث غالبا ، فإنه في التذكرة فرضها في التي لها ماء يعتورها وقت الحاجة (٢).

وكيف كان ، فإذا انقطع في أثناء مدة الإجارة لزمه أجرة ما سلف ، ويرجع بما قابل المدة المتخلفة ، بخلاف المزارعة فإنه لا يلزمه شي‌ء.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٣٨.

(٢) التذكرة ٢ : ٣٣٨.

٣٢٣

الرابع : الحصة.

ويشترط فيها أمران : العلم بقدرها ، والشياع. فلو أهمل ذكرها بطلت ، وكذا لو جهلا قدرها ، أو شرطا جزءا غير مشاع ، بأن يشترط أحدهما النماء بأجمعه له ، أو يشترط أحدهما الهرف والآخر الأفل ، أو ما يزرع على الجداول والآخر في غيرها ، أو يشترط أحدهما قدرا معلوما من الحاصل كعشرة أقفزة ، والباقي للآخر.

______________________________________________________

قوله : ( وشرطا جزء غير مشاع بأن يشترط أحدهما النماء بأجمعه له ).

المتبادر من قوله : ( النماء بأجمعه ) هو مجموع الحاصل بالزراعة ، لكن عدّ ذلك جزء مشكل. وربما نزّل على أن المراد ( النماء ) ما زاد على البذر لتتحقق الجزئية وهو ممكن.

قوله : ( أو يشترط أحدهما الهرف ، والآخر الأفل ).

الهرف هنا : المتقدم من الزرع ـ اعني : ما زرع عاجلا في أول ـ والأفل خلافه.

قوله : ( أو ما يزرع على الجداول ، والآخر غيرها ).

ربما فسّرت الجداول : بالألواح من الأرض التي تحف بجمع التراب حولها ، وعبارة التذكرة تشعر بأن المراد بها الأنهار ، فإنه قال : أو يشترط أحدهما ما على الجداول والسواقي ، والآخر ما عداه (١) ، وبالجملة فلا بد أن يكون مجموع الزرع بينهما على الإشاعة.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٣٨.

٣٢٤

ولو شرطا أن يكون الباقي بعد العشرة بينهما ، أو شرطا إخراج البذر أولا والباقي بينهما بطل على إشكال.

______________________________________________________

قوله : ( ولو شرطا أن يكون الباقي بعد العشرة بينهما أو شرطا إخراج البذر أولا والباقي بينهما بطل على اشكال ).

الإشكال في مسألتين :

أحدهما : ما إذا شرطا أن يكون لأحدهما عشرة أقفزة ، وما يبقى بعد العشرة بينهما ، ومنشؤه من عموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) ، و « المؤمنون عند شروطهم » (٢) ، ومن أن ذلك مخل بوضع المزارعة لإمكان أن لا يخرج من الأرض إلا ذلك القدر المعيّن ، فيكون الحاصل مختصا بأحدهما.

لا يقال : لو كان الغالب على حال الأرض عادة زيادة الحاصل على المعين لم يضر الاحتمال النادر الوقوع ، كما لا يضر احتمال عدم حصول شي‌ء في أصل المزارعة.

لأنا نقول : وإن ندر ذلك لكنه لمنافاته لوضع المزارعة اقتضى البطلان ، لأن وضعها على الاشتراك في الحاصل كائنا ما كان. وأيضا فإن العقود بالتلقي ، فما لم تثبت شرعيته يجب التوقف في صحته.

الثانية : ما إذا شرطا إخراج البذر أولا والباقي بينهما ، ومنشؤه ما سبق. وقد اختلف الأصحاب هنا فجوّزه الشيخ (٣) ، وابن إدريس (٤) ، وابن البراج (٥) مع أنهم منعوا الحكم في الأولى. وذهب جماعة إلى عدم‌

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) التهذيب ٧ : ٣٧١ حديث ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ حديث ٨٣٥ ، عوالي اللآلي ١ : ٢١٨ حديث ٨٤ ، و ٢ : ٢٥٧ حديث ٧.

(٣) النهاية : ٤٤٠.

(٤) السرائر : ٢٦٦.

(٥) المهذب ٢ : ١٢.

٣٢٥

ويجوز التفاضل في الحصة والتساوي.

