جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٣

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٣

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٩

وسهم المستأجر والمستعار للمقاتل.

وأرباب الصنائع كالبقال ، والبيطار ، والخياط ، والبزاز إن قاتلوا أسهم لهم ، وإلاّ فإن حضروا للجهاد فكذلك ، وإلاّ لم يسهم لهم.

______________________________________________________

الغاصب قد سبق بيان حكمه ، ولا شك أن المالك يستحق ثلاثة أسهم بأفراسه ، لكن السهم الثالث هل هو مستند إلى الفرس المغصوب أم لا؟ فيه إشكال ، ينشأ من أن المغصوب لو لم يكن حاضرا استحق ثلاثة أسهم بأفراسه التي معه ، فلا يزول هذا الحكم بحضوره ، لانتفاء المقتضي ، ومن أن السهم الثالث يمكن إسناده إلى كل من الأفراس التي معه والمغصوب ، فإسناده إلى واحد بخصوصه ترجيح بلا مرجح.

فان قلت : لا معنى لهذا الإشكال ، لأن المالك يستحق ثلاثة أسهم على كل تقدير ، فأي شي‌ء يكون محل الإشكال؟ وأي فائدة تترتب على الوجهين فيه؟

قلت : فائدته ترجع إلى الأجرة على ما اختاره المصنف من أنها تحسب من سهم المغصوب ، فان حكمنا بأن السهم الثالث للمغصوب لم تجب أجرة اخرى إن وفي بها ، وإلاّ وجبت. ولك أن تقول : على ما قدمه المصنف من اختيار التقسيط يلزمه هنا القول به ، فلا يتجه الإشكال المذكور.

والصحيح : أن للمالك ثلاثة أسهم كاملة والأجرة عن المغصوب ، ووجهه معلوم مما سبق.

الثانية : لو تعددت أفراسهما ففي الواجب إشكال ، ينشأ من أن ملاحظة وجوب ثلاثة أسهم لكل منهما باعتبار فرسين ، ومن أن عدم الأولوية في نسبة السهم الثالث إلى فرس دون فرس يقتضي التقسيط. وعلى هذا ففي احتساب الأجرة من شي‌ء مما يستحقه المالك إشكال ، بناء على ما اختاره المصنف : من أن الأجرة من سهم المغصوب ، وعلى ما اخترناه ، فالواجب لكل منهما ثلاثة أسهم ، وتجب اجرة المغصوب أيضا على الغاصب.

٤٢١

ولو غنمت السرية شاركها الجيش الصادرة هي عنه ، لا من جيش البلد.

ولا يتشارك الجيشان الخارجان الى جهتين.

ويكره تأخير القسمة في دار الحرب بغير عذر ، وإقامة الحدود فيها.

ولو غنم المشركون أموال المسلمين لم يملكوها ، فلو ارتجعت فلا سبيل على الأحرار ، وأما الأموال والعبيد فلأربابها قبل القسمة ، ولو عرفت بعدها استعيدت ، ورجع الغانم على الإمام مع تفرق الغانمين.

______________________________________________________

قوله : ( ولو غنمت السرية شاركها الجيش الصادرة عنه ).

لأنها مردودة ، ولو كانت سريتين فكالواحدة ، سواء كانتا إلى جهة واحدة أو إلى جهتين ، لأن المجموع جيش واحد.

قوله : ( ويكره تأخير القسمة في دار الحرب من غير عذر ).

هذا مذهب أكثر الأصحاب ، إلاّ ابن الجنيد ، فإنه اختار أن لا يقسم إلا بعد الخروج من دار الحرب (١) ، والأول هو المختار ، لفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) ، ولأنه لا يؤمن استرجاع المشركين لها.

قوله : ( وإقامة الحدود فيها ).

لئلا تحمل المحدود الغيرة فيدخل إلى دار الحرب ، ولو قتل عمدا اقتصّ منه في دار الحرب.

قوله : ( فلا سبيل على الأحرار ).

لامتناع دفع العوض عنها كما يقوله الشيخ في الأموال (٣).

قوله : ( ولو عرفت بعدها استعيدت ... ).

وقيل : بل يدفع إلى مالكها قيمتها من بيت المال (٤) ، وهو ضعيف.

__________________

(١) نقله عنه في المنتهى ٢ : ٩٥٤.

(٢) ذكره الشيخ في المبسوط ٢ : ٣٥.

(٣) النهاية : ٢٩٥.

(٤) قاله العلامة في المختلف : ٣٢٩.

٤٢٢

والمرصد للجهاد إنما يملك رزقه بقبضه من بيت المال ، فلو مات قبله لم يطالب الوارث وإن كان قد حل.

ولا يستحق أحد سلبا ولا نفلا إلاّ بالشرط.

المطلب الثالث : في اللواحق :

أ : السلب المستحق للقاتل كل ما يد المقتول عليه ، وهو جنّة للقتال أو سلاح كالسيف والرمح والدرقة ، والثياب التي عليه ، والفرس ، والبيضة ، والجوشن. وما لا يد عليه كالجنائب التي تساق خلفه ، والرحل فغنيمة. أما ما يده عليه وليس جنة كالمنطقة ، والخاتم ، والنفقة التي معه ففي كونها سلبا أو غنيمة نظر.

______________________________________________________

قوله : ( والمرصد للجهاد إنما يملك رزقه بقبضه من بيت المال ).

