تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ١

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي

تفسير كنز الدّقائق وبحر الغرائب - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّي المشهدي


المحقق: حسين درگاهى
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٤٩

صادرة عنه.

وتقديم العبادة على الاستعانة ، لرعاية الفاصلة. أو لأن العبادة ، وسيلة الى الاستعانة ، ان كان المراد بها الاستعانة على ما عدا العبادة ، من المهمات. ولا شك أن تقديم الوسيلة ، أدخل في استيجاب الاجابة ، وان كان المراد بها ، الاستعانة على العبادة ، أو الاستعانة ، مطلقا ، بحيث يدخل فيه العبادة ، أيضا.

فوجه تقديمها ظاهر ، أيضا. لأنها مقصودة بالنسبة الى الاستعانة. وان كان طلب المعونة على الشيء ، مقدّما عليه.

وقيل : لا يبعد أن يجعل العبادة ، اشارة الى الفناء في الله. لأن غاية الخضوع ، هي الرجوع الى العدم الأصلي. والاستعانة ، اشارة الى طلب البقاء ، بعد الفناء ، لتيسر السير في الله. وحينئذ وجه التقديم ، ظاهر ، كما لا يخفى. وفيه ما لا يخفى.

وانما أطلق الاستعانة ، ولم يقيدها بكل مستعان فيه ولا ببعض ، ليحتمل الكل ، ويحمله القارئ على ما يناسب حاله.

«وقرئ «نستعين» ، بكسر النون ، وهي لغة تميم. فإنهم يكسرون حروف المضارعة ، سوى الياء ، إذا لم ينضم ما بعدها» (١).

«وقيل : الواو للحال. والمعنى نعبدك : مستعينين بك» (٢).

فأقول : لما نسب المتكلم العبادة الى نفسه ، أو هم ذلك تبجّحا واعتدادا منه ، بما صدر عنه. فعقّبه بقوله : «وإياك نستعين» ، ليدل على أن العبادة : أيضا ـ مما لا يتم ولا يستتب ، الا بمعونة الله.

(وفي من لا يحضره الفقيه (٣) : وفيما ذكره الفضل من العلل عن الرضا ـ

__________________

(١) ر. أنوار التنزيل ١ / ٩.

(٢) نفس المصدر.

(٣) من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٠٣ ـ ٢١٤ ، ضمن ح ٩٢٧ ، عيون الاخبار ٢ / ١٠٧.

٦١

عليه السلام : إياك نعبد ، رغبة وتقرب الى الله تعالى ذكره ، واخلاص له بالعمل ، دون غيره. و «إياك نستعين» ، استزادة من توفيقه وعبادته واستدامة ، لما أنعم الله عليه ونصره.

وفي مجمع البيان (١) : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله : ان الله ـ تبارك وتعالى ـ منّ عليّ بفاتحة الكتاب ـ الى قوله ـ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) ، اخلاص للعبادة.

(وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ، أفضل ما طلب به العباد ، حوائجهم.

وفي تفسير العياشي (٢) : عن الحسن بن محمد الجمّال ، عن بعض أصحابنا ، قال : بعث عبد الملك بن مروان الى عامل المدينة ، أن وجه الي محمد بن علي بن الحسين ولا تهيجه ولا تروعه. واقض له حوائجه. وقد كان ورد على عبد الملك ، رجل من القدرية. فحضر جميع من كان بالشام. فأعياهم جميعا.

فقال : ما له (٣) الا محمد بن علي.

فكتب الى صاحب المدينة ، أن يحمل محمد بن علي اليه. فأتاه صاحب المدينة ، بكتابه.

فقال له أبو جعفر ـ عليه السلام ـ : اني شيخ كبير لا أقوى على الخروج. وهذا جعفر ، ابني ، يقوم مقامي. فوجهه اليه.

فلما قدم على الأموي ازدراه (٤) لصغره. وكره أن يجمع بينه وبين القدري ، مخافة أن يغلبه. وتسامع الناس ، بالشام ، بقدوم جعفر ، لمخاصمة القدري. فلما كان من الغد ، اجتمع الناس ، لخصومتهما.

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٣١.

(٢) تفسير العياشي ١ / ٢٣ ، ح ٢٤.

(٣) المصدر : لهذا.

(٤) المصدر : إذ دراه.

٦٢

فقال الأموي لأبي عبد الله ـ عليه السلام : انه قد أعيانا ، أمر هذا القدري. وانما كتبت اليك لأجمع بينك وبينه. فانه لم يدع عندنا أحدا ، الا خصمه.

فقال : ان الله يكفيناه.

[قال :] (١) فلما اجتمعوا قال القدري لأبي عبد الله ـ عليه السلام : سل عما شئت! فقال له : اقرأ سورة الحمد! قال : فقرأها. فقال الأموي ـ أنا معه : ما في سورة الحمد علينا. (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ). [قال :] (٢) فجعل القدري يقرأ سورة الحمد ، حتى بلغ قول الله ـ تبارك وتعالى ـ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ).

