السيد علي خان المدني الشيرازي
المحقق: الدكتور السيد أبو الفضل سجادي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: روح الأمين
الطبعة: ٠
ISBN: 978-964-518-296-8
الصفحات: ٩٤٧
الثالثة : إذا تعدّد العامل ، فإن اتّحد عمله ومعناه ولفظه أو جنسه جاز الاتّباع مطلقا ، فتقول فيما اتّحد عمله ومعناه ولفظه : ذهب زيد وذهب عمرو العاقلان ، وهذا زيد وهذا عمرو الفاضلان ، ورأيت زيدا ورأيت عمرا الفاضلين ، ومررت بزيد ومررت بعمرو الكريمين ، وفيما اتّحد معناه وعمله وجنسه ، جاء زيد وأتي عمرو الظريفان ، وهذا زيد وذاك عمرو العاقلان ، ورأيت زيدا وأبصرت خالدا الشاعرين ، وسقت النفع إلى خالد وسيق به لزيد الكاتبين ، وخصّص بعضهم ذلك بنعت فاعلي فعلين وخبري مبتدأين وليس بشيء.
وإن عدم الاتّحاد في المعنى والعمل واللفظ ، كجاء زيد ورايت عمرا ، أو في المعنى والعمل والجنس كهذا ناصر زيد ويخذل عمرا ، أو في المعنى واللفظ ، كجاء زيد ومضي عمرو ، أو في العمل واللفظ كهذا مؤلم زيد وموجع عمرو ، وجب القطع ، إمّا بالرفع على إضمار مبتدإ ، أو بالنصب على إضمار فعل لائق ، ويمتنع الاتباع ، لأنّه يؤدّي إلى تسليط عاملين مختلفي المعنى على معمول واحد من جهة واحدة ، بناء على أنّ العامل في المنعوت هو العامل في النعت ، وهو الصحيح ، أمّا إذا اتّحد العاملان معنى وعملا ، فلا محذور في الاتباع ، لأنّ العاملين من جهة المعنى شيء واحد ، فترّلا مترلة العامل الواحد عند الجمهور.
وقال ابن سراج : إذا اتّفقا لفظا كان الثاني توكيدا للأوّل ، وإن كان العامل واحدا ، جاز الاتباع والقطع ، إن لم يختلف العمل ، نحو : قام زيد وبكر العاقلان ، وإن اختلف تعيّن القطع ، سواء اختلفت النسبة إلى المتبوعين من حيث المعنى ، نحو : ضرب زيد عمرا العاقلان ، أم اتّحد ، نحو : خاصم زيد عمرا الظريفان ، هذا مذهب البصريّين ، وقال الفرّاء يتبع الأخير عند الاتّحاد ، والكسائيّ الأوّل ، وابن سعدان أيّهما شيءت.
النعت المقطوع : الرابعة : يجوز الاتّباع والقطع في نعت غير مبهم إن لم يكن ملتزما ولا مؤكّدا ، قال يونس : ولا ترحّما ، نحو : الحمد لله الحميد ، أي هو ، و: (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) [المسد / ٤] ، أي أذمّ ، (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) [النساء / ١٦٢] ، أي أمدح ، وأللهمّ الطف بعبدك المسكين ، أي ارحم ، على رأي الجمهور بخلاف نعت المبهم ، كمررت بهذا العالم أو النعت الملتزم ومثّلوا له بالشعري العبور (١) ، والأولى أن يمثل بالجمّاء الغفير والمؤكّد نحو : (إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ) [النحل / ١٥] ، فلا يجوز فيها القطع.
__________________
(١) الشّعري : كوكب نيّر يطلع عند شدّة الحرّ. وفي القرآن (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى)[النجم / ٤٩] ، وهما شعريان : الشّعري العبور ، والشّعري الغميصاء.
فإن كان لنكرة اشترط في جوازه القطع تأخّره عن نعت آخر اختيارا كقول أبي الدردا (١) : نزلنا على خال لنا ذو مال وذو همة. وإن لم يتأخّر عن نعت آخر لم يجز القطع إلا في الشعر.
وإن تعدّدت المنعوت لواحد فإن تعيّن مسمّاه بدونها اتبعت كلّها ، أو قطعت أو اتبع بعض ، وقطع بعض بشرط تقديم المتبع كقولها [من الكامل] :
٥٣٨ ـ لا يبعدن قومي الّذين هم |
|
سمّ العداة وآفة الجزر |
النازلون بكلّ معترك |
|
والطّيّبون معاقد الأزر (٢) |
يروى برفع النعتين ونصبيهما ، ورفع الأوّل ونصب الثاني وبالعكس.
تنبيه : إذا قطع النعت خرج عن كونه نعتا ، قاله ابن هشام ، وإطلاق النعت عليه مجاز من باب إطلاق الشيء على ما كان عليه.
الخامسة : يجوز تعاطف النعوت متبعة كانت أو مقطوعة ، قال أبو حيّان : ويختصّ بالواو ، نحو : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى* الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى* وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) [الأعلى / ١ و ٢ و ٣] ، إلى آخره ، ولا يجوز بالفاء إلا إذا دلّت على إحداث واقع بعضها أثر بعض كقوله [من البسيط] :
٥٣٩ ـ يا لهف زيابة للحارث ال |
|
... ابح فالغانم فالآئب (٣) |
أي الّذي صبح فغنم فآب.
قال ابن خروف إذا كانت النعوت مجتمعة على المنعوت في حالة واحدة لم يكن العطف إلا بالواو ، وإلا جاز بجميع حروف العطف إلا حتى وأم.
السادسة : قد تلا النعت «إمّا» أو «لا» لإفادة شكّ أو تنويع أو نحوهما ، فيجب تكرارهما مقرونين بالواو ، نحو : لا بدّ من حساب إمّا يسير وإمّا عسير ، وكقوله تعالى : (مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) [النور / ٣٥] ، وقيل : لا يجب التكرار.
السابعة : يجوز حذف المنعوت بكثرة إن علم ، وكان النعت إمّا مفردا صالحا لمباشرة العامل ، نحو : (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ* أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ) [سبأ / ١٠ و ١١] ، أي دروعا
__________________
(١) أبو الدرداء (ت ٣٢ ه) صحابيّ خزرجيّ أنصاري من رواة الحديث. المنجد في الأعلام ص ١٨.
(٢) هما للخرنق بنت هفّان. اللغة : العداة : جمع العادي أي : العدو ، الآفة : العلة ، الجزر : جمع جزور ، وهي الناقة الّتي تنحر ، المعترك : موضع القتال ، الطيبون : أرادت إنهم أعفّاء في فروجهم ، المعاقد : إمّا جمع معقد ، وهو موضع العقد ، والجمع مقعد ، وهو مصدر ميميّ ، الأزر : جمع الإزار : ثوب يحيط بالنصف الأسفل من البدن «يذكّر ويؤنّث.»
(٣) هو من أبيات لابن زيابة واسمه مسلمة بن زهيل. اللغة : الصابح : المغير صحابا ، الغائم : أخذ الغنم ، الأئب : فاعل من الإياب بمعنى الرجوع.
سابغات ، أو بعض ما قبله من مجرور بمن ، نحو ، منّا طعن ومنّا أقام ، أي منّا فريق طعن ومنّا فريق أقام ، أو نفي : نحو ما في الناس إلا شكر أو كفر ، أي إلا رجل شكر أو رجل كفر ، فإن لم يصلح لمباشرة العامل امتنع الحذف غالبا إلا في الضرورة ، ومن غير الغالب قوله تعالى : (وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) [الأنعام / ٣٤] ، أي نبأ من نبأ المرسلين ، بناء على أنّ من لا تزاد في الايجاب ولا تدخل على معرفة ، وإن لم يكن بعض ما قبله من مجرور بمن أو في ، امتنع الحذف إلا في الضرورة كقوله [من الرجز] :
٥٤٠ ـ جادت بكفّي كان من أرمى البشر (١)
أي بكفي رجل كان.