لأن ذلك ليس أجرة ، فإن الارتزاق من بيت المال لا يزيد على كونه مصرفا ، فما دام لا يقبضه لا يملكه.

قوله : ( ولا نفلا ) (١).

هي محركة.

قوله : ( كل ما يد المقتول عليه وهو جنة للقتال أو سلاح ).

الجنة بالضم : ما يستر ، والواو في قوله : ( وهو ) حالية ، وما ذكره بعد ذلك تمثيل للجنة والسلاح.

قوله : ( أما ما يده عليه وليس جنة ... ).

أي ليس جنة ولا سلاحا ، والأصح الفرق بين نحو النفقة (٢) ونحو المنطقة (٣) ، لأن العرف لا يساعد على كون النفقة مما يعد سلبا بخلاف المنطقة.

__________________

(١) قال الجوهري : والنفل ـ بالتحريك ـ : الغنيمة ، والجمع الأنفال ، انظر : الصحاح ( نفل ) ٥ : ١٨٣٣.

(٢) قال الجوهري : والنفاق أيضا جمع النفقة من الدراهم ، يقال : نفقت ـ بالكسر ـ نفاق القوم أي : فنيت ، الصحاح ( نفق ) ٤ : ١٥٦٠.

(٣) قال الطريحي : المنطق كمنبر : ما يشد به الوسط ، مجمع البحرين ( نطق ) ٥ : ٢٣٩.

٤٢٣

ب : إنما يستحق السلب بشروط : أن يشرطه الامام له ، وأن يقتل حالة الحرب ، فلو قتله بعد أن ولّوا الدبر فلا سلب بل غنيمة ، وأن يغرر بنفسه ، فلو رمى سهما من صف المسلمين الى صف المشركين فقتل فلا سلب ، وأن لا يكون المقتول مثخنا بل يكون قادرا على القتال ، وأن لا يكون القاتل كافرا ولا مخذلا ، وأن لا يكون القتل محرما فلو قتل امرأة غير معاونة فلا سلب.

ج : لا ينقص ذو السهم عن سهمه شيئا لأجل السلب ، بل يجمعان له. ويأخذ السلب الصبي ، والمرأة ، والمجنون مع الشرائط.

د : لو تعدد القاتل فالسلب بينهما ، ولو جرحه الأول فصيره مثخنا فالسلب له ، وإلاّ فللثاني.

هـ : النفل : هو ما يجعله الإمام لبعض المجاهدين من الغنيمة بشرط ، مثل أن يقول : من دلني على القلعة ، أو من قتل فلانا ، أو من‌

______________________________________________________

قوله : ( وان يغرر بنفسه ).

أي : يخاطر بها مخاطرة زائدة على أصل الجهاد المشترك بين الكل.

قوله : ( وأن لا يكون القاتل كافرا ).

اختار في المنتهى (١) والتحرير (٢) استحقاقه السلب ، لأنه له سهما في الغنيمة بالرضخ ، وهو قريب.

قوله : ( ويأخذ السلب الصبي والمرأة والمجنون ).

لأن لهم سهما في الغنيمة أو رضخا ، وكذا القول في العبد والكافر على ما سبق.

قوله : ( النفل ).

هو بالتحريك : زيادة ينفل بها بعض الغانمين في مقابل عمل.

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٩٤٤.

(٢) تحرير الأحكام ١ : ١٤٦.

٤٢٤

يتولى السرية ، أو من يحمل الراية فله كذا.

وإنما يكون مع الحاجة ، بأن يقل المسلمون ويكثر العدو ويحتاج إلى سرية أو كمين من المسلمين ولا تقدير لها إلاّ بحسب نظره.

وجعل النبي عليه‌السلام في البدأة ، وهي السرية التي تنفذ أولا الربع ، وفي الرجعة الثلث ، وهي المنفذة الثانية بعد رجوع الاولى ليس عاما.

و : يجوز جعل النفل من سهمه ، ومن أصل الغنيمة ، ومن أربعة الأخماس. ولو قال قبل لقاء العدو : من أخذ شيئا من الغنيمة فهو له صح.

ز : يجوز أن يجعل من ماله دينا ، بشرط أن يكون معلوما قدرا ووصفا وعينا ، بشرط العلم بالوصف أو المشاهدة. ولو كانت من مال الغنيمة جاز أن تكون مجهولة كعبد.

______________________________________________________

قوله : ( وجعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في البدأة ).

هي بفتح الباء والقصر.

قوله : ( ولو قال قبل لقاء العدوّ : من أخذ شيئا من الغنيمة فهو له صح ).

الظاهر : أن هذا القيد لا موضع له ، فلو قال ذلك بعد لقاء العدوّ ثبت الحكم.

قوله : ( يجوز أن يجعل من ماله ـ إلى قوله : ـ بشرط العلم بالوصف أو المشاهدة ).

وذلك لأن هذا جعالة ، وشرطها العلم بالعوض ، لكن سيأتي في الجعالة إن شاء الله تعالى : أنّ جهالة العوض لا تقدح إذا لم تكن مانعة من التسليم ، كما لو قال : من فعل كذا فله عندي الذي بيد فلان.

٤٢٥

ح : لو عينها منها ففتح البلد صلحا ، فان اتفق المجعول له وأربابها على الأخذ أو دفع القيمة جاز ، وإلاّ فسخ الصلح وردوا إلى مأمنهم ، لأنه صلح منع الوفاء بما وجب بشرط قبله على اشكال.