فقال له جعفر ـ عليه السلام : قف! بمن تستعين؟ وما حاجتك الى المعونة؟ ان الأمر اليك. (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (٣).

وفي كتاب الاحتجاج ، للطبرسي (٤) ـ رحمه الله ـ حديث عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وفيه : يقول لأصحابه : قولوا! إياك نعبد ، أي : [نعبد] (٥) وحدك (٦). ولا نقول كما قالت الدهرية : ان الأشياء لا بدء لها ، وهي دائمة. ولا كما قالت الثنوية «الذين قالوا» (٧) : ان النور والظلمة ، هما المدبران. ولا كما قال مشركو العرب : ان أوثاننا ، آلهة.

فلا نشرك بك شيئا. ولا ندعو من دونك إلها كما يقول هؤلاء الكفار ، «ولا

__________________

(١ و ٢) يوجد في المصدر.

(٣) البقرة / ٢٥٨.

(٤) الاحتجاج ١ / ٢٥.

(٥) يوجد في المصدر.

(٦) المصدر : واحدا.

(٧) ليس في المصدر.

٦٣

كما تقول النصارى واليهود» (١) ، ان لك ولدا. تعاليت عن ذلك «علوا كبيرا» (٢).

وفي شرح الآيات الباهرة : قال الامام (٣) ـ عليه السلام : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ، قال : قال الله تعالى : قولوا أيها الخلق المنعم عليهم : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) أيها المنعم علينا. ونطيعك مخلصين ، مع التذلل والخضوع ، بلا رياء ولا سمعة. وإياك نستعين ، منك نسأل المعونة على طاعتك ، لنؤديها كما أمرت. ونتّقي من دنيانا ، ما «عنه نهيت» (٤). ونعتصم من الشيطان [الرجيم] (٥) ومن سائر مردة [الجن و] (٦) الانس ، المضلين و [من] (٧) المؤذين الظالمين ، بعصمتك) (٨).

(وفي الحديث (٩) : إذا قال العبد : إياك نعبد ، قال الله : صدق عبدي ، اياي يعبد. أشهدكم ، لأثيبه على عبادته ، ثوابا يغبطه كل من خالفه في عبادته لي.

فإذا قال : وإياك نستعين ، قال الله : بي استعان. والي التجأ. أشهدكم «لأعيننّه في شدائده (١٠) ولآخذن بيده ، يوم نوائبه) (١١).

(اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) : بيان للمعونة المطلوبة ، أو افراد ، لما هو المقصود الأعظم.

و «الهداية» : دلالة ، بلطف. ولذلك يستعمل في الخير. فقوله تعالى :

__________________

(١) المصدر : لا نقول كما قالت اليهود والنصارى.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) تفسير العسكري / ١٨.

(٤) المصدر : نهيت عنه.

(٥ و ٦ و ٧) يوجد في المصدر.

(٨) ما بين القوسين ليس في أ.

(٩) عيون الاخبار ١ / ٣٠١.

(١٠) المصدر : لأعيننه على أمره ولأغيثنه في شدائده.

(١١) ما بين القوسين مشطوب في المتن وليس في ر.

٦٤

(فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ) (١) ، على التهكّم. ومنه «الهداية» ، وهوادي الوحش لمقدماتها. والفعل منه هدى. وأصله أن يعدى باللام و «الى». فعومل معه ، معاملة «أختار» ، في قوله تعالى : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ) (٢) (٣).

ومن هنا يظهر أن لا فرق بين المتعدي بنفسه والمتعدي بالحرف.

لكن ، نقل عن صاحب الكشاف : أن هداه لكذا والى كذا ، انما يقال : إذا لم يكن في ذلك فيصل بالهداية اليه. وهداه كذا ، لمن يكون فيه. (فيزداد أو يثبت ولمن لا يكون فيصل. وقد يقال لا نزاع في الاستعمالات الثلاث ، الا أن منهم ، من فرق بأن معنى المتعدي بنفسه ، هو الإيصال الى المطلوب ، ولا يكون الا فعل الله. فلا يسند الا اليه. كقوله : (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) (٤). ومعنى المتعدي بحرف الجر ، هو الدلالة على ما يوصل اليه. فيسند تارة الى القرآن وأخرى الى النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ.

«قيل» (٥) وهداية الله تعالى ، تتنوع أنواعا. لا يحصيها عدّ. لكنها تنحصر في أجناس مترتبة :

الأول ـ افاضة القوى التي يتمكن بها من العبد ، الاهتداء الى مصالحه ، كالقوى العقلية والحواس الباطنة والمشاعر الظاهرة.

