آية الله ناصر مكارم الشيرازي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: سليمانزاده
الطبعة: ١
ISBN: 964-533-003-3
ISBN الدورة:
الصفحات: ٣٥٢
٨ ـ آية «صالح المؤمنين»
نقرأ في القرآن الكريم ، أنّ الباري جل وعلا خاطب بعض نساء النبيّ صلىاللهعليهوآله اللواتي ارتكبن مخالفة ، قائلاً : (وَانْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَانَّ اللهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الُمؤْمِنيِنَ وَالمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلَكَ ظَهِيرٌ). (التحريم / ٤)
إِنَّ عبارة «صالح المؤمنين» تشمل المؤمنين والصالحين والصادقين من أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وليس الصحابة والأنصار الذين عاصروه فحسب ، بل هي تشمل المؤمنين والصالحين في سائر الدهور والأعصار أيضاً ، أولئك الذين يتصدون لنصرة الإسلام والنبيّ صلىاللهعليهوآله ورسالته بمختلف السبل.
بيدَ أنّ المهم هنا أنّ «صالح المؤمنين» فسرت في روايات عديدة بعلي عليهالسلام ، وتؤكد على أنّه أفضل واكمل مصداق لهذه الآية ، ونظراً لمجيئه جنباً إلى جنب جبرئيل تتجلى عظمة منزلته وأهميّة هذه الفضيلة جيداً.
نعم فقد كان علي عليهالسلام أفضل نصير لرسول الله صلىاللهعليهوآله مدى حياته بعد الله وجبرئيل الأمين ، وعليه فمن يستحق أن يخلف النبيّ صلىاللهعليهوآله غيره؟ ألا تدل هذه الروايات على أنّه كان أفضل الامّة ، وأفضل الخلق بعد النبي صلىاللهعليهوآله؟
والآن لننظر في اسناد هذه الروايات ونتطرق إلى جانب منها الذي اقتطف بشكل عام من مصادر أهل السنّة :
ينقل «الحاكم الحسكاني» ثمانية عشر حديثاً! في ذيل هذه الآية من مختلف الطرق ، بأنّ المراد من «صالح المؤمنين» علي بن أبي طالب عليهالسلام ، منها : إنّه يروي عن «أسماء بنت
عميس» تقول : سمعت النبيّ صلىاللهعليهوآله يقول : «صالح المؤمنين علي بن أبي طالب» (١).
وروي في الكتاب نفسه عن «ابن عباس» أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال بحق علي بن أبي طالب عليهالسلام : «هو صالح المؤمنين» (٢).
ويروي عن «عمار بن ياسر» قوله : سمعت علياً عليهالسلام يقول : دعاني رسول الله صلىاللهعليهوآله وقال : «ألا أُبشرك : قلت : بلى يا رسول الله ومازلت مبشراً بالخير ، قال : قد أنزل الله فيك قرآناً ، قلت : وما هو يا رسول الله؟ قال : قُرنت بجبرئيل ، ثم قرأَ : وجبريل وصالح المؤمنين» (٣).
وينقل هذا المعنى أيضاً في رواية أُخرى عن «حذيفة».
وفي رواية ينقل عن «ابن سيرين» ، وفي اخرى عن «علي بن أبي طالب» نفسه ، أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : «صالح المؤمنين ، علي بن أبي طالب» (٤).
كما نقل الكثير من المفسرين هذا الحديث في تفاسيرهم ، منهم السيوطي في «الدر المنثور» في ذيل الآية عن «ابن عباس» و «أسماء بنت عميس».
ويقول «البرسوئي» في تفسير «روح البيان» بعد نقله لهذه الأقوال في ذيل هذه الآية : منها قول مجاهد في أنّ المراد من صالح المؤمنين ، علي عليهالسلام ويؤيده قوله صلىاللهعليهوآله : «يا علي أنت منّي بمنزلة هارون من موسى» ، ثمّ ينقل آيات عديدة حيث اطلق الباري تعالى كلمة الصالحين في القرآن الكريم على كبار الأنبياء ، ويستنتج بأنّه لمّا كان علي عليهالسلام بمنزلة نبي الله «هارون» ، فهو جدير بصفة الصالحين (٥).
بالإضافة إلى أنّ هذه الرواية نقلت من قبل جماعة آخرين مثل «العسقلاني» في «فتح الباري» ، و «ابن حجر» في «الصواعق» ، و «علاء الدين المتقي» في «كنز العمال».
وخلاصة القول : إنّها منقبة عظيمة لا نظير لها إذ قرن الله تعالى صالح المؤمنين بجبرئيل،
__________________
(١) شواهد التنزيل ، ج ٢ ، ص ٢٥٦ ، ح ٩٨٢.