ولو كانت جارية فأسلمت قبل الفتح مطلقا ، أو بعده إن كان المجعول له كافرا فالقيمة ، ولو ماتت قبل الفتح ، أو بعده ، أو لم تكن فيها جارية فلا شي‌ء.

______________________________________________________

قوله : ( وإلاّ فسخ الصلح وردّوا إلى مأمنهم ، لأنه صلح منع الوفاء بما وجب بشرط قبله على إشكال ).

ينشأ مما ذكره ، ومن أن نقض الصلح المتعلق بالمصلحة العامة المتضمن ضرر المسلمين لا يجوز ، لاعتقاد المصلحة الخاصة في حينها ، فإن إتلاف مال الغير عند معارضة المصلحة الكلية ، أو توقف دفع الضرر الأقوى عليه جائز ، وقد يجب.

والأصح اتباع المصلحة في ذلك ، فان كان نقض الصلح لا يضر بالمسلمين لقوتهم واستظهارهم نقض وأخذت الجارية ، وإلا أبقى ودفع إليه قيمتها ، والاستدلال السابق لا ينهض على أزيد من ذلك.

قوله : ( فأسلمت قبل الفتح مطلقا ).

أي : سواء كان المجعول له كافرا ، أم لا.

قوله : ( ولو ماتت قبل الفتح أو بعده أو لم يكن فيها جارية فلا شي‌ء ).

أما في الأخير ، فلفقد العوض ، إذ المشروط لا وجود له ، وغيره لم يجر له ذكر.

فان قلت : قد بذل الدال عمله في مقابل عوض ، وقد فات ، فله اجرة المثل.

قلت : لم يبذله في مقابل عوض ، بل بذله في مقابل ما لا وجود له أصلا ، وتخيّله وجوده لا يصيره عوضا ، ففي الحقيقة بذله في مقابل شي‌ء متخيل ذهنا ،

٤٢٦

ولو جعل الجارية للدال فعجزنا عن الفتح ، أو تجاوزنا عنها مع القدرة فلا شي‌ء وإن أتم الدلالة ، إلاّ إذا رجعنا الى الفتح بدلالته.

ولو فتحها طائفة أخرى لمّا سمعوا الدلالة فلا شي‌ء عليهم إذ لم يجز الشرط معهم.

ولو ماتت قبل التسليم مع المكنة احتمل اجرة المثل والقيمة.

______________________________________________________

وليس بشي‌ء في الواقع ، فلا يكون له اجرة. وأمّا في الأولين ، فلأن تلف العوض المشروط بغير تقصير منّا لا يوجب له عوضا.

قوله : ( ولو ماتت قبل التسليم مع المكنة احتمل اجرة المثل والقيمة ).

هذه المسألة كالمستثناة من قوله : ( ولو ماتت قبل الفتح أو بعده ) فيجب أن تقيد العبارة بما إذا لم يمكن التسليم ، وما ذكره المصنف هنا احتمالان :

أما احتمال الأجرة ، فلأن العوض قد فات ، وهو من ضماننا لوجوب تسليمه وحصول القدرة عليه ، فيجب رد عوض العمل المحترم الذي لم يصدر مجانا ، وذلك اجرة مثله ، فانّ تلف العوض المعين يوجب انفساخ العقد.

وأما احتمال القيمة ، فلأن العوض الذي هو الجارية قد دخل تحت أيدينا ، مع كونه مضمونا وإمكان تسليمه ، فيجب عوض تلفه ، وهو القيمة هنا ، لأن شأن المضمون إذا تلف ذلك ، ولأن القيمة أقرب إلى الجارية من أجرة المثل. ولا نسلم انفساخ العقد في هذه الحالة مع إمكان التسليم ولا يلزم من انفساخه بالتلف قبله انفساخه هنا ، وهذا قريب.

وحكى شيخنا الشهيد عن بعض معاصريه : أنّه كان يزعم أنّ المراد بالأجرة : اجرة الجارية إلى وقت التلف ، ثم قيمتها بعد التلف ، وردّه بأنّه يقتضي السكوت عن أقوى الاحتمالين ، والتعرض إلى أضعفهما.

وأقول : إنّ وجوب الأجرة للجارية غير محتمل أصلا ، لأن تأخير تسليمها قبل المطالبة لا يقتضي كونها مغصوبة ، فكيف تجب لها اجرة؟

٤٢٧

ولو لم يحصل للغانمين سوى الجارية ففي وجوب تسليمها اشكال.

ط : لو جعل للمشترك فدية على إسراء المسلمين لم يجب الوفاء لأنه لا عوض للحر.

المقصد الرابع : في ترك القتال : وفيه فصلان :

الأول : في الأمان : وفيه مطلبان :

الأول : في أركانه : وهي أربعة :

الأول : العاقد : ولا يصح عامّا ، ولا لأهل إقليم ، ولا لبلد ، ولا لقرية وحصن إلاّ من الإمام أو لمن نصبه عامّا.

______________________________________________________

قوله : ( ولو لم يحصل للغانمين سوى الجارية ففي وجوب تسليمها إشكال ).

ينبغي عدم الإشكال في وجوب التسليم عملا بالشرط ، وهو الأصح.

قوله : ( الأوّل : في الأمان ).

الأمان : عبارة عن ترك القتال إجابة لسؤال الكفار بالإمهال ، كذا قال في المنتهى (١) ، وقريب منه قوله في التذكرة (٢).

