جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٣

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٣

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٩

أ : الكنائس ، فلا يمكنون من بناء كنيسة في بلدة مصرها المسلمون ، ولا في بلدة ملكناها منهم قهرا أو صلحا ، فإن أحدثوا شيئا نقض ، ولهم الاستمرار على ما كان في الجميع ، ورم المستهدم منها ، ويكره للمسلم اجارة الرم.

ولو وجد في بلد المسلمين كنيسة ، ولم يعلم سبقها ولا تأخرها لم ينقض ، لاحتمال أن تكون في برية واتصلت بعمارة المسلمين.

ولو صالحونا على أن الأرض للمسلمين ، ولهم السكنى وإبقاء الكنائس جاز ، ولو شرطنا النقض جاز.

______________________________________________________

قوله : ( في بلدة مصّرها المسلمون ).

مثل : الكوفة ، والبصرة ، وبغداد.

قوله : ( ولا في بلدة ملكناها منهم قهرا أو صلحا ).

أي : على أن الأرض للمسلمين ، وعلى رقابهم الجزية بدليل ( ملكناها ).

قوله : ( ولهم الاستمرار على ما كان في الجميع ).

أي : حتى في التي مصّرها المسلمون ، بأن كانت الكنيسة مثلا في فلاة ، ثم دخلت في خطة (١) بلد المسلمين ، كما نبّه عليه فيما بعد.

قوله : ( ورمّ المستهدم منها ).

وهو المشرف على الانهدام ، ومثله المنهدم ، لامتناع بقاء البناء مدة طويلة من دون إصلاحه ومرمته.

قوله : ( ولو صالحونا على أنّ الأرض للمسلمين ولهم السكنى وإبقاء الكنائس ... ).

هذا كالبيان لما سبق إجماله ، ولهم الاستمرار على ما كان في الجميع ، فإنّ منه الأرض التي ملكناها بالصلح ، ومقتضى ذلك : الاستمرار بها مطلقا ، فتنبه‌

__________________

(١) قال الجوهري : والخطة بالكسر : الأرض يختطها الرجل لنفسه ، وهو أن يعلم عليها علامة بالخط ليعلم انه قد اختارها ليبنيها دارا ، ومنه خطط الكوفة والبصرة. انظر : الصحاح ( خطط ) ٣ : ١١٢٣.

٤٦١

ولو أطلقوا احتمل النقض ، لأنا ملكنا الأرض بالصلح ، وهو يقتضي صيرورة الجميع لنا ، وعدمه عملا بقرينة حالهم ، لافتقارهم الى مجتمع لعباداتهم.

ولو صالحناهم على أن الأرض لهم ، ويؤدون الخراج فلهم تجديد الكنائس فيها ، وكل موضع منعنا من الأحداث لم نمنع من إصلاح القديم.

نعم لو انهدمت ففي الإعادة نظر ،

______________________________________________________

لهذا.

فرع : لو صالحونا على أنّ الأرض لنا ، وأن يحدثوا كنيسة مثلا ، قال في التذكرة : جاز ، لأن لهم استثناء الأرض كلها فبعضها أولى (١) ، وهو قريب.

قوله : ( ولو أطلقوا احتمل النقض ، لأنا ملكنا الأرض بالصلح ، وهو يقتضي صيرورة الجميع لنا ).

هذا بحسب ظاهر اللفظ ، لكن القرائن الحالية دالة على استثناء موضع عبادتهم ، لامتناع بقائهم عادة من دون موضع لعبادتهم ، إذ ليس في مللهم العبادة حيث اتفق ، كما امتنع بقاؤهم في تلك الأرض من دون مسكن ، فما دل على استثناء المسكن دل على استثناء موضع العبادة.

قوله : ( وعدمه عملا بقرينة حالهم ... ).

وهو الأصح.

قوله : ( نعم لو انهدمت ففي الإعادة نظر ).

أي : انهدمت كلها كما هو ظاهر اللفظ ، وإن كانت عبارة الشارح ولد المصنف قد توهم خلافه (٢). ومنشأ النظر : من أنها كنيسة قد استثنيت ، فتكون إعادتها كابقائها ، ومن ظاهر قوله عليه‌السلام : « لا كنيسة في الإسلام » (٣) وهو‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٤٦.

(٢) إيضاح الفوائد ١ : ٣٩٠.

(٣) وردت الرواية في إيضاح الفوائد ١ : ٣٩٠ بلفظ : ( لا حصن في الإسلام ولا كنيسة ).

٤٦٢

ولا يجوز لهم توسيع خطتها.

ب : عدم تعلية بنائه المستجد على جاره المسلم وإن كانت دار جاره في غاية الانخفاض ، وفي المساواة إشكال.

ولا يجب أن يقصر عن بناء جميع المسلمين في البلد ، بل بناء محلته ، ولو كانوا في موضع منفرد فلا حجر.

ولا يمنع من شراء دار مرتفعة ، ولا تهدم لو ملكها. نعم لو اشتراها من ذمي ظلم بالارتفاع هدم المرتفع.

ولو اشتراها المسلم من هذا الظالم لم تهدم ، فلو باعها المسلم فالأقرب إقراره على‌ العلو.

______________________________________________________

أقوى. ولا فرق بين الإبقاء والإعادة ، ولا نسلم أن الاستثناء مطلقا إنما هو للإبقاء دون غيره.

قوله : ( ولا يجوز لهم توسيع خطتها ).

