آية الله ناصر مكارم الشيرازي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
المطبعة: سليمانزاده
الطبعة: ١
ISBN: 964-533-003-3
ISBN الدورة:
الصفحات: ٣٥٢
«العقيدة الباطلة» أو «البخل والحسد» فهو في الحقيقة بيان لمصاديق من هذا المفهوم الواسع الشامل.
على أيّة حال ، نظراً لمجيء «الف ولام الجنس» في بداية هذه الكلمة «الرجس» والتي تفيد العموم ، يكون مفهوم الآية : إن الله شاء أن يبعد كل أنواع الرجس عنهم.
وفي عبارة : «ويطهركم تطهيرا» ، فبما أنّ «التطهير» تعني التزكية فهي تمثل تأكيداً آخر على قضية نفي الرجس وكافة الاقذار التي وردت في العبارة السابقة ، وكلمة «تطهيراً» التي هي بعنوان مفعول مطلق فهي تأكيد آخر على هذا المعنى.
والنتيجة : هي أنّ الله تعالى شاء وبمختلف التأكيدات أن يُطهر ويُنزه آل النبي صلىاللهعليهوآله من كل أشكال القذارة والرجس ، ومن المسلم أنّه يشمل النبي صلىاللهعليهوآله بالمرتبة الاولى باعتباره صاحب الدار ومن ثم البقية ، والآن لنعرف من هم أهل البيت؟
* * *
مَنْ هم أهل البيت؟
رأى بعض من مفسري أهل السنّة أنّ ذلك يعني نساء النبي صلىاللهعليهوآله ، ولكن كما قلنا فإنّ تغيير سياق الآية ، وتبديل الضمائر من «جمع المؤنث» ـ فيما قبل وبعد هذه الآية ـ إلى «جمع المذكر» دليل بَيّنٌ على أنّ لهذه العبارة مضمونا منفصلاً ، وأنّ المراد منها أمر آخر ، أليس الله حكيماً والقرآن في أعلى مراتب الفصاحة والبلاغة وجميع عباراته تخضع للحساب.
وطائفة اخرى من المفسرين خصتها بالنبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام ، والروايات الكثيرة الواردة في مصادر أهل السنّة والشيعة والتي نشير إلى بعضها لاحقاً شاهدٌ على هذا المعنى.
وبسبب وجود هذه الروايات ربما ذكر الذين لا يحصرون الآية بهؤلاء العظماء معنىً واسعاً لها بحيث يشملهم ويشمل نساء النبي صلىاللهعليهوآله وهذا تفسير ثالث للآية.
أمّا الروايات التي تدل على اختصاص الآية بالنبي صلىاللهعليهوآله وعلي عليهالسلام وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليهاالسلام وابنيهما الحسن والحسين عليهماالسلام فهي ـ وكما أشرنا ـ كثيرة للغاية ، منها ثمانية عشرة رواية ، نقلت خمس منها في تفسير «الدر المنثور» عن ام سلمة ، وثلاث عن أبي سعيد الخدري ، وواحدة عن عائشة ، وواحدة عن انس ، واثنتان عن ابن عباس ، واثنتان عن أبي الحمراء ، وواحدة عن وائلة بن الاسقع ، وواحدة عن سعد ، وواحدة عن الضحاك بن مزاحم ، وواحدة عن زيد بن الأرقم (١).
ويحصي المرحوم العلّامة الطباطبائي في تفسير «الميزان» الروايات التي وردت بهذا الصدد بما يربو عن سبعين رواية ويقول : وهي روايات جمة تزيد على سبعين حديثاً يربو ما ورد منها من طرق أهل السنّة على ما ورد منها من طرق الشيعة ، ويضيف رواة آخرين سوى الذين ذكرناهم أعلاه (الرواة الذين ذكرت رواياتهم في غير تفسير الدر المنثور).
وذكر البعض أنّ عدد الروايات والكتب التي نقلت فيها بلغ المئات ولا يُستبعد أن يكون كذلك.
وهنا نذكر طائفة من هذه الروايات فقط مع ذكر مصادرها ليتبين قول الواحدي في «أسباب النزول» : أنّ الآية نزلت في النبي صلىاللهعليهوآله وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام خاصة لايشاركهم فيها غيرهم (٢).
ويمكن اختصار هذه الروايات في أربعة اقسام :
١ ـ الروايات التي نقلت عن بعض نساء النبي صلىاللهعليهوآله تقول بصريح التعبير : عندما كان النبي صلىاللهعليهوآله يتحدث عن هذه الآية سألناه هل نحن منهم؟ فقال : «لا ولكنكم على خير».
منها ما يرويه الثعلبي في تفسيره عن «ام سلمة» زوجة النبي صلىاللهعليهوآله أنّ النبي كان في بيتها وجاءته فاطمة عليهاالسلام بالطعام ، فقال لها صلىاللهعليهوآله : «ادع لي بعلك وابنيك» فجاؤوا فتناولوا الطعام ثم نشر صلىاللهعليهوآله عليهم الكساء وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي فأَذهب عنهم الرجس
__________________
(١) تفسير در المنثور ، ج ٥ ، ص ١٩٦ و ١٩٩.
