جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٣

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٣

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٩

الفصل السابع : في باقي المناسك وفيه مطالب :

الأول : في زيارة البيت ، فإذا فرغ من الحلق أو التقصير مضى إلى مكة لطواف الزيارة.

ويستحب الغسل قبل دخول المسجد ، وتقليم الأظفار ، وأخذ الشارب ، ولو اغتسل بمنى جاز ، ولو اغتسل نهارا وطاف ليلا أو بالعكس ، فإن نام أو أحدث قبل الطواف استحب إعادة الغسل.

ويقف على باب المسجد ويدعو ، ثم يطوف للزيارة سبعة أشواط كما تقدم على هيئته ، إلاّ أنه ينوي هنا طواف الحج ، ثم يصلي ركعتيه عند مقام إبراهيم عليه‌السلام.

ثم يسعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط كما تقدم ، وينوي به سعي الحج.

ثم يرجع الى البيت فيطوف للنساء سبعة أشواط كالأول ، إلاّ أنه ينوي طواف النساء ، ثم يصلي ركعتيه في المقام.

______________________________________________________

قوله : ( فإذا فرغ من الحلق أو التقصير ).

أي : بعد أن أتى بالرمي ثم الذبح ، وإلاّ لم يجز الخروج من منى للطواف والسعي ، حتى يأتي بهما ، كما أشرنا إليه.

قوله : ( فإن أحدث أو نام قبل الطواف استحب إعادة الغسل ).

ورد النص على ذلك كله (١).

قوله : ( ثم يصلي ركعتيه عند المقام ).

أي : عند المقام الحقيقي الذي هو موقف إبراهيم عليه‌السلام ، أما ما يسمى بالمقام الآن ، وهو البنية التي خلفه ، فتتعين الصلاة فيها ، إلا لضرورة كما سبق.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥١١ حديث ٢ ، التهذيب ٥ : ٢٥١ حديث ٨٥٠ ، ٨٥١.

٢٦١

المطلب الثاني : في العود إلى منى ، فإذا طاف طواف النساء فليرجع إلى منى ، ولا يبيت ليالي التشريق إلاّ بها ، وهي : ليلة الحادي عشر ، والثاني عشر ، والثالث عشر. ويجوز لمن اتقى النساء والصيد النفر يوم الثاني عشر.

______________________________________________________

قوله : ( ولا يبيت ليالي التشريق إلاّ بها ).

إنما سميت ليالي التشريق وأيام التشريق (١).

قوله : ( ويجوز لمن اتقى النساء والصيد ... ).

المراد باتقاء النساء عدم إتيانهن في حال الإحرام ، بمعنى : عدم الجماع ، لا مطلق ما يحرم على المحرم مما يتعلق بهن كالقبلة واللمس بشهوة ، على ما يظهر من عبارة الحديث (٢) ، وعبارة المصنف في المنتهى (٣) والتذكرة فإنه قال فيها : إنما يجوز النفير في النفر الأول لمن اتقى النساء والصيد في إحرامه ، فلو جامع في إحرامه ، أو قتل صيدا فيه لم يجز له أن ينفر في الأول ، واحتج بقوله تعالى ( لِمَنِ اتَّقى ) (٤) وبقول الصادق عليه‌السلام : « من أتى النساء في إحرامه لم يكن له أن ينفر في الأول » (٥) (٦).

ومثلها عبارة المنتهى ، ولأنّ المتبادر إلى الفهم من اتقاء النساء وعدمه هو مجانبة الوطء وعدمها ، وكذا الظاهر ان المراد من اتقاء الصيد عدم قتله ، كما هو‌

__________________

(١) كذا في الأصول الثلاثة المعتمدة والحجرية. والعبارة كما تري بحاجة إلى بيان السبب في التسمية ، والظاهر انه هكذا : من تشريق اللحم وهو : تقيده وبسطه في الشمس ليجف ، أو لأن الهدي والأضاحي لا تنحر حتى تشرق الشمس. انظر : النهاية ٢ : ٤٦٤ ، مجمع البحرين ٥ : ١٩١ ـ ١٩٢.

(٢) الكافي ٤ : ٥٢٢ حديث ١١ ، التهذيب ٥ : ٢٧٣ حديث ٩٣٢.

(٣) المنتهى ٢ : ٧٧٦.

(٤) البقرة : ٢٠٣.

(٥) الكافي : ٤ : ٥٢٢ حديث ١١ ، التهذيب ٥ : ٢٧٣ حديث ٩٣٢.

(٦) التذكرة ١ : ٣٩٣.

٢٦٢

ولو باب الليلتين بغير منى وجب عليه عن كل ليلة شاة ، وكذا غير المتقي لو بات الثالثة بغيرها ، إلاّ أن يبيتا بمكة‌ مشتغلين بالعبادة ، أو يخرجا من منى بعد نصف الليل.

______________________________________________________

ظاهر عبارة المنتهى (١) والتذكرة أيضا (٢).

ويحتمل العموم في كل من الأمرين ، والأصل يدفعه ، وفي بعض الأخبار اعتبار اتقاء جميع محرمات الإحرام (٣) ، واختاره ابن إدريس (٤) ، والمشهور الأول ، والاتقاء معتبر في إحرام الحج قطعا ، وفي عمرة التمتع بالإضافة إلى حجه في وجه قوي ، لأنها ( جزء ) (٥) من حج التمتع ، لا العمرة المبتولة (٦) على الظاهر ، لعدم الارتباط المقتضي لمبادرته إلى الفهم.