(٢) المصدر السابق ، ص ٢٥٨ ، ح ٩٨٧.
(٣) المصدر السابق ، ص ٢٥٩ ، ح ٩٨٩.
(٤) المصدر السابق ، ص ٢٥٥ ـ ٢٦٣.
(٥) تفسير روح البيان ، ج ١٠ ، ص ٥٣.
ومصداقها التام والكامل على ضوء هذه الروايات علي بن أبي طالب عليهالسلام.
نعم ، فقد كان جنباً إلى جنب النبيّ صلىاللهعليهوآله في جميع مراحل حياته ، وكان يعد نصيراً وظهيراً له في الأحوال جميعاً ، وهو اجدر الجميع بخلافته صلىاللهعليهوآله.
* * *
٩ ـ آية الوزارة
نقرأ في القرآن الكريم على لسان موسى عليهالسلام : (وَاجْعَلْ لِىّ وَزِيرًا مِنْ أَهِلىِ* هاروُنَ أَخِى* أشُدُدْ بِهِ ازْرِى* وَاشْرِكْهُ فِى أَمْرِى). (طه / ٢٩ ـ ٣٢)
فهذه الآيات تبين طلبات موسى عليهالسلام في بداية بعثته.
في ذيل هذه الآيات نشاهد روايات عديدة أيضاً في مصادر أهل السنّة ، مَفادُها أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله قد سأل الله ذلك من أجل تحقيق أهداف رسالته ، مع فارق أنّه جعل اسم علي عليهالسلام بدل اسم هارون ، وفيما يلي تطالعون بعضاً من هذه الروايات :
١ ـ روي في «شواهد التنزيل» عن «حذيفة بن اسيد» أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله أمسك بيد علي بن أبي طالب عليهالسلام وقال : «ابشرْ ، وأبشر ، أنّ موسى دعا ربّه أن يجعل له وزيراً من أهله هارون ، وإنّي أدعو ربّي أن يجعل لي وزيراً من أهلي عليّاً أخي ، أُشدْدُ به ظهري واشركه في أمري» (١).
٢ ـ في رواية اخرى ، يروي عن «أسماء بنت عميس» تقول : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : «اللهم إنّي أقول كما قال أخي موسى ، اللهم اجعل لي وزيراً من أهلي ، علياً أخي ، أشدد به أزري ، واشركه في أمري ، كي نسبحك كثيراً ، ونذكرك كثيراً ، إنّك كنت بنا بصيراً» (٢).
بديهي أنّ المراد من الاشتراك في عمل النبيّ صلىاللهعليهوآله لا تعني الشركة في النبوة ، بل الشركة في أمر قيادة الامّة.
٣ ـ وفي رواية اخرى ، ينقل حديثاً عن «أنس بن مالك» ليس فيه إشارة إلى قصة
__________________
(١) شواهد التنزيل ، ج ١ ، ص ٣٦٨ ، ح ٥١٠.
(٢) المصدر السابق ، ص ٣٧٠ ، ح ٥١١.
موسى عليهالسلام ، بل مطروح فيه مسألة الخلافة والوزارة ، فيقول : قال رسول الله عليهالسلام : «إنّ خليلي ووزيري وخليفتي في أهلي ، وخير من أترك بعدي ، ينجز موعدي ويقضي ديني ، علي بن أبي طالب» (١).
٤ ـ روي هذا الحديث باختلاف بسيط أيضاً عن سلمان الفارسي (٢).
٥ ـ ويروي الحافظ أبو نعيم الاصفهاني وهو من علماء القرن الخامس الهجري في كتاب «مانزل من القرآن في علي» ماتضمنهُ حديث «أسماء بنت عميس» عن «ابن عباس» ، وفي نهايته يقول ابن عباس : بعد دعاء النبي صلىاللهعليهوآله هذا سمعت منادياً ينادي : «يا أحمد قد اوتيت ما سألت» (٣).
٦ ـ وينقل «الفخر الرازي» في تفسيره الكبير هذه الرواية بمزيد من التفصيل عن «أبي ذر الغفاري» عن رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى أن يقول : لما تصدق علي عليهالسلام بخاتمه ... فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم بمرأى النبي صلىاللهعليهوآله فقال : «اللهم إنّ أخي موسى عليهالسلام سألك فقال : ربّ اشرح لي صدري (إلى قوله) وأشركه في أمري فانزلت قرآناً ناطقاً ، سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً ، اللهم وأنا محمد نبيّك وصفيك فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيراً من أهلي علياً اشدد به ظهري» ، قال أبو ذر : فوالله ما أتمّ رسول الله صلىاللهعليهوآله هذه الكلمة حتى نزل جبرئيل فقال : يامحمد اقرأ : (انَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ...) إلى آخرها (٤).
