جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٧

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٧

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٣

وله أن يسكّن المساوي أو الأقل ضرراً إلا مع التخصيص ،

______________________________________________________

المبعض للصفقة ، حيث إن المنافع لكونها معلومة ـ وإنما توجد على التدريج ـ لا يمكن تسليمها دفعة واحدة.

فإذا رفع يد المستأجر عن العين ، ووضع يده كانت من ضمانه ، لأن المستأجر لم يتسلمها ، ومن ثم لا يفرق بين ما إذا كان ذلك قبل تسليم العين إلى المستأجر وبعده ، بخلاف ما إذا غصبها غاصب أجنبي بعد التسليم ، لأن الواجب على المؤجر ـ وهو تسليم العين ـ قد وجد وتمت المعاوضة ، فلا يجب على المؤجر حفظها من أن يغصبها غاصب ، لأن الواجب عليه بمقتضى عقد الإجارة ـ وهو رفع يده عن العين وتسليمها إلى المؤجر ـ قد فعله.

أما وضع يده على العين ، ومنع المستأجر من المنافع فإنه ممنوع منه ، وهو قادر على اجتنابه ، فإذا أقدم عليه فقد أتلف المنفعة على المستأجر قبل قبضها ، فيترتب عليه الحكم.

وقد صرّح المصنف في التذكرة فيما لو استأجر الدار سنة فسكنها شهراً ، ثم تركها وسكنها المالك بقية السنة : بأنه يتخير بين الفسخ في باقي المدة وإلزام المالك بأجرة المثل (١).

فرع : لو سكن المستأجر بعض المدة ، ثم سكن المالك كان للمستأجر الفسخ فيما بقي بعد سكناه ، نص عليه في التذكرة (٢) ، ووجهه ظاهر.

قوله : ( وله أن يسكن المساوي أو الأقل ضرراً ، إلا مع التخصيص ).

أي : للمستأجر ذلك ، وظاهر العبارة أن هذا الحكم فيما إذا استأجر‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٢٦.

(٢) المصدر السابق.

٢٤١

ويضع فيه ما جرت عادة الساكن من الرحل والطعام ، دون الدواب والسرجين والثقيل على السقف.

وله إدارة الرحى في الموضع المعتاد ، فإن لم يكن لم يكن له ، التجديد

______________________________________________________

الدار للسكنى من دون تعيين الساكن ، وهو صحيح في نفسه ، فإنه لا يجب تعيين الساكنين ، ولا ذكر عددهم ، وصنفهم من رجال ونساء وصبيان ، خلافاً لبعض الشافعية (١).

بل ولا يجب ذكر السكنى ولا صفتها ، تمسكاً بأصالة البراءة ، فإذا استأجر داراً للسكنى ، أو مطلقاً صح وملك منافع سكناها ، فله أن يسكن بنفسه ، ومن شاء معه من عياله ومن يتبعه. وله أن يسكن من شاء ممن يساويه في الضرر ، أو ينحط عنه فيه ، نظراً إلى أن إطلاق العقد وإن لم يقتض تعيينه ، لكن ظاهر الحال اقتضى تقدير حال الساكن بحال المستأجر في الضرر ، ونقل عدم الخلاف في ذلك في التذكرة (٢). ولا يمنع دخول زائر ، وضيف ، ونحوهما حملاً على المتعارف.

إذا عرفت ذلك ، فلو استأجر لسكناه فهل يتعين؟ صرح في التذكرة فيما إذا استأجر الأرض لزرع معين ، حيث يجوز له التخطي إلى المساوي والأقل ضرراً : إنه يجوز التخطي في الاستئجار لسكناه إلى المساوي والأقل ضرراً (٣) ، وعلى ما اخترناه في الزرع لا يجوز التخطي هنا أيضاً.

قوله : ( ويضع فيه ما جرت عادة الساكن من الرحل والطعام دون الدواب والسرجين ، والثقيل على السقف ، وله إدارة الرحى في الموضع‌

__________________

(١) فتح العزيز ١٢ : ٣٣٢ ونقل القول فيه عن شرح المفتاح.

(٢) التذكرة ٢ : ٣٠٦.

(٣) التذكرة ٢ : ٣٠٧.

٢٤٢

ويجوز استئجار الدار ليعمل مسجداً يصلّى فيه.

الفصل الثالث : في الأحكام ، إذا استأجر إلى العشاء أو إلى الليل فهو إلى غروب الشمس ،

______________________________________________________

المعتاد فإن لم يكن لم يكن له التجديد ).

لا ريب أن وضع الرحل الذي هو الأمتعة والطعام ، وإحراز الثياب وغيرها مما لا يضر بها جائز ، والعادة مطردة به.

أما الدواب فلا يجوز جعلها فيها ، لأنها تروث وتفسدها. وهل يلحق بها نحو الدجاج والإوز؟ يحتمل اللحاق ، وتحكيم العادة قريب.

