مجير الدين الحنبلي العليمي
المحقق: عدنان يونس عبد المجيد أبو تبّانة
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مكتبة دنديس
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤
الكلابية (١). روى أنها مكثت عند رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، ما شاء الله ثم طلقها ، وسبا السلمية ، ماتت قبل أن يصل إليها ، وقتيلة بنت قيس الكندية (٢) قبض رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، قبل خروجها إليه من اليمن ، وعمرة بنت يزيد الكلابية (٣) طلقها ، وضباعة بنت عامر القسيرية (٤) خطبها ثم أمسك ، وليلى بنت الحطيم (٥) الأوسية (٦) تخطت منكبه وهو غافل فقال : «من هذه أكلها الأسد»؟ فقالت : أنا ليلى بنت الحطيم بن مطعم الطير قد جئتك أعرض عليك نفسي ، فقال : «قد قبلتك». فرجعت إلى أهلها فقالوا : إن رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، كثير الضرائر وأنت امرأة غيورة ولسنا نأمن أن تغيظيه فيدعو عليك فاستقيليه. فأتته فأقالها ، فدخلت بعد ذلك حيطان المدينة ، فشد عليها الأسد فأكلها.
وأما سراريه (٧) فكن أربعا : مارية بنت شمعون (٨) القبطية أهداها له المقوقس ، صاحب مصر ، وريحانة بنت شمعون (٩) النضرية (١٠) ، وأخرى جميلة (١١) أصابها في السبي ، وجارية وهبتها له زينب بنت جحش ، وتقدم ذكر أولاده ، صلىاللهعليهوسلم.
ذكر الأسود العنسي ومسيلمة وسجاح وطليحة وما جرى منهم
أما الأسود (١٢) فاسمه عبهلة وهو ممن ارتد وتنبأ ، وكان من الكاذبين (١٣) ، وكان باليمن. وادعى النبوة قبل وفاة رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، بأربعة أشهر ، فلما بلغه ، صلىاللهعليهوسلم ، ذلك أرسل إلى نفر من اليمن يأمرهم بقتله وأرسلوا إلى رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم (١٤) ، خبره ، فسبق خبر السماء إليه فأخبر الناس بذلك قبل وفاته بقليل (١٥) ، ووصل
__________________
(١) المصدر نفسه ٢ / ٣٨٩.
(٢) المصدر نفسه ٢ / ٣٨٩.
(٣) المصدر نفسه ٢ / ٣٨٩.
(٤) المصدر نفسه ٢ / ٣٨٩.
(٥) المصدر نفسه ٢ / ٣٨٩.
(٦) الحطيم الأوسية ... اعرض عليك نفسي ب ج د ه : ـ أ.
(٧) وأما سراريه ب ج د ه : ـ أ.
(٨) ابن الجوزي ، الوفا ٢ / ٦٤٨ ؛ ابن سيد الناس ٢ / ٣٩٠.
(٩) ابن الجوزي ، الوفا ٢ / ٦٤٨.
(١٠) النضرية أ د : النضيرية ب ج : المطرية ه.
(١١) ابن الجوزي ، الوفا ٢ / ٦٤٨.
(١٢) ينظر : الطبري ، تاريخ ٣ / ٢٢٧.
(١٣) وكان من الكذابين ب د ه : من الكاذبين ج : ـ أ.
(١٤) صلىاللهعليهوسلم أ ج د ه : ص ب.
(١٥) قال رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم : «إن الله قد قتل الأسود الكذاب العنسي ، قتله بيد رجل من إخوانكم» ، ينظر :
الكتاب بقتل الأسود في خلافة أبي بكر ، رضياللهعنه ، فكان كما أخبر به الرسول (١) ، صلىاللهعليهوسلم ، وكان قتله قبل وفاة النبي ، صلىاللهعليهوسلم ، بيوم وليلة.
وأما مسيلمة فإنه قدم على رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، في وفد بني حنيفة ، ثم ارتد ، وادعى النبوة ، وتسمى : رحمان اليمامة (٢) ، وخاف أن لا يتم له مراده فقال : إن محمدا قد أشركني معه. وشرع يسجع لقومه ويضاهي القرآن وذلك في حياة رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، وكانت له فتنة فاحشة. وقتله أبو بكر ، رضياللهعنه ، في خلافته ، وكان قاتله وحشي (٣) بالحربة التي قتل بها حمزة عم النبي ، صلىاللهعليهوسلم ، وشاركه في قتله رجل من الأنصار.
وأما سجاح بنت الحارث (٤)(٥) التميمية كانت قد ادعت النبوة في الردة وتبعها جماعة ، وقصدت قتال أبي بكر. ثم ذهبت إلى اليمامة واجتمعت بمسيلمة وتزوجت به. وتنقلت بها الأحوال إلى زمن (٦) معاوية ، فأسلمت وحسن إسلامها ، وانتقلت إلى البصرة (٧) ، وماتت بها.
وأما طليحة (٨) الأسدي فإنه ادعى النبوة وتبعه جماعة وقوي أمره. وقاتله خالد بن الوليد في الردة ثم أسلم وخرج نحو مكة معتمرا في خلافة أبي بكر ، رضياللهعنه ، وقاتل في الفتوحات ، فقتل يوم وقعة نهاوند (٩) مع الأعاجم / / في سنة إحدى وعشرين (١٠) في خلافة عمر بن الخطاب ، رضياللهعنه.
__________________
ـ الطبري ، تاريخ ٣ / ٢٣٩.
(١) الرسول أ ج د ه : ـ ب.
(٢) ينظر : الطبري ، تاريخ ٣ / ٢٦٩ ـ ٢٧١.
(٣) قاتله وحشي أ ج د ه : وحشي قاتله ب.
(٤) ينظر : الطبري ، تاريخ ٣ / ٢٦٩.
(٥) سجاح بنت الحارث ب ج د ه : سجاح بنت الحرث أ.
(٦) إلى زمن أ ب ج د : إلى زمان ه.
(٧) البصرة : مدينة في العراق ، كانت قبة الإسلام ، بنيت زمن عمر بن الخطاب ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٣٠٨ ؛ البغدادي ، مراصد ١ / ٢٠١ ؛ الحميري ١٠٥.
(٨) ينظر : الطبري ، تاريخ ٣ / ٢٥٣ ـ ٢٦١ ؛ ابن حبان ، تاريخ ٤٢٨ ـ ٤٢٩ ؛ ابن الجوزي ، الوفا ٢ / ٧٦٤.
(٩) نهاوند : مدينة عظيمة قبل همدان ، بها آثار للفرس ، وبها قبور جماعة من شهداء المسلمين ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٤١٦ ؛ البغدادي ، مراصد ٣ / ١٣٩٧ ؛ الحميري ٥٧٩.
(١٠) سنة ٢١ ه / ٦٤٢ م.
فصل في الصلاة (١) على النبي ، صلىاللهعليهوسلم ، وكيفيتها
روي عن الرسول ، صلىاللهعليهوسلم ، أنه قال : «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا عليّ ، فإنه من صلى عليّ مرة واحدة ، صلى الله عليه بها عشرا ، ثم سلوا الوسيلة فإنها منزلة لا تنبغي إلا لعبد واحد وأرجو أن أكون أنا هو (٢) ، فمن سأل الوسيلة حلت له الشفاعة (٣)».
