جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٧

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٧

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٣

بغير إذن وليه فسرت الجناية ضمن.

ولو أخذ البراءة ففي الضمان إشكال.

ويضمن الراعي بتقصيره ، بأن ينام عن السائمة ، أو يغفل عنها ، أو يتركها تتباعد عنه ، أو تغيب عن نظره ، أو يضربها بإسراف ، أو في غير موضع الضرب ، أو لا لحاجة ، أو يسلك بها موضعاً يتعرض فيه للتلف.

______________________________________________________

إذنه ، أو من صبي بغير إذن وليه فسرت الجناية ضمن ).

لأنه عادٍ بفعله قطعاً ، ولو فعل ذلك بإذن من له الولاية قال في التحرير : لم يضمن إلا مع التعدي (١). وفيه نظر ، لأن الأجير ضامن لجنايته وإن بالغ في الاحتياط ، ولظاهر قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : « من تطبب أو تبيطر فليأخذ البراءة من صاحبه وإلا فهو ضامن » (٢) ، ومفهوم عبارة الكتاب موافق لما في التحرير.

قوله : ( ولو أخذ البراءة ففي الضمان إشكال ).

ينشأ : من أنه إبراء مما لم يجب ، ومن دعاء الضرورة إليه ، وأنه مما يقتضي إعراض الناس عن هذا الفعل فيضيق على الناس أحوالهم ، ولقوله عليه‌السلام : « من تطبب أو تبيطر » الحديث ، وقد سبق ، وهذا أقوى.

قوله : ( ويضمن الراعي بتقصيره ، بأن ينام عن السائمة ، أو يغفل عنها ، أو يتركها تتباعد عنه ، أو تغيب عن نظره ، أو يضربها بإسراف ، أو في غير موضع الضرب ، أو لا لحاجة ، أو يسلك بها موضعاً يتعرض للتلف ).

وكذا كل ما أشبه ذلك ، للتقصير في الحفظ أو تعدي ما يجوز.

__________________

(١) التحرير ١ : ٢٥٣.

(٢) الكافي ٧ : ٣٦٤ حديث ١ ، التهذيب ١٠ : ٢٣٤ حديث ٩٢٥.

٢٨١

ولو دفع إلى غيره شيئاً ليعمل فيه عملاً استحق الصانع أجرة مثل العمل إن كان العمل ذا أجرة عادة ، وإلاّ فلا.

______________________________________________________

قوله : ( ولو دفع إلى غيره شيئاً ليعمل فيه عملاً استحق الصانع أجرة مثل العمل إن كان العمل ذا أجرة عادة ، وإلا فلا ).

أي : لو دفع إلى قصّار ثوباً ليقصره ، أو إلى خياط ليخيطه ونحو ذلك ، ومثله لو جلس بين يدي حلاق ليحلق رأسه ، أو دلاّك ليدلّكه ونحو ذلك ، ولم يجر بينهما للأجرة ذكر نفياً ولا إثباتاً فإن العامل يستحق اجرة مثل ذلك العمل إن كان له اجرة عادة ، سواء كان من عادته أن يستأجر لذلك العمل كالغسّال والقصّار أم لا. أما إذا كان من عادته ذلك فللحمل على مقتضى العادة المستمرة ، فإن ذلك لا يقصر عن أن يكون معاطاة في الإجارة ، ولأن العمل المحترم لا يحل بغير عوض ، إلا بإباحة مالكه ولم يتحقق. وهذا هو دليل ما إذا كان العمل ذا أجرة عادة ، ولم يكن من عادة فاعله الاستئجار له.

أما إذا لم يكن للعمل اجرة بحسب العادة فلا شي‌ء ، صرح به المصنف في التذكرة (١) وغيرها (٢) ، وينبغي تحقيقه : فإن كان المراد ما لا يعدّ متقوماً عادة ، بحيث يقابل بأجرة حتى إن ما كان متقوماً تجب الأجرة بمجرد الأمر بفعله. وإن جرت العادة بعدم أخذ الأجرة عنه ، كاستيداع المتاع فهو بعيد ، وإن كان قد سبق في الوديعة احتمال الأجرة.

وإن كان المراد أعم من ذلك ، وهو ما لا أجرة له عادة ، سواء كان متقوماً بحيث تجوز مقابلته بالعوض أم لا ، فهو حسن ، وظاهر العبارة لا يأبى العموم.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٢٠.

(٢) التحرير ٢ : ٢٥٦.

٢٨٢

ولو آجر مملوكه ، أو استؤجر بإذنه فأفسد ضمن المولى في سعيه.

______________________________________________________

قوله : ( ولو آجر مملوكه أو استؤجر بإذنه فأفسد ضمن المولى في سعيه ).

لأن ذلك بإذن المولى ، فيكون مضموناً عليه في سعي العبد ، فإن يده كيده مع الإذن ، وهو اختيار المصنف في المختلف (١).

وقال أبو الصلاح : إن ضمان ما يفسده العبد على المولى (٢) ، وهو قول الشيخ في النهاية (٣) ، وتشهد له رواية زرارة وأبي بصير في الحسن عن الصادق عليه‌السلام قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل كان له غلام فاستأجره منه صانع أو غيره قال : إن كان ضيع شيئاً ، أو أبق منه فمواليه ضامنون » (٤).