وكذا لا يجعل فيها السرجين ولا شيئاً يضر بها ، ولا يضع فوق سقفها ثقيلاً ، لأنه يكسر خشبة أو يضعفه ، ولا يجعلها محرزاً للطعام إلا لقوته وما جرت العادة به ، لأن الفأر يفسد أرضها وحيطانها ، ولا يسكنها حداداً ولا قصاراً ونحوهما. ويجوز ذلك كله مع الشرط.

وله إدارة الرحى على حسب العادة لا بدونها ، سواء المثبتة وغيرها. ولا بد في إثبات الرحى من جريان العادة بذلك أو اشتراطه ، لأنه يحتاج إلى تجديد شي‌ء من البناء.

قوله : ( ويجوز استئجار الدار ليعمل مسجداً يصلى فيه ).

لأن ذلك غرض مقصود محلل متقوم ، نعم لا تثبت لها حرمة المسجد ، فيكون إطلاق عملها مسجداً بالمجاز ، باعتبار ثبوت مقصود المسجد لها وهو إعدادها للصلاة.

قوله : ( إذا استأجر إلى العشاء ، أو إلى الليل فهو إلى غروب الشمس ).

وذلك لأن صلاة العشاء التي هي العتمة يقال لها العشاء الآخرة ، وذلك‌

٢٤٣

وكذا إلى العشي ، إلا أن يتعارف الزوال.

ولو قال : إلى النهار فهو إلى أوله ، ولو قال : نهاراً فهو من الفجر إلى الغروب ، وليلاً إلى طلوع الفجر. وإذا نمت الأجرة المعيّنة في يد المستأجر فالنماء للمؤجر إن كان منفصلاً ،

______________________________________________________

يقتضي أن الأولى هي المغرب.

فإذا أقّتت المدة في الإجارة بالعشاء حمل الإطلاق على أول الوقت ، كما إذا أقّتت بشهر كذا فإنه يحمل على أول الشهر. وكذا التأقيت بالليل يحمل على أوله ، فتكون في الموضعين الغاية غروب الشمس. وذهب أبو حنيفة إلى أن تأقيت المدة بالعشاء يقتضي كون آخرها زوال الشمس (١).

قوله : ( وكذا العشي ، إلا أن يتعارف الزوال ).

أي : وكذا العشي إذا أقّتت المدة به فهو الغروب عملاً بالمتعارف ، إلا أن يكون المتعارف أنه زوال الشمس.

ويحتمل أن يكون الاستثناء راجعاً إليه وإلى العشاء ، فإن العرف إذا استقر على أن العشاء هو الزوال وجب المصير إليه. إلا أن هذا بعيد عن المتفاهم في العشاء بخلاف العشي ، ولا دليل على أن أحدهما هو الآخر.

قوله : ( ولو قال : إلى النهار فهو إلى أوله ).

فإن الانتهاء إلى أوله يصدق معه الانتهاء إليه.

قوله : ( وإذا نمت الأجرة المعينة في يد المستأجر فالنماء للموجر إن كان منفصلاً ).

أي : إذا كانت الأجرة معينة إما لتعيينها بتشخيصها في العقد ، أو‌

__________________

(١) المغني لابن قدامة ٦ : ١٣.

٢٤٤

فإن انفسخت الإجارة ففي التبعية إشكال ، بخلاف المتصلة وظهور البطلان فإنها تابعة فيهما.

______________________________________________________

لتعيين المستأجر ما في ذمته في شي‌ء ، وقبض المؤجر إياه أو وكيله وحينئذ فنماؤها في يد المستأجر للمؤجر ، لأنه تابع للملك ، وهذا إذا كان منفصلاً كالولد والثمرة.

ولا يخفى أن النماء المتصل أيضاً كذلك ، لكنه مع انفساخ الإجارة يتبع العين في الرجوع إلى ملك المستأجر ، فلذلك قيّد بالمنفصل.

قوله : ( فإن انفسخت الإجارة ففي التبعية إشكال ).

ينشأ : من أنه نماء حصل في ملكه فيختص به ، ومن أنه إنما دخل في ملكه بتبعية الأصل ، وقد خرج الأصل عن ملكه فليتبعه النماء. وهو ضعيف ، لأن الأصل إنما خرج عن ملكه لانفساخ عقد الإجارة الذي هو سبب ملكه إياه ، فوجب عود كل من العوضين إلى مالكه. وأما النماء فليس سبب ملكه عقد الإجارة ، بل ملك الأصل في وقت حصول النماء ، وهذا لم يزل ، وللاستصحاب ، والأصح عدم التبعية.

وربما بني الوجهان على أن الفسخ يرفع العقد من أصله ، أو من حينه ، ولا ريب في فساد الأول.

قوله : ( بخلاف المتصلة ، وظهور البطلان فإنها تابعة فيهما ).

أي : بخلاف النماء المتصل ، فإنه تابع للأصل إذا عرض الفسخ أو الانفساخ ، لأنه جزء من المسمى حقيقة ، فيمتنع الانفساخ في الأصل وبقاء الجزء ، لما في ذلك من الضرر ، مع لزوم ملك جزء من أحد العوضين مع فوات الآخر جميعه وهو باطل. وكذا إذا انفسخ البيع ، وقد زاد أحد العوضين زيادة متصلة فإنها تتبع الأصل ، لمثل ما قلناه.