ولو شرط أحدهما على الآخر شيئا يضمنه له من غير الحاصل مضافا إلى الحصة صح على رأي.

الفصل الثاني : في الأحكام.

إطلاق المزارعة يقتضي تخيير العامل في زرع أي نوع شاء ،

______________________________________________________

الجواز (١) ، وتردد المصنف فيهما ، وعدم الجواز فيهما أظهر.

قوله : ( ويجوز التفاضل في الحصة والتساوي ).

للنص (٢) والإجماع.

قوله : ( ولو شرط أحدهما على الآخر شيئا يضمنه له من غير الحاصل مضافا إلى الحصة صح على رأي ).

الرأي إشارة إلى قول الشيخ فإنه حكم بكراهية ذلك (٣) ، ولا مانع من الصحة ، والكراهة لتصريح الأصحاب (٤).

وقيل بالمنع ، نقله المصنف وغيره ، ولا يظهر وجهه ، ولا يعرف قائله ، والأصح الأول.

قوله : ( إطلاق المزارعة يقتضي تخيير العامل في زرع أي نوع شاء ).

__________________

(١) منهم : ابن سعيد في الجامع للشرائع : ٢٩٨ ، والسيوري في التنقيح الرائع ٢ : ٢٢٩ وفخر المحققين في إيضاح الفوائد ٢ : ٢٨٧.

(٢) الكافي ٥ : ٢٦٧ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ١٩٧ حديث ٨٧١.

(٣) النهاية : ٤٤٢.

(٤) منهم : ابن سعيد في الجامع للشرائع : ٢٩٨ ، والمحقق في الشرائع ٢ : ١٥٧ ، وفخر المحققين في إيضاح الفوائد ٢ : ٢٨٧.

٣٢٦

ويتعين بالتعيين ،

______________________________________________________

لأن الإطلاق يستلزم‌ جواز أي فرد كان ، لوجود المطلق في ضمنه. ويضعّف بلزوم الغرر ، لأن المزروعات متفاوتة في الضرر تفاوتا ، فما لم يتحقق الرضى بالأضر لم يجز فعله ، ومع الإطلاق لا نص على معين فيجب التعيين أو التعميم.

فإن قيل : أي فارق بين الإطلاق والتعميم؟.

قلنا : الفرق أن الإطلاق إنما يقتضي تجويز المطلق ، وهو القدر المشترك بين الأفراد ولا يلزم من الرضى بالقدر المشترك الرضى بالأشد ضررا من غيره ، إذ ليس في اللفظ اشعار بذلك الضرر ، ولا دلالة على الاذن فيه والرضي بزيادة ضرره.

ولا يخفى أن الرضى بالقدر المشترك إنما يستلزم الرضى بمقدار الضرر المشترك بين الكل ، ولا شي‌ء يدل على الرضى بالزائد ولما لم يكن للّفظ دلالة على الأقل ضررا أو المتوسط تطرّق الغرر. أما إذا عمم فإنه قد اذن في كل فرد فرد ، فيدخل الأشد وغيره. والأصح وجوب التعيين إن لم يعمم ، وقوّاه في التذكرة (١).

قوله : ( ويتعين بالتعيين ).

يحتمل أن يكون مراده ( بالتعيين ) هو ذكر زرع نوع في العقد ، وهو المتبادر إلى الفهم ، والأصح ، إلا أنه يكون مخالفا لما سبق في الإجارة من تردده في ذلك.

وقد صرح المصنف في التذكرة (٢) ، والتحرير (٣) في هذا الباب بأنه لو‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٤٠.

(٢) المصدر السابق.

(٣) التحرير ١ : ٢٥٧.

٣٢٧

فإن زرع الأضر فللمالك الخيار بين المسمى مع الأرش ، وبين اجرة المثل.

______________________________________________________

عيّن الزرع لم يجز التعدي ، ثم قال : إنه لو زرع الأقل ضررا جاز. وظاهر هذه العبارة متدافع ، والأصح عدم جواز التعدي عن المعيّن إلى غيره كما في الإجارة ، بل هنا أبلغ ، لأن التعدي في الإجارة إلى الأخف نفع محض للمالك ، لأن الأجرة معينة بخلاف ما هنا ، لأن العوض هنا هو الحصة.

وربما تفاوتت الأنواع فيها باعتبار أكثرية الحاصل أو القيمة ، أو تعلق غرض المالك بكونها من النوع المعين ، فبالتخطي يفوت نفع المالك وغرضه.