حذف النعت : ويجوز حذف النعت بقلّة من العلم به كقوله تعالى : (يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) [الكهف / ٧٩] ، أي صالحة ، بدليل أنّه قرئ كذلك ، وأن تعيبها لا يخرجها عن كونها سفينة. و: (الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ) [البقرة / ٧١] ، أي الواضح ، وإلا لكفروا بمفهوم ذلك و: (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) [الكهف / ١٠٥] ، أي نافعا.
__________________
(١) قبله :
مالك عندي غير سهم وحجر |
|
وغير كبداء شديدة الوتر |
ولم يسمّ قائله. اللغة : السهم : عود من الخشب يسوى ، في طرفه نصل يرمى به عن القوس ، كبداء : القواس ، الوتر : معلّق القوس.
المعطوف بالحروف
ص : الثاني : المعطوف بالحرف ، وهو تابع بواسطة الواو والفاء أو ثمّ أو حتى أو أم أو إمّا أو أو أو بل أو لكن ، نحو : جائني زيد وعمرو ، (جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ.) وقد يعطف الفعل على اسم مشابه له وبالعكس ، ولا يحسن العطف على المرفوع المتّصل ، بارزا أو مستترا ، إلا مع الفصل بالمنفصل ، أو فاصل ما ، أو توسّط لا بين العاطف والمعطوف ، نحو : جئت أنا وزيد ، و (يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ) و (ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا.)
تتمّة : ويعاد الخافض على المعطوف على ضمير مجرور ، نحو : مررت بك وبزيد ، ولا يعطف على معمولي عاملين مختلفين على المشهور ، إلا في نحو : في الدّار زيد والحجرة عمرو.
ش : «الثاني» من التوابع «المعطوف بالحروف» ، ويسمّى عطف النسق ، بفتح السين ، أي العطف الواقع في الكلام الوارد على نظام واحد ، وهو من قولهم : ثغر نسق ، إذا كانت الأسنان مستوية ، ووجه المناسبة أنّ توسّط الحرف العاطف يجعل التابع والمتبوع مستويين باعتبار الإعراب وقصد النسبة ، وأمّا النسق بإسكان السين فهو مصدر نسقت الكلام إذا عطفت بعضه على بعض ، كذا في الصحاح. قال بعض الأئمة : والتعبير بعطف النسق اصطلاح كوفيّ ، وهو المتداول ، والبصريّون يعبّرون عنه بالشركة ، انتهى.
«وهو تابع» وهو كالجنس يشمل جميع التوابع ، وقوله «بواسطة الواو والفاء أو ثمّ أو حتى أو أم أو أو أو إمّا أو بل أولا أو لكن» أخرج ما عدا المحدود ، ولا يرد التوكيد والنعت المقرونان بحرف العطف ، لأنّ التبعيّة ليست بواسطة الحرف ، بل هي حاصلة فيهما ، وإن لم يوجد حرف ، ولهذا قال بعضهم : إطلاق العطف في هاتين الصورتين اطلاق مجازيّ.
تنبيه : عدّ المصنّف حروف العطف تسعة بإسقاط إمّا على المختار بناء على أنّها غير عاطفة ، كما سيأتي بيانه في حديقة المفردات ، إن شاء الله ، وليس منها ليس خلافا للكوفيّين ولا إلا خلافا للأخفش والفرّاء ولا أي خلافا لصاحب المستوفي (١).
فالواو لمطلق الجمع بين المتعاطفين من غير دلالة على ترتيب وعدمه ، خلافا للفرّاء وهشام وثعلب من الكوفيّين وقطرب من البصريّين ، في زعمهم أنّها تفيد الترتيب ،
__________________
(١) المستوفي في النحو لأبي سعد كمال الدين على بن مسعود الفرغاني. كشف الظنون ، ٢ / ١٦٧٥.
فالفعل في نحو : جاء زيد وعمرو ، يحتمل أن يكون حصل من كليهما في زمان واحد ، وأن يكون حصل من زيد أوّلا ، وأن يكون حصل من عمرو أوّلا.
فهذه ثلاثة احتمالات عقليّة ، لا دليل في الواو على أحد منها ، وإنّما دلّت على مطلق الاجتماع في الحكم ، ومن ثمّ يعطف بها الشيء على مصاحبة ، نحو : (فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ) [العنكبوت / ١٥] ، وعلى سابقه ، نحو : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ) [الحديد / ٢٦] ، وعلى لاحقه (جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ) [المرسلات / ٣٨].
فهذه ثلاث مراتب ، وهي مختلفة في الكثرة والقلّة ، فمجيئها للمصاحبة أكثر ، وللترتيب كثير ، ولعكس الترتيب قليل ، فيكون عند الاحتمال والتجرّد من القرائن للمعيّة بأرجحيّة وللتأخّر برجحان وللتقدّم بمرجوحية ، هذا مراد التسهيل ، وهو تحقيق للواقع لا قول ثالث ، قاله في التصريح ، وفيه ردّ لقول أبي حيّان من أنّ قول ابن مالك : كون الواو للمعيّة راجح ، وللترتيب كثير ، ولعكسه قليل ليس مذهب البصريّين ولا الكوفيّين ، بل هو ثالث خارج عن القولين فيجب اطراحه.
تنبيه : تنفرد الواو عن سائر أحرف العطف بسبعة عشر حكما :
أحدها : احتمال معطوفها للمعاني الثالثة السابقة.
الثاني : اقترانها بإمّا ، نحو : (إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) [الإنسان / ١].
الثالث : اقترانها بلا إن سبقت بنفي ، ولم تقصد المعيّة ، نحو : ما قام زيد ولا عمرو ، ولا ما اختصم زيد ولا عمرو ، وإنّما جاز (وَلَا الضَّالِّينَ) [الحمد / ٧] ، لأنها في غير معنى النفي ، وأمّا (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ* وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ* وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ* وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ) [الفاطر / ١٩ / ٢٠ / ٢١ / ٢٢] ، فلا الثانية والرابعة والخامسة زوائد لأمن اللبس.
الرابع : اقترانها بلكن ، نحو : (وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ) [الأحزاب / ٤٠].
الخامس : عطف المفرد السّييء على الأجنبيّ عند الاحتياج إلى الربط ، كمررت برجل قائم زيد وأخوه ، وزيد قام عمرو وغلامه ، وزيدا ضربت عمرا وأخاه.
السادس : عطف العقد على النيّف نحو أحد وعشرون (١).
السابع : عطف الصفات المفرّقة مع اجتماع منعوتها كقوله [من الوافر] :
٥٤١ ـ بكيت وما بكا رجل حليم |
|
على ربعين مسلوب وبال (٢) |
الثامن : عطف ما حقّه التثنية أو الجمع كقول الفرزدق [من الكامل] :
__________________
(١) سقط «احد وعشرون» في «ح».
(٢) هو لابن ميّادة واسمه الرماح بن أبرد. اللغة : ربعين : تثنية ربع بمعنى المترل.
٥٤٢ ـ إنّ الرّزيّة لا رزيّة مثلها |
|
فقدان مثل محمّد ومحمّد (١) |
وقول أبي نواس [من الطويل] :
٥٤٣ ـ أقمنا بها يوما ويوما وثالثا |
|
ويوما له يوم التّرحّل خامس |
قال ابن هشام في المعنى : وهذا البيت يسأل أهل الأدب عنه ، فيقولون : كم أقاموا؟
والجواب ثمانية ، لأنّ يوما الأخير رابع ، وقد وصف بأنّ يوم الترحّل خامس له ، وحينئذ فيكون يوم الترحّل هو ثامن له بالنسبة إلى أوّل يوم ، انتهى. ونقل الدمامينيّ عن بعضهم لذلك قصّة على أنّ الإقامة كانت خمسة أيام.
