التفسير المبين

محمّد جواد مغنية

التفسير المبين

المؤلف:

محمّد جواد مغنية


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة دار الكتاب الاسلامي
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٣
ISBN: 964-465-000-X
الصفحات: ٨٣٠

(وَأَشْهِدُوا) على الندب (إِذا تَبايَعْتُمْ) عام لكل بيع صغيرا كان أو كبيرا (وَلا يُضَارَّ) بضم الياء (كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) هذا نهي عن الإضرار بهما قولا أو فعلا ، ومن قرأ أيضا بفتح الياء يكون النهي موجّها للكاتب والشاهد أن لا يضرّا من له الحق بالنقصان ولا من عليه الحقّ بالزيادة (وَإِنْ تَفْعَلُوا) ما يوجب الضرر (فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) أي هذا الفعل يخرج بكم عن طريق الحقّ والصلاح.

٢٨٣ ـ (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً) كان هذا في القديم حيث قال النبيّ (ص) : نحن أمّة أميّة ، أما اليوم فما أكثر الكاتبين ، وعلى أيّة حال فقد أجمع الفقهاء على صحة الرهن ، واعتبر أكثرهم أو الكثير منهم القبض كشرط لتمامه ، واستدلوا بقوله تعالى : (فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) وأنثت مقبوضة لأن رهان جمع تماما كما تقول : الأمور مرهونة بأوقاتها (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) ووثق صاحب المال بالمديون ، وأعطاه بلا صك ولا رهن ولا إشهاد (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ) وهو المديون (أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ) بالصدق والوفاء.

(وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ) من تحمل الشهادة يحرم عليه كتمانها إذا توقف ثبوت الحق على الإدلاء بها (وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) لأن الكتمان في القلب قبل اللسان تماما كالتقوى.

٢٨٤ ـ (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) وما لأحد مع الله شيء (إِنْ تُبْدُوا) تظهروا (ما فِي أَنْفُسِكُمْ) من سوء (أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) إلّا أن يكون مجرّد وسواس وحديث نفس يبقى طيّ الكتمان ، لأن مثل هذا لا يخلو منه إنسان (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) وإذن فليس لأحد أن ييأس من عفو الله فلعلّه مغفور له (وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) ولا يأمن من غضب الله ، فلعلّه مغضوب عليه.

٢٨٥ ـ (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ) إيمان من يثق بما عند الله أكثر مما يثق بما هو في يده (وَالْمُؤْمِنُونَ) من صحابته كذلك (كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ) يقولون بقلوبهم وأفواههم (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ)

____________________________________

الإعراب : (الْمُؤْمِنُونَ) مبتدأ ، وكل مبتدأ ثان ، وجملة (آمَنَ) خبر المبتدأ ، الثاني ، والجملة منه ومن خبره خبر المبتدأ الأول ، وجملة (لا نُفَرِّقُ) مفعول لفعل محذوف ، أي يقولون : لا نفرق ، و (غُفْرانَكَ) نصب على المفعول المطلق ، أي اغفر غفرانك ، أو مفعول به ، أي نطلب غفرانك.

٦١

لأن من آمن ببعض ما أنزل الله وأرسل دون بعض فهو كمن كفر بالله ويحمل هذا الإيمان معنى عرفان الجميل لكل جهد كريم ، ويؤكد التواصل بين الأجيال (وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا) في كل شيء لا في شيء دون شيء حتى ولو خالف ما نهوى (غُفْرانَكَ) نستغفرك ولا نكفرك.

٢٨٦ ـ (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) تقدّم في الآية ٢٣٣ (لَها ما كَسَبَتْ) من خير (وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) من السيئات (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) تهاونا منّا وتقصيرا (رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً) تكليفا ثقيلا (كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا) أي نريده تكليفا سمحا خفيفا لا ضيق فيه ولا حرج بحيث لا تستثقله نفوسنا كالصلوات الخمس لا أكثر وإلّا فإن الله لا يكلّف نفسا إلّا وسعها بنص القرآن سواء أكانت هذه النفس قبلنا أم بعدنا (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) أي لا تعذّبنا يوم القيامة العذاب الأكبر (وَاعْفُ عَنَّا) اجعلنا طلقاء عفوك (وَاغْفِرْ لَنا) أذقنا حلاوة مغفرتك (وَارْحَمْنا) وإن كنا لا نستحق الرحمة (أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) إنّك على كل شيء قدير. والصلاة على النبيّ وآله الطّيبين.

سورة آل عمران

مدنية وهي مائتا آية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (الم).

٢ ـ (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) لا ثالث ثلاثة (الْحَيُّ الْقَيُّومُ) لم يصلب ، تعالى الله عمّا يصفون.

٦٢

٣ ـ (نَزَّلَ عَلَيْكَ) يا محمد (الْكِتابَ) القرآن (بِالْحَقِ) بكل ما يحويه (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) من الكتب المنزلة على الأنبياء السابقين (وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ) كلمة عبرانية بمعنى الشريعة (وَالْإِنْجِيلَ) من كلمة يونانية وهي «أونجيلون» بمعنى البشارة.

٤ ـ (مِنْ قَبْلُ) القرآن (هُدىً) بيان (لِلنَّاسِ) قوم موسى وعيسى (ع) (وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ) قال الإمام الصادق (ع) ؛ هو كل آية محكمة في الكتاب (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) المنزلة (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ ...) وكل بلاء دون النار عافية كما قال الإمام (ع).

٥ ـ (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) ونستغفره مما علمه منّا ، وأحصاه علينا.

٦ ـ (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ) من مني يمنى كما صورنا نحن أو من غير نطفة ومني كما صور آدم وعيسى.

٧ ـ (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ) يا محمد (الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ) بيّنات واضحات ، لا تحتمل تأويلا ولا تخصّصا ولا نسخا (هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ). أصله ومعظمه ، وبهنّ تفسّر غيرهن من الآيات (وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) محتملات لأكثر من معنى.

(فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) انحراف وأهواء (فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ) يتجاهلون الكلام الواضح. ويتشبّثون بالمجمل يفسّرونه بما يشتهون (ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ) يفسدون عقول الناس وقلوبهم ، ليبتعدوا عن الحق وأهله (وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) بما تشتهي أنفسهم (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) والتأويل : التفسير ، أما الراسخون في العلم فهم الذين لا يقولون إلا عن علم ، ويعترفون صراحة بالعجز عن فهم ما حجب الله علمه عنهم ، ولا يتعمّقون ويتعسفون فيما لم يكلّفهم الله بالبحث عن كنهه. كما جاء في الخطبة ٩٨ من نهج البلاغة (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) أي بالمتشابه ، وفوّضنا أمره إلى الله حتى نلقى من هو أعلم منّا وأرسخ بما أراد الله (كُلٌ) من المحكم والمتشابه (مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) هذا مدح للراسخين بحسن التأمّل والتفكّر.