قوله : ( فإن زرع الأضر فللمالك الخيار بين المسمى مع الأرش ، وبين أجرة المثل ).

أي : لو تخطى المعيّن إلى الأضر تخيّر المالك بين المسمى ـ أي بين قدر المسمى من ذلك المزروع إذ المسمى غيره ـ مع أرش نقص الأرض باعتبار الأضر ، وبين أجرة المثل للمزروع.

ووجه التخيير : أن مقدار المنفعة المعقود عليها قد استوفي بزرع الأضر مع زيادة ، فإن شاء أخذ المسمى في مقابل المنفعة والأرش في مقابل الزيادة ، وإن شاء أخذ أجرة المثل ، لأن المزروع غير المعقود عليه. وفيه نظر ، فإن المزروع غير معقود عليه ، والحصة المسماة إنما هي من غيره ، فكيف تجب الحصة منه ، والمنفعة لم يجر العقد عليها مطلقا ، بل إنما جرى على استيفائها في المعين؟.

ثم إن الأرش الذي هو عوض نقص الأرض لا يفي بأجرة المنفعة الزائدة التي استوفيت بزرع الأضر ، وإنما هو عوض الفائت من الأرض وليس هذا كالإجارة يمكن إيجاب المسمى وأجرة المثل للزيادة لو سلك بالدابة‌

٣٢٨

ولو زرع الأخف تخيّر المالك بين الحصة مجانا واجرة المثل.

ولو شرط نوعين متفاوتين في الضرر افتقر إلى تعيين كل منهما ، وللمزارع أن يشارك غيره وأن يزارع عليهما غيره وإن لم يأذن المالك.

______________________________________________________

طريقا أشق ، لأن المسمى في الإجارة معلوم ، والحصة في المزارعة لا يعلم كميتها ، فالأصح حينئذ وجوب أجرة المثل.

قوله : ( ولو زرع الأخف تخيّر المالك بين الحصة مجانا وأجرة المثل ).

فيه نظر يعلم مما تقدم ، والأصح وجوب أجرة المثل.

قوله : ( ولو شرط نوعين متفاوتين في الضرر افتقر إلى تعيين كل منهما ).

أي : لو شرط أن يزرع العامل نوعين متفاوتين في الضرر معا وجب تعيين قدر كل منهما : إما بالكيل أو الوزن ، وإما بتعيين الأرض مثل : ازرع هذه القطعة حنطة وهذه شعيرا.

ومفهوم قوله : ( متفاوتين في الضرر ) انهما لو لم يكونا متفاوتين فيه لا يجب التعيين ، وليس ببعيد مع تحقق الغرض إذ لا غرر. وعلى ما نزلنا العبارة عليه فكان حقه أن يقول : افتقر إلى تعيين قدر كل منهما ، لأنهما معينان.

ويحتمل معنى آخر وهو : أنه لو شرط نوعين على طريق البدل وجب التعيين ، لكنه بعيد ، على انه إنما يجب التعيين إذا لم يكن ذلك على طريق التخيير بينهما.

قوله : ( وللمزارع أن يشارك غيره وأن يزارع عليها غيره وإن لم يأذن المالك ).

٣٢٩

نعم لو شرط الاختصاص لم تجز المشاركة ولا المزارعة ، وخراج الأرض ومؤنتها على المالك إلاّ أن يشترطه على العامل.

______________________________________________________

وذلك لأنه قد‌ ملك المنفعة فكان له نقلها ، ونقل بعضها إلى غيره. ولا يتوقف ذلك على إذن المالك ، لأنه لا حق له في المنفعة ، نعم لا يجوز له تسليم الأرض إلا بإذنه كما سبق في الإجارة.

والمراد بالمشاركة : أن يبيع بعض حصته له بشي‌ء معلوم من ذهب أو فضة ونحوهما ، لمقطوعة سماعة الدالة على ذلك (١) ، ولا بد من رعاية شرائط البيع من وجود الزرع وظهوره ، بحيث يمكن تقويمه وشراؤه.

قوله : ( نعم ، لو شرط الاختصاص لم تجز المشاركة ولا المزارعة ).

