آية الله ناصر مكارم الشيرازي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: سليمانزاده
الطبعة: ١
ISBN: 964-533-003-3
ISBN الدورة:
الصفحات: ٣٥٢
الاهداء :
إلى الذين أحبّوا القرآن
إلى الذين يريدون أن ينهلوا المزيد من معين
الحياة الصافي
إلى الذين يتوقون إلى معرفة القرآن وفهمه
أكثر فأكثر.
بمساعدة العلماء الأفاضل وحجج الإسلام السادة :
محمّد رضا الآشتياني
محمّد جعفر الإمامي
عبدالرسول الحسني
محمّد الأسدي
حسين الطوسي
سيّد شمس الدين الروحاني
محمّد محمّدي الاشتهاردي
الولاية والإمامة
١ ـ الولاية والإمامة العامة في القرآن الكريم
٢ ـ الولاية والإمامة العامة في السنة النبوية الشريفة
الولاية والإمامة
تمهيد :
إنّ «الولاية» و «القيادة» بشكل عام ، «والإمامة» بشكل خاص ـ والتي تعني ـ خلافة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، هي من أهم الابحاث العقائدية والتفسيرية والروائية في تأريخ الإسلام ، ولم يجر الحديث بشأن ايّ قضية بالقدر الذي جرى بشأن الأمامة على مدى التاريخ الإسلامي.
ومن المؤسف حقاً خروج هذه المسألة عن نطاق الكلام والبحث والاستدلال ودخولها ميادين الصراع والحروب الدموية ، وكما يقول بعض المتكلمين :
«ما سلّ في الإسلام سيف كما سلّ في الإمامة».
ومن هنا فقد تكامل هذا الجانب من العقائد الإسلامية أكثر من غيره ، والِّفت حوله المزيد من الكتب ، وجرى تحقيق كافة جوانبه بالنسبة للذين يريدون دراسته بدقة وتفحص ، وإن كان البعض من هذه البحوث غير منطقي ويدعو إلى التفرقة والتعصب.
أمّا واجبنا نحن في مثل هذه المسألة المهمّة والحساسة والواسعة فيتلخص في مايلي :
١ ـ عزل البحوث المنطقية والاصولية عن غير المنطقية ، والبحوث الاستدلالية والمحققة عن البحوث المليئة بالتعصب ، والاستناد إلى الكتاب والسنة ، والبرهان والعقل ، ومن ثم تنظيمها.
٢ ـ مطابقة المسائل المتعلقة «بالإمامة» مع «الولاية والقيادة» والتي هي من تفرعات الولاية الإلهيّة للمعصومين عليهمالسلام.
٣ ـ بالنظراً إلى أنَّ هدفنا الحقيقي في هذا البحث التفسيري هو ايضاح هذه المسألة من وجهة النظر القرآنية ، فيتحتم علينا التمعن والتفسير الدقيق لللآيات المتعلقة بالإمامة.
وكما يقول بعض الباحثين : «إن قضية الإمامة لا تخص ماضينا ، فحسب فهي قضية العالم الإسلامي المعاصر وقضية الامّة ، فهي عامل بقاء واستمرار النبوة وقضية الإسلام المصيرية» (١).
وبالطبع ، فإننا نتناول بالبحث أولاً مسألة القيادة في عالم الوجود ككُل ، ثم في عالم البشرية ، ومن ثم نتطرق إلى قيادة الأئمّة المعصومين عليهمالسلام ، وفي خاتمة المطاف نتعرض إلى مسألة حكومة وقيادة نوّابهم ، ولكن يبدو من الضروري ذكر بعض الامور :
* * *
١ ـ ماهي الإمامة؟
فيمايتعلق بتعريف الإمامة هنالك اختلاف كثير في وجهات النظر ، ولابدّ من وجود هذا الاختلاف ، فالامامة في نظر طائفة «الشيعة واتباع مذهب أهل البيت عليهمالسلام» من اصول الدين والاسس العقائدية ، بينما تعتبر في نظر طائفة اخرى «أهل السّنة» من فروع الدين والأحكام العملية.
فمن البديهي أن لا تتشابه نظرة الطائفتين إلى مسألة الإمامة ، وأن لا يكون لهما تعريف واحد لها.
من هنا نرى أحد علماء السنة يعرِّف الإمامة هكذا : «الإمامة رئاسة عامة في امور الدين والدنيا ، خلافة عن النبي صلىاللهعليهوآله» (٢).
واستناداً إلى هذا التعريف ، فالإمامة مسؤولية ظاهرية في حدود رئاسة الحكومة ، وغاية الأمر أنّ الحكومة تتأطَّر بإطارٍ ديني ، واتخذت طابع خلافة النبي صلىاللهعليهوآله «الخلافة والنيابة في أمر الحكومة» ، وبطبيعة الحال يمكن انتخاب مثل هذا الإمام من قبل الناس.
واعتبر البعض أنّ الإمامة تعني : «خلافة شخص للنبي صلىاللهعليهوآله في إقامة الأحكام الشرعية
__________________
(١) الإمامة والقيادة ، تأليف آية الله الشهيد المطهري ، ص ١٣.
