الشيخ يوسف بن أحمد البحراني [ صاحب الحدائق ]
المحقق: محمّد تقي الإيرواني
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٩٦
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين والصلاة على نبيه محمد وعترته الطيبين الطاهرين.
كتاب الحج
وهو يطلق في اللغة على معان كما يستفاد من القاموس ، وهي : القصد والكف والقدوم والغلبة بالحجة وكثرة الاختلاف والتردد وقصد مكة للنسك ، وقال الخليل : الحج كثرة الاختلاف الى من يعظمه ، وسمي الحج حجا لان الحاج يأتي قبل الوقوف بعرفة الى البيت ثم يعود اليه لطواف الزيارة ثم ينصرف إلى منى ثم يعود اليه لطواف الوداع.
والأصحاب (رضوان الله عليهم) قد نقلوه عن المعنى اللغوي إلى قصد البيت لأداء المناسك المخصوصة عنده كما عرفه به الشيخ ومن تبعه ، أو انه اسم لمجموع المناسك المؤادة في المشاعر المخصوصة. وقد أورد على كل من التعريقين إيرادات ليس للتعرض لها مزيد فائدة.
إلا أنه ينبغي ان يعلم ان النقل عن المعنى اللغوي ـ كما ذكرنا ـ إنما يتم لو لم يكن ما ذكره في القاموس من انه قصد مكة للنسك معنى لغويا وإلا كان حقيقة لغوية في المعنى المصطلح عليه ، والمشهور في كلام أهل اللغة إنما هو انه بمعنى القصد فيكون النقل متجها ، وانه على تقدير تعريف الشيخ يكون النقل لمناسبة وعلى تقدير التعريف الآخر لغير مناسبة.
وكيف كان فالبحث في هذا الكتاب يقع في أبواب أربعة وخاتمة :
الباب الأول في المقدمات
المقدمة الاولى وفيها فصول :
الفصل الأول
في جملة من الاخبار الدالة على جملة من الفوائد العظام المناسبة للمقام :
منها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الكافي بسنده عن ابي حسان عن ابى جعفر عليهالسلام (١) ورواه في الفقيه (٢) مرسلا عن ابى جعفر عليهالسلام قال : «لما أراد الله ان يخلق الأرض أمر الرياح فضربن متن الماء حتى صار موجا ثم أزبد فصار زبدا واحدا فجمعه في موضع البيت ثم جعله جبلا من زبد ثم دحا الأرض من تحته وهو قول الله عزوجل (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً)» (٣) وزاد في الفقيه (٤) «وأول بقعة خلقت من الأرض الكعبة ثم مدت الأرض منها».
وما رواه في الكافي (٥) عن سعيد الأعرج عن ابي عبد الله عليهالسلام قال
__________________
(١) الوسائل الباب ١٨ من مقدمات الطواف.
(٢ و ٤) ج ٢ ص ١٥٦.
(٣) سورة آل عمران الآية ٩٦.
(٥) ج ٤ ص ٢٢٥.
«ان قريشا لما هدموا الكعبة وجدوا في قواعده حجرا فيه كتاب لم يحسنوا قراءته حتى دعوا رجلا فقرأه فإذا فيه : انا الله ذو بكة حرمتها يوم خلقت السماوات والأرض ووضعتها بين هذين الجبلين وحففتها بسبعة أملاك حفا».
وما رواه في الكافي (١) في الصحيح عن ابي العباس عن ابي عبد الله عليهالسلام قال : «لما ولد إسماعيل حمله إبراهيم عليهالسلام وامه على حمار واقبل معه جبرئيل عليهالسلام حتى وضعه في موضع الحجر ومعه شيء من زاد وسقاء فيه شيء من ماء والبيت يومئذ ربوة حمراء من مدر ، فقال إبراهيم عليهالسلام لجبرئيل ههنا أمرت؟ قال نعم ومكة يومئذ سلم وسمر وحول مكة يومئذ ناس من العماليق».
وما رواه ابن بابويه في كتاب علل الشرائع والأحكام (٢) في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله عليهالسلام قال : «ان إبراهيم لما خلف إسماعيل بمكة عطش الصبي وكان في ما بين الصفا والمروة شجر فخرجت امه حتى قامت على الصفا فقالت هل بالوادي من أنيس؟ فلم يجبها أحد فمضت حتى انتهت إلى المروة فقالت هل بالوادي من أنيس؟ فلم يجبها أحد ثم رجعت الى الصفا فقالت كذلك حتى صنعت ذلك سبعا فأجرى الله ذلك سنة ، فأتاها جبرئيل عليهالسلام فقال لها من أنت؟ فقالت انا أم ولد إبراهيم عليهالسلام فقال ابى من وكلكم؟ فقالت اما إذا قلت ذلك فقد قلت له حيث أراد الذهاب يا إبراهيم الى من تكلنا؟ فقال الى الله (عزوجل) فقال جبرئيل عليهالسلام لقد وكلكم الى كاف. قال وكان الناس يتجنبون المرور بمكة لمكان الماء ففحص الصبي برجله فنبعت زمزم فرجعت من المروة إلى الصبي وقد نبع الماء فأقبلت تجمع التراب حوله مخافة ان يسيح الماء ولو تركته
__________________
(١) ج ٤ ص ٢٠١.