٨ ـ (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا) لا تبتلينا بمصائب تزيغ فيها القلوب (بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا) إلى الحقّ بتوفيقك وعنايتك (وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) وبالخصوص نعمة التوفيق

____________________________________

الإعراب : (مُصَدِّقاً) حال من الكتاب ، و (هُدىً) مفعول من أجله لا نزل ، ويجوز أن يكون حالا ، و (كَيْفَ) محل نصب قائم مقام المفعول المطلق ، أي (يُصَوِّرُكُمْ) تصويرا أيّ تصوير يشاؤه ، مثل أفعل (كَيْفَ) شئت ، والمعنى أيّ فعل شئت ، ويجوز أن تكون حالا.

٦٣

(إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) بلا عوض.

٩ ـ (رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ) إلّا من دام عماه عن الحق.

١٠ ـ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله وبالعدل والحق والإنسان وحقوقه (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ) رحمة (اللهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ) أبدا لا جاه ولا مال ولا أولاد ورجال ولا شيء يمجد إلّا العمل الصالح والقلب السليم.

١١ ـ (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) كدأب خبر لمبتدأ محذوف أي دأب هؤلاء مثل دأب آل فرعون (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) كقوم نوح وعاد وثمود (كَذَّبُوا بِآياتِنا) وهي النذير المبين (فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ) أخذا وبيلا.

١٢ ـ (قُلْ) يا محمد (لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ) لأنكم على ضلال ، ولأن للحق سلاحا لا تراه الأعين (وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ) والقرار.

١٣ ـ (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ) واضحة الدلالة على صدق محمد (ص) وهي (فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ) إشارة إلى وقعة بدر (يَرَوْنَهُمْ) المشركون يرون المسلمين (مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ) أي مثلي المشركين في العدد ، وكان هؤلاء قريبا من ألف ، والمسلمون ثلاثمائة وبضعة عشر حقيقة وواقعا ، ولكنهم في أعين المشركين قريبا من ألفين (وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ) فليست العبرة بالقلّة أو الكثرة ، بل بالثبات والإخلاص من العبد والتوفيق من الله (إِنَّ فِي ذلِكَ) في الفئة القليلة تغلب الفئة الكثيرة (لَعِبْرَةً) لعظة (لِأُولِي الْأَبْصارِ) الأبرار.

١٤ ـ (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ) للإنسان عقل وضمير ، وله كذلك رغبات ومطامح إلى أشياء كثيرة أشار سبحانه إلى أهمها بقوله : (مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ) وليست كل زوجة ريحانة ولا كل ولد قرّة عين ولكن المسألة هي طبع وغريزة وكفى (وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) والقناطير كناية عن الكثرة ، والذهب والفضة هنا ، لكل النقود بشتى أنواعها (وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ) المعلمة أو المرعبة ، أما

____________________________________

الإعراب : (شَيْئاً) مفعول مطلق ، لأن المراد به هنا شيء من الإغناء ، و (كَدَأْبِ) متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، والتقدير دأبهم (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) ، (فِئَةٌ) مرفوع بالابتداء ، والخبر محذوف ، أي من الفئتين فئة ، ويجوز الجر على انها بدل بعض من فئتين ، والنصب على الحال ، و (رَأْيَ الْعَيْنِ) مفعول مطلق ليرونهم.

٦٤

اليوم فسيارات «وموديلات» (وَالْأَنْعامِ) الإبل والبقر والغنم ، (وَالْحَرْثِ) الزرع ، والمراد بهما كل وسائل الإنتاج دون استثناء (ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) وهو خير وكمال وقوة وجمال إلّا أن يكون على حساب الآخرين ، فإنّه نار وجحيم (وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) ونعوذ به من سوء المرجع.

١٥ ـ ١٦ ـ (قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ) النساء والمال والأولاد (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) وأحسنوا (عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) من الجهل المميت والخلق المقيت لا من الحدث والخبث فقط (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ) أكبر وأعظم.

١٧ ـ (الصَّابِرِينَ) على الكفاح في سبيل الحق والعيال (وَالصَّادِقِينَ) في الأقوال والأفعال (وَالْقانِتِينَ) المطيعين (وَالْمُنْفِقِينَ) من كدحهم ولا يعيشون كلا على الآخرين (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ) لأنها أبعد عن شبهة الرياء علما بأن خدمة الإنسان لأخيه أفضل من عامة الصلاة والصيام وتلاوة القرآن الكريم بكرة وعشيا.

١٨ ـ (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) شهد سبحانه بذاته لذاته على أنه الخالق الوحيد بصنعه وآثاره ، وشهد محمد بذاته على نبوته برسالته وسيرته وسنته ، وهكذا كل مبدأ ودين وعالم وعظيم ، يشهد لنفسه بنفسه بما يترك للناس من ثمار وآثار (وَالْمَلائِكَةُ) تؤمن بالله فطرة وطبيعة (وَأُولُوا الْعِلْمِ) يؤمنون ويدعون إلى الإيمان بالحجة الكافية الوافية (قائِماً بِالْقِسْطِ) بالعدل في الدين والشريعة وسنن الطبيعة.

١٩ ـ (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) حتى الدين الذي أوحي إلى نوح والنبيين من بعده ، لأن الإسلام يقرّ كل وحي سابق ويعترف به ، ومعنى هذا أن دين محمد ينطوي على كل الأديان السماوية وزيادة (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) من اليهود والنصارى (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) بلسان موسى وعيسى (بَغْياً) طلبا لحطام الدنيا (بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) والويل لمن خفّت موازينه.

____________________________________

الإعراب : (أَأُنَبِّئُكُمْ) الهمزة للاستفهام ، والشيء المستفهم عنه ينتهي عند قوله تعالى (عِنْدَ رَبِّهِمْ) و (جَنَّاتٌ) كلام مستأنف ، كأنه قيل : ما هو ذاك الخير؟. فقيل : هو جنات ، فجنات خبر مبتدأ محذوف ، و (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا) محل نصب على المدح ، أي أعني. أو امدح الذين الخ. ومثله (الصَّابِرِينَ) ، وبقية الصفات معطوفة على الصابرين.