(٢) تفسير الميزان ، ج ١٦ ، ص ٣١١.
وطهِّرهم تطهيراً ، ونزلت آية إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ ... فقلت يارسول الله وأنا معكم؟! فقال : «إنّكِ على خير» (١).
وكذلك الثعلبي وهو من العلماء المعروفين لدى أهل السنّة الذي عاش في القرن الرابع وأوائل القرن الخامس ، وتفسيره الكبير معروف ، يروي عن عائشة زوجة النبي صلىاللهعليهوآله مايلي : عندما سئلت عن حرب الجمل ودورها في تلك الحرب المدمرة ، قالت (بتأسف) : لقد كان تقديراً إلهياً! وعندما سئلت عن علي عليهالسلام قالت :
«تسألني عن أحبّ الناس كان إلى رسول الله ، وزوج أحب الناس كان إلى رسول الله ، لقد رأيت علياً وفاطمة وحسنا وحسيناً وجمع رسول الله صلىاللهعليهوآله بثوب عليهم ، ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي فأَذهب عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيراً. قالت : فقلت يارسول الله أنا من أهلك؟ قال : تنحي فإنّك إلى خير» (٢).
فمثل هذه الروايات تؤكد بصراحة أنّ نساء النبي صلىاللهعليهوآله لم يكنّ من أهل البيت في هذه الآية.
٢ ـ وردت قصّة حديث الكساء في روايات كثيرة للغاية وبتعابير مختلفة والمضمون المشترك لها جميعاً هو أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله دعا علياً عليهالسلام وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام ـ أو أنّهم حضروا عند رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ أو أنّه غطاهم بالكساء أو بقماش ، وقال : إلهي هؤلاء أهل بيتي فأَذهب عنهم الرجس ، فنزلت الآية : (انَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيتِ ويُطَهِّرَكُم تَطْهِيراً).
والجدير بالاهتمام أنّ هذا الحديث روي في صحيح مسلم عن «عائشة» ، وكذلك نقله الحاكم في «المستدرك» ، والبيهقي في «السنن» ، وابن جرير في «تفسيره» ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٣).
__________________
(١) ذكر الطبرسي في مجمع البيان في ذيل الآية مورد البحث ، والحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ، ج ٢ ، ص ٥٦ ، الحديث أعلاه.
(٢) تفسير مجمع البيان ، ذيل الآية محل البحث.
(٣) صحيح مسلم ، ج ٤ ، ص ١٨٨٣ ، ح ٢٤٢٤ (باب فضائل أهل بيت النبي صلىاللهعليهوآله).
وأورده الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل أيضاً (١) ، كما نقل هذا الحديث في صحيح «الترمذي» مراراً ، ففي موضع رواه عن «عمرو بن أبي سلمة» وفي موضع آخر عن «ام سلمة» (٢).
والملاحظة الاخرى هي أنّ «الفخر الرازي» يضيف في ذيل آية المباهلة (سورة آل عمران ، الآية ٦١) بعد نقله لهذا الحديث (حديث الكساء) :
واعلم أنّ هذه الرواية كالمتفق على صحتها بين أهل التفسير والحديث (٣).
كما يجدر ذكر هذه الملاحظة وهي : أنّ الإمام «أحمد بن حنبل» أورد هذا الحديث في مسنده بطرق مختلفة (٤).
* * *
٣ ـ نقرأ في جانب آخر من الروايات العديدة والكثيرة أيضاً أن النبي صلىاللهعليهوآله وبعد نزول آية التطهير كان يمرّ على دار فاطمة عليهاالسلام ولعدّة أشهر «في بعضها ستة أشهر ، وفي بعضها ثمانية أو تسعة أشهر» أثناء ذهابه لصلاة الصبح وينادي : «الصلاة ياأهل البيت! إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيتِ ويُطَهِّرَكُم تَطهِيراً».
وروي هذا الحديث في «شواهد التنزيل» للمفسر الشهير «الحاكم الحسكاني» عن «انس بن مالك» (٥).
وجاء في نفس الكتاب رواية اخرى عن «أبي الحمراء» يذكر فيها أنّ المدّة كانت «سبعة أشهر».
__________________
(١) شواهد التنزيل ، ج ٢ ، ص ٣٣ ، ح ٣٧٦.
(٢) صحيح الترمذي ، ج ٥ ، ص ٦٩٩ ، ح ٣٨٧١ (باب فضل فاطمة).
(٣) تفسير الكبير ، ج ٨ ، ١٠٥ ص ٨٠.
(٤) مسند أحمد ، ج ١ ، ص ٣٣٠ وج ٤ ، ص ١٠٧ وج ٦ ، ص ٢٩٢ (نقلاً عن فضائل الخمسة ، ج ١ ، ص ٢٧٦ وما بعدها).
(٥) شواهد التنزيل ، ج ٢ ، ص ١١ و ١٢ و ١٣ و ١٤ و ١٥ و ٩٢ (انتبهوا إلى أنّ شواهد التنزيل نقل هذه الرواية بطرق عديدة).