وكذا إذا ظهر بطلان عقد الإجارة لوجود مانع أو فقد شرط ، فإن كلا من‌

٢٤٥

والأقرب عدم إيجاب الخيوط على الخيّاط ، واستئجار كل من الحضانة والرضاع لا يستتبع الآخر ،

______________________________________________________

العوضين باق على ملك صاحبه ، فالنماء له سواء كان متصلاً أو منفصلاً ، لأنه نماء ملكه. والضمير المفرد في قول المصنف : ( فإنها تابعة فيهما ) يعود إلى ( المتصلة ) التي هي صفة لمحذوف ـ وهو النماء ـ بتأويل الزيادة ، فإن النماء زيادة ، والمثنى يعود إلى المتصل في الانفساخ ، والمطلق في ظهور البطلان.

قوله : ( والأقرب عدم إيجاب الخيوط على الخيّاط ).

وجه القرب أن الإجارة إنما تقع على المنافع بالأصالة ، فلا تجري على الأعيان ولا تتناولها.

ويحتمل وجوبها عليه ، لتوقف الخياطة عليه. والأصح عدم الدخول إلا أن تطّرد العادة بكونها على الخياط ، فتدخل تنزيلاً للإطلاق على المتعارف.

قوله : ( واستئجار كل من الحضانة والرضاع لا يستتبع الآخر ).

أي : الاستئجار لهما ، فتوسع بإطلاق الاستئجار عليهما. ثم إن الإرضاع والحضانة منفعتان مستقلتان غير متلازمتين ، فلا تدخل إحداهما في العقد على الأخرى. ويجوز إفراد كل منهما بعقد ، ولا تستتبع المعقود عليها الأخرى ، لأن الحضانة عبارة عن حفظ الطفل ، وتعهده بغسله ، وغسل رأسه ، وثيابه ، وخرقه ، وتطهيره من النجاسات ، وتدهينه ، وتكحيله ، وإضجاعه في المهد وربطه وتحريكه لينام ، والإرضاع أمر خارج عن ذلك.

وقال بعض الشافعية : إن كلا منهما يستتبع الآخر ، لأنه لا يتولاهما في العادة إلا المرأة الواحدة (١) ، وليس بشي‌ء. وآخرون : إن الإرضاع يستتبع‌

__________________

(١) انظر : المجموع ١٥ : ٤٥ ، والوجيز ١ : ٢٣٤ ، ومغني المحتاج ٢ : ٣٤٥.

٢٤٦

فإن ضمهما فانقطع اللبن احتمل الفسخ ، لأنه المقصود والتقسيط والخيار.

______________________________________________________

الحضانة دون العكس ، لأن الإجارة إنما تقع على المنافع ، والأعيان تابعة (١). ويرده أن هذا الفرد مستثنى بالنص ، على أن الاستئجار للإرضاع يتناول منفعة وعيناً.

قوله : ( فإن ضمهما فانقطع اللبن احتمل الفسخ لأنه المقصود ، والتقسيط ، والخيار ).

هذه الاحتمالات الثلاثة إنما تتفرع على الأقوال الثلاثة في كون الحضانة والإرضاع مستقلين ، وعدمه. وقول المصنف : ( لأنه المقصود ) يرشد إلى ذلك ، لكن لا يحسن ذلك ، لأن المتبادر من العبارة أن الاحتمالات على ما اختاره المصنف من أن كل واحد منهما لا يستتبع الآخر.

وفي قوله : ( احتمل الفسخ ) توسع ، لأن المطابق للتعليل ـ ولمقصوده في التذكرة (٢) ـ الانفساخ.

وتحقيق ما هناك : أنه إذا استأجر للإرضاع والحضانة معاً فانقطع اللبن ، فإن قلنا إن المقصود بالذات والمقصود عليه بالأصالة هو الإرضاع انفسخ العقد ، لفوات مقصود الإجارة ، ولا اعتبار بالإجارة لتبعيتها.

وإن قلنا المعقود عليه بالأصالة الحضانة والإرضاع تابع لم يبطل العقد ، لبقاء المعقود عليه بكماله ، لكن للمستأجر الخيار ، لأن انقطاع اللبن عيب.

وإن قلنا باستقلالهما ، وأن كل واحد منهما مقصود بنفسه انفسخ العقد في الإرضاع وسقط قسطه من الأجرة ، ويتخير المستأجر في فسخه في الباقي لتبعض الصفقة.

__________________

(١) المصدر السابق والمغني لابن قدامة ٦ : ٨٣.

(٢) التذكرة ٢ : ٣١٢.

٢٤٧

وفي إيجاب الحبر على الناسخ ، والكش على الملقح ، والصبغ على الصبّاغ إشكال.

______________________________________________________

وإذا عرفت ما قلناه ظهر لك أن الذي يتفرع على مختار المصنف هو التقسيط ، والباقي ساقط. ولو أنه أتى بالاحتمالات الثلاثة في التبعية بين الإرضاع والحضانة وعدمها لحسن ما ذكره ، وبنيت الاحتمالات في الفرع على الاحتمالات في الأصل.

