السيد علي خان المدني الشيرازي
المحقق: الدكتور السيد أبو الفضل سجادي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: روح الأمين
الطبعة: ٠
ISBN: 978-964-518-296-8
الصفحات: ٩٤٧
الواو عليها ، كما فعل صاحب جروميّة (١) ، وغيره ، لكنّه أراد أن يرتّب على تقديمها تقديم المثنّي على المجموع في المواضع الّتي تنوب فيها هذه الفروع كما سيأتي ، فقدّمها فما خلا ذلك عن فائدة.
«و» الثالثة : «الواو» ، وهي أيضا فرع نائب عن الضّمّة عند تعذّرها لكونها متولّدة منها عند إشباعها ، كما قلنا ، فهي بنتها.
«و» الرابعة : «النّون» ، وهي أيضا كذلك ، لكونها مقاربة للواو في المخرج ، ولهذا تدغم فيها ، ولكلّ من هذه العلائم مواضع تخصّها.
فأمّا «الضمّة» فتكون علامة للرفع أصالة «في» أربعة مواضع : أحدها : «الاسم المفرد» ، والمراد به ما ليس مثنّى ولا مجموعا ولا من الأسماء السّتّة منصرفا كان ، نحو : جاء زيد ، أو غير منصرف ، نحو : قال إبراهيم. لمؤنّث ، نحو : جاءت هند ، أو مذكّر ، كما مرّ ، ظاهرة فيه الضمّة ، أو مقدّرة ، كقام عمرو ، وقال موسى.
تنبيه : قال بعضهم : استشكل هذا الإطلاق بأنّ من المفرد ما لا يرفع بالضمّة ، كملحقات المثنّي والمجموع ، ويمكن الجواب بأنّ هذه القاعدة وأمثالها غالبيّة ، وبأنّ الألف واللام في المفرد للجنس ، ولأنّ المراد بالمثنّى ما يشمل المثنّى حقيقة أو حكما ، وكذا المجموع.
جمع التكسير : «و» ثانيها : «الجمع المكسّر» ، وهو ما تغيّر فيه بناء مفرده إمّا بزيادة ليست عوضا ، كصنو وصنوان ، أو نقص كتخمة وتخم ، أو بتغيير شكل من غير زيادة ولا نقصان ، كأسد وأسد ، أو مع زيادة كرجل ورجال ، أو مع نقص كرسول ورسل ، أو معهما ، كغلام وغلمان ، تحقيقا كما مرّ ، أو تقديرا ، كفلك ، ممّا الجمع والواحد فيه متّحدان في الصورة ، نحو (فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) [الشعراء / ١١٩] ، (وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ) [فاطر / ١٢].
فالضّمّة فيه إذا كان مفردا ضمّة قفل ، وإذا كان جمعا ضمّة أسد ، وأمّا جنب وإن كان يطلق على الواحد والجمع بلفظ واحد ، نحو : زيد جنب ، والزيدان جنب ، والزّيدون جنب ، فإنّهم لم يعدّوه من هذا الباب ، وإن أمكن التقدير فيجعل جنب المفرد ، كعنق ، والجمع ككتب ، وذلك لأنّه لم تسمع له تثنية تقوم دليلا على أنّهم قصدوا تغيير اللفظ عند أختلاف مدلولاته ، بل استعمل بلفظ واحد في الحالات الثلاث ، بخلاف فلك ،
__________________
(١) صاحب الجروميّة هو محمد بن محمد بن داود الصنهاجي النحويّ المشهور بابن آجروم ، كانت وفاته سنة ٧٢٣ ه. المصدر السابق ، ١ / ٢٣٨.
فإنّه سمع تثنيته حيث قيل : فلكان ، فدلّ ذلك على أنّهم قصدوا تغيير اللفظ عند اختلاف المدلول ، فسلك بالجمع سبيل المثنّي تقديرا فكان الفرق واضحا ، وأمّا من ثنّى جنبا ، فقد جمعه أيضا. قال ابن مالك في باب أمثلة الجمع من التسهيل : والأصح كونه ، يعني باب فلك ، اسم جمع مستغنيا عن تقدير التغيير ، انتهى.
تنبيهان : الأوّل : ما ذكرناه من التقسيم هو تقسيم ابن مالك ، واعترض عليه بأنّه لا تحرير فيه ، لأنّ صنوان من باب زيادة وتبديل شكل ، وتخم من باب نقص وتبديل شكل ، لأنّ الحركات الّتي في الجمع غير الحركات الّتي في المفرد ، قاله المراديّ. ويجاب عنه بأنّه نظر إلى ظاهر اللفظ ، أو أنّه لا يري تقدير التغيير كما يؤخذ من كلامه ، قاله في التصريح ، وفي الجواب الثاني نظر.
الثاني : يرد على إطلاق المصنّف أنّ من جمع التكسير ما لا يرفع بالضّمة كملحقات جمع المذكّر السالم ، نحو : سنين وأرضين ، ويجاب بأنّ هذه القاعدة وأمثالها غالبيّة ، كما تقدّم ، وبأنّ المراد بجمع التكسير جنسه.
فائدتان : الأولى : يفارق جمع التكسير جمع السلامة في أربعة أشياء ، أحدها : أنّ جمع السلامة يختصّ بالعقلاء ، والتكسير لا يختصّ ، والثاني : أنّه يسلم فيه بناء المفرد ، ولا يسلم في التكسير ، والثالث : أنّه يعرب بالحروف ، وجمع التكسير بالحركات ، والرابع : أنّ الفعل (١) المسند إلى جمع السلامة لا يؤنّث ، ويؤنّث مع التكسير ، قاله أبو البقاء (٢) ، وذكره في التصريح.
الثّانية : مطلق الجمع على ضربين : قلّة وكثرة ، والقلّة : أفعال وأفعل وأفعلة وفعلة ، ومطلق الصحيح وما عدا ذلك جمع كثرة ، والمراد بالقليل من الثلاثة إلى العشرة ، وغير ذلك كثير ، وقد نظم بعضهم (٣) جموع القلّة ، فقال [من الطويل] :
٦٢ ـ ألا إنّ أفعالا مثالا وأفعلا |
|
وفعلة للجمع القليل وأفعلة |
كحمل وأحمال وفلس وأفلس |
|
وفتية صدق والقذال وأقذلة |
ومن جمعه الجمع المصحح كله |
|
كزيدون والهندات نحوك مقبلة |
جمع المؤنّث السالم : «و» ثالثها «الجمع المؤنّث السالم» : وهو ما سلم فيه بناء مفرده ، سواء كان اسما أو وصفا ، وعبّر بعضهم بما جمع بألف وتاء مزيدتين ، وهو أولي ،
__________________
(١) سقط الفعل في «ح».
(٢) عبد الله الحسين أبو البقاء العكبري البغداديّ الضرير النحوي ، صنّف : إعراب القرآن ، اللباب في علل البناء والإعراب و... مات سنة ٦١٦ ه ق. المصدر السابق ٢ / ٣٨.
(٣) «بعضهم» سقط في «س».
ليشمل ما كان مفرده مذكّرا ، كاصطبلات وحمامات ، وما سلم فيه بناء الواحد ، وما تغيّر فيه ذلك ، كسجدات.
لا يقال : يردّ ذلك على تعبير المصنّف ، لأنّا نقول : التعبير به جري على الغالب ، أو إنّ في الكلام حذف مضاف ، أي صيغة جمع المؤنّث السالم أو حذف معطوف ، أي الجمع المونث السالم ، وما على صيغته ، فلا يخرج ما جمع بألف وتاء من جمع المذكّر ، ولا ما تغيّر (١) فيه بناء مفرده ، لأنّ صيغته صيغة جمع المؤنّث السالم في عرف النحاة ، وإن كان في الحقيقة جمع مذكّر أو مكسّر ، أو إنّه لم يلتفت لما جمع بالألف والتاء من جمع المذكّر أو المكسّر لقلّته.
ودأبهم المألوف ذكر ما هو الأغلب والأكثر ، لا ما هو الأقلّ والأندر ، أو إنّ المراد بجمع المؤنّث السالم ما جمع بألف وتاء مزيدتين مجازا بطريق ذكر الملزوم (٢) وإرادة اللازم ، لأنّ جمع المؤنّث السالم في عرف النحاة واقع على الجمع بالألف والتاء ، والملازمة العرفيّة تكفي في صحّة المجاز.