والثاني ـ نصب الدلائل الفارقة ، بين الحق والباطل ، والصلاح والفساد.

والثالث ـ الهداية بإرسال الرسل وانزال الكتب.

الرابع ـ أن يكشف على قلوبهم السرائر. ويريهم الأشياء ، كما هي ، بالوحي

__________________

(١) الصافات / ٢٣.

(٢) الاعراف / ١٥٥.

(٣) ر. أنوار التنزيل ١ / ٩.

(٤) العنكبوت / ٦٩.

(٥) ر. أنوار التنزيل ١ / ١٠ ـ ٩.

٦٥

والمنامات الصادقة. وهذا القسم يختص بنيله الأنبياء والأولياء.

وطلب الهداية وغيرها ، من المطالب قد يكون بلسان القول. وقد يكون بلسان الاستعداد. فما يكون بلسان الاستعداد ، لا يتخلف عنه المطلوب. وما يكون بلسان القول ووافقه الاستعداد ، استجيب. والا فلا.

فان قلت : فعلى هذا ، لا حاجة الى لسان القول.

قلت : يمكن أن يحصل في بعض استعداد المطلوب ، من الطلب بلسان القول.

فالاحتياط أن لا يترك الطالب الطلب ، بلسان القول. فبالنسبة الى بعض المراتب ، يطلب بلسان الاستعداد ، وفي بعضها بلسان القول ـ انتهى كلامه.

وطلب الهداية ، بعد الاهتداء ، فان من خصص «الحمد» ، بالله سبحانه.

وأجرى عليه تلك الصفات العظام. وحصر العبادة والاستعانة فيه ، كان مهتديا ، محمول على طلب زيادة الهداية أو الثبات عليها.

وقيل : إذا كان السالك ، في مقام السير الى الله ، ولم يصل الى مطلوبه ، فلا شك أن بينه وبين مطلوبه ، مسافة ، ينبغي أن يقطعها ، حتى يصل اليه ، فلا بد له من طلب الهداية ، ليقطع تلك المسافة. وإذا كان في السير في الله ، فليس لمطلوبه نهاية. ولا ينتهي سيره أبد الآبدين ، فلا بد له ـ أيضا ـ من طلب الهداية.

ولا يخفى عليك ، أن هذا وما سبق من التأويل وما سيأتي منه مبني على ما ذهب اليه الصوفية ، من الأصول الفاسدة. والغرض من نقله ، الاطلاع على فساده.

فبالجملة ، لا بد من طلبها ، وان كانت حاصلة في بعض المراتب. وهذه الصيغة ، موضوعة لطلب الفعل ، مطلقا. لكنه من الأعلى أمر ، ومن الأدنى دعاء ، ومن المساوي التماس. واعتبر بعضهم في الامر الاستعلاء ، وفي الدعاء التضرع ، وفي الالتماس عدمهما.

و «السراط» : الجادة. سمي به على ما توهم أنه يبتلع سالكه ، أو يبتلعه سالكه. كما يقال : أكلته المفازة ، إذا أضمرته ، أو أهلكته. وأكل المفازة إذا

٦٦

قطعها. ولذلك سمي باللقم ، لأنه يلتقمهم أو يلتقمونه.

وقيل : يناسب ابتلاع الصراط السالك ، السير الى الله. فان هذا السير ، ينتهي الى فناء السالك ، وذلك هو ابتلاع الصراط ايّاه. وابتلاع السالك الصراط ، يناسب السير في الله. فان السالك حينئذ ، يبقى ببقاء الله سبحانه. ويسير في صفاته. ويتحقق بها. فكأنه يتبلعها ويتغذى بها.

و «الصراط» ، من قلب السين ، صادا ، لأجل الطاء. لأنها مستعلية. فتوافقها الصاد ، لكونها ـ أيضا ـ من المستعلية. بخلاف السين ، فإنها من المنخفضة. ففي الجمع بينهما ، بعض الثقل. ويشم الصاد ، صوت الزاي ، ليكتسى بذلك نوع جهر فيزداد قربها من الطاء. وقيل : ليكون أقرب الى المبدل عنه. وقرئ بهن ، جميعا.

والأفصح ، اخلاص الصاد. وهي لغة قريش. والجمع ، سرط ، ككتب.

و «الصراط» ، يذكر ويؤنث ، كالطريق ، (١) ، والسبيل. وقرأ ابن مسعود ، أرشدنا.

قيل : المراد «بالمستقيم» ، ما يؤدي الى المقصود ، سواء كان أقرب الطرق ، أم لا. فغير المستقيم ، ما لا يؤدي الى المقصود ، أصلا.

أو المراد ، أقرب الطرق ، الى المقصود. فان أقرب خط ، وصل بين نقطتين ، هو المستقيم. فغير المستقيم ، على هذا ، لا يجب أن يكون من طرق الضلال المطلق. بل يكون أعم.