٦٥

٢٠ ـ (فَإِنْ حَاجُّوكَ) في دين الله (فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ) اقطع النقاش مع الجهلة ، السفلة ، وقل : أدين بالواحد الأحد.

(وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ) المشركين الذين لا كتاب لهم (أَأَسْلَمْتُمْ) بعد أن جاءتكم البيّنات (فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا) حيث لا شيء بعد الإسلام إلّا الضلال (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ) وبه تتم الحجّة ، وتنتهي وظيفتك.

٢١ ـ (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) لا لشيء إلّا لأنها حقّ (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍ) بل قتلوهم لأنهم على حق (وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ) وهذا هو ذنبهم الوحيد ، وهو ذنب الكامل عند السافل ، والمحقّ عند المبطل.

٢٢ ـ (أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) ملعونون في الدنيا على كل لسان ، ومعاقبون في الآخرة بمقطعات النيران.

٢٣ ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) هم أحبار اليهود ، والكتاب هو التوراة (يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ) دعاهم محمد (ص) إلى التوراة (لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ) هل جاء في التوراة ذكر محمد (ص) بالاسم أو بالصفات (ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ) مدبرين هاربين (وَهُمْ مُعْرِضُونَ) عن الحق.

٢٤ ـ (ذلِكَ) إشارة إلى إعراضهم عن كتاب الله (بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) تقدم في الآية ٨٠ من سورة البقرة. (وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) على الله في قولهم : نحن أبناء الله وأحباؤه.

٢٥ ـ (فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ) أي كيف يصنعون يوم الجزاء والحساب؟ (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) هذا هو دين الحق لا شعب مختار عند الله ولا أبناء له ، ولا أي شيء لأي إنسان كائنا من كان إلا ما سعى.

____________________________________

الإعراب : (قائِماً) حال من اسم الله ، و (بَغْياً) مفعول من أجله لاختلف ، واتّبعن أصلها بالياء ، وحذفت للتخفيف ومن فاعل لفعل محذوف ، والتقدير وأسلم من اتبعني ، ولا يجوز أن تكون مفعولا بمعه ، لأن وجهي مفعول به لأسلمت ، فيلزم أن يكون التابع للرسول (ص) شريكا له في وجهه.

٦٦

٢٦ ـ (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ) ولما ذا يملك سبحانه وهو الغني في ذاته وصفاته عن كل شيء؟ الجواب ليس المعنى أنه يحتاج إلى الملك ، بل معناه أنه يخلق الملك ويمنحه (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ) لا أحد يملك شيئا إلا أن يملكه الله إياه (وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) تسترده بعد العطاء (وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ) بالتوفيق والعناية (وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ) بالخذلان والتخلي (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) ويده تعالى قدرته ، وكل ما ينتفع الناس به هو خير.

٢٧ ـ (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ) تدور الأرض حول الشمس بالسنن التي أودعها الله في الطبيعة ، فتعدد الفصول ويأخذ الليل من النهار في فصل حتى يصير ١٥ ساعة والنهار ٩ ساعات (وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) وفي فصل آخر يأخذ النهار من الليل حتى يصير ١٥ ساعة والليل ٩ (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) كخروج الشجرة من النواة (وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) كخروج النواة من الشجرة ، وفيه إيماء لصراع الأضداد بمعنى تحول الشيء إلى ضده لا بمعنى الجمع بين الضدين (وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) ولكن مع السبب الموجب ، لأن الله تعالى أبى أن يجري الأمور إلا على أسبابها.

٢٨ ـ (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) والذي نفهمه من الولاية هنا الصداقة الصادقة ومن الكافرين كل من كان عدوا للإسلام والمسلمين ، والقرينة على هذا المعنى قوله تعالى بلا فاصل : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ) أي أن صداقة المسلم للكافر معناها قطع الصلات بالكامل مع الله ، قال الإمام أمير المؤمنين (ع) صديق عدوك عدوك (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) هذه رخصة بالمداراة عند الخوف فقط ، ثم أكد سبحانه ذلك بهذا التحذير : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) تهديد بالعذاب الشديد لمن يتولى قوما طاغين مجرمين.

٢٩ ـ (قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ ...) لا تخفى عليه خافية.

٣٠ ـ (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ) لن يفوز بالخير ـ غدا ـ إلا عامله ، ولا يجزى جزاء الشر إلا فاعله (تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً

____________________________________

الإعراب : (فِي شَيْءٍ) متعلق بمحذوف خبر (فَلَيْسَ) ، و (مِنَ اللهِ) متعلق بمحذوف حال من شيء ، وجاز أن يكون صاحب الحال نكرة لتأخره ، كما قال النحاة.

٦٧

بَعِيداً) وكل مفرط نادم لا محالة ، ومرة ثانية (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) عسى أن ينفع هذا التحذير.

٣١ ـ (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) كل من يدعي الإيمان بالله والإخلاص له ، يلزمه حتما الإيمان بأنبيائه والإخلاص لهم وإلا فهو كاذب في دعواه بحكم البديهة (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) بشرط أن تؤمنوا بالله ورسوله معا.

٣٢ ـ (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ) ومعصيته معصية لله بالذات (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) وفيه دلالة واضحة على أن الإيمان بالله دون الرسول كفر تماما كالجحود بالله.

٣٣ ـ (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً) وآدم أبو البشر الأول ونوح أبو البشر الثاني ، لأن جميع أهل الأرض من نسله (وَآلَ إِبْراهِيمَ) أي إبراهيم وأولاده إسماعيل واسحق وأولادهما ومنهم محمد وآل محمد (ص) (وَآلَ عِمْرانَ) موسى وهرون (عَلَى الْعالَمِينَ) ومن اصطفاه الله واختاره على العالمين من خلقه يجب أن يكون معصوما ، ومعنى هذا أن المراد بالآل هنا من كان نبيا أو إماما ، وليس مطلق الآل.

٣٤ ـ (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) المعصوم اللاحق ينتهي في نسبه إلى المعصوم السابق.

٣٥ ـ (إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ) بن ماثان ، وهو جد المسيح (ع) ، وبين عمران أب موسى وعمران أب مريم ١٨٠٠ سنة (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) معتقا لخدمة بيت المقدس (فَتَقَبَّلْ مِنِّي) نذري.

٣٦ ـ (فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) تحسرا وتلهفا على ما فاتها من النذر (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) وله فيه سر عظيم (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى) في خدمة المعابد (وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ) قال الطبرسي في جوامع الجامع : ومريم في لغتهم هي العابدة. وفي قاموس الكتاب المقدس : مريم أسم عبري معناه : عصيان (وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ) أجيرها بحفظك (وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) فإنه يطمع كثيرا بأولاد الأتقياء والعلماء.

