علي موسى الكعبي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-19-5
الصفحات: ١٦٦
بالكذب ، وطرح الكتب في عساكرهم بالسعايات ، وتوهيم الأمور ، وإيجاش بعض من بعض ، وقتلهم بكلّ آلة وحيلة ، كيف وقع القتل ، وكيف دارت بهم الحال !
فمن اقتصر ـ حفظك الله ـ من التدبير على ما في الكتاب والسنة ، كان قد منع نفسه الطويل العريض من التدبير ، وما لا يتناهى من المكايد والكذب ـ حفظك الله ـ أكثر من الصدق ، والحرام أكثر عدداً من الحلال ، ولو سمى إنسان إنساناً باسمه لكان قد صدق ، وليس له اسم غيره ، ولو قال : هو شيطان أو كلب أو حمار أو شاة أو بعير ، أو كل ما خطر على البال ، لكان كاذباً في ذلك ، وكذلك الإيمان والكفر ، وكذلك الطاعة والمعصية ، وكذلك الحق والباطل ، وكذلك السقم والصحة ، وكذلك الخطأ والصواب.
فعلي عليهالسلام كان ملجماً بالورع عن جميع القول إلّا ما هو لله عزّوجلّ رضا ، وممنوع اليدين من كل بطش إلّا ما هو لله رضا ، ولا يرى الرضا إلّا فيما يرضاه الله ويحبّه ، ولا يرى الرضا إلّا فيما دلّ عليه الكتاب والسنة ، دون ما يعول عليه أصحاب الدهاء والنكراء والمكايد والآراء.
فلمّا أبصرت العوام كثرة نوادر معاوية في المكايد ، وكثرة غرائبه في الخداع ، وما اتفق له وتهيأ على يده ، ولم يروَ ذلك من علي عليهالسلام ، ظنّوا بقصر عقولهم ، وقلّة علومهم ، أن ذلك من رجحان عند معاوية ، ونقصان عند علي عليهالسلام » (١).
______________
(١) شرح ابن أبى¨ الحديد ١٠ : ٢٢٨.
المبحث الثاني
ثورة الحسين عليهالسلام
إنّ تاريخ الإسلام الجهادي قد تضمّن معركتين فاصلتين ؛ الاُولى كانت على التنزيل ، وكان قائدها النبي المصطفى محمّد صلىاللهعليهوآله ، وقد واجه فيها أعتى الكفار والمشركين ، فضرب خراطيمهم حتّى قالوا : لا إله إلّا الله. والمعركة الفاصلة الثانية كانت على التأويل وقائدها أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام ، وقد نازل فيها الناكثين والمارقين والقاسطين ، فبقر الباطل حتّى أخرج الحق من خاصرته ، وفقأ عين الفتنة ولم يكن ليجترئ عليها أحد غيره عليهالسلام.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لأمير المؤمنين عليهالسلام : « ياعلي ، تقاتل على التأويل ، كما قاتلت على التنزيل » (١).
ووقعة الطفّ تعدّ المعركة الفاصلة الثالثة في تاريخ الإسلام الجهادي ، وكان بطلها الإمام الحسين بن عليّ أمير المؤمنين عليهالسلام ، وابن بضعة المصطفى صلىاللهعليهوآله الزهراء عليهاالسلام ، وسيّد شباب أهل الجنّة ، وثالث أئمة المسلمين بعد أبيه وأخيه الحسن ، وخامس أهل الكساء الذين اختارهم الله تعالى
______________
(١) أمالي الطوسي : ٣٥١ / ٧٢٦ ، شرح النهج لابن أبي الحديد ٢ : ٢٧٧ ، و ٣ : ٢٠٧ و ١٤ : ٤٣ ، فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ٢ : ٦٣٧ / ١٠٨٣.
لمباهلة نصارى نجران ، وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
الحسين عليهالسلام يمثل الصورة المثلى للإسلام في سيرته وسلوكه وخطه الرسالي الأصيل ، وهو اختصار لشخص الرسول صلىاللهعليهوآله في الخصائص ومكارم الأخلاق والسيرة والسلوك وجميع المواقف ، فقد قال جدّه المصطفى صلىاللهعليهوآله : « حسين مني وأنا من حسين ، أحبّ الله من أحبّ حسيناً ، حسين سبط من الأسباط » (١). وقال صلىاللهعليهوآله : « الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا » (٢).