فإن قيل : الأمان يعم البغاة. قلنا : البغاة لما كانوا مسلمين ، وقتالهم إنما هو لخروجهم عن طاعة الإمام ، لم يكن قتالهم إلا لدفعهم عمّا هم عليه من الخروج ، فمتى أطاعوا لم يجز قتالهم ، وإلا وجب مع قدرة المسلمين ، ومع عجزهم ووجود المصلحة تجوز مهادنتهم ، ونساؤهم وأموالهم آمنة ، ودفعهم واجب ، ولا يقال لمن هذا شأنه : مستأمن ، لأن هؤلاء في دار الإسلام ، وإنما مثلهم مثل المسلم إذا ارتد أو فعل ما يوجب القتل ، فالأمان إنما يكون للكفار الذين ليسوا في دار الإسلام.

قوله : ( ولا يصح عامّا ولا لأهل إقليم ولا لبلد ولا لقرية وحصن‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٩١٣.

(٢) التذكرة ١ : ٤١٤.

٤٢٨

ولو نصبه للنظر في جهة جاز أن يذم أهلها ، ويصح من آحاد المسلمين لآحاد الكفار.

ويشترط في العاقد عامّا أو خاصا البلوغ ، والعقل ، والاختيار. فلا يصح من الصبي وإن راهق ، ولا من المجنون ، ولا المكره.

ويصح من المرأة ، والعبد ، والسفيه ، والشيخ الهم.

الثاني : المعقود له : وهو كل من يجب جهاده من حربي أو ذمي خارق للذمة ، وسيأتي البحث فيه.

وإنما يصح مع المصلحة ، إما لاستمالة الكافر ليرغب في الإسلام ، أو لترفه الجند ، أو لترتيب أمورهم ، أو لقتلهم ، أو ليدخلوا دارنا وندخل دارهم فنطلع على عوراتهم.

الثالث : العقد : وشرطه انتفاء المفسدة ،

______________________________________________________

إلاّ من الامام ... ).

ليس على إطلاقه ، فإن نحو الحصن الصغير يلحق بالآحاد ، فيصح ذمامه من آحاد المسلمين ، فلا بد من استثنائه.

قوله : « ويصح من آحاد المسلمين لآحاد الكفار ).

المراد بآحاد الكفار : العدد اليسير : كالعشرة ، والقافلة القليلة ، والحصن الصغير ، وقد روي عن الصادق عليه‌السلام : « ان عليا عليه‌السلام أجاز أمان عبد مملوك لأهل حصن ، وقال : هو من المؤمنين » (١).

قوله : ( ويشترط في العاقد عامّا أو خاصا ... ).

هذه العبارة تشعر بأن ما قبلها ليس شرطا للعاقد ، وليس كذلك.

قوله : ( وشرطه انتفاء المفسدة ).

قد يقال : قد سبق اشتراط المصلحة في صحته ، وهو يقتضي انتفاء المفسدة.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣١ حديث ٢ ، التهذيب ٦ : ١٤٠ حديث ٢٣٥.

٤٢٩

فلو أمّن جاسوسا ، أو من فيه مضرة لم ينعقد.

ويحصل باللفظ ، والكتابة ، والإشارة المفهمة. فاللفظ : كل ما يدل بالصريح مثل آمنتك أو أجرتك أو أنت في ذمة الإسلام وما أشبهه ، وكذا الكتابة والإشارة الدالتان عليه.

أما لو قال : لا تخف ، أو لا بأس عليك فان انضم اليه ما يدل على الأمان كان أمانا ، وإلاّ فلا على إشكال ، إذ مفهومه‌ ذلك.

______________________________________________________

وجوابه : أنّ وجود المصلحة لا ينفي وجود المفسدة من وجه آخر ، فيمكن أن يقال : لو كان في العقد مصلحة ومفسدة عمل بالأرجح ، فأيهما كان الآخر مضمحلا في جنبه ، أو كان كالمضمحل عمل به. ولا ريب أن هذا الحكم وأمثاله إنما هو بالنسبة إلى نائب الامام ، أما الإمام عليه‌السلام فإن مرجع الأحكام إليه من غير اعتراض عليه ولا حكم. وفائدة هذا الحكم وأمثاله معرفة ما يقتضيه الدليل ، ويدل على أن اختيار الإمام هو الحكم الفلاني دون غيره.

قوله : ( فلو آمن جاسوسا ).

أي : نائب الإمام ، أو الإمام عليه‌السلام حيث لا يعلم كونه جاسوسا.

قوله : ( فاللفظ كل ما يدل بالصريح ).

مراده باللفظ : المعتبر صحته.

قوله : ( وكذا الكتابة والإشارة الدالتان عليه ).

أي : وكاللفظ المعتبر ـ الذي سبق تفسيره ـ الكتابة والإشارة ، مع الدلالة على ذلك لا بدونه.

قوله : ( أما لو قال : لا تخف أو لا بأس عليك ، فإن انضم إليه ما يدل على الأمان كان أمانا ).

والضميمة هي : القرائن الحالية أو المقالية ، كما لو طلبهم ليؤمنهم ، أو طلبوا منه الأمان فأظهر الرضى بذلك وقال : لهم هذا ، وأمثال ذلك.

قوله : ( وإلاّ فلا على إشكال إذ مفهومه ذلك ).

٤٣٠

ولا بد من قبول الحربي إما نطقا أو إشارة أو سكوتا ، أما لو رد لم ينعقد.