____________________________________

الإعراب : نوح اسم أعجمي ، وفيه علتان توجبان منعه من الصرف ، وهما العلمية والعجمة ، ولكن لما كان ثلاثيا ساكن الوسط كان خفيفا في التلفظ ، ولذا صرف مثل هند ، و (عِمْرانَ) ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة ، ولو كان غريبا لمنع أيضا لزيادة الألف والنون ، وذرية منصوب على انه بدل من آل ابراهيم وآل عمران ، ويجوز أن يكون حالا منهما.

٦٨

٣٧ ـ (فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ) قبل سبحانه النذر مع الأجر (وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً) كناية عن صلاح التربية والاستقامة (وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا) زوج خالتها (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ) موضع العبادة (وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً) لا يشبه أرزاق الدنيا (قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا) وما من أحد يراك غيري؟ (قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) فلا تستبعد (إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) بغير عد ووزن ، وأيضا من غير احتساب وترقب.

٣٨ ـ (هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ) لما رأى ما رأى من آيات ربه في مريم على صغر سنها تحركت في نفسه عاطفة الأبوية ، ورجا أن يكون له مثلها في الكرامة عند الله و (قالَ) زكريا على شيخوخته وعقم امرأته لم ييأس من رحمة الله (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) وهل في الكون كله من ثروة أعظم من نعمة الذرية الزاكية المباركة؟ أبدا إلا مرضاة الله سبحانه.

٣٩ ـ (فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ) والأصل ملائك فزيدت التاء للمبالغة أو على معنى الجماعة (وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ) صلاة خاشع متضرع (أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى) اسم سماه الله به قبل أن يولد ، اختاره له إشعارا بأن الله يحيي الأرحام والعظام بعد موتها (مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ) وهي عيسى (وَسَيِّداً) يسود قومه علما وخلقا (وَحَصُوراً) لا يأتي النساء وإنها لرحمة يخص بها الله من يشاء (وَنَبِيًّا مِنَ) آبائه (الصَّالِحِينَ).

٤٠ ـ (قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ) أي عظمت قدرتك التي تخطت السنن والعادات بالمعجزات! (وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ) قيل كانت له ٩٩ سنة وقيل ١٢٠ (وَامْرَأَتِي عاقِرٌ) لا تلد ، قيل : لها ثمان وتسعون سنة (قالَ كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) ولا راد لمشيئته.

٤١ ـ (قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً) علامة أعرف بها وقت الحمل (قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ) يعجز ، عن النطق معهم دون النطق بذكر الله (ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً) إشارة تماما كالأخرس (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ) أيام عجزك عن النطق.

٤٢ ـ (وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ) خصك من دون نساء العالمين إطلاقا بالحمل والولادة من غير أب.

٦٩

٤٣ ـ (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ) تعبدي لله (وَاسْجُدِي) قدم السجود على الركوع لا بقصد الترتيب كما يبدو ، لأن الواو العاطفة لمطلق الجمع سابقا أو لا حقا أو مصاحبا (وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) صلّى جماعة ومستقلة ، وفيه إيماء إلى جواز الجمع بين الرجال والنساء في العبادة والمعابد.

٤٤ ـ (ذلِكَ) إشارة إلى ما سبق من نبأ مريم وزكريا ويحيى (مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ) نلقنك إياه ليكون حجة لنبوتك على من أنكرها (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ) وهي السهام التي يستعملونها في القرعة.

(أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) لما كانت مريم منذورة لخدمة بيت المقدس اختلف الكهنة في كفالتها ، وأخيرا. اقترعوا فيما بينهم ، فخرج قلم زكريا زوج خالتها ، فتركوها له وبعد حين من الدهر جاءتها البشارة من الله تعالى.

٤٥ ـ (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ) والكلمة هذه إشارة إلى قوله تعالى : (كُنْ فَيَكُونُ) بلا أب (اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) ولقب بالمسيح لأنه إذا مسح المريض شفاه الله من دائه (وَجِيهاً فِي الدُّنْيا) بتقديس الناس وتعظيمهم له وفي (وَالْآخِرَةِ) بعلو الدرجات (وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) تعبير ثان عن قوله تعالى : (وَرافِعُكَ إِلَيَ)

٤٦ ـ (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ) مقر الصبي حين رضاعه ، وكان الهدف الأول من ذلك براءة أمه (وَكَهْلاً) أي يكلم الناس كهلا بكلام الأنبياء.

٤٧ ـ (قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) وأنت بذلك أدرى وأعلم (قالَ كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ) بسبب طبيعي أو بمجرد الإرادة وكلمة (كُنْ فَيَكُونُ) تماما كالخلق الأول.

٤٨ ـ (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ) كل كتاب منزل أو أن المراد بالكتاب هنا الكتابة باليد لمكان قوله تعالى : (وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) والحكمة : وضع الشيء في موضعه.

٤٩ ـ (وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ) بالخصوص دون غيرهم (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ) الخطاب لقومه الإسرائيليين (بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) أي أصور شيئا مثل صورة الطير (فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ

____________________________________

الإعراب : (اسْمُهُ) مبتدأ ، و (الْمَسِيحُ) خبر ، والضمير في اسمه عائد على المعنى المراد بالكلمة ، وهو عيسى ، و (عِيسَى) اسم أعجمي ممنوع من الصرف ، وهو بدل من المسيح. ومصدقا مفعول لفعل محذوف ، أي وجئتكم مصدقا ، والجملة عطف على جملة جئتكم.

٧٠

اللهِ) لا بقدرتي (وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ) من يولد أعمى (وَالْأَبْرَصَ) الذي في جلده بياض منفر (وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ) بقدرته وأمره ، وكرر ليسد الباب على كل متقول بغير الحق (وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ) وهذا الإخبار بالغيب ليس من عند عيسى (ع) بل بوحي من الله إليه (إِنَّ فِي ذلِكَ) إشارة إلى المعجزات المذكورة (لَآيَةً لَكُمْ) واضحة على نبوتي (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي تريدون أن تؤمنوا بالحق لوجه الحق.

٥٠ ـ (وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ) أؤمن بها كما تؤمنون (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) كالشحم ولحم الإبل وبعض أنواع السمك (وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) كرر للتأكيد بأن الذي يقوله ويفعله ليس من عنده بل من عند الله ، وإن هو إلا عبد مأمور.

٥١ ـ (إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ) فلا تنسبوني إلى الربوبية (فَاعْبُدُوهُ) ولا تعبدوني (هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) دون سواه.

