جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي
المحقق: غريد الشيخ
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٦٤
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الفن الثاني في التدريب
الحمد لله ربّ العالمين ، والصّلاة والسّلام على سيدنا رسول الله. هذا هو الفن الثاني من الأشباه والنظائر ، وهو فن القواعد الخاصة والضوابط والاستثناءات والتقسيمات مرتب على الأبواب ، وسمّيته بالتدريب.
باب الألفاظ
تقسيم
ما خرج من الفم إن لم يشتمل على حرف فصوت ، وإن اشتمل على حرف ولم يفد معنى فلفظ وإن أفاد معنى فقول ، فإن كان مفردا فكلمة ، أو مركبا من اثنين ولم يفد نسبة مقصودة لذاتها فجملة ، أو أفاد ذلك فكلام ، أو من ثلاثة فكلم.
باب الكلمة
تقسيم
الكلمة إما اسم ، وإما فعل ، وإما حرف ، ولا رابع لها. والدلالة على ذلك ثلاثة :
أحدها : الأثر ، روي ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أخرجه أبو القاسم الزجاجي في أماليه (١) بسنده إليه.
الثاني : الاستقراء التام من أئمة العربية كأبي عمرو ، والخليل ، وسيبويه ومن بعدهم.
الثالث : الدليل العقلي ، ولهم في ذلك عبارات : منها قول ابن معط : إن المنطوق به إما أن يدلّ على معنى يصح الإخبار عنه وبه ، وهو الاسم. وإما أن يصحّ الإخبار به لا عنه وهو الفعل. وإما ألّا يصح الإخبار عنه ولا به ، وهو الحرف.
قال ابن إياز : وفي هذا الاستدلال خلل ، وذلك أن قسمته غير حاصرة ، إذ
__________________
(١) انظر أمالي الزجاجي (ص ٢٣٨).
يحتمل وجها رابعا ، وهو أن يخبر عنه لا به ، وسواء كان هذا القسم واقعا أم غير واقع ، بل سواء كان ممكن الوقوع أم محالا. إذ استحالة أحد الأقسام المحتملة لا تصير بها القسمة عند الإخلال به حاصرة.
وقال الشيخ جمال الدين بن هشام في (شرح اللّمحة) : هذا أفسد ما قيل في ذلك ، لأنها غير حاصرة.
ومنها قول بعضهم : إن العبارات بحسب المعبّر ، والمعبّر عنه من المعاني ثلاث : ذات ، وحدث عن ذات ، وواسطة بين الذات والحدث يدل على إثباته لها ، أو نفيه عنها. فالذات : الاسم ، والحدث : الفعل ، والواسطة : الحرف.
ومنها قول بعضهم : إن الكلمة إما أن تستقل بالدلالة على ما وضعت له ، أو لا تستقل ، غير المستقل الحرف ، والمستقل إما أن تشعر مع دلالتها على معناها بزمنه المحصل أو لا تشعر ، فإن لم تشعر فهي الاسم وإن أشعرت فهي الفعل.
ـ قال ابن أياز : وهذا الوجه أقوى لأنه يشتمل على التقسيم المتردّد بين النفي والإثبات.
ومنها قول بعضهم : إن الكلمة إما أن يصح إسنادها إلى غيرها أو لا ، إن لم يصحّ فهي الحرف ، وإن صح فإما أن تقترن بأحد الأزمنة الثلاثة أو لا ، إن اقترنت فهي الفعل وإلا فهي الاسم.
قال ابن هشام : وهذه أحسن الطرق. وهي أحسن من الطريقة التي في كلام ابن الحاجب (١) ، وهي أن الكلمة إما أن تدلّ على معنى في نفسها ، أو لا ، الثاني الحرف ، والأول إما أن تقترن بأحد الأزمنة الثلاثة ، أو لا ، الثاني الاسم ، والأوّل الفعل ، وذلك لسلامة الطريقة التي اخترناها من أمرين مشكلين اشتملت عليهما هذه الطريقة :
أحدهما : دعوى دلالة الاسم والفعل على معنى في نفس اللفظ ، وهذا يقتضي بظاهره قيام المسميات بالألفاظ الدالة عليها ، وذلك محال ، وهذا وإن كان جوابه ممكنا إلا أنه أقلّ ما فيه الإبهام.
والثاني : دعوى دلالة الحرف على معنى في غيره. وهذا ، وإن كان مشهورا بين النحويين إلا أن الشيخ بهاء الدين بن النحاس نازعهم في ذلك ، وزعم أنه دالّ على معنى في نفسه ، وتابعه أبو حيان (٢) في (شرح التسهيل).
__________________
(١) انظر الكافية (١ / ٧).
(٢) انظر شرح التسهيل (١ / ٥).
باب الاسم
ضابط
علامات الاسم : تتبعنا جميع ما ذكره الناس من علامات الاسم ، فوجدناها فوق ثلاثين علامة ، وهي : الجرّ وحروفه ، والتنوين ، والنداء ، وأل ، والإسناد إليه ، وإضافته ، والإضافة إليه ، والإشارة إلى مسماه ، وعود ضمير إليه ، وإبدال اسم صريح منه ، والإخبار به مع مباشرة الفعل ، وموافقة ثابت الاسمية في لفظه ومعناه ـ هذا ما في كتب ابن مالك ـ.
ونعته ، وجمعه تصحيحا ، وتكسيره ، وتصغيره ـ ذكر هذه الأربعة ابن الحاجب في وافيته ـ.
وتثنيته ، وتذكيره ، وتأنيثه ، ولحوق ياء النسبة له ، ـ ذكر هذه الأربعة صاحب (اللّب واللّباب) ـ.
وكونه فاعلا أو مفعولا ـ ذكرهما أبو البقاء العكبري في (اللّباب).
وكونه عبارة عن شخص ، ودخول لام الابتداء ، وواو الحال ـ ذكر هذه ابن فلاح في مغنيه ـ.
وذكر ابن القواس في (شرح ألفية ابن معط) لحوق ألف الندبة ، وترخيمه ، وكونه مضمرا ، أو علما ، أو مفردا منكّرا ، أو تمييزا ، أو منصوبا حالا.