ورويت هذه الواقعة أيضاً في نفس الكتاب عن «أبي سعيد الخدري» ذاكراً أنّ المدّة كانت «ثمانية أشهر» (١).
إنّ الاختلاف في هذه التعابير أمر طبيعي ، فربما شاهد أنس هذا الأمر لمدّة ستة أشهر ، وأبو سعيد الخدري لمدّة ثمانية أشهر ، وأبو الحمراء لمدّة سبعة أشهر وابن عباس تسعة أشهر (٢).
فكل منهم نقل ما رآه ، فلا تضارب بين كلامهم.
على أيّة حال ، فاستمرار هذه الحالة وتكرار هذا الكلام خلال تلك الفترة الطويلة من قبل النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله كان أمراً مخططاً له ، فهو كان يريد أن يُبيّن بوضوح أنّ المراد من «أهل البيت» هم أهل هذه الدار فقط ، لئلا يبقى شك بالنسبة لأي شخصٍ في المستقبل ، وليعلم الجميع أنّ هذه الآية نزلت بحق هذه الزمرة فقط ، والعجيب أنّ القضية بالرغم من هذا التكرار والتأكيد بقيت غامضة بالنسبة للبعض.
لاسيّما وأنّ الدار الوحيدة التي كانت بابها مفتوحة على مسجد النبي صلىاللهعليهوآله هي دار النبي صلىاللهعليهوآله وعلي عليهالسلام ، (فقد أمر النبي صلىاللهعليهوآله بإغلاق جميع الأبواب التي كانت تفتح على المسجد ماعدا هاتين البابين).
ويذكر أنّ الكثير من الناس طالما سمعوا هذا الحديث عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أثناء الصلاة ، وبعد هذا التأكيد والإثبات أليس من المدهش أن يصر بعض المفسرين على سعة مفهوم الآية لتشمل نساء النبي صلىاللهعليهوآله أيضاً ، مع ما أوردناه سابقاً من حديث عائشة زوجة النبي صلىاللهعليهوآله واستنادا إلى شهادة التاريخ حيث أنّها لم تَدعْ شيئاً أثناء ذكرها لفضائلها وتفاصيل حياتها مع النبي صلىاللهعليهوآله ، فهي لم تر نفسها غير مشمولة بهذه الآية فحسب ، بل تقول : إنّ النبي قال لي : «لستِ منهم»!
* * *
__________________
(١) شواهد التنزيل ، ج ٢ ، ص ٢٨ ؛ واحقاق الحق ، ج ٢ ، ص ٥٠٣ إلى ٥٤٨.
(٢) تفسير در المنثور ، ج ٥ ، ص ١٩٩.
٤ ـ الروايات العديدة المروية عن الصحابي المعروف أبي سعيد الخدري التي أشارت الى آية التطهير تقول بصراحة : نزلت في خمسة : في رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام (١).
وملخص الحديث هو : إنّ الروايات التي وردت في المصادر الإسلامية بشأن آية التطهير واختصاصها بالنبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين من الكثرة بحيث يجعلها في صف الروايات المتواترة ، ولا يبقى فيها أدنى شك من هذه الناحية ، حيث إنّ صاحب شرح إحقاق الحق ينقلها عن مايربو على سبعين مصدراً من مصادر أهل السنة (بالإضافة إلى المصادر المعروفة لدى أتباع أهل البيت) ويقول : «لو أحصينا كافة هذه المصادر لتجاوزت الألف» (٢)!.
أجوابة عن عدّة أسئلة :
نظراً إلى أنّ الآية الآنفة الذكر التي تواترت الروايات في المصادر الإسلامية المعروفة في تفسيرها ، تعد كرامة عظيمة لأئمّة أهل البيت عليهمالسلام يمكن اعتبارها دليلاً على حقانية خَطِّهم ، وقد تشبث بعض العلماء وأخذوا كالعادة بالبحث عن إشكالات أشبه ما تكون باختلاق المبررات بعيداً عن الانتقاد العلمي ، بينما أيقنت طائفة اخرى بالآية والروايات بشجاعة ، وإن ظلوا أتباعاً لطريقة أهل السنّة من الناحية الاصولية ، وفيما يلي بعض الانتقادات :
١ ـ المراد من أهل البيت هم الساكنون في بيت النبي صلىاللهعليهوآله ، لأنّ البيت يعني الدار المسكونة ، وسكنةُ بيت النبي صلىاللهعليهوآله هم نساؤه ، وليس الآخرين ، وإذا ما جاء الضمير على صورة ضمير المذكر فالسبب يعود إلى أنّ لفظ «الاهل» مذكر ، وإذا ما جاء البيت بصيغة المفرد لا الجمع ، بينما نساء النبي صلىاللهعليهوآله كنّ يسكنّ في بيوت عديدة ، فذلك بسبب أنّ النبي صلىاللهعليهوآله كان واحداً ، فذكر بيته بصفة الواحد أيضاً ، والخلاصة أنّ الآية ناظرة إلى نساء النبي صلىاللهعليهوآله فقط.