٥٢ ـ (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ) والإصرار عليه (قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) أين المؤمنون الذين يناصرون دين الله ، ويحامون عنه؟ (قالَ الْحَوارِيُّونَ) حواري الرجل صفوته وخاصته (نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) هذا دليل على أن إسلام القرآن هو دين الله منذ وجد وإلى ما لا نهاية.

٥٣ ـ (رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ) في كتبك وعلى رسلك (وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ) عيسى (فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) لك بالوحدانية ولرسلك بالصدق.

٥٤ ـ (وَمَكَرُوا) صمم أعداء عيسى من بني إسرائيل على اغتيال عيسى وقتله حيث لا حيلة ولا وسيلة للخلاص منه إلا بهذا السبيل (وَمَكَرَ اللهُ) أي وأبطل الله مكر هؤلاء وعاقبهم بعقاب الماكرين المحتالين ، وجعل عيسى بمنجاة من مكرهم (وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) أي خير من يعاقب الماكر الغادر بما يستحق.

٥٥ ـ (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) وفاة طبيعية وعادية كسائر الناس ، وعاصمك من القتل جهرة وغيلة (وَرافِعُكَ إِلَيَ) أي الى ما أعددته لك من حسن المآب والثواب (وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) وأريحك من

____________________________________

الإعراب : (وَمُصَدِّقاً) مفعول لفعل محذوف ، أي وجئتكم مصدقا ، والجملة عطف على جملة جئتكم.

٧١

سوء معاملتهم وخبث نياتهم (وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ) وما من شك أن الذين اتبعوا السيد المسيح (ع) حقا وواقعا هم الذين قالوا : أنه نبي معصوم ، وليس إلها يخلق ويرزق ، ولا مشعودا يحتال ويضلل (فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بحقيقتك وطبيعتك الإنسانية المعصومة (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) أما جهة التفوق ، وإنها الحجة القوية أو السلطان وما أشبه فقد سكت عنها القرآن الكريم ، وما لنا أن نتناول من عندنا كما فعل أكثر المفسرين (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) يا أرباب الأديان (فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) وإذن علام الجدال والنقاش في الدين؟ أليس الأفضل أن نتعاون على مصلحة الجميع؟

٥٦ ـ ٥٧ ـ (فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا ...) المعنى واضح ، وتقدم أكثر من مرة ، ويأتي أيضا ، والمقصد أن لا نخشى إلا الله.

٥٨ ـ (ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ) القرآن ، والمعنى تلونا عليك يا محمد أنباء عيسى لتكون حجة على من يخاصمك فيه.

٥٩ ـ (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) قال النصارى : عيسى رب لأنه بلا أب.

فنقض سبحانه دليلهم هذا بقوله : آدم أيضا بلا أب وأم ، فلما ذا لا تقولون : إنه رب! (ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ان السبب الأول والأساس للخلق والإيجاد هو إرادته تعالى التي غبر عنها ب (كُنْ فَيَكُونُ). سواء أكان الخلق بسبب طبيعي أم بلا سبب.

٦٠ ـ (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) هذا الذي أنزلناه عليك في أمر عيسى هو الحق (فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) ومحال أن يشك النبي (ص) فيما أخبر الله به ، ولكن التكليف يعم الجميع حتى المعصومين ـ مثلا ـ النهي عن الخمر يشمل من يستقبحه بطبعه تماما كما يشمل من يستحسنه.

٦١ ـ (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ) في عيسى (مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) أي البينات الموجبة للعلم (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ) .. جاء في كتب السيرة النبوية والتفاسير والأحاديث للسنة والشيعة ، أن رؤساء الكنيسة في نجران اليمن ناظروا النبي محمدا (ص) في الدين فأفحمهم ولما أصروا على العناد نزلت هذه الآية ، وتسمى آية المباهلة ، وقال البيضاوي السني الأشعري في تفسيرها ما نصه بالحرف الواحد : «غدا النبي محتضنا الحسين ، وآخذا بيد الحسن ، وتمشي فاطمة خلفه ، وعلي خلقها ، والنبي يقول : (أي لعلي وفاطمة والحسن والحسين) إذا دعوت فأمنوا أي قولوا آمين فقال أسقف النصارى : يا معشر النصارى إني لأرى وجوها لو سألوا الله تعالى أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله ، فلا تباهلوا فتهلكوا ، فأذعنوا لرسول الله (ص) وبذلوا له الجزية ، فقال الرسول (ص) : والذي نفسي بيده لو تباهلوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي نارا».

٧٢

٦٢ ـ (إِنَّ هذا) الذي أخبرناك به يا محمد عن عيسى ومريم وغيرهما (لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُ) والحديث الصدق (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ) أبدا ، واحد أحد لا أب لا ابن لا صاحبة لا شريك.

٦٣ ـ (فَإِنْ تَوَلَّوْا) وأبوا إلّا الشرك (فَإِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ) ولا شيء أفسد من الفساد إلّا الشرك.

٦٤ ـ (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ) اليهود والنصارى (تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) أي نحن وأنتم متفقون عليها ولا نشك فيها إطلاقا ، لأنها نزلت في القرآن والتوراة والإنجيل ، وهي (أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ) فهل من يهودي أو نصراني يعترض على عبادة الله؟ وإذن لما ذا الصوامع والبيع؟ (وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً) وهل يرضى يهودي أو نصراني أن يقال له يا مشرك؟ (وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) وأيضا أي عاقل على وجه الأرض يؤله ويربّب إنسانا مثله؟ (فَإِنْ تَوَلَّوْا) وأبوا إلا الشرك والعناد (فَقُولُوا) أيها اليهود والنصارى (اشْهَدُوا) هذا تكرار وتوكيد لقولوا تماما مثل قول من قال لآخر : اشهد اعترف (بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) موحدون من دونكم أنتم أيها اليهود والنصارى ٦٥ ـ (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ) قال اليهود : كان إبراهيم يهوديا. وقال النصارى : بل كان نصرانيا ، فكذبهم سبحانه بمنطق العقل والبديهة حيث قال : (وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) نزلت التوراة على موسى بعد إبراهيم بألف سنة ، ونزل الإنجيل على عيسى بعد إبراهيم بألفي سنة ، فكيف يكون إبراهيم توراتيا أو إنجيليا؟ فأين الفهم والعقل؟

٦٦ ـ (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) أي جادلتم في المسيحية واليهودية كما هي في علمكم واعتقادكم (فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ) وهو دين إبراهيم ، ما لكم ولإبراهيم وما كان عليه؟ تكلّموا عن أنفسكم وما تدينون ، واتركوا الحديث عن غيركم لأهل العلم والمعرفة.

