جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٧

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٧

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٣

ولو انتقل إلى الطرفين تغيّر الحكم فيهما.

وعلى المؤجر إيقاف الجمل للصلاة وقضاء الحاجة ، دون ما يمكن فعله عليه كصلاة النافلة والأكل والشرب.

ولو استأجر للعقبة جاز ، ويرجع في التناوب إلى العادة.

______________________________________________________

قوله : ( ولو انتقل إلى الطرفين تغيّر الحكم فيهما ).

أي : لو انتقل المستأجر من القوة إلى طرف العجز ، أو بالعكس تغيّر الحكم فيهما ، فحكم القوي أن لا يجب على المؤجر إركابه فيتغير إذا صار ضعيفاً ، فيجب حينئذ أن يركبه ، والعكس بالعكس.

ووجهه : أن استيفاء منفعة الدابة بالركوب مثلاً حق واجب في ذمته فيجب إيصاله ، فلو توقف على أمر وجب ذلك الأمر لا محالة ، ومتى لم يتوقف إيصاله على شي‌ء امتنع وجوب ما لم يتوقف عليه الحق.

قوله : ( وعلى المؤجر إيقاف الجمل للصلاة ، وقضاء الحاجة ، دون ما يمكن فعله عليه كصلاة النافلة والأكل والشرب ).

ولا يخفى أيضاً أن هذا إنما هو حيث تجب الأمور السابقة ، وذلك حيث لا يكون الاستئجار لدابة معينة.

قوله : ( ولو استأجر للعقبة جاز ، ويرجع في التناوب إلى العادة ).

العقبة ، بضم العين : النوبة ، وهما يتعاقبان على الراحلة ، إذا ركب هذا تارة وهذا أخرى. فإذا كان هناك عادة مضبوطة إما بالزمان بأن يركب يوماً وينزل يوماً ، أو بالمسافة بأن يركب فرسخاً وينزل فرسخاً حمل الإطلاق عليها ، وإلا وجب التعيين فيبطل العقد بدونه ، ولو اتفقا على خلاف العادة وكان مضبوطاً صح.

٢٠١

وتقسّم بالسوية إن اتفقا ، وإلاّ فعلى ما شرطاه. وأن يستأجر نوباً مضبوطة إما بالزمان فيحمل على زمان السير ، أو بالفراسخ.

______________________________________________________

ولا بد من تعيين من يبدأ بالركوب إذا كانا اثنين ، أو محل الركوب إذا كان واحداً. ويحتمل أن يرجع إلى القرعة ، واختاره في التذكرة (١) ، وهو بعيد ، لأن محلها الأمر المشكل ، والإشكال في عقد المعاوضة الموجب للجهالة ، والمفضي إلى التنازع لا يغتفر.

قوله : ( ويقسّم بالسوية إن اتفقا وإلا فعلى ما شرطاه ).

ظاهره أن المقسوم هو الطريق ، أي : يقسم الطريق بينهما في الركوب بالسوية إن استويا في الاستحقاق ، وإن لم يستويا فيه قسّم بينهما على ما شرطاه بينهما ، وعيناه لكل واحد منهما.

لكن لا يستقيم ذلك ، لأنه لا بد من تعيين مقدار ركوب كل منهما ونزوله ، إما بالتنزيل على العادة المضبوطة ، أو بالتعيين في العقد ، وحينئذ فلا مجال للقسمة إلا بمقتضى المعقود عليه.

ويحتمل أن يكون مراده : إن إطلاق التناوب يقتضي المساواة ، إلا أن يشترطا غيره. لكن قوله : ( ويرجع في التناوب إلى العادة ) ينافي ذلك ، مع أن العبارة لا تؤديه ، لأن قوله : ( إن اتفقا ) ـ أي : استويا في الاستحقاق ـ ينافي ذلك. ويمكن أن يريد وجوب الأجرة عليهما بالسوية إن اتفقا في الركوب ، وإلا فعلى ما شرطاه من الركوب بينهما.

إلا أنه خلاف المتبادر من العبارة ولم يجر للأجرة ذكر ، وبالجملة فالعبارة لا تخلو من شي‌ء.

قوله : ( وأن يستأجر نوباً مضبوطة ، إما بالزمان فيحمل على زمان السير ، أو بالفراسخ ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٩٨.

٢٠٢

وإن استأجر للحمل ، فإن اختلف الغرض باختلاف الدابة ، من سهولتها وسرعتها وكثرة حركتها وجب ذكره ، فإن الفاكهة والزجاج تضره كثرة الحركة ، وبعض الطرق يصعب قطعه على بعض الدواب ، وإلا فلا.

______________________________________________________

يمكن أن يكون المراد‌ بالعقبة فيما تقدم : استئجاره للركوب بالنوبة مع شخص آخر ، ويكون المراد هنا : استئجاره للنوبة مع كونه وحده.

ويمكن أن يراد بالأول : ما إذا اكتفى بالعادة المضبوطة وأطلق في العقد ، ويراد هنا : التعيين في نفس العقد وضبط النوب إما بالزمان أو بالفراسخ ، فإن ضبطت بالزمان كأن يركب يوماً وينزل يوماً صح ، وحمل ذلك على زمان السير. فلا يكون نزوله في المنزل يوماً ويومين محسوباً من النزول بين النوب ، لأن المتبادر من ذلك النزول في خلال السفر والسير ، ولا يخفى ما في العبارة من تشتت شعب المسائل.