فإن قلت : فيلزم أن يكون جمع المؤنّث السالم مستعملا إمّا حقيقته ومجازه أن استعمل فيهما جميعا ، أو في مجازه فقط أن استعمل في معنى شامل لهما ، وعلى التقديرين يلزم المجاز على الخلاف في جواز الأوّل؟ قلت : هو مجاز مشهور على أنّه يمكن أن يدّعي أنّ نحو : اصطبلات وحبليات جمع مؤنث سالم حقيقة عرفيّة لا مجاز.
تنبيهات : الأوّل : قوله السالم صفة للجمع كما قال بعضهم. وجوّز بعض المحقّقين كونه صفة للمؤنث ، فإنّه موصوف بالسلامة حقيقة ، لأنّه واقع على المفرد.
الثاني : أورد على قولهم : ما جمع بألف وتاء مزيدتين ، أنّ الّذي جمع بهما هو المفرد ، وليس هو المراد في مقام الجمع المذكور ، وأجيب بأنّ الّذي جمع بها معناه الّذي وقع عليه ما يجمع بهما ، وهو المجموع بهما فهو المفرد بوصف ضمّ غيره إليه ، لا المفرد قبل ضمّ.
ضابط فيما يجمع بألف وتاء قياسا : ضابط الّذي يجمع بألف وتاء قياسا (٣) مطّردا خمسة أنواع : أحدها ذو التاء مطلقا إلا نحو : شاة وشفة وأمة ومرآة وامرأة وفلانة وفلة (٤) ، ونقل في أمة : أميات وأموات ، ويحتاج إلى نقل من العرب : الثاني : علم المؤنّث مطلقا
__________________
(١) ولا تغيّر «ط».
(٢) بطريق الملزوم «س».
(٣) سقط قياسا في «س».
(٤) الفلّة : الثلمة في السيف وجمعها فلول.
إلا قطام على لغة من بني ، واشترط ابن أبي الربيع (١) العقل ، الثالث : صفة مذكّر لا يعقل بخلاف صفة المؤنّث والعاقل ، الرابع : مصغّره بخلاف مصغّر المؤنّث ، الخامس : اسم الجنس المؤنّث بالألف إلا فعلاء فعلان أو أفعل غير منقولين إلى الاسميّة.
وتجمع حروف المعجم ، فما كان فيه ألف جاز قصره ومدّه بالإجماع ، فيقال فيه على القصر : بيات ، بقلب الألف المقصورة ياء ، وعلى المدّ باءات بالإقرار بالهمزة.
الفعل المضارع : «و» رابعها (٢) الفعل «المضارع» الّذي لم يتّصل به ما يوجب بناءه ، كما مرّ ، أو ينقل إعرابه ، كما إذا اتّصل به ضمير تثنية ، أو ضمير جمع أو ضمير المؤنّث المخاطبة ، فيكون علامة رفعه ما ستعرفه ، ولا فرق بين أن يكون الفعل المضارع المذكور صحيح الأخر أو معتلّا ، فإذا كان معتلّا ، كانت الضمّة فيه مقدّرة نحو : يدعو ويخشى ، كما سيأتي.
المثنّى : «و» أمّا «الألف» فتكون علامة للرّفع نيابة عن الضمّة «في» موضع واحد ، وهو «المثنّى» ، وحدّه المصنّف تبعا لابن هشام في الأوضح (٣) بقوله : «وهو ما دلّ على اثنين ، وأغني عن متعاطفين». قال شارحه فقوله : «ما» وضع جنس ، وقوله : لاثنين فصل أوّل مخرج لما وضع لأقل كرجلان ، أو لأكثر كصنوان ، وقوله : «أغني عن المتعاطفين» فصل ثان مخرج لنحو : كلا وكلتا واثنين واثنتين وشفع وزوج وزكا (٤) بالتنوين اسم للشيئين ودخل فيه نحو : القمران للشمس والقمر ، انتهى.
واعترض بعضهم على هذا التعريف بأنّه صادق على الضمير في أنتما وعلى اثنين واثنتين ، إذ هي مغنية عن أنت وأنت ، وعن رجل ورجل ، وامراة وامرأة ، وفي صدقه على الأخيرين بحث ، إذ ما صدق كلّ من الاثنين والاثنتين ذات متّصفة بالأثنينية مطلقا ، دون تعرّض لكونه رجلا أو امرأة ، فتدبّر.
القمرين والعمرين : وزاد بعضهم في الحدّ قوله من لفظه احترازا عن القمرين والعمرين من ألفاظ التغليب ، فليس مثنّى ، بل ملحق به ، وسكوت المصنّف عن ذلك و
__________________
(١) عبد الله بن أحمد أبو الحسين بن أبي الربيع ، إمام أهل النحو في زمانه ، صنّف : شرح الإيضاح ، شرح سيبويه ، المخلص ، القوانين ، كلاهما في النحو. مات سنة ٦٨٨ ه ق. المصدر السابق ٢ / ١٢٥.
(٢) يعني الرابع من الكلمات الّتي ترفع بالضمة.
(٣) «أوضح المسالك إلى الفية ابن مالك» شرح علي الالفية لابن هشام ، كشف الظنون ١ / ١٥٤.
(٤) الزكا : الزوج من العدد.
عدم عدّه في الملحقات دالّ على إدخاله في حدّ المثنّى ، والمسألة موضع خلاف ، فمن أخرجه من باب المثنّى ، وأدخله في ملحقاته ابن مالك في تسهيل ، حيث قال : وما أعرب إعراب المثنّى مخالفا لمعناه ، أو غير صالح للتجريد ، وعطف مثله عليه ، فملحق به.
وقال ابن هشام : والّذي أراه أنّ النّحويّين يسمّون هذا النوع مثنّى لعدم ذكرهم له فيما حمل على المثنّى ، وأوضح ذلك في بعض تعإليقه بزيادة ، فقال : إخراج هذا النوع من باب المثنّى لا يعرف بغير ابن مالك ، ولا نجد أحدا يذكره فيما حمل على المثنّى سواه ، لعلمهم بشمول اسم المثنّى له ، وذلك أنّما جاز بعد أن قدّر تسمية الشمس قمرا ونحوه ، انتهى.
فإن قلت : هذا إنّما يصحّ عند من لم يشترط اتّفاق المعنى في التثنية كابن مالك تبعا لابن الأنباريّ ، وأمّا عند من اشترطه فلا يصحّ ، وقد ذهب إلى اشتراطه أكثر المتأخّرين ، فلا يقال : العينين للشمس والذهب ، ولحّنوا الحريري (١) في قوله [من الخفيف] :
٦٣ ـ جاء بالعين حين أعمي هواه |
|
عينه فانثني بلا عينين |
قلت : قال العلامة التفتازانيّ في شرح التخليص (٢) بناء على هذا القول يكون مجازا.
التغليب من المجاز : وجميع باب التغليب من المجاز ، لأنّ اللفظ لم يستعمل فيما وضع له ، وقال في شرح المفتاح وأمّا بيان التغليب والعلاقه فيه وإنّه من أيّ نوع منه فلم أر أحدا حام حوله ، انتهى.
المشاكلة : وقال الدمامينيّ في المنهل أقول : يمكن أن يجعل ما نحن فيه من قبيل المشاكلة ، فعبّر عن مدلول أبي بكر مثلا بلفظ عمر ، وعن مدلول الشمس بلفظ القمر لوقوعه في صحبته تخفيفا ، وظاهر كلامهم في المشاكلة أنّ جهة التجوّز في وقوع مدلول هذا اللفظ في صحبة الأخر تحقيقا أو تقديرا ، فهو من قبيل ما العلاقة فيه المجاورة ، انتهى.