وهل يفرق بين العامد والناسي في الأمرين معا ، فيكون الناسي متقيا ، أم في النساء فقط ، إذ لا شي‌ء على الناسي لو جامع ، بخلاف قتل الصيد سهوا ، أم لا يعد متقيا فيهما؟ أوجه ، ولم أظفر بذلك في كلام الأصحاب.

قوله : ( ولو بات الليلتين بغير منى وجب عليه عن كل ليلة شاة ).

في حواشي الشهيد : إنّ الجاهل لا كفارة عليه ، وظاهر الأخبار العموم (٧) ، فلا يفرق بينه وبين العامد. ويؤيده أنّ الجاهل مأمور بالتعلم ، وإخلاله به لتقصيره لا يعد عذرا ، مع احتمال الفرق وقوفا مع أصل البراءة إلاّ في موضع الوفاق.

قوله : ( إلا أن يبيتا بمكة مشتغلين بالعبادة ).

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٧٧٦.

(٢) التذكرة ١ : ٣٩٣.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٨٨ حديث ١٤١٦.

(٤) السرائر : ١٤٤.

(٥) لم ترد في « س ».

(٦) في « ن » و « ه‍ » : المقبولة.

(٧) قرب الاسناد : ١٠٦ ـ ١٠٧ ، الكافي ٤ : ٥١٤ حديث ١ ، ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٨٦ حديث ١٤٠٦ ، التهذيب ٥ : ٢٥٧ حديث ٨٧١ ـ ٨٧٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٢ حديث ١٠٣٨ ـ ١٠٤٠ ، والمزيد الاطلاع انظر : الوسائل ١٠ : ٢٠٦ باب ١ من أبواب العود إلى منى.

٢٦٣

ولو غربت الشمس يوم الثاني عشر بمنى وجب على المتقي المبيت أيضا ، فإن أخل به فشاة.

______________________________________________________

أي : كل من المتقي وغيره ، ويجب استيعاب الليلة بالعبادة ، لظاهر رواية معاوية بن عمار الصحيحة (١). ويحتمل ـ ضعيفا ـ الاكتفاء بمجاوزة نصف الليل متعبدا لجواز الخروج من منى حينئذ ، ولا فرق بين العبادة الواجبة والمندوبة ، العلمية والعملية ، لتعليل الحكم في الخبر بالطاعة. ويستثني ما لا بد منه من أكل وشرب ونوم يغلب عليه ، أو يضر بحاله تركه ، لأنّ الضرورة يسوغ معها ترك المبيت. ولو كان مضطرا إلى المبيت بغير منى كما لو دعته حاجة ما ، أو حفظ مال ، أو تمريض ، أو كان من أهل السقاية جاز الخروج من منى إلى غيرها والمبيت هناك.

ولو غربت الشمس على المضطر فربما فرّق بين أهل السقاية والرعاة لأنّ الرعي لا يكون ليلا ، فيجوز لأهل السقاية دون غيرهم ، وألحق في التذكرة نحو من له مريض بمكة بأهل السقاية (٢).

ولو خرج من منى بعد نصف الليل جاز ، وفي بعض الأخبار لا يدخل مكة إلى الصبح (٣) ، وهو قول الشيخ (٤).

قوله : ( ولو غربت الشمس يوم الثاني عشر بمنى وجب على المتقي المبيت ).

أي : وإن كان متأهبا للخروج ، وإن خرج عن منى قبله ، ثم رجع لنسيان شي‌ء فغربت الشمس لم يجب المبيت ، نص عليه المصنف وشيخنا الشهيد (٥) ، وإن ارتحل فغربت قبل مجاوزة منى فإشكال.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥١٤ حديث ١ ، التهذيب ٥ : ٢٥٨ حديث ٨٧٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٣ حديث ١٠٤٣.

(٢) التذكرة ١ : ٣٩٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٥٩ حديث ٨٨٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٤ حديث ١٠٤٩.

(٤) المبسوط ١ : ٣٧٨.

(٥) الدروس : ١٣٥.

٢٦٤

ويجب أن يرمي الجمار الثلاث في كل يوم من الحادي عشر والثاني عشر ، فإن أقام ليلة الثالث عشر وجب الرمي فيه أيضا كل جمرة في كل يوم بسبع حصيات على الترتيب ، يبدأ بالأولى ، ثم الوسطى ، ثم جمرة العقبة ، فإن نكس أعاد على الوسطى ثم جمرة العقبة.

ولو رمى اللاحقة بعد أربع حصيات ناسيا حصل الترتيب ، ولا يحصل بدونها.

______________________________________________________

قوله : ( ولو رمى اللاحقة بعد أربع حصيات ناسيا حصل بالترتيب ).

أي : حصل الرمي بالترتيب وكذا الجاهل ، نص عليه في الدروس (١) ، والرواية تشمله (٢) ، اما العامد فلا ، لثبوت عدم جواز العدول عن اللاحقة قبل إكمال السابقة المقتضي لعدم مطابقة الواجب ، فلا يكون مجزئا.

قوله : ( ولا يحصل بدونها ).