التاسع : عطف ما لا يستغني عنه ، كاختصم زيد وعمرو ، ومن ذلك جلست بين زيد وعمرو ، ومن ثمّ قال الأصمعيّ في قول امرئ القيس [من الطويل] :
٥٤٤ ـ ... |
|
بسقط اللوي بين الدخول فحومل (٢) |
والصواب أن يقال : بين الدخول وحومل ، وأجيب بأنّه على حذف مضاف ، والتقدير بين أهل الدخول فحومل ، أو بأنّ الدخول مشتمل على أماكن ، والتقدير بين أماكن الدخول وأماكن حومل ، فهو بمترلة اختصم الزيدون فالعمرون.
قال ابن هشام : ويشارك الواو في هذا الحكم أو المتّصلة في نحو : سواء على أقمت أم قعدت ، فإنّها عاطفة ما لا يستغنى عنه ، انتهى. أجاز الكسائي العطف في ذلك بالفاء وثمّ وأو. قاله في الهمع : وقال الفرّاء : رأيت رجلا ، يقول : اختصم عبد الله فرجل.
العاشر والحادي عشر : عطف العامّ على الخاصّ وبالعكس ، فالأوّل نحو : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) [النوح / ٢٨] ، والثاني نحو : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ) [الأحزاب / ٧] ، ويشاركها في هذا الحكم الأخير كمات الناس حتى الانبياء ، وقدم الحاجّ حتى المشاة ، فإنّها عاطفة خاصّا على عامّ.
الثاني عشر : عطف عامل حذف ، وبقي معموله على عامل آخر ، يجمعهما معنى واحد كقوله [من الوافر] :
٥٤٥ ـ إذا ما الغانيات بررزن يوما |
|
وزجّجن الحواجب والعيونا (٣) |
__________________
(١) اللغة : الرزيّة والرزيئة : المصيبة وأراد بمحمّد الأول أخا الحجاج وبالثاني ولد الحجاج.
(٢) تقدّم برقم ١٧.
(٣) تقدّم برقم ٢٣٩.
أي وكحّلن العيونا ، والجامع بينهما التحسين ، وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ) [الحشر / ٩] ، أي واعتقدوا الإيمان ، والجامع بينهما الملازمة والألفة ، ولولا هذا التقييد لورد اشتريته بدرهم فصاعدا ، إذ التقدير فذهب الثمن صاعدا.
الثالث عشر : عطف الشيء على مرادفه ، نحو : (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ) [يوسف / ٨٦] ، (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ) [البقرة / ١٥٧] ، (لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً) [طه / ١٠٧] ، وقوله [من الوافر] :
٥٤٦ ـ ... |
|
وألفى قولها كذبا ومينا (١) |
وزعم ابن مالك أنّ ذلك يأتي في أو وأن ، منه : (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً) [النساء / ١١٢]. قال ابن هشام في شرح بانت سعاد : وفيه نظر لإمكان أن يراد بالخطئية ما وقع خطأ وبالإثم ما وقع عمدا.
الرابع عشر : عطف المقدّم على متبوعه للضرورة ، كقوله [من الوافر] :
٥٤٧ ـ ... |
|
عليك ورحمة الله السّلام (٢) |
الخامس عشر : عطف ما تضمّنه الأوّل إذا كان المعطوف ذا مزية نحو : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) [البقرة / ٢٣٨].
السادس عشر : جواز فضلها من معطوفها بظرف أو عديله ، نحو : (وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) [يس / ٩].
السابع عشر : جواز حذفها إن أمن اللبس كقوله [من الخفيف] :
٥٤٨ ـ كيف أصبحت كيف أمسيت ممّا |
|
ينبت الودّ في فؤاد الرجال (٣) |
أي وكيف أمسيت ، كذا قيل ، وفي إنفراد الواو بذلك نظر.
ففي المغني حكى أبو الحسن : أعطه درهما درهمين ثلاثة ، وخرّج على إضمار أو ، ويحتمل بدل الإضراب.
والفاء للجمع والتعقيب والترتيب ، وسيأتي الكلام عليها في المفردات. وثمّ ويقال : فمّ بإبدال التاء فاء ، كقولهم في جدث جدف ، وثمة بإلحاقها تاء ساكنة ومفتوحة ، فتخصّ حينئذ بعطف الجمل للجمع والترتيب والمهلة وفي كلّ خلاف ، أمّا الجمع فزعم الأخفش والكوفيّون أنّه قد يتخلّف بأن تقع زائدة ، فلا تكون عاطفة ألبتّة ، وحملوا على ذلك قوله تعالى : (حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ
__________________
(١) صدره «وقدّمت الأديم لراهشيه» ، وهو لعدي بن زيد ، ويروى «وقدّدت» اللغة : الأديم : الجلد ، لراهشيه : أي إلى أن وصل القطع للراهشين ، وهما عرقان في باطن الذراع يتدفّق الدم منهما عند القطع.
(٢) تقدم برقم ٩٧.
(٣) لم يسمّ قائله.
أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ) [التوبة / ١١٨] ، وقول زهير [بن أبي سلمي من الطويل] :
٥٤٩ ـ أراني إذا أصبحت أصبحت ذا هوي |
|
فثمّ إذا أمسيت أمسيت غاديا (١) |
وخرجت الآية على حذف الجواب أي لجؤوا إلى ، واستغفروه ، ثمّ تاب عليهم ، والبيت على زيادة الفاء وتعيّنت للزيادة دون ثمّ ، لأنّه قد عهد زيادتها بخلاف ثمّ.
وأمّا الترتيب والمهلة فخالف قوم في اقتضائها إيّاها تمسّكا بقوله تعالى : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها) [الزمر / ٦] ، (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ* ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ* ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) [السجدة / ٩ و ٨ و ٧] ، (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) [طه / ٨٢] ، والاهتداء سابق على ذلك ، وبقوله تعالى : (ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) [الأنعام / ١٥٤ و ١٥٣] ، وقول الشاعر [من الخفيف] :
٥٥٠ ـ إنّ من ساد ثمّ ساد أبوه |
|
ثمّ قد ساد قبل ذلك جدّه (٢) |
وأجيب عن الكلّ بأنّ ثمّ فيها لترتيب الاخبار لا لترتيب الحكم.
قال ابن هشام : وغير هذا الجواب أنفع منه ، لأنّه يصحّح الترتيب فقط لا المهلة إذ لا تراخي بين الأخبارين ، والجواب المصحّح لهما ما قيل في الآية الأولى أنّ العطف على مقدّر ، أي من نفس واحدة أنشأها ، ثمّ جعل منها زوجها ، وفي الثانية أنّ سواه عطف على الجملة الأولى لا الثانية ، وفي الثالثة أنّ المراد ثمّ دام على الهداية ، لأنّ الغفران موقوف على العاقبة ، وفي الرابعة أنّ آتينا عطف على ما تقدّم قبل شطر السورة من قوله : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) [الأنعام / ٨٤] ، وفي البيت أنّ المراد أنّ الجدّ أتاه السودد من قبل الأب ، والأب من قبل الابن كما قال ابن الروميّ [من البسيط] :
٥٥١ ـ قالوا أبو الصّقر من شيبان قلت لهم |
|
كلّا لعمري ولكن منه شيبان |
وكم أب قد علا بابن ذري حسب |
|
كما علت برسول الله عدنان (٣) |
تنبيه : قد تقع ثمّ موقع الفاء ، فتكون للجمع والترتيب بلا مهلة كقولة [من المتقارب] :
__________________
(١) البيت في شرح ديوان زهير ص ٢٨٥ :
أراني إذا ما بت بت على هوى |
|
فثمّ إذا أصبحت أصبحت غاديا. |
(٢) هو لأبي نواس. اللغة : ساد ـ سيادة : عظم وشرف.
(٣) اللغة : الذرى : جمع ذروة وهي أعلى الشي ، علت : ارتفعت.
٥٥٢ ـ كهزّ الردينيّ تحت العجاج |
|
جرى في الأنابيب ثمّ اضطرب (١) |
إذ الهزّ متى جرى في أنابيب الرمح تعقّبه الاضطراب ، ولم يتراخ عنه ، قاله غير واحد.
قال بعضهم : والظاهر أنّه لا ترتيب فيها أيضا ، لأنّ الاضطراب والجرى يقعان في زمان واحد ، وأجيب بأنّ الترتيب يحصل في لحظات لطيفة.