قوله : ( وإذا استأجر للحمل ، فإن اختلف الغرض باختلاف الدابة في سهولتها وسرعتها وكثرة حركتها وجب ذكره ، فإنّ الفاكهة والزجاج تضره كثرة الحركة. وبعض الطريق يصعب قطعه على بعض الدواب ، وإلا فلا ).

أي : إن استأجر للحمل ـ بفتح الحاء مصدراً ، أو بكسرها اسماً لما يحمل ـ فإن كان ما يحمل لا يختلف الغرض بالنسبة إليه بسهولة الدابة وصعوبتها ، وكثرة حركتها ونحو ذلك كالإبريسم مثلاً ، ولم يكن الطريق مما يختلف حال الدواب فيه فيصعب قطعه على بعض دون بعض لم يجب تعيين الدابة ولا ذكر أوصافها وإن تحقق أحد الأمرين.

أما اختلاف الغرض بالنسبة إلى الحمل ، ككون المحمول زجاجاً أو خزفاً ، أو فاكهةً ، ونحو ذلك ، أو كان حال الدواب في قطع ذلك الطريق مختلفاً فلا بد من التعيين ، كما في الراكب حذراً من الغرر ، قال المصنف‌

٢٠٣

وأما الأحمال فلا بد من معرفتها بالمشاهدة أو الوزن ، مع ذكر الجنس ، وذكر المكان المحمول إليه ، والطريق.

______________________________________________________

في التذكرة ـ ونعم ما قال ـ : وغير مستبعد اشتراط معرفة الدابة في الحمل كالركوب ، لأن الأغراض تختلف في تعلقه بكيفية سير الدابة ، وسرعته وبطئه ، وقوته وضعفه ، وتخلف عن القافلة مع ضعفها (١).

هذا كلامه ، ولا يخفى أن هذا إنما هو إذا كانت الإجارة واردة على الذمة ، أما إذا كانت الدابة المستأجرة للحمل معينة فلا بد من رؤيتها ، أو وصفها وصفاً يرفع الجهالة.

قوله : ( وأما الأحمال فلا بد من معرفتها بالمشاهدة ، أو الوزن مع ذكر الجنس ، وذكر المكان المحمول إليه ، والطريق ).

لا ريب أن الأحمال يجب معرفتها للاختلاف الفاحش باختلافها ، فإن القطن مثلاً يضر من جهة انتفاخه ودخول الريح فيه فيزداد ثقله ، والحديد يضر بوجه آخر ، فإنه يجتمع على موضع من البهيمة فربما عقرها ، وتحميل بعض الأشياء أصعب من بعض ، وكذا يجب زيادة الحفظ في البعض كالزجاج.

ومعرفة الأحمال إما بالمشاهدة ، فإنها من أعلى طرق العلم على ما ذكره في التذكرة (٢). وقد يقال : إنها وإن أثمرت العلم بالجنس ، إلا أن العلم بالقدر قد لا يحصل بذلك ، فليلحظ. قال فيها أيضاً : ولو كان في ظرف وجب أن يمتحنه باليد تخميناً لوزنه. هذا إذا كان حاضراً ، فإن لم يكن حاضراً وجب ذكر الجنس ، فإنه يختلف الحال باختلافه كما قررناه ، ومثله معرفة الوزن.

ولا بد من ذكر المكان المحمول إليه ، والطريق إن كانت متعددة وهي‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣١٠.

(٢) التذكرة ٢ : ٣١٠.

٢٠٤

ولو استأجر إلى مكة فليس له الإلزام بعرفة ومنى ، بخلاف ما لو استأجر للحج.

ولو شرط أن يحمل ما شاء بطل.

______________________________________________________

مختلفة. ولو جرت العادة بسلوك طريق معين ، وكانت مستمرة بذلك حمل الإطلاق عليه.

قوله : ( ولو استأجر إلى مكة فليس له الإلزام بحمله بعرفة ومنى ، بخلاف ما لو استأجر للحج ).

لأن نهاية الإجارة في الأول مكة ، وقال بعض الشافعية : له الحج ، لأن الاستئجار إلى مكة عبارة عن الاستئجار للحج ، لأنه لا يستأجر إليها غالباً إلا للحج فيحمل الإطلاق عليه (١). وليس بشي‌ء ، لأنه إن سلّم أنه يريد الحج فقد استأجر للركوب إلى أداء الأفعال المتعلقة بالميقات ومكة ، دون ما عداها عملاً بصريح اللفظ.

أما لو استأجر للحج فإن له الركوب الى عرفة ومنى والعود إلى مكة ، وكذا الركوب للعود إلى منى للرمي على الأظهر ، لأن ذلك من تمام الحج وتوابعه.

قوله : ( ولو شرط أن يحمل ما شاء بطل ).

للغرر ، ولا يقال : إن ذلك ينزّل على العادة بحسب حال الدابة ، لأن العادة في ذلك تزيد وتنقص.