فائدة : الأسماء في الإسناد : على أربعة أقسام : قسم يسند ويسند إليه ، وهو الغالب ، وقسم لا يسند ولا يسند إليه ، كالظروف والمصادر التي لا تتصرف والأسماء الملازمة للنداء ، وقسم يسند ولا يسند إليه كأسماء الأفعال ، وقسم يسند إليه ولا يسند ، كالتاء من (ضربت) ، والياء من (افعلي) ، والألف من (اضربا) ، والواو من (اضربوا) ، والنون من (اضربن) ، وايمن ، ولعمرك.
فائدة أقوال في المسند والمسند إليه : قال أبو حيان في (شرح التسهيل) : في المسند والمسند إليه أقوال :
أحدها : المسند المحكوم به ، والمسند إليه المحكوم عليه ، وهو الأصل.
وثانيها : أن كلا منهما مسند ومسند إليه.
وثالثها : أن المسند هو الأول ، مبتدأ كان أو غيره ، والمسند إليه الثاني ، ف (قام) من قام زيد ، و (زيد) من : زيد قائم ، مسند ، والأخير منهما مسند إليه.
رابعها : عكس هذا. (فزيد وقام) في التركيبين مسند ، والأول من التركيبين مسند إليه. ولهذه المسألة نظائر :
أحدها : المضاف والمضاف إليه ، فيهما أقوال : أصحّها أن الأول : هو المضاف والثاني هو المضاف إليه ، وهو قوله سيبويه (١). والثاني : عكسه ، والثالث : يجوز في كلّ منهما كلّ منهما.
ثانيها : البدل والمبدل منه وفيهما أقوال ، أحدها : الإضافة ، والأصح هنا أن الأول المبدل منه والثاني : البدل.
ثالثها : بدل الاشتمال. قال في (البسيط) : وفي تسميته بذلك أقوال ، أحدها : لاشتمال الأول على الثاني ، فإن زيدا مشتمل على علمه ، والثاني : لاشتمال الثاني على الأول ، لأنه دائر بين التعلّق بالأول كأعجبني زيد غلامه ، والدخول في الأول كأعجبني زيد علمه وحسنه ، والثالث : أنه سمّي بذلك للقدر المشترك بينهما وهو عموم الملابسة والتعلّق إذ لا ينفك أحدهما عن ذلك.
فائدة : الإسناد أعم من الإخبار : قال أبو البقاء العكبري في (اللباب) : الإسناد أعم من الإخبار ، إذ كان يقع على الاستفهام والأمر وغيرهما ، وليس الإخبار كذلك ، بل هو مخصوص بما صح أن يقابل بالتصديق والتكذيب ، فكل إخبار إسناد ، وليس كل إسناد إخبارا.
فائدة : ما يتعاقب على المفرد : قال ابن الدهان في (الغرّة) : ثلاثة أشياء تتعاقب على المفرد ولا يوجد فيه منها اثنان ، وهي : التنوين ، والألف واللام والإضافة.
قاعدة : الاتفاق والاختلاف في كل خاصتي نوع
قال ابن القواس في (شرح الدرة) : كل خاصّتي نوع إما أن يتفقا أو يختلفا فإن اتفقا امتنع اجتماعهما ، كالألف واللام والإضافة في الاسم ، والسين وسوف في الفعل. وإن اختلفا ، فإن تضادا لم يجتمعا ، كالتنوين والإضافة في الاسم وسوف وتاء التأنيث في الفعل. لأن سوف تقتضي المستقبل ، والتاء تقتضي الماضي ، وإن لم يتضادا جاز اجتماعهما ، كالألف واللام والتصغير ، وقد وتاء التأنيث.
ضابط : الكلمات التي تأتي اسما وفعلا وحرفا
الكلمات التي تأتي اسما وفعلا وحرفا تتبعتها ، فوصلت إلى ثماني عشرة كلمة ، أشهرها :
__________________
(١) انظر الكتاب (٣ / ٤٥٩).
١ ـ (على) فإنها تكون حرف جرّ ، واسما يجر بمن ، قال الشاعر : [الطويل]
٢٦١ ـ غدت من عليه بعد ما تمّ ظمؤها |
|
[تصلّ وعن قيض ببيداء مجهل] |
وفعلا ماضيا من العلوّ. ومنه : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ) [القصص : ٤].
٢ ـ و (من) تكون حرف جرّ ، واسما. قال الزمخشري في قوله تعالى : (فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً) [البقرة : ٢٢] ، إذا كانت (من) للتبعيض فهي في موضع المفعول به ، ورزقا مفعول لأجله.
قال الطيبي : وإذا قدرت (من) مفعولا كانت اسما كعن في قوله : [الكامل]
٢٦٢ ـ [ولقد أراني للرّماح رديئة] |
|
من عن يميني مرّة وأمامي |
وتكون فعل أمر من مان يمين.
٣ ـ و (في) تكون حرف جرّ واسما بمعنى الفم في حالة الجر ، ومنه : «حتى ما تجعل في في امرأتك» (٣) وفعل أمر من وفى يفي.
٤ ـ و (الهمزة) تكون حرف استفهام ، وفعل أمر من وأي ، واسما في قول بعضم : إن حروف النداء أسماء أفعال.
__________________
٢٦١ ـ الشاهد لمزاحم العقيلي في أدب الكاتب (ص ٥٠٤) ، والأزهيّة (ص ١٩٤) ، وخزانة الأدب (١٠ / ١٤٧) ، والدرر (٤ / ١٨٧) ، وشرح التصريح (٢ / ١٩) ، وشرح شواهد الإيضاح (ص ٢٣٠) ، وشرح شواهد المغني (١ / ٤٢٥) ، وشرح المفصّل (٨ / ٣٨) ، ولسان العرب (صلل) ، وبلا نسبة في الكتاب (٤ / ٣٥٢) ، وأسرار العربية (ص ١٠٣) ، وجمهرة اللغة (ص ١٣١٤) ، والجنى الداني (ص ٤٧٠) ، وجواهر الأدب (ص ٣٧٥) ، وخزانة الأدب (٦ / ٥٣٥) ، ورصف المباني (ص ٣٧١) ، وشرح الأشموني (٢ / ٣٩٦) ، وشرح ابن عقيل (ص ٣٦٧) ، ومغني اللبيب (١ / ١٤٦) ، والمقتضب (٣ / ٥٣) ، والمقرّب (١ / ١٩٦).