وحتى للجمع مع الغاية بأن يكون ما بعدها غاية لما قبلها في زيادة أو نقصان ، ينقطع الحكم عنده والتدريج ذهنا بأن ينقضي ما قبلها شيئا فشيئا إلى أن يبلغ الغاية ، ولهذا وجب أن يكون المعطوف بها جزء من المعطوف (٢) عليه ولو تقديرا ، كما سيأتي بيانه في حديقة المفردات إن شاء الله.
تنبيهات : الأوّل : لا تعطف حتى الجمل ، لأنّ شرط معطوفها أن يكون جزء ممّا قبلها أو كجزء منه ، ولا يتأتّي ذلك إلا في المفردات ، هذا هو الصحيح ، وزعم ابن السّيّد في قول امرئ القيس [من الطويل] :
٥٥٣ ـ سريت بهم حتى تكلّ مطيّهم |
|
... (٣) |
فيمن رفع تكلّ ، أنّ جملة تكلّ مطيّهم معطوفة بحتى على سريت بهم ، قاله ابن هشام في المغني.
الثاني : إذا عطف بحتى على مجرور ، قال ابن عصفور : ترجّح إعادة الجارّ فرقا بينها وبين الجارّة ، نحو : مررت بالقوم حتى يزيد ، وقال ابن الخبّاز بوجوب ذلك ، وفصل ابن مالك ، فقال : إن لم يتعيّن للعطف وجبت الإعادة ، نحو : اعتكفت في الشهر حتى في آخره ، وإن تعيّنت به فلا ، لحصول الفرق ، نحو : عجبت من القوم حتى بينهم وقوله [من الخفيف] :
٥٥٤ ـ جود يمناك فاض في الخلق حتى |
|
بائس دان بالإساءة دينا (٤) |
قال ابن هشام : وهو حسن ، وجزم به في الجامع ، وردّه أبو حيّان ، وقال : في المثال هي جارّة وفي البيت محتملة.
__________________
(١) هو لأبي دؤاد الإيادي. اللغة : الهزّ : اهتراز ، الرديني : نسبة إلى الردينة اسم امرأة تصلح القناة وهو صفة لموصوف محذوف أي الرمح الرديني ، العجاج : الغبار ، الأنابيب : جمع أنبوبة : ما بين العقدتين في القصبة.
(٢) سقط «المعطوف» في «ح».
(٣) تمامه «وحتى الجياد ما يقدن بأرسان» ، اللغة : تكلّ : تتعب تعيي. الجياد : جمع جواد وهو الفرس الجيّد النجيب. يقدن. مجهول وهو بمعنى يمسك بمقاودتها للسير. الارسان : جمع رسن : الحبل.
(٤) لم يسمّ قائله. اللغة : البأئس : الّذي أصابه بؤس ، أي شدّة ، وقوله دان بالإساءة دينا أي جعل الإساءة عادة وطريقة له كالدين الّذي يتعبّد به الإنسان.
الثالث : العطف بحتى قليل ، وأهل الكوفة ينكرونه ألبتّة ، ويحملون نحو : جاء القوم حتى أبوك ، ورأيت القوم حتى أباك ، ومررت بالقوم حتى أبيك ، على أنّ حتى فيه ابتدائيّة ، وما بعدها على إضمار عامل.
أم نوعان ، متّصلة ومنفصلة ، وسيأتي بيانهما ، والجمهور على أنّ العاطفة أنّما هي المتّصلة ، وأمّا المنقطعة فهي حرف ابتداء كبل ، وتختصّ بالجمل ، فلا تعطف المفردات ، وأمّا قولهم : إنّها لإبل أم شاء ، فتقديره أنّها لإبل أم هي شاء.
وخرق ابن مالك إجماع النّحويّين فقال : إنّها تعطف المفردات ، وحمل قولهم : إنّها لإبل أم شاء على ظاهره ، واستدلّ بقول بعضهم : إنّ هنا لإبلا أم شاء بالنصب ، قال ابن هشام : فإن صحّت روايته فالأولى أن يقدّر لشاء ناصب ، أي أم أري شاء ، وذهب ابن جني إلى أنّ المنقطعة للعطف أيضا ، وهو ظاهر كلام المصنّف في حديقة المفردات ، كما سنبيّنه ، إن شاء الله.
و «أو» ترد لمعان :
أحدها : الشكّ من المتكلّم ، نحو : (قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) [الكهف / ١٩].
الثاني : للإبهام على السامع ، نحو : (إِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [سبأ / ٢٤] ، وقول الشاعر [من الخفيف] :
٥٥٥ ـ نحن أو أنتم الأولى ألفوا ال |
|
... حقّ فبعدا للظالمين وسحقا (١) |
الثالث : التخيير بين المتعاطفين بأن يمتنع الجمع بينهما ، نحو : تزوّج هذه أو أختها.
الرابع : الإباحة بأن لا يمتنع الجمع ، نحو : جالس العلماء أو الزهاد.
الخامس : الجمع المطلق كالواو ، نحو قوله [من البسيط] :
٥٥٦ ـ جاء الخلافة أو كانت له قدرا |
|
كما أتي ربّه موسى على قدر (٢) |
السادس : الاضراب كبل ، نحو : (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) [الصافات / ١٤٧] ، قال الرضيّ : وإنّما جاز الإضراب في كلامه تعالى ، لأنّه أخبر عنهم بأنّهم مائة ألف ، بناء على تحرّز الناس مع كونه تعالى عالما بأنّهم يزيدون ، ثمّ إنّه تعالى أخذ في التحقيق مضربا عمّا يغلط فيه غيره ، أي أرسلناه إلى جماعة يحرّزهم الناس مائة ألف ، وهم كانوا زائدين على ذلك.
السابع : التقسيم ، نحو : الكلمة اسم أو فعل أو حرف ، ذكره ابن مالك في بعض كتبه ، وعدل عنه في بعضها ، فقال : تأتي للتفريق المجرّد من الشكّ والإبهام والتخيير ، و
__________________
(١) لم يسمّ قائله. وفي المغني «فبعدا للمبطلين وسحقا» ، اللغة : سحقا : بعدا أشدّ البعد.
(٢) هو لجرير يمدح بها عمر بن عبد العزيز. اللغة : القدر : بمعنى مقدّرة من غير طلب.
أمّا هذه الثلاثة فإنّ مع كلّ منها تفريقا مصحوبا بغيره ومثّل بنحو : (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً) [النساء / ١٣٥] (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى) [البقرة / ١٣٥] ، قال : وهذا أولى من التعبير بالتقسيم ، لأنّ استعمال الواو في التقسيم أجود ، نحو : الكلمة اسم وفعل وحرف وقوله [من الطويل] :
٥٥٧ ـ ... |
|
كما الناس مجروم عليه وجارم (١) |
ومن مجيئه بأو قوله [من الطويل] :
٥٥٨ ـ فقالوا لنا ثنتان لا بدّ منهما |
|
صدور رماح أشرعت أو سلاسل (٢) |
انتهى.
وغيره عدل عن العبارتين ، فعبّر بالتفصيل ، ومثّل بقوله تعالى : (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى) [البقرة / ١٣٥] ، و (قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) [الذاريات / ٥٢] ، إذ المعنى وقالت إليهود : كونوا هودا ، وقالت النّصاري : كونوا نصاري ، وقال بعضهم : ساحر ، وقال بعضهم : مجنون ، فأو فيها لتفصيل الإجمال في قالوا.
تنبيهات : الأوّل : لم يذكر المتقدّمون لأو هذه المعاني ، بل قالوا : هي لأحد الشيئين أو الأشياء ، قال ابن هشام : وهو التحقيق ، وقد تخرج إلى معنى بل أو إلى معنى الواو ، وأمّا بقية المعاني فمستفادة من القرائن.