وقال بعض الشافعية : إن ذلك يصح ويكون رضى بأضر الأجناس. وليس بجيد للغرر ، ولو صح هنا كذلك يصح في كل موضع فيه غرر ، تنزيلاً على استواء الحالات.

__________________

(١) المجموع ١٥ : ٥٢.

٢٠٥

ولو شرط حمل مائة رطل من الحنطة فالظرف غيره ، فإن كان معروفاً وإلا وجب تعيينه. ولو قال : مائة رطل دخل الظرف فيه.

ولو استأجر للحرث وجب تعيين الأرض بالمشاهدة أو الوصف.

______________________________________________________

قوله : ( ولو شرط حمل مائة رطل من الحنطة فالظرف غيره ).

لأنه بيّن المائة بقوله : ( من الحنطة ) فلا بد أن يكون الظرف خارجاً عنها.

قوله : ( فإن كان معروفاً ، وإلا وجب تعيينه ).

فيفسد العقد بدون التعيين للجهالة. والتعيين إما بالرؤية ، أو الوصف ، إلا أن تكون هناك غرائز متماثلة معروفة اطّرد العرف باستعمالها ، وجرت العادة عليها كغرائر الصوف والشعر ونحوها فيحمل مطلق العقد عليها.

قوله : ( ولو قال : مائة رطل دخل الظرف فيه ).

حيث لم يبين المائة بكونها من الحنطة ، والظرف من اللوازم فهو داخل في المائة.

ولقائل أن يقول : إنه إذا شرط حمل مائة رطل ولم يعيّن لم يصح ، وإن عيّن لم يخل من إدخال الظرف في الجملة وعدمه ، فلا يستقيم قول المصنف أنه قال : ( مائة رطل دخل الظرف فيه ) إلا أن يقال : إن هذا متفرع على الاكتفاء بالتقدير وإهمال ذكر الجنس. وقد نبه على ذلك في التذكرة (١).

قوله : ( ولو استأجر للحرث وجب تعيين الأرض بالمشاهدة ، أو‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣١٠.

٢٠٦

وتقدير العمل بتعيينها أو بالمدة ، وتعيين البقر إن قدّر العمل بالمدة.

______________________________________________________

الوصف ، وتقدير العمل بتعيينها أو بالمدة ، وتعيين البقر إن قدّر العمل بالمدة ).

لا ريب أنه إذا استأجر للحرث بقراً ، ونحوها وجب أن يعرف صاحب الدابة الأرض ، وقدر العمل لدفع الغرر ، فأما الأرض فتعرف بالمشاهدة.

قال في التذكرة : ولا تعرف بالوصف لأنها تختلف ، فبعضها صلب يتصعب حرثه على البقر ومستعملها ، وبعضها رخو يسهل حرثه ، وبعضها فيه حجارة تتعلق بها السكة. ومثل هذا الاختلاف إنما يوقف عليه بالمشاهدة دون الوصف ، لأن الصلابة تختلف بالشدة والضعف ، والحجارة تختلف بكثرة العدد وقلته (١).

قلت : قد سبق في كلام المصنف في الاستئجار على حفر البئر ما يوافق هذا ، حيث اعتبر المشاهدة واقتصر عليها.

ولقائل أن يقول : إن كان المراد من المشاهدة رؤية ظاهر الأرض ، فلا ريب أن ذلك لا يعرف به حال ما يصل إليه العمل ، والوصف أقرب إلى الكشف. وإن كان المراد المشاهدة حين حصول حرثها قبل ذلك ، فاشتراط حصول ذلك في جواز الاستئجار للحرث بعيد.

ولا يستفاد ذلك من عباراتهم ، على أن دعوى كون الوصف لا يفي بحال الأرض بحيث يبقى الغرر معه مدفوعة ، فإن الوصف التام ينفي الغرر ، وما اختاره هنا لا يخلو من قوة. فما سبق في حفر البئر ينبغي الاكتفاء فيه بالوصف أيضاً إذا كان تاماً.

ويشرط أيضاً تقدير العمل إما بتعيين الأرض ، أو بالمدة ، لكن لو قدّر العمل بالمدة فلا بد من تعيين الدابة التي تستعمل في الحرث إما بالمشاهدة ،

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣١١.

٢٠٧

وإن استأجر للطحن وجب معرفة الحجر بالمشاهدة أو الوصف ، وتقدير العمل بالزمان أو بالطعام.

ولا بد من مشاهدة الدولاب إن استؤجر له ، ومعرفة الدلاء.

______________________________________________________

أو الوصف الرافع للجهالة ، سواء كانت الإجارة في ذلك على عين أو في الذمة. أما لو قدّر العمل بالأرض فإنه لا يحتاج إلى معرفة البقر ، إلا أن تكون الإجارة على عين البقر.

وهل يفتقر إلى معرفة سكة الحرث؟ قال في التذكرة : الأقرب الاكتفاء بالعادة في ذلك ، لقلة التفاوت فيه (١) ، وهو حسن. وكذا يرجع إلى العادة في قدر نزول السكة في الأرض.

قوله : ( وإن استأجر للطحن وجب معرفة الحجر بالمشاهدة أو الوصف ، وتقدير العمل بالزمان أو الطعام ).