(٢) شرح التجريد للقوشجي ، ص ٤٧٢
وحراسة الدين بنحوٍ تكون اطاعته واجبة على جميع الامّة» (١).
وهذا التعريف لا يختلف عن التعريف الأول نوعاً ما ، لأنّه يحتوى على نفس المفهوم والمضمون.
كما أنّ ابن خلدون قد سار على نفس هذا المعنى في مقدمة تاريخه المعروف (٢).
ويقول المرحوم الشيخ المفيد في «أوائل المقالات» في بحث العصمة مايلي : «إنّ الأئمّة القائمين مقام الأنبياء في تنفيذ الأحكام ، وإقامة الحدود ، وحفظ الشرائع ، وتأديب الأنام معصومون كعصمة الأنبياء» (٣).
فطبقاً لهذا التعريف الذي يجاري مايعتقد به اتباع أهل البيت عليهمالسلام أنّ الإمامة أعلى مرتبة وأشمل من الزعامة والحكومة على الناس ، بل إنّ جميع مسؤوليّة الأنبياء «سوى استلام الوحي وما شابهه» ثابتٌ للائمة ، من هنا فشرط العصمة المتوفر في الأنبياء متوفر في الأئمّة أيضاً.
لهذا فقد جرى تعريف الإمامة في نظر الشيعة كما ورد في كتاب شرح احقاق الحق كما يلي : «هي منصبٌّ إلهي حائز لجميع الشؤون الكريمة والفضائل إلّاالنبوة وما يلازم تلك المرتبة السامية» (٤).
وبناءً على هذا التعريف ، فالإمام ينصب من قبل الله تعالى عن طريق النبي صلىاللهعليهوآله ، ويمتلك نفس الفضائل والخصائص التي يمتلكها النبي صلىاللهعليهوآله «عدا النبوة» ، ولا ينحصر عمله في الحكومة الدينية فقط.
لهذا يعتبر الإيمان بالإمامة جزءً من اصول الدين لا من فروع الدين.
* * *
__________________
(١) الشرح القديم للتجريد لشمس الدين الاصفهاني نقلاً عن توضيح المراد ، تعليقة على شرح تجريد الاعتقاد للسيد هاشم الحسيني الطهراني ، ص ٦٧٢.
(٢) مقدمة ابن خلدون ، ص ١٩١.
(٣) أوائل المقالات ، ص ٧٤.
(٤) احقاق الحق ، ج ٢ ، ص ٣٠٠ (الهامش الأول).
٢ ـ هل الإمامة من الاصول أم من الفروع؟
يتبيّن جواب هذا السؤال ممّا قيل في البحث السابق ، لأنّ الآراء مختلفة في مسألة الإمامة ، يقول «الفضل بن روزبهان» صاحب «نهج الحق» الذي يعتبر «احقاق الحق» رداً عليه ، مايلي : «إنّ مبحث الإمامة عند الأشاعرة ليس من اصول الديانات والعقائد بل هي عند الأشاعرة من الفروع المتعلقة بأفعال المكلّفين» (١).
كما أنّ سائر مذاهب أهل السنّة لا يختلفون مع الأشاعرة في ذلك ، لأنّهم يعتبرونها من التكاليف العملية الموكولة إلى الناس ، في حين أنّ الشيعة واتباع أهل البيت عليهمالسلام ونفر قليل من أهل السنة كالقاضي البيضاوي وبعض من اتباعه يعتبرونها من اصول الدين (٢).
والدليل هو أنّهم يعدون الإمامة منصباً إلهياً يجب أن يعين من قبل الله تعالى ، وأحد شروطهاالعصمة التي لا يعلمها إلّاالله ، والإيمان بالائمة واجب كالايمان بالنبي صلىاللهعليهوآله الباني الأول لقواعد الشريعة ، إلّاأنّ هذا لا يعني أنّ الشيعة يعتبرون المخالفين لهم في قضية الإمامة كافرين ، بل إنّهم يعتبرون جميع الفرق مسلمين ، وينظرون إليهم على أنّهم اخوةٌ في الدين ، وإن لم يقبلوا آراءَهم في مسألة الإمامة ، ومردُّ ذلك لكونهم يقسمون اصول الدين الخمسة إلى قسمين ، الاصول الثلاثة الاولى ، التوحيد والنبوة والمعاد على أنّها اصول الدين ، والإمامة والعدل بأنّها اصول المذهب.
نختتم هذا الكلام بحديث عن الإمام علي بن موسى الرضا عليهالسلام ـ الذي يعتبر ملهماً لاتباع أهل البيت عليهمالسلام ـ في مسألة الإمامة : «إنّ الإمامة زمام الدين ونظام المسلمين وصلاح الدنيا وعزّ المؤمنين ، إنّ الإمامة اسُّ الإسلام النامي وفرعه السامي بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وتوفير الفيء والصدقات وامضاء الحدود والأحكام ، ومنع الثغور والاطراف ، الإمام يحلُّ حلال الله ، ويحرّم حرام الله ، ويقيم حدود الله ويذبُ عن دين الله ، ويدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة البالغة» (٣).