٢٦٢ ـ الشاهد لقطري بن الفجاءة في ديوانه (ص ١٧١) ، وخزانة الأدب (١٠ / ١٥٨) ، والدرر (٢ / ٢٦٩) ، وشرح التصريح (٢ / ١٠) ، وشرح شواهد المغني (١ / ٤٣٨) ، والمقاصد النحوية (٣ / ١٥٠) ، وبلا نسبة في أسرار العربية (ص ٢٥٥) ، وأوضح المسالك (٣ / ٥٧) ، وجواهر الأدب (ص ٣٢٢) ، وشرح الأشموني (٢ / ٢٩٦) ، وشرح ابن عقيل (ص ٣٦٨) ، وشرح المفصّل (٨ / ٤٠) ، وهمع الهوامع (١ / ١٥٦).
(١) أخرجه البخاري في صحيحه (١ / ١٤٧) عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، قال : «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعودني عام حجّة الوداع من وجع اشتدّ بي فقلت : إني قد بلغ بي من الوجع وأنا ذو مال ، ولا يرثني إلا ابنة ، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال : «لا» ، فقلت : بالشطر؟ فقال : «لا» ، ثم قال : «الثلث ، والثلث كبير ، إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكفّفون الناس ، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها ، حتى ما تجعل في في امرأتك».
٥ ـ و (الهاء) تكون اسما ضميرا ، نحو : ضربته ، ومررت به. وحرفا في : إياه. وفعل أمر من وهى يهي.
٦ ـ و (لمّا) تكون حرف نفي جازم بمعنى : لم. وظرفا ، نحو : لما جاء زيد أكرمته ، وفعلا ماضيا متصلا بضمير الغائبين من : لمّ.
٧ ـ و (هل) تكون حرف استفهام ، واسم فعل في : حي هل ، وفعل أمر من : وهل يهل.
٨ ـ و (ها) تكون حرف تنبيه ، واسم فعل بمعنى (خذ) ، وزجرا للإبل يمدّ ويقصر وفعل أمر من هاء يهاء.
٩ ـ و (حاشا) تكون حرف استثناء واسما مصدرا بمعنى التنزيه. نحو : حاشا لله [يوسف : ٣١] ، ولهذا قرئ بتنوينه. وفعلا ماضيا بمعنى أستثني ، يقال : حاشا يحاشي ، وفي الحديث : «أحبّ الناس إليّ أسامة» (١). قال الراوي : «وما حاشا فاطمة ولا غيرها» ، وقال النابغة : [البسيط]
٢٦٣ ـ [ولا أرى فاعلا في الناس يشبهه] |
|
ولا أحاشي من الأقوام من أحد |
١٠ ـ و (ربّ) بفتح الراء تكون حرف جر لغة في (ربّ) بضم الراء ، واسما بمعنى السيد والمالك ، وفعلا ماضيا ، يقال : ربّه يربّه بمعنى رباه وأصلحه.
١١ ـ و (النون) تكون اسما ضميرا نحو : قمن ، وحرفا وهي نون الوقاية ، وفعل أمر من ونى يني.
١٢ ـ و (الكاف) تكون حرف جرّ ، واسما كما قال في (الألفيّة) : واستعمل اسما وفعل أمر من وكى يكي.
٢٣ ـ و (علّ) تكون حرفا لغة في لعلّ ، وفعلا ما ضيا من علّه إذا سقاه مرة بعد مرة ، واسما للقراد والمهزول وللشيخ المسنّ.
١٤ ـ و (بلى) تكون حرف جواب ، وفعلا ماضيا. يقال : بلاه إذا اختبره ، واسما لغة في البلاء الممدود.
__________________
(١) انظر مسند أبي أمية الطرطوسي ، وهمع الهوامع (١ / ٢٣٣).
٢٦٣ ـ الشاهد للنابغة الذبياني في ديوانه (ص ٢٠) ، وأسرار العربية (ص ٢٠٨) ، والإنصاف (١ / ٢٧٨) ، والجنى الداني (ص ٥٩٩) ، وخزانة الأدب (٣ / ٤٠٣) ، والدرر (٣ / ١٨١) ، وشرح شواهد المغني (١ / ٣٦٨) ، وشرح المفصّل (٢ / ٨٥) ، ولسان العرب (حشا) ، وبلا نسبة في جواهر الأدب (ص ٤٢٧) ، وشرح الأشموني (١ / ٣٤٠) ، وشرح المفصّل (٨ / ٤٩) ، ومغني اللبيب (١ / ١٢١) ، وهمع الهوامع (١ / ٢٣٣).
١٥ ـ و (أنّ) تكون حرف تأكيد ، وفعلا ماضيا من الأنين ، واسما مصدرا بمعنى الأنين.
١٦ ـ و (ألا) تكون حرف استفتاح ، واسما بمعنى النعمة ، والجمع آلاء ، وفعلا ماضيا بمعنى قصر وبمعنى استطاع.
١٧ ـ و (إلى) تكون حرف جرّ ، واسما بمعنى النعمة ، وفعل أمر للاثنين من وأل بمعنى لجأ ، أو أمرا للواحد فيه نون التوكيد الخفيفة في الوقف. وذكره ابن الدهان في (الغرّة).
١٨ ـ و (خلا) تكون حرف استثناء ، وفعلا ماضيا ، ومنه : (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ) [البقرة : ١٤] واسما للرطب من الحشيش.
١٩ ـ و (لات) تكون حرف نفي بمعنى ليس ، وفعلا ماضيا بمعنى صرف ، واسما للصنم. وقد نظمت هذه الكلمات فقلت :
وردت في النّحو كلمات أتت |
|
تارة حرفا وفعلا وسما |
وهي : من والهاء والهمزة وهل |
|
ربّ والنون وفي أعني فما |
علّ لمّا وبلى حاشا ألا |
|
وعلى والكاف فيما نظما |
وخلا لات وها فيما رووا |
|
وإلى أنّ. فروّ الكلما |
وقال الجمال السرّمرّي :
إذا طارح النّحويّ أيّة كلمة |
|
هي اسم وفعل ثمّ حرف بلا مرا |
فقل هي إن فكرت في شأنها : على |
|
وفي ، ثم لمّا ، ظاهر لمن افترى |
غدت من عليه ، قد علا قدر خالد |
|
على قدر عمرو بالسّماحة في الورى |
وقل : قد سمعت اللّفظ من في محمد |
|
وفي موعدي يا هند لو كان في الكرى |
ولمّا رأى الزّيدان حالي تحوّلت |
|
إلى شعث لمّا ، فلمّا أخف عرا |
مواردها تنبي بما قد ذكرته |
|
وإن لم أصرّح بالدّليل محرّرا |
ثم رأيت في تذكرة ابن مكتوم قال : ذكر الزين أحمد بن قطنة أحد من ينسب إلى النحو بمصر ، وكنيته ابن حطة : أن حتى تكون حرفا واسما لامرأة وأنشد : [الرجز]
٢٦٤ ـ ما ذا ابتغت حتى إلى حلّ العرى |
|
أحسبتني جئت من وادي القرى |
واسما لموضع بعمان قال : وقد ذكر ذلك ابن دريد في شعر له حيث قال : [الطويل]
__________________
٢٦٤ ـ الشاهد في حاشية العلامة يس الحمصي على شرح التصريح (٢ / ١٩).
