الشيخ في النهاية (١).
والالتفات الى قضاء الاصل بالجواز ، وهو الاقرب ، وبمنع الاولى ، سلمنا لكن نمنع الملازمة.
__________________
(١) النهاية ص ١٠٥.
فصل
( فى ذكر الترددات المذكورة فى فضل صلاة العيد )
قال رحمهالله : والتكبير في الفطر عقيب أربع صلوات : أولها المغرب ليلة الفطر ، وآخرها صلاة العيد. وفي الاضحى عقيب خمس عشرة صلاة ، أولها الظهر يوم النحر. وفي الامصار عقيب عشر صلوات يقول : الله أكبر الله أكبر ، وفي الثالثة تردد.
أقول : منشؤه : النظر الى اختلاف الاصحاب باختلاف الرواة في كيفيته ، فقال الشيخ رحمهالله : يكبر مرتين في الاضحى. وهو قول ابن بابويه ، ورواه عن علي عليهالسلام (١). وقال البزنطي : يكبر في الاضحى ثلاثا. وهو اختيار ابن أبي عقيل.
قال الشيخ المصنف في المعتبر : لا ريب أن ذلك تعظيم الله وذكر مستحب ، فلا فائدة للمضايقة عليه. والحق عندي ما رواه النقاش عن أبي عبد الله عليهالسلام في صفة التكبير كيف أقول؟ قال : تقول في الفطر : « الله أكبر الله أكبر لا إله الا الله
__________________
(١) من لا يحضره الفقيه ١ / ٥١٨ ، برقم : ١٤٨٤.
والله أكبر ولله الحمد ، الله أكبر على ما هدانا » (١).
وكيف قلنا فهذا التكبير مستحب. وقال علم الهدى وابن الجنيد بوجوبه.
قال رحمهالله : التكبير الزائد هل هو واجب؟ فيه تردد ، والاشبه الاستحباب.
أقول : منشؤه : النظر الى أصالة عدم الوجوب ، وهو ظاهر كلام الشيخ في التهذيب (٢) ، ويؤيده رواية زرارة الصحيحة أن عبد الملك بن أعين سأل أبا جعفر عليهالسلام عن الصلاة في العيدين ، قال : الصلاة فيهما سواء يكبر الامام تكبيرة الصلاة قائما كما يصنع في الفريضة ثم يزيد في الركعة الاولى ثلاث تكبيرات ، وفي الاخرى ثلاث تكبيرات ، سوى تكبيرة الصلاة والركوع والسجود ، وان شاء ثلاثا وخمسا ، وان شاء خمسا وسبعا بعد أن تلحق ذلك.
قال الشيخ : ألا ترى جواز الاقتصار على الثلاث تكبيرات وعلى الخمس تكبيرات ، وهذا يدل على أن الاخلال بها لا يضر بالصلاة (٣). ولانه تكبير في غير محل الاستفتاح ، فيكون مستحبا كغيره.
والالتفات الى أن النبي صلىاللهعليهوسلم صلاها كذلك ، فيجب اتباعه عملا بظاهر قوله عليهالسلام « صلوا كما رأيتموني أصلي » (٤) ولان الائمة عليهمالسلام نصوا على وجوب صلاة العيدين ، ثم بينوا كيفيتهما ، وذكروا التكبيرات الزائدة ، وهو اختيار باقي الاصحاب واختاره شيخنا دام ظله.
ويمكن الجواب عن الاول ، بأن الاصالة تخالف لقيام الدلالة وقد بيناها.
وعن الثاني بأن زيادة الثلاث لا ينافي زيادة الاكثر ، مع أنه قال في الاستبصار :
__________________
(١) المعتبر ٢ / ٣٢١ والرواية فى فروع الكافى ٤ / ١٦٦ ـ ١٦٧.
(٢) تهذيب الاحكام ٣ / ١٣٤.
(٣) تهذيب الاحكام ٣ / ١٣٤ ، ح ٢٣.
(٤) صحيح البخارى ١ / ١٥٤ ، وسنن الدار قطنى ١ / ٣٤٦.
الوجه في هاتين الروايتين وما يشابههما التقية ، لموافقتهما مذهب العامة ، ولسنا نعمل بها ، واجماع الفرقة المحقة على ما قدمناه (١).
وعن الثالث بأن القياس باطل عندنا.
قال رحمهالله : وبتقدير الوجوب هل القنوت واجب؟ الاظهر لا.