وكون ما ذكره ، هو ظاهر كلامهم في جهة التجوّز ليس على إطلاقه ، قال المحقّق الشريف (٣) في شرح المفتاح : المشاكلة هي أن يذكر الشئ بلفط غيره لوقوعه في صحبته ،
__________________
(١) القاسم بن علي الأمام أبو محمد الحريري ، كان في غاية الذكاء والفطنة والفصاحة والبلاغة ، من تصانيفه : درة الغواص في أوهام الخواص ، الملحمة وشرحها ، المقامات و... مات سنة ٥١٦ ه. المصدر السابق ٢ / ٢٥٧.
(٢) تلخيص المفتاح في المعاني والبيان للشيخ الامام جلال الدين محمد قزويني المتوفّى سنة ٧٣٩ ه. فكتب العلماء له شروحا منها شرح العلّامة سعد الدين التفتازاني ، المتوفّى سنة ٧٩٢ ه. كشف الظنون ١ / ٤٧٣.
(٣) هو السّيّد الشريف علي بن محمد الجرجاني المتوفّى سنة ٨١٦ ه ق ، وهو من الّذين شرح مفتاح العلوم للعلّامة السكاكي المتوفّى سنة ٦٢ ه المصدر السابق ١٧٦٣ ، ٢.
فإن كان بين ذلك الشئ والغير علاقة مجوّزة للتجوّز من العلاقات المشهورة ، فلا إشكال ، وتكون المشاكلة موجبة لمزيد الحسن ، كما بين السيئة وجزائها ، وإن (١) لم تكن فلا بدّ أن يجعل الوقوع في الصحبة علاقة مصحّحة للمجاز في الجملة ، وإلا فلا وجه للتعبير عنه ، انتهى.
وفي فصول البدائع والتحقيق (٢) إنّ عدّ الصحبة علاقة باعتبار أنّها دليل المجاورة في الخيال فهي العلاقة في الحقيقة ، وإلا فالمصاحبة في الذكر بعد الاستعمال ، والعلاقة تصحّح الاستعمال فتكون قبله ، انتهى.
اشكال التغليب مطلقا من باب المجاز : تنبيهات : الأوّل : قال بعض المحقّقين هاهنا إشكال ، وهو أنّ التغليب مطلقا من باب المجاز ، كما صرّح به ، ولا يخفى أنّ فيه جمعا بين الحقيقة والمجاز ، لا يقال : الكلّ معنى مجازيّ ، إذ اللفظ لم يوضع له ، لأنّا نقول : فيلزم أن لا يوجد أصلا لجريان هذه العلّة في كلّ جمع ، والجواب ما أشار إليه المحقّق الشريف في حاشية الكشّاف ، وهو أنّ الجمع أنّما يلزم إذا كان كلّ واحد منهما مرادا باللفظ ، وهاهنا أريد معنى واحد مركّب من المعنى الحقيقيّ والمجازيّ ، ولم يستعمل اللفظ في واحد منهما ، بل في المجموع مجازا ، ولا يلزم جريان ذلك في جميع المعاني الحقيقية والمجازيّة ، لجواز أن لا يكون هناك ارتباط يجعلها معنى واحدا عرفا يقصد إليه بإرادة واحدة في استعمالات الألفاظ ، انتهى.
نحو القمرين والعمرين يحفظ ولا يقاس عليه : الثاني : هذا النوع من نحو القمرين والعمرين مسموع يحفظ ، ولا يقاس عليه ، ثمّ تارة يغلب الأشرف ، كالأبوين ، وتارة الأخفّ كالعمرين ، وتارة الأعظم ، نحو : مرج البحرين. قال في الهمع : وإنّما كان هذا من قبيل التغليب ، لأنّ المراد بالبحرين الملح والعذاب ، والبحر خاصّ بالملح ، كذا قيل ، ودعوى اختصاصه به مبنيّة على المشهور ، وإلا فقد صرّح جماعة من أهل اللغة أنّ البحر هو الماء الكثير ، ملحا كان ، أو عذبا ، فعلى هذا لا يكون من باب التغليب.
يشترط في كلّ ما يثنّى عند الأكثرين سبعة أمور : الثالث : يشترط في كلّ ما يثنّى عند الأكثرين سبعة أمور : الإفراد والاعراب وعدم التركيب والتنكير ، فالعلم ينكّر ثمّ
__________________
(١) من الغير حتى هنا سقط في «س».
(٢) ما وجدت هذا العنوان.
يثنّى ، واتّفاق اللفظ والمعنى ، وقد علمت ما فيها ، وأن لا يستغنى بتثنيته غيره عن تثنيّته ، فلا يثنّى سواء استغناء بسيّان ، وهذه الشروط تعتبر في الجمع أيضا كما صرّح به في الهمع وغيره.
حكم بنية الاسم إذا ثنّي : الرابع : الاسم إذا ثنّي ، وكان صحيحا غير مهموز ، أو منزّلا مترلته لحقته العلامة من غير تغيير ، كرجلان وامراتان ودلوان وظبيان ، وشذّ إليان (١) وخصيان ، أو مهموزا ، فإن كان ما قبل الهمزة ألف زائدة ، والهمزة أصل أقرّت ، كقرّاءان في قرّاء ، بضمّ القاف وتشديد الرّاء المهملة ، وهو الناسك ، أو مبدلة من أصل ، فإقرارها أولي ككساءان في كساء أصله كساو ، وشذّ كسايان ، أو ملحقة بأصل ، فقلبها واوا أولى ، كعلياوان في عليا ، أصلها علياي بياء ، لتلحقها بقرطاس ، ثمّ أبدلت الياء همزة ، أو بدل من ألف التأنيث كحمراوان في حمراء ، أو كان معتلا منقوصا لحقته العلامة من غير تغيير أيضا سواء ردّ ياؤه كقاضيان في قاض ، أو مقصورا ، فألفه إن كانت زائدة على ثلاثة ؛ أو بدلا عن ياء ، أو مجهولة الأصل ، وأميلت ، قلبت ياء كجبليان في حلبى ، وفتيان في فتى ، ومتيان في متى مسمّي به ، وإلا فواوا كعصوان في عصى وكذوان في كذا مسمّى به.
ملحقات : «وملحقاتة» أي ملحقات المثنّى ، والمراد بها ألفاظ شابهته في الدلالة على معناه ، وليست منه ، لفقد ما اعتبر فيه من الشروط ، وهي خمسة ألفاظ ، «كلا» للمذكّرين ، و «كلتا» للمؤنّثين ، ولا ينفكّان عن الإضافة إلى ظاهر أو مضمر ، وإنّما يكونان ملحقين للمثنّي حال كونها «مضافين» التذكير مبنيّ على التغليب أو التأويل «إلى مضمر» ، وهو ثلاثة ألفاظ : كما وهما ونا ، نحو : كلاكما وكلاهما وكلانا ، فلا تكون الألف فيهما علامة للرفع ، ما لم يكونا كذلك ، وأمّا إذا أضيفا إلى ظاهر ، فألفها لازمة ، وإعرابهما بحركات مقدّرة عليهما ، لأنّها لا تقبل الحركات ، وذلك لأنّهما باعتبار لفظهما مفردان ، وباعتبار معناها مثنّيان ، فلفظهما يقتضي الإعراب بالحركات ، ومعناهما يقتضي الإعراب بالحروف ، فروعي فيهما كلا الاعتبارين.
__________________
(١) الإلى : النعمة.
فإذا أضيفا إلى الظاهر الّذي هو الأصل روعي جانب لفظهما الّذي هو الأصل وأعربا بالحركات الّتي هي الأصل ، نحو : جاءني كلا أخويك ، رأيت كلا أخويك ، ومررت بكلا أخويك.
وإذا أضيفا إلى المضمر الّذي هو الفرع روعي جانب معناهما الّذي هو الفرع أعربا بالحروف (١) الّتي هي الفرع ، نحو : جاءني كلاهما ورأيت كليهما مررت بكليهما. ووراء هذه التفرقة اطلاقان : أحدهما : الإعراب بالحروف مطلقا ، وهي لغة كنانة (٢) والثاني : الإعراب بالحركات مطلقا ، وهي لغة بلحارث (٣) ، حكاها الفرّاء وغيره. قال الرضّي ولا أدري ما صحّته ، انتهى.
وزعم بعضهم أنّهما في لغة الجمهور معربان بحركات مقدّرة ، وأنّ انقلاب ألفهما جرّا ونصبا للتشبيه بألفي «على ولدى» قال ابن مالك : وفي لغة كنانة دليل على ضعف هذا القول.