٢٦٥ ـ فما لكم ـ إن لم تحوطوا ذماركم |
|
سوام ولا دار بحتّى ورامة |
وفعلا لاثنين من الحتّ ، انتهى.
باب الفعل
ضابط
علامات الفعل : جميع ما ذكره الناس من علامات الفعل بضع عشرة علامة ، وهي : تاء الفاعل ، وياؤه ، وتاء التأنيث الساكنة ، وقد ، والسين ، وسوف ، ولو ، والنواصب ، والجوازم ، وأحرف المضارعة ، ونونا التوكيد ، واتصاله بضمير الرفع البارز ، ولزومه مع ياء المتكلم نون الوقاية ، وتغيير صيغه لاختلاف الزمان.
تقسيم
أقسام الفعل : قال أبو حيّان في (شرح التسهيل) : ينقسم الفعل انقسامات بحسب الزمان ، والتعدي واللزوم ، والتصرف والجمود ، والتمام والنقصان ، والخاصّ والمشترك ، والمفرد والمركّب. وفي علم التصريف (٢) : إلى صحيح ، ومهموز ، ومثال ، وأجوف ، ولفيف ، ومنقوص ، ومضاعف ، وغير ذلك.
قال بعضهم : وإلى معلم وساذج ، فالأول الماضي إذا كان مصوغا للمؤنثة الغائبة مفردا أو مثنى ، فالعلامة هي التاء في آخره.
فائدة : أقسام الفعل بالنسبة إلى الزمان
قال أبو البقاء العكبريّ في (اللّباب) : أقسام الأفعال ثلاثة : ماض ، وحاضر ، ومستقبل ، واختلفوا في أي أقسام الفعل أصل لغيره منها.
فقال الأكثرون : هو فعل الحال ، لأن الأصل في الفعل أن يكون خبرا ، والأصل في الخبر أن يكون صدقا ، وفعل الحال يمكن الإشارة إليه ، فيتحقق وجوده ، فيصدق الخبر عنه ، ولأن فعل الحال مشار إليه فله حظّه من الوجود ، والماضي والمستقبل معدومان.
__________________
٢٦٥ ـ الشاهد لابن دريد الأزدي في ديوانه (٦٣) ، وحاشية يس الحمصي على شرح التصريح (٢ / ١٩).
(١) انظر شرح الكافية (٢ / ٢٢٦).
وقال قوم : الأصل هو المستقبل ، لأن يخبر به عن المعدوم ، ثمّ يخرج الفعل إلى الوجود ، فيخبر عنه بعد وجوده.
وقال آخرون : هو الماضي ، لأنه لا زيادة فيه ، ولأنه كمل وجوده ، فاستحق أن يسمى أصلا.
ضابط : أقسام الفعل بالنسبة إلى التصرف وعدمه
كل الأفعال متصرّفة إلا ستة : نعم ، وبئس ، وعسى ، وليس ، وفعل التعجب ، وحبّذا. كذا قال ابن الخباز في (شرح الدرة) وهي أكثر من ذلك.
وقال ابن الصائغ في (تذكرته) : الأفعال التي لا تتصرّف عشرة ، وزاد : قلّما ، ويذر ، ويدع ، وتبارك الله تعالى.
قاعدة : كل خاصتي نوع إن اتفقا لم يجتمعا
قال ابن القوّاس في (شرح الدرة) : كلّ خاصّتي نوع إن اتفقا لم يجتمعا ، كالألف واللام والإضافة والسين وسوف ، وإلا فإن تضادّا فكذلك ، كالتنوين والإضافة والتاء والسين فإن التاء للمضي ، والسين للاستقبال ، وإلا اجتمعا كأل والتصغير ، وقد وتاء التأنيث.
باب الحرف
أنواع الحروف
قال أبو القاسم الزجّاجيّ في كتاب (إيضاح علل النحو) (١) : الحروف على ثلاثة أضرب : حروف المعجم التي هي أصل مدار الألسن عربيّها وعجميّها ، وحروف الأسماء والأفعال ، والحروف التي هي أبعاضها ، نحو العين من (جعفر) والضاد من (ضرب) ، وما أشبه ذلك ، ونحو النون من (لن) ، واللام من (لم) ، وما أشبه ذلك ، وحروف المعاني التي تجيء مع الأسماء والأفعال لمعان.
حروف المعجم : فأما حدّ حروف المعجم فهي أصوات غير مؤلفّة ولا مقترنة ولا دالّة على معنى من معاني الأسماء والأفعال والحروف ، إلا أنها أصل تركيبها.
حروف أبعاض الكلم : وأما الحروف التي هي أبعاض الكلم فالبعض حدّ منسوب إلى ما هو أكثر منه ، كما أن الكلّ منسوب إلى ما هو أصغر منه.
__________________
(١) انظر إيضاح علل النحو (ص ٥٤).
حروف المعاني : وأما حدّ حروف المعاني وهو الذي يلتمسه النحويون فهو أن يقال : الحرف ما دلّ على معنى في غيره ، نحو من وإلى وثّمّ ، وشرحه أن (من) تدخل في الكلام للتبعيض ، فهي تدلّ على تبعيض غيرها ، لا على تبعيضها نفسها ، وكذلك إذا كان لابتداء الغاية كانت غاية غيرها ، وكذلك سائر وجوهها. وكذلك (إلى) تدل على المنتهى ، فهي تدل على منتهى غيرها لا على منتهى نفسها ، وكذلك سائر حروف المعاني ، انتهى.
ضابط : عدة الحروف
قال ابن فلاح في (المغني) : عدّة الحروف سبعون حرفا ، بطرح المشترك.
ثلاثة عشر أحادية ، وهي : الهمزة ، والألف ، والباء ، والتاء ، والسين ، والفاء ، والكاف ، واللام ، والميم ، والنون ، والهاء ، والواو ، والياء.