لأنها ككنيسة محدثة.

قوله : ( وفي المساواة إشكال ).

الأصح لا يجوز ، لظاهر قوله عليه‌السلام : « الإسلام يعلو ولا يعلى عليه » (١) ، ولأن الذمي مأخوذ بما فيه الذلة والإهانة ، وما قيل : من أنّ أول الحديث يدل على منع المساواة وآخره يدل على جوازها ليس بشي‌ء ، لأن أوله يدل مطابقة وآخره يشعر بمفهومه الضعيف ، ومثل هذا كيف يعدّ دلالة ، خصوصا مع التصريح في أوله بمنع المساواة.

قوله : ( بل بناء محلته ).

المراد به : بناء جيرانه عرفا.

قوله : ( فلو باعها المسلم فالأقرب إقراره على العلو ).

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٤٣ حديث ٧٧٨.

٤٦٣

ولو انهدمت المرتفعة مطلقا لم يجز له أن يعلو في الإعادة ، ولا يلزمهم إخفاء العمارة.

ج : عدم دخول المساجد ، لا للاستيطان ولا للاجتياز ، سواء أذن لهم مسلم أو لا.

د : عدم استيطان الحجاز ، والمراد به : مكة والمدينة ، وهي داخلة في جزيرة العرب ، لأن حدها من عدن الى ريف عبادان طولا ،

______________________________________________________

أي : لو باعها المسلم من ذمي تركه لظهوره ، ووجه القرب عدم الظلم استصحابا لما ثبت للمسلم ، وهو الأصح.

قوله : ( ولو انهدمت المرتفعة مطلقا لم يجز أن يعلو في الإعادة ).

المراد بالإطلاق : كون الارتفاع وقع أو لحق ، وإنما لم يجز لأنه حينئذ بناء للذمي ، والارتفاع الأول إنما أبقى لأنه بناء لمسلم محترم ، فاستصحب حكمه.

وربما احتمل الجواز ، لثبوت استحقاق إبقائه. ولا وجه له ، لأنّ استحقاق إبقائه لا من جهة كونه حقا للكافر ، بل من جهة كون البناء محترما من جهة أنه كان للمسلم ، وهو منتف هنا.

قوله : ( ولا يلزمهم إخفاء العمارة ).

لا بأن يبنوا داخل الجدار إذا أشرف على الانهدام جدارا آخر ، ولا بكونها ليلا أو تحت الأرض.

قوله : ( عدم استيطان الحجاز ، والمراد به : مكة والمدينة ).

وكذا الطائف ومخاليفها ونواحيها ، وإنما سمي حجازا لأنه حجز بين نجد وتهامة ، وهي بكسر التاء ، وهي أرض معروفة وراء مكة ، وقد يقال لمكة : تهامة.

قوله : ( وهي داخلة في جزيرة العرب ، لأن حدها من عدن إلى ريف عبادان طولا ).

عدن : بلد في اليمين ، والريف : هي المزارع ومواضع المياه ، وعبادان :

٤٦٤

ومن تهامة وما والاها إلى أطراف الشام عرضا.

ويجوز لهم الاجتياز بالحجاز ، والامتيار منه.

ولا يمكّن من الإقامة أزيد من ثلاثة أيام على موضع سوى الدخول والخروج ، ويمنع من الاجتياز بالحرم ، فلو جاء لرسالة خرج اليه من يسمعها. ولو دفن به نبش قبره واخرج ، ولو مرض وخيف موته بنقله نقل.

______________________________________________________

جزيرة تحيط بها شعبتان من دجلة والفرات.

قوله : ( ومن تهامة وما والاها إلى أطراف الشام عرضا ).

وإنما كانت هذه جزيرة ، لأن بحر الهند ـ الذي هو بحر الحبشة ـ وبحر فارس والفرات ودجلة محيط بها ، وإنما نسبت إلى العرب ، لأنها منزلهم ومسكنهم ومعدنهم.

وقيل : يحرم استيطانهم بجزيرة العرب كلها لشرفها ، بكونها منزلا للعرب الذين منهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) ، وقد روي عن ابن عباس : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوصى بإخراج المشركين من جزيرة العرب (٢) ، وقال عليه‌السلام : « لا يجتمع دينان في جزيرة العرب » (٣).

وحمل ذلك المصنف على إرادة الحجاز ، لشرفه بمبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولأنه لولا ذلك لوجب إخراج أهل الذمة من اليمن ، وليس بواجب ، ولم يخرجهم عمر. ويشكل : بأن المتبادر من جزيرة العرب جميعها دون الحجاز خاصة ، وفعل عمر بعيد عن أن يكون حجة.

قوله : ( ولو دفن به نبش قبره ).

في عبارة المبسوط : لم يخرج للنهي عن النبش (٤) ، وهو ضعيف.

__________________

(١) قاله العلامة في المنتهى ٢ : ٩٧١ ، والتذكرة ١ : ٤٤٥.

(٢) صحيح البخاري ٤ : ١٢٠.

(٣) جامع الأصول ٩ : ٣٤٣ حديث ٦٩٧٩.

(٤) المبسوط ٢ : ٤٨.

٤٦٥

هـ : التزام جميع ما تقدم من الشرائط.

نكتة : حكم انتقاض العهد بالقتال الاغتيال ، وما عداه يرد إلى مأمنه ، ولو نبذ إلينا العهد الحق بالمأمن أيضا.