وقال عمر بن الخطاب ، رضياللهعنه : إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصل على نبيك ، صلىاللهعليهوسلم ، فإذا فعلت انخرقت (٤) الحجب ، ودخل الدعاء ، وإن لم تفعل ذلك ، رجع ذلك الدعاء. وعنه ، صلىاللهعليهوسلم ، أنه قال : «إن أنجاكم يوم القيامة من أهوالها ومواطنها أكثركم عليّ صلاة (٥) ، صلىاللهعليهوسلم» (٦).
وروي عن علي بن أبي طالب ، رضياللهعنه ، أنه قال : حدثني رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، وعدهن في يدي قال : «عدهن في يدي جبريل ، عليهالسلام ، وقال جبريل : هكذا أنزلت بهن من عند رب العزة اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، اللهم وترحم (٧) على محمد وعلى آل محمد ، كما ترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، اللهم وتحنن على محمد وعلى آل محمد ، كما تحننت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، اللهم وسلم على محمد وعلى آل محمد ، كما سلمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد».
وعن أبي بكر ، رضياللهعنه ، أنه قال : الصلاة على النبي ، صلىاللهعليهوسلم ، أمحق للذنوب من الماء البارد للنار ، والسلام عليه أفضل من عتق الرقاب (٨).
__________________
(١) فصل في الصلاة أ ج ه : فضل الصلاة ب د.
(٢) هو أ ج د ه : ـ ب.
(٣) ينظر : عياض ، الشفا ٢ / ٧٦ ؛ ابن منظور ، مختصر ٢ / ٤١٦.
(٤) انخرقت الحجب ب د : انخرق الحجاب أ : انخرق الحجب ج ه / / ذلك أ ج ه : ـ ب د.
(٥) ينظر : ابن منظور ، مختصر ٢ / ٤١٤.
(٦) صلىاللهعليهوسلم أ ج د ه : ـ ب.
(٧) اللهم وترحم ... إنك حميد مجيد ب ج د ه : ـ أ.
(٨) ينظر : ابن منظور ، مختصر ٢ / ٤١٤.
قال ابن الفاكهاني (١)(٢) ، قلت : وإنما كان أفضل من عتق الرقاب ـ والله أعلم ـ لأن عتق الرقاب في مقابلته (٣) العتق من النار ودخول الجنة ، والسلام عليه في مقابلته سلام الله تعالى وسلام من الله أفضل من مائة ألف ألف جنة (٤) ، فناهيك بها من جنة ، فنسأل الله تعالى أن يرزقنا مرافقته في الجنة بمنه وكرمه وجوده وإحسانه آمين.
فصل (٥) في زيارة النبي ، صلىاللهعليهوسلم ،
وما يستحب أن يفعله الزائر ويدعو به (٦)
يستحب لمن قدم المدينة الشريفة أن يغتسل قبل دخوله إليها ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه ويدخل بسكينة ووقار ، ويقول : بسم الله وعلى ملة رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق ، واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا. ويكره له (٧) الركوب في أزقتها إلا لعذر ، فإذا وصل إلى أحد أبواب المسجد الشريف قال : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد واغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك وكف عني أبواب سخطك ، الحمد لله الذي بلغني هذا الموضع الشريف وجعلني أهلا لحضور هذا المسجد العظيم وزيارة قبر رسوله الكريم ، فالحمد لله على ذلك عدد نعمه التي لا تحصى وإفضاله الذي لا يستقصى ولا يفنى ، ثم يقدم رجله اليمنى قائلا (٨) : بسم الله الرحمن الرحيم ، وبالله ومن الله وإلى الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا. وكذا يتلو إذا خرج ويصلي على النبي ، صلىاللهعليهوسلم.
ثم يأتي المنبر مستديما للذكر والثناء والصلاة على رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، فيصلي عنده ركعتين تحية المسجد ويتحرى لصلاته جانب المنبر تجاه صندوق المصاحف ، ويجعل عمود المنبر حذاء منكبه الأيمن ويستقبل السارية التي إلى جانبها الصندوق ،
__________________
(١) ابن الفاكهاني : لم أعثر له على ترجمة في المصادر المتوافرة.
(٢) قال ابن الفاكهاني ... عتق الرقاب أ ب ج د : ـ ه.
(٣) في مقابلته أ ج ه : في مقابلة ب د / / ودخول الجنة أ ب ج د : والدخول للجنة ه.
(٤) جنة أ د ه : منه ب : حسنة ج.
(٥) فصل في أ : ذكر آداب أ ب د : آداب ج ه.
(٦) عن فضل زيارة قبر النبي صلىاللهعليهوسلم ، ينظر : ابن منظور ، مختصر ٢ / ٤٠٦.
(٧) ويكره به ب ج د ه : ويكره أ.
(٨) قائلا أ ج ه : ويقول ب د.
وتكون الدائرة التي في قبلة المسجد بين عينيه ، فذلك موقف النبي ، صلىاللهعليهوسلم ، الذي كان يؤم الناس فيه.
ثم يقول بعد فراغهما : الحمد لله الذي بلغني هذا المكان ووفقني لإتيانه وأوصلينه في يسر وعافية ، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت (١) وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام والطول والإنعام ، فلك الحمد ملء السموات والأرض ، وملء (٢) ما شئت من شيء بعد.
ويأتي القبر الشريف من باب المقصورة القبلي ، فإذا وصل المقصورة استقبل وجهه / الكريم ، صلىاللهعليهوسلم ، وذلك بأن يستدبر القبلة ويستقبل جدار القبر الشريف على نحو أربعة أذرع من السارية التي في زاوية المقصورة ، ويجعل القنديل على رأسه ولا يمس الجدار بيده ولا بشيء من بدنه ، ويقف متأدبا بين يديه كما لو كان حيا مظهرا لاحترامه ، ويستحضر في نفسه أن رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، عالم بحضوره وقيامه تجاهه وسلامه عليه ، وأنه يجيب من سلم عليه من بعيد فكيف (٣) بالقريب ، ويسلم على رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، ويصلي عليه.
وقد ورد أشياء كثيرة في صفة الصلاة (٤) عليه فأيها فعل أجزأه. ثم يتقدم يسيرا فيقف ويسلم على خليفته سيدنا أبي بكر الصديق ، رضياللهعنه ، ثم يتقدم يسيرا فيسلم على سيدنا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، رضياللهعنه.
ثم يأتي الروضة فيصلي بها ما تيسر له (٥) ويصلي عند المنبر أيضا ، ثم يدعو عند انصرافه فيقول : اللهم إني أتيت قبر نبيك ، صلىاللهعليهوسلم ، متقربا إليك بزيارته ، متوسلا لديك به ، وأنت قلت وقولك الحق ولا تخلف الميعاد : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً)(٦) ، اللهم اجعلها زيارة مقبولة ، وسعيا مشكورا ، وعملا متقبلا مبرورا ، ودعاء تدخلنا به جنتك ، وتسبغ به علينا رحمتك ، اللهم (٧) اجعل سيدنا محمدا أنجح السائلين ، وأكرم الأولين والآخرين ، اللهم كما آمنا به ولم نره وصدقناه ولم نلقه ، فأدخلنا
__________________
(١) تباركت وتعاليت ب ج د ه : ـ أ.