(٢) ص ٤٣٢ وفي الوسائل الباب ١ من السعي. وفي الكافي ج ٤ ص ٢٠٢.
لكان سيحا ، قال فلما رأت الطير الماء حلقت عليه ، قال فمر ركب من اليمن فلما رأوا الطير حلقت عليه قالوا ما حلقت إلا على ماء فأتوهم فسقوهم من الماء وأطعموهم الركب من الطعام ، واجرى الله (عزوجل) لهم بذلك رزقا فكانت الركب تمر فيطعمونهم من الطعام ويسقونهم من الماء».
وما رواه الشيخ في الصحيح عن احمد بن محمد (١) قال : «سألت أبا الحسن عليهالسلام عن الحرم واعلامه فقال ان آدم عليهالسلام لما هبط على ابي قبيس شكي الى ربه الوحشة وانه لا يسمع ما كان يسمع في الجنة فأنزل الله تعالى عليه ياقوتة حمراء فوضعها في موضع البيت فكان يطوف بها وكان يبلغ ضوؤها موضع الاعلام فعلمت الاعلام على ضوئها فجعله الله حرما».
وما رواه الكليني في الصحيح عن هشام بن سالم عن ابى عبد الله عليهالسلام (٢) قال : «لما اقبل صاحب الحبشة بالفيل يريد هدم الكعبة مروا بابل لعبد المطلب فاستاقوها فتوجه عبد المطلب الى صاحبهم يسأله رد ابله عليه فاستأذن عليه فاذن له وقيل له ان هذا الشريف قريش أو عظيم قريش وهو رجل له عقل ومروة فأكرمه وأدناه ثم قال لترجمانه سله ما حاجتك؟ فقال له ان أصحابك مروا بإبل لي فاستاقوها وأردت ان تردها على. قال فتعجب من سؤاله إياه رد الإبل وقال هذا الذي زعمتم انه عظيم قريش وذكرتم عقله يدع أن يسألني ان انصرف عن بيته الذي يعبده اما لو سألني ان انصرف عن هدمه لانصرفت له عنه ، فأخبره الترجمان بمقالة الملك فقال له عبد المطلب ان لذلك البيت ربا يمنعه وانما سألتك رد إبلي لحاجتي إليها فأمر بردها عليه ومضى عبد المطلب حتى لقي الفيل على طرف الحرم
__________________
(١) الوسائل الباب ١٣ من مقدمات الطواف.
(٢) الوسائل الباب ١٨ من مقدمات الطواف.
فقال له يا محمود فحرك رأسه فقال له أتدري لما جيء بك؟ فقال برأسه : لا. فقال جاءوا بك لتهدم بيت ربك فتفعل؟ فقال برأسه لا فانصرف عنه عبد المطلب وجاءوا بالفيل ليدخل الحرم فلما انتهى الى طرف الحرم امتنع من الدخول فضربوه فامتنع من الدخول فصرفوه فأسرع فأداروا به نواحي الحرم كلها كل ذلك يمتنع عليهم فلم يدخل ، وبعث الله عليهم الطير كالخطاطيف في مناقيرها حجر كالعدسة ونحوها فكانت تحاذي برأس الرجل ثم ترسلها علي رأسه فتخرج من دبره حتى لم يبق منهم أحد إلا رجل هرب فجعل يحدث الناس بما رأى إذا طلع عليه طائر منها فرفع رأسه فقال هذا الطائر منها وجاء الطير حتى حاذى برأسه ثم ألقاها عليه فخرجت من دبره فمات».
ومنها ـ ما رواه في الكافي والفقيه في الصحيح عن سعيد الأعرج عن ابي عبد الله عليهالسلام (١) قال : «ان قريشا في الجاهلية هدموا البيت فلما أرادوا بناءه حيل بينهم وبينه والقى في روعهم الرعب حتى قال قائل منهم : ليأت كل رجل منكم بأطيب ماله ولا تأتوا بمال اكتسبتموه من قطيعة رحم أو حرام ففعلوا فخلى بينهم وبين بنائه فبنوه حتى انتهوا الى موضع الحجر الأسود فتشاجروا فيه أيهم يضع الحجر الأسود في موضعه حتى كاد ان يكون بينهم شر فحكموا أول من يدخل من باب المسجد فدخل رسول الله صلىاللهعليهوآله فلما أتاهم أمر بثوب فبسط ثم وضع الحجر في وسطه ثم أخذت القبائل بجوانب الثوب فرفعوه ثم تناوله صلىاللهعليهوآله فوضعه في موضعه فخصه الله تعالى به».
أقول : وتفصيل مجمل هذا الخبر ما ذكره الكليني (قدسسره) ونقله عن على بن إبراهيم وغيره بأسانيد مختلفة رفعوه (٢) قال : إنما هدمت قريش الكعبة
__________________
(١ و ٢) الوسائل الباب ١١ من مقدمات الطواف.