لا ريب أن استئجار الدابة لإدارة الرحى جائزة ، لأنها من الأعمال المقصودة المحللة ، فجازت المعاوضة عليها.

ولا يخفى أن حجر الرحى يتفاوت الحال بثقله وخفته تفاوتاً كثيراً ، فلا بد من تعيينه إما بالمشاهدة ، أو بالوصف التام الرافع للجهالة. وكذا يجب تقدير العمل إما بالزمان أو بالطعام ، فإذا عيّنه بالطعام عيّنه بالقدر والجنس ، للتفاوت بين الحنطة ، والدخن ، والعفص ، وقشور الرمان.

وظاهرهم إن التعيين بالزمان كاف عن ذكر جنس المطحون ، لانتفاء الغرر بذلك. وينبغي إذا قدّر العمل بالزمان تعيين الدابة ، للاختلاف كثيراً بقوتها وسرعتها ، وضدهما بخلاف ما إذا قدّر بالطعام ، إلا أن يكون الاستئجار لمعينه.

قوله : ( ولا بد من مشاهدة الدواب إن استؤجر له ، ومعرفة‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣١١.

٢٠٨

وتقدير العمل بالزمان أو بمل‌ء البركة مثلاً ، لا بسقي البستان ، لاختلاف العمل لقرب عهده بالماء وعطشه. ولو كان لسقي الماشية فالأقرب الجواز ، لقرب التفاوت.

______________________________________________________

الدلاء ، وتقدير العمل بالزمان أو بمل‌ء البركة مثلاً ).

يجوز استئجار الدابة لإدارة الدولاب ، والاستقاء من البئر بالدلو ، فلا بد أن يشاهد صاحب الدابة الدولاب والدلو ، وموضع البئر وعمقها ، بالمشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة إن أمكن الضبط به.

ولم يتعرض المصنف لمعرفة موضع البئر وعمقها ، لكنه صرح به في التذكرة (١). ولا ريب أنه إن قدّر العمل بنحو مل‌ء البركة يحتاج إلى ذلك للتفاوت البيّن ، أما إذا قدّره بالزمان فعلى ما سبق من نظائره لا يحتاج إليه.

قوله : ( لا بسقي البستان ، لاختلاف العمل لقرب عهده بالماء وعطشه ).

أي : وتقدير العمل بنحو مل‌ء البركة ، وخمسين دلواً معينة ، وخمسين دورة مثلاً ، لا بسقي البستان ، لاختلاف العمل في ذلك كثيراً بحرارة الهواء وبرودته ، وقرب عهد البستان بالماء وعطشه ، فلا ينضبط ريه على وجه يندفع الغرر. واستشكل الحكم في التذكرة ، ولم يفت بشي‌ء (٢) ، والمعتمد ما هنا.

قوله : ( ولو كان لسقي الماشية فالأقرب الجواز ، لقرب التفاوت ).

فإنّ شرب الدابة لا يتفاوت إلا نادراً. ويحتمل العدم ، لأن التفاوت‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣١١.

(٢) التذكرة ٢ : ٣١١.

٢٠٩

ولو استأجر للاستسقاء عليها وجب معرفة الآلة كالرواية أو القربة بالمشاهدة أو الصفة ، وتقدير العمل بالزمان أو عدد المرات أو مل‌ء معيّن.

______________________________________________________

يتحقق مع قرب العهد بالماء وعدمه ، وحرارة الهواء وبرودته ، وخصوصاً في الحيوان العظيم لا سيما إذا كثر عدده ، ولا ريب أن التقدير بغير ذلك أولى.

قوله : ( ولو استأجر للاستسقاء عليها وجبت معرفة الآلة كالرواية أو القربة ، بالمشاهدة أو الصفة ، وتقدير العمل بالزمان ، أو عدد المرات ، أو مل‌ء معين ).

لا شبهة في جواز استئجار الدابة للاستسقاء ، لكن لا بد من مشاهدة المستأجر للدابة ، أو وصفها لتفاوت الغرض بتفاوت أحوالها ، ولا بد من مشاهدة المؤجر الآلة التي يستقى بها من رواية ، وقربة ، وغير ذلك ، لتفاوتها في الصغر والكبر ، والثقل والخفة ، ويكفي الوصف الرافع للجهالة ، وحينئذ تجب معرفة الوزن ولا تجب مع المشاهدة.

ويجب تقدير العمل بأحد أمور ثلاثة : إما بالزمان كيوم ، أو عدد المرات ، فيحتاج إلى معرفة الموضع الذي يستقي منه ، والذي يذهب إليه ، والطريق المسلوك للاختلاف الكثير في ذلك. ويجوز التقدير بمل‌ء شي‌ء معين ، فتجب معرفته وما يستقي منه. والمل‌ء ، بالكسر : اسم ما يأخذه الإناء إذا امتلأ ، ويجوز فتحه على أنه مصدر.

واعلم أن كل موضع وقع العقد فيه على مدة ، فلا بد من تعيين الظهر الذي يعمل عليه ، لأن الغرض يختلف باختلاف الدابة في القوة والضعف. وإن وقع على عمل معين لم يحتج إلى معرفتها ، لأنه لا يختلف مع احتمال الحاجة.