أو المراد به ، أعدل الطرق ، وهو غير المائل عنه ، يمنة ويسرة.

قيل : فطلب الهداية الى الأول ، يناسب أهل السعادة ، مطلقا.

والى الثاني ، يناسب المتوجهين اليه ، بالوجه الخاص. فانه أقرب الطرق.

والى الثالث ، يناسب طالبي مرتبة الجمع بين الجمع والفرق. فان طريقهم ، غير مائل الى يمين الجمع ولا الى يسار الفرق.

__________________

(١) ر. أنوار التنزيل ١ / ١٠.

٦٧

وقيل (١) : المراد به ، ملة الإسلام.

وفي من لا يحضره الفقيه (٢) : وفي ما ذكره الفضل من العلل ، عن الرضا ـ عليه السلام ـ أنه قال : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) ، استرشاد لدينه. واعتصام بحبله.

واستزادة في المعرفة ، لربه ـ عز وجل ـ ولعظمته وكبريائه.

وفي مجمع البيان (٣) ، قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ : ان الله تعالى ، منّ عليّ بفاتحة الكتاب ـ الى قوله ـ (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) ، صراط الأنبياء.

وهم الذين أنعم الله عليهم.

وفيه (٤) : قيل في معنى «الصراط» وجوه. أحدها ، أنه كتاب الله. وهو المروي عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وعن علي ـ عليه السلام.

وفي تفسير علي بن ابراهيم (٥) : في الموثق ، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) ، قال : الطريق ومعرفة الامام.

وبإسناده (٦) ، الى أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال : والله! نحن الصراط المستقيم.

وفي كتاب المعاني الأخبار (٧) : بإسناده ، الى أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ في قول الله عز وجل (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) (٨) ، وهو أمير المؤمنين ـ

__________________

(١) ر. الكشاف ١ / ١٥ ، أنوار التنزيل ١ / ١٠

(٢) من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٠٤.

(٣) مجمع البيان ١ / ٣١.

(٤) نفس المصدر.

(٥) تفسير القمي ١ / ٢٨.

(٦) نفس المصدر ٢ / ٦٦.

(٧) معاني الاخبار / ٢٨ ، ح ٣.

(٨) يوجد في المصدر ، وهي في الزخرف / ٤.

٦٨

عليه السلام ـ في أم الكتاب في قوله ـ عز وجل ـ (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ).

وبإسناده (١) ، الى المفضل بن عمر ، قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن «الصراط».

فقال : هو الطريق الى المعرفة الله ـ عز وجل. وهما صراطان ، صراط في الدنيا ، وصراط في الاخرة.

فأما الصراط [الذي] (٢) في الدنيا ، فهو الامام المفترض الطاعة. من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه ، مر على الصراط الذي هو جسر جهنم في الاخرة ، ومن لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه عن الصراط في الاخرة. فتردى في نار جهنم.

وفي تفسير علي بن ابراهيم (٣) : ـ أيضا ـ بإسناده الى حفص بن غياث ، قال وصف أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ «الصراط» ، فقال : ألف سنة ، صعود ، وألف سنة ، هبوط ، وألف سنة ، حذاك (٤).

والى سعدان بن مسلم (٥) ، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال : سألته عن «الصراط».

قال : هو أدق من الشعر وأحد من السيف. فمنهم من يمر عليه ، مثل البرق.

ومنهم من يمر عليه ، مثل عدو الفرس. ومنهم من يمر عليه ، ماشيا. ومنهم من يمر عليه ، حبوا. ومنهم من يمر عليه متعلقا ، فتأخذ النار منه شيئا وتترك منه شيئا.

__________________

(١) نفس المصدر / ٢٨ ، ح ١.

(٢) يوجد في المصدر.

(٣) تفسير القمي ١ / ٢٩.

(٤) المصدر : حدال.

(٥) تفسير القمي ١ / ٢٩.

٦٩

وفي كتاب معاني الأخبار (١) ـ أيضا ـ بإسناده الى أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال : الصراط المستقيم ، أمير المؤمنين.

حدثنا (٢) محمد بن القسم (٣) الأسترآبادي المفسر. قال : حدثني يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن سيار (٤) ، عن أبويهما ، عن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ـ عليهم السلام ـ في قوله : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) ، قال : أدم لنا توفيقك الذي به أطعناك في ما مضى من (٥) أيامنا ، حتى نطيعك كذلك في مستقبل أعمارنا.

والصراط المستقيم ، هو الصراطان : صراط في الدنيا ، وصراط في الاخرة.

فأما الطريق المستقيم (٦) ، في الدنيا ، فهو ما قصر عن الغلو ، وارتفع عن التقصير ، واستقام ، فلم يعدل الى شيء من الباطل.