لان السيل كان يأتيهم من أعلى مكة فيدخلها فانصدعت وسرق من الكعبة غزال من ذهب رجلاه من جوهر وكان حائطها قصيرا وكان ذلك قبل مبعث النبي صلىاللهعليهوآله بثلاثين سنة ، فأرادت قريش ان يهدموا الكعبة ويبنوها ويزيدوا في عرضها ثم أشفقوا من ذلك وخافوا ان وضعوا فيها المعادل ان تنزل عليهم عقوبة ، فقال الوليد بن المغيرة دعوني ابدأ فان كان لله رضى لم يصبني شيء وان كان غير ذلك كففت فصعد على الكعبة وحرك منها حجرا فخرجت عليه حية وانكسفت الشمس فلما رأوا ذلك بكوا وتضرعوا وقالوا : اللهم انا لا نريد إلا الصلاح فغابت عنهم الحية فهدموه ونحوا حجارته حوله حتى بلغوا القواعد التي وضعها إبراهيم عليهالسلام فلما أرادوا أن يزيدوا في عرضه وحركوا القواعد التي وضعها إبراهيم عليهالسلام أصابتهم زلزلة شديدة وظلمة فكفوا عنه. وكان بنيان إبراهيم عليهالسلام الطول ثلاثون ذراعا والعرض اثنان وعشرون ذراعا والسمك تسعة أذرع فقالت قريش نزيد في سمكها فبنوها فلما بلغ البنيان الى موضع الحجر الأسود تشاجرت قريش في وضعه فقال كل قبيلة : نحن اولى به ونحن نضعه ، فلما كثر بينهم تراضوا بقضاء من يدخل من باب بني شيبة فطلع رسول الله صلىاللهعليهوآله فقالوا هذا الأمين قد جاء فحكموه فبسط رداءه ـ وقال بعضهم كساء طاروني كان له ـ ووضع الحجر فيه ثم قال : يأتي من كل ربع من قريش رجل فكانوا عتبة بن ربيعة ابن عبد شمس والأسود بن المطلب من بني أسد بن عبد العزى وأبو حذيفة بن المغيرة من بني مخزوم وقيس بن عدي من بني سهم فرفعوه ووضعه النبي صلىاللهعليهوآله في موضعه ، وقد كان بعث ملك الروم بسفينة فيها سقوف وآلات وخشب وقوم من الفعلة إلى الحبشة ليبنى له هناك بيعة فطرحتها الريح الى ساحل الشريعة فنطحت فبلغ قريشا خبرها فخرجوا الى الساحل فوجدوا ما يصلح للكعبة من خشب وزينة وغير ذلك فابتاعوه وصاروا به الى مكة فوافق ذرع ذلك الخشب البناء ما خلا
الحجر فلما بنوها كسوها الوصائد وهي الأردية.
وما رواه الشيخان المذكوران في الصحيح عن البزنطي عن داود بن سرحان عن ابي عبد الله عليهالسلام (١) «ان رسول الله صلىاللهعليهوآله ساهم قريشا في بناء البيت فصار لرسول الله صلىاللهعليهوآله من باب الكعبة إلى النصف ما بين الركن اليماني إلى الحجر الأسود» (٢). قالا : وفي رواية اخرى «كان لبني هاشم من الحجر الأسود إلى الركن الشامي».
وما رواه في الكافي عن ابان بن تغلب (٣) قال : «لما هدم الحجاج الكعبة فرق الناس ترابها فلما صاروا إلى بنائها فأرادوا أن يبنوها خرجت عليهم حية فمنعت الناس البناء حتى هربوا فاتوا الحجاج فأخبروه فخاف ان يكون قد منع بناءها فصعد المنبر ثم نشد الناس وقال : رحم الله عبدا عنده من ما ابتلينا به علم لما أخبرنا به. قال فقام اليه شيخ فقال ان يكون عند أحد علم فعند رجل رأيته جاء إلى الكعبة فأخذ مقدارها ثم مضى. فقال الحجاج من هو؟ قال علي بن الحسين عليهالسلام فقال : معدن ذلك. فبعث الى علي بن الحسين عليهالسلام فأتاه فأخبره بما كان من منع الله إياه من البناء فقال له علي بن الحسين عليهالسلام يا حجاج عمدت الى بناء إبراهيم وإسماعيل فألقيته في الطريق وانتهبته كأنك ترى انه تراث لك اصعد المنبر فأنشد الناس ان لا يبقى أحد منهم أخذ منه شيئا إلا رده. قال ففعل فنشد الناس ان لا يبقى منهم أحد عنده شيء إلا رده قال فردوه فلما رأى جمع التراب اتى علي بن الحسين عليهالسلام فوضع الأساس فأمرهم أن يحفروا ، قال فتغيبت عنهم الحية وحفروا حتى انتهوا الى موضع القواعد قال لهم علي بن الحسين (عليهالسلام)
__________________
(١ و ٢) الوسائل الباب ١١ من مقدمات الطواف.
(٣) الوسائل الباب ١٢ من مقدمات الطواف.
تنحوا فتنحوا فدنا منها فغطاها بثوبه ثم بكى ثم غطاها بالتراب بيد نفسه ثم دعا الفعلة فقال ضعوا بناءكم ، قال فوضعوا البناء فلما ارتفعت حيطانها أمر بالتراب فألقي في جوفه فلذلك صار البيت مرتفعا يصعد اليه بالدرج».