٢١٠

ويجوز استئجار الدابة بآلاتها وبدونها ، ومع المالك وبدونه.

الثالث : الأرض ، ويجب وصفها ، أو مشاهدتها ، وتعيين المنفعة للزرع أو الغرس أو البناء.

______________________________________________________

ذكر المصنف ذلك كله في التذكرة (١) ، ولا ريب أن المسائل السابقة قد اشترط فيها معرفة الدابة مع التقدير بالعمل المعين فلا يتم ما ذكره.

فرع : لو استأجر الدابة لبلّ تراب معروف جاز ، لأنه معلوم بالعرف.

قوله : ( ويجوز استئجار الدابة بآلتها ، وبدونها ، ومع المالك ، وبدونه ).

إذ لا مانع من ذلك بعد البيان.

قوله : ( ويجب وصفها ، أو مشاهدتها ، وتعيين المنفعة للزرع ، أو الغرس ، أو البناء ).

لا ريب في الاكتفاء بالمشاهدة في الأرض لصحة المشاهدة ، ومنع الشافعي من إجارتها بالوصف ، لأنها لا تصير معلومة به. وقال المصنف في التذكرة بالجواز بالوصف إن أمكن الضبط به وإلا فلا (٢).

ولا شك أنه تجوز إجارتها للمنفعة المعينة ، أما إذا لم يعيّن فإنه لا يجوز قطعاً ، لأن المنافع تختلف اختلافاً كثيراً ، وضررها في الأرض يتفاوت كذلك.

ولو أجرها لينتفع بها بواحدة من المنافع مخيراً فيها صح ، لأنه لا يقصر عن التعيين ، أما لو أجرها لينتفع بها بمهما شاء ـ وهو الذي أراده المصنف‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣١١.

(٢) التذكرة ٢ : ٣٠٦.

٢١١

فإن آجرها لينتفع بها بمهما شاء فالأقرب الجواز ، ويتخير المستأجر في الثلاثة.

ولو قال : للزرع أو الغرس بطل ، لأنه لم يعيّن أحدهما.

ولو استأجر لهما صح واقتضى التنصيف ، ويحتمل التخيير.

______________________________________________________

بقوله : ( فإن أجرها لينتفع بها بمهما شاء ) ـ فالأقرب الجواز.

ويتخير المستأجر في الثلاثة ، أي : الأمور الثلاثة ، ووجه القرب : الأصل ، وإطلاق النصوص ، ولأن ذلك في قوة النص على عموم المنافع. وقيل بوجوب التعيين ، أو النص على التعميم حذراً من الغرر ، وفي الفرق بين هذه وبين ما إذا استأجر الدابة ليحمل عليها ما شاء نظر ، وما قرّبه المصنف قريب.

قوله : ( فلو قال : للزرع أو الغرس بطل ، لأنه لم يعيّن أحدهما ).

المراد هنا إذا آجره لأحدهما مبهماً ، ولو أجره لينتفع بما شاء منهما صح ، لأن الإجارة حينئذ للقدر المشترك بينهما بخلاف صورة الإبهام.

قوله : ( ولو استأجر لهما صح واقتضى التنصيف ، ويحتمل التخيير ).

وجه الأول : أن المتبادر من اللفظ التشريك ، ولأن مقتضى الإجارة لهما أن تكون المنفعة المطلوبة بالإجارة كل واحد منهما ، فعند الجمع يجب التنصيف.

ويحتمل التخيير ، لأن استيفاء المنفعتين معاً من جميع الأجزاء غير ممكن دفعة ، فليكن ذلك منوطاً باختياره ، والأول أقوى ، لأن الإجارة للأمرين لا لأحدهما كما هو ظاهر اللفظ ، فلا بد من التشريك.

٢١٢

ولو آجرها لزرع ما شاء صح ، ولو عيّن اقتصر عليه وعلى ما يساويه ، أو يقصر عنه في الضرر على إشكال.

______________________________________________________

قوله : ( ولو أجرها ليزرع ما شاء صح ، ولو عيّن اقتصر عليه وعلى ما يساويه ، أو يقصر عنه في الضرر على إشكال ).

الإشكال في العدول عن المعين إلى المساوي والأقل ضرراً ، ومنشؤه من أن المنافع إنما تنتقل على حسب مقتضى العقد ، والفرض أنه لم يقع إلاّ على الوجه المعين فلا يجوز تجاوزه. ومن أن المعقود عليه منفعة الأرض ، ولهذا يستقر العوض بمضي المدة إذا سلّم الأرض فلم يزرعها.

وذكر المعين إنما كان لتقدير المنفعة فلم يتعين ، كما لو استأجر داراً ليسكنها كان له أن يسكنها غيره ، وفارق المركوب والدراهم في الثمن فإنهما معقود عليهما فتعينا. والذي اقتضاه العقد هنا هو تعيين المنفعة المقدّرة بذلك المعين ، وقد تعينت دون ما قدرت به. كما لا يتعين المكيال والميزان في المكيل والموزون ، وهذا هو المشهور بين عامة الفقهاء. والأول أقوى دليلاً وأوضح حجة واختاره الشيخ في المبسوط (١) ، وهو الأصح.