وأربعة وعشرون ثنائيّة ، وهي : آ ، وأم ، وأن ، وإن ، وأو ، وأي ، وإي ، وبل ، وعن وفي وقد ، وكي ، ولا ، ولم ، ولن ، وما ، ومذ ، ومع ـ على رأي ـ ومن ، وها ، وهل ، ووا ، ووي ، ويا. وبقي عليه لو ، وأل ـ على رأي الخليل ـ.
وتسعة عشر ثلاثية ، وهي : أجل ، وإذن ، وإلى ، وألا ، وأما ، وإنّ ، وأنّ ، وأيا ، وبلى ، وثمّ ، وجير ، وخلا ، وربّ ، وسوف ، وعدا ، وعلى ، وليت ، ونعم ، وهيا.
وثلاثة عشر رباعية ، وهي : إلّا ، وألّا ، وإمّا ، وأمّا ، وحاشا ، وحتى ، وكأنّ ، وكلّا ، ولعلّ ، ولمّا ، ولو لا ، ولو ما ، وهلّا.
وخماسيّ واحد ، وهو : لكنّ.
ضابط : موقع الحروف
ترجم ابن السرّاج في (الأصول) مواقع الحروف ثمّ قال : الحرف لا يخلو من ثمانية مواضع : إما أن يدخل على الاسم وحده ، كلام التعريف ، أو الفعل وحده ، كسوف والسين ، أو ليربط اسما باسم أو فعلا بفعل ، كواو العطف ، نحو : جاء زيد وعمرو ، وقام وقعد ، أو فعلا باسم كمررت بزيد ، أو على كلام تامّ نحو : أعمرو أخوك؟ وما قام زيد ، أو ليربط جملة بجملة نحو إن يقم زيد يقعد عمرو ، أو يكون زائدا نحو : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ) [آل عمران : ١٥٩].
أقسام الحروف : وقال أبو الحسين بن أبي الربيع في (شرح الإيضاح) : الحروف
تأتي على عشرة أقسام ، أحدها : أن يدلّ على معنى في الفعل ، وهو : السين وسوف. الثاني : أن يدل على معنى في الاسم ، وهو الألف واللام. الثالث : أن يكون رابطا بين اسمين أو فعلين ، وهي حروف العطف. الرابع : أن يكون رابطا بين فعل واسم ، وهي حروف الجر. الخامس : أن يربط بين جملتين ، وهي الكلم الدالة على الشرط. السادس : أن يدخل على الجملة مغيّرا لفظها دون معناها ، وذلك إنّ. السابع : أن يدخل على الجملة فيغيّر معناها دون لفظها ، وذلك هل وما أشبهها. الثامن : أن يدخل على الجملة غير مغيّر لفظها ومعناها ، نحو لام الابتداء. التاسع : أن يدخل على الجملة فيغيّر لفظها ومعناها ، نحو ما الحجازية. العاشر : أن يكون زائدا ، نحو : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ) [آل عمران : ١٥٩].
وقال المهلّبيّ : أقسام ما جاءت له الحروف : [الطويل]
تفطّن فإنّ الحرف يأتي لستّة |
|
لنقل ، وتخصيص ، وربط ، وتعديه |
وقد زيد في بعض المواضع ، واغتدى |
|
جوابا ، كسيت العزّ والأمن ترديه |
وقال في الشرح : النقل من الإيجاب إلى النفي ، ومن الخبر إلى الاستخبار وإلى التمنّي والترجّي والتشبيه ونحوها ، والتخصيص للمضارع بالاستقبال بالسين وسوف ، وللاسم بلام التعريف ، والربط بحروف الجر ، وحروف العطف ، والتعدية يدخل فيها الواو في المفعول معه ، وإلا في الاستثناء ، والجواب كنعم ولا.
تقسيم الأندلسي للحروف : وقال الأندلسي في (شرح المفصّل) : اعلم أن للحروف انقسامات كثيرة : فتنقسم إلى ما يكون على حرف واحد ، وإلى ما يكون على اثنين فصاعدا إلى خمسة ، نحو : لكنّ ، والزائد على حرف إما أن يكون مفردا أو مركّبا نحو : من ، وإلى ، وأمّا ، ولو لا. وتنقسم أيضا إلى عاملة وغير عاملة.
وتنقسم إلى مختصّ بأحد القسمين ، وغير مختص ، وقد قيل : إن الحرف إما أن يجيء لمعنى في الاسم خاصة ، نحو : لام التعريف ، وحرف الإضافة ، والنداء ، وغير ذلك أو في الفعل خاصة ، نحو : قد ، والسين ، وسوف ، والجوازم ، والنواصب ، أو رابطا بين اسمين ، أو بين فعلين كحروف العطف. أو بين فعل واسم كحروف الجر. أو بين جملتين كحروف الشرط ، أو داخلا على جملة تامة قارنا لمعناها نحو : ليت ، ولعلّ.
أو مؤكدا له نحو : إنّ ، أو زائدا للتأكيد ، نحو : الباء في نحو : ليس زيد بقائم.
وقال : وربما قيل بعبارة أخرى : إنّ الحرف إنما جيء به ليربط اسما باسم ، أو فعلا بفعل ، أو جملة بجملة ، أو يعيّن اسما فقط ، أو فعلا فقط ، أو ينفي فعلا فقط ،
أو ينفي اسما فقط ، أو يؤكد فعلا فقط ، أو اسما فقط ، أو يخرج الكلام من الواجب إلى غير الواجب.
أقسام الحروف بالنسبة لتغيير الإعراب : ولها أقسام بالنسبة إلى تغيير الإعراب : قسم لا يغيّر الإعراب ولا المعنى نحو : (ما) الزائدة في قوله تعالى : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ) [آل عمران : ١٥٩]. وقسم بغيّر الإعراب والمعنى ، نحو : ليت ولعلّ. وقسم يغيّر الإعراب دون المعنى ، نحو : إنّ. وقسم يغيّر المعنى دون الإعراب ، نحو : هل.
عدة الحروف العاملة : فأما عدّة الحروف العاملة فثمانية وثلاثون حرفا : ستة منها تنصب الاسم وترفع الخبر ، وهي إنّ وأخواتها ، وأربعة تنصب الفعل بنفسها ، وهي : أن ، ولن ، وكي ، وإذن. وخمسة تنصب نيابة ، وهي : الفاء ، والواو ، وأو ، ولام كي ، والجحود ، وحتى. وثمانية عشر تجر الاسم ، وخمسة تجزم الفعل.