أي : لو شرط في عقد المزارعة الاختصاص بالعمل والحصة لم تجز المشاركة في الحصة ولا المزارعة ، بحيث يصير العمل متعلقا بغيره كله أو بعضه.

لا يقال : اشتراط عدم الشركة يقتضي منع المالك من التصرف بماله ، وهو مناف لقوله عليه‌السلام : « الناس مسلطون على أموالهم » (٢).

لأنا نقول : لا ريب أن للمالك اشتراط منع الغير من شغل أرضه بزرعه ، وإن لزم من ذلك منع العامل من نقل بعض حقه من الزرع إلى غيره.

ولا ريب أن تسلط الناس على أموالهم ، إنما هو فيما لا يقتضي ضياع حق لآخر ، فإن الراهن ممنوع من ملكه بما ينافي حق المرتهن.

قوله : ( وخراج الأرض ومؤنتها على المالك إلا أن يشترطه على‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٦٨ حديث ٤ ، التهذيب ٧ : ١٩٨ حديث ٨٧٧.

(٢) عوالي اللآلي ٢ : ١٣٨ حديث ٣٨٢.

٣٣٠

وتصح المزارعة إذا كان من أحدهما الأرض خاصة ، ومن الآخر البذر والعمل والعوامل. وكذا إن كان البذر لصاحب الأرض ، أو العمل منه ، أو كان البذر منهما ، سواء اتفقا في الحصة أو اختلفا ، وسواء تساويا في البذر أو تفاوتا.

______________________________________________________

العامل ).

فإن شرطه عليه صح ولزم إن كان القدر معلوما ، والخراج معلوم وهو طسق الأرض. وأما المئونة التي ذكرها فلم يبين مراده منها في هذا الكتاب ولا غيره ، ولعله يريد ما يضطر إليه للأرض باعتبار زرعها ، مما لا يجب على العامل كحفر الأنهار وإصلاحها ، وتنقية الأرض من الأحجار المضرة بالزرع ، ونحو ذلك من الأعمال التي لا تتكرر كل سنة ، ومنه تسميد الأرض مع الحاجة.

قوله : ( وتصح المزارعة إذا كان من أحدهما الأرض خاصة ، ومن الآخر البذر والعمل والعوامل. وكذا إذا كان البذر لصاحب الأرض ، أو العمل منه ، أو كان البذر منهما ، سواء اتفقا في الحصة أو اختلفا ، وسواء تساويا في البذر أو تفاوتا ).

إذا كان البذر من صاحب الأرض ، ومن العامل العمل صحت المزارعة عند كل من سوغها ، وإن كان البذر من العامل أو منهما فهي صحيحة عندنا.

ولا فرق في ذلك بين التساوي في الحصة والتفاوت ، وكذا لا فرق إذا كان البذر منهما بين التساوي والتفاوت.

والأصل في ذلك قصة خيبر ومزارعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اليهود عليها على أن يزرعوها ولهم شطر ما يخرج منها (١) ، وظاهر هذا أن البذر من‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٦٦ حديث ١ ، ٢ ، الفقيه ٣ : ١٥٨ حديث ٦٩٣ ، التهذيب ٧ : ١٩٣ حديث ٨٥٥ ، ٨٥٦.

٣٣١

وفي صحة كون البذر من ثالث نظر ، وكذا لو كان البذر من ثالث والعوامل من رابع.

وكل مزارعة فاسدة فإن الزرع لصاحب البذر ، وعليه أجرة الأرض والفدان.

______________________________________________________

أهل خيبر. وغير ذلك من الأخبار كصحيحة يعقوب بن شعيب عن الصادق عليه‌السلام (١) وغيرها (٢). وإذا جاز كون البذر من العامل أو المالك جاز منهما ، لأنه إذا جاز أن يكون جميعه من العامل فبعضه أولى.

قوله : ( وفي صحة كون البذر من ثالث نظر ، وكذا لو كان البذر من ثالث والعوامل من رابع ).

وذلك بأن يشترط البذر على غير المتعاقدين ، سواء كان لذلك المشروط عليه البذر حصة من النماء أم لا.

ومنشأ الإشكال من عموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٣) ، ومن أن المعاملة بتوقيف الشارع ، ولم يرد النص بمثل هذا ، والأصح عدم الجواز.