فتجب عليه إعادة اللاحقة قطعا ، وكذا السابقة عليها ، وهي التي رماها دون الأربع. وعليه دلت الرواية الصحيحة عن الصادق عليه‌السلام (٣). ولو رمى الاولى أربعا ، ثم الثانية أربعا ثم أكمل الأولى فإن كان عدوله عن الاولى عمدا وجب استئناف الرمي عن الثانية قطعا ، ولا يجب لو كان سهوا ، أما الاولى فلا تجب إعادتها على حال.

وهل يجب استئناف الثانية لو كان رميها (٤) أقل من أربع إذا رمى الأولى أربعا ، ثم عدل إلى الثانية سهوا نظرا إلى فوات الموالاة؟ لا يبعد القول به ، وفي الرواية ما يقتضيه (٥) ، فانّ وجوب إعادة الرمي كله لو رمى الأولى ثلاثا ، ثم رمى‌

__________________

(١) الدروس : ١٢٤.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٦٥ حديث ٩٠٤.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٦٥ حديث ٩٠٤.

(٤) في « ن » : رماها.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٦٥ حديث ٩٠٤.

٢٦٥

ولو ذكر في أثناء اللاحقة أكمل السابقة أولا وجوبا ، ثم أكمل اللاحقة مطلقا.

ووقت الإجزاء من طلوع الشمس ، والفضيلة من الزوال ، ويمتدان

______________________________________________________

الثانية عمدا أو سهوا ليس لفوات الترتيب ، إذ يكفي فيه إعادة رمي الثانية ، بل الظاهر أنه لفوات الموالاة ، فيقتضي الإعادة فيما ذكرناه.

قوله : ( ولو ذكر في أثناء اللاحقة أكمل السابقة أولا وجوبا ، ثم أكمل اللاحقة مطلقا ).

الظاهر أنّ المراد بالإطلاق : إتمام الأربع وعدمه.

ويمكن اعتباره في إكمال كل من السابقة واللاحقة ، فيندرج فيه ما إذا رمى الاولى ثلاثا ، ثم انتقل إلى الثانية ، فيكمل الاولى ثم الثانية. إلاّ أنّ قوله : ( ولا يحصل بدونها ) ينافيه ، وصريح الرواية وجوب الاستئناف هاهنا (١) ، ومع هذا فلا دلالة في شي‌ء من العبارة على وجوب استئناف رمي التي رماها أقل من أربعة ، ثم رمى ما بعدها ، لكن صرّح في غير هذا الكتاب بالاستئناف (٢) ، وهو الأصح ، وهو صريح الرواية ، فيمكن قصره على إكمال اللاحقة مطلقا ، ومقتضاه عدم اعتبار الموالاة في هذا القسم.

ومثله ما سيأتي من قوله : ( ولو رمى الثالثة ناقصة أكملها مطلقا ) وهو صريح كلامه في المبسوط (٣) ، وفي الدروس توقف في ذلك (٤) ، واعتبار الأربع قوي كما قلناه.

قوله : ( ويمتدان ).

أي : وقت الإجزاء والفضيلة.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٦٥ حديث ٩٠٤.

(٢) التذكرة ١ : ٣٩٣.

(٣) المبسوط ١ : ٣٧٩.

(٤) الدروس : ١٢٤.

٢٦٦

الى الغروب ، فإذا غربت قبل رميه أخّره وقضاه من الغد.

ويجوز للمعذور كالراعي ، والخائف ، والعبد ، والمريض الرمي ليلا لا لغيره.

وشرائط الرمي هنا كما تقدم يوم النحر ، ولو نسي رمي يوم قضاه من الغد يبدأ بالفائت ويستحب أن يوقعه بكرة ، ثم الحاضر ويستحب عند الزوال ، ولو نسي الرمي حتى وصل مكة رجع فرمى ، فان فات زمانه فلا شي‌ء ، ويعيد في القابل أو يستنيب إن لم يحج.

ويجوز الرمي عن المعذور كالمريض إذا لم يزل عذره في وقت الرمي ، فلو أغمي عليه لم ينعزل نائبه لأنه زيادة في العجز.

______________________________________________________

قوله : ( وقضاه من الغد ).

أي : بعد الطلوع.

قوله : ( ولو نسي رمي يوم قضاه من الغد ).

أي : بعد الطلوع ، إلاّ لضرورة.

قوله : ( ويستحب أن يوقعه بكرة ).

المراد به : بعد الطلوع إلى الزوال.

قوله : ( ثم الحاضر ).

معطوف على قوله : ( يبدأ بالفائت ) وما بينهما اعتراض ، ويستحب أن يوقع الحاضر عند الزوال ، لما سبق.

قوله : ( ويعيد في القابل ... ).

المراد في زمان الرمي لا مطلقا.

قوله : ( فلو أغمي عليه لم ينعزل نائبه ).

ربما أشكل بأنّ الإغماء يوجب زوال الوكالة فتزول النيابة.

وجوابه : إنّ المجوز لهذه النيابة إنما هو العجز ، وبالإغماء يزداد ، وفي رواية‌

٢٦٧

ويستحب الإقامة بمنى أيام التشريق ، ورمي الاولى عن يساره من بطن المسيل ، والدعاء ، والتكبير مع كل حصاة ، والوقوف عندها ، ثم القيام عن يسار الطريق ، واستقبال القبلة والدعاء ، والتقدم قليلا والدعاء.

ثم رمي الثانية كالأولى ، والوقوف عندها والدعاء.

ثم الثالثة مستدبرا للقبلة مقابلا لها ، ولا يقف عندها ، والدعاء.