__________________
(١) وردت في شواهد التنزيل أربع روايات بهذا الصدد ، ج ٢ من ص ٢٤ ـ ٢٧ (ح ٦٥٩ و ٦٦٠ و ٦٦١ و ٦٦٤).
(٢) اقتباساً من احقاق الحق ، ج ٢ ، ص ٥٠٢ إلى ٥٦٣.
لقد اتضحت الاجابة جيداً عن هذا السؤال أو التبرير من خلال الأبحاث السابقة ، وآثار التكلف أثناء الدفاع عن هذا الرأي مشهودة تماماً ، فلو كان المقصود من (الأهل) نساء النبي صلىاللهعليهوآله يكون ظاهر اللفظ «مفرد مذكر» ومعناه «جمع مؤنث» ، بينما لم يذكر في الآية لا «المفرد المذكر» ولا «الجمع المؤنث» بل جاء بصيغة «الجمع المذكر».
كما أنّ التعبير بـ «البيت» جاء بصيغة المفرد خلافاً لمطلع الآية الذي جاء بصيغة الجمع ، فمن المتعذر أن تكون عبارة : «وَقَرَن فىِ بُيُوتِكُنَّ» من أجل شخص النبي صلىاللهعليهوآله ، لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله لم يكن يمتلك بيتاً مستقلاً ، فقد كان بيته هي البيوت التي كانت تعيش فيها زوجاته.
على هذا الأساس فلا سبيل سوى أن يكون المقصود من البيت هنا بيت القرابة والارتباط النسبي بالنبي صلىاللهعليهوآله ، لا بيت السكنى كما في التعبير المتداول والمعتاد عليه.
بالإضافة إلى كل هذا فعلى فرض قبولنا بهذه الآراء البعيدة عن الواقع ، فهل يمكن التغاضي عن روايات بهذه السعة والكثرة والصراحة وهى التي تحصر أهل البيت عليهمالسلام بخمسة أشخاص؟ أم نعتبرها روايات ضعيفة السند؟ فلو لم تكن هذه الروايات متواترة وقوية ، فليس لدينا ـ إذن ـ حديث متواتر وصحيح ، ولو كانت هذه الروايات خالية من الصراحة ، فأيّ رواية صريحة في مضمونها؟!
والأدهى من ذلك كله مانقل عن «عكرمة» قوله : من شاء باهلتُه أنّها نزلت في نساء النبي صلىاللهعليهوآله (١) ، ونقل عنه في تعبير آخر : إنّ عكرمة كان ينادي في السوق أنّ قوله تعالى إنّما يريد الله ... نزل في نساء النبي صلىاللهعليهوآله (٢).
إنّه لمدهش حقاً ، فهل يمكن إثبات المسائل العلمية والاستدلالية بالمباهلة والصراخ في الأسواق ، وهو أمر يمتلك جميع هذه الأدلة والشواهد والقرائن ، إذ يقوم النبي صلىاللهعليهوآله ببسط الكساء على خمسة أشخاص ويشخِّصهم بدقّة ويخاطبهم ، حتى أنّه لم يسمح لـ «أم سلمة»
__________________
(١) تفسير روح المعاني ، ج ٢٢ ، ص ١٢.
(٢) المصدر السابق ، ص ١٣.
و «عائشة» بالدخول تحته ، وأخذ يكرر هذه العبارة أمام دار فاطمة عليهاالسلام لمدة ستة أشهر أو ثمانية أشهر أو تسعة أشهر ، دالاً على أنّ المرادف بهذه الآية هو أنتم ، وإنّ كلمة «إنّما» التي تدل على الحصر واضحة للعيان.
والنبي صلىاللهعليهوآله إنّما يريد بهذا التأكيد ازالة جميع اشكال الشبهات ، بَيدَ أنّ عكرمة يريد من خلال الدوافع التي يعلمها جيداً أن يثبت بالمباهلة غير ذلك رافعاً عقيرته في الأسواق ضد ذلك!.
إنَّ حماس واندفاع عكرمة وراء المباهلة النادرة والقليلة الحصول في الأبحاث العلمية ، وكذا مناداته في الأسواق التي هي من النوادر في القضايا العلمية أيضاً ، بحد ذاته دليلٌ على أنّ هناك أمراً وراء ذلك ، وإنّ وراء هذا القيل والقال تكمن أسرارٌ اخرى ، فهل كان مكلَّفاً بإنكار هذه الفضيلة الإلهيّة العظيمة ارضاءً لسلاطين زمانه ، وأن ينبري للتصدي لأحاديث النبي صلىاللهعليهوآله بهذه الصلافة؟!
٢ ـ السؤال الآخر هو : إذا كان المراد هو تلك الأنوار المقدّسة الخمسة ، فما هي منزلة سائر ائمة أهل البيت عليهمالسلام؟
والجواب هو : أنّ الذين كانوا يعاصرون ذلك الوقت هم أولئك الخمسة ، والآخرون جاءوا فيما بعد ، وورثوا تلك الصفات عن النبي صلىاللهعليهوآله وآبائهم عليهمالسلام.