قال في الفقيه (١) «روي ان الحجاج لما فرغ من بناء الكعبة سأل علي ابن الحسين (عليهالسلام) ان يضع الحجر في موضعه فأخذه ووضعه في موضعه».
وقال في الفقيه (٢) بعد ذكر أصحاب الفيل : وانما لم يجر على الحجاج ما جرى على تبع وأصحاب الفيل لان قصد الحجاج لم يكن الى هدم الكعبة إنما كان قصده الى ابن الزبير وكان ضدا للحق ـ وفي بعض النسخ ضدا لصاحب الحق يعني الإمام (عليهالسلام) وهو أظهر ـ فلما استجار بالكعبة أراد الله ان يبين للناس انه لم يجره فأمهل من هدمها عليه. انتهى.
وما رواه في الكافي عن عدة من أصحابنا عن ابي عبد الله (عليهالسلام) (٣) قال : «كانت الكعبة على عهد إبراهيم (عليهالسلام) تسعة أذرع وكان لها بابان فبناها عبد الله بن الزبير فرفعها ثمانية عشر ذراعا فهدمها الحجاج وبناها سبعة وعشرين ذراعا».
وما رواه في الفقيه (٤) مرسلا عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «كان طول الكعبة تسعة أذرع ولم يكن لها سقف فسقفها قريش ثمانية عشر ذراعا ثم كسرها الحجاج على ابن الزبير فبناها وجعلها سبعة وعشرين ذراعا».
__________________
(١ و ٣) الوسائل الباب ١١ من مقدمات الطواف.
(٢) ج ٢ ص ١٦٢.
(٤) ج ٢ ص ١٦٠ وفي الوسائل الباب ١١ من مقدمات الطواف.
وما رواه في الكافي (١) والفقيه (٢) ـ في الصحيح في الثاني والموثق في الأول ـ عن زرارة قال : «قلت لأبي جعفر (عليهالسلام) قد أدركت الحسين (عليهالسلام)؟ قال : نعم اذكر وانا معه في المسجد الحرام وقد دخل فيه السيل والناس يقومون على المقام يخرج الخارج فيقول قد ذهب به السيل ويخرج منه الخارج ويقول هو مكانه. قال فقال لي يا فلان ما صنع هؤلاء؟ فقلت أصلحك الله تعالى يخافون ان يكون السيل قد ذهب بالمقام فقال ناد ان الله تعالى قد جعله علما لم يكن ليذهب به فاستقروا. وكان موضع المقام الذي وضعه إبراهيم (عليهالسلام) عند جدار البيت فلم يزل هناك حتى حوله أهل الجاهلية إلى المكان الذي هو فيه اليوم فلما فتح النبي صلىاللهعليهوآله مكة رده الى الموضع الذي وضعه إبراهيم (عليهالسلام) فلم يزل هناك الى ان ولي عمر بن الخطاب فسأل الناس من منكم يعرف المكان الذي كان فيه المقام؟ فقال رجل انا قد كنت أخذت مقداره بنسع (٣) فهو عندي ، فقال ائتني به فأتاه به فقاسه ثم رده الى ذلك المكان».
وقال في الفقيه (٤) : روي انه قتل الحسين بن علي (عليهماالسلام) ولأبي جعفر الباقر (عليهالسلام) اربع سنين.
ومنها ـ ما رواه في الكافي (٥) بسنده عن بكير قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) لأي علة وضع الله الحجر في الركن الذي هو فيه ولم يوضع في غيره؟ ولأي علة يقبل؟ ولأي علة اخرج من الجنة؟ ولأي علة وضع ميثاق
__________________
(١) ج ٤ ص ٢٢٣.
(٢) ج ٢ ص ١٥٨.
(٣) في المنجد : انه سير أو حبل عريض طويل تشد به الرحال.
(٤) ج ٢ ص ١٥٨.
(٥) ج ٤ ص ١٨٤ وفي الوسائل الباب ١٣ من الطواف والباب ٤ من السعي.