______________________________________________________

صحيحة عن الصادق عليه‌السلام : « يرمى عنه » (١) وهي محمولة على أنه استناب قبل الإغماء.

قوله : ( ويستحب الإقامة بمنى أيام التشريق ).

المحكوم عليه بالاستحباب هو المجموع من حيث هو مجموع ، فلا ينافيه وجوب الإقامة زمان الرمي ، ولا وجوب المبيت ليلا ، إما ليلتين أو ثلاثا إن شملت الأيام الليالي.

قوله : ( ورمي الاولى عن يساره من بطن المسيل ).

الذي في الرواية : « رمي الاولى عن يسارها » (٢) وفي الدروس عن يسارها ويمينه (٣). وعبارة المصنف مقتضاها : الرمي عن يسار الرامي ، وكأنه يريد عن جانب يساره وإن كان محاذيا ليمينه ، لأنّ بطن المسيل إذا كان عن يسار المتوجه إلى مكة ، كان المستقبل لها والقبلة إذا رماها من بطن المسيل محاذيا بيسارها يمينه ، وإن كان جانب يسارها جانب يساره ، فتستقيم العبارتان.

ويحتمل أن يراد في العبارة : يسار الجمرة ، بتأويل البناء ونحوه ، وهو بعيد ، والذي في التذكرة (٤) والمنتهى (٥) هو ما في الرواية.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٢٣ ، ٢٦٨ حديث ٤٠٠ ، ٩١٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٦ حديث ٧٧٩.

(٢) الكافي ٤ : ٤٨٠ حديث ١ ، التهذيب ٥ : ٢٦١ حديث ٨٨٨.

(٣) الدروس : ١٢٥.

(٤) التذكرة ١ : ٣٩٢.

(٥) المنتهى ٢ : ٧٧١.

٢٦٨

ولو رمى الثالثة ناقصة أكملها مطلقا ، أما الأوليان فكذلك إن رمى أربعا ناسيا ، والاّ أعاد على ما بعدها بعد الإكمال ، ولو ضاعت واحدة أعاد على جمرتها بحصاة ولو من الغد ، فإن اشتبه أعاد على الثلاث.

______________________________________________________

قوله : ( ولو رمى الثالثة ناقصة أكملها مطلقا ).

أي : بلغ الأربع أم لا ، واعتبر ابن بابويه الأربع (١) ، فيعيد إذا قطع لدونها.

والذي ينبغي الإعادة إذا قطع لدونها وفاتت الموالاة ، سواء كان عمدا أولا ، نظرا إلى أنّ الرواية تقتضي وجوب الموالاة (٢) كما نبهنا عليه ، وللاحتياط.

قوله : ( أما الأوليان فكذلك إن رمى أربعا ناسيا ).

أي : يكمل رميهما إذا رماهما ( ناقصتين ، ثم رمى الثالثة بشرط أن يكون قد رماهما أربعا أربعا ، ولم يكن عدوله عن واحدة إلى ما بعدها ) (٣) عمدا ، ففي عبارة المصنف مناقشتان :

إحداهما : أنه كان عليه أن يقول : أربعا أربعا مرتين ، لأنّ رمي إحداهما فقط أربعا لا يحصّل الترتيب ، ولا يندفع السؤال بتقدير : إن رماهما أربعا ، لأنّ ذلك صادق برمي واحدة أربعا ، فتكون هذه العبارة مدافعة لما سبق ، ولما سيأتي في كلامه.

والثانية : أنّ اشتراط النسيان يقتضي أن يكون الجاهل كالعامد في وجوب الإعادة وإن رمى أربعا ، وهو خلاف ما دلت عليه الرواية (٤) ، فإذا تذكر ذلك قبل إكمال الأربع في الثالثة ، فرجع ، فأكملهما ، فالظاهر وجوب إعادة رمي الثالثة ، لفوات الموالاة.

قوله : ( وإلا أعاد على ما بعده بعد الإكمال ).

أي : وإن لم يرمهما أربعا ، أو رمى أربعا وعدل إلى ما بعدها غير ناس ،

__________________

(١) نقله عنه في المختلف : ١٤١.

(٢) الكافي ٤ : ٤٨٣ حديث ٥ ، الفقيه ٢ : ٢٨٥ حديث ١٣٩٩ ، التهذيب ٥ : ٢٦٥ حديث ٩٠٣.

(٣) لم ترد في « ن ».

(٤) التهذيب ٥ : ٢٦٥ حديث ٩٠٤.

٢٦٩

ويجوز النفر الأول لمن اجتنب النساء والصيد بعد الزوال لا قبله.

ويجوز في الثاني قبله ، ويستحب للإمام الخطبة ، وإعلام الناس ذلك.

المطلب الثالث : في الرجوع الى مكة ، فإذا فرغ من الرمي والمبيت بمنى فان كان قد بقي عليه شي‌ء من مناسك مكة كطواف أو بعضه أو سعي عاد إليها واجبا لفعله ، وإلاّ استحب له العود لطواف الوداع وليس واجبا.

ويستحب أما ذلك صلاة ست ركعات بمسجد الخيف عند‌

______________________________________________________

أعاد على ما بعد الناقص عنها ، ولا يخفى تكلف العبارة. وفي بعض النسخ : ( أعاد على ما بعدها ) أي : على ما بعد الناقصة ، وهو أصوب. ومعنى قوله : ( بعد الإكمال ) الإعادة بعد إكمال الناقصة عن الأربع.