تتمّة : ولكون كلا وكلتا مفردين لفظا مثنّين معنى ، جاز في ضميرهما الحمل على اللفظ مرّة ، وعلى المعنى [مرّة] أخرى ، وقد اجتمع الأمران في قوله [من البسيط] :
٦٤ ـ كلاهما حين جدّ الجري بينهما |
|
قد أقلعا وكلا أنفيهما رابي (٤) |
وقال الله تعإلى : (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ) [الكهف / ٣٣] ، ثمّ قال (وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً) [الكهف / ٣٣]. قال ابن طاهر (٥) : وقوم لا يجيزون كلاهما قام ، لأنّهم جعلوها مثنّى حقيقة.
والثلاث الملحقات الاخر ، «اثنان» للمذكّرين و «فرعاه» وهما اثنان في لغة الحجاز وثنتان في لغة تميم (٦) ، وكلاهما للمؤنّثين ، ولم يقيّدهما بما مرّ في الملحقين السابقين ، لأنّها ملحقة بالمثنّى مطلقا ، سواء أضيفت إلى مضمر أم لا ، لأنّ وضعها وضع المثنّى ، وإن لم تكن مثنّيات حقيقة ، إذ لم يثبت لها مفرد ، لا يقال : اثن ولا اثنت ولا ثنت.
__________________
(١) «روعي جانب معناهما الّذي هو الفرع» محذوف في «م وط».
(٢) كنانة من القبائل العربية من عرب الشمال أو العدنانيون. الجامع في تاريخ الأدب العربي ١ / ٧٩.
(٣) من القبائل العربية.
(٤) البيت للفرزدق في صفة فرسين ، اللغة : الجري : السير ، أقلعا : كفّا عن الجري ، الرابي : اسم الفاعل من ربا يربو. وربو الأنف ارتفاعه عند التعب من جري ونحوه.
(٥) محمد بن طاهر ، أبو عبد الله الانصاري الأندلسي ، عالم بالعربية ، من كتبه «عين الذهب من معدن جوهر الأدب في علم مجازات العرب» و «كتاب التحصيل» مات سنة ٥١٩ ه. الأعلام للزركلي ، ٧ / ٤٢.
(٦) تميم من قبائل عرب الشمال أو العدنانيون. الجامع في تارخ الأدب العربي ، ١ / ٧٩.
تنبيهات : الأوّل : قيل : هذا الإطلاق يوهم جواز إضافة الثلاثة إلى كلّ ضمير ، وليس كذلك ، فإنّها لا تضاف إلى ضمير مثنّى ، فلا يقال : جاء الرجلان اثناهما ، والمراتان اثنتاهما أو ثنتاهما ، قياسا على جاءني ثلاثتهم ، لأنّ ضمير الثنية نصّ في الاثنين ، فإضافة الاثنين إليه من إضافتة الشئ إلى نفسه ، وقد أجبت عن ذلك في شرح الإرشاد (١) ، وأوردت ما ذكره الحريري في درّة الغواص في هذا البحث وتكلّمت عليه فليرجع إليه.
الثاني : ألحق بالمثنّى أيضا ما سمّي به كزيدان علما ، فيرفع بالألف كهو ، وينصب ويجرّ بالياء مثله أيضا كما سيأتي ، ويجوز فيه أن يجري مجري سلمان ، فيعرب إعراب ما لا ينصرف للعلميّة وزيادة الألف والنون ، وإذا دخل عليه الألف واللام جرّ بالكسر.
الكلام على نون المثنّى : الثالث : نون المثنّى لا يجوز إلّا كسرها مطلقا عند البصريّين ، وأجاز الكسائيّ والفرّاء فتحها مع الياء لا مع الألف ، وأجازه بعضهم. وضمّها مع الألف لغة وأمّا مع الياء فلا يجوز حكاه الشيبانيّ (٢).
وقيل من العرب من يجعلها معقّب الإعراب ، فعلى هذا تفتح مع الياء نصبا وتكسر جرّا ، وحذفها للاضافة ، كثير ، ولشبه الإضافة في اثني عشر واثنتي عشره ولتقدير الإضافة ، نحو : رأيت يدي ورجلي زيد. ولتقصير الصلة مطلقا عند سيبويه والفرّاء خلافا للمبرّد ، إذ قصر ذلك على قولك : اللذا واللتا ، قاله في الإرتشاف.
جمع المذكّر السالم : «و» أمّا «الواو» فتكون علامة للرفع نيابة عن الضمة «في» موضعين : أحدهما «الجمع المذكّر السالم» ، وهو ما دلّ على أكثر من اثنين بزيادة في آخره ، مع سلامة بناء مفرده ، ومن ثمّ سمّي سالما ، ويسمّى بالجمع الّذي على حدّ المثنّى لشبهه له في كونه أعرب بحرفين ، وسلم فيه الواحد ، وختم بنون تحذف للإضافة ، وقد يقال له : الجمع بالواو والنّون تسمية له باشرف حإليه ، والجمع على هجائين لكونها يأتي على وجهين : تارة بالواو ، وتارة بالياء. قال السخاويّ (٣) في شرح المفصّل : وقد عدّ بعضهم لهذا الواو ثمانية معان ، فقال : هي علامة الجمع والسلامة و
__________________
(١) موضّح الرشاد في شرح الإرشاد : كتاب في النحو ، من مولّفات الشارح.
(٢) إسحاق بن مرار الشيباني لغويّ أديب من الكوفة ، جمع أشعار نيف وثمانين قبيلة من العرب ، من تصانيفه «كتاب اللغات» و «النوادر في اللغة» مات سنة ٢٦٠ ه. الأعلام للزركلي ١ / ٢٨٩.
(٣) علي بن محمد أبو الحسن السخاوي ، كان اماما علامة بصيرا بالقراءات إماما في النحو واللغة له من تصانيف : شرحان علي المفصّل ، شرح أحاجي الزمخشري النحوية ، مات سنة ٦٤٣ ه ، بغية الوعاة ٢ / ١٩٢.
العقل والعلميّة والقلّة والرفع وحرف الإعراب والتذكير ، انتهى ، وفيه من المساحمة لا يخفى.
ويشترط في كلّ ما يجمع هذا الجمع ثلاثة شروط : أحدها : الخلوّ من تاء التأنيث ، فلا يجمع نحو : طلحة وعلّامة. الثاني : أن يكون لمذكّر فلا يجمع نحو : زينب ، ولا حائض ، الثالث : أن يكون لعاقل فلا يجمع نحو واشق علما للكلب ، وسابق صفة لفرس. ثمّ يشترط أن يكون إمّا علما غير مركّب تركيبا إسنادّيا ولا مزجيّا ، فلا يجمع نحو : برق نحره ومعدي كرب ، وإمّا صفة تقبل التاء ، أو تدلّ على التفضيل ، نحو : قائم ومذنب والأفضل ، فلا يجمع هذا الجمع (١) نحو : جريح وصبور وسكران وأحمر ، قاله ابن هشام في الأوضح.
تنبيهات : الأوّل : ينبغي تقييد تاء التأنيث بكونها غير عوض ، فلو كانت عوضا عن فاء الكلمة نحو : عدة ، أو لامها نحو : ثبة ، وجعلت ما هي فيه علما جاز جمعه بالواو والنّون ، كعدون وثبون ، ما لم يكسر قبل العلميّة كشفة ، فيلزم تكسيرة كشفاة ، أو يعتل لامه كدية ، فيلزم جمعه بالألف والتاء كديات ، هذا مذهب سيبويه ، وخالف المبرّد ، فقال : لا يجوز في عدة إلا عدات ، ولا يجوز عدون.
الثاني : قال ابن مالك : المراد بالمذكّر المسمّى لا اللفظ ، فإنّ تذكير الأسماء ليس شرطا في هذا الباب ، بل الشرط خلوّه من تاء التأنيث ، فلو سمّيت رجلا بزنيب وسعدى ، جاز أن يقال في جمعة : زينبون ، كما لو سمّي بزيد مؤنّث جمع بالف وتاء كزيدات.