ولو كذب بعد إسلامه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عزّر ، فإن كذّبه فهو مرتد ، فان نسبه الى الزنى فهو مرتد ، فإن أسلم لم يلزمه شي‌ء واحتمل القتل ، لأن حد قذف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القتل ، وحد القذف لا يسقط بالتوبة ، ووجوب ثمانين ، لأن قذف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ارتداد ، وقد سقط حكمه بالتوبة وبقي حد القذف.

المطلب الرابع : في المهادنة : وهي المعاهدة على ترك الحرب مدة من غير عوض.

______________________________________________________

قوله : ( التزام جميع ما تقدم من الشرائط ).

أي : في أول الكتاب.

قوله : ( وما عداه يرد إلى مأمنه ).

قد سبق التردد في ذلك للمصنف ، فرجع عنه هنا إلى الجزم بعدم الاعتبار ، ويستثني نقضه بالقتال ، وبما سبق ذكره.

قوله : ( واحتمل القتل ، لأن حد قذف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القتل ).

هذا أظهر ، وقوله بعد : ( لأن قذف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ارتداد ... ).

ليس بشي‌ء ، لأنه ارتداد وموجب القتل ، فإذا سقط أحد الحكمين بالإسلام لم يلزم سقوط الآخر ، بل يبقى كما كان ، ولو تم استدلاله لم يجب شي‌ء أصلا ولا ثمانون ، لعدم المقتضي له أصلا.

قوله : ( في المهادنة : وهي : المعاهدة على ترك الحرب مدة من غير عوض ).

هذا القيد الأخير المراد منه : أنّ المهادنة مبنية وموضوعة على عدم العوض ،

٤٦٦

وهي جائزة مع المصلحة للمسلمين ، وواجبة مع حاجتهم إليها ، إما لقلتهم ، أو لرجاء إسلامهم مع الصبر ، أو ما يحصل به الاستظهار ،

______________________________________________________

فإن جاز اشتراطه وأراد به : أنه ليس كالجزية من شرطه العوض فيجوز بعوض ، لأنه شرط سائغ لا ينافي مقصود المهادنة ، فيجوز اشتراطه للعموم.

قوله : ( وواجبة مع حاجتهم إليها ).

في التذكرة (١) والمنتهى (٢) : إنها لا تجب بحال ، لعموم الأمر بالقتال ، ولفعل الحسين صلوات الله عليه.

وجوابه ظاهر ، فإن الأمر بالقتال مقيد بمقتضى ( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) (٣). وأما فعل الحسين صلوات الله عليه فإنه لا نعلم منه أنّ المصلحة كانت في المهادنة وتركها ، ولعله عليه‌السلام علم أنه لو هادن يزيد عليه اللعنة لم يف له ، أو أنّ أمر الحق يضعف كثيرا بحيث يلتبس على الناس ، مع أن يزيد لعنه الله كان متهتكا في فعله ، معلنا بمخالفة الدين ، غير مداهن كأبيه لعنة الله عليهما ، ومن هذا شأنه لا يمتنع أن يرى إمام الحق وجوب جهاده وإن علم أنه يستشهد ، على أنه عليه‌السلام في الوقت الذي تصدى للحرب فيه لم يبق له طريق إلى المهادنة ، فإن ابن زياد لعنه الله كان غليظا في أمرهم عليهم‌السلام ، فربما فعل بهم ما هو فوق القتل أضعافا مضاعفة.

قوله : ( أو لرجاء إسلامهم مع الصبر ).

في إدخال هذا القسم في الحاجة مناقشة ، بل هو بما فيه مصلحة ألصق ، وبالجواز أشبه ، اللهم إلاّ أن تظهر علامات إرادتهم الإسلام ، بحيث يغلب على الظن ذلك ، فإنه يبعد القول بجواز قتالهم حينئذ.

قوله : ( أو ما يحصل به الاستظهار ).

أي : أو لرجاء ما يحصل به الاستظهار ، بأن يكون في المسلمين قوة وفي‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٤٧.

(٢) المنتهى ٢ : ٩٧٤.

(٣) البقرة : ١٩٥.

٤٦٧

فان لم تكن حاجة ، ولا مضرة لم تجب الإجابة ، بل ينظر إلى الأصلح ، فإن كان في طرف الترك لم تجز المهادنة ، وإنما يتولاها الإمام أو من نصبه لذلك.

ويشترط خلوها عن شرط فاسد كشرط ترك مسلم ، أو ماله في أيديهم ، وشرط دفع مال إليهم إلا مع الخوف ، والتظاهر بالمناكير ، واعادة المهاجرات.

ثم إن لم يكن الامام مستظهرا لضعف المسلمين ، وقوة شوكة العدو لم تتقدر المدة ، بل بحسب ما يراه ولو عشر سنين.

______________________________________________________

المشركين أيضا ، ويرجى بالمهادنة تجدد ضعف للمشركين أو قوة للمسلمين.

قوله : ( فان لم تكن حاجة ولا مضرة لم تجب الإجابة ).

قد يقال : قوله : ( فان لم تكن حاجة ) مغن عن قوله : ( ولا مضرة ).

قوله : ( وإنما يتولاها الإمام أو من نصبه لذلك ).

إما لخصوصه أو لأمر عام دخلت فيه.

قوله : ( والتظاهر بالمناكير ، وإعادة المهاجرات ).