والأصح أنه إن كان ذلك جناية على نفس أو طرف ، كما لو كان طبيباً تعلق برقبة العقد ، وللمولى فداؤه بأقل الأمرين من القيمة والأرش ، لكن هذا لا يتقيد بإذن المولى.

وإن كان جناية على مال ، كما لو كان قصّاراً فخرق الثوب فإنه لا شي‌ء على المولى وإن كانت الإجارة بإذنه ، لأن الإذن في العمل ليس إذناً في الإفساد ، فيتبع بجنايته بعد العتق ، وهو اختيار ابن إدريس (٥). ولا دليل في الرواية على خلاف ذلك ، فتحمل على ما إذا كان التضييع بإذن المولى لظاهر( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) (٦) ، وليس الإذن في العمل إذناً في‌

__________________

(١) المختلف : ٤٦٣.

(٢) الكافي في الفقه : ٣٤٧.

(٣) النهاية : ٤٤٨.

(٤) الكافي ٥ : ٣٠٢ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ٢١٣ حديث ٩٣٦.

(٥) السرائر : ٢٧٢.

(٦) الأنعام : ١٦٤.

٢٨٣

ولا يضمن الحمّامي إلاّ مع الإيداع والتفريط.

ويصح إسقاط الأجرة المعيّنة بعد تحققها في الذمة ، والمنفعة الثابتة في الذمة دون المنفعة المعيّنة. ولو تسلّم أجيراً ليعمل له صنعة ، فهلك لم يضمنه وإن كان صغيراً أو عبداً.

______________________________________________________

الإفساد.

قوله : ( ولا يضمن الحمّامي إلا مع الإيداع والتفريط ).

لأنه أمين كما تضمنته رواية غياث بن إبراهيم عن الصادق عليه‌السلام ، عن الباقر عليه‌السلام ، عن علي عليه‌السلام (١).

قوله : ( ويصح إسقاط الأجرة المعينة بعد تحققها في الذمة ، والمنفعة الثابتة في الذمة دون المنفعة المعينة ).

المراد بإسقاطها : الإبراء منها ، وإنما يصح الإبراء من الشي‌ء إذا كان في الذمة ، أما إذا كان عيناً موجودة ، أو منفعة متعلقة بعين مخصوصة فإن الإبراء منها لا يعقل.

ولو أبرأه من وجوب تسليمها لم يجب عليه التسليم في الحال ، لكن لا يخرج عن ملكه بذلك.

قوله : ( ولو تسلّم أجيراً ليعمل له صنعة فهلك لم يضمنه وإن كان صغيراً أو عبداً ).

لا بحث في عدم الضمان إذا كان التسلم على الوجه الشرعي ، فأما إذا قهر الأجير على أخذه ليعمل عنده فإنه لا يضمن الحر البالغ ، ولا ثيابه التي عليه على الأصح كأنها تحت يده خلافاً. (٢).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٤٢ حديث ٨ ، التهذيب ٧ : ٢١٨ حديث ٩٥٤.

(٢) في الحجرية والخطبتين « ك‍ » و « ه‍ » ورد بياض في هذا المكان.

٢٨٤

ولو استأجر الدابة لحمل قفيز ، فزاد فهو غاصب ضامن للجميع.

ولو سلّم إلى المؤجر وقال : إنه قفيز وكذب فتلفت الدابة بالحمل ضمن النصف ، ويحتمل بالنسبة.

ولو استأجر للقصاص ثم عفى سقط القصاص ولا أجرة ،

______________________________________________________

والحر لا يدخل تحت اليد ، ويضمن العبد مطلقاً ، والحر الصغير قد سبق حكمه في الغصب.

قوله : ( ولو استأجر الدابة لحمل قفيز فزاد فهو غاصب للجميع ).

المراد إذا أخذ الدابة وحمّلها زائداً فإنه عادٍ حينئذٍ ، سواء كان ذلك عن عمد أم لا.

قوله : ( ولو سلّم إلى المؤجر وقال : إنه قفيز وكذب ، فتلفت الدابة بالحمل ضمن النصف ، ويحتمل بالنسبة ).

أما النصف فلتلفها بسببين أحدهما عدوان. وأما اعتبار النسبة ، فلأن التلف مستند إلى ثقل الحمل فيوزع على أجزائه ، ويحتمل ضمان الجميع ، وهو الأصح ، لأنه عاد بتحميل الزيادة لجميع الدابة.

والفرق بين الاولى والثانية : أن الغاصب ـ وهو المستأجر ـ صاحب اليد هناك ، وهنا اليد للمالك ، ولا أثر لهذا الفرق عندنا ، وقد سبق في كلام المصنف في أول الفصل الرابع في الضمان خلاف هذا ، وموضع هاتين المسألتين ما سبق عند ظهور زيادة الكيل.

قوله : ( ولو استأجر للقصاص ثم عفا سقط القصاص ولا أجرة ).

لأن المستأجر عليه قد تعذر شرعاً ، والعفو مطلوب ، فهو كما لو‌

٢٨٥

فإن اقتص الأجير مع العلم ضمن ، ولا معه يستقر الضمان على المستأجر إن تمكن من الإعلام ، وإلاّ فإشكال.