أقول : القائلون باستحباب التكبير يلزمهم استحباب القنوت ، لانه كيفية للتكبير ، ولا يعقل وجوب الكيفية مع استحباب ذي الكيفية ، ولقائل أن يمنع من كونه كيفية ، بل هو ذكر زائد على التكبير كذكر الركوع ، وكما لا يلزم من استحباب الذكر هناك استحباب ذكر الركوع فكذا هنا.
وأما القائلون بالوجوب ، فبعضهم نص على وجوبه كالسيد المرتضى ، وهو ظاهر كلام أبي الصلاح ، ونص في الخلاف (٢) على استحبابه.
واستدل الموجبون بظاهر الخبر السابق ، وبرواية يعقوب الصحيحة قال : سألت العبد الصالح عليهالسلام عن التكبير في العيدين قبل القراءة أو بعدها ، وكم عدد التكبير ـ الحديث (٣). وفي رواية اسماعيل عن الباقر عليهالسلام ثم يكبر خمسا يقنت بينهم (٤).
احتج الشيخ بالاصل ، وبأن استحباب التكبير يستلزم استحباب أولوية استحباب القنوت. ويمكن حمل الروايتين على الاستحباب ، اذ أمر الخاص لا يأتي (٥) عاما بالامر الا نادرا ، وانما كان القول بالاستحباب أظهر لما بيناه.
__________________
(١) الاستبصار ١ / ٤٤٨.
(٢) الخلاف ١ / ٦٦١ مسألة ٤٣٣.
(٣) تهذيب الاحكام ٣ / ١٣٢ ، ح ١٩.
(٤) تهذيب الاحكام ٣ / ١٣٢ ، ح ٢٠.
(٥) فى « س » : لا يتأتى.
قال رحمهالله : وبتقدير وجوبه هل يتعين لفظا؟ الاظهر أنه لا يتعين وجوبا.
أقول : ذهب أبو الصلاح الى وجوب القنوت بالدعاء المذكور. والحق الاستحباب ، ولاصالة البراءة ، ورواية محمد بن مسلم الصحيحة عن أحدهما قال : سألته عن الكلام الذي يتكلم به بين التكبيرات في العيدين ، قال : ما شئت من الكلام الحسن (١).
احتج بظاهر الروايات الدالة على ذلك ، وتحمل على الاستحباب للجمع بين الادلة ، وخاصة مع اختلاف كيفية الفعل.
قال رحمهالله : لو اتفق عيد وجمعة ، فمن حضر العيد كان بالخيار في حضور الجمعة ، وعلى الامام أن يعلمهم ذلك في خطبته.
وقيل : الترخيص مختص بمن كان نائيا عن البلد ، كأهل السواد دفعا لمشقة العود ، وهو الاشبه.
أقول : اختلف الاصحاب في هذه المسألة ، فذهب الشيخان الى سقوط الجمعة وجوبا عمن صلى العيد ، ورواه ابن بابويه في كتابه (٢) ، واختاره ابن ادريس وبه قال أحمد.
وقال ابن الجنيد : اذا اجتمع عيد وجمعة اذن الامام بالناس في خطبة العيد الاولى بأن يصلي بهم الصلاة ، فمن أحب أن ينصرف كان له مع قصي منزله ، واستحب له حضورها مع انتفاء الضرر عنه وعن غيره وفيه أشعار بما قاله المصنف رحمهالله ، وهو قول لبعض الشافعية.
وقال أبو الصلاح لا تسقط : تمسكا بعموم الآية والاخبار ، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي ، وهو خيرة ابن البراج ، والحق ما اختاره أبو علي.
__________________
(١) تهذيب الاحكام ٣ / ٢٨٨ ، ح ١٩.
(٢) من لا يحضره الفقيه ١ / ٥٠٩ ـ ٥١٠.
لنا ـ ما رواه اسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام أنه كان يقول : اذا اجتمع عيدان في يوم واحد ، فانه ينبغي للامام أن يقول للناس في خطبته الاولى : انه قد اجتمع لكم عيدان في يوم وأنا أصليهما جميعا ، فمن كان منزله قاصيا وأحب أن ينصرف ، فقد أذنت له (١). ولان حصول المشقة فيه أكثر.
احتج الشيخان برواية سماعة عن أبي عبد الله عليهالسلام اجتمع عيد على عهد أمير المؤمنين عليهالسلام ، فخطب الناس ، فقال : هذا يوم اجتمع فيه عيدان ، فمن أحب أن يأتيه فليفعل ، وان شاء لم يفعل ، فان له رخصة (٢).
ويضعف بأن خبرنا مقيد وخبركم مطلق ، فيحمل عليه توفيقا بين الدليلين.