إنّ إسناد وطرق هذه الرواية والكتب التي رويت فيها من الكثرة بحيث لا يستوعبها هذا الموجز وقد أُشير إلى جانب منها فقط.
مضمون آية وروايات «الوزارة» :
تقول هذه الروايات بجلاء : إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله دعا واستجاب له الله تعالى كما استجاب
__________________
(١) شواهد التنزيل ، ج ١ ، ص ٣٧٤ ، ح ٥١٦.
(٢) المصدر السابق ، ج ١ ، ص ٧٧ ، ح ١١٥.
(٣) ملحقات احقاق الحق ، ج ٢٠ ، ص ١٢٨.
(٤) تفسير الكبير ، ج ١٢ ، ص ٢٦ (ذيل الآية ٥٥ من سورة المائدة).
لموسى ، وكان دعاؤه أن يجعل له وزيراً من أهله يشاركه في أمره ، ويشدَّ به أزره ، كما هو هارون لموسى عليهالسلام تماماً.
وكما جرت الإشارة فإنّ من المسلَّم به ليس المراد من الشركة الاشتراك في أمر النبوة ، إذ لا نبي بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله الذي كان خاتم النبيين ، ومعلوم أيضاً ليس المراد المشاركة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإرشاد ، وتبليغ الرسالة فحسب ، لأنّها تكليف المسلمين جميعاً ، فيجب على الجميع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وعلى الجميع كل حسب وسعه نشر الإسلام وهداية الآخرين.
على هذه الأساس ، فالمراد مقام خاص غير النبوّة والتكليف العام بالأمر بالمعروف ، وهل يمكن أن تكون هذه القضية سوى القيادة والوزارة من قبل الباري عزوجل؟ والنتيجة المباشرة لهذا الأمر هي أنّه عليهالسلام سيكون خليفة النبي صلىاللهعليهوآله.
وبعبارة اخرى ، ثمّة تكاليف لا تمثل واجب جميع الناس ، وهي صيانة الرسالة الإلهيّة من كل تحريف وانحراف ، وكذلك توضيح ما ليس يدركه الناس في مضمون الدين ، وقيادة الامّة أثناء غياب النبي صلىاللهعليهوآله وبعد رحيله ، والمساعدة المؤثرة في تحقيق أهدافه ، حيث تختصر جميعها في كلمة وزير (١).
وهذا ما سأله النبيّ صلىاللهعليهوآله من الله بحق علي عليهالسلام ، واستجاب الله دعاءه.
وهنا يتضح الرد على وساوس بعض المفسرين الذين لايطيقون الاذعان لمثل هذه المناقب بحق علي عليهالسلام.
فهم يحاولون تفسير «الشركة في أمر النبيّ صلىاللهعليهوآله» بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (٢) ، والحال أنّنا نعلم أنّها واجب المسلمين جميعاً ، ولا تحتاج إلى تعيين وزير من قبل الله تعالى.
* * *
__________________
(١) «الوزير» من مادة «وزر» ، حيث إنّ الوزير يتحمل ثقل المسؤوليات المختلفة على عاتقه ، فقد اطلقت هذه الكلمة عليه.
(٢) تفسير روح المعاني ، ج ١٦ ، ص ١٨٥.
١٠ و ١١ ـ آيات سورة الاحزاب
هنالك آيات في سورة الأحزاب نزلت بحق علي عليهالسلام على ضوء قول طائفة من المفسرين ، أو أنّها ناظرة إلى تضحياته الفريدة من نوعها.
فنقرأ في قوله تعالى : (مِّنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَاعَاهَدوُا اللهَ عَلَيهِ فَمِنْهُمْ مَّنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبدْيلاً). (الاحزاب / ٢٣)
ويقول تعالى (أي بعد آيتين) : (وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللهُ المُؤْمِنِينَ القِتَالَ وَكَانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزاً). (الاحزاب / ٢٥)
نحن نعلم أنّ معركة الأحزاب كانت من أهم الغزوات في الإسلام ، فهي كما يتضح من اسمها تعتبر صراع جميع أعداء الإسلام ضد المسلمين ، وتظافرت كافة الفرق التي تعرضت مصالحها للخطر نتيجة لانتشار الدين الإسلامي ، من أجل القضاء على الإسلام ورسول الله صلىاللهعليهوآله ، ولتطمئن قلوبهم إلى الأبد!.
فهناك سبع عشرة آية من سورة الأحزاب شرحت أحوال هذه المعركة ، وقد توضحت فيها دقائق الامور وخفاياها ، وقد فصلت أحوال مختلف فرق المسلمين في هذا المضمار بدقة وظرافة.