__________________
(١) احقاق الحق ، ج ٢ ، ص ٢٩٤ ؛ دلائل الصدق ، ج ٢ ، ص ٤.
(٢) دلائل الصدق ، ج ٢ ، ص ٨
(٣) اصول الكافي ، ج ١ ، ص ٢٠٠.
٣ ـ متى بدأ البحث في الإمامة؟
بعد رحيل النبي صلىاللهعليهوآله جرى جدلٌ حول من يخلف النبي ، فطائفة كانوا يعتقدون بأنّ النبي صلىاللهعليهوآله لم ينصب احداً لخلافته ، واوكل هذا الأمر إلى الأمة ، بأنْ يجلسوا ويختاروا قائداً من بينهم ، القائد الذي يمسك بزمام الحكم ، ويحكم الناس باعتباره موكلاً من قبلهم ، وإن لم يجر هذا الاختيار أبداً ، بل إنّ مجموعة صغيرة من الصحابة قامت باختيار الخليفة في مرحلة ، وفي المرحلة الاخرى اتخذ انتخاب الخليفة طابعاً تعينياً ، وفي المرحلة الثالثة أُوكِلَ هذا الاختيار إلى مجلس من ستة أشخاص كلهم معينون.
ويطلق على اتباع هذا المنحى «أهل السّنة».
وفريق آخر كانوا يعتقدون بوجوب تعيين الإمام وخليفة النبي صلىاللهعليهوآله من قبل الله تعالى ، لأنّه يجب أن يكون مثل النبي صلىاللهعليهوآله معصوماً من الزلل والخطأ ، وذا علم خارق للعادة لكي يتحمل قيادة الأمة معنوياً ومادياً ، ويحفظ أساس الإسلام ، ويبيّن مشاكل الأحكام ، ويشرح دقائق القرآن ، ويعمل على استمرار الإسلام.
ويطلق على هذه الطائفة «الإمامية» أو «الشيعة» ، وقد أخذت هذه الكلمة من الأحاديث المعروفة والصادرة عن النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله.
فقد روي في تفسير الدر المنثور وهو من المصادر المعروفة لدى أهل السنّة عن جابر بن عبد الله الأنصاري تعقيباً على الآية الكريمة : (اولئكَ هُم خَيرُ البَرِيّةِ) ، أنّه قال : كنّا عند النبي فأقبل علي عليهالسلام فقال النبي صلىاللهعليهوآله : «والذي نفسي بيده أنّ هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة» ، ونزلت : (انَّ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ اولئكَ هُمْ خَيْرُ البَريَّةِ). (البينة / ٧)
فكان أصحاب النبي صلىاللهعليهوآله إذا أقبل علي ، قالوا جاء خير البرية (١).
ويروي الحاكم النيسابوري وهو من علماء أهل السنة المعروفين في القرن الخامس الهجري هذا المعنى في كتابه المعروف شواهد التنزيل بطرق مختلفة عن النبي صلىاللهعليهوآله ، وقد تجاوز عدد رواياته العشرين.
__________________
(١) تفسير در المنثور ، ج ٦ ، ص ٣٧٩ ، ذيل الآية ٧ ، من سورة البينة.
منها مانقله عن ابن عباس ، لما نزلت آية : (انَّ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ اولئكَ هُمْ خَيْرُ البَريَّةِ) ، قال النبي صلىاللهعليهوآله لعلي عليهالسلام : «هم أنت وشيعتك» (١).
وجاء في رواية اخرى عن أبي بريدة : لما تلا النبي صلىاللهعليهوآله هذه الآية ، قال لعلي عليهالسلام : «هم أنت وشيعتك ياعلي» (٢).
كما ذكر هذا الحديث الكثير من علماء الإسلام لاسيما من أهل السنّة مثل ابن حجر في صواعقه ومحمد الشبلنجي في نور الأبصار (٣).
بناءً على شهادة هذه الروايات ، فإنّ النبي صلىاللهعليهوآله هو الذي إختار لأتباع علي عليهالسلام ومحبيه هذه التسمية «الشيعة» ، فهل يبقى مجال للعجب في انزعاج البعض من هذا الاسم ويعتبرونه شؤماً ونحساً ، ويعدون حرف (الشين) الذي في مطلعه سبباً «للشر» و «الشؤم» وسائر الألفاظ التي تبتدئ بحرف الشين؟! على الرغم من أنّ حرف (السين) في مطلع اسم المذهب الآخر ، تبترئ به كلمات من قبيل (السُمّ) و (السَرطان) و (السِلّ) و (السَفاحة) وغير ذلك.
إنّ هذه التعابير تعتبر بحق مثيرة للدهشة بالنسبة للباحث الذي يرغب في أن يسير في ظل البراهين المنطقية دائماً. والحال يمكن اختيار كلمات حسنة أو سيئة لكل حروف الهجاء بدون استثناء.