وقد اضطرب كلام الشارح حيث جعل المذكور في العبارة احتمالين :

الفسخ ، فحكم بالتقسيط ، ولا شك أنه غلط ، لأن المراد حصول الفسخ في الجميع ، ولو لاه لكان قول المصنف : ( لأنه المقصود ) فاسد.

الثاني : الخيار (١).

وفي حواشي شيخنا الشهيد : إن التقسيط ملزوم للخيار باعتبار تبعض الصفقة ، فلا يجعل احتمالاً برأسه. ومقتضاه كونهما احتمالين : الانفساخ في الكل ، والانفساخ في البعض مع ثبوت الخيار.

وهذا وإن كان صحيحاً في نفسه ، إلا أنه غير مراد ، لأن ظاهر العبارة كلا من الأمور الثلاثة ، ولو كان الحال كما ذكره لبقي الحكم على القول بأن اللبن تابع ، والخيار الذي أراده مع التقسيط لازم له ، لأن تبعض الصفقة يقتضيه.

قوله : ( وفي إيجاب الحبر على الناسخ ، والكش على الملقح ، والصبغ على الصّباغ إشكال ).

ينشأ : من أن المنافع المستأجر عليها متوقفة على ذلك ، ومن أن عقد الإجارة لا يقع على الأعيان. والأصح الرجوع إلى العادة المطردة ، فإن‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٢٧٣.

٢٤٨

ولو قدر المالك على التخليص لم يجبر عليه ، إذا كان الغصب بعد الإقباض ، ولا على العمارة ، سواء قارن العقد الخراب كدار لا غلق لها ، أو تجدد بعد العقد ، نعم للمستأجر خيار الفسخ.

______________________________________________________

انتفت لم يجب.

وكان المصنف إنما أفتى في الخيوط بعدم الوجوب وتردد هنا ، نظراً إلى عدم استقرار العادة بكونها على الخيّاط ، بخلاف الحبر والصبغ.

قوله : ( ولو قدر المالك على التخليص لم يجبر عليه ، إذا كان الغصب بعد الإقباض ).

لأنه قد أدى ما يجب عليه بمقتضى الإجارة بتسليم العين إلى المستأجر.

قوله : ( ولا على العمارة سواء قارن العقد الخراب كدار لا غلق لها ، أو تجدد بعد العقد ، نعم للمستأجر خيار الفسخ ).

أي : لا يجبر المالك على العمارة سواء لم يحوج إلى عين جديدة كإصلاح مائل أو أحوجت ، وسواء قارن الخلل العقد أو تجدد ، لأن ذلك ملكه ، ولا يجبر على عمارة ملكه.

ويحتمل ثبوته عملاً بمقتضى العقد ، وفي اقتضائه العمارة نظر. نعم يثبت للمستأجر الخيار.

فإن قيل : لم لا يجب على المؤجر عمارة الدار ، ويجب عليه إبدال آلات الدابة وإصلاحها ، والحبل للشد وإصلاحه وإبداله؟

قلنا : الفرق أن الدار إنما تقع الإجارة على عينها ، فإن كانت معمورة ثم خربت والمستأجر قد ذهب وإن كانت خربة فهي التي وقع عليها العقد ، فلا يجب شي‌ء آخر لم يتعلق به العقد ، بخلاف نقل الحمل الذي قد يكون‌

٢٤٩

وعلى المالك تسليم المفتاح دون القفل ، فإن ضاع بغير تفريط لم يضمن المستأجر ، وليس له المطالبة ببدله. وعلى المالك تسليم الدار فارغة ، وكذا البالوعة ، والحش ، ومستنقع الحمام،

______________________________________________________

في الذمة فلا يختص بعين دون عين.

وإن وقع على الدابة بعينها ، لكن الإكاف (١) ونحوه لا يعين فيكون وجوبه في الذمة ، فيتعين تحصيله وإبداله لوجود العيب.

وهل له الأرش لو أجاز أم لا؟ الحكم كما سبق ، وينبغي أن يكون ذلك حيث لم يعلم بالعيب ، فإن علم به لم يكن له فسخ. ولو أن المالك ضمن له العمارة حين علمه قبل العقد ، فليس ببعيد ثبوت الخيار مع الإخلال بها.

قوله : ( وعلى المالك تسليم المفتاح دون القفل ).

لأنه تابع للغلق المثبت ولا يتم الانتفاع إلا به ، بخلاف مفتاح القفل حيث لا يجب تسليم القفل ، لأن الأصل عدم دخول المنقولات في العقد الوارد على العقار إلا بعادة أو تبعية.

قوله : ( فإن ضاع بغير تفريط لم يضمن المستأجر ).

لأنه أمين.

قوله : ( وليس له المطالبة ببدله ).

كما في العمارة ، ويحتمل استحقاق المطالبة بالبدل كالاحتمال في العمارة ، ومتى لم يبدله فالظاهر ثبوت الخيار ، كما لو خرب شي‌ء من الحيطان ، أو ذهب شي‌ء من الأبواب.