فائدة :
لو قلنا بالسقوط مطلقا ، وجب على الامام الحضور ، قاله علم الهدى ، تمسكا بظاهر العموم السالم عن المعارض ، وظاهر كلام الشيخ في المبسوط (٣) ليس بجيد.
قال رحمهالله : اذا طلعت الشمس حرم السفر حتى يصلي صلاة العيد ، ان كان ممن تجب عليه ، وفي خروجه بعد الفجر وقبل طلوعها تردد ، والاشبه الجواز.
أقول : منشؤه : النظر الى الاصالة القاضية بالجواز ، وهو مذهب أكثر الاصحاب.
والالتفات الى أن ظاهر الرواية (٤) دال على التحريم ، وهو اللائح من كلام الشيخ به. أما لو خرج قبل الفجر ، فلا كراهة ولا تحريم اجماعا.
قال رحمهالله في صلاة الكسوف : اذا حصل الكسوف في وقت فريضة
__________________
(١) تهذيب الاحكام ٣ / ١٣٧ ، ح ٣٦.
(٢) فروع الكافى ٣ / ٤٦١ ، ح ٨ ، والرواية فيه عن سلمة.
(٣) المبسوط ١ / ١٧٠.
(٤) تهذيب الاحكام ٣ / ٢٨٦ ، ح ٩.
حاضرة ، كان مخيرا في الاتيان بأيهما شاء ما لم يتضيق الحاضرة ، فتكون أولى. وقيل : الحاضرة أولى ، والاول أشبه.
أقول : اذا اتفق الكسوف في وقت حاضرة : فاما أن يتضيقا ، أو يتضيق الحاضرة دون صلاة الكسوف أو بالعكس ، ففي الاول تتغير الحاضرة ، ثم ان كان فرط في صلاة الكسوف قضاها والا فلا ، وفي الثالث والرابع تتعين المضيقة اتفاقا ، ثم تجب الاخرى مع الاتساع اذا وقع التفريط قضاء بغير خلاف في ذلك.
وانما النزاع في القسم الثاني ، فذهب الشيخ في النهاية (١) الى وجوب الابتداء بالحاضرة ، وهو قول علم الهدى وأكثر الاصحاب. وقال في الجمل (٢) بالتخيير وهو خيرة أبي الصلاح منا والشافعي ، وتردد في المبسوط (٣).
والحق مختار الجمل ، لانهما فرضان اجتمعا ووقتهما متسع ، فيتخير المكلف بينهما ، اذ وجوب أحدهما يستلزم أحد محالين ، اما تضيق وقت ما فرض اتساع فيه ، أو كون ترك العبادة أولى من فعلها.
بيان الملازمة : ان تعين أحدهما للفعل ان كان لضيق الوقت لزم الامر الاول وان كان لقبح تقديم الاخرى ، لزم الثاني.
احتجوا بورود الامر بقطعها عند دخول الفريضة ، ولو ساغ فعلها لما جاز قطعها ، ونمنع ورود الامر بقطعها مطلقا ، بل مع تضيق (٤) الوقت ، سلمنا لكن نمنع صدق التالي.
__________________
(١) النهاية ص ١٣٧.
(٢) الجمل والعقود ص ١٩٤.
(٣) المبسوط ١ / ١٧٢.
(٤) فى « م » : ضيق.
قال رحمهالله : يجوز أن يصلي صلاة الكسوف على ظهر الدابة وماشيا. وقيل : لا يجوز الا مع العذر ، وهو الاشبه.
أقول : الجواز مذهب أبي علي ابن الجنيد ، ومستنده الاصل ، ورواية علي بن فضل الواسطي قال : كتبت الى الرضا عليهالسلام اذا انكسفت الشمس أو القمر وأنا راكب لا أقدر على النزول. فكتب الي : صل على مركبك الذي أنت عليه (١).
وجه الاستدلال : ان الجواب وقع عاما ، فلا تخصيص بالسؤال بخصوص السبب. والحق المنع ، وهو مختار أكثر الاصحاب ، لانها واجبة ، فلا تصلى على الراحلة ، كغيرها من الفرائض ، عملا بالعموم الدال على الحرمة ، والاصل تخالف للدليل ، ونمنع عموم الجواز ، لوقوعه جوابا عن سؤال خاص فلا يتعداه ، وفارق السبب حيث كان اللفظ فيه عاما ، فلا يتخصص بالسبب.
قال رحمهالله في فصل الصلاة على الاموات : ويرفع يديه في أول تكبيرة اجماعا ، وفي البواقي على الاظهر.