(٢) وملء ما شئت أ ج د ه : وملىء ما شئت ب.
(٣) فكيف بالقريب أ ج : فكيف من قريب ب د : ـ ج.
(٤) الصلاة أ ه : السلام بد : ـ ج.
(٥) ما تيسر له أ ه : ما يسر الله له ب د : ـ ج.
(٦) النساء : [٦٤].
(٧) اللهم أ ب د : ـ ج ه.
مدخله ، واحشرنا محشره ، وأوردنا حوضه ، واسقنا بكأسه مشربا رويا سائغا هنيا لا نظمأ بعده (١) أبدا.
ويستحب له زيارة البقيع ، فيبدأ بقبر سيد إبراهيم ابن رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، فيزوره ، ويزور العباس ، وعثمان بن عفان ، والحسن بن علي ، وبنات رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، وغيرهم ويستحب زيارة ما بتلك الأرض الشريفة من الأماكن المشهورة.
ثم إذا قصد الذهاب إلى وطنه اغتسل ولبس أحسن ثيابه ، وأتى المسجد الشريف مكررا للصلاة على النبي (٢) ، صلىاللهعليهوسلم ، ويأتي القبر الشريف ، ويسلم على رسول الله ، عليهالسلام ، وعلى ضجيعيه ويكثر من الصلاة عليه وعليهما ، ويدعو بما أحب من خيري الدنيا والآخرة. ثم يخرج غير مستدبر القبر الشريف ، ويبدأ برجله اليسرى قائلا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، وافتح لي أبواب فضلك ، وحط عني أوزاري بزيارة نبيك ، واحسن منقلبي إلى أهلي ووطني ببركته ، صلىاللهعليهوسلم ، يا أرحم الراحمين ، أدخلنا في شفاعته أجمعين (٣).
ذكر فضائل المسجد الأقصى الشريف
وما ورد في ذلك من آيات وأحاديث (٤)
قد تقدم في أول الكتاب الكلام على (٥) سورة الإسراء ، فلو لم يكن له من الفضيلة غير هذه الآية لكانت كافية فيه ، لأنه إذا بورك حوله فالبركة فيه مضاعفة. وقال تعالى ـ إخبارا عن نبيه موسى ، عليهالسلام ـ : وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم مّا لم يؤت أحدا من العالمين (٢٠) (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ)(٦) أي المطهرة ، والتقديس هو التطهير. وسمي البيت المقدس مقدسا لأنه يتطهر فيه من الذنوب. وتقدم ذلك عند أسماء بيت المقدس.
قال ابن عباس : بيت المقدس (٧) عليه الطل والمطر منذ خلق الله السنين
__________________
(١) بعده أ ه : بعدها ب د : ـ ج.
(٢) على النبي أ ه : على رسول الله ب د : ـ ج.
(٣) أدخلنا في شفاعته أجمعين ب : ـ أ ج د ه.
(٤) من آيات وأحاديث أ ه : من الآيات والأحاديث ب ج د.
(٥) على أ ج : + أول ب د د ه.
(٦) المائدة : [٢٠ ـ ٢١].
(٧) بيت المقدس أ ج : بيت المقدس ب ه : ـ د.
والأيام (١). وروي في قوله تعالى : (وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ) (٧١) (٢). قال : هي الأرض المقدسة بارك الله فيها للعالمين ، لأن كل ماء في الأرض عذب منها يخرج من أصل الصخرة الشريفة ، ثم يتفرق في الأرض (٣). وقال تعالى : (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) (١٠٥) (٤) ، قيل في أحد الأقوال : إنها الأرض المقدسة ترثها أمة محمد ، صلىاللهعليهوسلم ، وقال تعالى : (وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ) (٥٠) (٥). قال ابن عباس : هي بيت المقدس (٦) ، وهو قول قتادة وكعب ، وقال كعب : هي أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا ، يعني لأن الربوة المكان المرتفع من الأرض. وقال تعالى : (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ)(٧) ، المنادي : هو إسرافيل ، عليهالسلام ، ينادي من صخرة بيت المقدس بالحشر وهي في وسط الأرض (٨). وروي أن المكان القريب هو صخرة بيت المقدس. وقال تعالى : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ)(٩) يعني به بيت المقدس. وقال تعالى : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) (١٣) (١٠) يعني بين / / المؤمنين وبين المنافقين وهو حائط بين الجنة والنار ـ له أي لذلك السور ـ باب فيه الرحمة وهي الجنة ، وظاهره ـ أي من خارج ذلك السور ـ من قبله ـ أي من قبل ذلك الظاهر العذاب ـ. وعن أبي العوام (١١)(١٢) ، سمعت عبد الله بن عمر قال (١٣) : إن السور الذي ذكره الله في القرآن بقوله : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ) (١٣) (١٤) هو سور بيت المقدس الشرقي باطنه فيه الرحمة المسجد ، وظاهره من قبله العذاب وادي جهنم.
__________________
(١) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ٩٤.
(٢) الأنبياء : [٧١].
(٣) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١٣٤.
(٤) الأنبياء : [١٠٥].
(٥) المؤمنون : [٥٠].
(٦) ينظر : المقدسي ، مثير ٧٤.
(٧) ق : [٤١].
(٨) وسط الأرض أ ب ج د : وسط الدنيا ه.
(٩) النور : [٣٦ ـ ٣٧].
(١٠) الحديد : [١٣].
(١١) ينظر : المقدسي ، مثير ٣٣٩.
(١٢) أبي العوام أ ب ج د : أم العوام ه / / العوام أ ج ه : + قال ب د.
(١٣) قال أ ج ه : قول ب د.
(١٤) الحديد : [١٣].
وروى الإمام أحمد ، رضياللهعنه ، في مسنده من حديث أمامة قال : قال رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم : «لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا ما أصابهم من اللأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك» قالوا : يا رسول الله وأين هم؟ قال : «ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس» (١).
وعن أبي هريرة ، رضياللهعنه ، قال : قال رسول الله (٢) ، صلىاللهعليهوسلم : «أربع من مدائن الجنة : مكة والمدينة ودمشق وبيت المقدس» (٣).
وعن معاذ ، رضياللهعنه ، قال : قال رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم : «يا شام أنت صفوتي من بلادي وأنا سائق إليك صفوتي من عبادي من كان مولده فيك فاختار عليك غيرك فبذنب يصيبه ، ومن كان مولده في غيرك فاختارك على غيرك فبرحمة مني ، يا شام اتسعي لأهلك بالرزق كما يتسع الرحم للولد ، وعيني عليك بالطل والمطر منذ (٤) خلقت السنين والأيام ، ومن يعدم فيك المال لا يعدم فيك الخير. يا روشلم أنت مقدسة بنوري وفيك المحشر والمنشر (٥) أزفك يوم القيامة كما تزف العروس إلى بعلها ، ومن دخلك استغنى عن الزيت والقمح (٦)».
وعن معاذ ، قال : قال رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم : «يا معاذ إن الله ، عز وجل ، سيفتح عليكم الشام من بعدي من العريش (٧) إلى الفرات رجالهم ونساؤهم وإماؤهم (٨) مرابطون إلى يوم القيامة ، فمن اختار ساحلا من سواحل الشام أو بيت المقدس فهو في جهاد إلى يوم القيامة (٩)».