الحروف غير العاملة : وأما الحروف الغير العاملة فنيّف وستون حرفا : منها ستة غير حروف ابتداء ، وهي : إنما ، وكأنما وأخواتها ، وعشرة للعطف ، وأربعة للمضارعة ، وأربعة للإعراب ، وأربعة تختص بالفعل ، وثلاثة للاستفهام ، وثلاثة للتأنيث ، وحرفان للتفسير ، وحرفان للتأكيد ، وحرفان للتعريف ، وحرف للتنكير ، وحرفا النسبة.
حروف تعمل على صفة ولا تعمل على صفة : ومنها حروف تعمل على صفة ، ولا تعمل على صفة ، وهي : ما ، ولا ، وحروف النداء. انتهى كلام الأندلسيّ.
رأي ابن الدهان في تقسيم الحروف بالنسبة إلى عملها : وقال ابن الدهان في (الغرّة) : الحروف تنقسم في أحوالها إلى ستة أقسام : الأول : ما يعمل في اللفظ والمعنى نحو : ليت زيدا قائم. والثاني : ما يعمل في اللفظ ولا يعمل في المعنى نحو ما جاءني من أحد ، والثالث : ما يعمل في المعنى ولا يعمل في اللفظ نحو وهل زيد قائم ، والرابع : ما يعمل في اللفظ والمعنى ولا يعمل في الحكم نحو لا أبا لزيد.
والخامس : ما لا يعمل في لفظ ولا معنى ، وإنما يعمل في الحكم نحو علمت لزيد منطلق. والسادس : ما لا يعمل في لفظ ولا معنى ولا حكم نحو : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ) [آل عمران : ١٥٩] ، في أحد القولين ، انتهى.
رأي ابن الزجاج في أنواع الحروف : وفي (تذكرة) ابن الصائغ قال : نقلت من مجموع بخط ابن الزجاج : الحروف على ثلاثة أضرب ، ضرب يدخل للائتلاف ، وضرب لحدوث معنى لم يكن ، وضرب زائد مؤكد ، فالأول : لو سقط أصل الكلام ، والثاني : لو سقط تغير المعنى ولم يختل ، والثالث : لو سقط لم يتغير المعنى ، والأول
على أربعة أوجه : ربط اسم باسم ، وربط فعل باسم ، وربط فعل بفعل ، وربط جملة بجملة. والثاني : على ثلاثة أوجه ، تخصيص الاسم كالرجل ، والفعل كسيضرب ، وبنقل الكلام كحروف النفي ، والثالث على وجهين : عامل كأن زيدا قائم ، وغير عامل نحو لزيد قائم.
تقسيم ابن فلاح للحروف : وقال ابن فلاح في (مغنيه) : الحرف يدخل إما للربط ، أو للنقل أو للتأكيد أو للتنبيه ، أو للزيادة ، ويندرج تحت الربط حروف الجر والعطف والشرط والتفسير والجواب والإنكار والمصدر ، لأن الربط هو الداخل على الشيء لتعلقه بغيره ، ويندرج تحت النقل حروف النفي والاستفهام والتخصيص والتعريف والتنفيس والتأنيث ، ويندرج تحت التنبيه حروف النداء والاستفتاح والردع والتذكير والخطاب.
تقسيم ابن الخباز للحروف : قال ابن الخباز في (شرح الدرة) : الحروف العاملة أربعة أقسام ، قسم : يرفع وينصب وهو إن وأخواتها ، ولا المشبهة بأن ، وما ولا المشبهتان بليس ، وقسم : ينصب فقط وذلك حروف النداء ونواصب الفعل المضارع.
قال : وأضاف عبد القاهر إلى ذلك إلا في الاستثناء والواو التي بمعنى مع ، قال : وفيه نظر ، وقسم : يجر فقط وهي حروف الجر ، وقسم : يجزم فقط وهي حروف الجزم.
فائد : أشبه الحروف بالأسماء وأشبهها بالأفعال : قال عبد اللطيف في (اللمع الكاملية) : أشبه الحروف بالأسماء نعم ، وبلى ، وجير ، وقط ، وبالأفعال ، يا وأخواتها ، وقد في (كأن قد). وأضعفها الزائدة والمتطرفة كالتنوين.
باب الكلام والجملة
قال أبو طلحة بن فرقد الأندلسي في (شرح فصول ابن معط) : الذي يتصوّر من التأليف مع الإفادة وبدونها سبعة : الاسم مع مثله ، والفعل مع مثله ، والحرف مع مثله ، أو مع المجموع ، أو كل واحد مع خلافه ، وذلك الاسم مع الفعل أو مع الحرف ، أو الفعل مع الحرف ، وأما المجموع فليس بقسم زائد ، لأنّ الحرف لا يدخل على غير مفيد فيعتدّ به. إنما فائدته ربط المفيد. انتهى. نقله ابن مكتوم في (تذكرته).
ضابط : الجمل التي لا محل لها من الإعراب
الجمل التي لا محلّ لها من الإعراب سبع ، قال ابن هشام في (المغني) : بدأنا بها لأنّها لم تحلّ محل المفرد. وذلك هو الأصل في الجمل.
الأولى : الابتدائية ، وتسمى أيضا المستأنفة. كالجمل المفتتح بها السور ، والجملة المنقطعة عما قبلها نحو : مات فلان رحمه الله.
الثانية : المعترضة بين شيئين لإفادة الكلام تقوية وتحسينا. كقوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا ـ وَلَنْ تَفْعَلُوا ـ فَاتَّقُوا النَّارَ) [البقرة : ٢٤]. وقال : «فالحقّ ـ والحقّ أقول ـ لأملأنّ». (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ ـ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ـ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) [الواقعة : ٧٥ ـ ٧٧] ، (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ ـ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ ـ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ) [النحل : ١٠١].
الثالثة : التفسيرية : وهي الفضلة الكاشفة لحقيقة ما تليه نحو : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) [الأنبياء : ٣] ، فجملة الاستفهام مفسرة للنجوى. (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ : كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران : ٥٩] فخلقه ، وما بعده تفسير لمثل آدم (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ ، تُؤْمِنُونَ بِاللهِ) [الصف : ١٠ ـ ١١] ، فجملة تؤمنون تفسير للتجارة.
الرابعة : المجاب بها القسم : نحو : (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ، إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) [يس : ١ ـ ٣].