أقول : ذهب الشيخ في النهاية (٢) والمبسوط (٣) الى استحباب الرفع في الاولى فقط ، وهو مختار أكثر الاصحاب ، واختار في الاستبصار (٤) الثاني ، وهو أقرب عند المصنف.
واحتج عليه في المعتبر (٥) بأن رفع اليدين مراد لله في أول التكبيرة ، وهو دليل اختصاصه بالرجحان ، فيكون مشروعا في الباقي ، تحصيلا لتلك الارجحية وعندي
__________________
(١) فروع الكافى ٣ / ٤٦٥ ، ح ٧.
(٢) النهاية ص ١٤٥.
(٣) المبسوط ١ / ١٨٥.
(٤) الاستبصار ١ / ٤٧٩.
(٥) المعتبر ٢ / ٣١٤ ـ ٣١٥.
فيه نظر ، اذ لا يلزم (١) من رجحانه في بعض عموم الرجحان ، خصوصا مع بطلان القياس عندنا.
قال رحمهالله في فصل النوافل : والاشهر في الروايات استحباب ألف ركعة في شهر رمضان ، زيادة على النوافل المرتبة ، يصلي في كل ليلة عشرين ركعة ، ثمان بعد المغرب ، واثنتا عشرة ركعة بعد العشاء على الاظهر.
أقول : اختلف الاصحاب في ترتيب هذه النوافل ، فذهب في المبسوط (٢) الى ما ذكره المصنف ، وهو اختيار الاصحاب ، وخيره ابن الجنيد بين ذلك وبين صلاة اثنتا عشرة ركعة بعد المغرب والباقي بعد العشاء ، وهي رواية سماعة (٣).
وكذا الخلاف في العشر الاواخر ، ففي رواية علي بن أبي حمزة (٤) ثمان بعد المغرب وبعد العشاء ما بقي ، وفي رواية سماعة تصلي بعد المغرب اثنتين وعشرين ركعة والباقي بعد العشاء (٥).
قال المصنف في المعتبر : طرق الروايات كلها ضعيفة ، لكن عمل الاصحاب أسقط اعتبار طريقها ، ولا رجحان بينهما ، فينبغي القول فيها بالتخيير (٦).
قال رحمهالله في الركن الرابع في التوابع : وأما السهو فان أخل بركن أعاد ، كمن أخل بالقيام حتى نوى ، أو بالنية حتى كبر ، أو بالتكبير حتى قرأ ، أو بالركوع حتى سجد ، أو بالسجدتين حتى ركع فيما بعد. وقيل : يسقط الزائد
__________________
(١) فى « س » : اذ يلزم.
(٢) المبسوط ١ / ١٣٣.
(٣) تهذيب الاحكام ٣ / ٦٣ ، ح ١٧
(٤) تهذيب الاحكام ٣ / ٦٣ ـ ٦٤ ، ح ١٨.
(٥) تهذيب الاحكام ٣ / ٦٣ ، ح ١٧.
(٦) المعتبر ٢ / ٣٧٠.
ويأتي بالفائت ويبنى. وقيل : هذا الحكم مختص بالاخيرتين ، ولو كان في الاوليين استأنف ، والاول أظهر.
أقول : القول الاول مذهب السيد المرتضى وسلار وأبي الصلاح وابن البراج واختاره في المعتبر (١) ومذهب مختار شيخنا أيضا ، لانه لم يأت بالمأمور به على وجهه ، فيبقى في عهده التكليف.
أما الصغرى ، فلانه مأمور بالاتيان بكل ركعة بركوعها ولم يأت به ، اذ هو التقدير. وأما الكبرى فظاهرة.
لا يقال : المقدمتان ممنوعتان ، أما الاولى بمنع كونه مأمورا حال النسيان ، وإلا لزم تكليف ما لا يطاق. وأما الثانية فلا نسلم البقاء في عهدة التكليف ، لانه انما يلزم ذلك لو قلنا ان الاتيان بالمأمور به لا على وجهه يوجب الاعادة ، وهو ممنوع ، لافتقار الاعادة الى دليل ثان.
ولئن سلمنا المقدمتين ، لكن نمنع دلالتهما على محل النزاع ، اذ مذهبه بطلان الصلاة ، وهما لا يدلان عليه ، بل على بقاء التكليف بالركوع ، ونحن نقول بموجبه ، اذ مع ايجاب حذف السجدتين والاتيان بالركوع يكون التكليف باقيا فلا يخرج عن العهدة.
لانا نقول : الناسي لا يسقط عنه الفعل مطلقا ، بل الاثم ، وتكليف المحال انما يلزم لو قلنا انه مكلف حالة النسيان ، أما لو قلنا انه مكلف بأن يأتي حالة ذكره فلا ، وظاهر أن النسيان غير مسقط للتكاليف.