قوله : ( وعلى المالك تسليم الدار فارغة ، وكذا البالوعة ،

__________________

(١) إكاف الحمار : برذعته. القاموس المحيط ( أكف ) ٣ : ١١٨.

٢٥٠

فإن كانت مملوءة تخيّر ، فإن تجدد الامتلاء في دوام الإجارة احتمل وجوبه على المستأجر ، لأنه بفعله وعلى المؤجر لتوقف الانتفاع عليه.

ولا يجب على المستأجر التنقية عند انتهاء المدة ، بل التنقية من الكناسات ،

______________________________________________________

والحش ، ومستنقع الحمام ).

ليثبت التمكن من الانتفاع الواجب بالإجارة ، والحش ، مثلث المهملة : هو المخرج ، كما ذكره في القاموس (١).

قوله : ( فإن كانت مملوءة تخيّر ).

أطلق هنا ثبوت الخيار ، وفي التذكرة أوجب على المالك التفريغ ، وحكم بثبوت الخيار مع إهماله (٢) ، وهو الصواب ، لأن التفريغ لا يجب قبل العقد ، لأن حق المستأجر إنما يثبت به ، والتمكن من الانتفاع بسلامة العين ، ومبادرة المالك إلى إزالة الأمر العارض حاصل ، لأنه الفرض. نعم لو فات بالتفريغ شي‌ء من النفع ثبت الخيار ، ومثل هذه الأحكام في البيع.

قوله : ( فإن تجدد الامتلاء في دوام الإجارة احتمل وجوبه على المستأجر لأنه بفعله ، وعلى المؤجر لتوقف الانتفاع عليه ).

لا يخفى ضعف دليل الثاني ، لأنه ليس كلما توقف الانتفاع عليه بعد تسليم العين ، وتمكين المستأجر منها التمكين التام يجب على المؤجر ، فإن رفع يد الغاصب كذلك ولا يجب مع أن الأصل براءة الذمة ، والذي اقتضاه عقد الإجارة إنما هو تسليم العين مفرغة وقد حصل.

قوله : ( ولا يجب على المستأجر التنقية عند انتهاء المدة ، بل

__________________

(١) القاموس المحيط ( حشش ) ٢ : ٢٦٩.

(٢) التذكرة ٢ : ٣١٢.

٢٥١

______________________________________________________

التنقية من الكناسات ).

أي : لا يجب‌تنقية المذكورات لانتفاء المقتضي ، والأصل البراءة. أما الكناسات الحاصلة في دوام الإجارة فعلى المستأجر ، لأنها حصلت بفعله ، فإن أراد أن يكمل له الانتفاع فليرفعها.

ومقتضى عبارة الكتاب وجوب رفعها عند انتهاء مدة الإجارة ، وتردد المصنف في التحرير (١) ، وللنظر فيه مجال.

ولو كانت موجودة وقت العقد فهل على المالك رفعها؟ لم أجد بذلك تصريحاً ، وقوة كلامهم يشعر بالعدم ، ولعله لكون الانتفاع لا يتوقف عليه.

واعلم أن المصنف حكى في التذكرة (٢) عن الشافعية أنهم فسروا الكناسة التي تجب على المستأجر تطهير الدار عنها بالقشور ، وما يسقط من الطعام ، ونحوه ، دون التراب الذي يجتمع بهبوب الرياح ، لأنه حصل لا بفعله (٣). وهذا التفسير حسن إن قلنا بوجوب التطهير من الكناسة على المستأجر عند انقضاء المدة.

واعلم أيضاً أن كنس الثلج عن السطح من وظيفة المالك كالعمارة ، فإن تركه وحدث عيب ثبت الخيار ، وبدونه إشكال ، التفاتاً إلى تعذر الارتفاق بالسطوح. أما ثلج العرصة فإن خفَّ ولم يمنع الانتفاع فكالتراب الحاصل بهبوب الرياح ، وإن كثف فإشكال : من توقف الانتفاع عليه ، ومن عدم تناول عقد الإجارة له ، فإن التسليم الواجب بمقتضى العقد (٤).

__________________

(١) التحرير ١ : ٢٤٨.

(٢) التذكرة ٢ : ٣١٢.

(٣) انظر : مغني المحتاج ٢ : ٣٤٥.

(٤) هكذا في « ك‍ » و « ه‍ » ، والعبارة ناقصة ، ولعل النقص ـ والله العالم ـ : قد حصل.

٢٥٢

ورماد الأتون كالكناسة.

ولو استأجر أرضاً للزراعة ولها شرب معلوم ، والعادة تقتضي التبعية دخل.

ولو اضطربت العادة بأن يستأجر مرة الأرض منفردة ، وتارة معه احتمل التبعية وعدمها.

______________________________________________________

فرع : لا يجوز طرح التراب والرماد في أصل جدران الدار ، ولا إلقاء الثلج ، ولا صب الماء ، وكذا كل ما يضر ولم تجر به العادة.