وتندرج في هذه العبارة صور :

رمي الأولى والثانية ثلاثا ثلاثا ، ثم الثالثة.

رمى الأولى ثلاثا ، والثانية أربعا ، ثم الثالثة.

عكسه ، بأن يرمي الأولى أربعا ، والثانية ثلاثا ، ثم الثالثة.

ولا شك أنّ الاكتفاء برمي ذات الثلاث ، وهي الاولى في الصورتين الأوليين ، والثانية في الثالثة ، وإكمال رميها مخالف لصريح الرواية (١) ، والحق وجوب الإعادة عليها أيضا من رأس.

قوله : ( ويجوز النفر الأول ... ).

إنما أعاد هذه المسألة لبيان وجوب كونه بعد الزوال ، بخلاف الثاني.

قوله : ( ويستحب أمام ذلك صلاة ست ركعات بمسجد الخيف ).

أي : أمام العود ، ويستحب فعل هذه الركعات الست في مسجد الخيف‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٨٣ حديث ٥ ، الفقيه ٢ : ٢٨٥ حديث ١٣٩٩.

٢٧٠

المنارة في وسطه ، وفوقها إلى جهة القبلة بنحو من ثلاثين ذراعا ، وعن يمينها وشمالها كذلك ، فإنه مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والتحصيب للنافر في الأخير ، والاستلقاء فيه.

ودخول الكعبة حافيا خصوصا الصرورة بعد الغسل والدعاء ،

______________________________________________________

في أصل الصومعة ، للرواية عن الصادق عليه‌السلام (١) وعبارة المصنف في هذا الموضع في غاية الرداءة.

قوله : ( عند المنارة في وسطه وفوقها إلى جهة القبلة بنحو من ثلاثين ذراعا ، وعن يمينها وشمالها كذلك ، فإنه مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ).

وكذا من خلفها للرواية (٢). واعلم أنّ ظاهر هذه العبارة أنّ الموضع المحدود المعبر عنه بمسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو المقصود بفعل الركعات الست ، ولا محصل لهذا أصلا.

والذي في الرواية ـ وذكره في المنتهى (٣) والتذكرة (٤) ، وذكره غيره ـ هو أنّه يستحب لمن كان بمنى أن يجعل مصلاه بمسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مسجد الخيف مدة إقامته ، فإنه صلى فيه ألف نبي ، فإذا أراد الخروج صلى ست ركعات في أصل الصومعة ، واين هذه العبارة وهذا الحكم؟

قوله : ( والتحصيب ).

المراد به : النزول بمسجد الحصباء بالأبطح ، تأسيا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ويقال : إنه ليس للمسجد أثر في هذه الأزمنة كلها فتتأدى هذه السنة بالنزول بالأبطح.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥١٩ حديث ٦ ، التهذيب ٥ : ٢٧٤ حديث ٩٤٠.

(٢) الكافي ٤ : ٥١٩ حديث ٤ ، الفقيه ٢ : ١٣٦ حديث ٥٨٢ ، التهذيب ٥ : ٢٧٤ حديث ٩٣٩.

(٣) المنتهى ٢ : ٧٧٧.

(٤) التذكرة ١ : ٣٩٤.

٢٧١

وصلاة ركعتين في الأولى بعد الحمد حم السجدة ، وفي الثانية بقدرها بين الأسطوانتين على الرخامة الحمراء ، والصلاة في زواياها ، والدعاء ، واستلام الأركان خصوصا اليماني قبل الخروج ، والدعاء عند الحطيم بعده ، وهو أشرف البقاع بين الباب والحجر.

وطواف سبعة أشواط ، واستلام الأركان والمستجار ، والدعاء ، وإتيان زمزم والشرب من مائها ، والدعاء خارجا من باب الحناطين بإزاء الركن الشامي ، والسجود ، واستقبال القبلة ، والدعاء والصدقة بتمر يشتريه بدرهم ،

______________________________________________________

قوله : ( وفي الثانية بقدرها ).

أي : بقدر أيها ، وهي ثلاث ، أو أربع وخمسون.

قوله : ( والدعاء عند الحطيم ).

قيل : سمي بذلك ، لأنّ الذنوب تحطم عنده ، قيل : وفيه تاب الله على آدم عليه‌السلام ، وقيل : لأنّ الناس يحتطمون عنده.

قوله : ( والمستجار ).

وهو مقابل باب الكعبة عند الركن اليماني.

قوله : ( خارجا من باب الحناطين ).

هو باب بني جمح ، وهي قبيلة من قبائل قريش ، سمي بذلك قيل : لبيع الحنطة عنده ، وقيل : لبيع الحنوط. ولم أجد من يعرف ( موضع ) هذا الباب ، فانّ المسجد قد زيد فيه ، فينبغي أن يتحرى الخارج موازاة الركن الشامي ، ثم يخرج.

قوله : ( والسجود ).

أي : عند إرادة الخروج ، ويستحب الإطالة ، ثم يخرج.

قوله : ( والصدقة بتمر يشتريه بدرهم ).

أي : يستحب ذلك ، ولعله لتدارك ما لزمه في إحرامه وهو لا يعلم به ، فلو تبين استحقاق ذلك عليه وجوبا أو استحبابا فقد قيل بالاجزاء ، وهو بعيد.

٢٧٢

والعزم على العود.