وقوله : ( وكذا لو كان البذر من ثالث والعوامل من رابع ) معناه : وكذا في الصحة نظر ، ولو كان البذر من أحدهما والعوامل من ثالث أو العمل فالنظر آت أيضا.

قوله : ( وكل مزارعة فاسدة فإن الزرع لصاحب البذر وعليه أجرة الأرض والفدّان ).

هذا إذا كان البذر من غير صاحب الأرض والفدان من صاحبها ، أما إذا‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٦٨ حديث ٢ ، ٣ ، التهذيب ٧ : ١٩٣ ، ١٩٨ حديث ٨٥٦ ، ٨٧٦.

(٢) الفقيه ٣ : ١٥٨ حديث ٦٩١ بتفاوت يسير ، التهذيب ٧ : ١٩٤ حديث ٨٥٧.

(٣) المائدة : ١.

٣٣٢

ولو كان البذر من المالك فعليه اجرة العامل ، والإطلاق يقتضي كون البذر على العامل ، ويحتمل البطلان.

______________________________________________________

كان البذر منه فقد أشار إليه بقوله ( ولو كان البذر من المالك فعليه اجرة العامل ).

ووجه الحكم في المسألة الأولى أنهما دخلا على أن لصاحب الأرض والفدان حصة من النماء في مقابل منافعهما ، وقد فاتت فيجب الرجوع إلى أجرة المثل ، ومنه يظهر وجهه في الثانية.

والفدّان كسحاب وشداد : الثور أو الثوران يقرن للحرث بينهما ، ولا يقال للواحد فدَّان أو هو آلة الثورين ، قاله في القاموس (١).

قوله : ( والإطلاق يقتضي كون البذر على العامل ، ويحتمل البطلان ).

وجه الأول : أن الغالب من عادة المزارعين ذلك ، والإطلاق يحمل على الغالب ، ولقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة يعقوب بن شعيب ، ـ وقد سأله عن المزارعة ـ « النفقة منك والأرض لصاحبها » (٢).

ويضعّف بأن العادة إنما يجب حمل الإطلاق عليها إذا كانت مستقرّة مطردة لا تنخرم ، ولا يثبت كون المتنازع فيه كذلك. والحديث لا يراد ظاهره قطعا ، للإطباق على أن النفقة إذا كانت من صاحب الأرض كانت المزارعة صحيحة ، فلا يراد به إلا نوع من المزارعة.

وقول الفاضل الشارح في جوابه : إن المفرد المحلى باللام لا يفيد العموم (٣) ، لا يجدي نفعا ، لأن ذلك وقع تفسيرا للمزارعة المسؤول عنها ،

__________________

(١) القاموس المحيط ( فدن ) ٤ : ٢٥٥.

(٢) التهذيب ٧ : ١٩٣ حديث ٨٥٦.

(٣) إيضاح الفوائد ٢ : ٢٨٨.

٣٣٣

ولو تناثر من الحاصل حب فنبت في العام الثاني فهو لصاحب البذر ، ولو كان من مال المزارعة فهو لهما.

______________________________________________________

فوجب أن لا يقع على غيره ، وإلا لم يكن جوابا صحيحا. ولعله عليه‌السلام أرشده إلى مقصود الناس غالبا في المزارعة لتعيينه في العقد ، ولم يكن ذلك بيانا لحكم إطلاق العقد من غير تعيين.

ووجه الثاني : صدق المزارعة على كل منهما ، ولا دلالة للعام على أحد أفراده بخصوصه ، فإذا أطلق العقد كان باطلا ، للجهالة ، وهو الأصح.

ولو اطردت العادة بشي‌ء ولم ينخرم ، بحيث لا يفهم من الإطلاق سواه لم يجب التعيين ، وحمل الإطلاق عليه.

قوله : ( ولو تناثر من الحاصل حب ، فنبت في العام الثاني فهو لصاحب البذر ، ولو كان من مال المزارعة فهو لهما ).

أي : لو تناثر من حاصل المزارعة حب فنبت ـ والتقييد بالعام الثاني بناء على الغالب ، إذا قد ينبت في العام الأول ـ فهو لصاحب البذر ، أي : فهو لصاحب ذلك الحب من المزارعين ، لأن الحب بذر فيجوز التعبير عنه بكل من العبارتين ، وذلك إنما يكون بعد تعيين كل واحدة من الحصتين. ولو كان من مال المزارعة المشترك ـ وذلك قبل القسمة ـ فهو لهما على نسبة الاستحقاق.