قوله : ( ورماد الأتون (١) كالكناسة ).

فلا يجب على المالك في دوام الإجارة ، بل هو من وظيفة المستأجر ، ويجب عليه التنقية منه عند انتهاء الإجارة ، وفيه التردد. وهل يجب على المالك في مبدأ الإجارة؟ لم أجد به تصريحاً ، والذي يقتضيه النظر الوجوب ، لتوقف التمكن من الانتفاع الواجب عليه كالمستنقع.

قوله : ( ولو استأجر أرضاً للزرع ولها شرب معلوم ، والعادة تقتضي التبعية دخل ).

تنزيلاً للإطلاق على المتعارف ، ولأن الظاهر إن استئجارها للزرع إنما هو للتعويل على دخول شربها.

قوله : ( ولو اضطربت العادة بأن يستأجر مرة الأرض منفردة ، وتارة معه احتمل التبعية ، وعدمها ).

وجه الأول : توقف الزراعة التي هي المقصود عليه.

ووجه الثاني : عدم تناول العقد له ، وانتفاء العادة المقتضية للدخول ،

__________________

(١) الأتون بالتشديد : الموقد. الصحاح ( أتن ) ٥ : ٢٠٦٧.

٢٥٣

ولو زرع أضر من المعيّن فللمالك المسمى وأرش النقص ،

______________________________________________________

فلا وجه لدخوله.

والتحقيق أن يقال : إما أن يكون هناك ماء آخر يمكن شرب تلك الأرض منه أو لا ، فإن كان الأول فلا وجه لدخوله أصلاً ، وإن كان الثاني لم يستقم قوله : ( بأن يستأجر مرة الأرض منفردة ) لأن استئجارها منفردة للزرع في هذا الفرض لا يتصور مع توقف الزرع على الشرب فكيف يفرض وقوعه؟ حتى لو وقع كان العقد باطلاً.

ويمكن أن يريد المصنف بالاحتمالين : صحة الإجارة على تقدير التبعية ، وفسادها بدونها ، والأصح عدم الدخول إلا مع وجود القرينة الدالة عليه ، كالمساومة على الأرض والشرب معاً ، ثم يوقع العقد عليها اعتماداً على ما سبق ، ونحو ذلك. وهل يكفي للدخول علمهما بعدم إمكان الزرع بدونه مع أنه المستأجر له؟ يحتمل ذلك صيانة لقولهما عن اللغو.

قوله : ( ولو زرع أضر من المعين فللمالك المسمى وأرش النقص ).

كما لو عيّن الحنطة فزرع الذرة ، ووجه ما ذكر المصنف أنه استوفى منفعة الأرض المقدرة المقابلة بالمسمى مع شي‌ء آخر ، فيجب عليه المسمى وأرش النقصان الزائد على زراعة الحنطة.

ويحتمل أن يجب عليه المسمى واجرة المثل للزيادة ، لأنه استوفى شيئين.

ويحتمل وجوب اجرة المثل لما زرع ، لأنه استوفى غير المعقود عليه ، لأن المعقود عليه هو الانتفاع بزرع الحنطة ، وزرع الذرة غيره قطعاً. ولا أثر لاستيفاء منفعة الأرض المستحقة بالمسمى لزرع الحنطة في زرع الذرة ، لأنه لم يستحقها بالمسمى إلا على ذلك الوجه المخصوص الذي لم يحصل ،

٢٥٤

والظرف على المستأجر. وكذا الرشاء ، ودلو الاستقاء.

______________________________________________________

وهذا أقوى.

وذهب المصنف في التذكرة إلى تخيير المالك بين الأمرين (١) ، ويختلج بخاطري أن الأجرة عن المنفعة حقها أن لا يندرج فيها أرش النقص لو حصل ، لأن الأجرة في مقابل الانتفاع لا في مقابل النقص ، اللهم إلا أن يلحظ في أجره حصول النقص وزيادته فإن ذلك قد يتجه ، ولعل هذا هو المراد.

هذا إذا لم يعلم إلا بعد الحصاد ، أما إذا علم قبله وبعد الزرع فللمالك إجباره على القلع ، لأنه عادٍ بذلك. ثم إن تمكن من زراعة الحنطة زرعها ، وإلا لم يزرع وعليه الأجرة بجميع المدة ، لأنه الذي فوّت نفسه مقصود العقد.

ثم إن لم تمض مدة تتأثر بها الأرض فذاك ، وإن مضت فالمستحق اجرة المثل أم قسطها من المسمى وزيادة للنقصان أم يتخير بينهما؟ فيه ما سبق. كذا قال في التذكرة (٢). وينبغي أن لا يعتبر تأثر الأرض بل مضي مدة لمثلها اجرة عدمه.

قوله : ( والظرف على المستأجر ، وكذا الرشاء ، ودلو الاستقاء ).

أطلق الحكم هنا ، وفصّل في التذكرة فقال : إن استأجر الدابة للحمل ، فالوعاء الذي ينقل فيه المحمول على المكتري إن وردت الإجارة على عين الدابة ، وعلى المكري إن كانت في الذمة ، لأنها إذا وردت على الدابة المعينة فليس عليه إلا تسليم الدابة بالأكاف ، وما في معناه. وإن كانت‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٠٨.