على أيّة حال فتاريخ ظهور الشيعة ليس بعد ارتحال النبي صلىاللهعليهوآله بل في حياته صلىاللهعليهوآله ، حين اطلق هذه الكلمة على محبي واتباع علي عليهالسلام ، وكلُّ الذين يعتقدون بالنبي صلىاللهعليهوآله أنّه رسول الله ، يعرفون أنّه لا يتكلم عن الهوى ، (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوى * إنْ هُوَ إِلَّا وَحيٌ يُوحى). (النجم / ٣ ـ ٤)
وإذا ما قال لعلي عليهالسلام : أنت وشيعتك المفلحون يوم القيامة فهذه حقيقة.
* * *
__________________
(١) شواهد التنزيل ، ج ٢ ، ص ٣٥٧.
(٢) المصدر السابق ، ص ٣٥٩.
(٣) الصواعق ، ص ٩٦ ؛ ونور الابصار ص ٧٠ و ١٠١ ، ومن أجل المزيد من الاطلاع على رواة هذا الخبر والكتب التي ذُكر فيها راجعوا من احقاق الحق ، ج ٣ ، ص ٢٨٧ وما بعدها والجزء ١٤ ، ص ٢٥٨.
اصطلاح «الإمام» في اللغة والقرآن :
كلمة إمام كما قال أرباب اللغة ، هي اسم مصدر على وزن «كتاب» وتطلق على كل ما يتجه إليه الإنسان ويقصده ، ويختلف معنى هذه الكلمة باختلاف الموارد والجهات التي يستفاد منها لدى استعمالها فيها.
فتارة يقال : إمام الجمعة ، وإمام الجماعة ، وإمام الهدى ، واخرى يقال : إمام الضلالة (١).
وقد جاءت هذه الكلمة في الأصل من مادة «أمَّ» وتعني القصد ، يقول صاحب مقاييس اللغة : «أمّ» تعني الأصل والمرجع والجماعة والدين ، والإمام تعني منْ يُؤتمُّ به وهو إمام في الأفعال.
كما ذكرت معان كثيرة لكلمة إمام في لسان العرب ، منها الإمام ، المعلم ، والشاقول الذي يستخدم أثناء تشييد المباني لتنظيم العمل ، والسبيل ، والمقدمة ونحو ذلك.
إلّا أنَّ مؤلف التحقيق ، ارتأى أنَّ أصل جميع هذه المعاني هو القصد المقترن بالاهتمام الخاص ، وحتى لو قيل للام «أماً» أو اطلقت كلمة «أم» على أصل وقاعدة كلِّ شيء فهو لأنّها غاية الإنسان ومرامه ، كما تفيد كلمة الإمام معنى المقتدى أي من يقصده الناس ويبدون عنايةً خاصة به.
ولابدّ من التذكير بهذه الملاحظة وهي أنّ هذه الكلمة وجمعها «أئمّة» قد وردت في القرآن الكريم اثنا عشر مرّة تماماً «سبع مرات بصيغة المفرد وخمس مرات بصيغة الجمع».
ففي مورد جاءت بمعنى اللوح المحفوظ : (وَكُلَّ شَىءٍ احْصَيْنَاهُ فِى امَامٍ مُبّيِنٍ). (يس / ١٢)
ولأنه قائد ودليل الملائكة لتمييز أعمال العباد ، وكلهم يستلهمون منه ، واستخدمت أيضاً مرّة واحدة بمعنى السبيل والطريق : (وَانَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ). (الحجر / ٧٩)
لأنّ الإنسان ومن أجل بلوغ هدفه يهتم بالسبل ، وقد اطلق على التوراة بأنّها إمام اليهود مرتين : (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى امَامَاً وَرَحْمَةً). (الاحقاف / ١٢) (هود / ١٧)
واطلقت خمس مرات على الأئمّة الصالحين مثل قوله : (قَالَ انِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ امَامَاً). (البقرة / ١٢٤)
__________________
(١) التحقيق ، مادة (أمّ).
وفي مكان آخر يقول تعالى بشأن فئة من الأنبياء : (وَجَعَلْنَاهُم ائمّةً يَهْدُونَ بِامْرِنَا). (الأنبياء / ٧٣)
كما ورد هذا المفهوم العام والجامع في الآيات (٧٤ من سورة الفرقان ، و ٥ من سورة القصص ، و ٢٤ من سورة السجدة أيضاً).
وذكرت أيضاً بمعنى أئمّة الكفر والضلالة في مورد واحد : (فَقَاتِلُوا ائِمّةَ الكُفْرِ). (التوبة / ١٢)
واطلقت أيضاً في حالة واحدة على مفهوم يشمل أئمّة الهدى والضلال : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ انَاسٍ بِإِمَامِهِم). (الاسراء / ٧١)
على أيّة حال ، فموارد استخدام هذه الكلمة في القرآن اثني عشر مورداً تماماً.
* * *
٤ ـ عظمة منزلة الإمام في القرآن الكريم
إنّ مسألة الإمامة والقيادة كما سنتطرق إليها فيما بعد ليست مسألة دينية وتشريعية فحسب ، بل إنّ عالم الخلق والتكوين يخضع لها ، الله هو إمام عالم الوجود ومكوناته المختلفة ، وهو يهديها ويدبرها جميعاً.