العباد والعهد فيه ولم يوضع في غيره وكيف السبب في ذلك؟ تخبرني جعلني الله فداك فإن تفكري فيه لعجب. قال فقال سألت وأعضلت في المسألة واستقصيت فافهم الجواب وفرغ قلبك وأصغ بسمعك أخبرك ان شاء الله تعالى ، ان الله تبارك وتعالى وضع الحجر الأسود وهي جوهرة أخرجت من الجنة إلى آدم (عليهالسلام) فوضعت في ذلك الركن لعلة الميثاق ، وذلك انه لما أخذ من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم حين أخذ الله تعالى عليهم الميثاق في ذلك المكان (١) وفي ذلك المكان تراءى لهم ، ومن ذلك المكان يهبط الطير على القائم (عليهالسلام) فأول من يبايعه ذلك الطير وهو والله جبرئيل (عليهالسلام) والى ذلك المقام يسند القائم (عليهالسلام) ظهره وهو الحجة والدليل على القائم (عليهالسلام) وهو الشاهد لمن وافى ذلك المكان والشاهد على من ادى اليه الميثاق والعهد الذي أخذ الله (عزوجل) على العباد. واما القبلة والالتماس فلعلة العهد تجديدا لذلك العهد والميثاق وتجديدا للبيعة وليؤدوا إليه العهد الذي أخذ الله تعالى عليهم في الميثاق فيأتوه في كل سنة وو يؤدوا إليه ذلك العهد والامانة اللذين أخذا عليهم ، ألا ترى انك تقول أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة ، وو الله ما يؤدي ذلك أحد غير شيعتنا ولا حفظ ذلك العهد والميثاق أحد غير شيعتنا ، وانهم ليأتوه فيعرفهم ويصدقهم ويأتيه غيرهم فينكرهم ويكذبهم ، وذلك انه لم يحفظ ذلك غيركم فلكم والله يشهد وعليهم والله يشهد بالخفر والجحود والكفر وهو الحجة البالغة من الله عليهم يوم القيامة ، يجيء وله لسان ناطق وعينان في صورته الاولى يعرفه الخلق ولا ينكره ، يشهد لمن وافاه وجدد العهد والميثاق عنده بحفظ العهد والميثاق وأداء الامانة ، ويشهد على كل من أنكر وجحد ونسي
__________________
(١) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الأعراف الآية ١٧٢ : «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ ... الآية».
الميثاق بالكفر والإنكار. فاما علة ما أخرجه الله تعالى من الجنة فهل تدري ما كان الحجر؟ قلت لا. قال كان ملكا عظيما من عظماء الملائكة عند الله تعالى فلما أخذ الله من الملائكة الميثاق كان أول من آمن به وأقر ذلك الملك فاتخذه الله تعالى أمينا على جميع خلقه وألقمه الميثاق وأودعه عنده واستعبد الخلق ان يجددوا عنده في كل سنة الإقرار بالميثاق والعهد الذي أخذ الله تعالى عليهم ، ثم جعله الله مع آدم (عليهالسلام) في الجنة يذكره الميثاق ويجدد عنده الإقرار في كل سنة ، فلما عصى آدم (عليهالسلام) واخرج من الجنة أنساه الله العهد والميثاق الذي أخذ الله عليه وعلى ولده لمحمد صلىاللهعليهوآله ولوصيه وجعله تائها حيران ، فلما تاب على آدم عليهالسلام حول ذلك الملك في صورة درة بيضاء فرماه من الجنة إلى آدم عليهالسلام وهو بأرض الهند ، فلما نظر إليه انس اليه وهو لا يعرفه بأكثر من أنه جوهرة ، فانطقه الله تعالى فقال له يا آدم أتعرفني؟ قال لا. قال أجل استحوذ عليك الشيطان فأنساك ذكر ربك. ثم تحول الى صورته التي كان مع آدم (عليهالسلام) في الجنة فقال لآدم اين العهد والميثاق؟ فوثب اليه آدم (عليهالسلام) وذكر الميثاق وبكى وخضع له وقبله وجدد الإقرار بالعهد والميثاق ، ثم حوله الله (عزوجل) إلى جوهرة الحجر درة بيضاء صافية تضيء فحمله آدم (عليهالسلام) على عاتقه إجلالا له وتعظيما فكان إذا أعيا حمله عنه جبرئيل حتى وافى به مكة فما زال يأنس به بمكة ويجدد الإقرار له كل يوم وليلة. ثم ان الله تبارك وتعالى لما بني الكعبة وضع الحجر في ذلك المكان لانه تبارك وتعالى حين أخذ الميثاق من ولد آدم أخذه في ذلك المكان وفي ذلك المكان ألقم الملك الميثاق ولذلك وضع في ذلك الركن ، ونحى آدم عليهالسلام من مكان البيت الى الصفا وحواء إلى المروة ووضع الحجر في ذلك الركن ، فلما نظر آدم (عليهالسلام) من الصفا وقد وضع الحجر في ذلك الركن كبر الله (عزوجل) وهلله ومجده ولذلك جرت السنة بالتكبير
واستقبال الركن الذي فيه الحجر من الصفا ، فان الله أودعه الميثاق والعهد دون غيره من الملائكة ، لأن الله (عزوجل) لما أخذ الميثاق له بالربوبية ولمحمد صلىاللهعليهوآله بالرسالة والنبوة ولعلي عليهالسلام بالوصية اصطكت فرائص الملائكة فأول من أسرع إلى الإقرار ذلك الملك ، ولم يكن فيهم أشد حبا لمحمد وآل محمد صلىاللهعليهوآله منه فلذلك اختاره الله تعالى من بينهم وألقمه الميثاق ، وهو يجيء يوم القيامة وله لسان ناطق وعين ناظرة يشهد لكل من وافاه الى ذلك المكان وحفظ الميثاق».
ومنها ـ ما رواه ابن بابويه (١) في الصحيح عن سعيد الأعرج عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «انما سمي البيت العتيق لأنه أعتق من الغرق وأعتق الحرم معه وكف عنه الماء».