______________________________________________________

استأجرها لكنس المسجد فعالجت نفسها فحاضت ، فإن الإجارة تنفسخ فتسقط الأجرة.

قوله : ( فإن اقتص الأجير مع العلم ضمن ).

لعدوانه ، فيقتص منه.

قوله : ( ولا معه يستقر الضمان على المستأجر إن تمكن من الإعلام ).

لأنه بالاستئجار له قد استدعى منه الفعل ، فصار مطلوباً منه بالإجارة في كل زمان ، فإذا لم يعلمه بالعفو مع تمكنه يكون قد غرّه فيستحق الرجوع عليه.

قوله : ( وإلا فإشكال ).

أي : وإن لم يتمكن من الإعلام فإشكال ، ينشأ : من أن المستأجر هو السبب في الاقتصاص والمباشر ضعيف بالغرور ، فيكون الضمان على السبب ، ومن أن المستأجر لعجزه عن الإعلام ، وعدم تمكنه منه يمتنع تكليفه به ، لامتناع تكليف ما لا يطاق ، فيتعلق الحكم بالمباشر ، لأنه الجاني.

ويضعّف بأن المستأجر بعدم تمكنه من الإعلام لا ينتفي عنه كونه غارّاً ، فإنه باستئجاره سلّط الأجير على الاقتصاص ، فإذا عفا بدون علمه فقد غره بذلك فيكون ضامناً فيرجع عليه بالدية ، وهو الأصح.

فرع : قال المصنف في التذكرة : أجرة القصاص تجب على المقتص منه ، لأنه أجر يجب لإيفاء حق ، فكان على الموفي كأجرة الكيال‌

٢٨٦

الفصل الخامس : في التنازع.

لو اختلفا في أصل الإجارة فالقول قول منكرها مع اليمين ، فإن وقع الاختلاف بعد استيفاء المنافع وإتلاف الأجرة ، فإن كان المدعي المالك فله المطالبة بالمختلف من اجرة المثل ، وليس للمستأجر طلب الفاضل من المسمى لو كان ، ولا ضمان في العين. وإن كان هو المستأجر لم يسقط ضمان العين إن أنكر المالك الإذن في التصرف ، ولم يكن للمستأجر المطالبة بالفاضل عن أجرة المثل إن كان.

______________________________________________________

والوزان (١).

قوله : ( لو اختلفا في أصل الإجارة فالقول قول منكرها مع اليمين ).

كما في كل منكر ، سواء كان الاختلاف قبل استيفاء المنافع أو بعده ، فإن كان قبله فالأمر واضح ، فإنّ كلا يرجع إلى ماله ، فلذلك لم يتعرض إليه المصنف.

وإن كان بعده فقد أشار إلى حكمه ب :

قوله : ( فإن وقع الاختلاف بعد استيفاء المنافع وإتلاف الأجرة ، فإن كان المدعي المالك فله المطالبة بالمتخلف من اجرة المثل ).

الظاهر أن إتلاف الأجرة وعدمه لا دخل له في تصوير المسألة ، بل الحكم مترتب على كون الاختلاف بعد استيفاء المنافع ، وإن كان أثره قد يظهر بالنسبة إلى المطالبة بالزائد وعدمه. وكذا بعض التأويلات في قوله : ( لم يسقط ضمان العين إن أنكر المالك الإذن في التصرف ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٠٥.

٢٨٧

______________________________________________________

إذا عرفت ذلك فاعلم أن هذه العبارة قد ذكر جمع أنهم كانوا يبحثون فيها عند المصنف ، وأطبقوا على احتياجها إلى الإصلاح ، وحيث لم يصلحها المصنف تمحّلوا لها تأويلات ، لعدم إمكان إجرائها على ظاهرها.

وإنما قلنا : إنه لا يمكن إجراؤها على ظاهرها ، لأن المتبادر من قوله : ( فإن كان المدعي المالك ) أن المراد به مالك العين وهو المؤجر. ولا ريب أنه إذا كان كذلك لا يستقيم الحكمان المذكوران بعده :

أحدهما : أن له المطالبة بالمتخلف من أجرة المثل ـ أي الزائد على المسمى منها ـ فإنه إذا كان هو المدعي للإجارة ، فهو بزعمه مستحق للمسمى لا لأجرة المثل ، فكيف يستحق المطالبة بالزائد عليه من أجرة المثل.

الثاني : أنه ليس للمستأجر طلب الفاضل من المسمى عن اجرة المثل لو كان هناك فاضل ، فإنه حيث كان منكراً للإجارة إذا حلف لنفيها ، وقد استوفى المنافع وجب عليه أجرة المثل عنها لا المسمى ، فلو كان فيه زيادة عن أجرة المثل كان له طلبها ، فكيف يستقيم نفي استحقاقه طلب ذلك الزائد.

وكذا قوله : ( على تقدير كون المدعي للإجارة هو المستأجر ولم يكن للمستأجر المطالبة بالفاضل من اجرة المثل إن كان ) لا يستقيم أيضاً على ظاهره ، لأنه إذا كان المدعي للإجارة هو المستوفي لمنافع العين ، كان بزعمه أن الواجب عليه هو المسمى خاصة ، فتكون له المطالبة بالفاضل من اجرة المثل عن المسمى.