وربما استصعب تنزيل العبارة ، فحمل قوله : ( فهو لصاحب البذر ) على ما إذا كانت المزارعة فاسدة ، وسببه حمل البذر فيها على البذر في تلك المزارعة ، وأنت خبير بأنه لا حاجة إلى هذا التكلف البعيد المفوّت لجزالة العبارة ، حيث نزّل ذلك على فساد المزارعة بغير إشعار من العبارة ، وما بعده على صحتها ، مع أنهما قسمان حقهما أن يكون متعلقهما واحد. ولا قبح في حمل البذر في العبارة على الحب ، لصلاحية الحب لأن يكون بذرا ، أو‌

٣٣٤

ويجوز للمالك الخرص على العامل ، ولا يجب القبول ، فإن قبل كان استقراره مشروطا بالسلامة ، فلو تلف بآفة سماوية ، أو أرضية ، أو نقص لم يكن عليه شي‌ء.

______________________________________________________

لصدق اسم البذر عليه باعتبار كونه قد نبت.

إذا عرفت هذا فاعلم أنه متى كان الحب لغير صاحب الأرض ، أو بعضه وجب تفريغها منه بمطالبة المالك ، واجرة المثل ، وطم الحفر ، ولو لم يطالب فلصاحبه المطالبة بذلك لدفع لزوم الأجرة ، وقد سبق مثل هذه في العارية.

قوله : ( ويجوز للمالك الخرص على العامل ولا يجب القبول ، فإن قبل كان استقراره مشروطا بالسلامة ، فلو تلفت بآفة سماوية ، أو أرضية ، أو نقص لم يكن عليه شي‌ء ).

أي : إذا بلغت الغلة جاز لمالك الأرض أن يخرصها على العامل ، فإن شاء أن يأخذها بما خرص وكان عليه حصة صاحب الأرض من الخرص ، سواء زاد الخرص أو نقص عند التصفية.

ولا يجب على العامل القبول ، لكن إن قبل لزمه ذلك ، عملا بعموم الوفاء( بِالْعُقُودِ ) (١) ، فلا بد من إيجاب وقبول بلفظ التقبيل ، أو الصلح ، أو ما أدى هذا المعنى. وقرار هذا التقبل مشروط بالسلامة ، فإن تلفت الغلة بآفة سماوية أو أرضية فلا شي‌ء على المتقبل ، وإن تلف البعض بها سقط من القبالة بالنسبة.

فقول المصنف : ( لم يكن عليه شي‌ء ) محمول على أن المراد لم يكن عليه شي‌ء في مقابل التالف ، سواء كان البعض أو الكل ، والأصل في ذلك‌

__________________

(١) المائدة : ١.

٣٣٥

______________________________________________________

الإخبار عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام (١) ، إلا أن اشتراط القبالة بالسلامة ذكره الأصحاب.

ويرد عليه : أن الحصة إن كانت مضمونة لم يكن للاشتراط المذكور محصل ، وإلا لم تكن هذه على نهج المعاوضات.

ويمكن الجواب بأن هذه المعاوضة لا تخرج باشتراط السلامة عن نهج المعاوضات ، فإن المبيع في زمان الخيار من ضمان البائع وإن تلف في يد المشتري ، لكن بغير تفريط إذا كان الخيار للمشتري ، وما هنا لا يزيد على ذلك.

والظاهر أن المراد بالآفة السماوية والأرضية : ما يكون ممن لا يعقل تضمينه ، فلو أتلفها متلف فالظاهر أن القبالة بحالها ، عملا بالاستصحاب ، ويطالب المتقبل المتلف.

ويحتمل أن يريد المصنف بقوله : ( أو أرضية ) ما يعم هذا ، فتسقط القبالة أيضا بإتلاف المتلف ، وهو بعيد.

واعلم أن قول المصنف ( أو نقص ) يجب حمله على ما إذا كان النقص بالآفة ، أما إذا كان نقصا في الخرص ، بحيث لم يطابق الحاصل فإنه لا يسقط من القبالة شي‌ء.