و (٧) الطريق الاخر ، [فهو] (٨) طريق المؤمنين ، الى الجنة ، الذي هو مستقيم.

لا يعدلون عن الجنة الى النار ، ولا الى غير النار ، سوى الجنة.

قال : وقال جعفر بن محمد الصادق ـ عليه السلام ـ في قوله ـ عز وجل : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) ، قال : يقول : أرشدنا الصراط المستقيم. أرشدنا للزوم

__________________

(١) معاني الاخبار / ٢٨ ، ح ٢.

(٢) نفس المصدر / ٢٩ ، ح ٤.

(٣) المصدر : القاسم.

(٤) المصدر : يسار.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) المصدر : وأما الصراط المستقيم.

(٧) المصدر : وأما.

(٨) يوجد في المصدر.

٧٠

الطريق المؤدي الى محبتك ، والمبلغ دينك ، والمانع من أن نتبع هوانا (١) ، فنعطب ، أو نأخذ بآرائنا ، فنهلك.

وبإسناده (٢) الى محمد بن سنان ، عن المفضل بن عمر ، قال : حدثني ثابت الثمالي ، عن سيد العابدين ، علي بن الحسين ـ عليهما السلام ـ قال : نحن أبواب الله. ونحن الصراط المستقيم.

وبإسناده (٣) الى سعد بن طريف ، عن أبى جعفر ـ عليه السلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله : يا علي! إذا كان يوم القيامة ، أقعد أنا وأنت وجبرئيل ، على الصراط. فلم يجز أحد الا من كان معه كتاب ، فيه براءة بولايتك.

وفي أصول الكافي (٤) : بإسناده الى أبي جعفر ـ عليه السلام ـ قال : أوحى الله تعالى الى نبيه ـ صلى الله عليه وآله ـ فاستمسك بالذي أوحى اليك. انك على صراط مستقيم (٥).

قال : انك على ولاية علي ـ عليه السلام ـ وعلي ـ عليه السلام ـ هو «الصراط المستقيم».

علي بن محمد (٦) عن بعض أصحابنا ، عن ابن محبوب ، عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضي ـ عليه السلام ـ قال : قلت :

__________________

(١) المصدر : أهواءنا.

(٢) نفس المصدر / ٣١ ، ح ٥.

(٣) نفس المصدر / ٣١ ، ح ٦.

(٤) الكافي ١ / ٤١٦ ، ح ٢٤.

(٥) الزخرف / ٤٣.

(٦) الكافي ١ / ٤٣٣.

٧١

(أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى ، أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (١).

قال : ان الله ضرب مثل من حاد عن ولاية علي ، كمثل (٢) من يمشي على وجهه لا يهتدي لأمره. وجعل من تبعه سويا على صراط مستقيم. و (الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ.

وفي شرح الآيات الباهرة (٣) : قال الامام ـ عليه السلام ـ : قال جعفر بن محمد الصادق ـ عليهما السلام ـ فقوله عز وجل : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)» يقول : أرشدنا الصراط المستقيم ، للزوم الطريق المؤدي الى محبتك والمبلغ [الى] (٤) جنتك ، والمانع من أن نتبع أهواءنا ، فنعطب ، او نأخذ بآرائنا ، فنهلك.

وقال أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ عن جبرئيل ، عن الله ـ عز وجل ـ «انه قال» (٥) : يا عبادي! كلكم ضال ، الا من هديته. فسلوني الهدى أهدكم.

ومنه : يا عبادي! اعملوا أفضل الطاعات وأعظمها لأسامحكم (٦) ، وان قصرتم فيما سواها. واتركوا أعظم المعاصي وأقبحها لئلا (٧) أناقشكم في ركوب ما عداها.

ان أعظم الطاعات ، توحيدي وتصديق نبيي والتسليم لمن نصبه بعده ، وهو علي ابن أبي طالب والائمة الطاهرون ـ عليهم السلام ـ من نسله. وان أعظم المعاصي

__________________

(١) الملك / ٢٢.

(٢) المصدر : كمن

(٣) تأويل الآيات الباهرة / ٥.

(٤) يوجد في المصدر.

(٥) المصدر : قل.

(٦) المصدر : لأني مسامحكم.

(٧) المصدر : لأني لا.

٧٢

عندي ، الكفر بي وبنبيي ومنابذة وصي محمد من بعده ، علي بن أبي طالب وأوليائه بعده. فان أردتم أن تكونوا عندي ، في المنظر الأعلى ، والشرف الأشرف ، فلا يكونن أحد من عبادي آثر عنده من محمد ، وبعده من أخيه علي ، وبعدهما من أبنائهما ، القائمين بأمور عبادي ، بعدهما. فان من كانت تلك عقيدته ، جعلته من أشراف ملوك جناتي.