الثاني : قال أبو البقاء : أو في النهي نقيضه أو في الاباحة ، فيجب اجتناب الأمرين كقوله تعالى : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) [الإنسان / ٢٤] ، فلا يجوز فعل أحدهما ، فلو جمع بينهما كان فعلا للمنهيّ عنه مرّتين ، لأنّ كلّ واحد منهما أحدهما. وقال غيره : أو في مثل هذا بمعنى الواو ، تفيد الجمع ، وقال ابن الحاجب : بل هي بمعناها ، وهو أحد الشيءين ، وإنّما جاء التعميم من النهي الّذي فيه معنى النفي ، والنكرة في سياق النّفي للعموم ، لأنّ المعنى قبل وجود النهي تطيع آثما أو كفورا ، أي واحدا منهما ، فإذا جاء النهي ورد على ما كان ثابتا في المعنى ، فيصير المعنى ولا تطع واحدا منهما ، فالتعميم فيها من جهة النهي الداخل ، وهي على بابها ، قال : وهو معنى دقيق.
«وبل» للإضراب ، وسيأتي الكلام فيها في حديقة المفردات. و «لا» لنفي حكم متلوّها عن تإليها ، والعطف بها ثلاثة شروط.
__________________
(١) صدره «وننصر مولانا ونعلم أنّه» ، وهو لعمرو بن برّاقة الهمداني. اللغة : الجارم : المذنب.
(٢) هو لجعفر بن علبة الحارثي. اللغة : الرماح : جمع الرمح وهو القناة ، أشرعت : شدّدت وصوّبت إلى جهة العدو ، السلاسل : جمع سلسلة بمعنى حلقات ونحوها يتصل بعضها ببعض.
أحدها : أن يتقدّمها إثبات ، نحو : جاءني زيد لا عمرو ، أو أمر ، نحو : اضرب زيدا لا عمرا ، أو نداء ، نحو : يا ابن أخي لا ابن عمي ، وزعم ابن سعدان أنّ هذا ليس من كلامهم. قال أبو حيّان : وهذا شهادة على نفي ، وقد ذكر ذلك سيبويه في كتابه ، والظّنّ به أنّه لم يذكره إلا وهو مسموع ، انتهى. وهذا الشرط يعلم من معنى لا.
الثاني : أن لا تقترن بعاطف ، فإذا قيل : جاء زيد لا بل عمرو ، فالعاطف بل ، ولا ردّ لما قبلها ، وليست عاطفة. وإذا قلت : ما جاءني زيد ولا عمرو ، فالعاطف الواو ، ولا توكيد للنفي.
الثالث : أن يتعاند متعاطفاها ، فلا يجوز ، جاءني رجل لا زيد ، لأنّه يصدق على زيد اسم الرجل بخلاف : جاءني رجل لا امراة ، نصّ على هذا الشرط السهيليّ في نتائج الفكر (١) ، والأبذيّ في شرح الجزولية (٢) ، وتبعهما الشيخ أبو حيّان.
قال ابن هشام : وهو حقّ ، ولا يمتنع العطف بها على معمول الفعل الماضي خلافا للزجاجي ، أجاز : يقوم زيد لا عمرو ، ومنع : قام زيد لا عمرو ، ويردّ منعه قولهم : نفعك جدّك لا كدّك ، وقول امرئ القيس [من الطويل] :
٥٥٩ ـ كأنّ دثارا حلّقت بلبونه |
|
عقاب تنوفي لا عقاب القواعل (٣) |
دثار : اسم راع وتنوفي ثنية ، والقواعل جبال صغار.
ولكن لتعليق حكم متلوّها ، وإثبات نقضيه لتإليها ، نحو : ما جاء زيد لكن عمرو ، ولا تهن زيدا لكن عمرا ، فيستفاد من ذلك تقرير عدم مجئ زيد والنهي عن الإهانة واثبات المجئ ، والأمر بالأهانة لعمرو ، وللعطف بها ثلاثة شروط أيضا :
أحدها : أن يتقدّمها نفي كما مرّ ، فان قلت : قام زيد ، ثمّ جئت بلكن ، جعلتها حرف ابتداء فجئت بالجملة فقلت : لكن عمرو لم يقم.
الثاني : أن لا تقترن بالواو ، قاله الفارسيّ وأكثر النّحويّين ، فإن اقترنت بها ، نحو : ما قام زيد ولكن عمرو ، ففيه أربعة أقوال.
أحدها : ليونس ، إنّ لكن غير عاطفة ، والواو عاطفة مفردا على مفرد.
__________________
(١) نتائج الفكر في علل النحو للشيخ أبي القاسم عبد الرحمن السهيلي الأندلسي المتوفى سنة ٥٨١ ه. كشف الظنون ٢ / ١٩٢٤.
(٢) «الجزولية» رسالة في النحو لعيسى بن عبد العزير بن يلبخت الجزولي من علماء العربية المتوفى سنة ٦٠٧ ه. الأعلام للزركلي ، ٥ / ٢٨٨.
(٣) اللغة : دثار : هو دثار بن فقعس راعي امرئ القيس ، حلّقت : ماض من تحليق ، يقال : حلّق الطائر إذا ارتفع في طيرانه إلى جوّ السماء ، بلبونه : مفعول والباء للتعدية واللبون كصبور ذات اللبن من الابل وغيره ، تنوفي : اسم موضع ، وقيل : هو ثنية في جبال طئ مرتفعة.
الثاني : لابن مالك ، إنّ لكن غير عاطفة ، والواو عاطفة جملة ، حذف بعضها على جملة صرّح بجميعها ، قال : فالتقدير في نحو : ما قام زيد ولكن عمرو ، لكن قام عمرو ، وفي : (وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ) [الأحزاب / ٤٠] ، ولكن كان رسول الله ، وعلة ذلك أنّ الواو لا تعطف مفردا على مفرد مخالف له في الإيجاب والسلب بخلاف الجمليتن المتعاطفتين ، فيجوز تخالفهما فيه نحو : قام زيد ، ولم يقم عمرو.
والثالث : لابن عصفور ، إنّ لكن عاطفة ، والواو زائدة لازمة ، قال : وعليه ينبغي أن يحمل مذهب سيبويه.
الرابع : لابن كيسان إنّ لكن عاطفة ، والواو زائدة غير لازمة.
[الشرط] الثالث : أن يليها مفرد ، فإن وليها جملة فهي حرف ابتداء لمجرّد إفادة الاستدراك ، وليست عاطفة ، ويجوز أن تستعمل بالواو ، نحو : (وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) [الزخرف / ٧٦] وبدونها كقول زهير [من البسيط] :
٥٦٠ ـ إنّ ابن ورقاء لا تخشى بوادره |
|
لكن وقائعه في الحرب تنتظر (١) |
وزعم ابن أبي الربيع أنّها حين اقترانها بالواو عاطفة جملة على جملة ، وأنّه ظاهر قول سيبويه.
تنبيه : ذهب يونس إلى أنّ لكن لا تستعمل قبل المفرد إلا بالواو ، وأنّها هي العاطفة كما مرّ ، قال : وما يوجد في كتب النّحويّين من نحو : ما قام سعد لكن سعيد ، فمن كلامهم ، لا من كلام العرب ، ولذلك لم يمثّل سيبويه في أمثله العطف إلا بـ «ولكن». وهذا من شواهد عدالته وكمال أمانته ، لأنّه يجيز العطف بها غير مسبوقة بواو وترك التمثيل به ، لئلا يعتقد أنّه ممّا استعملته العرب ، انتهى.
وتبعه ابن مالك على ذلك ، إلا أنّه جعل العطف من قبيل عطف الجمل كما تقدّم بيانه وعلّته ، وفي قوله : إنّ سيبويه يجيز العطف بها غير مسبوقة بواو نظر ، فقد تقدّم ما حمل عليه ابن عصفور كلام سيبويه.