وعن كعب (١٠) قال : قال الله تعالى لبيت المقدس : أنت جنتي وقدسي
__________________
(١) رواه الإمام أحمد ، ينظر : المقدسي ، مثير ١٠٢.
(٢) قال رسول الله ب ج د ه : ـ أ.
(٣) ينظر : القرطبي ، تفسير ٦ / ٣٨٢٨ ؛ السيوطي ، إتحاف ١ / ٢١١.
(٤) منذ أ ج د : مذ ب ه.
(٥) والمنشر ب ج د : ـ أ ه.
(٦) ينظر : ابن منظور ، مختصر ١ / ٥٩.
(٧) العريش : مدينة كانت أول عمل مصر من ناحية الشام على ساحل بحر الروم (المتوسط) ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ١٠٩ ؛ البغدادي ، مراصد ٢ / ٩٤٠ ؛ الحميري ٤٢١.
(٨) وإماؤهم أ ب ج د : ـ ه / / فمن اختار ... إلى يوم القيامة أ ب ج د : ـ ه / / اختار أ ج : + منكم : ـ ه.
(٩) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ١٠١.
(١٠) كعب أ ج ه : + الأحبار ب د.
وصفوتي من بلادي من يسكنك فبرحمة مني ومن خرج منك فبسخط مني عليه (١).
فضل الصلاة في بيت المقدس
روي عن النبي ، صلىاللهعليهوسلم ، أنه قال : «إن سليمان ، عليهالسلام ، سأل ربه ثلاثا فأعطاه اثنتين ونحن نرجو أن يكون قد أعطاه الثالثة : سأله حكما يصادف حكمه فأعطاه إياه ، وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه ، وسأله أيما رجل يخرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد أن يخرج من خطيئة كيوم ولدته أمه ، فنحن نرجو أن يكون قد أعطاه إياه» (٢).
وعن مكحول (٣) قال : من خرج إلى بيت المقدس لغير حاجة إلا للصلاة (٤) ، فصلى فيه خمس صلوات صبحا وظهرا وعصرا ومغربا وعشاء ، خرج من خطيئته كيوم ولدته أمه (٥).
وعن كعب الأحبار (٦) قال : شكا بيت المقدس إلى ربه الخراب ، فأوحى الله إليه : لأملأنك خدودا سجدا يزفون إليك زفيف النسور إلى أوكارها ويحنون إليك حنين الحمام إلى بيضها. فقال رجل لكعب (٧) : اتق الله يا كعب وأن له لسانا قال : نعم وقلبا كقلب أحدكم (٨).
وعن أنس ، رضياللهعنه ، قال : قال رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم : «من زار بيت المقدس محتسبا أعطاه الله أجر ألف شهيد» (٩). وعنه صلىاللهعليهوسلم : «من زار عالما ، فكأنما زار بيت المقدس ، ومن زار بيت المقدس محتسبا ، حرم الله لحمه وجسده على النار».
وعن أبي هريرة ، رضياللهعنه ، قال : قال رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم : «من صلى في بيت المقدس غفرت ذنوبه كلها» (١٠).
__________________
(١) ينظر : المقدسي ، مثير ٩٢.
(٢) رواه الإمام القرطبي نقلا عن النسائي ، ينظر : القرطبي ، تفسير ٨ / ٥٣٦٤.
(٣) مكحول بن أبي مسلم ، أبو عبد الله ، فقيه الشام في عصره ، من حفاظ الحديث ، توفي سنة ١١٢ ه / ٧٣٠ م ، ينظر : الذهبي ، سير ٥ / ١٥٥.
(٤) للصلاة أ ج ه : الصلاة ب د.
(٥) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ١٣٨.
(٦) الأحبار أ ج ه : ـ ب د.
(٧) لكعب أ ج ه : ـ ب د.
(٨) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ١٣٧.
(٩) ينظر : المصدر نفسه ١ / ١٣٧.
(١٠) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ١٣٨.
وعن كعب الأحبار من أتى بيت المقدس ، فصلى عن يمين الصخرة ، وعن شمالها ، ودعا عند موضع السلسلة ، وتصدق بما قل أو كثر ، استجيب له دعاؤه ، وكشف الله عنه حزنه ، وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، وإن سأل الله الشهادة أعطاه إياها (١) ، والله أعلم.
مضاعفة الصلاة في بيت المقدس
روي عن أبي الدرداء (٢) عن النبي ، صلىاللهعليهوسلم ، قال : «فضلت / / الصلاة في المسجد الحرام على غيره مائة ألف صلاة وفي مسجدي بألف صلاة وفي مسجد بيت المقدس بخمسمائة صلاة» ، رواه الإمام أحمد ، رضياللهعنه.
مضاعفة الحسنات والسيئات في مسجد بيت المقدس
روي عن جرير بن عثمان (٣) وصفوان بن عمرو (٤) أنهما قالا : الحسنة في بيت المقدس بألف والسيئة بألف وعن الليث بن سعد (٥) عن نافع (٦) قال : قال لي ابن عمر ـ ونحن ببيت المقدس ـ : يا نافع اخرج بنا من هذا البيت ، فإن السيئات (٧) تضاعف فيه كما تضاعف الحسنات ، وأحرم وخرج من بيت المقدس.
قال العلماء : معنى ذلك أن عقوبة من اقترف ذنبا في أحد المساجد الثلاثة أعظم عقوبة (٨) ممن اقترف في غيرها لشرف هذه المساجد وفضلها ، والذنب الواحد في أحدها أعظم من ذنوب كثيرة في غيرها من المواضع ، ولذلك تضاعف فيه السيئات ومعناه : تغليظ عقوبتها : لأن الإنسان يعمل ذنبا واحدا فيكتب عليه عشرة ذنوب ، والله تعالى يقول في كتابه العزيز : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ
__________________
(١) ينظر : المصدر نفسه ١ / ١٦٢.
(٢) أبو الدرداء : عويمر بن زيد الأنصاري ، يقال عنه حكيم هذه الأمة ، كان عالم أهل الشام ومقرىء أهل دمشق وفقيههم وقاضيهم مات سنة ٣٢ ه / ٦٥٢ م ، ينظر : ابن حجر ، الإصابة ٢ / ٣٥١.
(٣) ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٥٧٧.
(٤) ينظر : المصدر نفسه ، ابن سعد ٤ / ٧٨.
(٥) الليث بن سعد مولى قيس ، ولد سنة ٩٣ ه / ٧١١ م واستقل بالفتوى في مصر ، أسند لخلق كثير من التابعين وتوفي سنة ١٧٥ ه / ٧٩١ م ، ينظر : ابن الجوزي ، صفوة ٤ / ٢١٨.
(٦) نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم ، إمام دار الهجرة ، كان إماما فاضلا ، قرأ على سبعين من التابعين ، أخذ عنه مالك وكان يصلي وراءه ومات بالمدينة سنة ١٦٩ ه / ٧٨٥ م. ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٤٩٨ ؛ ابن سعد ٦ / ٣٩.
(٧) فإن السيئات ب ج د ه : فالسيئات أ.