ويمكن تخريجه على أنه وإن كان هو المدعي للإجارة ، إلا أنه إذا حلف المالك لنفي الإجارة وجب له أجرة المثل ، فلا يكون للمستأجر المطالبة بالزائد من أجرة المثل عن المسمى ، لأنه الواجب بعد اليمين ، أما ما قبله فلما لم يمكن إجراؤه على ظاهره ارتكب جماعة له تأويلات :

٢٨٨

______________________________________________________

أحدها : حمل المدعي في قوله : ( فإن كان المدعي المالك ) على مدعي فساد العقد ، وإن القول قوله بيمينه ، فإن الحكمين يستقيمان حينئذ لكن فيه ـ مع أنه خلاف الظاهر ، وإن تقديم قول مدعي الفساد بيمينه باطل ـ إن مقابله وهو قوله : ( وإن كان هو المستأجر ... ) لا يستقيم إلا على أن المراد هنا كونه مدعيا لأصل الإجارة وأن الاختلاف فيه ، لا أنه مدع للفساد وأن الاختلاف في الصحة والفساد ، وذلك لأن العين غير مضمونة مع الفساد ، لأن العقد الذي لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده ، فلا تكون أقسام المسألة مطابقة ، ولا تكون المسألة مستوفاة على واحد من التقديرين.

الثاني : حمل قوله : ( فإن كان المدعي المالك فله المطالبة ) بالمتخلف من اجرة المثل ، على أنه بعد يمين المستأجر لنفي الإجارة ، أو قبله أكذب نفسه في الدعوى ، فإنه حينئذ يستحق أجرة المثل بإقرار المستأجر وتصديقه إياه ، فله طلب الفاضل من أجرة المثل لو كانت أزيد من المسمى.

وحمل قوله : ( وليس للمستأجر طلب الفاضل من المسمى لو كان ) على أن المراد لو كان هو المدعي للإجارة ، والمالك هو المنكر لها ، لأنه حينئذ معترف باستحقاق المسمى في مقابل المنافع.

وهذا الحمل فيه قبح ، من حيث أن الأحكام المذكورة لا تكون متطابقة ، لأن الأول حكم ما إذا أكذب نفسه ، ولم يذكر باقي أقسام إكذاب نفسه ، والثاني من أحكام قوله : ( ولو كان هو المستأجر ) فيكون تقديمه عليه مخلا بنظم المسألة. مع أن المتبادر من قوله : ( لو كان خلاف ذلك ) أي : لو كان هناك فاضل ، ويكون حكم المدعي إذا لم يكذب نفسه قد أخل به ، على أن حمل ذلك على إكذاب نفسه تعسف عظيم ، وارتكاب لأمر بعيد عن ظاهر اللفظ جدا. ولا يخفى أن ارتكاب مثل هذا يكاد يخرج به الكلام عن كونه عربيا.

٢٨٩

______________________________________________________

الثالث : حمل المالك في قوله : ( فإن كان المدعي المالك ) على أن المراد به مالك الأجرة ، وأن الهاء في قوله : ( فله ) تعود إلى المنكر وهو مالك العين المؤجرة ، وإن لم يجر له ذكر فيستقيم حينئذ قوله : ( فله المطالبة بالمتخلف من أجرة المثل ) ، وقوله : ( وليس للمستأجر طلب الفاضل ... ) ، ويكون قوله : ( ولا ضمان في العين ) أي : في عين الأجرة التي فرضناها تالفة.

وينزّل قوله : ( وإن كان هو المستأجر ) على أنه بفتح الجيم ، وأن المراد به المالك ، أي : وإن كان المدعي هو مالك المستأجر لم يسقط ضمان العين ، أي : ضمان عين الأجرة التالفة إن أنكر مالكها الإذن في التصرف فيها ، وليس للمستأجر المطالبة بفاضل أجرة المثل ، لإنكاره الإجارة واعترافه باستحقاق أجرة المثل عليه.

وهذا أيضا أقبح من الأول ، وأشنع في ارتكاب ما لا ينتقل الفهم إليه أصلا ، ولا ريب إن التزام غلط العبارة وفسادها أسهل من هذه التأويلات المستهجنة.

وإذا أردنا تحقيق المسألة قلنا : لا يخلو : إما أن يكون المدعي لوقوع الإجارة هو مالك العين ، أو المتصرف في المنافع. فإن كان الأول فإنّ القول قول المتصرف بيمينه ، فإذا حلف انتفت الإجارة ووجبت أجرة المثل. فإن كانت أزيد من المدفوع ـ الذي هو المسمى بزعم المالك ـ لم تكن له المطالبة به ، لأنه بزعمه لا يستحقه. ولو زاد المدفوع على أجرة المثل كان للمنكر المطالبة به ، لأن الواجب بزعمه عليه هو أجرة المثل ، ولا ضمان في العين المستأجرة بزعم المالك كما هو ظاهر.

وإن كان المدعي هو المستأجر فالقول قول المالك بيمينه ، فإذا حلف استحق أجرة المثل ، وكانت العين المستأجرة مضمونة على المستأجر ، ولم‌

٢٩٠

ولو اختلفا في قدر الأجرة ، فقال : آجرتك سنة بدينار ، فقال : بل بنصفه فالقول قول المستأجر مع يمينه.