تستحب زيارة النبي عليه‌السلام استحبابا مؤكدا ، ويجبر الامام الناس عليها لو تركوها.

ويستحب تقديمها على مكة خوفا من ترك العود ، والنزول بالمعرس على طريق المدينة ، وصلاة ركعتين به.

______________________________________________________

قوله : ( والعزم على العود ).

ورد أنه يزيد في العمر (١).

قوله : ( ويجبر الامام الناس عليها لو تركوها ).

لا بعد في ذلك ، لأنّ ترك المستحب إذا أذن بمحرم كان حقيقا بالمنع منه.

ولا ريب أنّ إطباق الحجيج على ترك زيارته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جفاء له ، وجفاؤه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم محرم ، وقد جوز الإجبار على الأذان إذا تركه أهل البلد ، بل يقاتلون عليه ، ولا يلتفت إلى إنكار ابن إدريس الإجبار هنا (٢).

قوله : ( ويستحب تقديمها على مكة ، خوفا من ترك العود ).

المراد : إنه يستحب تقديم زيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المضي إلى مكة ، خوفا من ترك الزيارة في حال العود بعروض مانع ، وإن كانت العبارة لا تخلو من تكلف.

قوله : ( والنزول بالمعرس ).

هو بتشديد الراء وفتحها ، اسم مفعول من التعريس : وهو النزول آخر الليل للاستراحة إذا كان سائرا ليلا.

والمراد به هنا : النزول في مسجده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي عرس به ـ وهو‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٨١ حديث ٣ ، الفقيه ٢ : ١٤١ حديث ٦١٤.

(٢) السرائر : ١٥٣.

٢٧٣

والغسل عند دخولها ، وزيارة فاطمة عليها‌السلام في الروضة وبيتها والبقيع ، والأئمة عليهم‌السلام به ، والصلاة في الروضة ، وصوم أيام الحاجة.

والصلاة ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة وليلة الخميس عند الأسطوانة التي تلي مقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإتيان المساجد بها كمسجد الأحزاب ، والفتح ، والفضيخ ، وقبا ، ومشربة أم إبراهيم ، وقبور الشهداء خصوصا قبر حمزة عليه‌السلام.

______________________________________________________

على فرسخ من المدينة بقرب مسجد الشجرة بإزائه مما يلي القبلة ، ذكره في الدروس (١) ـ تأسيا به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سواء كان النزول ليلا أو نهارا.

قوله : ( وصوم أيام الحاجة ).

هي ثلاثة ، أولها الأربعاء.

قوله : ( والفتح ).

أي : مسجد الفتح ، وهو الذي فتح الله على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتل عمرو بن عبد ودّ ، وهو يصلي الظهر فيه (٢).

قوله : ( والفضيخ ).

أي : مسجد الفضيخ ، سمي بذلك ، لأنهم كانوا يفضخون فيه التمر قبل الإسلام ، أي : يشدخونه. وفي الدروس : إنّ الشمس ردت فيه لأمير المؤمنين عليه‌السلام بالمدينة (٣).

قوله : ( ومشربة أم إبراهيم ).

هي بضم الراء : الغرفة ، وهي موضع ولادة إبراهيم عليه‌السلام ولده عليه‌السلام.

__________________

(١) الدروس : ١٥٦.

(٢) في « ن » : وفي الدروس : ان مسجد الفتح هو مسجد الأحزاب. انظر : الدروس : ١٥٧.

(٣) الدروس : ١٥٧.

٢٧٤

ويكره الحج والعمرة على الإبل الجلالة ، ورفع بناء فوق الكعبة على رأي ، ومنع الحاج دور مكة على رأي ، والنوم في المساجد خصوصا مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وصيد ما بين الحرتين ، وعضد شجرة حرم المدينة ، وحده من عائر إلى‌ وغير ،

______________________________________________________

قوله : ( ورفع بناء فوق الكعبة على رأي ).

الأصح الكراهية.

قوله : ( ومنع الحاج دور مكة على رأي ).

هذا هو الأصح ، وقيل : يحرم ، لأنّ جميعها مسجد ، ويكره أن يجعل لها أبواب لينزل الحاج ساحة الدار.

قوله : ( والنوم في المساجد ، خصوصا مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ).

لما روي : ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « لا ينام في مسجدي أحد ، ولا يجنب فيه » (١). وفي المنتهى : يكره النوم في المسجد ، ويتأكد في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسجد الحرام (٢).

قوله : ( وصيد ما بين الحرتين ).

هما حرة ليلى ، وحرة وأقم. والحرة : هي الأرض التي فيها حجارة سود.

وقال الشيخ : يحرم صيد ما بين الحرتين (٣) ، لقول الصادق عليه‌السلام في صحيحة عبد الله بن سنان : « يحرم من الصيد

صيد المدينة ما بين الحرتين » (٤) وهو مختار المنتهى (٥) ، وهو الأصح.

قوله : ( وعضد شجر حرم المدينة ، وحدّه من عائر إلى وعير ).

__________________

(١) التهذيب ٦ : ١٥ حديث ٣٤.

(٢) المنتهى ٢ : ٨٨٨.

(٣) التهذيب ٦ : ١٣ ذيل حديث ٢٤.

(٤) الفقيه ٢ : ٣٣٧ حديث ١٥٦٦ ، وفيه : « يحرم من صيد المدينة ما صيد بين الحرتين » ، التهذيب ٦ : ١٣ حديث ٢٥.