الخامسة : الواقعة جوابا لشرط غير جازم مطلقا ، نحو جواب : (لو) و (لو لا) ، و (لمّا) ، وكيف ، أو جازم ولم يقترن بالفاء ولا بإذا الفجائية. نحو : إن تقم أقم ، وإن قمت قمت. أما الأول فلظهور الجزم في لفظ الفعل ، وأما الثاني فلأنّ المحكوم لموضعه بالجزم الفعل ، لا الجملة بأسرها.
السادسة : الواقعة صلة لاسم أو حرف ، نحو : جاء الذي قام أبوه ، وأعجبني أن قمت. فالذي في موضع رفع ، والصلة لا محلّ لها ، ومجموع (أن قمت) في موضع رفع ، لا (أن) وحدها. لأنّ الحرف لا إعراب له لا لفظا ولا محلّا ، ولا قمت وحدها.
السابعة : التابعة لما لا محلّ له ، نحو : قام زيد ، ولم يقم عمرو ، إذا قدّرت الواو عاطفة.
الجمل التي لها محل من الإعراب : وأما الجمل التي لها محلّ من الإعراب فهي أيضا سبع :
الأولى : الواقعة خبرا ، نحو زيد ، أبوه قائم.
الثانية : الواقعة حالا نحو : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) [النساء : ٤٣].
الثالثة : المحكية بالقول نحو : (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ) [مريم : ٣٠] ، (ثُمَّ يُقالُ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) [المطففين : ١٧].
الرابعة : المضاف إليها ، نحو : (يَوْمَ وُلِدْتُ) [مريم : ٣٣] ، (يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ) [المرسلات : ٣٥ ـ ٣٦] ، (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ) [غافر : ١٥ ـ ١٦].
الخامسة : الواقعة بعد الفاء أو إذا جوابا لشرط جازم ، نحو : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ) [الأعراف : ١٨٦] ، (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) [الروم : ٣٦].
السادسة : التابعة لمفرد نحو : (يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ) [البقرة : ٢٥٤] ، (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ) [البقرة : ٢٨١] ، (لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ) [آل عمران : ٩].
السابعة : التابعة لجملة لها محلّ ، ويقع ذلك في بابي النسق والبدل خاصة.
نحو : زيد قام أبوه وقعد أخوه. (قالُوا : إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) [البقرة : ١٤].
قال ابن هشام (١) : والحقّ أنها تسع ، والذي أهملوه الجملة المستثناة نحو : (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ اللهُ) [الغاشية : ٢٣ ـ ٢٤] ، والجملة المسند إليها نحو : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) [البقرة : ٦] تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه (٢).
وقال الشيخ بدر الدين بن أمّ قاسم : [الكامل]
جمل أتت ولها محلّ معرب |
|
سبع لأن حلّت محلّ المفرد |
خبريّة ، حاليّة ، محكيّة |
|
وكذا المضاف لها بغير تردّد |
ومعلّق عنها ، وتابعة لما |
|
هو معرب أو ذو محل فاعدد |
وجواب شرط جازم بالفاء أو |
|
بإذا وبعض قال غير مقيّد |
وأتتك تسع ما لها من موضع |
|
صلة ، وعارضة ، وجملة مبتدي |
وجواب أقسام ، وما قد فسّرت |
|
في أشهر والخلف غير مبعّد |
وبعيد تحضيض ، وبعد معلّق |
|
لا جازم ، وجواب ذلك أورد |
وكذاك تابعة لشيء ما له |
|
من موضع ، فاحفظه غير مفنّد |
وقال أبو حيّان : أصل الجملة ألا يكون لها موضع من الإعراب ، وإنما كان
__________________
(١) انظر مغني اللبيب (٤٧٧).
(٢) انظر مجمع الأمثال (١ / ١٧٧) ، والمستقصى (المثل رقم ١٥٩٨) ، وتمثال الأمثال (رقم ٢١٩ ـ ٢٢٠) ، والفاخر (ص ٦٥) ، وفصل المقال (١٣٥) ، ويضرب المثل لمن خبره خير من مرآه.
كذلك لأنها إذا كان لها موضع من الإعراب تقدّرت بالمفرد لأن المعرب إنما هو المفرد ، والأصل في الجملة ألا تكون مقدّرة بالمفرد. والجمل على قسمين : قسم لا موضع له من الإعراب ، وقد حصرته في اثني عشر قسما.
الأول : أن تقع الجملة ابتداء كلام لفظا ونيّة ، أو نية لا لفظا. نحو : زيد قائم وقام زيد ، وراكبا جاء زيد. فإن وقعت أول كلام لفظا لا نية كان لها محل من الإعراب نحو : أبوه قائم زيد ،.
الثاني : أن تقع بعد أدوات الابتداء فيشمل ذلك الحروف المكفوفة نحو : إنما زيد قائم ، وإذا الفجائية ، نحو : خرجت فإذا زيد قائم ، وهل ، وبل ، ولكن ، وألا ، وأما ، وما النافية غير الحجازية ، وبينما ، وبينا ، نحو : هل زيد قائم ، وما زيد منطلق ، وقول الأفوه الأوديّ : [الرمل]
٢٦٦ ـ بينما النّاس على عليائها |
|
إذ هووا في هوّة فيها فغاروا |
وقال : [الوافر]
٢٦٧ ـ فبينا نحن نرقبه أتانا |
|
معلّق وفضّة وزناد راع |
الثالث : أن تقع بعد أدوات التحضيض ، نحو : هلّا ضربت زيدا.
الرابع : أن تقع بعد حروف الشرط غير العاملة ، نحو : لو لا زيد لأكرمتك ، ولو جاء زيد أكرمتك ، ولمّا جاء زيد أكرمتك ، على مذهب سيبويه (٣) في (لمّا) ، فإنه يذهب إلى أنها حرف. ومذهب الفارسيّ أنها اسم ظرف ، فتكون الجملة عنده في موضع جرّ بإضافة الظرف إليه ، ويقدّرها بحين.
الخامس : أن تقع جوابا لهذه الحروف الشرطية التي لا تعمل ، نحو المثل السابقة.
السادس : أن تقع صلة لحرف أو اسم ، نحو : قام الذي وجهه حسن ، ونحو قول الشاعر : [الوافر]
__________________
٢٦٦ ـ الشاهد للأفوه الأوديّ في ديوانه (ص ١١) ، ولسان العرب (إذا) ، وتاج العروس (إذا) ، وتاج العروس (إذا) ، ونهاية الأرب (٣ / ٦٤) ، وخزانة الأدب (٤ / ٥٤٦).