ولو اختلفا في المدة فقال : آجرتك سنة بدينار ، فقال : بل سنتين بدينارين فالقول قول المالك مع يمينه.

______________________________________________________

يكن له المطالبة بالفاضل من أجرة المثل عن المسمى ، ولا بالفاضل من المسمى.

ولو أكذب المالك نفسه في الدعوى لاستحق المطالبة بالزائد من أجرة المثل ، وكانت العين مضمونة. ولو أكذب المستأجر نفسه في الإنكار لم يكن له طلب الزائد من المسمى عن أجرة المثل. ولو أكذب المستأجر نفسه في الدعوى في الشق الثاني لكان له طلب الفاضل من المسمى عن أجرة المثل. ولو أكذب المؤجر نفسه في الإنكار كان للمستأجر طلب الزائد من أجرة المثل عن المسمى ، ولو كان الاختلاف في صحة الإجارة وفسادها فالقول قول مدعي الصحة بيمينه ، والعين أمانة على التقديرين.

ثم إن كان مدعي الفساد هو المالك لم يكن له المطالبة بفاضل المسمى عن أجرة المثل إن كان ، وإن وجب على المستأجر دفعه.

وإن كان هو المستأجر فليس له طلب الزائد من اجرة المثل عن المسمى ، لأنه الواجب بزعمه ، وإن لم يكن للمالك طلبه لو لم يكن قد قبضه ، فهذه أحكام المسألة.

قوله : ( ولو اختلفا في قدر الأجرة ، فقال : آجرتك سنة بدينار ، فقال : بل بنصفه فالقول قول المستأجر مع يمينه. ولو اختلفا في المدة فقال : آجرتك سنة بدينار ، فقال : بل سنتين بدينارين فالقول قول المالك مع يمينه ).

أما الحكم في الأولى ، فلأنهما قد اتفقا على العقد وعلى العين‌

٢٩١

______________________________________________________

والمدة ، ووقع الاختلاف في زيادة الأجرة ، فالقول قول المستأجر بيمينه في نفيها.

وأما الثانية ، فلاتفاقهما على العقد والعين والأجرة ، واختلفا في زيادة المدة ، فالقول قول من ينفيها وهو المالك بيمينه.

فإن قلت : إنهما مع الاختلاف في المدة مختلفان في الأجرة أيضا.

قلت : لما اتفقا على أن الأجرة عن السنة دينار لم يكن بينهما اختلاف فيها من حيث هي هي ، إنما الاختلاف في المدة ، وبسبب الاختلاف فيها لزم الاختلاف في زيادة الأجرة وعدمها.

ولا يخفى أن هذا إنما يتم إذا ادعى التصريح مع الاستئجار سنتين بدينارين ، بأن الأجرة لكل سنة دينار ، أو كانت السنتان متساويتين في الأجرة في الواقع بالنسبة إلى ذلك الشي‌ء.

ثم إنه مع هذا لا يندفع الاختلاف في الأجرة وإن كان ناشئا عن الاختلاف في المدة. ويحتمل قويا التحالف في المسألتين معا ، لأن كلا منهما مدع ومنكر ، وما ذكر في الاستدلال من اتفاقهما على ما عدا الأجرة في الأولى ، وعلى ما عدا المدة في الثانية غير واضح ، إذ لا اتفاق بينهما ، لأن أحدهما يدّعي وقوع العقد على العين مدة كذا بالأقل مثلا ، والآخر يدّعي وقوع ذلك بالأكثر.

ولا ريب أن المقارن لأحد المتقابلين غير المقارن للمقابل الآخر ، فكيف يكون عينه حتى يدّعى الاتفاق على وقوعه؟ نعم هو مثله. وتخيل أن القدر المشترك بينهما متفق على وقوعه فاسد ، لأن القدر المشترك من حيث هو كذلك يمتنع وجوده في الخارج ، فالواقع إنما هو المقيّد لا المشترك ، وليس بين هاتين المسألتين والتي بعدهما فرق مؤثر ليفرّق المصنف بينهما في‌

٢٩٢

ولو قال : بل سنتين بدينار ، فهنا قد اختلفا في قدر العوض والمدة فالأقرب التحالف ، فإذا تحالفا قبل مضي شي‌ء من المدة فسخ العقدان ، ورجع كل منهما في ماله ، فإن رضى أحدهما بما حلف عليه الآخر أقر ، العقد

______________________________________________________

الفتوى ، ولا ريب في قوة احتمال التحالف.

قوله : ( ولو قال : بل سنتين بدينار فقد اختلفا في قدر العوض والمدة فالأقرب التحالف ).

أما الاختلاف في المدة فظاهر ، وأما الاختلاف في العوض فإنه على قول أحدهما عوض السنة دينار ، وعلى قول الآخر نصف دينار.

ولقائل أن يقول : إن العوض الذي جرى عليه العقد متفقان عليه ، وإنما الاختلاف في زيادة المدة وعدمها.

ووجه القرب : أن كل واحد منهما يدعي عقدا مغايرا للعقد الذي يدعيه الآخر ، والآخر ينكره فيتحالفان. وقال الشيخ في الخلاف في باب المزارعة : تستعمل القرعة (١) ، وهو ضعيف ، لأن القرعة في الأمر المشكل الذي لا يستفاد حكمه من الشرع.