ويعطي القرآن الكريم أهميّة خاصة للإمامة ويعتبرها آخر مرحلة من مسيرة تكامل الإنسان ، لم يصلها إلّااولوا العزم من الأنبياء ، إذ يقول تعالى : (وَاذِ ابتَلَى ابرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَاتَمَّهُنَّ قَالَ انِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ امَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيّتَىِ قَالَ لايَنَالُ عَهدِى الظَّالِمِينَ). (البقرة / ١٢٤)
هنالك جدل كثير بين المفسرين حول هذه الكلمات التي اشير إليها في مطلع الآية ، وكما يقول صاحب روح المعاني : لقد ذكروا حولها ثلاثة عشر قولاً (١).
إلّا أنّ ما يبدو صحيحاً هو أنّ المراد من هذه الكلمات هو «الأوامر والنواهي» التي تلقي
__________________
(١) تفسير روح المعاني ، ج ١ ، ص ٣٣٦.
التكاليف الثقيلة والصعبة على كاهل إبراهيم عليهالسلام ، ليتمحص ـ جيداً ـ في الابتلاء ، وهي عبارة عن التصدي الشجاع لعبدة الأوثان ، وتحطيم الأصنام ، وإلقائه في النار ، والاستقامة والثبات في جميع هذه المراحل.
وكذلك الاستعداد للتضحية بفلذة كبده ، والتوجه به إلى مكان الذبح ووضع السكين على رقبته ، ولم ينشغل بعياله وتركهم في صحراء مكة القاحلة الرمضاء ، غير المسكونة ، وأخيراً الهجرة من بلاد عبدة الأوثان والتخلي عن الحياة من أجل أداء رسالته ، وحقاً أنَّ كلاً منها كان اختباراً قاسياً وصعباً ، إلّاأنّ إبراهيم قد خرج من جميع تلك الاختبارات ظافراً وذلك بفعل قوة الإيمان والثبات والصبر.
وقد أحصى بعض المفسرين الموارد التي ابتلي بها إبراهيم أنّها بلغت ثلاثين ابتلاءً ، ويقولون : إنّ هذه الموارد الثلاثين قد ذُكرت في ثلاثة آيات من القرآن الكريم ، فقد ذُكرت «عشرة منها» في الآية ١٣ من سورة التوبة ، و «عشرة» في الآية ٣٥ من سورة الأحزاب ، وذُكرت «عشرة منها» في الآيات ١ إلى ٩ من سورة «المؤمنون» إذ يصبح مجموعها ثلاثين وصفاً أو ثلاثين مادة امتحانية (١) ولكن نظراً إلى أنّ جانباً مهماً من هذه الصفات قد تكرر ذكره وأنّ عددها لا يصل إلى الثلاثين ، فإنّ هذا الكلام لا يحظى بالقبول نوعاً ما.
على أيّة حال فقد خرج إبراهيم بطل تحطيم الأصنام ، والنبي المخلص والمضحي ظافراً من جميع تلك الابتلاءات القاسية والصعبة فاستحق ارتداء جلباب الإمامة ، وشرفه الله بهذا الخطاب المفعم بالفخر : (انِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ امَامَاً).
ما هو هذا المقام الذي ناله إبراهيم في آخر عمره بعد نيله مقام النبوة والرسالة ، وبعد ذلك الجهاد الطويل؟
من المسلم به أنّه كان أسمى وأرفع منها جميعاً ، فمن اجتاز ذلك الاختبار الصعب يستحق هذه المكرمة الإلهيّة.
__________________
(١) تفسير روح المعاني ، ج ١ ، ص ٣٣٥ (وقد اضاف عليها بعض المفسرين سورة المعارج وقالوا : إنّها جاءت في أربع سورٍ من القرآن).
لقد كان للمفسرين جدالٌ طويل في تفسير معنى الإمامة ، وحيث إنّ بعضهم لم يستطع بلوغ أسرار المعنى السامي لهذه الكلمة ، فقد وقعوا في متاهات عجيبة.
والأعجب من ذلك هو أنّ طائفة من مشاهير المفسرين قد فسّروها بمعنى النبوة ، بينما من المسلم به أنّ إبراهيم عليهالسلام كان نبياً وقتذاك ، وقد فاتت سنوات على نبوته ورسالته ، وأصبح ذا ذرية ، وفي سياق الآية يطلب الإمامة لأبنائه وذريته أيضاً.
يرى الكثير من المفسرين أنّ الكلمات التي ابتلى الله تعالى بها إبراهيم عليهالسلام كانت عبارة عن مجموعة من التعاليم والأوامر التي أمره بها الله تعالى ، كمقارعة عبدة الأوثان وبناء الكعبة وذبح ابنه ، إلّاأنّهم والحالة هذه قد فسّروا الإمامة بالنبوة ، مع العلم أنّ هذه الأوامر وهذه التضحيات كانت بعد بلوغ إبراهيم عليهالسلام مقام النبوة ، وأنّ عبارة : (انِّى جَاعِلُكَ لِلَّناسِ امَامَا) غامضة تماماً في تفسيرهم.