(٨) عقوبة ممن اقترف أ ج د ه : عقوبته د / / اقترف أ ج د ه : اقترفه ب.
بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها)(١) ، فقد غلظت الدية على من قتل في الحرم أو في الأشهر الحرم ، أو قتل ذي رحم (٢) محرم ، لحرمة هذه الأشياء وعظم محلها. فالتعدد في المعنى من حيث إنه انتهك حرمة بيوت الله ، وقد قال تعالى : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (٣٦) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (٣٧) لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ)(٣). وقد ارتكب المعصية فيها فهذا معنى التضعيف (٤).
شد الرحال إليه (٥)
عن أبي سعيد الخدري (٦) ، رضياللهعنه : أن رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، قال : «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، والمسجد الأقصى ، ومسجدي هذا» (٧).
كراهية استقبال الصخرة ببول أو غائط
روى أبو داود (٨) ، رحمه الله ، في سننه : أن رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، نهى أن تستقبل القبلتان ببول أو غائط. وعن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم : «لا تستقبلوا واحدة من القبلتين ببول أو غائط» (٩). وروي تحريم ذلك عن الشعبي.
فضل الإهلال بالحج والعمرة من بيت المقدس
عن أم سلمة زوج النبي ، صلىاللهعليهوسلم ، أنها سمعت رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، يقول : «من أهل بحج أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر الله له ما تقدم من ذنبه
__________________
(١) الأنعام : [١٦٠].
(٢) ذي رحم أ ج ه : ذا رحم ب د.
(٣) النور : [٣٦].
(٤) وقد ارتكب ... معنى التضعيف ب ج د ه : ـ أ.
(٥) شد الرحال إليه أ ب ج د : شد الرحال عليه ه.
(٦) أبو سعيد الخدري : سعد بن مالك بن سنان ، صحابي جليل توفي سنة ٧٤ ه / ٦٩٣ م ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ١٦٦ ؛ ابن حجر ، الإصابة ٢ / ٨٣.
(٧) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ٩٨.
(٨) أبو داود : الإمام الحافظ ، سليمان بن داود ، كان كثير الحديث ، يعد من أصحاب السنن ، وتوفي سنة ٢٠٣ ه / ٨١٨ م ؛ ينظر : ابن قتيبة ، المعارف ٢٩٠ ؛ ابن سعد ٧ / ٢١٨.
(٩) ينظر : المقدسي ، مثير ٢١٠.
وما تأخر ووجبت له الجنة» (١).
وقد أحرم منه عمر بن الخطاب ، رضياللهعنه ، ثم قال : لوددت أني ما جئت بيت المقدس (٢) ، كذلك أهل ابن عمر من بيت المقدس بعمرة (٣).
الماء تخرج والرياح (٤) من تحت صخرة بيت المقدس
وروي عن أبي هريرة ، رضياللهعنه ، عن النبي ، صلىاللهعليهوسلم ، أنه قال : «المياه العذبة والرياح اللواقح تخرج (٥) من تحت صخرة بيت المقدس (٦) ، وعن ابن عباس ، رضياللهعنهما ، قال : قال رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم : «الأنهار الأربعة (٧) : سيحان وجيحان والنيل والفرات ، فأما سيحان فنهر بلخ (٨) ، وأما جيحان فدجلة ، وأما النيل ، فنيل مصر ، وأما الفرات ، ففرات الكوفة (٩). وكل ماء يشربه (١٠) ابن آدم فهو من هذه الأربعة ، وتخرج من تحت الصخرة» (١١)(١٢).
وقد نقل في فضل ماء بيت المقدس وما فيه من المنفعة وأن من أراد أن يشرب ماء في جوف الليل : فليقل يا ماء ماء بيت المقدس يقرئك السلام ، ثم يشرب فإنه أمان بإذن الله ، عز وجل.
بيت المقدس أرض المحشر والمنشر
عن أبي ذر (١٣) قال : قلت : يا رسول الله ، الصلاة في مسجدك أفضل من الصلاة في بيت المقدس؟ قال : صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه ،
__________________
(١) ينظر : المقدسي ، مثير ٢١٢ ؛ السيوطي ، إتحاف ١ / ١٥١.
(٢) ثم قال لوددت ... المقدس ب د : ـ أ ج ه.
(٣) كذلك أهل ابن عمر ... بعمرة أ : وأحرم منه ابنه عبد الله ، رضياللهعنه أيضا ب ج ه : ـ د.
(٤) الماء تخرج والرياح أ ج : الماء والريح يخرجان ب د : ـ ه.
(٥) تخرج من ب د : ـ أ ج ه.
(٦) ينظر : المقدسي ، مثير ٢١٧ ؛ السيوطي ، إتحاف ١ / ١٥٥.
(٧) الأربعة أ ج ه : أربعة ب د.
(٨) بلخ : مدينة مشهورة بخرسان من أشهرها ذكرا وأكثرها خيرا ، ينظر. أبو الفداء ، تقويم ٦١ ؛ البغدادي ، مراصد ١ / ٢١٧.
(٩) الكوفة : المصر المشهور بأرض بابل من سواد العراق ، سميت الكوفة لاستدارتها أو لاجتماع الناس بها ؛ ينظر : البغدادي ، مراصد ٣ / ١١٨٧ ؛ الحميري ٥٠١.
(١٠) يشربه ب د ه : يشرب أ ج.
(١١) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ١٥٦.
(١٢) وتخرج من تحت الصخرة أ ج د : ويخرج من تحت صخرة بيت المقدس ب ه.
(١٣) ذر أ ج ه : + رضياللهعنه ب د.
ولنعم المصلى هو أرض المحشر والمنشر (١).
وعن كعب قال : إن الكعبة بميزان البيت المعمور في السماء السابعة الذي تحجه ملائكة الله تعالى ، لو وقعت (٢) منه أحجار وقعت على أحجار البيت الحرام (٣) ، وأن الجنة في السماء السابعة بميزان بيت المقدس لو وقع منها حجر لوقع على الصخرة الشريفة ، ولذلك دعيت أورشلم ، ودعيت الجنة دار السلام (٤).
وقال مقاتل بن سليمان عن بيت المقدس : ما فيه موضع شبر إلا وقد صلى عليه نبي مرسل ، أو قام عليه ملك مقرب.
وقال وهب بن منبه : أهل بيت المقدس جيران الله ، وحق / / على الله أن لا يعذب جيرانه.
وعن عبد الله بن عمر أنه قال : إن الحرم المحرم في السماوات السبع بمقداره في الأرض ، وإن بيت المقدس لمقدس (٥) في السماوات السبع بمقداره في الأرض (٦).
توكل (٧) الملائكة بالمسجد الحرام
ومسجد المدينة والمسجد الأقصى
عن ابن مسعود ، عن النبي ، صلىاللهعليهوسلم ، أنه قال : «ثلاثة أملاك : ملك موكل بالكعبة ، وملك موكل بمسجدي ، وملك موكل بالمسجد الأقصى. فأما الموكل بالكعبة فينادي في كل يوم (٨) : من ترك فرائض الله خرج من أمان الله ، وأما الموكل بمسجدي هذا فينادي في كل يوم : من ترك سنة رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، لا يرد حوضه (٩) ولا تدركه شفاعة محمد ، صلىاللهعليهوسلم ، وأما الموكل بالمسجد الأقصى فينادي في كل يوم : من كانت طعمته حراما كان عمله مضروبا به وجهه» (١٠).