واعلموا ان أبغض الخلق الي ، من تمثل بي وادعى ربوبيتي. وأبغضهم الي بعده ، من تمثل بمحمد ونازعه نبوته ، وادعاها. وأبغضهم الي بعده ، من تمثل بوصي محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ ونازعه محله وشرفه ، وادعاهما. وأبغض الخلق الي من بعد هؤلاء ، المدعين لما به (١) لسخطي ، يتعرضون من كان لهم على ذلك من المعاونين. وأبغض الخلق الي بعد هؤلاء ، من كان بفعلهم من الراضين وان لم يكن لهم من المعاونين.

وكذلك أحب الخلق الي ، القوامون بحقي. وأفضلهم لدي وأكرمهم عليّ ، محمد ، سيد الورى ، وأكرمهم وأفضلهم بعده ، علي ، أخو المصطفى ، المرتضى ثم بعدهما ، القوامون بالقسط ، من (٢) أئمة الحق. وأفضل الناس بعدهم ، من أعانهم على (حقهم. وأحب الخلق الي) (٣) بعدهم ، من أحبهم وأبغض أعداءهم وان لم يمكنه معونتهم.

(صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) : بدل من الاول ، بدل الكل ، لفائدتين :

إحداهما : التأكيد بذكر «الصراط» ، مرتين ، لفظا. وتكرير العامل ، تقديرا.

ويلزمهما تكرير النسبة.

__________________

(١) المصدر : فيه.

(٢) ليس في المصدر.

(٣) ليس في المصدر.

٧٣

وثانيتهما : الإيضاح بتفسير المبهم. وفيه ـ أيضا ـ نوع تأكيد. فان ذكر الشيء مبهما وتفسيره ، يفيد تقريره وتأكيده.

وقرئ «من أنعمت عليهم». و «عليهم» في محل النصب ، على المفعولية.

و «الانعام» ، إيصال النعمة. وهي في الأصل ، الحالة التي يستلذها الإنسان.

فأطلقت على ما يستلذه ، من النعمة ، وهي التنعم. ونعم الله وان كانت لا تحصى كما قال : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) (١) ، تنحصر في جنسين : دنيوي وأخروي.

والأول قسمان : موهبي وكسبي.

والموهبي قسمان : روحاني ، كالروح وما يتبعه من القوى ، كالفهم والفكر والنطق. وجسماني ، كالبدن والقوى الحالة فيه والهيئات العارضة له من الصحة وكمال الأعضاء.

والكسبي : تزكية النفس عن الرذائل ، وتحليتها بالأخلاق والملكات الفاضلة ، وتزيين البدن بالهيئات المطبوعة ، والحلي المستحسنة ، وحصول الجاه والمال.

والثاني : أن يغفر ما فرط منه ، ويرضى عنه ، ويبوّؤه في أعلى عليين ، مع الملائكة المقربين ، أبد الآبدين.

والمراد ، هو القسم الأخير وما يكون وصلة الى نيله من القسم الآخر. وما عدا ذلك ، يشترك فيه المؤمن والكافر. فالمراد بالمنعم عليهم ، هم المؤمنون ـ مطلقا.

وأطلق الانعام ولم يقيد بنعمة خاصة ، ليشمل كل انعام. ووجه صحة الشمول هو ادعاء أن من أنعم الله عليه ، بنعمة الإسلام ، لم يبق نعمة الا اصابته. وقيل : الأنبياء ـ عليهم السلام ـ وقيل : أصحاب موسى) (٢) وعيسى – عليهما السلام ـ قبل التحريف

__________________

(١) ابراهيم / ٤٣.

(٢) ما بين القوسين ليس في أ.

٧٤

والنسخ.

وفي كتاب معاني الأخبار (١) : بإسناده الى جعفر بن محمد ـ عليهما السلام ـ قال : قول الله ـ عز وجل ـ في «الحمد» : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) ، يعني : محمدا وذريته ـ صلوات الله عليهم.

حدثنا (٢) محمد بن القاسم الأسترآبادي [، المفسر] (٣) : حدثني يوسف بن «المتوكل ، عن» (٤) محمد بن زياد وعلي بن محمد بن سيار ، عن أبويهما ، عن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب ـ عليهم السلام ـ في قول الله تعالى : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) ، أي : قولوا : اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم ، بالتوفيق لدينك وطاعتك.

وهم الذين قال الله ـ عز وجل (٥) : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ ، فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً).