لقد مرّت على المسلمين لحظات حرجة وخطيرة للغاية في هذه المعركة ، فحشود العدو ، وقلة الجيش الإسلامي في مقابلهم (ذكر المؤرخون عدد جيش الأحزاب بعشرة الآف رجل ، والجيش الإسلامي بثلاثة الآف رجل) بالإضافة إلى استعداد العدو من حيث المعدات الحربية وقلة عدّة المسلمين.
فالآيتان من ضمن هذه الآيات السبع عشرة.
ويروي صاحب «شواهد التنزيل» في ذيل الآية الاولى بسنده عن علي عليهالسلام قوله : «فينا نزلت رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، ثمّ قال : فأنا والله المنتظر» (١).
ويروي عن «عبد الله بن عباس» أيضاً : إنّ الآية (مِّنَ المُؤمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيهِ) ناظرة إلى علي عليهالسلام والحمزة وجعفر ، وعبارة (وَمِنْهُم مَّن يَنْتَظِرُ) إشارة إلى علي عليهالسلام الذي كان ينتظر الشهادة في سبيل الله ، (فوالله لقد رُزق الشهادة) (٢).
وروي هذا المعنى أيضاً في كل من «الصواعق المحرقة» لابن حجر ، و «الفصول المهمّة» لابن الصباغ المالكي ، و «الكشف والبيان» للنيسابوري (٣).
* * *
البحث فيما يتعلق بالآية الثانية أكثر اتساعاً من هذا ، فقد قال الكثير من المحدثين والمفسرين : إنّ (كَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ القِتَالَ ...) إشارة إلى علي عليهالسلام وضربته المؤثرة التي وجهها لعمر بن عبد ود وكفى المؤمنين قتال الكفار.
ومن بين الذين رووا هذا المعنى هو «عبد الله بن مسعود» ، فعندما كان يقرأ هذه الآية كان يقول في تفسيرها : «وكفى الله المؤمنين القتال ، بعلي بن أبي طالب» (٤).
ويروي «الحاكم الحسكاني» عدّة أحاديث بهذا المضمون عن عبد الله بن مسعود (٥).
ويروي عن ابن عباس أيضاً أنّه لمّا قرأ آية (وكفى الله المؤمنين القتال) قال : «كفاهم الله القتال يوم الخندق بعلي بن أبي طالب ، حين قتل عمرو بن عبد ود» (٦).
كما روى عن حذيفة الصحابي المعروف حديثاً مفصّلاً حول نزال علي عليهالسلام لعمرو بن عبد ود وقتله ، ثمّ يقول : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «أبشر يا علي! فلو وزن اليوم عملك بعمل امّة
__________________
(١) شواهد التنزيل ، ج ٢ ، ص ١ و ٢ ، ح ٦٢٧.
(٢) المصدر السابق.
(٣) علي في الكتاب والسنّة ، ص ٢١٨.
(٤) شواهد التنزيل ، ج ٢ ، ص ٣ ، ح ٦٢٩.
(٥) المصدر السابق ، ح ٦٣٠ و ٦٣١ و ٦٣٢.
(٦) المصدر السابق ، ص ٥ ، ح ٦٣٣.
محمد لرجح عملك بعملهم وذلك أنّه لم يبق بيت من بيوت المسلمين إلّاوقد دخله عزٌ بقتل عمرو» (١).
وينقل نفس المعنى عن «ابن حكيم» عن جده عن رسول الله صلىاللهعليهوآله.
ينقل «السيوطي» في الدر المنثور عن «ابن أبي حاتم» ، و «ابن مردويه» ، و «ابن عساكر» عن «ابن مسعود» أنّه لما كان يقرأ هذه الآية ، يقول (في شرحها) : «وكفى الله المؤمنين القتال بعلي بن أبي طالب» (٢).
ونقل هذا المعنى العلّامة «الشيخ سليمان القندوزي» في «ينابيع المودة» (٣).
ونقل فريق آخر يطول المقام بذكر أسمائهم ، هذا الحديث أيضاً.
والجدير بالاهتمام أنّ مضمون هذه الآيات ومن خلال الشرح المذكور هو أنّ علياً عليهالسلام كان السبب في انتصار المسلمين بإذن الله في ذلك الميدان الخطير للغاية ، حيث كانت معركة الأحزاب السهم الأخير بيد العدو ، وهي أصعب مؤامرات المشركين ضد الإسلام ، نعم ، فقد كان مجريا للإرادة الإلهيّة ، واحد الأسباب المهمّة لانتصار المسلمين في هذه المعركة ، فلا تشاهد هذه المنقبة لأي أحد من امّة محمد صلىاللهعليهوآله سوى علي عليهالسلام.