وأما دليل وجوب الاعادة فظاهر ، اذ الاتيان بالمأمور به لا على وجهه ليس
__________________
(١) المعتبر ٢ / ٣٧٦.
اتيانا بالمأمور به (١).
__________________
(١) فى النسختين هنا بياض بقدر الصفحة ، وقال فى هامش « س » : هذا البياض من هنا الى الفصل الثالث فى كتاب الزكاة وجد فى نسخة بخط شيخنا جمال الدين أحمد بن فهد رحمهالله.
الفصل الثالث
( فى ذكر الترددات والترجيحات المذكورة فى كتاب الزكاة )
قال رحمهالله : ويستحب الزكاة في غلات الطفل ومواشيه. وقيل : تجب وكيف قلنا فالتكليف بالاخراج يتناول الوالي عليه. وقيل : حكم المجنون حكم الطفل ، والاصح أنه لا زكاة في ماله الا في الصامت اذا اتجر له الولي استحبابا.
أقول : في وجوب الزكاة في غلات الطفل ومواشيه قولان :
الوجوب ، اختاره الشيخان وأبو الصلاح وابن البراج ، عملا برواية زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهماالسلام قالا : ليس في مال اليتيم العين شيء ، فأما الغلات فعليهما الصدقة واجبة (١). وتحمل على الاستحباب ، جمعا بين الادلة.
الثاني : الاستحباب ، اختاره السيد المرتضى قدس الله روحه ، والحسن بن أبي عقيل وسلار وابن ادريس ، وهو الاقرب.
لنا ـ اصالة براءة الذمة ، والروايات الكثيرة المشهورة الدالة عليه.
وأما المجنون ، فقد ألحقه الشيخ بالصبي ، وهو ضعيف.
__________________
(١) فروع الكافى ٣ / ٥٤١ ، ح ٥.
لنا ـ أنه ليس من أهل التكليف ، فلا يتناوله الامر ، ولا يلزم مثله في الصبي لورود النص عليه عينا.
احتج بأن المجنون مشارك للصبي في عدم العقل.
والجواب : المشاركة في المسلوب لا يوجب التماثل.
قال رحمهالله : ولا تجب الزكاة في المال المغصوب ، ولا الغائب اذا لم يكن في يد وكيله أو وليه ، ولا الرهن على الاشبه.
أقول : قال في الخلاف : اذا استقرض ألفا ورهن عليها مثلها ، لزمه زكاة القرض اذا بقي في يده حولا (١) وتردد في زكاة الرهن ، فتارة أوجبها عليه ، لانه قادر على التصرف فيه بفكه ، وتارة اسقطها ، نظرا الى أنه ممنوع من التصرف فيه.
وله في المبسوط (٢) كالقولين ، لكن الذي قواه في الخلاف الوجوب وهو الاصح ، ويحمل قول هذا الفاضل على ما اذا كان الراهن معسرا ، لتحقق المنع حينئذ.
قال رحمهالله : ولا تجب الزكاة في الدين ، فان كان تأخره من جهة صاحبه قيل : تجب الزكاة على مالكه. وقيل : لا ، والاول أحوط.
أقول : ذهب الشيخ المفيد والشيخ أبو جعفر الى الاول ، وذهب ابن أبي عقيل الى الثاني ، واختاره ابن ادريس.
احتج بعموم قوله عليهالسلام « هاتوا ربع عشر أموالكم » (٣) ترك العمل به في حصول التأخير من المدين ، للاجماع ، فيبقى حجة في الباقي.
والرواية الدالة على ذلك عن الصادق عليهالسلام قال : لا صدقة على الدين ، ولا
__________________
(١) الخلاف ١ / ٣٥١ مسألة ١٢٨.
(٢) المبسوط ١ / ٢١١.
(٣) عوالى اللئالى ٣ / ١١٥ ، برقم : ١١.
على المال الغائب عنك حتى تقع في يدك (١). ولرواية الحلبي عن الصادق عليهالسلام قلت له في الدين زكاة؟ قال : لا (٢). وترك الاستفصال في حكاية الحال يدل على العموم.
احتج الشيخ برواية درست عن الصادق عليهالسلام قال : ليس في الدين زكاة الا أن يكون صاحب الدين هو الذي يؤخره ، فاذا كان لا يقدر على أخذه ، فليس عليه زكاة حتى يقبضه (٣).
والجواب ان صحت السند حمل على الاستحباب ، جمعا بين الادلة.
قال رحمهالله : وفي مال التجارة قولان ، أحدهما الوجوب ، والاستحباب أصح.