ولو قال الوالي : آمنت من قصد التجارة صح. ولو قال غيره لم ينعقد ، فان توهمه الحربي أمانا رد إلى مأمنه ولا يغتال.

الرابع : الوقت : وإنما يصح قبل الأسر ، فلو أذم المسلم بعد أن استؤسر الحربي لم يصح ، ويصح قبله وإن أشرف جيش الإسلام على الظفر مع المصلحة.

ولو أقر المسلم قبل الأسر بالذمام قبل لا بعده ، إذ لا يصح منه حينئذ‌ إنشاؤه.

______________________________________________________

أي : على إشكال في عدم كونه أمانا على ذلك التقدير ـ أي : انتفاء الضميمة المذكورة ـ لأن مفهوم لا تخف ولا بأس عليك الأمان. والمراد بهذا المفهوم : ما يفهم من اللفظ باعتبار الاستعمال ، ويستفاد منه باعتبار المحاورة غالبا ، وإن لم يكن موضوعه اللغوي ، لأن نفي البأس والنهي عن الخوف لا يدل على الأمان بإحدى الدلالات باعتبار أصل الوضع وان أشعر به ، لكن الاستعمال الكثير يقتضيه. والظاهر أنه لا يكون أمانا إلاّ بالضميمة ، لانتفاء المقتضي ، وعدم استقرار حال الاستعمال ، بحيث لا يستفاد من اللفظ إلاّ هذا المعنى.

واعلم أن المصنف ذكر في المنتهى (١) والتذكرة (٢) أنه لو قال بالفارسية : ( مترس ) كان أمانا ، ومعناه بالعربية : لا تخف ، ونفى الأمان عن قوله : لا تخف إلا بالقرينة ، وفيه مناقشة ، إذ قد يلوح منه التنافي.

قوله : ( ولو قال الوالي : آمنت من قصد التجارة ... ).

الفرق أن هذا الأمان عام ، وليس لغير الوالي عقده.

قوله : ( ولو أقر المسلم قبل الأسر بالذمام قبل لا بعده ، إذ لا يصح‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٩١٥.

(٢) التذكرة ١ : ٤١٥.

٤٣١

ولو ادعاه الحربي فأنكر المسلم قدم قوله من غير يمين.

ولو مات المسلم ، أو جن قبل الجواب لم يلتفت الى الدعوى إلاّ بالبينة ، وفي الموضعين يرد إلى مأمنه ثم يصير حربا.

ولا يعقده أكثر من سنة إلاّ للحاجة.

المطلب الثاني : في الاحكام :

كل حربي عقد لنفسه الأمان وجب الوفاء له ، بما شرطه من وقت وغيره ، ما لم يخالف المشروع ، ويكون معصوما من القتل والسبي في نفسه وماله ، ويلزم من طرف المسلم ، فلا يحل نبذه إلاّ مع ظهور خيانة ، ولا يلزم من طرف الكافر بل له نبذه متى شاء فيصير حربا. ومع حفظ العهد لو قتله مسلم كان آثما ولا ضمان ، نعم لو أتلف عليه مالا ضمنه.

______________________________________________________

منه حينئذ إنشاؤه ).

وقد صار الأسير فيئا للمسلمين ، أو محتوما قتله ، فلا يسقط هذا الحكم بمجرد دعواه ، بخلاف ما قبل الأسر ، فإنه ليس كذلك.

قوله : ( ولو ادعاه الحربي ... ).

إنما قبل قول المسلم من غير يمين ، لأن القتل والأسر حكمان ثابتان على الحربي ، وبمجرد دعواه لا يسقطان ، وإنكار المسلم لا يأتي على حق يترتب عليه ، بل على ما يقتضي سقوط ما قد علم ثبوته.

قوله : ( ولا يعقده أكثر من سنة إلاّ للحاجة ).

إجماعا.

قوله : ( ولا يلزم من طرف الكافر ).

لأن الأمان ارتفاق بحاله ، فله أن يردّه كل وقت.

قوله : ( ومع حفظ العهد لو قتله مسلم كان آثما ولا ضمان ، نعم لو أتلف عليه مالا ضمنه ).

الفرق انّ المال له عوض ، والحربي لا عوض له من دية ولا كفارة.

٤٣٢

ولو عقد الحربي لنفسه الأمان ليسكن في دار الإسلام دخل ماله تبعا له ، فان التحق بدار الحرب للاستيطان ، وخلّف عندنا مالا وديعة أو غيرها انتقض أمانه لنفسه دون ماله ، فان مات انتقل إلى وراثه ، فان كان مسلما ملكه مستمرا ، وإن كان كافرا انتقض الأمان في المال وصار فيئا للإمام خاصة حيث لم يوجف عليه. وكذا لو مات في دار الإسلام.

ولو استرق بعد رجوعه الى داره ملك ماله تبعا له ، ولا يتخصص به من خصصه الإمام برقبته ، بل للإمام وإن عتق.

ولو أذن له الإمام في الخروج في رسالة ، أو تجارة ، أو حاجة فهو على أمانه.

وكل موضع حكم فيه بانتفاء الأمان إما لصغر العاقد ، أو‌

______________________________________________________

قوله : ( دخل ماله تبعا ).

لأن إتلاف المال ضرر ، والأمان يقتضي عدم الضرر.

قوله : ( انتقض أمانه لنفسه دون ماله ).