ألا يستحق من يفوق عمله هذا عمل كافة امّة محمد صلىاللهعليهوآله ، خلافة النبيّ صلىاللهعليهوآله؟!
سؤال :
ربّما يقال هنا : إنّه قد جاء في الآية التي تشير بالإجمال إلى قصة معركة الأحزاب : (يَاايُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيكُمْ اذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَارْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعمَلُونَ بَصِيراً). (الاحزاب / ٩)
طبقاً لهذه الآية ، فأحد أسباب هزيمة الاحزاب كانت الريح العاصفة التي هبت عليهم ، والسبب الآخر الجنود غير المرئيين (الملائكة) ، وعليه فكيف يمكن القول : إنّ علياً عليهالسلام كان سبب الانتصار؟
__________________
(١) شواهد التنزيل ، ج ٢ ، ص ٧ ، ح ٦٣٤.
(٢) تفسير در المنثور ، ج ٥ ، ص ١٩٢.
(٣) ينابيع المودة ، ص ٩٤.
الجواب : هو أنّ الانتصار في معركة ما ، ربّما تكون له عوامل متعددة كالعامل العسكري ، والطبيعي ، والمعنوي ، وغيرها ، وممّا لا شك فيه أنّ ثلاثة عوامل قد تظافرت في هذه المعركة بحيث لا يتسنّى انكار أي منها أبداً ، وهي : مصرع عمربن عبد ود فارس الأحزاب على يد علي عليهالسلام ، وهبوب الرياح ، وجيش الملائكة ، ففي جميع الحالات التي تتظافر فيها عوامل عديدة في صنع حادث ما ، يمكن نسبة ذلك الحادث إلى واحد منها أو إليها جميعاً.
* * *
١٢ ـ آية البينة والشاهد
(أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّنْ رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ). (هود / ١٧)
لقد أورد «الحاكم الحسكاني» في «شواهد التنزيل» روايات عديدة تناهز ال ١٦ رواية في ذيل هذه الآية تشهد بأنّ المراد من الشاهد في الآية أعلاه علي عليهالسلام (١) ، من ضمنها ما نقله عن «أنس بن مالك» في أنّ المراد من عبارة (أَفَمَن كَان عَلَى بَيَّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ ...) ، محمد صلىاللهعليهوآله ، والمراد من عبارة (وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنّهُ ...) ، علي بن أبي طالب. فهو كان لسان حال النبيّ صلىاللهعليهوآله لأهل مكة في نقض العهد معهم».
وينقل في رواية اخرى عن «ابن عباس» أنّه قال في تفسير : (وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنهُ ...). هو علي خاصّة» (٢).
وينقل عن زإذان (أحد أصحاب علي عليهالسلام) عن علي عليهالسلام أنّه قال : «لو ثنيت لي الوسادة فجلست عليها لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الانجيل بانجيلهم وبين أهل الزبور بزبورهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم بقضاء يزهر يصعد إلى الله ، والله مانزلت آية في ليل أو نهار ولا سهل ولا جبل ولا بر ولا بحر إلّاوقد عرفت أي ساعة نزلت وفيمن نزلت ، وما من قريش رجل جرى عليه المواسي إلّاقد نزلت فيه آية من كتاب الله تسوقه إلى جنة أو تقوده إلى نار ، فقال قائل : فما نزل فيك يا أمير المؤمنين؟ قال : (افَمَن كَان عَلَى بَيَّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتلُوُه شَاهِدُ مِّنهُ) محمد صلىاللهعليهوآله على بيّنة من ربّه وأنا الشاهد منه أتلو آثاره» (٣).
__________________
(١) شواهد التنزيل ، ج ١ ، ص ٢٨٠ ، ح ٣٨٣.
(٢) المصدر السابق ، ص ٣٦٩ ، ح ٣٨٧.
(٣) شواهد التنزيل ، ج ١ ، ص ٢٨٠ ، ح ٣٨٤.
وأورد السيوطي في تفسير «الدر المنثور» أيضاً روايات عديدة في هذا الصدد ، منها أنّه ينقل عن «ابن أبي حاتم» ، و «ابن مردويه» ، و «أبي نعيم» عن علي بن أبي طالب ، أنّه قال : «ما من رجل من قريش إلّانزل فيه طائفة من القرآن».
فسأله رجل : مانزل فيك؟ قال عليهالسلام : أما تقرأ سورة هود : (أفمن كان على بيّنة من ربّه ويتلوه شاهد منه) رسول الله صلىاللهعليهوآله على بيّنة من ربّه ، وأنا شاهد منه (١).
ثمّ أورد عدّة أحاديث بهذا المعنى (٢).