أقول : قال الشيخان والمرتضى وأبو الصلاح وابن البراج وسلار وابن أبي عقيل بالاستحباب ، وهو الحق. وقال بعضهم بالوجوب ، وهو الظاهر من كلام ابني بابويه.
لنا ـ الاصل ، وما رواه زرارة قال : كنت قاعدا عند أبي جعفر عليهالسلام وليس عنده غير ابنه جعفر ، فقال : يا زرارة ان أبا ذر وعثمان تنازعا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله وقال عثمان : كل مال من ذهب أو فضة يدار ويعمل به ويتجر به ففيه الزكاة اذا حال عليه الحول. وقال أبو ذر ما اتجر به أو دير وعمل به ، فليس فيه زكاة ، وانما الزكاة فيه اذا كان ركازا أو كنزا موضوعا ، فاذا حال عليه الحول ففيه الزكاة ، فاختصما في ذلك الى رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال عليهالسلام : القول ما قال
__________________
(١) تهذيب الاحكام ٤ / ٣١ ، ح ٢.
(٢) تهذيب الاحكام ٤ / ٣٢ ، ح ٤.
(٣) تهذيب الاحكام ٤ / ٣٢ ، ح ٥.
أبو ذر (١).
احتج الموجبون بما رواه أبو الربيع الشامي عن الصادق عليهالسلام في رجل اشترى متاعا ، فكسب عليه متاعا (٢) وقد كان زكى ماله قبل أن يشتري به هل عليه زكاة أو حتى يبيعه؟ قال : ان أمسكه التماس الفضل على رأس فعليه الزكاة (٣).
والجواب الحمل على الاستحباب. قال رحمهالله : ان سلم السند.
قال رحمهالله في الغنم خمسة نصب : أربعون وفيه (٤) شاة ، ثم مائة واحدى وعشرين وفيه شاتان ، ثم مائتان وواحدة ففيه ثلاث ، ثم ثلاثمائة وواحدة ، فاذا بلغت ذلك قيل : يؤخذ من كل مائة شاة ، وقيل : تجب أربع شياة ، حتى تبلغ أربعمائة فتؤخذ من كل مائة شاة ، بالغا ما بلغ ، وهو الاظهر. وتظهر الفائدة في الوجوب وفي الضمان.
أقول : ذهب السيد المرتضى وابنا بابويه وسلار وابن ادريس الى الاول ، لرواية محمد بن قيس عن الصادق عليهالسلام أنه قال : ليس فيما دون الاربعين شيء ، فاذا كانت أربعين ففيها شاة الى عشرين ومائة ، فاذا زادت واحدة ففيها شاتان الى المائتين فاذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم الى ثلاثمائة ، فاذا كثر الغنم ففي كل مائة شاة ـ الحديث (٥). تحصل الكثرة بانضمام واحدة إليها.
وذهب الشيخ وابن الجنيد الى الثاني ، لقول الباقر والصادق عليهمالسلام : فاذا بلغت
__________________
(١) تهذيب الاحكام ٤ / ٧٠ ـ ٧١ ، ح ٨.
(٢) فى التهذيب : فكسد عليه متاعه.
(٣) تهذيب الاحكام ٤ / ٦٨ ، ح ١.
(٤) وفى الشرائع : وفيها ، وكذا فى المواضع الآتية.
(٥) تهذيب الاحكام ٤ / ٢٥ ، ح ٢.
ثلاثمائة ففيه مثل ذلك ثلاث شياة ، فاذا زادت واحدة ففيها أربع شياة ـ الحديث (١).
وقوله « وتظهر الفائدة في الوجوب » فعلى الاول ـ وهو قول المرتضى ومن وافقه ـ تجب ثلاث شياة. وعلى الثاني ـ وهو قول الشيخ ومن تبعه ـ تجب أربع شياة.
وقوله « وفي الضمان » أنه لو تلفت الواحدة من غير تفريط بعد الحول وقبل امكان الاداء ، فعلى الاول لا تسقط ، لان الواحدة الزائدة شرط في تعين الفرض ، وليست جزءا من محل الوجوب ، لتصريح الرواية بأن في كل مائة شاة ، فلم يتعلق الواجب بشيء من الزائد.
وعلى الثاني تقسط الاربع شياة على ثلاثمائة جزء وجزء ، وتسقط منه أربعة أجزاء من ثلاثمائة جزء وجزء من شاة ، فيبقى الواجب عليه ثلاث شياة ومائتي جزء وسبعة وتسعون جزءا من ثلاثمائة جزء وجزء من شياة.