(٥) المنتهى ٢ : ٧٩٩.

٢٧٥

______________________________________________________

هما جبلان بالمدينة ، ووعير وجدته مضبوطا في مواضع معتمدة بضم الواو ، وفتح العين المهملة ، وفي الدروس : انها بفتح الواو (١).

والأصح تحريم ذلك وفاقا للشيخ (٢) ، والمصنف في المنتهى (٣) لقول الصادق عليه‌السلام : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ مكة حرم الله حرّمها إبراهيم ، وإنّ المدينة حرمي ، ما بين لابتيها حرم ، لا يعضد شجرها ، وهو ما بين ظل عائر إلى ظل وعير ، ليس صيدها كصيد مكة ، يؤكل هذا ، ولا يؤكل ذلك ، وهو بريد » (٤).

واللابتان : هما الحرتان ، والمراد بظل عائر وظل وعير : ما أظل عليه كل من هذين الجبلين ، وقد دل الحديث المتقدم على تحريم صيد ما بين الحرتين ، فيستثنى ( من ) (٥) هذا. وقدر حرم المدينة على ما في غير ذلك من الأخبار بريد في بريد ، اثنا عشر ميلا في اثني عشر ميلا.

( واعلم أنّ ابن إدريس اعترض على عبارة الشيخ في النهاية حيث قال : واعلم انّ للمدينة حرما مثل حرم مكة وحدّه ما بين لابتيها ، وهو من ظل عائر إلى ظل وعير ، لا يختلى خلاها ، ولا يعضد شجرها ، ولا بأس أن يؤكل صيدها إلا ما صيد بين الحرتين (٦) ، بما حاصله : أنّ الحرتين ما بين الظلين ، لما دل عليه قوله : لا بأس أن يؤكل صيدها إلاّ ما صيد بين الحرتين ، فدل على دخول الحرتين في الظلين ، فيكف يكون الحرم ما بين اللابتين ، أعني : الحرتين؟ فإنه يقتضي أن يكون الحرم من الحرة إلى الحرة (٧).

__________________

(١) الدروس : ١٥٧.

(٢) المبسوط ١ : ٣٨٦ ، والنهاية : ٢٨٧.

(٣) المنتهى ٢ : ٧٩٩.

(٤) الكافي ٤ : ٥٦٤ حديث ٥ ، التهذيب ٦ : ١٢ حديث ٢٣.

(٥) لم ترد في « س ».

(٦) النهاية : ٢٨٧.

(٧) السرائر : ١٥٤.

٢٧٦

______________________________________________________

ورضي المصنف هذا الاعتراض في كتبه ، واعترف بأنّ الأولى أن يقال : وحدّه من ظل عائر إلى ظل وعير ، لا يعضد شجرها ، ولا بأس أن يؤكل صيدها إلا ما صيد بين الحرتين (١). وهذا بعينه آت على المصنف وابن إدريس ، لتصريحهما بأنّ حرم المدينة ما بين لابتيهما وهما الحرتان ، فلا يفيد هما ما عدلا إليه من العبارة ، بل الحديث السابق صريح في ذلك.

والذي يدور في خلدي أنّ حدّ حرم المدينة من الحرة إلى الحرة ، وهو من ظل عائر إلى ظل وعير ، لا يعضد شجر شي‌ء منه ، ويحرم صيد الحرتين خاصة دون الباقي ، فالحرتان في طرفيه يحرم صيدهما دون باقيه ، فيكون معنى قوله في الحديث : إلا ما صيد بين الحرتين إلا ما صيد بين كل من الحرتين أي : في خلال كل منهما ، فيندفع ما تخيلاه ) (٢).

واعلم أيضا أنّ المصنف في المنتهى فرق بين حرم مكة والمدينة بأمور :

أحدها : أنه لا كفارة فيما يفعل فيه من صيد ، أو قطع شجر.

الثاني : أنه يباح من شجر المدينة ما تدعو الحاجة إليه من الحشيش للعلف ، للنهي عما عدا علف البعير.

الثالث : أنه لا يجب دخولها بإحرام ، بخلاف حرم مكة.

الرابع : من أدخل صيدا إلى المدينة لم يجب عليه إرساله ، لما روي : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول لصبي أفلت طائره : « يا أبا عمير! ما فعل النغير؟ » (٣) وهو طائر صغير ولم أجد تصريحا بأنّ صيدها لو ذبح يكون ميتة كصيد مكة (٤).

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٧٩٩.

(٢) ما بين القوسين لم يرد في « ن ».

(٣) صحيح البخاري ٨ : ٣٨ ، صحيح مسلم ٣ : ١٦٩٣ حديث ٣٠.

(٤) المنتهى ٢ : ٨٠٠.

٢٧٧

والمجاورة بمكة ، ويستحب بالمدينة.

تتمة : من التجأ إلى الحرم وعليه حد ، أو تعزير ، أو قصاص ضيّق عليه في المطعم والمشرب حتى يخرج. ولو فعل ما يوجب ذلك في‌

______________________________________________________

قوله : ( والمجاورة بمكة ).

أي : يكره ، وهذا هو المشهور ، وعللت بخوف الملالة وقلة الاحترام ، وهو منقوض بالمدينة ، وبالخوف من ملابسة الذنوب ، فانّ الذنب بها أعظم.