وما رواه أيضا (٢) في الصحيح عن الفضيل عن ابى جعفر (عليهالسلام) قال : «انما سميت مكة بكة لأنه يبك بها الرجال والنساء ، والمرأة تصلي بين يديك وعن يمينك وعن شمالك ومعك ، ولا بأس بذلك وإنما يكره في سائر البلدان».
وما رواه (٣) في الصحيح عن حريز بن عبد الله عن ابي عبد الله (عليهالسلام) قال : «كان الحجر الأسود أشد بياضا من اللبن فلو لا ما مسه من أرجاس الجاهلية ما مسه ذو عاهة إلا وبريء بإذن الله تعالى».
وما رواه الكليني في الحسن عن معاوية بن عمار عن ابى عبد الله (عليهالسلام) (٤) قال : «لما أفاض آدم (عليهالسلام) من منى تلقته الملائكة فقالوا
__________________
(١) العلل ص ٣٩٩ الطبع الحديث في النجف الأشرف.
(٢) العلل ص ٣٩٧ الطبع الحديث وفي الوسائل الباب ٥ من مكان المصلي.
(٣) العلل ص ٤٢٧ الطبع الحديث وفي الوسائل الباب ١٣ من الطواف عن الفقيه.
(٤) الوسائل الباب ١ و ٣٨ من وجوب الحج وشرائطه.
يا آدم بر حجك اما انا قد حججنا هذا البيت قبل ان تحجه بألفي عام».
وما رواه ابن بابويه (١) في الصحيح عن عبد الله بن سنان «انه سأل أبا عبد الله (عليهالسلام) عن قول الله (عزوجل) (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) (٢) قال : من دخل الحرم مستجيرا به فهو آمن من سخط الله (عزوجل) وما دخل في الحرم من الطير والوحش كان آمنا من ان يهاج أو يؤذى حتى يخرج من الحرم».
وما رواه الكليني في الحسن عن ابن سنان (٣) قال : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن قول الله (عزوجل) (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ) (٤) ما هذه الآيات البينات؟ قال مقام إبراهيم حيث قام على الحجر فأثرت فيه قدماه والحجر الأسود ومنزل إسماعيل».
وما رواه في الفقيه عن ابي بصير عن ابي عبد الله عليهالسلام (٥) قال : «ان آدم (عليهالسلام) هو الذي بنى البيت ووضع أساسه وأول من كساه الشعر وأول من حج اليه ثم كساه تبع بعد آدم عليهالسلام الأنطاع ثم كساه إبراهيم (عليهالسلام) الخصف ، وأول من كساه الثياب سليمان بن داود (عليهالسلام) كساه القباطي».
__________________
(١) الفقيه ج ٢ ص ١٦٣ وفي الوسائل الباب ٨٨ من تروك الإحرام.
(٢) سورة آل عمران الآية ٩٧.
(٣) الوسائل الباب ١٨ من مقدمات الطواف.
(٤) سورة آل عمران الآية ٩٦ و ٩٧.
(٥) الوسائل الباب ١٠ من مقدمات الطواف.
الفصل الثاني
في جملة من الأخبار الدالة على فضل الحج وما فيه من الثواب :
ومنها ـ ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن سعد الإسكاف ـ ورواه في التهذيب ايضا بسنده عنه (١) ـ قال : «سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول ان الحاج إذا أخذ في جهازه لم يخط خطوة في شيء من جهازه إلا كتب الله له عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات حتى يفرغ من جهازه متى ما فرغ ، فإذا استقلت به راحلته لم تضع خفا ولم ترفعه إلا كتب الله (عزوجل) له مثل ذلك حتى يقضي نسكه فإذا قضى نسكه غفر الله له ذنوبه ، وكان ذا الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول أربعة أشهر يكتب الله له الحسنات ولا يكتب عليه السيئات إلا أن يأتي بموجبة فإذا مضت الأربعة الأشهر خلط بالناس».
وفي رواية التهذيب (٢) هكذا : «غفر الله له ذنوبه بقية ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول فإذا مضت. الى آخره».
ولعل المراد ب «موجبة» على رواية الكافي يعني بما يوجب النار من الكبائر ، وعلى هذا فتكون السيئات التي لا تكتب مخصوصة بالصغائر ، وعلى ما ذكرنا يدل الخبر الآتي صريحا :
ومنها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن معاوية بن عمار عن ابي عبد الله عن أبيه عن آبائه عليهمالسلام (٣) «ان رسول الله صلىاللهعليهوآله لقيه
__________________
(١) الوسائل الباب ٣٨ من وجوب الحج وشرائطه.
(٢) ج ٥ ص ١٩.
(٣) الوسائل الباب ٤٢ من وجوب الحج وشرائطه.