__________________
(١) ينظر : ابن منظور ، مختصر ١ / ٧٥ ؛ المقدسي ، مثير ٢٢٠.
(٢) لو وقعت ب : وقعت أ ج ه : لوقع د.
(٣) الحرام ب ج د ه : ـ أ.
(٤) ينظر : المقدسي ، مثير ٢٥٢.
(٥) لمقدس أ : مقدس ب ج د ه.
(٦) ينظر هذه الأقوال : السيوطي ، إتحاف ١ / ١٠٠ ـ ١٠٣.
(٧) توكل أ ب د : توكيل ج ه.
(٨) فيكل يوم أ ب ج د : ـ ه.
(٩) لا يرد حوضه ب ج د : ـ أ ه.
(١٠) المقدسي ، مثير ٢٢٣ ؛ السيوطي ، إتحاف ١ / ١٣٩.
فضل إسراج بيت المقدس الشريف عند العجز
عن الوصول إليه (١) فإنه يقوم مقام الصلاة فيه وفضل عمارته
روي عن ميمونة بنت سعد مولاة رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، أنها قالت : يا رسول الله افتنا في بيت المقدس ، فقال : «أرض المحشر والمنشر ائتوه فصلوا فيه ، فإن كل صلاة فيه كألف صلاة». قلنا : يا رسول الله فمن لم يستطع أن يصلي إليه؟ قال : «فمن لم يستطع أن يأتيه فليهد إليه زيتا يسرج في قناديله ، فإن من أهدى إليه زيتا كان كمن أتاه» (٢). وقال صلىاللهعليهوسلم : «من أسرج في بيت المقدس سراجا لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام ضوءه في المسجد» (٣) ، وفي نبوة يحيى ، عليهالسلام ، من بنى في بيت المقدس بناء ، أو أثر فيه أثرا حسنا ، أو عمر فيه شيئا ، زاد الله في عمره خمس عشرة سنة ، وزاد له من المال والولد ، وإن كان ملكا ملكه الله إياها ـ يعني الأرض ـ.
صفة الدجال قاتله الله (٤) ـ الدجال لا يدخل بيت المقدس ـ
روى عن الضحاك أنه قال : الدجال ليس له لحية وافر الشارب طول وجهه ذراعان وقامته في السماء ثمانون ذراعا وعرض ما بين منكبيه ثلاثون ذراعا ، ثيابه وخفاه وسرجه ولجامه بالذهب والجواهر ، على رأسه تاج مرصع بالذهب والجوهر في يده طبرزن (٥)(٦) هيئته هيئة المجوس ترسه فارسية وكلامه الفارسية ، تطوى له الأرض ولأصحابه طيا طيا ، يطأ مجامعها ، ويرد مناهلها إلا المساجد الأربعة ، مسجد مكة ومسجد المدينة ومسجد بيت المقدس ومسجد الطور.
وعن عبد الله بن مسعود قال : يدخل الدجال (٧) الأرض كلها إلا أربعة مساجد وأربع قرى مكة والمدينة وبيت المقدس وطور سيناء (٨) ، وروي نحوه عن عبد الله بن
__________________
(١) عن الوصول إليه أ ب ج د : عن الذهاب إليه ه.
(٢) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ١٥٣.
(٣) ينظر : المصدر نفسه ١ / ١٥٣.
(٤) صفة الدجال قاتله الله أ ب د : ـ ج ه.
(٥) طبرزن : أصلها بالفارسية (تيرزل) وهي آلة من السلاح تشبه الطبر ، ينظر : ابن منظور ، لسان ١٣ / ٢٦٤ ؛ الحسيني ٤٥٣.
(٦) طيرزن ب د : طيرزان أ ج ه.
(٧) الدجال أ ب ج د : ه.
(٨) ينظر : المقدسي ، مثير ٢٣٢.
عمرو بن العاص (١) ، وروى ثور (٢) عن خالد بن معدان (٣)(٤) أنه قال : عصمة المؤمنين من مسيح الدجال (٥) ببيت المقدس. وعن ربيعة بن يزيد (٦) قال رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم : «لا تزالون تقاتلون الكفار حتى تقاتل بقيتكم جنود (٧) الدجال ببطن الأردن بينكم النهر أنتم غربيه وهم شرقيه» ، قال ربيعة : فقال المحدث من أصحاب رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم : فمات سمعت بنهر الأردن إلا من رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم.
وروي أن نبي الله عيسى ، عليهالسلام ، يأخذ من حجارة بيت المقدس ثلاثة أحجار : الأول : منها يقول : باسم إله إبراهيم ، والثاني (٨) : باسم إله إسحاق ، والثالث : باسم إله يعقوب ، ثم يخرج بمن تبعه من المسلمين إلى الدجال ، فإذا رآه انهزم عنه ، فيدركه عند باب لد (٩) ، فيرميه بأول حجر ، فيصيبه (١٠) بين عينيه ، ثم الثاني ، ثم الثالث ، فيقع فيضربه سيدنا عيسى فيقتله ويقتل اليهود حتى أن الحجر والشجر ليقولان يا مؤمن هذا (١١) تحتي يهودي فأته فاقتله (١٢). قال صلىاللهعليهوسلم : «يوشك أن ينزل فيكم ابن مريم إماما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير» (١٣).
__________________
(١) عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي ، أبو محمد ، بينه وبين أبيه إحدى عشرة سنة ، له سبعمائة حديث ، مات سنة ٦٥ ه / ٦٨٤ م ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٦٢ ؛ ابن سعد ٤ / ١٩٧ ؛ ابن حجر ، الإصابة ١ / ٣٤٣.
(٢) ثور بن يزيد الكلاعي ، من أهل حمص ، مات سنة ١٣٥ ه ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٥٧٧ ؛ ابن سعد ٧ / ٣٢٤.
(٣) خالد بن معدان الكلاعي ، حمصي يكنى أبا عبد الله ، مات سنة ١١٨ ه / ٧٣٦ م ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٥٦٦ ؛ ابن سعد ٧ / ٣١٦ ؛ ابن العماد ١ / ١٢٦.
(٤) خالد بن معدان أ ج ه : خالد بن صفوان ب د.
(٥) من مسيح الدجال أ ج ه : المسيح الدجال ب د.
(٦) ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٥٧٤.
(٧) جنود أ ب ج د : ـ ه.
(٨) والثاني أ ج ه : + يقول ب د.
(٩) لد : قرية قرب بيت المقدس من نواحي فلسطين وتقع الآن تحت السيطرة الإسرائيلية ، ينظر : أبو الفداء ، تقويم ٢٣٧ ؛ البغدادي ، مراصد ٣ / ١٢٠٢ ؛ شراب ٦٣٧.
(١٠) فيصيبه ب د : فيضعه أ ج ه.
(١١) هذا أ ج : ـ ب د ه.
(١٢) فأته فاقتله أ ب ج د : فيأتيه فيقتله ه.
(١٣) عن أحاديث الدجال ، ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ٢٢٠.