والمعنى الآخر الذي قالوه بصدد الإمامة هو وجوب الطاعة ، ولا يخفى أنّ إطاعة كل نبي واجبة ولا حاجة له إلى نيل مقام آخر (١).
وقد ذكر البعض تفسيراً ثالثاً لها وقالوا : المراد هو الرئاسة في امور الدين والدنيا ، أو بتعبير آخر : زعامة الحكم.
إنّ هذا التفسير وإن كان أفضل من سابقيه إلّاأنّه لم يدخل إلى عمق معنى الإمامة.
وحسب اعتقادنا واستناداً إلى سائر آيات القرآن التي تبحث في مجال الإمامة ، فإنّ المقصود بالإمامة هنا أنّها مقام أسمى وأرفع من هذا كله ، وهو تطبيق الأحكام ، وتنفيذ الحدود الإلهيّة ، وتربية وتهذيب ظاهر وباطن الإنسان.
وللتوضيح أكثر أنّ الهدف من بعثة الأنبياء وارسال الرسل هو هداية المجتمع البشري ، وهذه الهداية تتخذ بعدين ، الأول : الهداية التي تعني «اراءة الطريق» أي ما كلف به أيُّ نبيٍّ من الأنبياء ، والثاني : «الايصال إلى المطلوب» وهو يتفرع إلى فرعين :
__________________
(١) ذكر تفاسير روح البيان ؛ والكشاف والمراغي ؛ والقرطبي ؛ والمنار ؛ سُنن إبراهيم العشرة المعروفة ؛ والأوامر والنواهي الإلهيّة ، ومجموعة هذه التعليمات.
الفرع الأول : الهداية التشريعية ، وتطبيق الأحكام الدينية ، سواء عن طريق إقامة الحكم وتطبيق الحدود والأحكام الإلهيّة والعدالة الاجتماعية ، أو عن طريق تربية وتعليم النفوس بشكل عملي ، وكلاهما يؤدّي إلى تحقيق اهداف الأنبياء ، ويحتاج إلى مخطط مرهق وصعب للغاية ، وإلى مواصفات كثيرة كالعلم والتقوى والشجاعة والإدارة.
الفرع الثاني : الهداية التكوينية والهداية إلى المطلوب من خلال التأثير والنفوذ المعنوي والروحي وتوجيه شعاع الهداية إلى افئدة ذوي الاستعداد من الناس ، وهذا يتطلب من أيّ نبيّ أو إمام أن يكون حسن السيرتين ، الظاهرية والباطنية وهي التي كانت للأنبياء والأئمّة ازاء أتباعهم ، ومن المسلم به أنّ مثل هذا الأمر يتطلب المزيد من المواصفات والمزايا والقابليات.
فمجموع هذين المخططين يحقق أهداف الدين والرسالات الإلهيّة ، ويوصل ذوي الاستعداد من البشر إلى التكامل المادي والمعنوي ، الظاهري والباطني ، وهذا هو المراد من الإمامة في الآية المذكورة ، ولم ينل إبراهيم عليهالسلام هذا المقام من دون أن يؤدّي الامتحان لنيل تلك المؤهلات والصفات.
ويستفاد ممّا تقدم أنّ مقام «الإمامة» يشترك مع مقام «النبوة» في الكثير من الحالات ، وبإمكان نبيّ من اولي العزم كإبراهيم أن يبلغ مقام الإمامة أيضاً ، والأكثر وضوحاً من ذلك هو أنّ اجتماع مقام «النبوة» و «الرسالة» و «الإمامة» في خاتم الأنبياء صلىاللهعليهوآله متحقق فعلاً.
ويمكن أن ينفصل مقام الإمامة عن مقام النبوة والرسالة ، كما في الأئمّة المعصومين عليهمالسلام الذين يعلمون مسؤولية الإمامة فقط ، من دون أن ينزل عليهم الوحي ويكونوا «رسلاً» أو «أنبياء».
على أيّة حال ، فمن خلال مطلع هذه الآية تتضح جيداً عظمة مقام الإمامة ، وأن تعيين الإمام من قبل الله تعالى : (قَالَ انِّىِ جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ امَاماً).
وذيل هذه الآية يوكّد كثيراً على هذا الموضوع ، فهو يقول : إنّ إبراهيم عليهالسلام لما أُعطي هذا المقام قال : (ومن ذرّيتي).
فجاءه الخطاب قائلاً : (لا ينال عهدي الظالمين) ، أي أن النفر من ذرّيتك الذين لم يظلموا ، وكانوا معصومين ومطهرين هم المؤهلون لهذا المنصب فقط.
لا شك في أنّ الظلم في هذه العبارة ليس ظلم الآخرين فحسب ، بل الظلم بالمعنى الشامل الذي يقابل العدالة ، و «العدالة» بمفهومها الواسع تعني وضع الشيء في محله ، والظلم يعني وضعه في المحل الذي لا يناسبه ، لذا ينقل القرآن الكريم عن لسان لقمان حيث يقول لابنه : (يَا بُنَىَّ لَاتُشْرِكْ بِاللهِ انَّ الشِّركَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ). (لقمان / ١٣)
كما يتضح أنّ العدالة هنا تعني العدالة التامة ، أو بتعبير آخر مقام العصمة الذي يتناسب والإمامة بمفهومها الشامل ، وإلّا فالعدالة القابلة للنقص والاقتران بالذنب لا تتلائم مع مقام الإمامة بمعناها الرفيع أبداً.