تقديم الاستثناء على هذين الأمرين دليل على عدم جوازهما مطلقا ، بخلاف ما قبلهما فإنه يجوز مع الخوف ، فأما إعادة المهاجرات فلا يجوز على حال ، لورود القرآن بالمنع منه (١). وينبغي أن يكون من لا يؤمن أن يفتنوه عن دينه كذلك ، وبه صرح في التحرير (٢).

وأما التظاهر بالمناكير ، فقد عده في المبسوط من الشروط الفاسدة ، وعد من جملتها رد من جاء منهم مسلما وأطلق (٣) ، وقد يقال : إن الضرورة لو دعت إلى اشتراط إظهار المناكير لم يكن أعظم من رد من جاء منهم إلينا مسلما.

__________________

(١) الممتحنة : ١٠.

(٢) تحرير الأحكام ١ : ١٥٣.

(٣) المبسوط ٢ : ٥٢.

٤٦٨

ولو انعكس الحال لم تجز الزيادة على سنة لقوله تعالى ( فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ).

وتجوز إلى أربعة أشهر لقوله تعالى ( فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) وفيما بينهما خلاف أقربه اعتبار الأصلح.

______________________________________________________

قوله : ( ولو انعكس الحال لم تجز الزيادة على سنة ... ).

الأوجه أن يقال : لم يجز إلى سنة ، فان الآية (١) تدل على وجوب الجهاد في السنة ، ولو جازت المهادنة سنة لانتفى وجوب الجهاد فيها ، وهو غير جائز مع الإمكان ، وبه صرح شيخنا في الدروس ، قال : وتتقدر الهدنة بما دون السنة فيراعى الأصلح (٢). وفي المبسوط : ولا يجوز إلى سنة وزيادة عليها بلا خلاف ، لقوله تعالى ( فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) (٣) فاقتضى ذلك قتلهم بكل حال ـ إلى أن قال ـ : فأما إذا كانت المدة أكثر من أربعة أشهر وأقل من سنة فالظاهر المتقدم يقتضي أنه لا يجوز ، وقيل : انه يجوز مثل مدة الجزية (٤).

وهذه العبارة تقتضي مساواة ما فوق الأربعة للسنة ، وهو ضعيف ، بل الحق أنّ ما دون السنة كالأربعة ، لأنّ القتال بعد الأربعة غير متحتم ، بل يجب كونه في السنة مرة كما سبق ، أما السنة فلا يجوز إلا مع الضرورة.

قوله : ( وفيما بينهما خلاف أقربه اعتبار الأصلح ).

عبارة المبسوط تشعر بعدم جواز ما فوق الأربعة (٥) ، ومختار المصنف أقوى ، لما قلناه.

__________________

(١) التوبة : ٥.

(٢) الدروس : ١٦٢.

(٣) التوبة : ٥.

(٤) قاله الشيخ في المبسوط ٢ : ٥٠ ـ ٥١.

(٥) المبسوط ٢ : ٥١.

٤٦٩

ولو عقد مع الضعف على أزيد من عشر سنين بطل الزائد.

ولا بد من تعيين المدة ، فلو شرط مدة مجهولة لم يصح ، ولو أطلقها بطلت الهدنة ، إلاّ أن يشترط الخيار لنفسه في النقض متى شاء ، وحكم العقد الصحيح وجوب الوفاء به الى آخر المدة أو الى أن يصدر منه خيانة وعلموها ، فان لم يعلموا أنه خيانة فينذر ولا يغتال.

______________________________________________________

قوله : ( ولو عقد مع الضعف على أزيد من عشر سنين بطل الزائد ).

لأن ما زاد عليها لا يجوز ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنما صالح على العشر في الحديبية (١). ومال في التذكرة (٢) والمنتهى (٣) إلى الجواز مع الضرورة ، وليس بذلك البعيد ، فبناء على الأول يبطل الشرط خاصة. والمتجه بطلان الشرط والعقد جميعا ، لأن التراضي إنما وقع عليهما.

قوله : ( ولو أطلقها بطلت الهدنة ).

إذ لا شي‌ء يمكن الرجوع إليه حينئذ.

قوله : ( إلا أن يشترط الخيار لنفسه في النقض متى شاء ).

فإنه يجوز ، لأن التراضي إذا وقع على ذلك كان في الحقيقة بمشيئة الجميع ـ أعني : الامام والمشركين ـ ولا مانع من ذلك ، لأن الجهالة تنتفي حينئذ ، وليس هذا من العقود التي يمنع من صحتها الغرر.

قوله : ( أو إلى أن يصدر منه خيانة وعلموها ، فان لم يعلموا أنه خيانة فينذر ولا يغتال ).

الظاهر أنّ ضمير ( وعلموها ) يعود إلى المسلمين ، أي : وتحققوا أنّها خيانة ، فحينئذ يغتال المشرك ، وإن لم يعلموا ذلك ويتحققوا وجب إنذاره ولم يجز‌

__________________

(١) تاريخ الطبري ٢ : ٦٣٥.

(٢) التذكرة ١ : ٤٤٧.

(٣) المنتهى ٢ : ٩٧٤.

٤٧٠

ولو استشعر الإمام خيانة جاز له أن ينبذ العهد إليهم ، وينذرهم.

ولا يجوز نبذ الجزية بمجرد التهمة ، ولو شرط مع الضعف عشر سنين فزال الضعف وجب الوفاء بالشرط.