٦٧ ـ (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا) لأنه سبق ملّة اليهود والنصارى بأمد طويل (وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً) بعيدا عن كل عقيدة زائفة محرفة (مُسْلِماً) منقادا لله (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) فمن ادعى أنه على ملّته فليقل : لا إله إلّا الله على المنابر والمآذن ، ان كان من الصادقين.

٦٨ ـ (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ) أحقهم بالانتساب إلى دينه (لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) واستجابوا لدعوته في زمانه وبعده

٧٣

(وَهذَا النَّبِيُ) محمد (ص) (وَالَّذِينَ آمَنُوا) برسالته ، وفي نهج البلاغة : إن أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاءوا به (وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) الذين يلجئون إليه في كشف الضر وطلب النفع.

٦٩ ـ (وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ) يردونكم عن دينكم إلى دينهم كما يفعل المبشرون في هذا العصر (وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) يحملون أثقالا مع أثقالهم ، لأن من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها (وَما يَشْعُرُونَ) أنهم لا يضلون إلّا أنفسهم.

٧٠ ـ (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) وهي الدلائل على نبوة محمد (ص) وصدق القرآن (وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) وتعلمون بأن محمدا نبي ، ولكن تكتمون.

٧١ ـ (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ) تجعلون الحق باطلا ، والباطل حقا (وَتَكْتُمُونَ الْحَقَ) بغيا (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) بأنكم كاذبون ومضللون.

٧٢ ـ (وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا) أي على المسلمين (وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) تشير الآية بظاهرها إلى خدعة تواطأ عليها جماعة من رؤساء أهل الكتاب ، أن يظهروا الإسلام أول النهار ، ويرتدوا عنه في آخره ، عسى أن يقع بعض ضعاف العقول من المسلمين في الشك والبلبلة.

٧٣ ـ ٧٤ ـ (وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) قال بعض أهل الكتاب لبعضهم : لا تفشوا أسراركم إلّا لأمثالكم ، ولا تركنوا لأحد إلا إذا كان على دينكم ، وهذا شأن الباطنية ، أما المسلمون السنة منهم والشيعة الإمامية فيعلنون الإسلام في الكتب والصحف ومن على المنابر والمآذن وشتى وسائل الإعلام (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) المراد بهدى الله الإيمان الصحيح الراسخ ، ومن هداه الله إلى هذا الإيمان فلن يرتد عنه حتى ولو قطّع بالمناشير ، بل لا يزيده ذلك إلّا إيمانا وتسليما. (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ) هذه الجملة تتصل بقول بعض أهل الكتاب لبعضهم : ولا تؤمنوا إلّا لمن تبع دينكم ، وجملة أن الهدى هدى الله معترضة ، ويكون المعنى ولا تؤمنوا إلّا لمن تبع دينكم ، ولا تقروا بأن أحدا غيركم يمكن أن يؤتى مثل ما أوتيتم من الكتب المنزلة ، وإن أقررتم بأنه يمكن أن ينزل الكتاب من الله على غير اليهود والنصارى احتج عليكم المسلمون في الدنيا (أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ) في الآخرة أو فيهما معا ، ومعلوم أن «أو» تأتي للإباحة كجالس الحسن أو ابن سيرين (قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) فيختار لنبوته ورسالته من هو جدير بها وكفء لها سواء أكان إسرائيليا أم عربيا.

٧٥ ـ (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ ...) أهل الكتاب على قسمين : وفيّ لا يستهين بأمانة ، وينزه نفسه عن

٧٤

الخيانة ، وخائن لا يترك حراما ، ولا يؤدي واجبا ولا دينا (إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً) مطالبا ترافعا وتقاضيا ، وأيضا مقاتلا. وتسأل : كل الناس قسمان : خائن وأمين وصادق وكاذب ، ورب ملحد أو كتابي أوفى ذمة من مسلم صائم وراكع ساجد؟ وأجاب سبحانه عن هذا السؤال بقوله : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) أي أن أهل الكتاب الذين لا يؤدون الأمانة يزعمون ـ من دون الناس ـ أن الله أحل لهم أموال الأميين وهم الذين ليسوا على دينهم (وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أنهم يكذبون ويفترون.

٧٦ ـ (بَلى) هم مسؤولون ومعاقبون على الاستهانة بالأمانة وغيرها من الحقوق سواء أكانت لأمي أم لكتابي (مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ) مع كل الناس (وَاتَّقى) المعاصي (فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) ويكره الخائنين.

٧٧ ـ (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ) يشترون : يستبدلون ، وعهد الله ، كل ما أمر الله به ، وفي الحديث : لا دين لمن لا عهد له (وَأَيْمانِهِمْ) اليمين لغة : القسم ، وشرعا : القسم بالله وأسمائه الحسنى (ثَمَناً قَلِيلاً) متاع الحياة الدنيا من جاه أو مال (أُولئِكَ لا خَلاقَ) لا نصيب (لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي يهملهم ويعرض عنهم (وَلا يُزَكِّيهِمْ) كناية عن غضبه وسخطه الذي صرح به تعالى بقوله : (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ٧٨ ـ (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ) ينطقون به محرفا (لِتَحْسَبُوهُ) الهاء تعود على المحرف المفهوم من «يلون» (مِنَ الْكِتابِ) المنزل على موسى (ع) (وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ) التوراة (وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) والتكرار لتوكيد الكذب والافتراء.

٧٩ ـ (ما كانَ لِبَشَرٍ ...) محال في حق النبي أن يدعو الناس لعبادته من دون الله ، كيف وقد اختاره سبحانه على علم بأنه الصادق الأمين؟ وهذا رد على من يعبد السيد المسيح (ع).

____________________________________

الإعراب : يجوز أن تقول : أمنتك بهذا بمعنى وثقت بك فيه ، وان تقول : أمنتك عليه بمعنى جعلتك أمينا عليه ، ويجوز أن تقول : (مررت به) ، أي ملاصقا ومررت عليه ، أي على المكان القريب منه ، وبلى تستعمل كثيرا جوابا عن نفي سابق لتثبته ، وقد تستعمل في ابتداء الكلام ، كما لو قال قائل : أنا من المخلصين ، فتقول له : بلى من جاهد في سبيل الله فهو مخلص ، والمراد بها هنا المعنى الأول.