ويحتمل تقديم قول المالك بيمينه كما قدّمنا قول المستأجر في المسألة الأولى ، للاتفاق على تعيين الدينار ، والاختلاف إنما هو في قدر ما قوبل به من المدة ، كما اتفقا في المسألة الأولى على تعيين السنة ، واختلفا في قدر الأجرة المقابلة لها ، وقد صرّح بهذا الاحتمال المصنف في التذكرة (٢).

قوله : ( فإذا تحالفا قبل مضي شي‌ء من المدة فسخ العقدان ، ورجع كل منهما في ماله ، وإن رضي أحدهما بما حلف عليه الآخر أقر‌

__________________

(١) الخلاف ٢ : ١٢٧ مسألة ١٠ كتاب المزارعة.

(٢) التذكرة ٢ : ٣٣٠.

٢٩٣

وإن كان بعد المدة أو شي‌ء منها سقط المسمى ووجب أجرة المثل ما لم يزد عما يدعيه المالك وتنقص عما يدعيه المستأجر ،

______________________________________________________

العقد ).

كل موضع حكمنا فيه بالتحالف : إما أن يكون ذلك قبل مضي شي‌ء من المدة ، أو بعده. فإن كان قبله فسخ العقدان بالتحالف ، ورجع كل منهما في ماله ، لانتفاء كل من العقدين الذي يدعيه أحدهما بيمين الآخر.

وإن رضي أحدهما بما حلف عليه الآخر أقرّ العقد الذي يدعيه الحالف ، وهذا إذا حلف يمينا جامعة للنفي والإثبات ظاهرا.

وإن اقتصر على نفي العقد الذي يدعيه صاحبه فلا بد من تصديقه على دعواه ، أو ردّ اليمين الآخر عليه إن رضي بالرد أو نكل.

قوله : ( وإن كان بعد المدة ، أو شي‌ء منها سقط المسمى ، ووجب اجرة المثل ما لم تزد عما يدعيه المالك ، وتنقص عما يدعيه المستأجر ).

أي : وإن كان التحالف بعد مضي المدة ، أو شي‌ء منها سقط المسمى ، لانتفاء الإجارة بالانفساخ ، ووجبت اجرة المثل ما لم تزد عما يدعيه المالك ، لاعتراف المالك بعدم استحقاق الزيادة ، فيدفع إليه حينئذ المسمى.

وكذا لا يقتصر على اجرة المثل ، أو نقصت عما يدعيه المستأجر ، لأنه يعترف بوجوب زيادة فيجب دفعها ، فيتخرج ـ إذا زادت اجرة المثل عن المسمى الذي يدعيه المالك ـ أن لا يجب على المستأجر اليمين ، لأنه إذا حلف استحق المالك المسمى فليأخذه من أول الأمر.

ويرده : أن لتوجه اليمين فوائد أخرى :

٢٩٤

ويحتمل مع التحالف استحقاق المنافع سنة بالنسبة من الدينار.

______________________________________________________

منها : أنه ربما رد اليمين على الآخر ، أو نكل فردت عليه ، فإنه إذا حلف ثبت ما يدعيه ، فلا يجب المسمى الذي يدعيه المالك.

ومنها : ربما خاف اليمين فأقر بالواقع على تقدير مطابقته لدعوى الآخر ، فتوجه اليمين عليه رجاء لذلك.

ولو نقصت أجرة المثل عما يدعيه المستأجر تخرّج أن لا يجب على المالك اليمين ، لأنه إذا حلف لنفي ما يدعيه المستأجر ثبت ذلك المحلوف ، فلا فائدة لهذا اليمين ، وإن نكل ، أو ردّ اليمين ، أو أقر فالواجب هو ذلك ، فلا يظهر له أثر أصلا.

قوله : ( ويحتمل مع التحالف استحقاق المنافع سنة بالنسبة من الدينار ).

وجه الاحتمال : أن الذي انتفى بيمين المالك هو السنتان بالدينار ، وهو لا ينافي ثبوت سنة بنصف دينار ، والذي انتفى بيمين المستأجر هو كون السنة بدينار ، وذلك لا ينافي كونها بنصف دينار أيضا ، وقد تصادقا على وقوع الإجارة سنة ، وأن أجرتها لا تنقص عن نصف دينار فليثبت ذلك إذ لا دليل على نفيه.

وفيه نظر ، لأنهما لم يتصادقا على ذلك ، لأن دعوى المستأجر السنتين وإن تضمن سنة ، إلا أنه قد انتفى بيمين المالك لانتفاء المدلول المطابقي ، فينتفي بانتفائه المدلول التضمني.

وكذا القول في دعوى المالك السنة بدينار فإنها قد انتفت بيمين المستأجر فينتفي التضمني ـ وهو كونها بنصف دينار ـ لانتفاء المطابقي.

٢٩٥

ولو قال المالك : آجرتكها سنة بدينار ، فقال : بل استأجرتني لحفظها سنة بدينار قدّم قول المالك في ثبوت الأجرة ، لأن السكنى قد وجدت من المستأجر فتفتقر إلى بينة تزيل عنه الضمان.