٢٦٧ ـ الشاهد لنصيب في ديوانه (ص ١٠٤) ، ولرجل من قيس عيلان في الكتاب (١ / ٢٢٦) ، وشرح شواهد المغني (٢ / ٧٩٨) ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب (١ / ٣٤٢) ، والجنى الداني (ص ١٧٦) ، وخزانة الأدب (٧ / ٧٤) ، والدرر (٣ / ١١٨) ، ورصف المباني (ص ١١) ، وسرّ صناعة الإعراب (١ / ٢٣) ، وشرح أبيات سيبويه (١ / ٤٠٥) ، وشرح المفصّل (٤ / ٩٧) ، والصاحبي في فقه اللغة (ص ١٤٧) ، ولسان العرب (بين) ، وهمع الهوامع (١ / ٢١١).
(١) انظر الكتاب (٤ / ٣٥٦).
٢٦٨ ـ يسرّ المرء ما ذهب اللّيالي |
|
وكان ذهابهنّ له ذهابا |
السابع : أن تقع اعتراضية ، نحو قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ ـ لَوْ تَعْلَمُونَ ـ عَظِيمٌ) [الواقعة : ٧٥ ـ ٧٧].
الثامن : أن تقع تفسيرية ، نحو قولك : أشرت إليه أن قم ، وكتبت إليه أن اضرب زيدا.
التاسع : أن تقع توكيدا لما لا محلّ له من الإعراب نحو : قام زيد قام زيد.
العاشر : أن تقع جواب قسم ، نحو : والله ما زيد قائما ، والله ليخرجنّ.
الحادي عشر : أن تكون معطوفة على ما لا محل له من الإعراب نحو : جاء زيد وخرج عمرو.
الثاني عشر : الجملة الشرطية إذا حذف جوابها ، وتقدّمها ما يدلّ عليه ، نحو : قول العرب : أنت ظالم (٢) إن فعلت ، والتقدير : إن فعلت فأنت ظالم. أو تقدمها ما يطلب ما يدل على جوابها نحو : والله إن قام زيد ليقومنّ عمرو ، فالقسم يطلب ليقومنّ ، وليقومنّ دليل على جواب الشرط ، التقدير : إن قام زيد يقم عمرو.
وقسم له موضع من الإعراب ، وينحصر في أنواع الإعراب ، فمنها ما هو في موضع رفع وهو ثمانية أقسام ستة باتفاق واثنان باختلاف.
الأول : أن تقع خبرا لمبتدأ نحو : زيد أبوه قائم.
الثاني : أن تقع خبرا للا لنفي الجنس ، نحو : لا ربيئة قوم يجيء بخير.
الثالث : أن تقع خبرا بعد إنّ وأخواتها ، نحو : إنّ زيدا وجهه حسن.
الرابع : أن تقع صفة لموصوف مرفوع ، نحو : جاءني رجل يكتب غلامه.
الخامس : أن تقع معطوفة على ما هو مرفوع ، نحو : جاءني رجل عاقل ويكتب خطّا حسنا.
السادس : أن تقع بدلا من مرفوع ، نحو : أنت تأتينا تلمّ بنا في ديارنا ، هذه السنة باتفاق ، والاثنان اللذان فيهما الخلاف :
الأول : أن تكون في موضع الفاعل ، نحو : يعجبني ، يقوم زيد.
__________________
٢٦٨ ـ الشاهد بلا نسبة في الجنى الداني (ص ٣٣١) ، والدرر (١ / ٢٥٣) ، وشرح التصريح (١ / ٢٦٨) ، وشرح قطر الندى (ص ٤١) ، وشرح المفصّل (٨ / ١٤٢) ، وهمع الهوامع (١ / ٨١).
(١) انظر الخصائص (١ / ٢٨٣) ، والمقتضب (٢ / ٦٨).
والثاني : أن تكون في موضع المفعول الذي لم يسمّ فاعله ، نحو قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) [البقرة : ١١] والصحيح أن الجملة لا تقع موقع الفاعل ولا المفعول الذي لم يسم فاعله إلا إن اقترن بها ما يصيّرها إياه في تقدير المفرد.
ومنها : ما هو في موضع نصب ، وهو ثلاثة عشر قسما ، عشرة باتفاق وثلاثة باختلاف :
الأول : أن تقع خبرا لكان وأخواتها ، نحو : كان زيد يخرج أخوه.
الثاني : أن تقع في موضع المفعول الثاني لظننت وأخواتها ، نحو : ظننت زيدا يقوم أخوه.
الثالث : أن تقع في موضع المفعول الثالث لأعلمت وأخواتها ، نحو : أعلمت زيدا عمرا ينطلق غلامه.
الرابع : أن تقع خبرا بعد (ما) الحجازية ، نحو : ما زيد أبوه قائم.
الخامس : أن تقع خبرا ل (لا) أخت ما ، نحو : لا رجل يصدق.
السادس : أن تقع في موضع المفعول للقول الذي يحكى به ، نحو : قال زيد : عمرو منطلق ، فعمرو منطلق في موضع مفعول قال.
السابع : أن تقع في موضع المفعول للفعل المعلّق ، نحو : علمت ما زيد قائم ، وسألت أيّهم أفضل.
الثامن : أن تقع معطوفة على ما هو منصوب أو موضعه نصب ، نحو : ظننت زيدا قائما ويخرج أبوه ، وظننت زيدا يقوم ويخرج.
التاسع : أن تقع في موضع الصفة لمنصوب ، نحو : قتلت رجلا يشتم زيدا.
العاشر : أن تقع في موضع الحال ، نحو قوله (١) : [الطويل]
وقد أغتدي والطير في وكناتها |
|
[بمنجرد قيد الأوابد هيكل] |
الحادي عشر : أن تكون في موضع نصب على البدل ، نحو قولك : عرفت زيدا أبو من هو ، على خلاف في هذا القسم الأخير. فقولك : أبو من هو ، في موضع نصب على البدل من زيد على تقدير مضاف ، أي : عرفت قصة زيد أبو من هو.
الثاني عشر : أن تقع مصدّرة بمذ ومنذ ، نحو قولك : ما رأيته مذ خلقه الله.
__________________
(١) مرّ الشاهد رقم (٢٤٩).