لا يقال : ثبت تبعا فيزول تبعا ، لأنّا نقول : قد علمت التبعية في الثبوت لا في الزوال ، والأصل عدمها.

قوله : ( ملكه مستمرا ).

أي : ملكا غير زائل ، بخلاف ما لو كان كافرا ، فإنه يملكه ، إلاّ أن يكون فيئا.

قوله : ( ولا يختصص به من خصصه الامام برقبته ).

أي : لا يختص بالمال من خصصه الامام برقبته ، لأن الرق يزيل ملكه عنه ، ولا يقتضي ملك المسلم إياه ، لعدم الإيجاف عليه ، وانتفاء السلطنة عنه ، ولو عتق بعد ذلك لم يعد إلى ملكه لخروجه عنه.

قوله : ( وكل موضع حكم فيه بانتفاء الأمان ، إما لصغر العاقد ، أو‌

٤٣٣

جنونه ، أو لغير ذلك فإن الحربي لا يغتال بل يرد إلى مأمنه ثم يصير حربا. وكذا لو دخل بشبهة الأمان مثل أن يسمع لفظا فيعتقده أمانا ، أو يصحب رفقة ، أو يدخل لتجارة ، أو يستذم فيقال له : نذمك ، فتوهم أنّا ذممناه.

ولو دخل ليسمع كلام الله ، أو لسفارة فهو آمن لقصده.

ولو دخل مسلم دارهم مستأمنا ، فسرق وجب عليه إعادته إلى مالكه ، سواء كان المالك في دار الإسلام أو دار الحرب.

ولو استأسروا مسلما فأطلقوه بشرط الإقامة عندهم والأمن منه لزم الثاني خاصة ، فإن أطلقوه على مال لم يجب دفعه. ولو تبعه قوم عند الخروج فله دفعهم وقتلهم دون غيرهم.

______________________________________________________

جنونه ، أو لغير ذلك فإن الحربي لا يغتال ... ).

هذا إذا كان هناك شبهة أمان تقتضيه لا بدونه ، فإن الأمان لا يوجب ذلك ، وكذا لو استأمن على شرط فنقضه. ويمكن الاعتناء بالعبارة من حيث أن المراد : من تصح أمانته ولا يكون النقض من قبله.

قوله : ( أو يصحب رفقة ).

مراده : من المسلمين ، فيظن الأمان بسبب مرافقتهم.

قوله : ( أو يدخل في تجارة ).

ويظن مثل ما تقدم.

قوله : ( ولو دخل ليسمع كلام الله ، أو لسفارة فهو آمن ).

أما الأول فلوجوب الإجابة إليه لصريح الكلام العزيز ، وأما الثاني فلأن الإرسال أمر ضروري تعم به البلوى ، فلو قتلنا رسولهم لأفضى إلى قتل رسولنا.

قوله : ( ولو دخل مسلم دارهم مستأمنا ... ).

لأن طلب الأمان كما يقتضي أمانه منهم يقتضي أمانهم منه.

قوله : ( فلو تبعه قوم ... ).

٤٣٤

ولو شرط العود عليه بعد دخول دار الإسلام لم يجز له العود.

ولو اشترى منهم شيئا فلزمه الثمن وجب إنفاذه ، ولو اكره على الشراء فعليه رد العين.

ولو اقترض حربي من مثله ، ثم دخل بالأمان وجب رد ما عليه ،

______________________________________________________

إنما جاز دفعهم ، لأنهم يطلبون منه ما لا يجوز ولم يقتضه الأمان ، بخلاف غيرهم ، لبقاء أمانه.

قوله : ( ولو اشترى منهم شيئا فلزمه الثمن وجب إنفاذه ).

بمقتضى الأمان.

قوله : ( ولو أكره على الشراء فعليه رد العين ).

ولو تلفت بعد قبضها ، فان لم يكن قد أكره على القبض وجب عوضها ، وإن أكره عليه فالظاهر أنه لا شي‌ء عليه ، على تقدير أن لا يديم يده عليها بعد الإكراه ، بخلاف ما لو أثبتها بعد الإكراه فإنه يضمن ، لأن العقد إذا ضمن بصحيحه ضمن بفاسده.

قوله : ( ولو اقترض حربي من مثله ثم دخل بالأمان وجب ردّ ما عليه ).

قال في المنتهى : لأن الأصل وجوب الرّد ، ولا دليل على براءة الذمة منه (١).

قلت : قد يقال : ينبغي أن يكون ذلك إذا ترافعا إلينا ، فإن الحربي إذا قهره مسلم أو حربي على ماله ملكه ، إلا أن يعتذر بأن هذا حق ثبت في الذمة على طريق التراضي ، بخلاف ما استولى عليه قهرا ، فحينئذ يجب ردّه على كل حال ، وينبغي أيضا أن يكون كذلك كل حق ثبت في الذمة على طريق التراضي ، وقد سبق في كلام المصنف نحوه.

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٩١٧.

٤٣٥

وكذا لو تزوج امرأة وأمهرها وأسلما الزم الزوج المهر إن كان مما يملك ، وإلاّ القيمة.

ولو أسلم الحربي لم يكن لزوجته الكافرة مطالبته بالمهر الذي في ذمته ، ولا لوارثها.

______________________________________________________

قوله : ( وكذا لو تزوج امرأة وأمهرها وأسلما الزم الزوج المهر إن كان مما يملك وإلا القيمة ).