والظاهر أنّ المواضع الشريفة كلها كذلك وإن تفاوتت ، ولطلب دوام الشوق إليها ، ولهذا ينبغي الخروج منها عند قضاء المناسك ، وروي : « أنّ المقام بها يقسي القلب » (١).

واستحبها في الدروس للواثق من نفسه (٢) ، والظاهر الكراهية. وورود المجاورة في بعض الأخبار (٣) لا ينافي الكراهة.

ولعل العلة خروج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منها كرها ، وعدم عوده إليها إلاّ للنسك ، وإسراعه الخروج منها ، وأكثر الأحكام ثابتة بالتأسي.

قوله : ( ويستحب بالمدينة ).

للآثار والأخبار الواردة بذلك (٤).

قوله : ( من التجأ إلى الحرم ، وعليه حدّ أو تعزير أو قصاص ، ضيق عليه في المطعم والمشرب ).

قيل : يطعم ويسقى ما يسد الرمق ، ولعله لظاهر قولهم : « ضيق » والذي في صحيحة معاوية بن عمار ، عن الصادق عليه‌السلام : « لا يطعم ولا يسقى ولا يبايع ولا يؤوى حتى يخرج » (٥).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٣٠ حديث ١.

(٢) الدروس : ١٣٩.

(٣) الفقيه ٢ : ١٤٦ حديث ٦٤٦.

(٤) الكافي ٤ : ٥٥٧ باب فضل المقام بالمدينة ، التهذيب ٦ : ١٢ باب ٥.

(٥) الكافي ٤ : ٢٢٧ حديث ٤ ، التهذيب ٥ : ٤١٩ ، ٤٦٣ حديث ١٤٥٦ ، ١٦١٤.

٢٧٨

الحرم فعل به فيه مثل فعله.

والأيام المعلومات عشر ذي الحجة ، والمعدودات أيام التشريق ، وهي : الحادي عشر ، والثاني عشر ، والثالث عشر ، وليلة العاشر ليلة النحر ، والحادي عشر يوم القر لاستقرارهم بمنى ، والثاني عشر يوم النفر الأول ، والثالث عشر النفر الثاني.

المقصد الثالث : في التوابع وفيه فصول :

الأول : في العمرة ، وهي واجبة على الفور كالحج بشرائطه. ولو استطاع لحج الافراد دون عمرته فالأقرب وجوبه خاصة.

وهي قسمان : متمتع بها ، وهي فرض من نأى عن مكة وقد سبق وصفها ، ومفردة وهي فرض أهل مكة وحاضريها بعد انقضاء الحج ، إن شاء بعد أيام التشريق أو في استقبال المحرم.

______________________________________________________

قوله : ( والحادي عشر يوم القر ).

هو بفتح القاف ، وتشديد الراء من القرار.

قوله : ( والثالث عشر النفر الثاني ).

وهو يوم الصدر ، محركة.

قوله : ( فلو استطاع لحج الإفراد دون عمرته ، فالأقرب وجوبه ).

لأنّ كلا منهما نسك مستقل ، وهو الأصح.

قوله : ( إن شاء بعد أيام التشريق ، أو في استقبال المحرم ).

أي : في أوله. قيل : التخيير بين الأمرين ينافي الفورية. قلنا : الفورية إنّما يستفيدها من الشرع ، وقد ثبت التخيير بين الأمرين ، فيكون الفور بالنسبة إلى ما عداه ، ولا حاجة إلى ما تكلفه شيخنا في بعض حواشيه مما ليس فيه كثير أثر (١).

__________________

(١) في « س » : أمر. وفي « ن » بعد كلمة ( أثر ) وردت العبارة التالية : فرع : لو استطاع لعمرة الافراد دون حجه فالظاهر وجوبها لمثل ما قلناه من أن كلا منهما واجب مستقل.

٢٧٩

ويجوز نقلها إلى عمرة التمتع إن وقعت في أشهر الحج ، وإلاّ فلا ، دون العكس إلاّ لضرورة. ولو كانت عمرة الإسلام ، أو النذر ففي النقل اشكال.

ولا يختص فعلها زمانا ، وأفضلها رجب فإنها تلي الحج في الفضل.

وصفتها : الإحرام من الميقات ، والطواف ، وصلاة ركعتيه ، والسعي ، والتقصير ، وطواف النساء وركعتاه ، وتجب بأصل الشرع في العمر مرة.

وقد تجب بالنذر وشبهه ، وبالاستئجار ، والإفساد ، والفوات ، والدخول إلى مكة مع انتفاء العذر والتكرار فيتعدد بحسب تعدد السبب ، وليس في المتمتع بها طواف النساء.

ويجب في المفردة على كل معتمر ، وإن كان صبيا‌ أو خصيا ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو كانت عمرة الإسلام أو النذر ففي النقل إشكال ).

الأصح لا يجوز لتعينها ، فلا يخرج من العهدة إلاّ بها.

قوله : ( والسعي والتقصير ).

أو الحلق على ما سيأتي ، وكأنه اقتصر عليه اعتمادا على ما سيذكره.

قوله : ( والإفساد ).

كما لو أفسد الحج ، فإنه يجب حج آخر.

قوله : ( والفوات ).

أي : فوات الحج ، لوجوب التحلل حينئذ بعمرة مفردة.

قوله : ( وليس في المتمتع بها طواف النساء ).

أي : لا يشرع.

قوله : ( ويجب في المفردة على كل معتمر وإن كان صبيا ، أو خصيا ).

٢٨٠