«وقد يعطف الفعل» الماضي والمضارع «على اسم مشابه له» في المعنى ، كقوله تعالى : (فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً* فَأَثَرْنَ) [العاديات / ٣ و ٤] ، (صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ) [الملك / ١٩] ، فعطف في الأولى أثرن ، وهو فعل ماض على المغيرات ، وهو اسم فاعل مشبه للفعل في المعنى ، لأنّه في تأويل : واللاتي أغرن ، وعطف في الثانية يقبضن ، وهو مضارع على صافات ، لأنّها في معنى يصففن ، قيل : والّذي حسن ذلك تأويل أثرن بمثيرات ، ويقبضن
__________________
(١) البيت لزهير بن أبي سلمي. اللغة : ابن ورقاء : هو الحارث بن ورقاء الصيداوي ، البوادر : جمع بادرة وهو ما يبدو من حدّتك في الغضب ، الوقائع : هنا جمع وقيعة بمعنى القتال.
بقابضات ، «أو بالعكس» ، أي يعطف الاسم المشابه للفعل في المعنى على الفعل الماضي أو المضارع ، كقوله [من الرجز] :
٥٦١ ـ يا ربّ بيضاء من الهواهج |
|
أمّ صبيّ قد حبا أو دارج (١) |
فعطف دارج على حبا ، وهو ماض ، لتؤوّل دارج بدرج ، أو حبا بحاب والعواهج بعين مهلة جمع عوهج ، وهي في الأصل الطويله العنق من الظبي والنوق ، والمراد بها هنا المرأة التامّة الخلق وقول الاخر [من الرجز] :
٥٦٢ ـ بات يعشّيها بغضب باتر |
|
يقصد في أسوقها وجائر (٢) |
فعطف جائر على يقصد ، وهو مضارع لتؤوّل جائر بيجور ، ويقصد بقاصد.
وجعل من ذلك ابن مالك قوله تعالى : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِ) [الأنعام / ٩٥] ، وقدّر الزمخشريّ عطف مخرج على فالق ، قال في التصريح : ولكلّ منهما مرجّحان ، فيرجّح قول ابن مالك سلامته من الفصل بين المتعاطفين بجملة ، وذكر الشيء ومقابلة ، ويرجّح قول الزمخشريّ عدم التأويل والتوافق بين نوعي المتعاطفين.
تنبيه : قال بعضهم : في نظير هذا الموضع اقتضي اقتصاره في جواز تخالف المعطوف والمعطوف عليه على ما ذكر أنّ غير ذلك من تخالفها لا يجوز كعطف الجملة الاسميّة على الفعلية وبالعكس ، وعطف الخبر على الانشاء وبالعكس ، انتهى. وفي اقتضاء ذلك نظر.
هذا ، وعطف الاسميّة على الفعلية وعكسه فيه ثلاثة أقوال ، وتقدّم الكلام عليها في باب الاشتغال ، أمّا عطف الخبر على الانشاء وعكسه ، فقال في المغني : منعه البيانيّون وابن مالك في شرح باب المفعول معه في كتاب التسهيل ، وابن عصفور في شرح الإيضاح ، ونقله عن الأكثرين ، وأجازه الصّفار (٣) وجماعة ، انتهى.
قال البدر الدماميني في التحفة : وحاول الشيخ بهاء الدين السبكيّ في شرح التلخيص التوفيق بين النّحاة والبيانيّين ، فقال ما حاصله أنّ البيانيّين متّفقون على منعه ، و
__________________
(١) هو لجندب بن عمرو. اللغة : البيضاء : المراة الجميلة ، العواهج : جمع عوهج وهو الطويل العنق من الظباء والنعام والنوق ، والمراد هنا المراة التامّة الخلق ، حبا : رحف ، الدارج : الماشي مشيا ضعيفا.
(٢) لم ينسب إلى قائل. اللغة : يعشّيها : يطعمها العشاء ، ويروى يغشبها ، مأخوذ من الغشاء ، وهو كالغطاء وزنا ومعنى ، العضب : السيف ، باتر : قاطع ، يقصد : يقطع على غير تمام ، جائر : ظالم مجاوز للحد.
(٣) قاسم بن على بن محمد بن سليمان الأنصاريّ البطليوسي الشهير بالصفار ، صحب الشلوبين وابن عصفور وشرح كتاب سيبويه شرحا حسنا يقال أنّه أحسن شرح ، مات بعد ٦٣٠ ه ق. بغية الوعاة ٢ / ٢٥٦.
ظاهر كلام كثير من النحاة جوازه ، ولا خلاف بين الفريقين ، لأنّه عند من جوّزه يجوز لغة ، ولا يجوز بلاغة ، انتهى.
وممّا اختلف في جوازه من تخالف المتعاطفين عطف الماضي على المضارع وبالعكس ، فمنعه الجمهور إلا إذا اتّفقا زمانا ، كقوله تعالى : (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ) [هود / ٩٨] ، وقوله : (تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) [الفرقان / ١٠].
وأجازه الرضيّ مطلقا ، قال : يجوز لم يقعد ولا يقعد غدا وبالعكس ، وهو ظاهر عبارة ابن مالك في الخلاصة ، وهو الحقّ. فإن قلت : الأمثلة المذكورة ليست من عطف الفعل على الفعل ، بل من عطف جملة على جملة ، قلت : أجيب بأنّه لمّا كان الغرض أنّما هو عطف الفعل لاتّحاد فاعل الفعلين صحّ كونها من عطف الفعل.
«ولا يحسن العطف على» الضمير «المرفوع المتّصل بارزا» كان «أو مستترا» ، لأنّه لمّا كان كالجزء ممّا اتّصل به لفظا من حيث إنّه متّصل لا يجوز انفصاله ، ومعنى من حيث إنّه فاعل ، وهو كالجزء من الفعل ، فلو عطف عليه كان كالعطف على بعض حروف الكلمة ، كرهوا العطف عليه ، فلم يستحسنوه «إلا مع الفصل» بينه وبين تابعه بتوكيده بالضمير «المنفصل» ، ليكون كأنّه معطوف عليه في الصورة ، وإن كان العطف في الحقيقة على المتّصل.
«أو مع فاصل ما» أي فاصل كان «أو» مع «توسّط» لا النافية «بين العاطف» وهو الواو «والمعطوف» ، فيكتفي بذلك عن الفصل بين المتعاطفين ، ولم يلتزموا التأكيد مع ذلك للطول الّذي يكسر من صورة العطف ، ومثّل للثلاثة نشرا على ترتيب اللّف ، فقال : «نحو جئت أنا وزيد» ، فزيد معطوف على التاء ، وهو ضمير مرفوع متّصل بارز ، وحسن العطف للفصل بينهما بالضمير المنفصل ، ونحو : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) [البقرة / ٣٥] ، ومثله الفصل بتوكيد معنويّ كقوله [من الوافر] :
٥٦٣ ـ ذعرتم أجمعون ومن يليكم |
|
برؤيتنا وكنّا الظافرينا (١) |
ونحو قوله : (يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ) [الرعد / ٢٣] ، فمن صلح معطوف على الواو في يدخلون ، وحسن لوجود الفاصل بينهما ، وهو الها ، وقوله تعالى : (ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) [الأنعام / ١٤٨] ، فآباؤنا معطوف على نا ، وهو حسن لتوسّط لا بين العاطف وهو الواو ، والمعطوف وهو آباؤنا.
__________________
(١) لم أجد البيت.
وممّا لا يحسن ما رواه البخاريّ في صحيحه من قوله (ص) كنت وأبو بكر وعمر (١).
ولذلك قيل : هو مروى بالمعنى ، وقول بعضهم : مررت برجل سواء والعدم ، فسواء صفة لرجل ، وهو بمعنى مستو ، وفيه ضمير مستتر يعود على رجل ، والعدم معطوف على ضميره ، ولا يقاس على هذا خلافا للكوفيّين.