وحكى هذا بعينه عن أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ قال : ثم قال : ليس هؤلاء المنعم عليهم بالمال وصحة البدن. وان كان كل هذا ، نعمة من الله ، ظاهرة. ألا ترون أن هؤلاء ، قد يكونون كفارا أو فساقا. فما ندبتم الى أن تدعوا ، بان ترشدوا الى صراطهم. وانما أمرتم بالدعاء الى أن (٦) ترشدوا ، الى صراط الذين أنعم عليهم ، بالايمان بالله وتصديق رسوله وبالولاية لمحمد وآله الطيبين وأصحابه

__________________

(١) معاني الاخبار / ٣١ ، ح ٧.

(٢) نفس المصدر / ٣٢ ، ح ٩.

(٣) يوجد في ر.

(٤) ليس في المصدر.

(٥) النساء / ٦٩.

(٦) المصدر : بأن.

٧٥

الخيرين المنتجبين (١) وبالتقية الحسنة التي يسلم بها ، من شر أعداء (٢) الله ، ومن الزيادة ، في آثام أعداء الله وكفرهم ، بأن تداريهم (٣) ولا تغريهم (٤) ، بأذاك وأذى المؤمنين ، وبالمعرفة ، بحقوق الاخوان من المؤمنين.

(حدثنا الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي ، قال : حدثنا فرات بن ابراهيم ، قال : حدثني عبيد بن كثير ، قال : حدثنا (٥) محمد بن مروان ، قال : حدثنا عبيد بن يحيى بن مهران العطار ، قال : حدثنا محمد بن الحسين ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ في قوله الله ـ عز وجل : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) ، قال : شيعة علي ـ عليه السلام ـ الذين أنعمت عليهم بولاية علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ لم يغضب عليهم ولم يضلوا) (٦).

وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة (٧) : بإسناده الى خيثمة الجعفي ، عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ حديث طويل ، وفيه يقول ـ عليه السلام ـ : ونحن الطريق الواضح ، والصراط المستقيم إلى الله ـ عز وجل. ونحن من نعمة الله على خلقه.

(وفي شرح الآيات الباهرة : ذكر أبو علي الطبرسي ـ رحمه الله ـ في

__________________

(١) ليس في المصدر.

(٢) المصدر : عباد.

(٣) أ : تداويهم.

(٤) المصدر : ولا تعزيهم.

(٥) المصدر : حدثني.

(٦) ما بين القوسين مشطوب في المتن وليس في ر.

(٧) كمال الدين وتمام النعمة ١ / ٢٠٥ ، ح ٢٠.

٧٦

تفسيره (١) : انهم النبي والأئمة ـ صلوات الله عليهم ـ بدليل قوله : (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ) (٢). (الاية) ويؤيد ذلك ما جاء في تفسيره (٣) ـ عليه السلام ـ قال الامام ـ صلوات الله عليه : (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) ، أي : قولوا : اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم ، بالتوفيق لدينك وطاعتك. وهم الذين قال الله : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) وليس هؤلاء المنعم عليهم ، بالمال والولد وصحة البدن. وان كان كل ذلك (٤) ، نعمة من الله ، ظاهرة.

ألا ترون أن هؤلاء قد يكونون كفارا او فساقا؟ فما ندبتم الى (٥) أن تدعوا بأن ترشدوا الى صراطهم. وانما أمرتم بالدعاء ، أن ترشدوا الى صراط الذين أنعم عليهم ، بالايمان بالله وتصديق رسوله والولاية (٦) لمحمد وآله الطيبين وأصحابه الخيرين المنتجبين ، وبالتقية الحسنة التي تسلم بها من شر أعداء (٧) الله ومن الزيادة (٨) في آثام (٩) أعداء الله ، وكفرهم (١٠) بأن تداريهم ، ولا تغريهم (١١) بأذاك ولا أذى المؤمنين ،

__________________

(١) مجمع البيان ١ / ٣٠.

(٢) النساء / ٦٩.

(٣) تفسير العسكري / ٢٢ ـ ٢٣.

(٤) المصدر : هذا.

(٥) ليس في المصدر.

(٦) المصدر : بالولاية.

(٧) المصدر : عباد.

(٨) المصدر : شر الزنادقة.

(٩) المصدر : ايام.

(١٠) المصدر : بكفرهم.

(١١) المصدر : فلا تعزيهم.

٧٧

وبالمعرفة بحقوق الاخوان من المؤمنين. فانه ما من عبد ولا أمة والى محمدا وآل محمد وأصحاب محمد ، وعادى أعداءهم (١) ، الا «كانا قد اتخذا» (٢) من عذاب الله حصنا منيعا وجنة حصينة) (٣).

(غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) : بدل من الذين أنعمت عليهم (٤) ، أو صفة له. مبنية ، بناء على اجراء الموصول ، مجرى النكرة ، كقوله : ولقد أمر على اللئيم يسبّني.

أو على جعل «غير المغضوب عليهم» معرفة ، بناء على اشتهار المنعم عليهم ، بمغايرة (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) ، كما في قولك : عليك بالحركة (٥) ، غير السكون.