٧٥

(وَلكِنْ) يقول للناس : (كُونُوا رَبَّانِيِّينَ) عالمين وعاملين بأمر الله (بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) إن أهل الله حقا هم الذين يتعلمون ويعلمون ويعملون بما علموا.

٨٠ ـ (وَلا يَأْمُرَكُمْ) النبي (أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً) لأنه نبي التوحيد وعدو الشرك (أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) النبي يخرج الناس من الكفر إلى الإيمان ، فهل من المعقول أن يردهم بعد هذا الإسلام والإيمان إلى الكفر؟.

٨١ ـ (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ ...) أي أخذ الله الميثاق على النبيين أن يبشروا أقوامهم بمحمد (ص) وفي الآية ٦ من سورة الصف أن عيسى قال من جملة ما قال : (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) وأوضح تفسير لهذه الآية ما روي عن الإمام علي (ع) : ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه العهد في محمد (ص) وأمره أن يأخذ العهد على قومه فيه بأن يؤمنوا به ، ويناصروه إذا أدركوا زمانه.

(قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا) أي قال الله للنبيين : أقررتم بمحمد وأخذتم على ذلك (إِصْرِي) أي عهدي على أممكم؟ (قالُوا) الأنبياء : (أَقْرَرْنا) بما أمرتنا (قالَ) الله : (فَاشْهَدُوا) على أممكم (وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) الله وملائكته وأنبياؤه يشهدون على أخذ هذا العهد والميثاق على رؤساء الأديان ، ومع ذلك خالف وحرف أحبار اليهود والنصارى.

٨٢ ـ (فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) المتمردون من الكفار.

٨٣ ـ (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً) وهم العلماء (وَكَرْهاً) أي من حيث لا يشعرون وهم المقلدون للأجداد والآباء ، وما من شك أن هؤلاء هم الكثرة الكاثرة ، وكلا وعد الله الحسنى ، وفضل العلماء أجرا عظيما.

٨٤ ـ (قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ) تقدمت بالحرف الواحد في الآية ١٣٦ من سورة البقرة ، إضافة إلى وضوحها.

____________________________________

الإعراب : (لَما آتَيْتُكُمْ) يجوز كسر اللام على أنها حرف جر ، وما مصدرية ، والمعنى أخذ الله ميثاقهم لأجل ايتائه إياهم الكتاب والحكمة ، ويجوز أن تكون اللام مفتوحة على انها للابتداء ، ويعبر عنها بلام التوطئة أيضا ، وما شرط في محل نصب على انها مفعول لآتيتكم ، ثم جاءكم معطوف على آتيتكم.

٧٦

٨٥ ـ (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) لسبب واحد بسيط وهو أن الله واحد ، والإسلام دين التوحيد ، وشعاره لا إله إلّا الله ، ومحمد (ص) جاهد في سبيله ، وضحى بالكثير من أجله ، فمن تبرأ منه فقد انسلخ عن دين الله (وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) لأنه ذهب إلى ربه من غير دين.

٨٦ ـ (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) المراد بالقوم أحبار اليهود والنصارى ، وبالرسول محمد (ص) ، وقد آمنوا وشهدوا وبشروا به كما هو في التوراة والإنجيل قبل أن يبعث ، ولما بعث أنكروه وحاربوه.

٨٧ ـ (أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ) بعذابه (وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) ولعنة هؤلاء معناها الدعاء على الكافرين أن يزيدهم عذابا على عذاب.

٨٨ ـ (خالِدِينَ فِيها) في جهنم (لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) أي لا ينظر الله إليهم غدا نظرة الرضوان والمغفرة.

٨٩ ـ (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) ندموا (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا) النوايا والأعمال.

٩٠ ـ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ) اليهود كفروا بعيسى بعد إيمانهم بموسى (ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً) بمحمد (لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) إذا أعلنوها نفاقا وتضليلا كما يومئ إلى ذلك قوله تعالى : (وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ) أما إذا تابوا توبة خالصة مخلصة فإنها تقبل لا محالة ، لأن الإسلام يجب ما قبله ، ومن تاب من الذنب كمن لا ذنب له.

٩١ ـ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ) أي لا فدية يوم القيامة بشيء من الأشياء ، وقوله تعالى : (وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ) دليل آخر على أن المراد من (لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) إن تك زائفة.

____________________________________

الإعراب : (كَيْفَ) أصلها الاستفهام عن الأحوال ، والمراد بها هنا الإنكار ، ومحلها النصب بيهدي على انها مفعول مطلق ، أي أية هداية يهدي الله وشهدوا ان الرسول حق عطف على بعد إيمانهم ، حيث يجوز عطف الفعل على الاسم إذا كان الاسم بمعنى الفعل ، وبعد ايمانهم هنا بمعنى بعد أن آمنوا. (كُفْراً) تمييز ، ومثله ذهبا.

٧٧

٩٢ ـ (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ) ثواب الله أو لن ترافقوا غدا الأبرار الأطهار (حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) من أنفسكم وجاهكم وأموالكم في نصرة الحق وإغاثة الملهوف وخدمة الإنسان ، كل إنسان (وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) وكريم لا يبالي كم أعطى ، وإذا طلب من غيره لا يرضى.

٩٣ ـ (كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ) وهو يعقوب بن إسحاق ، ولهذه الآية قصة تتلخص بأن اليهود كانوا يعتقدون جهلا بأن لحوم الإبل وألبانها كانت محرمة في دين إبراهيم ومن جاء بعده من أنبياء بني إسرائيل ، ولما رأوا محمدا (ص) يحللها أذاعوا وأشاعوا بأن محمدا يحلل ما حرمته الأنبياء ، فرد الله عليهم بقوله : (كُلُّ الطَّعامِ) ومنه لحوم الإبل وألبانها كان حلا لبني إسرائيل (إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ) كان يعقوب قد امتنع عن بعض الأطعمة من تلقاء نفسه لا بتحريم من الله ، بل لسبب يعود إليه خاصة حيث لا زبور ولا توراة في عهده.

(قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) هذا تحدّ صارخ لليهود الذين زعموا أن لحم الإبل محرم بنص التوراة ، فبهت اليهود وتواروا خاسئين.

٩٤ ـ (فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أي بعد ظهور الحجة (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) بمعاندة الحق والإصرار على الباطل.

٩٥ ـ (قُلْ صَدَقَ اللهُ) في أن كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل (فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) في استباحة لحوم الإبل وألبانها (حَنِيفاً) مستقيما على دين الحق. ويأتي في سورة النساء والأنعام أن الله سبحانه حرم على بني إسرائيل بعض الأطعمة بعد التوراة تحريما طارئا لا أصيلا وبالعنوان الثاني دون الأول.