وقد دل على ذلك مرسلة محمد بن عيسى ، عن بعض أصحابه قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : إن لنا أكرة فنزارعهم ، فيقولون : قد حرزنا هذا الزرع بكذا وكذا فأعطوناه ونحن نضمن لكم أن نعطيكم حصة على هذا الحرز قال : « وقد بلغ؟ » قلت : نعم ، قال : « لا بأس بهذا » قلت : فإنه يجي‌ء بعد ذلك ويقول لنا : إن الحرز لم يجي‌ء كما حرزت ، قد نقص ،

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٦٦ حديث ١ ـ ٦ ، التهذيب ٧ : ١٩٣ حديث ٨٥٥.

٣٣٦

ولو زاد فاباحة على إشكال.

______________________________________________________

قال : « فإذا زاد يرد عليكم؟ » قلت : لا ، قال : « فلكم أن تأخذوه بتمام الحرز ، كما إنه إذا زاد كان له ، كذلك إذا نقص » (١). وعبارة المصنف في التحرير هذه : وعليه دفع حصة الأرض سواء زاد الخرص أو نقص (٢).

قوله : ( ولو زاد فإباحة على إشكال ).

قيل : ينشأ الإشكال من رضى المالك بالحصة من القدر المخروص ، وهو يقتضي إباحة الزائد. ومن أن الجميع حق له فلا ينتقل عنه إلا بناقل ، وإنما رضي بذلك القدر بناء على مطابقة الخرص وقد تبيّن عدمها. وليس بشي‌ء ، لأن ذلك معاوضة ، كما صرح المصنف في المختلف بأن هذا نوع تقبيل وصلح (٣).

والعجب أن الشارح الفاضل ولد المصنف اعترف بأن هذا تقبل وصلح. وجاز مع الجهالة ، لأن مبنى عقد المزارعة على الجهالة.

ثم قال : فمنشأ الإشكال الذي ذكره المصنف من هذا ، فإنه لو لم يكن إباحة لم تكن فيه فائدة إن لم نقل بقول الشيخ (٤) فلا يسوغ ، فإنه إذا كان صلحا صحيحا فلا وجه للإشكال ولا حاجة إلى كون الزائد إباحة (٥).

ويمكن أن يكون الإشكال منظورا فيه إلى أن الربا يعم المعاوضات ، فيشكل حينئذ الحل مع الزيادة ، نظرا إلى اشتمال المعاوضة على الزيادة الموجبة للربا فلا يصح ، وأن المالك حيث رضي بالحصة من المخروص فقد‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٨٧ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٢٠٨ حديث ٩١٦.

(٢) التحرير ١ : ٢٥٨.

(٣) المختلف : ٤٧٠.

(٤) النهاية : ٤٤٢.

(٥) إيضاح الفوائد ٢ : ٢٨٩.

٣٣٧

وإذا اختلف أنواع الزروع جاز الاختلاف في الحصة منها والتساوي.

ولو كان في الأرض شجر وبينه بياض ، فساقاه على الشجر ، وزارعه على البياض جاز.

______________________________________________________

أباح الزائد ، لكن على هذا يشكل أيضا مع النقص ، فلا وجه للاقتصار على الزيادة.

والذي يقتضيه النظر : أنه لا محصل لهذا الإشكال بعد ورود النصوص الصحيحة الصريحة بصحة هذه القبالة ، من غير تفاوت بين المطابقة في الخرص وعدمها (١). ولا بعد في انفراد القبالة بالجواز من غير التفاوت إلى الزيادة والنقصان للضرورة ، فإن ذلك مما تعم به البلوى.

قوله : ( وإذا اختلف أنواع الزرع جاز الاختلاف في الحصة منها والتساوي ).

لكن إذا كانت الحصة منها مختلفة فلا بد من التعيين فيبطل العقد بدونه.

قوله : ( ولو كان في الأرض شجر وبينه بياض ، فساقاه على الشجر وزارعه على البياض جاز ).

سواء كان الشجر أقل من البياض ، أم أكثر ، أم تساويا. ولا فرق بين أن تكون المساقاة والمزارعة صفقة واحدة أو متعددة ، ومع الاتحاد لا فرق بين المزارعة وتأخيرها.

والشافعي حيث منع من المزارعة ، لم يجوزها إلا تابعة للمساقاة في المعاملة على الأرض المشتملة على شجر بينه بياض ، فاشترط اتحاد الصفقة‌

__________________

(١) منها ما في الكافي ٥ : ٢٨٧ حديث ١ ، والتهذيب ٧ : ٢٠٨ حديث ٩١٦.