أو يقيده (٦) على معنى ، أن المنعم عليهم ، هم الذين جمعوا بين النعمة المطلقة ، وهي نعمة الايمان ، وبين السلامة من الغضب والضلال.

وقرئ بالنصب ، على الحال. وذوي الحال ، الضمير في عليهم. والعامل ، أنعمت. أو بإضمار أعني. أو بالاستثناء ، ان فسر النعم ، بما يعم القبيلين.

و «الغضب» : ثوران النفس ، ارادة الانتقام. فإذا أسند الى الله ، أريد الانتهاء والغاية.

و «عليهم» ، في محل الرفع ، على الفاعلية. وانما جاء بالانعام ، مبنيا للفاعل ،

__________________

(١) المصدر : من عاداهم.

(٢) المصدر : كان قد اتخذ.

(٣) ما بين القوسين ليس في أ.

(٤) ليس في أو ر.

(٥) ليس في أ.

(٦) أ : يفتده.

٧٨

ليدل على ثبوت انعام الله ، عليهم. وبالغضب ، مبنيا للمفعول ، لأن (١) طلبت منه الهداية.

ونسب اليه «الانعام» ، لا يناسبه نسبة الغضب اليه. لأن المقام ، مقام تلطف وترضي (٢) ، لطلب الإحسان. فلا يحسن مواجهته ، بصفة الانتقام.

وفي كتاب الأهليلجة (٣) : قال الصادق ـ عليه السلام ـ : وأما الغضب ، فهو منّا ، إذا غضبنا ، تغيرت طبائعنا ، وترتعد ـ أحيانا ـ مفاصلنا ، وحالت (٤) ألواننا. ثم تجيء (٥) من بعد ذلك بالعقوبات. فسمي «غضبا».

فهذا كلام الناس المعروف.

والغضب شيئان : أحدهما في القلب ، وأما المعنى الذي هو في القلب ، فهو منفي عن الله ـ جل جلاله ، وكذلك رضاه وسخطه ورحمته ، على هذه الصفة.

(وفي كتاب الاحتجاج (٦) ، للطبرسي ـ رحمه الله ـ : وروينا بالأسانيد المقدم ذكرها ، عن أبي الحسن العسكري ـ عليه السلام ـ أن أبا الحسن الرضا قال : ان من تجاوز بأمير المؤمنين ، العبودية ، فهو من المغضوب عليهم ومن الضالين (٧).

(وَلَا الضَّالِّينَ) : وقرئ «وغير الضالين». و «لا» هذه ، هي المسماة بالمزيدة ، عند البصريين. وهي انما (٨) ، تقع بعد الواو ، في سياق النفي ، للتأكيد

__________________

(١) أ : الا من.

(٢) أ : ترقى.

(٣) بحار الأنوار ٣ / ١٩٦.

(٤) أ : مالت.

(٥) أ : يجيء.

(٦) الاحتجاج ٢ / ٢٣٣.

(٧) يوجد في أ.

(٨) ر : وانما هي.

٧٩

والتصريح ، بتعلق النفي ، بكل من المعطوفين ، لئلا يتوهم أن المنفي ، هو المجموع ، من حيث هو ، فيجوز ـ حينئذ ـ ثبوت أحدهما. والنفي الذي ، وقعت «لا» بعد الواو ، في سياقه ، هو ما يتضمنه «غير». تقول : أنا زيدا غير ضارب. مع امتناع قولك : أنا زيدا مثل ضارب. لأنه بمنزلة قولك : أنا زيدا لا ضارب.

وقال الكوفيون : هي بمعنى «غير». وهذا قريب من كونها زائدة. فانه لو صرح «بغير» كان للتأكيد ، أيضا.

(وقرئ «ولا الضالون» بالرفع «ولا الضالين» ، بالهمزة ، على لغة من جد في الهرب ، عن التقاء الساكنين) (١).

و «الضلال» : العدول عن الطريق السويّ ـ عمدا أو خطأ. وله عرض عريض والتفاوت ما بين أدناه وأقصاه ، كثير.

قيل (٢) : (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ). اليهود ، لقوله تعالى : (لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ) (٣).

و «الضالين» ، النصارى ، لقوله تعالى : (قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً) (٤).

[وقد روى مرفوعا] (٥).

وقيل (٦) : يتجه أن يقال : المغضوب عليهم ، العصاة ، «والضالون» ، الجاهلون بالله. لأن المنعم عليه ، من وفق للجمع بين معرفة الحق ، لذاته والخير للعمل به.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في أ.

(٢) ر. البيضاوي ، أنوار التنزيل ١ / ١١.

(٣) المائدة / ٦٠.

(٤) المائدة / ٧٧.

(٥) يوجد في المصدر.

(٦) ليس في المصدر.

٨٠