٩٦ ـ (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ) لتعبدهم وطاعتهم (لَلَّذِي بِبَكَّةَ) أي البيت الذي ببكة ، لغة في مكة (مُبارَكاً) كثير الخير والبركة (وَهُدىً لِلْعالَمِينَ) يذكّر بالله واليوم الآخر.

٩٧ ـ (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ) على أن إبراهيم الخليل هو الذي بناه ، ومن هذه الآيات البينات (مَقامُ إِبْراهِيمَ) فهو موجود حتى الآن ، والناس يتناقلون ذلك بالتواتر أبا عن جد تماما كما يتناقلون بأن بيت المقدس بناه سليمان بن داود (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) لا ريب أن من حج إليه مخلصا لله وحده تائبا من خطيئته فهو في أمن وأمان من عذاب الله يوم القيامة (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) فيه أنواع من التوكيد والتشديد على أن الحج حق واجب في رقاب الناس لا يخرجون عن عهدته إلّا بالوفاء والأداء (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) من ترك الحج حق جاحدا بوجوبه فهو كافر ، ومن تركه متهاونا فهو فاسق ، وفي كلا الحالين فهو شبيه بمن كفر من حيث الاستغناء عن بيت الله الحرام.

٧٨

٩٨ ـ (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) البينات على صدق محمد (ص) في رسالته؟ (وَاللهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ) من ضلال وصد عن الإسلام ونبيه.

٩٩ ـ (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) عن الإسلام (مَنْ آمَنَ) كانوا يغرون المسلم بالارتداد عن دينه (تَبْغُونَها عِوَجاً) بتهييج الشر والفتنة بين المسلمين (وَأَنْتُمْ شُهَداءُ) بأن ما تصدون عنه هو سبيل الله والحق ظاهرا وباطنا.

١٠٠ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً ...) بعد أن هدد سبحانه أهل الكتاب على معاندة الحق والصد عن سبيله ـ حذر المسلمين من الإصغاء إليهم والثقة بهم حيث لا هم لهم ولا هدف إلّا إضلال المؤمنين وردهم عن دين الحق إلى شر دين.

١٠١ ـ (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ) أي لا ينبغي أن تكفروا (وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ) القرآن (وَفِيكُمْ رَسُولُهُ) محمد يبشر وينذر (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ) يتمسك بدينه تعالى (فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) إلى الإسلام والقرآن الذي يهدي إلى التي هي أقوم.

١٠٢ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) قال الإمام الصادق (ع) في تفسير هذه الآية : أن يطاع الله فلا يعصى ، ويذكر فلا ينسى ، ويشكر فلا يكفر.

١٠٣ ـ (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) لا أدري : هل تشمل هذه الآية المسلمين بالاسم والهيئة أو تختص بالأولين؟ وفي نهج البلاغة سيأتي عليكم زمان يكفأ فيه الإسلام كما يكفأ الإناء بما فيه (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً) كانوا في الكفر مشتتين فأصبحوا بنعمة الإسلام إخوانا ، واليوم العكس هو الصحيح (وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ) على حرفها وحافتها (فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها) بالإسلام ، ونحن الآن في أعماق هذه الحفرة ، ومع ذلك ندعي الإسلام! كيف والإسلام نجاة من التهلكة؟

____________________________________

الإعراب : جملة (وَاللهُ شَهِيدٌ) حال من الضمير في تكفرون ، وهاء في (تَبْغُونَها) تعود إلى السبيل ، (عِوَجاً) حال من الواو في تبغونها ، أي حالة كونكم ضالين. (جَمِيعاً) حال من الضمير في اعتصموا ، أي كونوا مجتمعين في الاعتصام ، ولا تفرقوا أصلها لا تتفرقوا ، فحذفت احدى التاءين للتخفيف

٧٩

١٠٤ ـ (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ) لتكن أمر يدل على الوجوب ، ومن في (مِنْكُمْ) للتبعيض إشارة إلى أن هذا الأمر من فروض الكفايات ، والخير. عام لما يجب فعله وما يجوز تركه.

(وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) والمراد بالمعروف هنا ما يجب فعله بقرينة وجوب الأمر به ، والمراد بالمنكر ما يجب تركه بقرينة وجوب النهي عنه ، وتجدر الإشارة إلى أن وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضرورة دينية عند المسلمين يستدل بها ، ولا يستدل عليها (وَأُولئِكَ) الذين يأمرون بالمعروف (هُمُ الْمُفْلِحُونَ) المنتصرون دنيا وآخرة.

١٠٥ ـ (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا) وهم اليهود والنصارى (مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) الموجبة للاتفاق والائتلاف ، وقبيح بنا نحن المسلمين أن نتمرد على هذه الآية ، ثم نعلنها على الملأ في مكبرات الصوت! أليست هذه فضيحة؟

١٠٦ ـ (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ) الذين تعاونوا على البر والتقوى (وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) الذين تعاونوا على الإثم والعدوان (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ) وهم الذين فرقهم خبث السرائر وسوء الضمائر ، يقال لهم غدا : (أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) بالله ورسوله واليوم الآخر (فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) وإطلاق الكفر هنا يشمل كفر الجحود وكفر المعصية مع الإيمان بالتكليف.

١٠٧ ـ (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ) وهم الذين يتواصون بالحق وبه يعملون (فَفِي رَحْمَتِ اللهِ) ونعمته (هُمْ فِيها خالِدُونَ).

١٠٨ ـ ١٠٩ ـ (تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ) يا محمد (بِالْحَقِ) الذي لا ينكره إلا مكابر ومعاند ١١٠ ـ (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) طال الكلام حول هذه الآية حتى تجاوزت غايته ونهايته ، والذي نراه أن الله سبحانه أعطى الأفضلية لأمة محمد (ص) بشروط ثلاثة الأول أن يحرصوا على عقيدة التوحيد. الثاني أن يعملوا بموجب هذه العقيدة من إطاعة الله سبحانه في حلاله وحرامه ، وأشار سبحانه إلى هذين الشرطين بقوله : (وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) الثالث أن يواصلوا نشر الدعوة إلى دين الله وشريعته بالحكمة وبكل وسيلة من وسائل الإعلام في شرق الأرض وغربها ، ومتى توافرت هذه العناصر الثلاثة في المسلمين كانت لهم القيادة والسيادة على سائر الأمم ، وإن اختل واحد منها فلا خير فيهم ولا فضل وفضيلة.

٨٠