وحكم الفاسد أن لا يغتال إلاّ بعد الإنذار ، ويجب الوفاء بالشرط الصحيح.

______________________________________________________

اغتياله ، واحتمال عود الضمير إلى المشركين بعيد ، فان توحيد ضمير ( منه ) و ( ينذر ) و ( لا يغتال ) يأبى ذلك.

قوله : ( ولا يجوز نبذ الجزية بمجرد التهمة ).

فرق بينهما بأمور :

الأول : إن عقد الذمة لمصلحة أهل الكتاب ، ولهذا تجب على الإمام إجابتهم عليه ، وعقد الهدنة والأمان لمصلحة المسلمين لا لحقهم ، فافترقا.

وفيه نظر ، فان عقد الذمة أيضا لمصلحة المسلمين ، ولهذا لو كان فيه مضرة للمسلمين لم يجز عقدها.

ولو فرّق : بأن لأهل الكتاب في عقد الجزية حق ، بخلاف الهدنة ـ فإنها لمحض مصلحة المسلمين ، فما دام لم يظهر المقتضي لنبذة يجب التمسك به ، لوجوب إجابتهم إليه مع عدم ظهور المفسدة ـ لكان أولى.

الثاني : إن عقد الذمة آكد ، لأنه عقد معاوضة ومؤبد ، بخلاف الهدنة والأمان ، ومما يدل على تأكيده : أنه لو نقض بعض أهل الذمة وسكت الباقون لم ينتقض عهدهم ، ولو كان في الهدنة انتقض ، صرح به الأصحاب ، ومنهم المصنف في المنتهى (١) والتذكرة (٢) ، وتأثيره في الفرق غير ظاهر.

الثالث : إن عقد الهدنة منوط بحال الضرورة ، ومع خوف الخيانة فالضرورة تقتضي عدمه ، بخلاف عقد الجزية.

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٩٨٠.

(٢) التذكرة ١ : ٤٥٠.

٤٧١

والعادة إن يشرط رد من جاءنا منهم عليهم وهو سائغ ، إلاّ في المرأة إذا جاءت مسلمة ، ومن لا يؤمن أن يفتن عن دينه إذا جاء مسلما لقلة عشيرته.

______________________________________________________

الرابع : إن أهل الذمة في قبضة الامام ولا يخشى الضرر كثيرا من نقضهم ، بخلاف أهل الهدنة ، كذا ذكروه ، ولعله لكون الجزية إنما يرضى ببذلها المشركون بعد كمال الضعف ، لأن الصبر على الصّغار ، وتحمل الإهانة ، وعدم ركوب الخيل ولبس السلاح ، ونحو ذلك ، وبذل مال الجزية غير معلوم المقدار أمر شديد لا يصبر عليه عن قوة يد.

فان قلت : قوله تعالى ( وَإِمّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ ) (١) صالح لأهل الذمة أيضا.

قلنا : لما كان قبول الجزية من أهل الذمة واجبا ما بذلوه ، لقوله تعالى : ( حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ ) (٢) وجب أن لا يثبت جواز النقض هنا ، إلاّ بتحقق السبب.

قوله : ( والعادة أن يشترط ردّ من جاءنا منهم عليهم ).

إنما عبّر بالعادة ، لأنه قد وقع ذلك في فعله عليه‌السلام في صلح الحديبية.

قوله : ( ومن لا يؤمن أن يفتن عن دينه إذا جاء مسلما لقلة عشيرته ).

لا بد من التقييد بضعفه أيضا ، ومثله من كثرت عشيرته ولا يدفعون عنه.

والذي ينبغي أن لا يراد بفتنه عن دينه : رجوعه عنه ، فإنه لو كان قويّ الايمان شديد البصيرة لا عشيرة له ولا يستطيع إظهار دينه لا يجوز رده ، بل يراد فتنة عن دينه ظاهرا ، فان بلاد الشرك لا يجوز الإقامة بها لمن لا يقدر على إظهار دينه ، فلا يجوز اشتراط إقامته. واعلم أن المراد بالعشيرة والرهط هنا واحد وهم : قرابته الأدنى والأبعد.

__________________

(١) الأنفال : ٥٨.

(٢) التوبة : ٢٩.

٤٧٢

ولو أمنّا أن يفتنوه عن دينه لكثرة رهطه جاز رده ، فإذا هاجرت منهم امرأة مسلمة لم يجز ردها وإن كانت ذات عشيرة ، إذ رهطها لا يمنعونها عن التزويج بالكافر بخلاف الرجل ، فإذا هاجرت وأسلمت لم ترد على زوجها ، وإن طلبها زوجها دفع اليه ما سلمه إليها من مهر خاصة ، دون غيره من نفقة وهبة.

ولو كان المهر الذي دفعه إليها محرما كخمر وشبهه ، أو لم يكن قد دفع إليها شيئا لم يدفع إليه شي‌ء ، ولا قيمة المحرم وإن كانت قبضته كافرة.

ولو جاء أب الزوج أو اخوه أو شبهه لم يدفع إليه شي‌ء أيضا ، والدافع في موضعه إنما هو الإمام من بيت المال ، لأنه من المصالح ، هذا إذا قدمت الى بلد الإمام أو خليفته ومنع من ردها.

______________________________________________________

قوله : ( فان طلبها زوجها ... ).

لا بد من تقييد الطلب بكونها في العدة ، لما سيأتي من التنبيه عليه.