٣ ـ كما تمّ التلميح آنفاً إلى أنّ المراد من الإرادة في (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ) ، الإرادة التكوينية ، لا التشريعية ، وبتعبير آخر ليس المراد هو أنّ الله أمركم بالابتعاد عن المعصية ، لأنّ هذا الأمر الإلهي يعمّ المسلمين جميعاً ولا يخصُ أصحاب الكساء فقط.
يتضح ممّا تقدم أنّ الإرادة التكوينية والمشيئة الإلهيّة قضت بتطهيرهم ، والمحافظة عليهم من كل ذنب ، وصيانتهم من شر الشيطان والأهواء النفسية ، ونحن نعلم أنّ مشيئة الله غير قابلة للتخلُّف ، وما تفوَّه به البعض من أنّ إرادة الله قابلة للتخلف يمثل غاية الجهل والغباء ، فمن الذي يستطيع الحيلولة دون مشيئة الله ، إلّاأن تكون مشيئة الله متعلقة بشرط
ولم يحصل ذلك الشرط؟ ونحن نعلم أنّ الإرادة في الآية أعلاه مطلقة ، وليست مشروطة بشرط أبداً.
وما قاله البعض : إنّ هذا الكلام يستدعي أن يكون صحابة النبي صلىاللهعليهوآله معصومين لاسيّما الذين شاركوا في معركة بدر ، حيث قال تعالى بحقهم :
(وَلَكِن يُريدُ لِيُطَهِّرَكُم وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيكُم لَعَلَّكُم تَشْكُرونَ) (١). (المائدة / ٦)
وممّا يبعث على الأسف هو عند اضطرام نار التعصب فإنّها تلتهم كل شيء وتحوِّله إلى رماد ، وبالأساس فإننا نفتقد في القرآن الكريم مثل هذه الآية بشأن معركة بدر ، وما نزل بشأن معركة بدر هو : (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيطَانِ). (الانفال / ١١)
وظاهر هذه الآية تتعلق بنزول المطر (في معركة بدر) واستثمار المسلمين له للغسل والوضوء ، ولا ترتبط ببحثنا أبداً ، إلّاأنّ هذا الأخ المتعصب حذف مطلع الآية وجاء بعبارة «ليطهركم» فقط ، وعدّها دليلاً على طهارة وقداسة الصحابة كافّة.
وبالطبع فإنّ عبارة : (وَلَكِن يُريدُ لِيُطَهَّرَكُم وَلِيُتِمَّ نِعمَتَهُ عَلَيكُم لَعَلَّكم تَشكُرُونَ) لم تأتِ بشأن أصحاب بدر ، بل جاءت في ذيل آية الوضوء والغسل والتيمم ، وواضح أنّها تشير إلى الطهارة التي تحصل من هذه المطهرات الثلاثة ، فكيف يصادرها هذا المفسر الشهير من هناك ويذهب بها إلى ميدان بدر ، ويصادر أمراً يخص الغسل والتيمم ويقحمه في موضوع بحث العصمة؟ إنّه أمرٌ غامض.
ويثار هنا سؤال آخر وهو : إذا كانت الآية دليلاً على عصمة هؤلاء العظماء ، فلماذا جاءت «يريد» بصيغة «الفعل المضارع» إذن؟
فإن كانوا معصومين فلماذا يقول : «يريد الله» فهل أنّ تحصيل الحاصل ممكن؟ لماذا لم يقل «أراد الله بصيغة الفعل الماضي»؟ (٢).
__________________
(١) تفسير روح المعاني ، ج ٢٢ ، ص ١٧ ، (ذيل الآية ٣٣ من سورة الأحزاب).
(٢) تفسير روح المعاني ، ج ٢٢ ، ص ١٧.
لو كان قائل هذا الكلام يبحث التعبير بـ «يريد» في آيات القرآن الكريم بدقة وتمعُّن لما تفوَّه بمثل هذا الكلام ، لأنّ هذه الكلمة طالما استعملت في الكثير من آيات القرآن الكريم بشأن الامور المتعلقة بالإرادة المستمرة من الماضي وحتى الآن ، ومن الآن إلى المستقبل ، وبتعبير آخر : إنّ هذه العبارة غالباً ماتستعمل للدلالة على استمرار وثبات المشيئة على شيء ما في الماضي والحاضر والمستقبل ، ويمكن ملاحظة صدق هذا الكلام في الآيات التالية :
(وَمَا اللهُ يُريدُ ظُلْماً لِلعَالَمِينَ). (آل عمران / ١٠٨)
(يُريدُ اللهُ بِكُمُ اليُسرَ وَلَايُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ). (البقرة / ١٨٥)
(يُريدُ اللهُ انْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ). (النساء / ٢٨)
وبديهي أنّ مفهوم هذه الآيات ليس هو أنّ الله أراد ظلماً في السابق ، وكان يريد بكم العسر قبل ذلك ، أو أنّه لم يُرِدْ سابقاً التخفيف عنكم واليوم فعل هكذا ، بل إنّ مفاد هذه الآيات جميعها هو أنّه أراد هكذا في الماضي والحاضر وفي المستقبل.