(٢) التذكرة ٢ : ٣٠٨.

٢٥٥

وينزع الثوب المستأجر ليلاً ووقت القيلولة ،

______________________________________________________

في الذمة فقد التزم النقل فعليه تهيئة أسبابه ، والعادة تؤيده. وإذا استأجر للاستقاء فالدلو والحبل كالوعاء في الحمل (١).

هذا كلامه ، ثم حكى عن بعض الشافعية الفرق في إجارة الذمة بين أن يلتزم الغرض مطلقاً ولا يتعرض للدابة فتكون الآلات عليه ، وبين أن يتعرض لها فيتبع العادة ، فإن اضطربت فكل من الأمرين محتمل (٢).

ثم قال المصنف : ومتى راعينا العادة فاضطربت ، فالأقوى اشتراط التقييد في صحة العقد.

والذي يقتضيه النظر أن العادة إذا اطردت بأحد الأمرين ، واستقر ذلك عرفاً وجب حمل الإطلاق عليه ، نظراً إلى حمل اللفظ على المتعارف.

وإن اضطربت فاعتبار ورود الإجارة على دابة معينة ، أو التزام النقل ، أو الاستقاء فتجب الآلات على المكتري في الأول ، وعلى المكري في الثاني متجه. ولو اشترطا شيئاً وجب اتباعه. واعلم إن الرشا ، بالقصر وكسر أوله : الحبل.

قوله : ( وينزع الثوب المستأجر ليلاً ، ووقت القيلولة ).

أما نزعه ليلاً فلجري العادة بنزع الثوب ليلاً. فعلى هذا لو اعتيد خلاف ذلك في بعض البلاد واطّرد وجب الحمل عليه مع الإطلاق.

وأما النزع وقت القيلولة ، فإن فيه احتمالاً ، وقرّب المصنف عدم وجوب نزعه لقضاء العادة بالقيلولة في الثياب ، بخلاف البيتوتة. ثم قال : نعم لو كان المستأجر القميص الفوقاني نزعه في القيلولة ، وفي سائر أوقات الخلوة. ولو قيل باتباع العادة في ذلك من أول الأمر كان حسناً. وثياب‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣١٤.

(٢) الوجيز ١ : ٢٣٦.

٢٥٦

ويجوز الارتداء به على إشكال ، دون الاتزار.

الفصل الرابع : في الضمان.

العين أمانة في يد المستأجر لا يضمنها إلا بتعد ، أو تفريط في المدة ، وبعدها إذا لم يمنعها مع الطلب ،

______________________________________________________

التجمل تلبس في الأوقات التي جرت العادة بالتجمّل فيها.

قوله : ( ويجوز الارتداء به على إشكال ، دون الاتّزار ).

ينشأ : من أن اللبس يقع على الارتداء حقيقة ، ولأنه أخف ضرراً من غيره ، ومن أن المتعارف من اللبس غيره فلا يحمل الإطلاق عليه.

والأصح أن اللبس في كل شي‌ء بحسبه ، فإن كان الثوب مخيطاً لم يجز الارتداء به إذا استأجره للّبس ، إذ الارتداء لا يعدّ لبساً بالنسبة إلى هذا الثوب ، بخلاف ما لو كان رداءً. أما الاتزار بالثوب المخيط فلا يجوز قطعاً ، لأنه مع مخالفته للبس أشد ضرراً منه.

قوله : ( العين أمانة في يد المستأجر لا يضمنها ، إلا بتعدّ أو تفريط في المدة ، وبعدها إذا لم يمنعها مع الطلب ).

لأنه لا يجب على المستأجر رد العين إلى المؤجر ولا مؤنة ذلك ، وإنما يجب عليه التخلية بين المالك وبينها كالوديعة.

وأوجب بعض العامة الرد بعد المدة ومؤنته ، لأنه غير مأذون بعدها في الإمساك ، ولأنه أخذ لمنفعة نفسه كالمستعير (١).

ونحن نقول : وإن لم يكن مأذوناً في الإمساك من المالك ، لكن لا يجب عليه الرد ، بل التخلية ، فإذا فعل ما وجب عليه فلا تقصير حينئذ ولا‌

__________________

(١) انظر : المجموع ١٥ : ٤٨ ، ٥٠ ، والوجيز ١ : ٢٣٧.

٢٥٧

سواء كانت الإجارة صحيحة أو فاسدة.

ولو ضمنه المؤجر لم يصح ، فإن شرطه في العقد فالأقرب بطلان العقد ،

______________________________________________________

تعدي ، لأن يده في الأصل يد أمانة ، ولو منعها مع طلب المالك بعد المدة ضمن قطعاً.

قوله : ( سواء كانت الإجارة صحيحة أو فاسدة ).

أما الصحيحة فظاهر ، للقطع بأن ذلك من مقتضياتها. وأما الفاسدة ، فلأن كل عقد لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده ، وبالعكس.