ولو اختلفا في قدر المستأجر فالقول قول المالك ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو قال المالك : آجرتكها سنة بدينار ، فقال : بل استأجرتني لحفظها سنة بدينار قدّم قول المالك في ثبوت أجرة ، لأن السكنى قد وجدت من المستأجر ، فيفتقر إلى بينة تزيل عنه الضمان ).

لا ريب إن كل واحد منهما مدع ومدعى عليه ، لأن المستأجر يدعي على المالك أجرة الحفظ وهو ينكره ، والمالك يدعي عليه اجرة الدار وهو ينكر ، فيتحالفان وتثبت أجرة المثل ، وقد صرح به في التذكرة.

وما ذكره المصنف صحيح أيضا ، فإنه إذا حلف المالك لنفي ما يدعيه المستأجر انتفى استحقاقه للأجرة ، وكون المنافع التي استوفاها لم تكن مباحة له فيثبت أجره في الجملة ، لكونه قد استوفى المنافع ولم يأت بمسقط لها عنه ، ولا يتعين كونها المسمى أو أجرة المثل ، فإذا حلف المستأجر انتفى المسمى وتعين أجرة المثل إلا أن تزيد على المسمى.

ويتخرج أنه إن زادت اجرة المثل ، أو ساوت المسمى لا حاجة إلى اليمين من المستأجر ، لأن غايتها وجوب ذلك فلا فائدة فيها.

إذا عرفت ذلك ، فتنكير الأجرة في العبارة في قوله : ( قدّم قول المالك في ثبوت اجرة ) حسن واقع في موضعه.

ضابط : إذا حصل الاختلاف في الأجرة جنسا ، أو قدرا ، أو وصفا ، أو في المدة ، أو في قدر المستأجر ، أو عينه وجب التحالف.

قوله : ( ولو اختلفا في القدر المستأجر فالقول قول المالك ).

٢٩٦

وكذا لو اختلفا في رد العين المستأجرة.

______________________________________________________

إذا كان الاختلاف‌ في قدر المستأجر ، مع اتفاقهما على جريان الإجارة على شي‌ء منه ، كأن قال : آجرتك البيت بدينار ، فقال : بل البيت وسائر الدار فالقول قول المالك ، لأنه المنكر للزائد. ويحتمل التحالف ، لأن كل واحد منهما مدع ومنكر ، وقد ذكر الاحتمالين في التذكرة ولم يفت بشي‌ء (١) ، ولا ريب أن التحالف أقوى.

ولو اختلفا في تعيين المستأجر فالتحالف ليس إلا ، كما لو قال : آجرتك البيت ، فقال : بل الحمام.

ولو اختلفا في جنس الأجرة ، أو وصفها فكذلك.

قال في التذكرة : أما لو لم يذكر العوض ، ولا تنازعا فيه بأن كان قد قبضه المالك ، واتفقا على براءة ذمة المستأجر منه ، ثم ادعى أنه استأجر الدار بأسرها ، فقال المالك : بل آجرتك هذا البيت منها خاصة ، فإنه يقدّم قول المالك قطعا مع اليمين (٢).

أقول : إني لا أجد فرقا ـ إذا وقع التصريح بالإجارة ـ بين أن يذكر العوض وعدمه ، لأنهما حينئذ مختلفان في سبب استحقاقه وإن لم يذكراه ، فإن ذكر الملزوم ، والاختلاف فيه في قوة الاختلاف في اللازم.

نعم ، لو سكتا عن الإجارة ، وقال أحدهما : إني استحق منفعة الدار بأسرها ، فقال الآخر : بل تستحق منفعة البيت وحده ، فإن المالك يحلف لنفي الزائد قطعا ، لعدم التصريح بما يقتضي التحالف ، لاحتمال اتفاقهما على سبب يتعلق بالبيت بخصوصه ، واختلافهما في حصول سبب آخر للباقي.

قوله : ( ولو اختلفا في رد العين المستأجرة ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٣٠.

(٢) التذكرة ٢ : ٣٣٠.

٢٩٧

ولو اختلفا في التعدي فالقول قول المستأجر ، وكذا لو ادعى الصانع أو الملاّح أو المكاري هلاك المتاع ، وأنكر المالك فالقول قولهم مع اليمين ، وكذا إن ادعى إباق العبد من يده أو أن الدابة نفقت أو شردت وأنكر المالك ،

______________________________________________________

أي : القول قول‌ المالك فيه بيمينه ، لأنه منكر.

قوله : ( ولو اختلفا في التعدي فالقول قول المستأجر ).

لأنه أمين ، والأصل عدم التعدي ، وهو منكر له.

قوله : ( وكذا لو ادعى الصانع ، أو الملاح ، أو المكاري هلاك المتاع ، وأنكر المالك فالقول قولهم مع اليمين ).

لأنهم أمناء ، ولأنهم ربما كانوا صادقين ، فلو لم يقبل قولهم باليمين لخلد حبسهم. وقد سبق في الغصب قبول قول الغاصب بيمينه في التلف فهؤلاء أولى ، وهذا قول جمع من الأصحاب (١).

وقال المفيد (٢) ، والمرتضى (٣) ، وجمع ، إنهم يكلفون البنية لادعائهم خلاف الأصل ، وقد ورد في بعض الأخبار عدم القبول إلا بالبينة (٤) ، والأصح الأول.