وما ذكره في الوجه الثاني من أن المعقود عليه منفعة الأرض ، إن أراد به على وجه مخصوص فهو حق ، لكن يجب أن لا يجوز تجاوزه ، وإن أراد مطلقاً فغير واضح ، واستقرار الأجرة بمضي المدة ليس لكون المعقود عليه المنفعة مطلقاً ، بل لكون المعقود عليه قد تمكّن من استيفائه ببذل العين له وتسلمه إياها فكان قابضاً لحقه ، ولأن المنفعة قد تلفت تحت يده فكانت محسوبة عليه.

وقوله : ( إنّ ذكر المعين إنما كان لتقدير المنفعة ) ليس بشي‌ء ، وكيف يكون كذلك والغرض قد يتعلق بزرع المعين ، ومثل ذلك آت في الاستئجار للسكنى فيكون الأصل ممنوعاً.

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٢٦٣.

٢١٣

ولو شرط الاقتصار على المعيّن لم يجز التخطي ، ولا إلى الأقل.

______________________________________________________

وقوله : ( إن المعقود عليه المنفعة المقدّرة بذلك المعين فهو كالمكيال ) مردود ، لأن الأغراض تختلف في ذلك اختلافاً بيناً ، فلا يجوز الخروج عن مقتضى العقد. وأما المكيال والميزان فإنّ اللفظ وإن اقتضى تعيينهما ، إلا أنه لما قطع بعدم تعلق الغرض بهما ، وعدم التفاوت في التقدير بهما ، أو بغيرهما بوجه من الوجوه التي لها دخل في مقصود الإجارة ، وتتفاوت به مقاصد العقلاء حكمنا بخلاف ظاهر اللفظ وألغينا ذكر التقدير بهما. حتى لو فرض وجود غرض صحيح في تعيينهما حكمنا بلزوم ذلك ، كما لو قطع بسلامة ميزان مخصوص من العيب دون غيره من موازين البلد مثلاً ، فإن تعيينه يقتضي تعينه.

ومعلوم أن الأغراض تتفاوت بتفاوت المزروعات ، وليس هذا بأدون من تعيين الأثمان ، مع أن تعلق الغرض بثمن دون ثمن من جنسه ونوعه أقل من تعلقها بخصوص المزروع.

ولا خفاء في متانة القول بالتعيين وعدم جواز العدول ، وظهور قوته ووضوح حجته ، لكن المشهور العدم. والمصنف في التحرير أفتى بعدم التعيين بذلك (١) ، وكلامه في التذكرة يعطي ذلك (٢) ، وإن كانت العبارة لا تخلو من اضطراب ، والظاهر هو الأول.

ولا يخفى أنه لو أراد زرع الأضر لم يجز إجماعاً ، وهو مستفاد من مفهوم العبارة.

قوله : ( ولو شرط الاقتصار على المعيّن لم يجز التخطي ولا إلى الأقل ).

قطعاً ، قضية للشرط.

__________________

(١) التحرير ١ : ٢٤٩.

(٢) التذكرة ٢ : ٣٠٧.

٢١٤

وكذا التفصيل لو آجرها للغراس ، وله الزرع وليس له البناء ، وكذا لو استأجر للبناء لم يكن له الغرس ولا الزرع.

وإذا استأجر للزرع ولها ماء دائم ، أو يعلم وجوده عادة وقت الحاجة صح.

______________________________________________________

قوله : ( وكذا التفصيل لو أجرها للغراس ، فله الزرع وليس له البناء ).

أي : وكذا التفصيل في جواز التخطي إلى الأقل ضرراً ، أو المساوي دون الأضر لو استأجر الأرض للغراس فله الزرع ، لأنه أقل ضرراً من الغرس ، لأن له مدة ينتظر.

وضرره في الأرض أقل ، بضعف عروقه وقلة انتشارها بالنسبة إلى الغرس ، وليس له البناء ، لأن ضرره أشد من الغرس من وجه ، فإن البناء أدوم في الأرض وأكثر استيعاباً لوجهها.

والغرس أضر لانتشار عروقه ، واستيعابه قوة الأرض ، ونحوه الزرع فلا يجوز العدول من الغرس المعين إلى البناء ، وكذا العكس ، وهو المشار إليه بقوله : ( وكذا لو استأجر للبناء لم يكن له الغرس ولا الزرع ).

قوله : ( وإذا استأجر للزرع ولها ماء دائم ، أو يعلم وجوده عادة وقت الحاجة صح ).

الأراضي بالنسبة إلى وجود الماء للسقي إذا زرعت أقسام : منها أرض لها ماء دائم من نهر أو عين أو بئر ونحوها ، وهذه يجوز إجارتها للزرع إجماعاً ، للقدرة على تسليم المنفعة.

ومنها أرض لا ماء لها دائم ، ولكن تشرب من ماء يعلم وجوده وقت الحاجة ، كأرض مصر التي تشرب من زيادة النيل ، والأرض التي تشرب من زيادة الفرات كالكوفة ، وأرض البصرة التي تشرب من المد والجزر ، وما‌

٢١٥

وان كان نادراً فإن استأجرها بعد وجوده صح ، للعلم بالانتفاع ، وإلا فلا.