وفي تفسير «روح المعاني» وبعد نقله لرواية «ابن أبي حاتم» ، و «ابن مردويه» ، عن علي عليهالسلام في أن نزول هذه الآية بحقه عليهالسلام ، ويروي هذا المعنى أيضاً في حديث آخر عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّه قال : (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ) ، أنا ، (وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنهُ) علي ، يقول : لقد استدل بعض الشيعة أَنَّ علياً (كرم الله وجهه) هو خليفة رسول الله صلىاللهعليهوآله لأنّ الله تعالى سمّاه شاهداً في قوله : (انَّا أَرْسَلنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً). (الفتح / ٨)
فينبغي أن يكون مقام علي كمقامه صلىاللهعليهوآله ، وحيث أخبر أنّه يتلوهُ أي يعقبه ويكون بعده دلّ على أنّه خليفته.
ثمّ يقول : هذا الخبر لا يكاد يصح ، وبعد ذلك ينقل رواية تفيد أنّ المراد من «الشاهد» زمان رسول الله صلىاللهعليهوآله (٣).
وقد توسل مفسّر المنار الذي لا يقل تعصباً عن الآلوسي في روح المعاني ازاء الشيعة والقضايا المتعلقة بإمامة علي عليهالسلام بكل ما لديه في تفسير الآية وأوقع نفسه في عناء عجيب ، فمن جملة مايقول : ويجوز أن تكون البيّنة على هذا علمه اليقيني الضروري بنبوّته كما تقدم ، ويكون الشاهد الذي يتلوه منه القرآن وهو الأظهر عندي وروي عن .... (سعيد بن جبير) : إنّ البيّنة القرآن والشاهد جبريل عليهالسلام ... ويتلوه من تلاوة القرآن لا من التلو والتبعية فهو الذي كان يقرأه على النبيّ صلىاللهعليهوآله عند نزوله به وفي الشاهد روايات اخرى ضعيفة ومنها
__________________
(١) تفسير در المنثور ، ج ٣ ، ص ٣٢٤ ، (ذيل آية مورد البحث).
(٢) المصدر السابق.
(٣) تفسير روح المعاني ، ج ١٢ ، ص ٢٨.
أنّه علي عليهالسلام يرويه الشيعة ويفسرونه بالإمامة. (١).
وياللأسف ، فقد كانت الأحكام والفرضيات المسبقة أهم حائل دون فهم آيات القرآن والروايات الإسلامية المشهورة ، وهنا ثمّة مسائل تحظى بالأهميّة ، منها :
١ ـ المدهش أن يقال حول الرواية التي تتمتع بهذه الطرق المختلفة في الكتب المشهورة لدى أهل السنّة إنّها رواية ينقلها الشيعة ، ألم يشاهد مفسّر المنار هذه الروايات الواردة في «الدر المنثور» و «شواهد التنزيل» بل حتى «روح المعاني» بشأن تفسير الشاهد بعلي عليهالسلام ، ويدعي : إنّ هذه الرواية نقلها الشيعة فقط ، أم يجب القول أنّ كل رواية تصب في صالح مذهب التشيع هي رواية شيعية ، وإن رواها العشرات من رواة أهل السنّة؟!
٢ ـ هناك طائفة من مفسري السنّة يؤمنون بأنّ المراد من الشاهد «لسان» النبيّ صلىاللهعليهوآله (المعنى الذي لا يشاهد في أي موضع من القرآن).
بينما يعتبر صاحب المنار أنّها رواية ضعيفة ، لعله التفت إلى هذه الحقيقة وهي أنّ تفسير «الشاهد» بـ «لسان» النبي صلىاللهعليهوآله ، وكذا «يتلوه» بـ «تلاوة القرآن» مليء بالتكلف.
فيصبح المعنى الإجمالي للآية : «أفمن كان يمتلك الدليل الواضح من ربّه وهو القرآن ، ويتلوه لسانه ويشهد على ذلك ... كمن ليس كذلك» ، فمفهوم هذا القول هو : إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله شاهد على نفسه ، فهل يمكن للمدعي أن يكون شاهداً على نفسه؟ أم يجب أن يكون الشاهد شخصاً آخر؟ ألم يأت النبيّ صلىاللهعليهوآله بالقرآن ، فكيف يكون لسان النبي صلىاللهعليهوآله شاهد على القرآن؟ وهل أنّ لسان النبيّ صلىاللهعليهوآله ليس منه؟ فكيف نجعلُ جزءً منه شاهداً عليه؟ إنّ الذي لا يريد الاعتراف بهذه الحقائق سيقع في هذه المتاهات.