وأفهم تقييد المسألة بالضمير أنّ العطف على الظاهر بظاهر أو ضمير جائز بدون فاصل ، وبالمتّصل أنّ المنفصل مرفوعا كان أو منصوبا كالظاهر في جواز العطف عليه كما ذكر ، نحو : إيّاك والأسد ، وبالمرفوع أنّ المتّصل المنصوب يحسن العطف عليه وإن لم يفصل ، لأنّه لا يترّل مترلة الجزء كالمرفوع ، فيعطف عليه الظاهر ، نحو : (جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ) [المرسلات / ٣٨] ، والمضمر نحو : رأيته وإيّاك ، كما يعطف على الظاهر كذلك ، نحو : رأيت زيدا وعمرا ، ورأيت زيدا وإيّاك ، ومنع الأبذيّ في الأخيرة لإمكان الاتّصال نحو : رأيتك وزيدا مردود بقوله : (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ) [النساء / ١٣١].
هذه «تتمّة» لما ذكره من أحكام العطف ، «ويعاد الخافض» وجوبا ، حرفا كان أو اسما «على المعطوف على ضمير مجرور ، نحو : مررت بك وبزيد» ، وقوله تعالى : (نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ) [البقرة / ١٣٣] ، وإنّما وجب ذلك ، لأنّ اتّصال الضمير المجرور بجارّه أشدّ من اتّصال الفاعل المتّصل ، لأنّ الفاعل إن لم يكن ضميرا متّصلا جاز انفصاله ، والمجرور لا ينفصل من جارّه ، سواء كان ضميرا أو ظاهرا ، فكره العطف عليه ، إذ يكون العطف على بعض حروف الكلمة ، فمن ثمّ لم يجز إذا عطف الضمير على المجرور إلا إعادة الجارّ أيضا ، نحو : مررت بزيد وبك ، والمال بين زيد وبينك.
وليس للمجرور ضمير منفصل حتى يؤكّد به أوّلا ، ثمّ يعطف عليه ، كما عمل في المرفوع المتّصل ، فلم يبق إلا إعادة الخافض ، ولا يعاد الخافض الاسميّ إلا إذا لم يشكّ أنّه لم يجلب إلا لهذا الغرض ، وأنّه لا معنى له كما في قولنا : بينك وبين زيد ، إذ لا يمكن أن يكون هنا بينان ، بين بالنسبة إلى زيد وحده ، وبين آخر بالنسبة إلى المخاطب وحده ، لأنّ البينيّة أمر يقتضي طرفين ، فعرفنا أنّ تكرير الثاني لهذا الغرض فقط ، فإن ألبس ، نحو : جاءني غلامك وغلام زيد ، وأنت تريد غلاما واحدا مشتركا بينهما لم يجز ، بلي يجوز لو قامت قرينة دالّة على المقصود ، قاله الرضي (ره).
ووجوب إعادة الخافض في ذلك مذهب البصريّين ، وذهب الجرميّ والزياديّ إلى عدم وجوبه إن أكّد الضمير بالمنفصل ، نحو : مررت بك أنت وزيد ، والفرّاء إن أكّد
__________________
(١) صحيح البخاري ، ٣ / ٦٩ ، رقم ١٧٩.
بالظاهر ، نحو : مررت بك نفسك وزيد ، وهو مع مخالفته القياس ليس بمسموع ، وذهب الكوفيّون ويونس والأخفش إلى عدم وجوب ذلك مطلقا ، ووافقهم أبو على الشلوبين ، وصحّحه ابن مالك وأبو حيّان ، وجرى عليه ابن هشام في بعض كتبه لثبوت ذلك في فصيح الكلام. قال ابن مالك في خلاصة [من الرجز] :
٥٦٤ ـ وعود خافض لدي عطف على |
|
ضمير خفض لازما قد جعلا |
وليس عندي لازما إذ قد أتي |
|
في النّثر والنّظم الصّحيح مثبتا (١) |
وقال في شرح الكافية : من مؤيّدات الجواز قوله تعالى : (وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [البقرة / ٢١٧] ، فجرّ المسجد بالعطف على الهاء لا بالعطف على سبيل لاستلزامه الفصل بالأجبنيّ بين جزئي الصلة ، وتوقّي هذا المحذور حمل أبا على الشلوبين على موافقة الكوفيّين في هذه المسألة ، وقد غفل الزمخشريّ وغيره عن هذا.
ومن مؤيّدات الجواز أيضا قراءة حمزة : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) [النساء / ١] بخفض الأرحام ، وهي أيضا قراءة ابن عباس والحسن البصري ومجاهد (٢) وقتادة والنخعيّ (٣) والأعمش ويحيى بن وثاب (٤) وأبي رزين (٥) ، مثل هذه القراءة قول بعض العرب : ما فيهما غيره وفرسه ، رواه قطرب بجرّ فرسه ، ومثله ما أنشده سيبويه من قول الشاعر [من البسيط] :
٥٦٥ ـ فاليوم قرّبت تهجونا وتشتمنا |
|
فاذهب فما بك والأيّام من عجب (٦) |
انتهى.
وقال ابنه في شرح الخلاصة : لا يبعد أن يقال في هذه المسألة : إنّ العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الخافض غير جائز في القياس ، وما ورد منه في السماع محمول على شذوذ إضمار الجارّ ، كما أضمر في مواضع آخر ، نحو : ما كلّ بيضاء شحمة ، ولا سوداء تمرة ، وكقولهم : امرر ببني فلان إلا صالح فطالح ، وقولهم : بكم
__________________
(١) البيتان موجودان في ألفية وشرح ابن عقيل في المجلّد الثاني ص ٢٣٩.
(٢) مجاهد بن جبر ، تابعي ، مفسّر من أهل مكّة ، شيخ القرّاء والمفسّرين ، مات وهو ساجد سنة ١٠٤ ه ق. الأعلام للرزكلي ، ٦ / ١٦١.
(٣) علقمة بن قيس بن عبد الله من أكابر الفقه والحديث وقاري القرآن ، توفّي سنة ٦١ ه ق. محمد على مدرس تبريزي ، ريحانة الأدب ، المجلد السادس ، الطبعة الرابعة ، منشورات خيام ص ١٥٦.
(٤) يحيي بن وثاب الكوفيّ مولي بني كاهل من بني أسد بن خزيمة ، توفّي بالكوفة سنة ١٣٠ ه ق ، وله قراءة. النديم ، الفهرست ، الطبعة الأولى ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ١٤١٦ ه ، ص ٤٨.
(٥) محمد بن عيسى بن إبراهيم بن رزين ، إمام في القراءآت ، عالم في العربية ، من كتبه : الجامع في القراءات ، مات سنة ٢٥٣ ه ق. الأعلام للرزكلي ٧ / ٢١٣.
(٦) لم يعين قائله.
درهم اشتريت ثوبك ، على ما يراه سيبويه من أنّ الحرفيّة بعد كم بإضمار من لا بالإضافة ، انتهى.
تنبيهات : الأوّل : محلّ الخلاف إذا كان المعطوف على الضمير المجرور ظاهرا ، فإن كان ضميرا ، نحو : مررت بك وبه وجب إعادة الخافض اتّفاقا.
الثاني : يستثنى من القاعدة المذكورة مسألة لا يجب فيها إعادة الخافض ، قال البدر الدمامينيّ في المنهل : لنا ما يمكن أن يجعل لغزا ، فيقال أي صورة يجوز العطف فيها على الضمير المخفوض من غير إعادة الخافض لفظا حال السعة بإجماع؟ ومثالها قولك : شجاعة زيد عجبت منها ، وأنّه يبخل ، إذ حذف الجارّ من أن وأنّ مطّرد بلا خلاف ، كما مرّ.
الثالث : قيل : ينبغي أن يقيّد العطف على الضمير المجرور بأن يكون الحرف غير مختصّ بالضمير احترازا من لو لا على مذهب سيبويه ، فإنّه لا يجوز عطف ظاهر على مجرورها ، نحو : لولاك وزيد ، فلو رفعت على توهّم أنّك نطقت بضمير الرفع ففي جوازه نظر ، قاله المراديّ في شرح التسهيل.
وفي المغني لابن هشام عند الكلام على اشتراط الإضمار في بعض المعمولات من الوهم فيه قول بعضهم في لولاى وموسى ، إنّ موسى محتمل الجرّ ، وهذا خطأ ، لأنّه لا يعطف على الضمير المجرور إلا بإعادة الجارّ ، ولأنّ لو لا لا تجرّ الظاهر ، فلو أعيدت لم تعمل الجرّ ، فكيف ولم تعد.