والضابط : أن التالف ان كان من الزائد على الفريضة ، لم تسقط شيء بسبب التلف ، كخمسين تلف منها عشرة ، فالفريضة واجبة في الاربعين ، ولا عبرة بالتالف. وان كان من أصل الفرض ، سقط من الفرض بنسبته مائة وعشرين يتلف منها واحدة.
قال رحمهالله : الشرط الثاني السوم ، فلا تجب الزكاة في المعلوفة ، ولا في السخال الا اذا استغنت عن الامهات بالرعي ، ولا بدّ من استمرار السوم طول (٢) الحول ، فلو علفها بعضا ولو يوما ، استأنف الحول عند استئناف السوم ، ولا اعتبار باللحظة عادة. وقيل : يعتبر في اجتماع السوم والعلف الاغلب ، والاول أشبه.
__________________
(١) تهذيب الاحكام ٤ / ٢٥ ، ح ١.
(٢) فى الشرائع : جملة.
أقول : ذهب جماعة من الفقهاء الى الاول ، وذهب الشيخ في الخلاف (١) الى الثاني. احتج الاولون بوجهين :
الاول : أن اصالة البراءة تنفي الوجوب ، ترك العمل بها في السائمة للاجماع فيبقى الباقي على اصالته.
الثاني : السوم شرط فى الوجوب اجماعا وقد انتفي ، فينتفى المشروط ، وهو وجوب الزكاة ، وفي الرواية المشهورة عن الباقر والصادق عليهماالسلام قالا : ليس على المعلوفة شيء ، انما ذلك على السائمة الراعية (٢).
واحتجاجه رحمهالله بأن الاغلبية معتبرة في سقي الغلات ، فتعتبر هنا قياسا عليها ، باطل. أما أولا ، فلان القياس ليس حجة عندنا. وأما ثانيا ، فلعدم الجامع بينهما.
قال رحمهالله : ولو اختل أحد شروط الزكاة في أثناء الحول بطل الحول مثل أن نقصت عن النصاب فأتمها ، أو عاوضها بمثلها أو بجنسها على الاصح.
أقول : قال في المبسوط : اذا بادل جنسا بجنسه لزمته الزكاة ، مثل ذهب بذهب ، أو فضة بفضة ، أو غنم بغنم ، وما أشبه ذلك (٣). والحق ما ذكره المصنف.
لنا ـ قوله عليهالسلام « لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول » (٤).
احتج بعموم الاوامر. والجواب نعم يخص للدليل (٥).
قال رحمهالله : وقيل : اذا فعل ذلك فرارا وجبت الزكاة. وقيل : لا تجب.
__________________
(١) الخلاف ١ / ٣٢٣ ، مسألة ٦١.
(٢) تهذيب الاحكام ٤ / ٢٢ ـ ٢٣ ، ح ٤.
(٣) المبسوط ١ / ٢٠٦.
(٤) المبسوط ١ / ١٩٣.
(٥) فى « س » : يخصص الدليل.
وهو الاظهر.
أقول : ذهب الشيخ أيضا أنه اذا بادل جنسا بغير جنسه فرارا من الزكاة وجبت محتجا بما تقدم. وجوابه ما سلف. ولنا الرواية السابقة.
قال رحمهالله : ولو تفاوتت الاسنان بأزيد من درجة واحدة ، لم يتضاعف التقدير الشرعي ، ورجع في التقاص الى قيمة السوق على الاظهر.
اقول : ذهب أبو الصلاح الحلبي الى تضاعف التقدير الشرعي ، فلو وجبت عليه بنت مخاض وليست عنده ، بل حقة دفعها واسترجع أربع شياة ، أو أربعين درهما [ وبالعكس يدفع ويخير بأربع شياة ، أو أربعين درهما ] (١) وكذا لو لم يجد حقة ووجد جذعة دفعها واستعاد ست شياة ، أو ستين درهما. وينعكس الفرض بانعكاس التقدير ، وكذا فيما عدا أسنان الابل.
واختار ابن ادريس ما ذكره المصنف رحمهالله ، لان التقدير المذكور في الدرجة الواحدة على خلاف الاصل ، فيقتصر به على مورده ، لان التعدي قياس وهو باطل.
قال رحمهالله : والشاة التي تؤخذ من الزكاة قيل : أقلها الجذع من الضأن أو الثني من المعز. وقيل : ما يسمى شاة ، والاول أظهر.
اقول : القول الاول هو المشهور بين الاصحاب ، ومستنده الحديث المروي عن النبي عليهالسلام (٢). وأما الثاني فقد نقله المصنف في هذا الكتاب ، ولم احصل الآن القائل به. فان كان نقله حقا ، فمستنده اطلاق الاحاديث المشهورة.