أعرابي فقال له يا رسول الله صلىاللهعليهوآله انى خرجت أريد الحج ففاتني وانا رجل مميل فمرني أن أصنع في مالي ما أبلغ به مثل أجر الحاج. قال فالتفت اليه رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال له انظر الى ابى قبيس فلو ان أبا قبيس لك ذهبة حمراء أنفقته في سبيل الله ما بلغت به ما يبلغ الحاج. ثم قال ان الحاج إذا أخذ في جهازه لم يرفع شيئا ولم يضعه إلا كتب الله (عزوجل) له عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات ، فإذا ركب بعيره لم يرفع خفا ولم يضعه إلا كتب الله له مثل ذلك ، فإذا طاف بالبيت خرج من ذنوبه ، فإذا سعى بين الصفا والمروة خرج من ذنوبه ، فإذا وقف بعرفات خرج من ذنوبه ، فإذا وقف بالمشعر الحرام خرج من ذنوبه ، فإذا رمى الجمار خرج من ذنوبه ، قال فعدد رسول الله صلىاللهعليهوآله كذا وكذا موقفا إذا وقفها الحاج خرج من ذنوبه. ثم قال انى لك ان تبلغ ما يبلغ الحاج. قال أبو عبد الله عليهالسلام ولا تكتب عليه الذنوب أربعة أشهر وتكتب له الحسنات إلا ان يأتي بكبيرة».
قال في الوافي بعد نقل الخبر : للذنوب أنواع مختلفة في التأثير والتكدير ومراتب متفاوتة في الصغر والكبر فلعله بكل فعل وموقف يخرج من نوع أو مرتبة منها الى ان يطهر منها جميعا ، وفي الحديث : ان من الذنوب ذنوبا لا يكفرها إلا الوقوف بعرفة. انتهى.
أقول : ومن المحتمل قريبا ـ بل لعله أقرب مما ذكره (قدسسره) ـ ان الغرض من ذلك هو بيان فضل هذه المواقف وان كل موقف منها مكفر للذنوب كملا بمعنى انه لو كان ذا ذنوب لكفرت به لا حصول التكفير بالفعل لتحصل المنافاة بينها ويحتاج الى الجمع بما ذكره ، وهذا مبني على الموازنة في الأعمال والتكفير وحينئذ فإذا كان ثواب الموقف الأول كفر جميع ذنوبه وأسقطها بقي له ثواب المواقف التي بعده سالمة من المقابلة بالذنوب فتكتب له كملا. والله العالم.
ومنها ـ ما رواه الشيخ في التهذيب والصدوق في الفقيه في الصحيح عن محمد بن قيس (١) قال : «سمعت أبا جعفر عليهالسلام وهو يحدث الناس بمكة فقال ان رجلا من الأنصار جاء إلى النبي صلىاللهعليهوآله يسأله فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله ان شئت فاسأل وان شئت أخبرتك عن ما جئت تسألني عنه. فقال أخبرني يا رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال جئت تسألني مالك في حجتك وعمرتك؟ فان لك إذا توجهت الى سبيل الحج ثم ركبت راحلتك ثم قلت بسم الله والحمد لله ثم مضت راحلتك لم تضع خفا ولم ترفع خفا إلا كتب الله لك حسنة ومحا عنك سيئة ، فإذا أحرمت ولبيت كان لك بكل تلبية لبيتها عشر حسنات ومحي عنك عشر سيئات ، فإذا طفت بالبيت الحرام أسبوعا كان لك بذلك عند الله (عزوجل) عهد وذخر يستحي أن يعذبك بعده أبدا ، فإذا صليت الركعتين خلف المقام كان لك بهما ألفا حجة متقبلة ، فإذا سعيت بين الصفا والمروة كل لك مثل أجر من حج ماشيا من بلده ومثل أجر من أعتق سبعين رقبة مؤمنة ، فإذا وقفت بعرفات الى غروب الشمس فان كان عليك من الذنوب مثل رمل عالج أو بعدد نجوم السماء أو قطر المطر يغفرها الله تعالى لك ، فإذا رميت الجمار كان لك بكل حصاة عشر حسنات تكتب لك فيما يستقبل من عمرك ، فإذا حلقت رأسك كان لك بكل شعرة حسنة تكتب لك فيما يستقبل من عمرك ، فإذا ذبحت هديك أو نحرت بدنتك كان لك بكل قطرة من دمها حسنة تكتب لك فيما يستقبل من عمرك ، فإذا زرت البيت وطفت به أسبوعا وصليت الركعتين خلف المقام ضرب ملك على كتفيك ثم قال لك : قد غفر الله لك ما مضى وفيما يستقبل ما بينك وبين مائة وعشرين يوما».
وما رواه في الكافي عن خالد القلانسي عن ابي عبد الله عليهالسلام (٢) قال :
__________________
(١) الوسائل الباب ٢ من أقسام الحج.
(٢) الوسائل الباب ١ ـ من وجوب الحج وشرائطه.
«قال علي بن الحسين عليهالسلام حجوا واعتمروا تصح أبدانكم وتتسع أرزاقكم وتكفون مؤنات عيالاتكم. وقال : الحاج مغفور له وموجوب له الجنة ومستأنف له العمل ومحفوظ في أهله وماله».
وما رواه في الكافي والفقيه عن إسحاق بن عمار (١) قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام اني قد وطنت نفسي على لزوم الحج كل عام بنفسي أو برجل من أهل بيتي بمالي. فقال : وقد عزمت على ذلك؟ قال قلت نعم. قال ان فعلت فأيقن بكثرة المال والبنين أو أبشر بكثرة المال».