الثالث : التصغير قائم مقام الوصف ، فلذلك لو صغّر رجل وغلام جمع بالواو والنون ، مع أنّه ليس بعلم ولا صفة ، وذلك لأنّ التصغير وصف في المعنى ، قاله المرادي ، وكذا المنسوب ، نحو : بصريّ وبصريون.
الرابع : ما وقع في الأوضح من التّعبير بلفظ العاقل هو المشهور ، وقال غير واحد : الأولي التعبير بالعالم ليشتمل : (فَنِعْمَ الْماهِدُونَ) [الذاريات / ٤٨] ، إذ لا يطلق عليه تعإلى أنّه عاقل لإيهام العقل المنع من القبائح الجائزة على صاحبه ، تعإلى الله عنها علوّا كبيرا ، قيل : وفيه إنّه ليس قياسا بل مقصورا على السماع ، صرّح به في التسهيل (٢) ، وإنّه جمع مجازي بجعل الواحد بمترلة متعدّد ، فتأمّل.
الخامس : اشترط المازنيّ في العلم أن لا يكون معدولا ولا يجوز في نحو : عمر أن يجمع هذا الجمع ، بل أن لا يثنّى ، ولا يجمع مطلقا ، والجمهور على خلافة.
__________________
(١) من كلمة برق نحره حتي هنا سقط في «س».
(٢) تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد في النحو لابن مالك المتوفّى سنة ٦٧٢ ، كشف الظنون ١ / ٤٠٥.
فإن قلت : الاسم العلم إذا جمع زالت العلميّة منه ضرورة أنّ تثنية العلم وجمعه يقتضي إخراجه عن حقيقة كونه علما إذ يصير نكرة ، لأنّ العلم إنّما يكون معرفة على تقدير أفراده لموضوعه لكونه لم يوضع علما إلا مفردا فهو دالّ على الوحدة ، والتثنية والجمع يدلّان على التعدّد ، والوحدة والتعدّد متضادّان ، قلت : أجيب بأنّ معنى كلامهم أنّ الاسم إذا كان علما بشروطه صحّ إيراد الجمع عليه ، وذلك بعد أن تنكّره ، وليس المراد أنّه يبقي علما ، ويجمع على تلك الحال فيؤوّل الأمر إلى أنّ ما يشترط وجوده شرط للإقدام على الحكم ، وعدمه شرط لثبوت ذلك الحكم.
لغز للبدر الدمامينيّ : وقد نظم الدّمامينيّ في ذلك لغزا فقال [من الطويل] :
٦٥ ـ أيا علماء الهند لا زال فضلكم |
|
مدي الدّهر يبدو في منازل سعده |
ألمّ بكم شخص غريب لتحسنوا |
|
بإرشاده عند السؤال لقصده |
وها هو يبدي ما تعسّر فهمه |
|
عليه لتهدوه إلى سبل رشده |
فيسأل ما أمر شرطتم وجوده |
|
لحكم فلم تقض النحاة برده |
فلمّا وجدنا ذلك الأمر حاصلا |
|
منعتم ثبوت الحكم إلا بفقده |
وهذا لعمري في الغرابة غاية |
|
فهل من جواب تنعمون بسرده |
السادس : قال بعضهم : إن أريد بجمع المذكور ما هو جمع في الأصل أو في الحال ورد عليه جمع جعلت نونه معتقب الإعراب ، نحو : قنسرين (١) ، فإنّه يعرب بالحركات ، والياء ملتزمة كالألف في المثنّى ، كذلك وإن أريد الجمع في الحال خرج الجمع العلم المعرب بالواو والياء ، انتهى. وأجاب بعض المحقّقين باختيار الأخير ، ولا يضرّ خروج الجمع العلم لأنّه شاة.
السابع : حكم الاسم إذا جمع هذا الجمع كما إذا ثنّي من لحوق العلامة من غير تغيير ولا يستثنى إلا المنقوص والمقصور ، فإنّ آخرهما يحذف لالتقاء الساكنين ، ثمّ يضمّ ما قبل آخر المنقوص في الرّفع ، ويكسر في غيره مناسبة للحرف ، نحو : جاء القاضون ، ورأيت القاضين ، ومررت بالقاضين ، ويفتح ما قبل آخر المقصور دلالة على ما حذف ، نحو : (وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ) [ص / ٤٧].
__________________
(١) القنسر : الكبير المسن والقديم.
ملحقات الجمع المذكّر السالم : و «ملحقاته» وقد مرّ معناها ، وهي أربعة أنواع :
أحدها : أسماء جموع ، وهي «أولو» بمعنى صاحب ، اسم جمع ، لا واحد له من لفظه ، بل من معناه ، وهو ذو كقوله تعإلى : (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ.) [النور / ٢٢] ، وتكتب بواو بعد الهمزة (١) حملا على أولى ، وكتبت أولى بالواو لئلّا تشتبه بإلى.
عشرون وبابه : و «عشرون وبابه» وهو سائر العقود إلى تسعين بإدخال الغاية ، فكلّها أسماء جموع ، وليس عشرون جمعا لعشرة ، ولا ثلاثون جمعا لثلاثة ، وإلا لصحّ إطلاق عشرين على ثلاثين ، وثلاثين على تسعة لوجوب إطلاق الجمع على ثلاثة مقادير الواحد ، وعلى هذا القياس البواقي ، وأيضا هذه الكلمات تدلّ على معان معيّنة ، ولا تعيين في معاني الجموع كذا قيل.
قال بعض المحقّقين وفي كلا التعليلين نظر. أمّا الأوّل فإن أريد الإطلاق على سبيل الحقيقة ، فالصحّة على ثلاثين ممنوعة لجواز كون عشرين منقولا عرفيّا من معنى الجمع إلى هذا العدد المعيّن ، وإطلاق المنقول على المعنى الأصليّ مجاز ، وإن أريد به الإطلاق على سبيل الحقيقة وعلى سبيل المجاز فمسلم ، لكن بطلان الثاني ممنوع لجواز أن يكون استعمال عشرين في ثلاثين على سبيل المجاز ، وقس على ذلك أخواتها. وأما الثاني فإن أريد أنّه لا تعيين في المجموع أصلا فهو ممنوع لجواز وضع الجمع لشئ معيّن ، وإن أريد أنّه لا تعيين في الجموع من حيث إنّها جموع فمسلّم ، لكن لا يلزم منه عدم كون عشرين جمعا ، انتهى.
والأولى أن يقال هذه الأعداد ملتئمة من الأحاد حاصلة من تكرار الأحاد لا من تكرار مراتب الأعداد ، فهذه الأعداد كأولي في أنّها لا واحد لها من لفظها.
عالمون ليس جمعا لعالم بل اسم جمع له ـ والأعراب ليس جمعا لعرب : ومن أسماء الجموع المذكورة عالمون ، بفتح اللام ، اسم جمع لعالم ، وهو ما سوى الله تعالى من الأجناس ، فزيد ليس بعالم ، بل من العالم ، وإنّما لم يكن جمعا لعالم لاختصاصه بمن يعقل ، والعالم عام فيه وفي غيره ، والجمع لا يكون أخصّ من مفرده ، ولذلك أبى سيبويه أن يجعل الأعراب جمع عرب ، لأنّ العرب يعمّ الحاضرين والبادين ، والأعراب خاصّ بالبادين ، وهذا قول ابن مالك ومن تبعه ، وذهب كثير إلى أنّه جمع لعالم فيكون
__________________
(١) بعد الألف «ح».
جمع تصحيح لم يستوف الشروط من حيث إنّ عالما اسم جنس ، وليس بعلم ولا صفة ، وبالجملة فهو من ملحقات الجمع المذكور.
من الملحقات : الثاني : جموع تصحيح لم تستوف الشروط ، منها أهلون ووابلون (١) ، جمع أهل ووابل ، لأنّها ليسا علمين ولا صفتين ، ولأنّ وابلا غير عاقل.