وبناءً على ذلك يمكن الاستدلال بالآية أعلاه لإثبات عصمة الإمام أيضاً ، بَيدَ أنّ الكلام في الصفات هل يكون مقروناً بالعدالة وترك جميع أشكال الذنب مدى الحياة ، أم أثناء التصدي للإمامة؟ فالبعض واستناداً إلى البحث الاصولي المشهور من أنّ في المشتق الحقيقي «من تلبس بالمبدأ» هو في حال النسبة ـ أي حينما ننسب صفة من الصفات لأحد يجب أن يمتلك تلك الصفة في حال نسبتها إليه ، فمثلاً تطلق كلمة القائم على الذي يتمتع بصفة القيام أثناء نسبة هذه الصفة إليه ، ولا تطلق على الذي كان قائماً وقد جلس الآن ـ يعتقد أنّ مفهوم الآية هو عدم تمتعه بصفة الظلم أثناء توليه الإمامة ، لا بشرك ولا بذنب ، وليس ملوثاً بأي معصية اخرى ، وعليه فالعدالة والعصمة لا تشمل بداية الحياة.
إلّا أننا نقرأ في الروايات أنّ أئمّة أهل البيت عليهمالسلام واتباعاً لرسول الله صلىاللهعليهوآله قد استدلوا بهذه الآية على العدالة في جميع مراحل العمر : إذ ينقل عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّ الله تعالى قال لإبراهيم عليهالسلام : «لا اعطيك عهداً للظالم من ذريتك ، قال : ياربّ ومن الظالم من ذرّيتي الذي لا ينال عهدك؟ قال من سجد لصنم من دوني لا اجعله إماماً أبداً ولا يصلح أن يكون إماماً» (١).
__________________
(١) أمالي الشيخ المفيد ، (مطابق لنقل تفسير البرهان ج ١ ، ص ١٥١ ح ١٣).
وقد نقل هذا المعنى ابن المغاربي عالم أهل السّنة المعروف في كتاب «المناقب» عن ابن مسعود عن النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله مع قليل من الاختلاف ، إذ يقول : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله في تفسير هذه الآية : قال الله تعالى لإبراهيم عليهالسلام ما معناه : «مَنْ سَجدَ لصنم من دوني لا اجعله إماماً». ثم أضاف صلىاللهعليهوآله : «وانتهت الدعوة إليَّ وإلى أخي علي ، لم يسجد أحدنا لصنم قط» (١).
وقد نقلت روايات اخرى عن طريق ائمة أهل البيت عليهمالسلام في الكتب المعتبرة بهذا الصدد أيضاً ، وتضم مجموعة هذه الروايات هذه النكتة وهي : إنّ النبي إبراهيم عليهالسلام كان أعلم وأذكى من أن يسأل الله الإمامة للذين كانوا مشركين أو ظالمين ، ولم تكن هنالك حاجة للرد عليه بأنّ الظالمين لا تشملهم هذه الهبة ، لأنّ الأمر واضح.
فعلى هذا الأساس ، لو سأل الله شيئاً فمن المسلم به أنّه كان للذين كانوا ظالمين أو مشركين في وقت ما ثم تابوا واصلحوا ، وفي هذا المجال سمع الجواب بأنّ عهد الإمامة لا يشمل مثل هؤلاء ، أي أن لا يكونوا ذوي سابقة في الظلم والشرك.
يقول المفسر الشهير العلّامة الطباطبائي في «الميزان» : «سأل بعض أساتذتنا عن تقريب دلالة الآية على عصمة الإمام ، فأجاب : إنّ الناس بحسب القسمة العقلية على أربعة أقسام :
١ ـ من كان ظالماً في جميع عمره.
٢ ـ من لم يكن ظالماً في جميع عمره.
٣ ـ من هو ظالم في أول عمره دون آخره.
٤ ـ ومن هو بالعكس.
وإن إبراهيم عليهالسلام أجلُّ شأناً من أنْ يسأل الإمامة للقسم الأول والرابع من ذرّيته ، فبقي قسمان ، وقد نفى الله أحدهم (وهو الذي يكون ظالماً في أول عمره دون آخره ، فبقي الآخر) وهو الذي يكون غير ظالم في جميع عمره .. (تأملوا جيدا) (٢).
وقد اعترف الفخر الرازي في تفسيره بأنّ الآية دليل على عصمة الأنبياء ، واللطيف هو
__________________
(١) المناقب لابن المغازلي ، مطابق لنقل تفسير الميزان ج ١ ، ص ٢٧٨ في ذيل الآية مورد البحث.
(٢) تفسير الميزان ، ج ١ ، ص ٢٧٤.