وكذلك قال تعالى بشأن الشيطان : (وَيُرِيدُ الشَّيطَانُ أَنْ يُضِلَّهُم ضَلَالاً بَعِيداً). (النساء / ٦٠)
و (انَّمَا يُرِيدُ الشَّيطَانُ انْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَداوَةَ وَالبَغضَاءَ فِى الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ). (المائدة / ٩١)
و (بَلْ يُرِيدُ إِلانسَانُ لِيَفْجُرَ امَامَهُ). (القيامة / ٥)
يتضح جلياً من خلال هذه الآيات بيان الإرادة المستمرة للشيطان في الماضي والحاضر والمستقبل لإغواء الناس ، وذلك بخلق العداوة والبغضاء عن طريق الخمر والقمار ، وكذا مفهوم الآية الثالثة ، وهو : إنّ الإنسان الجاحد يريد أن يكون متحرراً على الدوام ويرتكب الذنب ، لذا فهو ينكر القيامة.
هنالك آيات كثيرة في القرآن تتابع هذا الموضوع ، غير هذه الآيات الست أعلاه التي تبيّن أنّ استعمال كلمة «يريد» بنحو الاستمرارية يشمل الأزمنة الثلاثة.
على هذا الأساس فمفهوم الآية الكريمة : (انَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِجْسَ) ، هو تعلُّق الإرادة الإلهيّة المستمرة بطهارة وقداسة وعصمة أصحاب الكساء.
* * *
شبهات حول العصمة :
تثار عدّة أسئلة فيما يتعلق بعصمة الأنبياء والأئمّة المعصومين عليهمالسلام أهمها هو : أليس العصمة صفة إجبارية؟ فاذا كانت العصمة موهبة إلهيّة تمنح فقط إلى هؤلاء ، وليس بمقدور الأنبياء والأئمّة المعصومين عليهمالسلام ارتكاب الذنب ، أو أنّ الله يحول دون عوامل الذنب بشكل حازم ، فما الفضيلة والفخر في ذلك؟
لقد تمّ تقديم الاجابة عن هذا السؤال بشكل مفصّل في الجزء السابع من نفحات القرآن في بحث عصمة الأنبياء وهو باختصار :
إنّ إثارة هذه الشبهة سببه عدم التمعُّن باصول عصمة المعصومين عليهمالسلام ، فهم لم يلتفتوا إلى أنّ هذه «التقوى الراسخة» تنبع من «إيمانهم القوي وعلمهم ومعرفتهم الخارقة» التي يكون جانب منها اكتسابياً والآخر هبة ، فمثلاً : إنّ الإنسان الذي يبلغ درجة عالية في الطب ، محال أن يشرب ماءً ملوثاً بالجراثيم ، بينما ربّما يفعل الإنسان الامي هذا الأمر ، إنّ امتناع الطبيب عن شرب الماء الملوث كان باختياره ، فهو يستطيع شرب ذلك الماء ، إلّاأنّ إيمانه ومعرفته بعواقب الأمر تحول دون ذلك ، فهو شبيه المعصوم في حرية إرادته ازاء القيام بهذا العمل (١).
* * *
السؤال الآخر هو : إنّ الأئمّة اعترفوا بالخطأ والذنب من خلال كلماتهم ، فكيف يمكن اعتبارهم معصومين؟ ففي أدعيتهم يسألون الله أن يغفر لهم ذنوبهم ، وهذا بحد ذاته دليل على عدم عصمتهم.
__________________
(١) للمزيد من الايضاح راجعوا ج ٧ ، ص ١٥٥ ـ ١٦٠ من هذا التفسير.
يقول أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام في الخطبة ٢١٦ من نهج البلاغة : «إنّي لستُ في نفسي بفوق أن اخطيء ولا آمن ذلك من فعلي إلّاأن يكفي الله من نفسي ما هو أملك بي منّي» (١).
ويثار نظير هذا الاعتراض بشأن الكثير من الآيات المتعلقة بقصص الأنبياء في القرآن الكريم أيضاً ، حيث ذكرناها جميعا في نفس الجزء السابع تحت عنوان «تنزيه الأنبياء» ، وأعطينا الجواب عنها ، وتعقَّبنا هذه القضايا من خلال الإشارة إلى جزئيات تاريخ الأنبياء وما يمكن أن يتعرض إلى هذه الشبهات.
ولابدّ من الإشارة إلى بعض النقاط بشكل مختصر :
١ ـ في الكثير من الحالات كان الأئمّة عليهمالسلام يتحدثون لتعليم الناس باعتبارهم الاسوة ، وأنّ أقوالهم كانت تحمل طابعاً تعليمياً ، واللطيف أنّ تفسير روح المعاني وبعد إثارة هذا الاعتراض بشأن علي عليهالسلام يأتي بهذا الجواب ، ثم يقول : وقصد الكلام كما في بعض الأدعية النبوية بعيد (٢) فلماذا لا يكون مستبعداً في كلام النبي صلىاللهعليهوآله بينما يستبعد في كلام علي عليهالسلام. إنّ هذا لا يدل إلّاعلى تعصب هذا المفسر المعروف.