٣ ـ ما قيل من أنّ المراد من «الشاهد» هو «جبرئيل» ، والحال أنّ أيّا من الناس لم يره ويجهل وجوده ، فكيف يتفق ومفهوم الشهادة؟
فهل نحن مجبورون على إنشاد شعر نتورط في قافيته؟
٤ ـ الأعجب ما يقوله الآلوسي في روح المعاني : المراد من «البّينة» القرآن و «الشاهد» صفته الاعجازية.
__________________
(١) تفسير المنار ، ج ١٢ ، ص ٥٣.
والحال أنّ كون القرآن «بيّنة» يكون من خلال اعجازه فحسب ، ولا يعد القرآن «بيّنة» بدون صفاته الاعجازية ، على هذا الأساس ستكون «البيّنة» و «الشاهد» واحداً ، وهذا لا يتفق ومضمون الآية.
٥ ـ إنّ تفسير «البيّنة» بـ «العلم اليقيني الباطني لرسول الله صلىاللهعليهوآله» بنبوته ، ومن ثمّ تفسير «الشاهد» بالقرآن الكريم من الغرائب أيضاً ، فلابدّ أولاً من البحث عن معنى «البيّنة» في القرآن نفسه ، فقد استعملت «البيّنة» في القرآن الكريم ١٩ مرة ، و «البينات» وهي جمعها ٥٢ مرة ، وعادة ماجاءت بمعنى «المعجزة» أو «الكتب السماوية والقرآن الكريم» لا بمعنى العلم الباطني الفطري اللازم.
وعليه فلو أردنا تجاوز التكلفات ، فالبيّنة في الآية المذكورة تعني القرآن الذي هو المعجزة الخالدة لنبي الإسلام صلىاللهعليهوآله ، والشاهد شخص غير النبيّ صلىاللهعليهوآله حيث يشهد على حقانيته صلىاللهعليهوآله ، أمّا الذين لا يرغبون في أن يفضي هذا التفسير إلى حقانية مذهب التشيع فهم على استعداد للخوض في كل أشكال التكلف من أجل نبذ هذا التفسير ، لئلا يعاكس حكمهم المسبق الخط الصحيح.
* * *
١٣ ـ آية الصدّيقون
(وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُوِلئَكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ اجْرُهُمُ وَنُورُهُمْ). (الحديد / ١٩)
نقل في «شواهد التنزيل» عن «ابن أَبي ليلى» عن أبيه : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «الصديقون ثلاثة : حبيب النجار مؤمن آل ياسين ، وحزبيل (حزقيل) مؤمن آل فرعون ، وعلي بن أبي طالب الثالث وهو أفضلهم» (١).
وورد هذا الحديث أيضاً في كتاب «الفضائل» لأحمد بن حنبل ، و «معرفة الصحابة» لأبي نعيم ، و «المناقب» لابن المغازلي (٢).
وفي نفس كتاب «شواهد التنزيل» نقل اربعة أحاديث اخرى بهذا المعنى عن طرق اخرى (٣).
ونقل الحديث الآنف الذكر في كتاب «ينابيع المودة» للشيخ سليمان القندوزي عن مسند أحمد ، وأبي نعيم ، وابن المغازلي ، والموفق الخوارزمي ، عن «أبي ليلى» و «أبي ايوب الأنصاري» ، أنّهما قالا : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «الصديقون ثلاثة ، حبيب النجار ، وحزقيل مؤمن آل فرعون ... وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم» (٤).
ونقل هذا المعنى أيضاً في «كنز العمال» عن ابن عباس (٥).
__________________
(١) شواهد التنزيل ، ج ٢ ، ص ٢٢٣ ، ح ٩٣٨.
(٢) تعليقات ـ وحواشي ـ المحمودي على شواهد التنزيل ، ج ٢ ، ص ٢٢٤.
(٣) المصدر السابق ، ح ٩٣٩ و ٩٤٠ و ٩٤١ و ٩٤٢.
(٤) ينابيع المودة ، ص ١٢٤ ، الباب ٤٢.
(٥) كنز العمال ، ج ١١ ، ص ٦٠١ ، ح ٣٢٨٩٧.
كما نقل «احقاق الحق» هذا الحديث عن كتب وطرق مختلفة (١).
وبالرغم من أنّ هذه الروايات لا تتناول قضية الخلافة بصورة مباشرة ، إلّاأنّ إثبات صفة صديق الامّة لعلي عليهالسلام ترجح كفة ميزانه فيما لو قيس مع غيره ، حيث تكشف عن أهليته للخلافة أكثر ممّن سواه.
والمدهش أنّه واستناداً إلى هذه الروايات الكثيرة أنّ علياً عليهالسلام صديق هذه الامّة ، إلّاأنّ البعض منحوا هذا اللقب إلى الآخرين ، حيث نقلوا في ذيل هذه الآية أنّ الصديقين ثمانية ، منهم أبو بكر وعلي عليهالسلام ، بَيدَ أنّ هذه الرواية ليست عن النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فالروايات التي نقلت عن رسول الله صلىاللهعليهوآله تصف علياً عليهالسلام بأنّه صديق هذه الامّة.