فضل الأذان فيه (١)
روى جابر (٢) ، رضياللهعنه ، أن رجلا قال : يا رسول الله أي الخلق أول دخولا إلى الجنة؟ قال : «الأنبياء» ، قال : ثم من؟ قال : «الشهداء» ، قال : ثم من؟ قال : «مؤذنو بيت / / المقدس» ، قال : ثم من؟ قال : «مؤذنو المسجد الحرام» ، قال : ثم من؟ قال : «مؤذنو (٣) مسجدي» ، قال : ثم من؟ قال : «سائر المؤذنين» (٤).
وعن العلاء بن هارون قال : بلغني أن الشهداء يسمعون آذان مؤذني بيت المقدس لصلاة الغداة يوم الجمعة ، وعن كعب قال : لم يستشهد عبد قط في بر ولا بحر إلا وهو يسمع آذان مؤذني بيت المقدس ، وأنه يسمع آذان مؤذني بيت المقدس من السماء.
فضل الصدقة فيه (٥)
روي عن الحسن البصري (٦) ، رضياللهعنه (٧) ، أنه قال : من تصدق في بيت المقدس بدرهم كان له براءة من النار ، من (٨) تصدق برغيف كان كمن تصدق بجبال الأرض ذهبا (٩).
فضل الصيام فيه والاستغفار
روي عن كعب (١٠) أنه قال : من صام يوما ببيت المقدس أعطاه الله براءة من النار ، ومن استغفر للمؤمنين والمؤمنات في بيت المقدس ثلاث مرات كتب الله (١١)
__________________
(١) فيه أ ج ه : في بيت المقدس ب د.
(٢) جابر بن عبد الله ، الإمام أبو عبد الله الأنصاري الفقيه ، مفتي المدينة في زمانه ، صحابي جليل ، مات سنة ٧٨ ه / ٦٩٧ م ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ١٧٤ ؛ ابن الأثير ، أسد ١ / ٣٠٧.
(٣) مؤذنو أ ب ج د : مؤذنين ه.
(٤) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ١٤٧.
(٥) فيه أ ج ه : في بيت المقدس ب د.
(٦) الحسن البصري : أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن يسار البصري من سادات التابعين وكبرائهم ، كان إمام أهل البصرة وحبر الأمة في زمانه ، مات سنة ١٦٠ ه ، ينظر : ابن خلكان ٢ / ٦٩ ؛ الذهبي ، سير ٤ / ٥٦٣ ؛ الزركلي ٢ / ٢٢٦.
(٧) رضياللهعنه أ ب ج د : قدس الله روحه د.
(٨) من أ : ومن ب ج د ه.
(٩) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ١٤٤.
(١٠) عن كعب أ ب ج ه : عن سيدنا كعب رضياللهعنه د.
(١١) كتب الله له أ ج ه : كتب له ب د.
له مثل جميع حسنات المؤمنين والمؤمنات ودخل على كل مؤمن ومؤمنة من دعائه في كل يوم وليلة سبعون مغفرة (١).
فضل الدفن فيه (٢)
قد سأل موسى ، عليهالسلام ، ربه أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية حجر ، وتقدم ذكر ذلك عند ذكره ، عليهالسلام ، وعن كعب أن ببيت المقدس ألف قبر من قبور الأنبياء ، عليهم الصلاة والسلام (٣). وعن أبي هريرة ، رضياللهعنه ، عن النبي ، صلىاللهعليهوسلم ، أنه قال : «من مات في بيت (٤) المقدس فكأنما مات في السماء» (٥).
فضل الصخرة
روي عن ابن عباس ، رضياللهعنهما ، أنه قال : صخرة بيت المقدس من صخور الجنة (٦) ، وعن عبادة بن الصامت (٧) ، رضياللهعنه ، قال : قال رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم : «صخرة بيت المقدس على نخلة والنخلة على نهر من أنهار الجنة وتحت النخلة آسية امرأة فرعون ومريم ابنة عمران تنظمان (٨) سموط أهل الجنة إلى يوم القيامة» (٩) ، وعن علي بن أبي طالب ، رضياللهعنه ، قال : سمعت رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، يقول : «سيدة البقاع (١٠) بيت المقدس وسيد الصخور صخرة بيت المقدس» (١١) ، وعن أم عبد الله ابنة خالد بن معدان (١٢) عن أبيها : لا تقوم الساعة حتى تزف الكعبة إلى الصخرة ، فيتعلق بها جميع من حجها واعتمرها فإذا رأتها
__________________
(١) ينظر : المصدر نفسه ١ / ١٤٦.
(٢) فيه أ ج ه : في بيت المقدس ب د.
(٣) عليهم الصلاة والسلام أ ج د ه : عليهمالسلام ب.
(٤) في بيت أ ج ه : ببيت ب د.
(٥) ينظر : المقدسي ، مثير ٢٤٧ ، وهو حديث موضوع.
(٦) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ١٣٠.
(٧) عبادة بن الصامت : أبو الوليد عبادة بن الصامت الخزرجي ، صحابي ، من الموصوفين بالورع ، شهد الغزوات ، وحضر فتح مصر ، مات سنة ٣٤ ه / ٦٥٣ م ، ينظر : ابن خياط ، الطبقات ٥٥٤ ؛ ابن سعد ٣ / ٤١٢.
(٨) تنظمان أ : ينظمان ب ج د ه.
(٩) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ١٣٠.
(١٠) سيدة البقاع أ : سيد البقاع ب د : سيد بقاع الأرض ج ه.
(١١) ينظر : السيوطي ، إتحاف ١ / ١٣٢.
(١٢) ابن معدان ه : مقدان أ : بن سعدان ب ج د.
الصخرة قالت : مرحبا بالزائرة والمزورة (١). وروي أن الله ، عز وجل ، يجعل الصخرة يوم القيامة مرجانة بيضاء ثم يبسطها عرض السماء والأرض.
فضل الصلاة عن يمين الصخرة
عن أبي هريرة ، رضياللهعنه ، عن أبي سعيد (٢) قال : قال رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم : «صليت ليلة أسري بي إلى بيت المقدس عن يمين الصخرة» (٣). قال المشرف : ولم يختلف اثنان أنه عرج به من عند القبة التي يقال لها قبة المعراج (٤).
البلاطة السوداء
وهي التي من داخل الباب الشمالي (٥) من أبواب الصخرة ، ويعرف هذا الباب بباب الجنة ، يحكي أنه رؤي الخضر ، عليهالسلام ، يصلي هناك ، والله أعلم. ويقال : إن قبر سليمان ، عليهالسلام ، بهذا الباب ، وتقدم عند ذكر وفاته ما قيل أن قبره بالبيت المقدس (٦) عند الجيسمانية وأنه هو وأبوه داود في قبر واحد.
اليمين عند الصخرة
وحكى عن عمر بن عبد العزيز ، رضياللهعنه ، أنه أمر أن يحمل عمال سليمان بن عبد الملك يستحلفون عند الصخرة فحلفوا إلا رجلا واحدا فدى يمينه بألف دينار ، يقال له : أهيب بن جندب (٧) فما حال عليهم الحول حتى ماتوا (٨) ، والله أعلم.