٢ ـ كان الغرض في بعض الحالات هو أنّهم عليهمالسلام يريدون أن يقولوا : إنّنا لا نملك شيئاً بدون الاعتماد على اللطف الإلهي ، وهذه هي عطاياه ومواهبه وفيوضاته التي تجعلنا معصومين ، وبتعبير آخر : إنّ ما نقل عن علي عليهالسلام في العبارة يعاكس ما يقوله المشككون تماماً فهو يدل على عصمته بالاعتماد على الألطاف الإلهيّة ، فالإمام يقول : لست معصوماً عن الخطأ «بدون اللطف الإلهي» ، وهذه الموهبة ليست سوى لطف إلهي ، أو وفقاً للتعبير الذي ورد في سورة يوسف ليس إلّا.
٣ ـ في الكثير من الامور التي وردت في الآيات أو الأدعية باعتبارها ذنباً ، فهي ليست سوى ترك الأولى ، ومصداق للقول المعروف : «حسنات الأبرار سيئات المقربين».
__________________
(١) يصرُ الآلوسي في تفسيره ، ذيل آية التطهير اصراراً عجيباً في انكار أنّ مفهوم الآية يتعلق بعصمة أهل البيت عليهمالسلام ويثير هذه الشُبهة (تفسير روح المعاني ، ج ٢٢ ، ص ١٧).
(٢) تفسير روح المعاني ، ج ٢٢ ، ص ١٨.
وهذه النكتة جديرة بالذكر أيضاً وهي أنّ المراد من ترك الأولى ليس ترك عمل واجب ، أو ارتكاب محرم أو مكروه ، بل أراد الفعل المباح أو المستحب في قبال عمل أكثر استحباباً منه ، وواضح أنّ ترك المستحب الأولى والإتيان بمستحب آخر ليس في فعله خلاف ، إلّاأنّه ترك للأولى ، لكن ليس هذا الفعل بالنسبة للآخرين لا يعتبر خلافاً فحسب ، بل إنّ أداء المستحب بحد ذاته يعدُّ فضيلة ، وربّما يؤدّي إلى اللوم بالنسبة إلى المقربين لدى الله تعالى.
فالصلاة المقبولة من شخص عادي ، تعد تركاً للأولى بالنسبة للعالم الكبير ، وصلاة ذلك العالم لا تليق بالمعصوم ، للمزيد من التوضيح راجعوا الجزء السابع من نفحات القرآن.
* * *
خصائص الأئمّة عليهمالسلام
كما تكررت الإشارة فإنّ رسالة الأئمّة المعصومين عليهمالسلام تشبه وتنسجم مع رسالة الأنبياء في الكثير من الحالات ، سوى أنّ الوحي لاينزل عليهم ، ولم يضعوا الحجر الأساس للدين ، بل واصلوا خط الأنبياء ، من هنا فإنّ أكثر الصفات اللازمة فيهم تطابق صفات الأنبياء ، ونظراً إلى أنّنا قد جئنا بهذه الصفات بشكل مفصّل ، مستندين إلى آيات القرآن الكريم في بحث الصفات العامة للأنبياء في الجزء السابع ، فلا نرى ضرورة لشرحها بشكل موسع هنا ، ولكن من أجل التذكير لابدّ لنا من المرور عليها ثانية (التفتوا إلى أنّ هذه الصفات جميعها طرحت في القرآن بشأن الأنبياء) ، ولابدّ للقادة الالهيين والأئمّة المعصومين عليهمالسلام بالاضافة إلى تمتعهم بـ «العلم» و «العصمة» أن يتمتعوا بالصفات التالية :
١ ـ الصدق : فلو لم تتوفر لديهم هذه الصفة لم يحصل الاطمئنان والثقة اللازم توفرها من أجل اقامة العلاقات المعنوية بين الأتباع والقادة.
٢ ـ الالتزام بالعهود والمواثيق : لأنّ جانباً عظيماً من دعوتهم يقوم على أساس الوعود التي يمنحونها للناس ، فإن لم يكونوا «صادقي الوعد» تنهار ركائز ثقة العامة بهم.
٣ ـ الأمانة في المحافظة على الودائع والأحكام الإلهيّة وابلاغها : حيث إنّها تمثل إحدى دعائم الثقة والإعتماد.
٤ ـ المحبة والحرص الفائق تجاه الناس : فلو لم تتوفر هذه الميزة من المستحيل أن يبدي الناس تحملاً للعناء والمشقات في قيادة المجتمع ـ لاسيما الجهلة والمعاندون ـ.
٥ ـ الاخلاص والتجرد التام وقطع الأمل بكل أجر مادي وإلّا ستفقد الدعوة والقيادة جاذبيتها.
٦ ـ الاحسان والتفضل بحق الأصدقاء بل وحتى الأعداء : وهي من مظاهر رحمانية الله ورحيميته وسبب في إقامة الارتباط المعنوي بين القيادة والقاعدة.