قال رحمهالله : ولا تجب الزكاة في الذهب حتى يبلغ عشرين دينارا ، وفيه عشرة قراريط ، ثم ليس فى الزائد شيء حتى يبلغ أربعة دنانير ، ففيها قيراطان ،
__________________
(١) ما بين المعقوفتين من « س ».
(٢) سنن النسائى ٥ / ٣٠ وسنن أبى داود ٢ / ١٣٧.
فلا زكاة فيما دون عشرين مثقالا ، ولا فيما دون أربعة [ دنانير ] ثم كل ما زاد المال أربعة ، ففيها قيراطان بالغا ما بلغ. وقيل : لا زكاة فى العين حتى يبلغ أربعين ففيه دينار ، والاول أشبه.
اقول : القول الاول هو المشهور بين علمائنا ، عملا بعموم قوله عليهالسلام « هاتوا ربع عشر أموالكم » (١) ترك العمل به فيما دون العشرين ، للاجماع ، فيبقى الباقي على عمومه ، وغير ذلك من الاحاديث المروية من طرقنا وطرق الجمهور أيضا.
والثاني ذكره ابن بابويه ، عملا بالاصل ، واستنادا الى ظاهر الرواية المروية عن الباقر والصادق عليهماالسلام قالا : في الذهب في كل أربعين مثقالا مثقال ، وفي الورق في كل مائتي درهم خمسة دراهم ، وليس في أقل من أربعين مثقالا شيء ، ولا في أقل من مائتي درهم شيء (٢). والاصل يخرج عنه للدليل ، والرواية معارضة بروايات كثيرة صحيحة السند.
وقال في التهذيب : يحمل قوله « ليس فيما دون أربعين مثقالا شيء » على أن المراد بالشيء دينار ، لان لفظة « الشيء » يصح أن يكنى به عن كل شيء (٣).
قال المصنف في المعتبر : وهذا التأويل عندي بعيد (٤).
وأقول : ما ذكره حسن (٥) اذ النكرة في سياق النفي للعموم. أما أولا فلصحة الاستثناء التي (٦) يخرج من الكلام ما لولاه لدخل. وأما ثانيا فلان قولنا « لا شيء
__________________
(١) عوالى اللئالى ٣ / ١١٥ ، برقم : ١١.
(٢) تهذيب الاحكام ٤ / ١١ ، ح ١٧.
(٣) تهذيب الاحكام ٤ / ١١.
(٤) المعتبر ٢ / ٥٢٤.
(٥) فى « س » : تخصص.
(٦) فى « م » : الّذي.
فيه » مناقض لقولنا « فيه شيء » ونقيض الموجبة الجزئية سالبة كلية.
قال رحمهالله : لا زكاة في السبائك والنقار. وقيل : اذا عملهما كذلك فرارا وجبت الزكاة ، ولو كان قبل الحول ، والاستحباب أشبه.
أقول : للاصحاب في هذه المسألة قولان ، أحدهما الوجوب ، واختاره الشيخ في أكثر كتبه ، وابنا بابويه والمرتضى قدس الله روحه.
والثاني الاستحباب ، وهو اختيار المفيد قدس الله روحه. والقول الاخر للسيد ، واختاره ابن أبي عقيل وفتوى ابن ادريس.
احتج الموجبون بالاحتياط ، وبرواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام (١) ومثلها رواية محمد بن مسلم عنه عليهالسلام (٢).
واحتج الآخرون باصالة براءة الذمة ، وبظاهر الروايات المشهورة وصريحها والاحتياط معارض بالاصالة ، والروايتان محمولتان على الاستحباب جمعا بين الادلة.
قال رحمهالله : وزكاة القرض على المقترض ان تركه حولا بحاله ، ولو شرطها على المقترض ، قيل : يلزم الشرط. وقيل : لا يلزم ، وهو الاشبه.
أقول : ذهب الشيخ في النهاية (٣) الى اللزوم ، وأطبق باقي الاصحاب على خلافه ، وهو الحق.
لنا ـ اصالة براءة ذمة المقرض ، ولان الزكاة متعلقة بالعين ولا عين هنا ، انما العين في يد المقترض.
ويؤيده رواية يعقوب بن شعيب الصحيحة قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن
__________________
(١) تهذيب الاحكام ٤ / ٩ ، ح ١٣.
(٢) تهذيب الاحكام ٤ / ٩ ، ح ١٢.
(٣) النهاية ص ١٧٦.