وهذه مسألة يحاجى بها ، فيقال : ضمير مجرور لا يصحّ أن يعطف عليه اسم مجرور أعدّت الجار ، أو لم تعدّ ، وقولي : مجرور لأنّه يصحّ أن يعطف (١) عليه اسم مرفوع ، لأنّ لولا محكوم لها بحكم الحروف الزائدة ، والزائد لا يقدح في كون الاسم مجرّدا عن العوامل اللفظيّة ، فكذا ما أشبه الزائد.
«ولا يعطف على معمولي عاملين مختلفين على القول المشهور» من سبعة أقوال في جميع الصور «إلا في نحو : في الدار زيد والحجرة عمرو» ، وإنّ في الدار زيدا والحجرة عمرا ، أي في صورة تقديم المجرور في المعطوف عليه وتأخير المرفوع أو المنصوب والإتيان بالمعطوف على ذلك الترتيب ، فإنّ العطف على معمولي عاملين مختلفين جائز في هذه الصورة فقط ، وهو رأي الأعلم وابن الحاجب ، وعزي إلى الاكثرين ، وعلّل الأعلم الجواز باستواء أخر الكلام ، وأوّله في تقديم الخبرين على المخبر عنهما ، حتى لو لم يستو آخر الكلام وأوّله ، نحو : زيد في الدار والحجرة عمرو لم يجز.
__________________
(١) سقطت «لأنّه يصحّ أن يعطف» في «ح».
قال الرضيّ : ويلزمه تجويز مثل قولنا : زيد خرج غلامه وعمرو أخوه ، وإنّ زيدا خرج وبكرا أخوه ، لاستواء أوّل الكلام وأخره ، وهو لا يجيزه ، وعلّله ابن الحاجب بأنّ الّذي ثبت في كلامهم ووجد بالاستقراء من العطف على معمولي عاملين هو المضبوط بالضابط المذكور ، فوجب أن يقتصر عليه ، ولا يقاس عليه غيره ، إذ العطف على معمولي عاملين مختلفين مطلقا خلاف الأصل ، فإن اطّرد في صورة معيّنة دون غيرها لم يقس عليها ، انتهى.
ولم يلزمه ما لزم الأعلم من تجويز الصورتين المذكورتين ، لكنّه يبقى الإشكال عليه في علّة تخصيصهم للصورة المعيّنة بالجواز دون غيرها ، وإذا كان العطف على معمولي عاملين مختلفين مخالفا للأصل فهلّا تأوّلوها كما تأوّلها (١) المانعون مطلقا حتى لا يكون تحكّما.
القول الثاني : الجواز مطلقا حكاه الفارسيّ عن جماعة وابن الحاجب عن الفرّاء ، وتمسكوا بقوله تعالى : (إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ* وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ* وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.) [الجاثية / ٥ و ٤ و ٣].
آيات الأولى منصوبة إجماعا ، لأنّها اسم إنّ ، والثانية والثالثة قرأهما حمزة والكسائيّ بالنصب ، والباقون بالرفع ، والتمسّك بالقراءتين في آيات الثالثة ، أمّا الرفع فعلى نيابة الواو مناب الابتداء وفي ، وأمّا النصب فعلى نيابتها مناب إنّ وفي ، وبقول الشاعر [من المتقارب] :
٥٦٦ ـ أكلّ امرئ تحسبين امرأ |
|
ونار توقّد باللّيل نارا (٢) |
أقام الواو مقام كلّ وتحسبين وبقولهم : ما كلّ بيضاء شحمة ، ولا سوداء تمرة بنيابتها مناب كلّ وما ، وهذا كما تراه لا يدلّ على المطلوب بتمامه ، فإنّهم لم يفرّقوا بين تقدّم المجرور وتأخّره ، والآية والبيت والمثل المجرور فيها متقدّم.
الثالث : المنع مطلقا ، وهو قول سيبويه والمبرّد وابن السراج وهشام وجماعة من متقدّمي البصريّين ، وصحّحه ابن مالك ، وعلّلوه بأنّ العاطف نائب عن العامل ، وهو ضعيف من جهة حرفيّته ، ومن جهة نيابته ، فلم يقو أن يقوم مقام عاملين ، وتأوّلوا ما أوهم الجواز ، فتأوّلوا الآية بتقدير في ، فالعمل لها ، وإنّما نابت مناب عامل واحد ، وهو
__________________
(١) سقط كما تأولها في «ح».
(٢) البيت لأبي دواد الإيادي ، واسمه جارية بن الحجاج.
الابتداء أو إنّ ، وبانتصاب آيات على التوكيد للأولى ، ورفعها على تقدير مبتدأ ، أي هي آيات وعليهما فليست مقدّرة ، فتأوّلوا البيت والمثل بإضمار الجارّ ، أي وكلّ نار توقّد في اليل نارا ، ولا كلّ سوداء تمرة ، وكذا يضمرون الجارّ في كلّ صورة توهّم الجواز. قال ابن هشام : وممّا يشكل على مذهب سيبويه ومن قال بقوله قوله [من المتقارب] :
٥٦٧ ـ هوّن عليك فإنّ الأمور |
|
بكفّ الإله مقاديرها |
فليس بآتيك منهيّها |
|
ولا قاصر عنك مأمورها (١) |
لأنّ قاصر عطف على مجرور الباء ، فإن كان مأمورها عطفا على مرفوع ليس لزم العطف على معمولي عاملين ، وإن كان فاعلا بقاصر لزم عدم الارتباط بالمخبر عنه ، إذ التقدير حينئذ فليس منهيها بقاصر عنك مأمورها ، وقد أجيب بالثاني ، وأنّه لمّا كان الضمير في مأمورها عائد إلى الأمور ، كان كالعائد عن المنهيّات لدخولها في الأمور.
الرابع : الجواز إن كان أحد العالمين جارّا حرفا أو اسما سواء تقدّم المجرور المعطوف ، نحو : في الدار زيد الحجرة عمرو ، أم تأخّر ، نحو : في الدار زيد وعمرو الحجرة.
الخامس : الجواز إن تقدّم المجرور المعطوف سواء تقدّم (٢) في المعطوف عليه نحو : في الدار زيد والحجرة عمرو أم لا ، نحو : زيد في الدار والحجرة عمرو ، بخلاف ما إذا تأخّر ، نحو : في الدار زيد وعمرو الحجرة ، وهو قول الاخفش والكسائي والفرّاء والزجّاج.
السادس : الجواز في غير العوامل اللفظيّة والمنع فيها ، وغير اللفظيّة هي الابتدائيّة ، فيجوز نحو : زيد في الدار والقصر بكر ، لأنّ الابتداء رافع لزيد ولبكر ، فكان العطف على معمول واحد ويمتنع : إنّ في الدار زيدا والحجرة عمرا ، وهو قول ابن طلحة.
السابع : الجواز في غير اللفظيّة وفي اللفظيّة الزائدة ، لأنّه عارض ، والحكم للأوّل نحو : ليس زيد بعالم ولا خارج أخوه ، وما شرب من عسل ولا لبن بكر ، وإنّما يمتنع في اللفظيّة المؤثّرة لفظا ، وهذا قول ابن الطراوة ، وخرج بتقييد المسألة بمعمولي عاملين ، العطف على معمولي عامل واحد ، وعلى معمولي أكثر من عاملين.
قال ابن هشام وغيره : أجمعوا على جواز العطف على معمولي عامل واحد ، نحو : إنّ زيدا ذاهب وعمرا جالس ، وعلى معمولات عامل ، نحو : أعلم زيد عمرا بكرا
__________________
(١) هما اللأعور الشني. اللغة : هوّن : أمر من التهوين وهو عدّ الشيء يسيرا ، الكفّ هنا استعارة عن اليد أي بيد قدرته ، المنهيّ : ضد المأمور.
(٢) سقط «سواء تقدّم» في «ح».