قيّد المصنف في المنتهى (١) والتذكرة (٢) والتحرير (٣) إسلامهما بكونه معا ، ومقتضاه أنها لو تأخر إسلامها لم يكن لها المطالبة ، وصرح بهذا المقتضي في كتبه (٤) ، وكذا هنا ، وإن لم يقيد إسلامهما بكونه معا ، وعلل الحكم الأخير بأنّها أهل حرب ، ولا أمان لها على هذا المهر.

ولك أن تقول : هذا حق مالي قد ثبت في الذمة بطريق شرعي ، وقد استوفى عوضه ، فلا دليل على سقوطه ، ونفي الأمان عنه لا يسقطه ، لسبق وجوب الرد ، وقد سبق في كلام المصنف ما يقتضي أن الذي يسقط بإسلام المديون ما كان غصبا أو إتلافا ، لا ما كان ثمنا وشبهه ، وقد صرح به الفاضل السيد عميد الدين في الشرح ، معلّلا بأن الثمن ونحوه لم يثبت في الذمة قهرا ، بل على طريق التراضي بدفع العوض ، فيكون ثابتا لعدم المسقط.

قوله : ( ولا لوارثها ).

في المنتهى (٥) والتذكرة (٦) والتحرير (٧) تقييد الوارث بكونه كافرا ، فان‌

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) التذكرة ١ : ٤١٨.

(٣) تحرير الأحكام ١ : ١٣٧.

(٤) المنتهى ٢ : ٩١٧ ، والتذكرة ١ : ٤١٨ ، والتحرير ١ : ١٣٧.

(٥) المنتهى ٢ : ٩١٧.

(٦) التذكرة ١ : ٤١٨.

(٧) تحرير الأحكام ١ : ١٣٧.

٤٣٦

ولو ماتت قبل إسلامه ، أو أسلمت قبله ثم ماتت طالبه وارثها المسلم لا الحربي. ولو أمن الأسير من استأسره فهو فاسد ، لأنه كالمكره ، ولو أمن غيره صح.

ولو تجسس مسلم لأهل الحرب ، وأطلعهم على عورات المسلمين لم يحل قتله بل يعزر إن شاء الإمام.

ولو دخل الحربي بأمان ، فقال له الإمام : إن أقمت حكمت عليك حكم أهل الذمة ، فأقام سنة جاز أخذ الجزية منه.

______________________________________________________

المسلم تجوز له المطالبة ، وهو مشكل على ما صار إليه ، لأن المهر إذا سقط من ذمة الزوج لم يكن لأحد المطالبة به (١). وكذا الإشكال في قوله : ( ولو ماتت قبل إسلامه ، أو أسلمت قبله ثم ماتت طالبه وارثها المسلم لا الحربي ) لأن المهر إذا سقط من ذمته لم يكن لأحد المطالبة به ، وإن كان باقيا لمالكه طالبه هو وجميع من يقوم مقامه.

قوله : ( ولو آمن الأسير من استأسره فهو فاسد لأنه كالمكره ).

وذلك تعويلا على ما دلت عليه القرائن.

قوله : ( ولو دخل الحربي بأمان ، فقال له الامام : إن أقمت حكمت عليك حكم أهل الذمة ، فأقام سنة جاز أخذ الجزية منه ).

في حواشي شيخنا الشهيد : تقييد الحكم بما إذا كان هذا من أهل الكتاب ، واستشكل الحكم في غيره ، من حيث أنه لا يقر بالجزية إلا الكتابي ،

__________________

(١) في الحجري وردت العبارة التالية : ( أي : لو ماتت قبل إسلامه ثم أسلم ، فإن ورثها مسلم طالب به لانه قد استحقه في ذمته بالإرث قبل إسلامه فلا يسقط ، ولو أسلمت قبله تقرر المهر في ذمته لأنه حق لمسلمة ، ولو ماتت طالبه وارثها المسلم لا الحربي ، لأن الحربي لا يستحق على المسلم مالا لأنه في‌ء للمسلم ، فلا يجي‌ء هذا الاشكال. نعم ، يشكل عدم مطالبة الحربي إياه بناء على أن الذي يسقط عن المديون بالإسلام هو الغصب وقيمة المتلفات ) ، ووردت أيضا في « ه‍ » وكتب بعدها ( بخطه قدس‌سره ) ، ولم ترد في « س » و « ن ».

٤٣٧

خاتمة : إذا حاصر بلدا أو قلعة فنزلوا على حكمه صح ، وكذا إن نزلوا على حكم غيره ، بشرط أن يكون كامل العقل مسلما عدلا بصيرا بمصالح القتال. والأقرب اشتراط الحرية ، والذكورة ممن يختاره الفريقان أو الإمام خاصة ، دون اختيارهم خاصة.

______________________________________________________

ومن العمل بالشرط ، وعبارة التذكرة (١) والمنتهى (٢) وكلام الشيخ (٣) ظاهر في مطلق الحربي ، وليس ببعيد ، لأن تأمين الحربي سنة وأزيد للمصلحة جائز ، فيجوز أن يشترط عليه مال. ولو شبه ما عليه بالجزية لم يستلزم كونه جزية حقيقة ليشترط كونه كتابيا.

ولو قال له الإمام : اخرج إلى دار الحرب ، فإن أقمت عندنا صيرت نفسك ذميا ، فأقام سنة ، ثم قال : أقمت لحاجة قبل قوله : قال في المنتهى : ولم تؤخذ منه الجزية ، ثم حكى عن الشيخ قوة صيرورته ذميّا ، لأنه خالف الإمام (٤) (٥) ، وفي هذا إشعار بكونه كتابيا.