قوله : ( وكذا إن ادعى إباق العبد من يده ، أو أن الدابة نفقت أو شرّدت ، وأنكر المالك ، ).

أي : وكذا القول قول المستأجر في إباق العبد من يده ، وإن الدابة نفقت أو شرّدت لو أنكر المالك ذلك. ووجهه : أنه أمين ، وإمكان صدقه ،

__________________

(١) منهم المحقق في الشرائع ٢ : ١٨٩.

(٢) المقنعة : ٩٩.

(٣) الانتصار : ٢٢٥.

(٤) الكافي ٥ : ٢٤٣ حديث ١ ، التهذيب ٧ : ١٢٩ حديث ٥٦٤.

٢٩٨

ولا أجرة على المستأجر مع اليمين.

ولو ادعى أن العبد مرض في يده وجاء به صحيحا قدّم قول المالك ، وإن جاء به مريضا قدّم قوله.

ولو اختلفا في وقت الهلاك ، أو الإباق ، أو المرض فالقول قول المستأجر ، لأن الأصل عدم العمل إن قدّر به وقلنا يملك بالعمل ، وإلاّ‌

______________________________________________________

فلو لم يقبل يمينه لأفضى إلى تخليد حبسه.

وهذا إذا لم يأت بالعبد غير آبق ، وكذا الدابة. فإن أتى به أو بالدابة ، وادعى الإباق أو الشرود جميع المدة أو بعضها لم تسمع دعواه إلا بالبينة ، لأن ذلك خلاف الإحلاف ، ولأنه يدعي عدم وصول العوض إليه مع إنه مكّن منه ظاهرا.

قوله : ( ولا أجرة على المستأجر مع اليمين ).

يريد به في جميع هذه الصور : التي ادعى فيها المستأجر هلاك العين إذا ادعى الهلاك في أول مدة الإجارة ، لأن القول قوله في ذلك ، لأنه أعلم بوقت الهلاك ، لكونه حصل في يده ، ولأن الأصل عدم العمل فكأنه يدعي بقاء استحقاقه ، وسيأتي لهذه المسألة مزيد كلام.

قوله : ( ولو ادعى أنّ العبد مرض في يده ، وجاء به صحيحاً قدّم قول المالك ، وإن جاء به مريضا قدّم قوله ).

لأنه إذا جاء به صحيحا فقد ادعى ما يخالف الأصل وليس معه دليل عليه ، وإذا جاء به مريضا فقد وجد ما يخالف الأصل يقينا ، فكان القول قوله في مدة المرض ، لأنه أعلم بذلك لكونه في يده.

قوله : ( ولو اختلفا في وقت الهلاك ، أو الإباق ، أو المرض فالقول قول المستأجر ، لأن الأصل عدم العمل إن قدر به وقلنا يملك‌

٢٩٩

فإشكال ،

______________________________________________________

بالعمل ، وإلا فإشكال ).

إذا اختلف المؤجر والمستأجر في وقت هلاك العبد ، أو إباقه ، أو مرضه هل هو بعد العمل أو قبله بعد اتفاقهما على حصول ذلك قدّم قول المستأجر بيمينه دون المالك ، لأن الأصل عدم العمل المقتضي لتملك الأجرة ، والمالك يدعيه ليستحق الأجرة ، والمستأجر ينكره.

هذا إن وقع التقدير للمنفعة في عقد الإجارة بالعمل ، وقلنا إنه بمجرد حصوله يملك الأجرة ، وإن لم يسلّم العمل إلى المستأجر ليتحقق تملك الأجرة به.

وإن لم نقل بأنها تملك بالعمل ، بل به وبالتسليم إلى المستأجر ففي تقديم قول المؤجر أو المستأجر باليمين إشكال ، ينشأ : من أن المستأجر بدعواه تقدم الإباق مخالف للأصل فيكون مدعيا ، وقول المالك إنما لم يحكم بتقديمه ، لأنه يحاول به إثبات استقرار تملك الأجرة ، والأصل عدمه ، وهذا المانع هنا منتف فيكون القول قول المالك بيمينه.

ومن أن العمل وإن لم يثبت به استقرار الأجرة ، إلا أن له مدخلا في ذلك ، فهو جزء السبب ، فحينئذ المالك يحاول به تمهيد إثبات استحقاق الأجرة ، فلا يقدّم قوله فيه باليمين ، وهذا الوجه أقرب.

ولقائل أن يقول : إن الاختلاف إن كان في مجرد العمل ـ إن قلنا إن شرط استقرار الأجرة حصول التسليم ـ فلا فائدة فيه أصلا ، لأن وجوده كعدمه ، فأي فائدة لثبوت التنازع فيه ، والإقدام على اليمين ، وجعله مقدمة لثبوت الاستقرار إذا ضم إليه بعد ذلك دعوى التسليم ليس بشي‌ء ، لأن دعوى التسليم للعمل تتضمن دعوى العمل فلا يكون إثبات العمل مقدمة له ، فوجودها وعدمها على حد سواء ، فلا يتجه يمين واحد منهما ، فإن غاية توجه اليمين هو كونه بحيث إذا أقر المدعى عليه بما يحلف عليه نفع. وهنا ليس‌

٣٠٠