الثالث : جموع تكسير منها أرضون بفتح الرّاء ، جمع أرض ، وسنون بكسر السين جمع سنة بفتحها وبابه ، وهو كلّ ما كان جمعا لثلاثي حذفت لامه ، وعوّض عنها هاء التأنيث ، ولم تكسر كعزة وعزين وعظة وعظين بخلاف نحو : تمرة ، لعدم الحذف ، ونحو عدة وزنة ، لأنّ المحذوف الفاء ونحو : يد ودم ، لعدم التعويض ، وشذّ أبون وأخون ، ونحو : اسم وبنت ، لأنّ العوض غير الهاء ، وشذّ بنون ، ونحو : شاة وشفة لتكسرهما على شياه وشفاة.
الرابع : ما سمّي به منه أو ممّا ألحق به كزيدون علما ، وعلّيّون اسم لأعلى الجنة ، وهو في الأصل جمع علّي ، بكسر العين واللام مع تشديد اللام (٢) والياء ، وزنه فعيل من العلو.
تنبيهات : الأوّل : يجوز في هذا النوع المسمّى به أن يجري مجرى عليين في لزوم الياء ، والإعراب بالحركات ظاهرة على النّون منوّنة إن لم يكن أعجميّا ، فإن كان كقنسرين امتنع التنوين ، وأعرب إعراب ما لا ينصرف ، ودون هذا أن يجري مجرى هارون في لزوم الواو والإعراب على النّون غير منوّنة للعلميّة وشبه العجمة كحمدون ، أو مجري عربون في لزوم الواو والإعراب بالحركات الثلاث على النون منوّنة ، ودون هذا لزوم الواو وفتح النون مطلقا ، ذكره السيرافيّ ، وبعضهم يجري بنين وباب سنين ، وإن لم يكن علما مجرى غسلين بالتنوين على لغة بني عامر ، وبدونه على لغة تميم. قال [من الوافر] :
٦٦ ـ وكان لنا أبو حسن عليّ |
|
أبا برّا ونحن له بنين (٣) |
وقال [من الطويل] :
__________________
(١) الوابل : المطر الشديد الضخم القطر.
(٢) سقط «مع تشديد اللام» في «ح».
(٣) هو لأحد أولاد علي بن ابي طالب (ع) أو لسعيد بن قيس الهمداني. اللغة : البرّ : من أسماء الله تعإلى بمعنى المحسن والصالح. واشار ابن مالك في الألفية إلى هذه ويقول :
والخبر الجزء المتمّ الفائده |
|
كالله برّ والأيادي شاهده |
(شرح ابن عقيل ١ / ٢٠١).
٦٧ ـ دعاني من نجد فإنّ سنينه |
|
لعبن بنا شيبا وشيّبننا مردا (١) |
وبعضهم يطّرد هذه اللغة ، أعني لزوم الياء والإعراب على النون منوّنة في جمع المذكّر السالم وكلّ ما حمل عليه.
الكلام على نون الجمع المذكور وملحقاته : الثاني : نون الجمع المذكور وملحقاته مفتوحة ، وقد تكسر ضرورة ، وقيل : من العرب من يكسرها على الأصل ، وتسقط للإضافة وفي صلة ، كقراءة الحسن (٢)(وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ) [الحج / ٣٥] ، بنصب التاء وفي الّذي كقوله [من الطويل] :
٦٨ ـ وإنّ الّذي حانت بفلج دماؤهم |
|
... (٣) |
أي : وإنّ الّذين ، وقبل لام ساكنة ، كقراءة من قرأ (غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ) [التوبة / ٢] ، بفتح الهاء وفي شذوذ كقراءه الأعمش (٤) وما هم بضاري به [البقرة / ١٠٢] ، وفي ضرورة كقوله [من البسيط] :
٦٩ ـ لو كنتم منجدي حين استعنتكم |
|
... (٥) |
قاله في الإرتشاف.
الأسماء السّتّة : «و» الثاني : «الأسماء الستّة ، وهي أبوه وأخوه وحموها» أنّث الضمير لأنّ الحم قريب المراة من زوجها كأبيه ، وقد يطلق على قريب الرّجل من زوجته كأبيها ، وصرّح في القاموس بإطلاقه عليهما بلا تفصيل. «وفوه وهنوه ، وذو مال» ، أي صاحبه ، ولكن ذو يقتضي تعظيم ما أضيفت إليه ، والموصف بها بخلاف صاحب فيهما.
وأسماء الستّة علم بالغلبة على هذه الأمثلة كلفظ العبادلة في عرف الفقهاء والمحدّثين ، ومنهم من عدّها خمسة بنقص الهن ، منكرا جواز إتمامه والحقّ الجواز في لغة
__________________
(١) البيت للصمة بن عبد الله ، أحد شعراء عصر الدولة الأمويّة. اللغة : دعاني : أتركاني ، الشيب : جمع أشيب ، وهو الّذي وخط الشيب شعر رأسه ، المرد : جمع أمرد وهو من لم ينبت بوجهه شعر.
(٢) الحسن البصري هو الحسن بن يسار البصري ، أبو سعيد ، هو أحد العلماء الفقهاء الفصحاء شب في كنف علي (ع) ، مات سنة ١١٠ ه. الأعلام للزركي ، ٢ / ٢٤٢.
(٣) تمامه «هم القوم كلّ القوم يا أمّ خالد» ، وهو للأشهب بن رميلة ، أو لحريث بن محفض. اللغة : حانت : هلكت ، من الحين ، وهو الهلاك ، فلج : موضع في طريق البصرة ، دماؤهم : نفوسهم.
(٤) سليمان مهران أبو محمد الملقب بالأعمش ، تابعي مشهور ، كان عالما بالقرآن والحديث مات سنه ١٤٨ ه. المصدر السابق. ٣ / ١٩٨.
(٥) تمامه «لم تعدموا ساعدا منّي ولا عضدا» ، وهو مجهول القائل.
قليلة ، ولقلّتها وعدم شهرتها أنكرها من أنكر وكان على المصنّف التنبيه (١) على قلّته لئلا يتوهّم مساواته لهن.
قال ابن مالك : ومن لم ينبّه على قلّته فليس بمصيب ، ولو حظى من الفصل بأوفر نصيب ، وقال غير واحد : الأفصح فيه النقص ، أي حذف الأخر ، وجعل ما قبله آخرا ، فيعرب بالحركات الثلاث ظاهرة عليه.
قال ابن هشام : وهذه اللغة مع كونها أكثر استعمالا هي أفصح قياسا ، لأنّ ما كان ناقصا في الإفراد فحقّه أن يبقي على نقصه في الإضافة كما في يد ، لمّا حذفت لامها في الافراد ، وجعل الإعراب على ما قبل اللام ، استصحبوا ذلك حال الإضافة ، فأعربت بالحركات. قيل : وهو اسم يكنّى به عن أسماء الأجناس كرجل وفرس وغير ذلك ، وقيل : عمّا يستقبح التصريح به ، وقيل : عن الفرج خاصّة.
واحترز بإضافة ذو إلى مال عن ذو الموصولة فيلزمها الواو ، مبنيّة على السكون لا على الواو ، وخلافا لمن وهم ، وتسمّي ذو الطائية ، لأنّها إنّما تكون في لغة طي (٢) وقد تعرب كهذه ، نحو قوله [من الطويل] :
٧٠ ـ ... |
|
فحسبي من ذي عندهم ما كفانيا (٣) |
في رواية ذي بالياء ، فكان الأحسن تفييدها بالمعربة كما في الكافية والعمدة (٤) لابن مالك ، لأنّ الاحتراز أنّما هو عن ذو بمعنى الّذي ، فأمّا على لغة إعرابها فإنّها تجري مجري ذو بمعنى صاحب ، فينبغي إدخالها ، وإنّما تكون الواو علامة للرفع نيابة عن الضمّة في هذه الأسماء ، وكذا الألف والياء عن الفتحة والكسرة فيها كما سيأتي حالة كونها «مفردة» ، فلو كانت مثنّاة أو مجموعة أعربت إعراب المثنّي ، وذلك المجموع «مكبّرة» ، فلو كانت مصغّرة أعربت بحركات ظاهرة ، وذلك في غير ذو ، إذ لا تصغّر. «مضافة إلى غير الياء» وعدل عن قول كثير ياء المتكلم ، لأنّ التقييد بذلك كما قاله ابن هشام حشو ، إذ ليس لنا ما يضاف إليها سواها ، سواء كانت الإضافة لفظا كما مرّ ، أو تقديرا ، كقوله [من الرجز] :
٧١ ـ خالط من سلمي خياشيم وفا (٥)
__________________
(١) سقط «التنبيه» في «س».