قوله : ( بشرط أن يكون كامل العقل ... ).

ويشترط أيضا أن يكون مجتهدا في أحكام الجهاد ، لامتناع الحكم من غيره.

قوله : ( والأقرب اشتراط الحرية والذكورة فيمن يختاره الفريقان ، أو الإمام خاصة دون اختيارهم خاصة ).

المتبادر من العبارة : أنهم لو اختاروا من يكون حكما ، فان كان المختار هو الامام وحده ، بأن يرضوا باختياره ، أو هم والإمام جميعا اشترطت الحرية‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤١٩.

(٢) المنتهى ٢ : ٩٢١.

(٣) المبسوط ٢ : ١٦.

(٤) المصدر السابق.

(٥) المنتهى ٢ : ٩٢١.

٤٣٨

ويجوز تعدده ، فان مات أحدهم بطل حكم الباقين ، وكذا لو مات الواحد قبل الحكم ، ويردون إلى مأمنهم.

ويشترط في كل من المتعددين ما شرط في الواحد ، ويلزم ما يحكم به الحاكم إذا لم يكن منافيا للمشروع ، فان حكم بقتل الرجال ، وسبي الذراري والنساء ، وغنيمة المال نفذ ، وكذا إذا حكم باسترقاق الرجال أو بالمن عليهم.

ويجب أن يكون ما يحكم به ما فيه الحظ للمسلمين.

______________________________________________________

والذكورة ، لأن حكم العبد والمرأة لا يجوز ، فلا يقع من الإمام ، وإن كان باختيارهم خاصة لم يشترطا. وهو مشكل ، لأنه إن جاز حكم المرأة والعبد لم يفرق بين اختيارهم واختياره عليه‌السلام. وكذا إن لم يجز ، لأن تنفيذ حكمه من الامام عليه‌السلام لا بد منه. وإطلاق عبارة التذكرة (١) والمنتهى (٢) والتحرير (٣) يقتضي الاشتراط مطلقا ، وهو الأوجه.

وقد ذكر الأصحاب : أنهم لو رضوا بحكم مجهول لم يعينوه صح الرضى به ، ثم ينظر ، فان عيّنوا من هو بالصفات صح ، وإلاّ فلا وعينوا من له أهلية الحكم ، ولعل المصنف أراد أن يبين : أنّ تعيين الامام لا يكون إلاّ لمن له أهلية الحكم ، بخلاف تعيينهم ، فإنهم ربما عينوا من لا يكون حكما عندنا ، وإن لم يصح كونه حاكما ، فجاءت عبارته دالة على غير المراد.

قوله : ( فان مات أحدهم بطل حكم الباقين ).

لأن الحكم منوط برأي الجميع ، لأن الظاهر أنه لم يرض برأي أحدهم.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤١٨.

(٢) المنتهى ٢ : ٩٢٠.

(٣) تحرير الأحكام ١ : ١٣٨.

٤٣٩

ولو حكم بالجزية ، أو باسترقاق من يسلم وقتل الباقي على الكفر جاز ، ولا يجوز حينئذ استرقاق من أقام على الكفر ، ويجوز المن عليه.

ولو منّ الامام على بعض من حكم بقتلهم جاز ، فإن أسلموا قبل أن يحكم الحاكم عصموا أنفسهم وأموالهم وأهليهم ، ولو أسلموا بعد الحكم بقتل الرجال وسبي الذراري والنساء وأخذ المال سقط القتل خاصة.

______________________________________________________

قوله : ( ولو حكم بالجزية أو باسترقاق من يسلم وقتل الباقي على الكفر جاز ).

لأن الفرض اقتضاء المصلحة ذلك. لا يقال : الجزية مشروطة بالتراضي فلا ينفذ فيها حكم الحاكم ، لأنا نقول : التراضي قد حصل ، لأنهم رضوا بحكم الحاكم ونزلوا عليه.

قوله : ( ولا يجوز حينئذ استرقاق من أقام على الكفر ، ويجوز المنّ عليه ).

أي : حين تحقق الحكم بقتل الباقي على الكفر ، والفرق أنهم رضوا بحكم الحاكم ، والاسترقاق لم يحكم به فلا يجوز ، لأنه مخالفة للحكم. وأما المنّ فلأنه خير من القتل ، فرضاهم بالقتل يقتضي رضاهم بالمنّ من باب أولى ، ولأن فيه إسقاطا لما وقع الرضى عليه من القتل لا إيجاب شي‌ء آخر. ومثل الاسترقاق المفاداة.

قوله : ( ولو منّ الامام على بعض من حكم بقتلهم جاز ).

يسأل فيه عن شيئين :

أحدهما : أن المنّ قد وقع قبل هذا بغير فصل جوازه ، فاعادته تكرار.

الثاني : التقييد ببعض من حكم بقتلهم لا وجه له ، فإن للإمام عليه‌السلام أن يمنّ على الجميع ، لأنه إنما يفعل ما فيه الغبطة للمسلمين ، ولفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بني قريظة ، وهذه عبارة المنتهى (١). ولو حكم بالقتل ورأى الامام أن يمنّ على الرجال أو على بعضهم جاز. ولو صدّر المصنف هذه‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٩٢١.

٤٤٠