وما رواه في الكافي والتهذيب في الصحيح عن معاوية بن عمار (٢) قال : «قال أبو عبد الله عليهالسلام الحجاج يصدرون على ثلاثة أصناف : صنف يعتق من النار وصنف يخرج من ذنوبه كهيئة يوم ولدته امه ، وصنف يحفظ في اهله وماله فذلك ادنى ما يرجع به الحاج».
وما رواه في الكافي عن جابر عن ابي جعفر عليهالسلام (٣) قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآله الحاج ثلاثة : فأفضلهم نصيبا رجل غفر له ذنبه ما تقدم منه وما تأخر ووقاه الله عذاب القبر ، واما الذي يليه فرجل غفر له ذنبه ما تقدم منه ويستأنف العمل في ما بقي من عمره ، واما الذي يليه فرجل حفظ في اهله وماله».
وما رواه في الكتاب المذكور في الصحيح عن العلاء عن رجل عن ابي عبد الله عليهالسلام (٤) قال : «ان ادنى ما يرجع به الحاج الذي لا يقبل منه ان يحفظ في اهله وماله. قال قلت بأي شيء يحفظ فيهم؟ قال : لا يحدث فيهم إلا ما كان يحدث فيهم وهو مقيم معهم».
__________________
(١) الوسائل الباب ٤٦ من وجوب الحج وشرائطه.
(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ٣٨ من وجوب الحج وشرائطه.
وما رواه في الفقيه مرسلا (١) قال : «قال الصادق عليهالسلام لما حج موسى عليهالسلام نزل عليه جبرئيل عليهالسلام فقال له موسى يا جبرئيل ما لمن حج هذا البيت بلا نية صادقة ولا نفقة طيبة؟ قال لا ادري حتى ارجع الى ربي (عزوجل) فلما رجع قال الله (عزوجل) يا جبرئيل ما قال لك موسى عليهالسلام؟ ـ وهو اعلم بما قال ـ قال يا رب قال لي ما لمن حج هذا البيت بلا نية صادقة ولا نفقة طيبة؟ قال الله (عزوجل) ارجع اليه وقل له أهب له حقي وارضي عنه خلقي. فقال يا جبرئيل ما لمن حج هذا البيت بنية صادقة ونفقة طيبة؟ قال فرجع الى الله (عزوجل) فأوحى الله تعالى اليه قل له اجعله في الرفيق الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا».
الى غير ذلك من الاخبار التي يضيق عن نقلها المقام.
الفصل الثالث
في ما يدل على فرض الحج والعمرة وعقاب تاركهما :
ومنها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح عن ابن أذينة (٢) قال : «كتبت الى ابى عبد الله عليهالسلام بمسائل بعضها مع ابن بكير وبعضها مع ابى العباس فجاء الجواب بإملائه : سألت عن قول الله (عزوجل) (وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (٣) يعني به الحج والعمرة جميعا لأنهما مفروضان. وسألته عن قول الله (عزوجل) (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ) (٤) قال : يعني بتمامهما أداءهما واتقاء ما يتقي
__________________
(١) الوسائل الباب ٥٢ من وجوب الحج وشرائطه.
(٢) الوسائل الباب ١ من وجوب الحج وشرائطه.
(٣) سورة آل عمران الآية ٩٧.
(٤) سورة البقرة الآية ١٩٥.
المحرم فيهما. وسألته عن قول الله (عزوجل) (الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) (١) ما يعني بالحج الأكبر؟ فقال : الحج الأكبر الوقوف بعرفة ورمي الجمار ، والحج الأصغر العمرة».
وما رواه في الكافي في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (٢) قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام الحج على الغني والفقير؟ فقال : الحج على الناس جميعا كبارهم وصغارهم فمن كان له عذر عذره الله».
وما رواه في الكافي والتهذيب عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهالسلام (٣) قال : «ان الله (عزوجل) فرض الحج على أهل الجدة في كل عام وذلك قول الله (عزوجل) (وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (٤) قال قلت : فمن لم يحج منا فقد كفر؟ قال : لا ولكن من قال ليس هذا هكذا فقد كفر».
أقول : الظاهر ان المعنى في قوله : «ولكن. الى آخره» ان التارك له لا عن اعتقاد حل تركه ليس بكافر وانما الكافر من لم يعتقد وجوبه ، فمعنى «وَمَنْ كَفَرَ» من لم يعتقد فرضه أو لم يبال بتركه فان عدم المبالاة يرجع الى عدم اعتقاد فرضه ، وكان السؤال والجواب مبنيان على الكفر بالمعنى الحقيقي والمشهور ان الكفر في أمثال هذا المقام ليس المراد به الكفر الحقيقي وانما المراد به كفر الترك ، فان تارك الواجبات التي هي من كبائر الطاعات كالصلاة والزكاة والحج ينسب الى الكفر وان لم يكن معتقدا حل الترك الذي به يصير كافرا كفرا حقيقيا بل يطلق على الترك بقول مطلق كما في قوله (عزوجل) : (إِنّا هَدَيْناهُ
__________________
(١) سورة التوبة الآية ٣.
(٢ و ٣) الوسائل الباب ٢ من وجوب الحج وشرائطه.
(٤) سورة آل عمران الآية ٩٧.