(٢) كان طىّ قبيلة من عرب الجنوب أو القحطانبين.
(٣) تمامه «فأمّا كرام موسرون لقيتهم» ، هو لمنظور بن سحيم الفقعسى ، اللغة : موسرون : ذوو ميسرة وغني.
(٤) العمدة في النحو والكافية الشافية في النحو لابن مالك النحوّي المتوّفى سنة ٦٧٢ ه ق. كشف الظنون ٢ / ١١٧٠.
(٥) هو للعجّاج. اللغة : الخياشيم : غر الضيف في أقصي الأنف بينه وبين الدماغ ، وقيل : هي عروق في باطن الأنف. لسان العرب ، ١ / ١٠٩٠.
إذ التقدير خياشيمها وفاها.
فلو كانت مضافة إلى الياء أعربت على الأصحّ بحركات مقدّرة كما سيأتي ، وكلّها تضاف إلى الياء إلا ذو ، فإنّها لا تستعمل إلا مضافة لغير الياء ، بل لا تضاف إلى ضمير أصلا ، وأمّا قوله [من مجزوء الرمل] :
٧٢ ـ إنّما يعرف ذا الفض |
|
... ل من الناس ذووه (١) |
فشاذّ ، أو لحن.
وزاد بعضهم قيدا رابعا ، وهو أن تكون غير منسوب إليها ، فلو نسب إليها كانت معربة بالحركات ، وهو مستغنى عنه بقيد الإضافة ، قيل : وقد يستغني عن ذكر هذه القيود بالنطق بالأسماء المذكورة ، كذلك واعتذر عمّن لم يذكرها بذلك ، وهو غير سديد ، إذ لا استغناء عن ذكرها ، لأنّ النطق بها كذلك يوهم أنّ الشرط إضافتها إلى ضمير الغائب خاصّة ، فلذلك لم يكتف المصنّف في بيانه بالمثال ، وكذا ابن الحاجب مع اكتفائه به في غيره ، نعم الاكتفاء بنطق فوه كذلك عن تقييده بالخلو عن الميم صحيح ، فإن لم يخل منها ، أعرب بحركات ظاهرة مع تضعيف ميمه ، ودونه منقوصا وبحركات مقدّرة مقصورا كعسى ، ولك تثليث فائه تضعيفا وقصرا ونقصا ، اتباعها لميمه. فهذه عشر لغات كاملة ، ذكرها أبو حيّان في الإرتشاف وغيره ، واقتصر في التسهيل على تسع.
تنبيهان : الأوّل : ما ذكر من إعراب هذه الأسماء بحركات مقدّرة حال إضافتها للياء ، قال بعض المحقّقين : لا يظهر في «فيّ» إذ الفرق بينه وبين مسلمي تحكم ، إلا أن يقال : لو قيل في حال النصب فاي لوجب الحكم بأنّ الياء في «فيّ» إعراب ، أو بدل منه ، فلمّا قيل : فيّ مطلقا ، علم أنّ الياء المدغمة في «فيّ» في الأحوال الثلاث على نحو واحد ، وأنّ إعرابه على ما كان عليه في حال افراده دون حال إضافته ، انتهى. وقد يقال في الفرق : إنّ الياء في «فيّ» أعيدت حال الإضافة ، لئلّا يبقي الاسم المتمكّن على حرف واحد بخلافها في مسلميّ ، فتدبّر.
الثاني : لا يختصّ النّقص بالهن ، بل يجوز في الأب والأخ والحم بقلّة ، ومنه قول رؤبه [من الرجز] :
٧٣ ـ بأبه اقتدي عديّ في الكرم |
|
ومن يشابه أبه فما ظلم (٢) |
__________________
(١) لم يذكر قائله.
(٢) هو لرؤبة بن العجاج. اللغة : عدي : أراد به عدي بن حاتم الطائي ، اقتدي : يريد أنه جعله لنفسه قدوة فسار علي نهج سيرته.
وحكي أبو زيد : جاءني أخك ، والفرّاء : هذا حمك.
وقصرهنّ أولي من نقصهنّ كقوله [من الرجز] :
٧٤ ـ إنّ أباها وأبا أباها |
|
قد بلغا في المجد غايتاها (١) |
وقول بعضهم : مكره أخاك لا بطل ، وقولهم للمرأة حماها. حكاه الأصمعيّ.
الأفعال الخمسة : «و» أمّا «النّون» فتكون علامة للرفع ، نيابة عن الضّمّة «في» الفعل «المضارع المتّصل به ضمير رفع لمثنّى» ، وهو الألف ، سواء كان ذو الضمير حاضرا أو غالبا ، والنّون بعده مكسورة غالبا ، وقرئ : (أَتَعِدانِنِي) [الأحقاف / ١٧] بفتحها ، و: (تُرْزَقانِهِ) [يوسف / ٣٧] ، بضمّها ، «أو لجمع» وهو الواو كذلك ، «أو» لمؤنّثة «مخاطبة» وهو الياء ، والنون بعدها مفتوحة ، «نحو : يفعلان» بالياء المثنّاة التحتيّة للاثنين الغائبين ، «وتفعلان» بالتاء المثنّاة الفوقيّة للاثنين المخاطبين والتثنيتين المخاطبتين والغائبتين ، «ويفعلون» بالياء المثنّاة التحتيّة للجماعة الذكور الغائبين ، «وتفعلون» بالتاء المثنّاة الفوقيّة لجماعة الذكور المخاطبين «وتفعلين» للواحدة المخاطبة.
وتسمّي هذه الافعال الأمثلة الخمسة ، لأنّها ليست أفعالا بأعيانها ، كما أنّ الأسماء السّتّة أسماء بأعيانها ، وإنّما هي أمثلة يكنّى بها عن كلّ فعل كان بمترلتها ، فإنّ يفعلان كناية عن يذهبان ، ويستخرجان ، ونحوهما ، وكذلك البواقي.
وإنّما حسبوها خمسة (٢) نظرا إلى لفظها كما هو الأنسب بنظر الفنّ ، ولو عبّر المصنّف هنا بذلك ، ولم يصرّح بالضمير لكان أولى ، ليكون الألف والواو أعمّ من أن يكونا ضميرين ، نحو : الزيدان يفعلان ، والزيدون يفعلون ، أو علامتين ، نحو : يفعلان الزيدان ، ويفعلون الزيدون ، وأمّا ياء المخاطبة فلا تكون إلا ضميرا.
__________________
(١) هذا البيت نسب لأبي النجم العجلي ولرؤبه بن العجاج.
(٢) سقطت خمسة في «ح».
فصل في علامات النصب
ص : إكمال : علائم النصب خمس : الفتحة والألف والياء والكسرة وحذف النون ، فالفتحة : في الاسم المفرد والجمع المكسر والمضارع ، والألف : في الأسماء الستّة ، والياء : في المثنّى والجمع وملحقاتهما ، والكسرة : في الجمع المؤنّث السالم ، وحذف النون : في الأفعال الخمسة.
ش : فصل في علامات النصب ، «وعلائم النصب» وهو ما يحدثه عامله ، سواء كان العامل اسما أو فعلا أو حرفا «خمس» لا زائد عليها بالاستقراء أصالة ونيابة ، إحداها «الفتحة» ، وهي الأصل لما مرّ ، ولهذا لا يقوم غيرها مقامها إلا عند تعذّرها ، ومن ثمّ قدّمها ، «و» الثانية : «الألف» ، وهي فرع نائب عن الفتحة عند تعذّرها ، لكونها ناشئة عنها عند إشباعها ، فهي بنتها. «و» الثالثة : «الياء» وهي أيضا فرع نائب عند تعذّرها ، لكونها ، أخت الألف ، فنائب كأختها ، «و» الرّابعة : «الكسرة» ، وهي أيضا كذلك لكونها أصل الياء والّتي هي علامة النصب في بعض المواضع ، فنابت حملا على فرعها ، «و» الخامسة : «حذف النّون» ، وهو أيضا فرع نائب عن الفتحة عند تعذّرها ، لأنّه لمّا كان ثبوتها علامة للرفع ، لم يبق إلا أن يكون حذفها علامة للنصب ، ولكلّ من هذه العلامات مواضع تخصّه.