ولو آجرها على أن لا ماء لها ، أو كان المستأجر عالماً بحالها صح ، وكان له الانتفاع بالنزول فيها ، أو وضع رحله ، وجمع حطبه ، وزرعها رجاءً للماء.

______________________________________________________

تشرب من الأمطار والثلوج التي يغلب حصولها ، وهذه تجوز إجارتها قبل وجود الماء الذي يسقى منه وبعده ، عملاً بالظاهر من وجوده وقت الحاجة. ومنع الجواز بعض الشافعية (١).

ومنها أرض لا ماء لها ، ولا يغلب وجوده عند الحاجة ، وإنما يندر ذلك ، كالأرض التي إنما تشرب من المطر العظيم ، أو الزيادة المفرطة النادرة الحصول ، فهذه إن أجرها بعد وجود ماء يكفيها صحت الإجارة ، لتحقق حصول المنفعة ، وإلا فلا ، لتعذرها بحسب الظاهر والغالب.

وهذا القسم هو المراد بقوله : ( وإن كان نادراً ، فإن استأجرها بعد وجوده صح للعلم بالانتفاع ، وإلا فلا ) ، فقوله : ( فإن استأجرها. ) جواب الشرط من قوله : ( وإن كان نادراً ).

قوله : ( ولو أجرها على أن لا ماء لها ، أو كان المستأجر عالماً بحالها صح ، وكان له الانتفاع بالنزول فيها ، أو وضع رحله وجمع حطبه وزرعها رجاءً للماء ).

أي : لو أجر هذه الأرض ـ وهي ما يندر حصول الماء الكافي لزرعها ـ فلا يخلو : إما أن يؤجرها على أن لا ماء لها ، أو يؤجرها للانتفاع بها بنحو النزول فيها وسكناها ، أو وضع الرحل والأمتعة فيها ، أو ربط الدواب وجمع الحطب ، أو يؤجرها مطلقاً من دون الأمرين مع علم المتعاقدين بعدم الماء ، وبدونه ، فهذه حالات أربع :

__________________

(١) انظر : كفاية الأخيار ١ : ١٩٢.

٢١٦

______________________________________________________

الاولى : أن يستأجرها مطلقاً على أن لا ماء لها ، ولا ريب في الجواز ، لأن منفعة الأرض غير منحصرة في الزرع ، وإن كان المقصود الغالب استئجارها للزرع ، لأن اشتراط عدم الماء ينفي كون المقصود الأصلي من استئجارها هو الزرع ، فحينئذ ينتفع بها بنحو الأمور المذكورة. وكذا بالزرع لو جاء الماء ، لأنه لم ينف ذلك في العقد ، وإنما نفى كونه المقصود الأصلي.

الثانية : أن يكون المتعاقدان عالمين بالحال ، فإن علمهما يقوم مقام التصريح بنفي الماء ، فيكون الحكم كما سبق في الاولى. واقتصر في الكتاب على كون المستأجر عالماً بحالها ، وهو صحيح ، لأن المنفعة المطلوبة بالإجارة والمقصود حصولها غالباً مختصة به ، فلا يقدح جهل المؤجر بالحال.

الثالثة : أن يستأجرها مصرحاً بالمنافع المخصوصة كالنزول فيها ونحوه ، والحكم كما في الأوليين ، وله الزرع رجاءً لحصول الماء على القول بأن المنفعة لا تتعين بالتعيين بل تتقدر به ، فيتجاوز إلى المساوي والأقل ، وهذه لم يتعرض لها المصنف.

الرابعة : أن يستأجرها مطلقاً من غير تعيين للمنافع ، ولا اشتراط لعدم الماء مع كونه غير عالم بحالها ، فأما أن يكون سوق الماء إليها مرجواً ، أو لا.

ففي الأول في صحة الإجارة وجهان ، وقرب في التذكرة الجواز ، لأن المنفعة مقدور على تسليمها عادة (١). وهو قريب ، لكن يتخير المستأجر إن احتاج سوق الماء إلى زمان ، أو أخل بذلك المؤجر.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٩٧.

٢١٧

وليس له البناء ولا الغرس.

ولو استأجر ما لا ينحسر الماء عنه غالباً للزرع بطل.

______________________________________________________

وفي الثاني في صحة الإجارة وجهان : أحدهما لا تصح ، لأن المنفعة المطلوبة غالباً متعذرة الحصول ، والعبارة خالية من الثالثة ، ومن القسم الأول من قسمي الرابعة.

واعلم أن المتبادر من قوله : ( ولو أجرها على أن لا ماء لها ) إجارته إياها غير مقيدة بالزرع ، وإن كان مقتضى قوله : ( وإذا استأجر للزرع ولها ماء دائم ... ) يقتضي كون الاستئجار للزرع ، لكن المطابق لما في التذكرة والتحرير هو الأول (١) ، على أن الثاني لا تصح الإجارة إلاّ على القول بأن المنفعة لا تتعين بالتعيين.

قوله : ( وليس له البناء ولا الغرس ).

أي : ليس للمستأجر في الصور المذكورة البناء ولا الغرس ، لأن تقدير المدة يقتضي ظاهره التفريغ عند انقضائها ، والبناء والغرس للتأبيد ، بخلاف ما لو استأجر مدة للبناء أو الغرس ، فإن التصريح بهما صرف اللّفظ عن ظاهره.