ويجدر ذكر هذا الأمر وهو أنّ عمومية مفهوم الآية لا تتعارض وهذه الروايات ، فقد قلنا مراراً : إنّ مثل هذه الروايات ناظرة إلى الأكمل ، أي أنّها تقول : إنّ أكمل مصداق لـ «الصديق» في الامّة الإسلامية ، هو علي عليهالسلام الذي كان صادقاً إلى أبعد الحدود ، وقد سبق رجال هذه الامّة إيماناً ، وصدّق برسول الله صلىاللهعليهوآله ، واطلق عليه النبي صلىاللهعليهوآله لقب «الصديق».
وستطالعون اموراً كثيرة في هذا المضمار أيضاً في تفسير الآية اللاحقة.
* * *
__________________
(١) احقاق الحق ، ج ٣ ، ص ٢٤٣.
١٤ ـ آية النور
(يَاايُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحيمٌ). (الحديد / ٢٨)
يروى في «شواهد التنزيل» عن ابن عباس في تفسير هذه الآية ، أنّ المراد من عبارة (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَّحْمَتِهِ) ، الحسن والحسين عليهماالسلام الذين وهبهما الله تعالى لعلي عليهالسلام ، والمراد من (وَيَجْعَلْ لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ) ، علي بن أبي طالب عليهالسلام (حيث إنّه نبراس الامّة الإسلامية ووسيلة هدايتها) (١).
إنّ «ابن عباس» لم يقل هذا اجتهاداً منه ، ففي رواية اخرى يروي في الكتاب نفسه بسنده عن «جابر بن عبد الله» عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال في تفسير (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَّحْمَتِهِ ...) : «الحسن والحسين عليهماالسلام» ، وقال في تفسير (وَيَجْعَلْ لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ...) : «علي بن أبي طالب عليهالسلام» (٢).
ويروي في الكتاب نفسه عن أبي جعفر الباقر عليهالسلام أنّه قال في تفسير هذه الآية : «من تمسك بولاية علي فله نور» (٣). (تأملوا جيداً).
وفي تأييده لهذا المعنى يروي عن «أبي سعيد الخدري» أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : «أما والله لا يحب أهل بيتي عبد إلّاأعطاه الله عزوجل نوراً حتى يرد عليَّ الحوض» (٤).
ونقل في «كنز العمال» عن علي عليهالسلام أنّه قال : «أنا عبد الله وأخو رسوله وأنا الصديق
__________________
(١) شواهد التنزيل ، ج ٢ ، ص ٢٢٧ ، ح ٩٤٣.
(٢) المصدر السابق ، ص ٢٢٨ ، ح ٩٤٤.
(٣) شواهد التنزيل ، ج ٢ ، ص ٢٢٨ ، ح ٩٤٦.
(٤) المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ٢٢٨ ، ح ٩٤٧.
الأكبر لا يقولها بعدي إلّاكذّاب مفترٍ ، ولقد صليت قبل الناس سبع سنين» (١).
مشيرا إلى أنَّهُ أول من آمن برسول الله صلىاللهعليهوآله من الرجال ، وعليه فإنّه الجدير بحمل لقب «الصديق الأكبر».
وفي نفس الكتاب ، نقل عن «معاذ بن عدوية» قوله : سمع علياً عليهالسلام يقول على المنبر في البصرة : «أنا الصديق الأكبر آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر وأسلمت قبل أن يسلم» (٢).
على أيّة حال ، فهذه منقبة من أفضل المناقب ، وصاحبها أجدر من غيره بخلافة النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله.
لقد أورد العلّامة الأميني رحمهالله في الجزء الثالث من الغدير بحثاً مطولاً بشأن إيمان علي عليهالسلام بالنبي صلىاللهعليهوآله على أنّه أول من آمن من الرجال ، وذكر مصادر كثيرة عن أشهر كتب علماء أهل السنة ، حتى أنّه ذكر كثيرا من الشعر لشعراء الإسلام أيضاً كشاهد على ذلك (٣).
وسنخصص فصلاً كاملاً تحت عنوان «المسلم الأول» ، وسيجري البحث عن الكثير من القضايا هناك «إن شاء الله».
* * *
__________________
(١) كنزل العمال ، ج ١٣ ، ص ١٢٢ ، ح ٣٦٣٨٩.
(٢) المصدر السابق ، ص ١٦٤ ، ح ٣٦٤٩٧.
(٣) الغدير ، ج ٣ ، ص ٢١١ ـ ٢٤١.