٣٣٨

وهل يجوز بلفظ المساقاة مع قصد الزرع والسقي؟ إشكال ، ينشأ من احتياج المزارعة إلى السقي.

ولو آجر الأرض بما يخرج منها لم يصح ، سواء عيّنه بالجزء‌

______________________________________________________

واتحاد العامل (١).

واعتبر بعض الشافعية في العقد أن يكون مشتملا على لفظ المساقاة والمزارعة معا ، وتقديم المساقاة لتكون المزارعة تابعة (٢). وكل هذا ساقط عندنا ، إلا ما سيأتي إن شاء الله تعالى.

قوله : ( وهل يجوز بلفظ المساقاة مع قصد الزرع والسقي؟ إشكال ينشأ من احتياج المزارعة إلى السقي ).

أي : هل يجوز إذا اتحدت الصفقة الاكتفاء بلفظ المساقاة فإن لفظ المزارعة لا يكفي قطعا ، وذلك مع قصد السقي اللغوي.

والزرع بلفظ المساقاة مع قصد معنى المساقاة شرعا؟ فيه إشكال ، ينشأ : من احتياج المزارعة إلى السقي ، والسقي مأخوذ من المساقاة ، فحينئذ لا يمتنع قصد المزارعة بلفظ المساقاة من الجهة المذكورة ، لأن ذلك مدلول اللفظ ، فيكون العقد صحيحا بالنسبة إلى كل منهما.

ومن أن المساقاة حقيقة معاملة مخصوصة وليس السقي ملحوظا فيها ، وإنما هو ملحوظ بالنظر إلى الوضع اللغوي ، كما أن المزارعة معاملة مخصوصة. وقد وضع الشارع لكل منهما لفظا مخصوصا ، فلا تقع إحداهما بلفظ الأخرى ، وهو الأصح.

قوله : ( ولو آجر الأرض مما يخرج منها لم يصح ، سواء عيّنه‌

__________________

(١) المجموع ١٤ : ٤٢٠.

(٢) المجموع ١٤ : ٤١٧.

٣٣٩

المشاع أو المعين أو الجميع ، ويقدّم قول منكر زيادة المدة مع يمينه ، وقول صاحب البذر في قدر الحصة.

______________________________________________________

بالجزء المشاع ، أو المعين ، أو الجميع ).

وذلك للجهالة والغرر ، فإنه إذا آجرها بالجزء المشاع أو الجميع فالجهالة ظاهرة ، إذ لا يعلم قدر ما يخرج منها ولا وصفه ، وربما لم يخرج شي‌ء.

وأما إذا آجرها بجزء معين ، كقفيز من حاصلها فإن وصفه الذي يخرج عليه ليس بمعلوم. وربما لم يخرج ذلك القدر ، أو لم يخرج شي‌ء أصلا ، ولا بد أن يكون الوصف معلوما ، وأن يكون المعين في الذمة أكثري الوجود لتصح المعاملة.

قوله : ( ويقدّم قول منكر زيادة المدة مع يمينه ، وقول صاحب البذر في قدر الحصة ).

وذلك لأن الأصل عدم زيادة ، فيحتاج مدعيها إلى البينة ، وعلى منكرها اليمين. وكذلك الأصل في النماء أن يكون لصاحب البذر ، فإذا ادعى الآخر عليه زيادة عما يعترف به فعلى المدعي البينة وعلى المالك اليمين ، ولأن مدعي الزيادة فيهما لو ترك لترك ، فيكون مدعيا بالمعنيين معا.

والظاهر أنه لا خلاف في ذلك بين الأصحاب ، ولو لا الإجماع لأمكن أن يقال : إن اتفاقهما على عقد تضّمن تعيين مدة وحصة نقل عن الأصل المذكور ، وكل منهما مدّع لشي‌ء ومنكر لما يدعيه الآخر. وليس إذا ترك دعوى الزيادة مطلقا يترك ، فإنه إذا ترك العمل طالبه به.

نعم يجي‌ء هذا إذا وقع الاختلاف عند انتهاء الأمر فيجب التحالف ، وهو قول الشافعي في نظيره من المساقاة (١).

__________________

(١) المجموع ١٤ : ٤١١.

٣٤٠