قوله : ( ولو كان المهر الذي دفعه إليها محرما كخمر وشبهه ، أو لم يكن قد دفع إليها شيئا لم يدفع إليه شي‌ء ولا قيمة المحرّم ).

أما الأول : فلما سبق من أن المحرّم يسقط عن ذمة الحربي إذا أسلم ، كما لو أسلم دافعه ، ولا تثبت قيمته في ذمته.

وأما الثاني : فلقوله تعالى ( وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا ) (١) ومن لم يدفع شيئا لم ينفق شيئا ، لأن المراد هو المهر خاصة.

قوله : ( ولو جاء أب الزوج أو أخوه أو شبهه لم يدفع إليه شي‌ء أيضا ).

لأن الطلب حق للزوج خاصة ، وهذا إذا لم يكن أحدهم وكيلا له ، فإنّ طلب وكيل الزوج طلب الزوج ، بخلاف طلب أحد من أقاربه أو أقاربها.

__________________

(١) الممتحنة : ١٠.

٤٧٣

ولو قدمت غير بلدهما فمنعها غير الإمام ، وغير خليفته لم يدفع إليه شي‌ء ، سواء كان المانع العامة أو رجال الإمام.

فروع :

أ : لو قدمت مجنونة ، أو عاقلة فجنت لم يجب الرد لجواز تقدم إسلامها ، ثم إن علم تقدم الإسلام دفع اليه مهرها.

ولو اشتبه لم يجب ، فإن أفاقت واعترفت بتقدم إسلامها أعيد عليه ، وإن قالت : لم أزل كافرة ردت عليه.

______________________________________________________

قوله : ( ولو قدمت غير بلدهما فمنعها غير الامام وغير خليفته لم يدفع إليه شي‌ء ، سواء كان المانع العامة أو رجال الإمام ).

لأن الدفع من سهم المصالح بيت المال إنما هو إلى الامام ونائبه ، وليس للباقين في ذلك دخل ، فلا يتوجه الأمر بالدفع إليهم ويجب عليهم المنع لأن ذلك من جملة المعروف الواجب فيجب الأمر به ، فإنّ تمكين الكافر من المسلمة غير جائز.

قوله : ( لو قدمت مجنونة أو عاقلة فجنت لم يجب الردّ ، لجواز تقدم إسلامها ).

ينبغي أن يراد بعدم وجوب الرد تحريمه ، لأن الاحتمال كاف في المنع.

قيل : استصحاب الحال يقتضي بقاء كفرها ، فيجب الرد.

قلنا : شرط الرد كونها كافرة ، وتجويز الإسلام مانع ، فلا يقدح استصحاب الكفر لأن الاستصحاب لا ينافيه الاحتمال ، وهو مناف لجواز الرد. نعم لو كان شرط الرد الحكم بكونها كافرة لزم ذلك ، وليس كذلك ، بل الشرط العلم بكونها كافرة بعد الامتحان المأمور به في الآية (١) ، وذلك متعذر إلاّ بعد الإفاقة.

قوله : ( ولو اشتبه لم يجب ).

أي : إن اشتبه تقدم الإسلام لم يجب دفع المهر ، لانتفاء الشرط أو السبب ،

__________________

(١) الممتحنة : ١٠.

٤٧٤

ب : لو قدمت صغيرة فوصفت الإسلام لم ترد لجواز الافتنان ، ولا المهر الى أن تبلغ ، فان بلغت وأقامت على الإسلام رد المهر ، وإلاّ ردت هي.

ج : لو قدمت مسلمة ، فجاء زوجها ليطلبها فارتدت لم ترد ، لأنها بحكم المسلم ، فيجب أن تتوب أو تحبس ، ويرد عليه المهر للحيلولة.

د : لو جاء زوجها يطلبها فمات قبله ، أو ماتت كذلك فلا شي‌ء له ، وإن مات أحدهما بعد المطالبة أعيد عليه أو على وارثه.

هـ : لو قدمت مسلمة فطلقها بائنا أو خالعها قبل المطالبة لم يكن له المطالبة ، لزوال الزوجية فتزول الحيلولة ، ولو كان رجعيا فراجعها عادت المطالبة.

______________________________________________________

وهو : الحيلولة بالإسلام.

قوله : ( لو قدمت صغيرة فوصفت الإسلام ).

المراد بها : نطقت بما يقتضيه ، وعبّر بالوصف لأن الإسلام متعذر في حقها ، فلم يبق إلا نطقها بألفاظه الذي هو : عبارة عن وصفها إيّاه.

قوله : ( ويرد عليه المهر للحيلولة ).

أي : للحيلولة المعهودة ، وهي حيلولة الإسلام بينه وبينها ، لأنّ إسلامها هو الذي جعلها بعد الارتداد بحكم المسلمين ، بمعنى : أنّ كثيرا من أحكام المسلمين يجري عليها.

قوله : ( فإن مات أحدهما بعد المطالبة ... ).

للاستحقاق بالمطالبة.

قوله : ( ولو كان رجعيا فراجعها عادت المطالبة ).

اشترط المراجعة في المطالبة لأنه بعد الطلاق لا يستحق المطالبة بها ، لأنّ الطلاق يوجب التفريق والمباعدة وإن كان رجعيا ، فكيف يستحق معه المطالبة؟

فإن قيل : لم لا تكون المطالبة رجعية؟

٤٧٥

و : لو قدمت مسلمة ، فجاء زوجها وأسلم في العدة الرجعية ردت إليه ، فإن كان قد أخذ منا المهر استعدناه ، لأن المهر للحيلولة ولم يحل بينهما ، وإن أسلم بعدها لم ترد عليه ، فان كان قد طالب بالمهر قبل انقضاء العدة فمنعناه كان له المطالبة ، لحصول الحيلولة.