قوله : ( ولو ضمنه المؤجر لم يصح ).

أي : أراد تضمينه.

قوله : ( فإن شرطه في العقد فالأقرب بطلان العقد ).

أي : لو شرط الضمان مع التلف ولو بغير تعدّ فالشرط باطل قطعاً ، لأنه خلاف مقتضى الإجارة.

وهل يبطل العقد ببطلانه؟ الأقرب عند المصنف نعم ، لأن التراضي على العقد إنما وقع بالشرط الفاسد ولا رضى بدونه ، فلا يكون العقد بالتراضي ، فلا يكون صحيحاً ، لقوله تعالى ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) (١) ، ولأن العقود تابعة للمقصود ، والمقصود هو العقد بالشرط لا العقد وحده.

ويحتمل صحة العقد وبطلان الشرط ، لأن الرضى بأمرين رضي بأحدهما. وليس كذلك ، لأن الرضى بأحدهما ربما كان مشروطاً بالآخر وهنا كذلك ، والأصح بطلانهما معاً.

__________________

(١) النساء : ٢٩.

٢٥٨

فإذا تعدّى بالدابة المسافة المشترطة ، أو حمّلها الأزيد ضمنها كلها بقيمتها وقت العدوان ، ويحتمل أعلى القيم من وقت العدوان إلى التلف ، وعليه أجرة الزيادة.

______________________________________________________

قوله : ( وإذا تعدّى بالدابة المسافة المشترطة أو حمّلها الأزيد ضمنها كلها بقيمتها ).

سواء كان مالكها معها أو انفرد بها المستأجر ، لأنه بتحميلها الزائد عادٍ في إثبات اليد عليها كذلك حتى لو هلكت بسبب آخر كان ضامناً فيه أولى ، ولرواية الحلبي عن الصادق عليه‌السلام فيمن يكاري دابة إلى مكان معلوم ( فنفقت ) فقال : « إن كان جاز الشرط فهو ضامن » (١) ولم يستفصل وأطلق الضمان ، والمفهوم منه ضمانها.

وفرّق الشافعي بين ما إذا لم يكن المالك معها فيضمن الجميع ، أو كان فيضمن : أما النصف ، لأن السبب في التلف شيئان أحدهما بحق والآخر عدوان ، أو يوزّع على المجموع ويعطى العدوان بالقسط ، أو يضمن الجميع (٢). فالأقوال ثلاثة والأصح ما قدّمناه. وفي قول المصنف : ( ضمنها كلها ) إيماء إلى الرد على القولين الأولين.

قوله : ( وقت العدوان ، ويحتمل أعلى القيم من وقت العدوان إلى التلف ).

أي : ضمنها بقيمتها إلى آخره ، ويحتمل ضمان قيمتها وقت التلف وهو الأصح. وقد حققنا المسألة في أحكام الغصب والبيع وغيرهما ، والأقوال هنا هي الأقوال هناك ، والترجيح واحد.

قوله : ( وعليه أجرة الزيادة ).

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٨٩ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٢١٤ حديث ٩٣٩.

(٢) انظر : المجموع ١٥ : ٩٤.

٢٥٩

ولا فرق في الضمان بين أن تتلف في الزيادة أو بعد ردها إلى المشترط.

ولو تلف بعد ردها إلى مالكها بسبب تعيبها وشبهه ضمنها ، وإلاّ فلا ، ولا يسقط الضمان بردها إلى المسافة.

ولو ربط الدابة مدة الانتفاع استقرت الأجرة ،

______________________________________________________

أي : مع الضمان ، لأنه‌ استوفى بها منفعةً زائدةً على المستحقة ، فيضمن قيمتها وهي أجرة المثل لها.

قوله : ( ولا فرق في الضمان بين أن تتلف في الزيادة ، أو بعد ردها إلى المشترطة ).

أي : إلى المسافة المشترطة ، أو إلى تحميل القدر المشترط تحميله ، وذلك لأن العدوان لا يزول بردها إلى المشترط فلا يزول الضمان.

قوله : ( ولو تلفت بعد ردها إلى مالكها بسبب تعيبها وشبهه ضمنها ، وإلا فلا ).

لو تلفت في الصورة المذكورة ، فإن كان لأمر سابق في يد المستأجر لتعيبها في يده بعيب فتموت بسببه بعد وصولها إلى يد المالك ، وكتعيبها بسبب زيادة الحمل كما في بعض النسخ ، وشبه ذلك فإنها إذا تلفت بسببه بعد ردها إلى المالك يضمن ، لاستناد التلف إلى فعله العدوان ، وإن لم يكن تلفها إلا بعد ردها إلى المالك بسبب من قبله فلا ضمان ، لبراءته بتسليمها إلى المالك.

قوله : ( ولا يسقط الضمان بردها إلى المسافة ).

أي : المشترطة في الإجارة ، لأن العدوان لا يزول إلا بالتسليم إلى المالك ، أو من يقوم مقامه لتزول اليد العادية.

قوله : ( ولو ربط الدابة مدة الانتفاع استقرت الأجرة ).

٢٦٠