«إنّه يثبت هذا الأمر من خلال وجوب عصمة الإمام وأنّ كل نبي إمام» (تأملوا جيداً أيضاً) (١).
وبطبيعة الحال يستفاد من هذه الآية مطالب اخرى بشأن الإمامة ووجوب عصمة الإمام ، وتنصيبه من قبل الله وغير ذلك مما لا يسع المقام لبحثه.
والآن وعلى ضوء ما مرّ تتضح عظمة وجلالة الإمامة في نظر القرآن الكريم ، وقد كان غرضنا هنا بيان هذه النقطة.
* * *
٥ ـ فلسفة وجود الإمام
بالرغم من اتضاح فلسفة وجود الإمام بنحو إجمالي في البحث السابق من خلال الاستعانة بالآيات المتعلقة بإمامة إبراهيم عليهالسلام إلّاأنّ هذا الموضوع مهم إلى الحد الذي يتطلب فتح بحث مستقل له.
وبشكل عام فإنّ الكثير من الامور التي تذكر على أنّها الأهداف من بعثة الأنبياء أو فلسفة وجودهم ، تصدق بحق الإمام أيضاً.
لقد تطرق الخواجة نصير الدين الطوسي قدسسره إلى بيان فلسفة بعثة الأنبياء في فصل النبوة من كتاب تجريد الاعتقاد وأشار العلّامة الكبير الحلّي في شرح ذلك الكلام إلى تسع نقاط من هذه الفلسفة إجمالاً ندرجها كما يلي ، ونضعها أمام القاريء الكريم ، وكما سنلاحظ فإنّ الكثير منها يصدق على قضية تعيين الأئمّة المعصومين عليهمالسلام أيضاً :
١ ـ ترسيخ المعرفة العقلية عن طريق البيان النقلي ، من هنا فإنّ الإنسان يدرك الكثير من الحقائق سواء في الاصول أو في فروع الدين من خلال القوة العقلية ، إلّاأنَّ الوساوس قد تغزو قلبه أحياناً ، وهذا الاضطراب يحول دون أدائها ، أما إذا تم تأييد وترسيخ هذه الأحكام العقلية بكلام الأئمّة المعصومين فستزال جميع أشكال الغموض والاضطراب ، ويسعى الإنسان لأدائها برباطة جأش.
__________________
(١) التفسير الكبير ، ج ٤ ، ص ٤٣.
٢ ـ في بعض الأحيان يحذر الإنسان من القيام ببعض الأعمال وذلك لخوفه من الإتيان بتصرف في حدود سلطة الله وهيمنته مخالف لإرادته فيكون كلام الإمام رافعاً لذلك الحذر والخوف.
٣ ـ لا تجتمع اعمال الإنسان في حدود «الحسن والقبح العقليين» ، وما أكثر الامور التي لا يدرك عقل الإنسان حسنها وقبحها ، فهنا لابدّ من الاقتداء بالقادة الإلهيين ، لإدراك حسنها وقبحها.
٤ ـ إنّ بعض الأشياء نافع وبعضها الآخر مضرٌ ، ولا قدرة للإنسان على إدراك نفعها وضررها من خلال تفكيره فقط بدون إرشاد القادة الإلهيين ، فهنا يشعر بالحاجة إليهم.
٥ ـ إنّ الإنسان موجودٌ اجتماعي ، وهو عاجز عن حل مشاكل حياته بدون التنسيق والتعاون مع الآخرين ، ومن المسلَّم به أنَّ المجتمع لن يستقيم ولن يبلغ الكمال المطلوب مالم يمتلك القوانين التي تحافظ على حقوق جميع الأشخاص ، وتأخذ بأيديهم نحو الصراط المستقيم ، فتشخيص هذه القوانين بشكل صائب ومن ثم تطبيقها لن يحصل إلّاعن طريق القادة الواعين والطاهرين والمعصومين.
٦ ـ إنّ الناس يتفاوتون في إدراك الكمالات وكسب العلوم والمعارف والفضائل ، فالبعض يمتلك القدرة على السير في هذا الطريق ، والآخر عاجزٌ ، فالقادة الإلهيون يقومون بترسيخ الفئة الاولى ، وإعانة الفئة الثانية كي تصل الفئتان إلى الكمال الممكن.
٧ ـ إنّ النوع الإنساني بحاجة إلى مستلزمات وصناعات وعلوم ، ويستطيع القادة الربانيون تأمين هذه المستلزمات وذلك من خلال توجيه المجتمع نحو الحصول عليها.
٨ ـ إنّ المراتب الأخلاقية متفاوتة لدى الناس ، والسبيل الوحيد لتنمية هذه الفضائل هو سبيل القادة الإلهيين الطاهرين والمعصومين.
٩ ـ إنّ الأئمّة مطلعون على الثواب والعقاب والأجر والجزاء إزاء الطاعة والمعصية ، وعندما يُعلِّمون الآخرين هذه الامور فهم يخلقون لديهم حافزاً قوياً لأداء الواجبات (١).
__________________
(١) شرح التجريد ، ص ٢٧١ (مع قليل من الاختصار والاقتباس).