ولو طالب بعد الانقضاء لم يكن له ، لأنه التزم حكم الإسلام ، وليس من حكمه المطالبة بعد البينونة.

ز : لو قدمت أمة مسلمة ذات زوج لم ترد عليه ، لأن إسلامها يمنع من ردها ويحكم بحريتها.

وإن كان الزوج حرا فله المطالبة بمهرها ، وإلاّ فلسيده ،

______________________________________________________

قلنا : لا دلالة لها على ذلك إلاّ بضميمة خارجية ، فإن تحققت أمكن القول بأنها رجعة ، لأنها حينئذ كناية (١).

قوله : ( فجاء زوجها ، وأسلم في العدة الرجعية ).

تسمية هذه العدة رجعية مجاز من حيث أنّ الزوج لو أسلم فيها لكان أحق بالزوجة ، فكان إسلامه قبل العدة رجعة ، أو من حيث أنه لو وقع الطلاق في مثل هذه لكان مستحقا للرجعة.

والأول أولى ، لأنها لو كانت مطلقة اثنتين عندنا مثلا ، ثم اختلف الدين لكان أحق بها إذا أسلم في العدة ، فإن عدة اختلاف الدين لا تنقسم إلى البائن والرجعي. ودلّ بإسلامه في العدة على أنها لو لم تكن ذات عدة كغير المدخول بها ليست كذلك ، فإنها تبين بمجرد إسلامها.

قوله : ( والا فلسيده ).

أي : وإن لم يكن الزوج حرا فالمطالبة بالمهر لسيده ، لأنّ المال حق للسيد لا له ، لكن لا يدفع إليه إلا إذا حضر الزوج وطالب بالزوجة ، لأنه للحيلولة بينها وبين الزوج ، فإذا حضر الزوج وطالب ثبتت المطالبة بالمهر للمولى ، فيعتبر‌

__________________

(١) في « ن » : كتابية.

٤٧٦

وأما سيدها فلا ترد عليه ولا قيمتها.

ح : لو قدمت مسلمة ، فادعى زوجيتها مشرك لم يحكم إلاّ باعترافها ، أو بشاهدين عدلين. ولو ادعى دفع المهر قبل فيه شاهد وامرأتان ، وشاهد ويمين.

ط : لا اعتبار بالمهر الذي وقع عليه العقد ، بل بالمقبوض منه ، فلو اختلفا قدّم قولها مع اليمين ، فإن أقام بينة بالزائد اعطي.

______________________________________________________

حضورهما ، واختاره في التذكرة (١) ، وقال في المنتهى : وعندي في وجوب ردّ مهر الأمة نظر (٢).

قلت : ينشأ من عموم الآية بالأمر بالرد (٣) ، ومن أن إيتاء العبد غير ممكن إرادته ، لأنه لم ينفق شيئا ولا يملك شيئا ، وسيده ليس زوجا.

وقد يرجّح الوجه الأول بأنه ليس في الآية تعيين الإيتاء للزوج ، وإنما يعلم ذلك من خارج.

فان قيل : فيلزم وجوب الدفع الى السيد بمجرد مطالبته ، لأنّ الإنفاق منه ، وظاهر الآية يقتضيه.

قلنا : قد وقع الاتفاق على اشتراط المطالبة بالزوجة في العدة في وجوب دفع المهر ، وذلك حق للزوج لا للسيد ، فلا بد من تحققه ، ولا ريب أنّ الوجوب أقوى.

قوله : ( وأما سيدها فلا ترد عليه ).

قد يقال : ما سبق من الحكم بحريتها يغني عن التعرض إليه.

قوله : ( لم يحكم إلاّ باعترافها ، أو بشاهدين عدلين ).

لأنّ النكاح لا يثبت إلاّ بشهادة العدلين ، وقيل : إنه يثبت من طرف‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٤٩.

(٢) المنتهى ٢ : ٩٧٨.

(٣) الممتحنة : ١٠.

٤٧٧

ي : لو شرط اعادة الرجال مطلقا بطل الصلح ، لتناوله من يؤمن افتتانه لكثرة عشيرته أو لقوته ، ومن لا يؤمن. وكل من وجب رده لا يجب حمله ، بل يخلى بينه وبينهم.

وإذا رد من له عشيرة لم نكرهه عليه ، ولا نمنعه إن اختاره ، ولا يمنع عنه من جاء ليرده ونوصيه أن يهرب ، فإذا هرب منهم ولم يكن في قبضة الامام لم يتعرض له.

______________________________________________________

المرأة بما يثبت له المال.

قوله : ( لو شرط إعادة الرجال مطلقا بطل الصلح ).

يحتمل أن يريد بقوله : ( مطلقا ) وقوع الشرط مقيدا بالإطلاق الذي يقتضي عموم الإعادة ، سواء كان المعاد فيه يمنعونه ، أم لا.

ويحتمل أن يراد به : وقوع الشرط على الإطلاق ، أي : معرى عن القيد ، بأن شرط إعادة الرجال ولم يقيد بمن يؤمن افتتانه ومن لا يؤمن ، ولا ريب في البطلان في الأول ، لأنه صريح في تناول من لا تجوز إعادته.