٧ ـ الشجاعة الفائقة وعدم الخشية إلّامن الله تعالى التي تعد ميزة أساسية للذين «يبلغون رسالات الله» في القرآن الكريم ، لأنّها السر الحقيقي وراء النجاح ، وبدونها لا يتقدم العمل في مجال القيادة.
٨ ـ التوكُّل المطلق على الله : فغالباً ما يبقى القائد الرباني وحيداً فريداً ويعزله عن الآخرين الفساد الذي يسود البيئة ، فلو لم يكن متوكِّلاً على الله فمن المتعذر عليه مواصلة طريقه.
٩ ـ الرفق وحسن الخلق : الميزة الاخرى التي وردت في القرآن الكريم بشأن النبي صلىاللهعليهوآله ، وفي الحقيقة لابدّ لكل قائد إلهي (سواء كان نبياً أو إماماً) أن يتمتع بها ، وإلّا فإنّ الخشونة والغلظة والاتصاف بـ «فظ غليظ القلب» يؤدّي إلى تفرق الناس وعقم أهداف القائد الإلهي.
١٠ ـ النجاح في الامتحانات القاسية : يث يعتبر القرآن الكريم إعطاء منصب الإمامة لإبراهيم عليهالسلام بسبب نجاحه في اجتياز الامتحان والإبتلاء وتحمله المشاق.
وفي واقع الأمر يجب على المعصومين أن يخرجوا من الامتحانات القاسية ظافرين ، ليكونوا مؤهلين لقيادة المؤمنين جسماً وروحاً وظاهراً وباطناً.
لقد وردت هذه المواضيع بشكل مفصّل ومستند إلى آيات القرآن الكريم في بحث الصفات العامة للأنبياء في الجزء السابع من نفحات القرآن.
* * *
الله فقط الذي يُعيِّن الإمام :
يستنتج من مجموع الأبحاث التي جرت بشأن صفات الإمام وتشبيهه بالأنبياء في الكثير من الحالات أنّ الأئمّة المعصومين عليهمالسلام (أوصياء الأنبياء) يجب أن يكون تعيينهم من قبل الله تعالى.
وبتعبير آخر : ليس لـ «انتخاب الامّة» دور في هذا المجال ولا «إجماع الامّة» أو «التنصيب» من قبل أشخاص عاديين ، لأنّ الصفات اللازمة في الإمام لا يعلمها إلّاالله تعالى ، وأهمها «العصمة» ، و «العلم الخاص» ، حيث يتعذر على الإمام التحليق في سماء الإمامة والزعامة بدون هذين الجناحين!
فمن الذي يعلم أنّ فلاناً معصوم عن الذنب والخطأ ، وأنّ هيمنة علمه على جميع مسائل التشريع وحياة البشر مسُلَّمة وثابتة؟
إنّ تشخيص سائر الصفات الخاصة بالإمام التي ذكرت آنفاً ، متعذر على أغلب الناس ، وربّما جميعهم.
من هنا يستفاد جيداً أنّ لا سبيل لتعيين الإمام سوى عن طريق التنصيب الإلهي ، وهذا «التنصيب» يثبت من خلال ثلاثة طرق :
الأول : عن طريق النبي صلىاللهعليهوآله أو الإمام المعصوم السابق الذي يعين خليفته بأمر الله تعالى ويعرِّفه لجميع الناس ، وفي الحقيقة أنّه في هذه القضية يمثل الواسطة في نقل الأمر الإلهي إلى الناس.
الثاني : عن طريق مشاهدة «المعجزات» كما مر ذكره في بحث النبوة ، أي خرق العادة ، وهو خارج عن طاقة البشر ، وهو مترافق مع التحدي ودعوة الآخرين بالإتيان بمثلها إن لم يذعنوا.
غاية الأمر أنّ التحدي في قضية «النبوة» يأتي في مجالها وفي قضية «الإمامة» في مجال الإمامة ، أو بتعبير أكثر بساطة : إنّ الذي يدّعي الإمامة يقوم بخرق العادة الخارج عن طاقة أي إنسان تأكيداً على ادّعائه الإمامة.
ومن المسلَّم به أنّ خرقاً للعادة كهذا يعطى له من قبل الله تعالى ، ومن المحال أن يمنح الله الحكيم والعالم بالسرائر هذه الوسيلة للذي يدّعي الإمامة زوراً وبهتاناً.
الثالث : الطريق الثالث هنا هو كالذي مرّ في بحث النبوة ، وهو جمع القرائن ، أي مجموعة الصفات والأفعال والخصائص المتوفرة لدى شخصٍ ما بحيث يتيقن الإنسان من
خلال مشاهدتها أنّه إمام معصوم وقائد إلهي ، فيتظافر علمه ومعرفته مع المزايا الأخلاقية والصفات الإنسانية والأفعال والأقوال والسلوكيات لتثبت بكل يقين أنّه إمام معصوم وخليفة للنبي صلىاللهعليهوآله.
راجعوا تفصيل هذه المسألة في الجزء السابع من نفحات القرآن في بحوث «النبوة والقرآن».
* * *
الولاية التكوينية
للأنبياء والأئمّة عليهمالسلام