فأمّا «الفتحة» الّتي هي الأصل فتكون علامة للنصب «في» ثلاثة مواضع :
أحدها : «الاسم المفرد» المقدّم ذكره ، سواء كان منصرفا كرأيت زيدا ، أو غير منصرف ، كرأيت أحمد ، ظاهرة فيه الفتحة ، كما مرّ ، أو مقدّرة ، كرأيت موسى.
«و» الثاني : «الجمع المكسّر» المقدّم بيانه ، منصرفا كان ، كرأيت رجالا ، أو غير منصرف ، كدخلت مساجد ، ظاهرة فيه الفتحة ، كما مرّ ، أو مقدّرة ، كقوله تعإلى : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) [النور / ٣٢].
«و» الثالث : «الفعل المضارع» ، إذا دخل عليه ناصب من نواصبه الأتي ذكرها ، ولم يتّصل مع ذلك بآخره شئ يوجب بناءه ، أو ينقل إعرابه كما مرّ ، صحيحا كان آخره ، نحو : لن يضرب أو معتلّا ، نحو : لن يخشى ، فالفتحة في هذا مقدّرة كما سيأتي بيانه.
«و» أمّا «الألف» فتكون علامة للنصب ، نيابة عن الفتحة «في» موضع واحد ، وهو «الأسماء الستّة» المقدّم ذكرها ، نحو : رأيت أباك إلى آخرها.
«و» أمّا «الياء» فتكون علامة للنصب ، نيابة عن الفتحة «في» موضعين وهما «المثنّى والجمع» المذكّر السالم المقدّم ذكرها «وملحقاتهما». وقد مرّ ذكرهما ، نحو :
رأيت الزيدين والزيدين ، بفتح ما قبل الياء في الأول ، وكسرها في الثاني ، ورأيت الرجلين كليهما والمراتين كلتيهما ، وعددت عشرين من الدارهم ، وقس على هذا.
«و» أمّا «الكسرة» فتكون علامة للنصب ، نيابة عن الفتحة «في» موضع واحد ، وهو «الجمع المونث السالم» المقدّم بيانه ، نحو : رأيت الهندات ، وحمل عليه أولات ، وهو اسم جمع لا واحد له من لفظه ، بل من معناه ، وهو ذات بمعنى صاحبة ، نحو : (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ) [الطلاق / ٦] ، وكتبت الواو بعد ألفه ، حملا على مذكّره ، أو لغوا ، وما سمّي به منه كعرفات.
وإنّما نصب هذا الجمع بالكسرة ، حملا للنصب على الجرّ كما في أصله ، وهو الجمع المذكّر السالم ، وقضية إطلاقه أنّ الكسرة علامة للنصب فيه ، وإن كان محذوف اللام ، كثبة (١) ولغة ، وهو ما ذهب إليه البصريّون ، وذهب بعضهم إلى أنّ المحذوف لامه ، إذا لم تردّ إليه اللام في حال الجمع ، ويكون نصبه بالفتح ، وابن مالك في التسهيل على أن ذلك لغة ، والكسرة فيه إعراب ، خلافا للأخفش والمبرّد ، في أنّها بناء.
«و» أمّا «حذف النون» فيكون علامة للنصب نيابة عن الفتحة عند تعذّرها «في» موضع واحد ، وهو «الأفعال الخمسة» المقدّم ذكرها ، نحو : الزيدان لن يفعلا ، وقس على هذا ، وأمّا قوله تعإلى : (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) [البقرة / ٢٣٧] ، فالواو فيه لام الكلمة ، والنّون ضمير النسوة عائد إلى المطلقات ، ووزنه يفعلن ، فلهذا لم يحذف عند دخول الناصب بخلاف قولك : الرجال يعفون ، فالواو فيه ضمير الجماعة المذكّرين ، والنّون علامة الرّفع ، فتحذف عند دخول الناصب ، فتقول : لن يعفوا : قال تعإلى : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [البقرة / ٢٣٧] ، وأصله تعفوون بواوين ، أولاهما لام الكلمة ، والثانية واو الجماعة ، فاستثقلت الضمّة على واو ، قبلها ضمّة ، وبعدها واو ساكنة ، فحذفت الضمّة ، فالتقى ساكنان ، وهما الواوان ، فحذفت الأولى ، ثمّ دخل الناصب ، فحذفت النون ، ووزنه يعفوا ، وإنّما اختصّت الأولي بالحذف دون الثانية ، لأنّها جزء الكلمة والثانية كلمة وحذف جزء أسهل من حذف كلّ ، ولأنّها آخر الفعل ، والحذف بالأواخر أولى ، ولأنّها لا تدلّ على معنى بخلاف الثانية ، وحذف ما لا يدلّ أولى من حذف ما يدلّ (٢).
__________________
(١) الثبة : من ثبي ـ الجماعة.
(٢) ما لا يدلّ «ط».
ولهذه الأوجه الثلاثة ، حذفوا لام الكلمة في غاز وقاض ونحوهما دون التنوين ، لأنه جيء به لمعنى ، وهو كلمة مستقلّة ، ولا يوصف بأنّه آخر ، ويريد وجها رابعا ، وهو أنّه صحيح ، والياء معتلّة ، قاله ابن هشام في شرح الشذور.
تنبيه : قال ابن هشام في شرح اللمحة (١) سمّيت الأفعال المذكورة خمسة على إدراج المخاطبتين تحت المخاطبين ، والأحسن أن تعدّ ستّة ، انتهى.
قال بعض المحقّقين وفيه بحث من وجهين : أحدهما ما قدّمناه من أنّ عدّها خمسة نظرا إلى اللفظ هو الأنسب بنظر الفن ، والثاني أنّ تسميتها خمسة ليس مبنيّا على إدراج المخاطبين فقط (٢) تحت المخاطبين ، بل على إدراج الغائبين أيضا تحت المخاطبين كما علم ممّا مرّ في علامات الرفع ، ومن هنا توجّه القدح في قوله : والأحسن أن تعدّ ستّة ، إذ الأحسن على رأيه بناء على ما بيّنا أن تعدّ سبعة ، تأمّل.
فصل في علامات الجرّ
ص : توضيح : علائم الجرّ ثلاث : الكسرة والياء والفتحة : فالكسرة في الاسم المفرد والجمع المكسّر المنصرفين والجمع المؤنّث السالم. والياء في الاسماء الستّة ، والمثنّي ، والجمع ، والفتحة في غير المنصرف.
ش : فصل في علامات الجرّ و «علائم الجرّ» ـ وهو ما يحدثه عامله ، سواء كان العامل حرفا أم اسما. «ثلاث» لا زائد عليها بالاستقراء أصالة ونيابة ، إحداها «الكسرة» ، وهي الأصل في بابها لما مرّ (٣) ، ولذا قدّمها ، «و» الثانية «الياء» ، وهي فرع نائب عن الكسرة عند تعذّرها ، لأنّها تنشأ عنها عند إشباعها ، فهي بنتها ، فقامت مقامها ، «و» الثالثة : «الفتحة» ، وهي أيضا فرع نائب عن الكسرة عند تعذّرها ، لأنّ الكسرة نابت عنها في جمع المؤنّث السالم فكافأتها هنا.
فأمّا «الكسرة» فتكون علامة للجرّ أصالة «في» ثلاثة مواضع : إحداها «الاسم المفرد و» الثاني «الجمع المكسّر» المقدّم ذكرهما «المنصرفين» بفتح ما قبل الياء صفة للمفرد والجمع ، وأمّا غير المنصرفين فجرّهما بالفتحة كما سيأتي.
__________________
(١) اللمحة ـ مختصر في النحو للشيخ أبي حيان محمد بن يوسف الأندلسي المتوفّى سنة ٧٤٥ ه ، شرحه ابن هشام النحوي المتوفى سنة ٧٦٣. المصدر السابق ٢ / ١٥٦١.
(٢) سقطت فقط في «ح».
(٣) سقط مرّ في «س».