فضل الصخرة ليلة الرجفة
روى أبو عمير عن جندب عن رستم الفارسي قال : أتت الرجفة فقيل لي : قم فأذن ، فاستهنت بذلك ، فأبيت ، ثم أتت الثانية فقيل لي : قم فأذن ، فاستهنت بذلك ، ثم أتت الثالثة فانتهزت انتهازة شديدة وقيل لي : قم فأذن ، فأتيت المسجد ، فإذا
__________________
(١) ينظر : ابن عبد ربه ٦ / ٢٦٥ ؛ السيوطي ، إتحاف ١ / ١٣٣.
(٢) أبي سعيد أ ب ج د : + الخدري ه.
(٣) ينظر : المقدسي ، مثير ٢٥٤ ؛ السيوطي ، إتحاف ١ / ١٣٤.
(٤) ينظر : المقدسي ، مثير ٢٥٧.
(٥) الشمالي أ ج ه : الشامي ب د.
(٦) بالبيت المقدس أ ج ه : ببيت المقدس ب د.
(٧) لم أتبينه في كتب التراجم.
(٨) ينظر : المقدسي ، مثير ٢٥٨.
الدور قد تهدمت. قال : فخرج إليّ بعض حرس (١) الصخرة فقال لي : اذهب فأتني بخبر أهلي وتعال حتى أخبرك بالعجب قال : فأتيت منزله فإذا هو قد تهدم (٢) ، فرجعت فأعلمته ، فقال : لما كان من الأمر ما كان أتي إليها ، فحملت حتى نظرنا إلى السماء والنجوم ، ثم أعيدت فسمعناهم يقولون : ساووها عدلوها. حتى أعيدت على حالها (٣).
ورواه عبيد الله بن محمد القرماني عن ضمرة / / عن رستم بنحوه وفيه : أن الذي خرج إليه رجل من حرس (٤) الصخرة الشريفة وكان على كل باب عشرة ، وفيه : لما أخبره عن أهله قال : لم نعلم في أول الليل إلا وقد قلعت القبة من موضعها حتى بدت لنا الكواكب ، فلما كان قبل مجيئك سمعنا حفيفا وجلبة (٥) ، ثم سمعنا قائلا يقول : ساووها عدلوها ثلاث مرات ، فأعيدت على حالها (٦).
ورواه (٧) الوليد بن حماد عن عبد الرحمن بن محمد بن منصور بن ثابت قال : حدثني أبي عن أبيه عن جده أن أبا عثمان الأنصاري (٨) كان يحيي الليل بعد انصرافه من القيام في شهر رمضان على البلاطة السوداء ، قال : فبينما هو قائم في الصلاة حتى سمع صوت الهدة في المدينة وصراخ الناس واستغاثتهم. وكانت ليلة باردة مظلمة كثيرة الرياح والأمطار ، قال فسمعت قائلا يقول ـ اسمع الصوت ولا أرى الشخص ـ : ارفعوها رويدا بسم الله. فقلعت القبة قلعا حتى تبدى لنا بياض السماء والنجوم ، فأصاب وجهه من رش المطر حتى أذن رستم الفارسي ، فسمع قائلا يقول : ردوها رويدا بسم الله ساووها عدلوها ، فردت القبة على حالة (٩) ما كانت عليه ، وكان هذا في الرجفة الأولى وكانت هذه الرجفة في شهر رمضان سنة ثلاثين ومائة (١٠) ، والله أعلم.
__________________
(١) حرس أ ج ه : حراس ب د.
(٢) تهدم أ ج : هدم ب د ه.
(٣) ينظر : المقدسي ، مثير ٢٥٨.
(٤) حرس أ ج ه : حراس ب د.
(٥) حفيفا وجلبة أ ه : حفيفا وحبكه ب ج د.
(٦) ينظر : المقدسي ، مثير ٢٥٨.
(٧) ورواه أ ج د ه : وروى ب / / الرحمن أ ج د ه : الرحمان ب.
(٨) ينظر : ابن عبد البر ٤ / ١٨٢.
(٩) حالة أ ج د ه : ـ ب.
(١٠) سنة ١٣٠ ه / ٧٤٧ م.
نبذة مما ذكر من فضائل بيت المقدس (١)
قد تقدم ما رواه أبو هريرة ، رضياللهعنه ، عن رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، قال : «أربع من مدائن الجنة مكة والمدينة ودمشق وبيت المقدس» (٢).
وروى المشرف بسنده عن عمران بن الحصين (٣) قال : قلت : يا رسول الله ما أحسن المدينة ، قال : «لو رأيت بيت المقدس» ، قال : قلت : أهي أحسن منها؟ فقال : كيف لا تكون أحسن منها وكل من فيها يزار ولا يزور وتهدى إليها (٤) الأرواح ولا يهدي روح بيت المقدس لغيرها ، إلا أن الله أكرم المدينة الشريفة وطيبها بي فأنا فيها حي (٥) ، وأنا فيها ميت ، ولو لا ذلك ما هاجرت من مكة فإني ما رأيت القمر في بلاد إلا وهو بمكة أحسن (٦). وروى أن موسى ، عليهالسلام ، نظر وهو ببيت المقدس إلى نور رب العزة ينزل ويصعد إلى بيت المقدس (٧). وعن كعب قال : باب مفتوح من السماء من أبواب الجنة تنزل منه الرحمة (٨) على بيت المقدس كل صباح حتى تقوم الساعة ، والطل الذي ينزل على بيت القدس شفاء من كل داء لأنه من الجنة. وعن مقاتل بن سليمان : كل ليلة ينزل سبعون ألف ملك من السماء إلى مسجد بيت المقدس يهللون الله ويسبحون الله ويقدسون الله ويحمدون الله لا يعودون إليه حتى تقوم الساعة (٩). وعن ابن عباس ، رضياللهعنهما قال : قال رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم : «من أراد أن ينظر إلى بقعة من بقع الجنة فلينظر إلى بيت المقدس» (١٠). وقال كعب (١١) : إن الله ينظر إلى بيت المقدس كل يوم مرتين. وقال أنس بن مالك ، رضياللهعنه : إن الجنة (١٢) لتحن شوقا إلى بيت المقدس وبيت المقدس من جنة
__________________
(١) بيت المقدس أ ج ه : + الشريف المعظم ب : + المشرف المعظم د.
(٢) ينظر : المقدسي ، مثير ٢٥٩.
(٣) عمران بن الحصين : يكنى أبا نجيد ، أسلم قديما ، وغزا مع رسول الله ، صلىاللهعليهوسلم ، غزوات ، توفي في البصرة سنة ٥٣ ه / ٦٧٢ م ، ينظر : ابن الجوزي ، صفوة ١ / ٣٠٤ ـ ٣٠٥.
(٤) إليها أ ج د ه : إليه ب.
(٥) فأنا فيها حي أ ج ه : وأنا فيها حي ب د.
(٦) لم أعثر على هذا الحديث.
(٧) ينظر : المقدسي ، مثير ٢٦٠.
(٨) تنزل منه الرحمة أ ج ه : ينزل منه النور والرحمة ب د.
(٩) ينظر : المقدسي ، مثير ٢٦٠.
(١٠) المرجع نفسه ٢٥١.
(١١) كعب أ ب ج د : + الأحبار ه.
(١٢) إن الجنة أ ب ج د : ـ ه.