قوله : ( ولو استأجر ما لا ينحسر عنه الماء غالباً بطل ).

ينبغي أن يكون المراد أنه استأجره للزراعة ، أو مطلقاً ولم يشترط كونه مغموراً بالماء ، ولا علم المستأجر بالحال ، وإلا لم يتم له الحكم بالبطلان ، وسيأتي إن شاء الله تعالى في عبارته ما يحقق ذلك ، وإن كان بعضها لا يخلو من كلام.

واعلم أن في بعض النسخ التقييد بكون الاستئجار للزراعة ، وهو‌

__________________

(١) التحرير ١ : ٢٤٩.

٢١٨

ولو كان ينحسر وقت الحاجة ، وكانت الأرض معروفة ، أو كان الماء صافياً يمكن مشاهدتها صح ، وإلاّ فلا.

______________________________________________________

المطابق لما سيأتي في العبارة ، إلا أنه غير محتاج إليه ، لأن ترك غير القيد ، وإجراء العبارة على إطلاقها يتناول ما إذا استأجره ولم يقيد بالزراعة ، فإنّ الحكم لا يتفاوت ، لأن المقصود الأصلي هو الزراعة ، فلا حاجة إلى التقييد به في مجي‌ء الأحكام ، كما حققناه في المسألة السابقة.

قوله : ( ولو كان ينحسر وقت الحاجة وكانت الأرض معروفة ، أو كان الماء صافياً يمكن مشاهدتها تصح ، وإلا فلا ).

أي : لو كان الماء الذي على الأرض ينحسر وقت الحاجة ، أي : وقت إرادة زرعها ، إن كان ذلك النوع لا يزرع في الماء ، أو وقت إرادة انحساره بعد الزرع ، بحيث لا يفسد الزرع به إن أمكن الزرع في الماء ، كالأرز صحت الإجارة بشرط كون الأرض معروفة عند المستأجر قبل ذلك ، أو كان الماء صافياً لا يمنع مشاهدتها المعتبرة في الصحة ، فإن انتفى الأمران فظاهر العبارة عدم صحة الإجارة.

ومال في التذكرة إلى جواز الاستئجار عند عدم الأمرين الأولين مطلقاً ، محتجاً بأن ذلك من مصلحة الزراعة من حيث أنه يقوي الأرض ، ويقطع العروق المنتشرة فيها ، فأشبه استتار اللوز والجوز بقشرهما (١) ، وليس بشي‌ء.

أما أولاً فلأنه قياس.

وأما ثانياً فللفرق ، فإن القشر في الجوز واللوز محسوب منهما ، بخلاف الماء. وأيضاً فإنه لما كان مخلوقاً فيهما للصيانة ، كان اعتبار إزالته معرضاً اللب للفساد ، وكان من ضرورتهما ، بخلاف الماء بالنسبة إلى‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٩٦.

٢١٩

ولو استأجر مالا ينحسر عنه الماء للزراعة لم يجز ، لعدم الانتفاع ، فإن علم المستأجر ورضى جاز إن كانت الأرض معلومة ، وكذا إن كان قليلاً يمكن معه بعض الزرع.

______________________________________________________

الأرض ، والأغلبية في أحدهما والندرة في الآخر ، فما هنا أقرب.

واعلم إن قوله : ( وكانت الأرض معروفة ) يتناول المعرفة بالوصف ، فحينئذ يكون كل من معرفة الأرض بالمشاهدة السابقة على الفرق المانع من المشاهدة ، ووصفها الرافع للجهالة مصححاً للإجارة. كما أن مشاهدتها بعد الفرق إذا كان الماء صافياً لا يمنع المشاهدة أيضاً كذلك.

لكن العبارة لا تخلو من مناقشة ، لأن قوله : ( وكانت الأرض معروفة ) المراد : كونها كذلك حين عقد الإجارة ، وحينئذ فيكون قوله : ( أو يكون الماء صافياً يمكن مشاهدتها ) مقتضاه الاكتفاء بصحة الإجارة ، بكونها في حال العقد ممكنة المشاهدة ، وليس كذلك. ولو قال : وكانت الأرض معروفة ولو بمشاهدتها بعد الفرق لصفاء الماء ، ونحو ذلك لكان أولى.

قوله : ( ولو استأجر مالا ينحسر عنه الماء للزراعة لم يجز ، لعدم الانتفاع ، فإن علم المستأجر ورضي جاز إن كانت الأرض معلومة ، وكذا إن كان الماء قليلاً يمكن معه بعض الزرع ).

أي : لو استأجر ما لا ينحسر عنه الماء وقت الحاجة للزراعة لم يجز ، لعدم الانتفاع ، وفيه مناقشتان :

إحداهما : أن هذا قد سبق ، فإعادته تكرار.

ويجاب بأنه أعيد لبناء ما بعده عليه ، فهو كالتنقيح لما سبق.

الثانية : أنه لا حاجة إلى التقييد بقوله : ( للزراعة ) ، لأن إطلاق إجارة البيضاء إنما يقصد به غالباً الزرع ، فالإطلاق محمول على إرادة الزرع ، كما سبق في الأرض التي لا ماء لها.

٢٢٠