وأما الثاني فيمكن القول بصحته وإن كان ظاهره يتناوله ، لأنّ إطلاق العقود إنما ينزل على الصحيح منها دون الفاسد ، والبطلان قوي نظرا إلى أنّ ( الرجال ) لكونه جمعا محلّى باللاّم يتناول هذا الفرد ويندرج فيه ، والتنزيل على إرادة ما سواه يحتاج إلى مخصص.

قوله : ( فإذا هرب منهم ، ولم يكن في قبضة الإمام لم يتعرض له ).

يفهم من العبارة أنه لو كان في قبضة الإمام يتعرض له ، وليس كذلك فإنّ من هرب وغيره سواء في التخلية بينهم وبينه.

ولعل المراد : أنه كما لا يجب حمله لو كان في قبضة الإمام لا يجب التعرض له لو لم يكن في قبضته.

إذا عرفت هذا فهل يجوز التعرض له في هذه الحالة ، وحمله في الأول؟ ينبغي أن لا يجوز ذلك ، لأنّ المشروط هو عدم المنع ، وما سواه حكم على المسلم بما‌

٤٧٨

خاتمة : ما يؤخذ من أموال المشركين حال الحرب فهو للمقاتلة بعد الخمس ، وما تأخذه سرية بغير إذن الإمام فهو للإمام.

وما يتركه الكفار فزعا ، ويفارقونه من غير حرب فهو للإمام. وما يؤخذ صلحا أو جزية فهو للمجاهدين ، ومع عدمهم لفقراء المسلمين. وما يؤخذ سرقة من أهل الحرب في زمان الهدنة يعاد عليهم ، وفي غير زمانها لآخذه وفيه الخمس.

ومن مات من أهل الحرب وخلّف مالا ، ولا وارث له ، فهو للإمام.

وإذا نقض الذمي العهد ولحق بدار الحرب فأمان أمواله باق ، فان مات ولا وارث له مسلم ورثه الذمي والحربي ، فإذا انتقل إلى الحربي‌

______________________________________________________

لم يثبت جوازه ، فيقتصر على المشروط.

قوله : ( ما يؤخذ من أموال المشركين حال الحرب ... ).

قد سبق أنه بعد الخمس ، والجعائل ، والرضخ ، والنفل ، والسلب إذا كان مما ينقل ويحول.

قوله : ( وما تأخذه سرية بغير إذن الإمام فهو للإمام ).

قد سبق أيضا التنبيه على الخلاف في غنيمة من غزا بغير إذنه ، وأن هذا هو المشهور.

قوله : ( وما يتركه الكفار فزعا ، ويفارقونه من غير حرب فهو للإمام ).

قد سبق أيضا أنّ هذا حيث لا يوجف المسلمون عليهم بالخيل والركاب ، فانّ ما يتركونه في هذه الحالة غنيمة على الأصح.

قوله : ( وما يؤخذ صلحا ، أو جزية فهو للمجاهدين ).

إذا كان مما ينقل ويحول.

قوله : ( ورثه الذمي والحربي ).

أي : كل منهما له صلاحية الإرث ، سواء اجتمعا أو انفردا إلاّ أنه إذا‌

٤٧٩

زال الأمان عنه ، وصغار أولاده باقون على الذمة ، فإن بلغوا خيّروا بين عقد الذمة بأداء الجزية ، وبين الانصراف إلى مأمنهم.

تتمة : إذا انتقل الذمي إلى دين لا يقر أهله عليه ألزم بالإسلام ، أو قتل.

ولو انتقل الى ما يقر أهله عليه ففي القبول خلاف ، ينشأ : من كون الكفر ملة واحدة ، ومن قوله تعالى ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً ) ،

______________________________________________________

انتقل إلى الحربي زال الأمان عنه ، وصار للإمام عليه‌السلام كما نبه عليه بقوله : ( فإذا انتقل إلى الحربي ... ).

قوله : ( وصغار أولاده باقون على الذمة ).

المراد بهم : المتروكون في دار الإسلام ، بقرينة قوله : ( فان بلغوا خيّروا ... ).

قوله : ( ولو انتقل إلى ما يقر أهله عليه ، ففي القبول خلاف ينشأ من كون الكفر ملة واحدة ، ومن قوله تعالى ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ) (١).

يضعف الأول بأنّ المراد من كون الكفر ملة واحدة المجاز ، للقطع بأنه ملل لا ملة ، والمعنى : الكفر بالنسبة إلى الإسلام كالملة الواحدة لكمال المباينة بين الإسلام والكفر ، وثبوت الاشتراك بين الملل في معنى الكفر.

قيل : قوله تعالى ( فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ) لا دلالة فيه ، لأنّ المراد عدم كونه مرضيا عند الله ، لا أنه لا يقر عليه. وهو ضعيف ، لأنّ القبول ضد الرد ، فما كان غير مقبول كان مردودا. وأظهر منه دلالة قوله عليه‌السلام : « من بدل دينه فاقتلوه » (٢) والدين أعم ، ولا اعتبار بتخيل أنّ المراد به الإسلام ، ولأنه مأمور بالإسلام على كل حال ، واستثنى له الإقرار على دينه ، فيبقى ما سواه على الأصل ،

__________________

(١) آل عمران : ٨٥.

(٢) دعائم الإسلام ٢ : ٤٨٠ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٤٨.

٤٨٠