لقد واجه الإمام الحسين عليهالسلام وضعاً متردياً عاشته الاُمّة في عهد طغاة بني اُمية ، الذين انحرفوا عن خطّ الإسلام الصحيح ، فأشاعوا مظاهر الفساد والإرهاب ، وعادوا إلى أحقادهم الجاهلية المقيتة ، في مواجهة الخطّ الرسالي السليم الذي يتبنّاه أهل بيت النبي المصطفى صلىاللهعليهوآله ، وارتدوا في هذه المواجهة جلباب الإسلام ، ليحفظ لهم سلطانهم ويزيّن لهم صورتهم المزيفة.
لقد استهتر الأمويون بقيم وتعاليم الإسلام ، وأسرفوا في تعاطي المنكرات ، ومارسوا أبشع أنواع الظلم والجور مع الصلحاء والأبرياء ، فتعرّضت القيم والمثل الإسلامية العليا إلى التزييف والتحريف بشكل لا
______________
(١) التاريخ الكبير / البخاري ٨ : ٤١٥ / ٣٥٣٦ ، سنن الترمذي ٥ : ٦٥٨ / ٣٧٧٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٥١ / ١٤٤ ، مسند أحمد ٤ : ١٧٢ ، مصابيح السنة ٤ : ١٩٥ / ٤٨٣٣ ، اُسد الغابة ٢ : ١٩.
(٢) مجمع البيان ٢ : ٧٦٣ ، الفصول المختارة : ٣٠٣.
يُستساغ معه السكوت والركون. ومن هنا فإن ثورة الإمام الحسين عليهالسلام تمثّل أعلى مراحل التضحية والفداء التي بذلها أهل البيت عليهمالسلام من أجل الإصلاح وإقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي استشرى في أوصال الأُمة.
فهذا يزيد ( لعنه الله ) قد صار خليفة للمسلمين بعهدٍ من أبيه الوغد معاوية ، وهو يتجاهر بالكفر والفسوق وأنواع الرذيلة ، وقد وصفه المؤرخون بأنه صاحب طرب وجوارح وكلاب وقرود ومنادمة (١) ، وأنّه كان يُلبِس كلاب الصيد أساور الذهب والجلال المنسوجة منه ، ويهب لكلّ كلبٍ عبداً يخدمه (٢).
وقال فيه عبد الله بن حنظلة وهو يخاطب الغزاة من جيش يزيد : يا قوم ، اتقوا الله وحده لا شريك له ، فوالله ما خرجنا على يزيد بن معاوية حتّى خفنا أن نُرمى بالحجارة من السماء ، إن رجلاً ينكح الأُمهات والبنات والأخوات ، ويشرب الخمر ، ويدع الصلاة ، والله لو لم يكن معي أحد من الناس لأبليت لله فيه بلاءً حسناً (٣).
هذا هو يزيد الذي أراد من الإمام الحسين عليهالسلام أن يبايعه ! فكان جواب الإمام عليهالسلام لعامل يزيد على المدينة الوليد بن عتبة أن قال له بكل
______________
(١) مروج الذهب ٣ : ٦٧.
(٢) الفخري في الآداب السلطانية : ٥٥.
(٣) الطبقات الكبرى ٥ : ٦٦.
عزم وإصرار : « أيها الأمير ، إنا أهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، بنا فتح الله وبنا يختم ، ويزيد رجل شارب الخمور ، وقاتل النفس المحترمة ، ومعلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع مثله ، ولكن نصبح وتصبحون ، وننظر وتنظرون أيّنا أحقّ بالخلافة » (١).
لقد أبت نفس الحسين عليهالسلام أن تبايع ليزيد ، فخرج عليهالسلام بعياله وأعزّته وأهل بيته وأنصاره الصادقين إلى مكّة ، بعد أن ألقى نظرة الوداع على قبر جدّه المصطفى صلىاللهعليهوآله ، فليس ثمّة أحد أحقّ بالنهضة لأجل إصلاح وتغيير الوضع المتردّي في الأُمة غير الإمام الحسين عليهالسلام ، فحدّد أولاً أهداف ثورته ، فكانت الدعوة إلى العمل بكتاب الله وسنة نبيه صلىاللهعليهوآله ، ومواجهة الجور والاستبداد ، وإحياء معالم الدين ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وطلب الإصلاح في الاُمّة ، وكلها جاءت في جملة خطاباته التي هيّأ فيها للنهضة المباركة.
فكتب عليهالسلام إلى رؤوس الأخماس والأشراف بالبصرة كتاباً مع مولى له يقال له سليمان ، جاء فيه : « قد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب ، وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلىاللهعليهوآله ، فإن السنّة قد أُميتت ، وإن البدعة قد أحييت ، وإن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري ، أهدكم سبيل الرشاد ، والسلام عليكم ورحمة الله » (٢).
______________
(١) الفتوح لابن أعثم ٥ : ١٤ ، مقتل الحسين عليهالسلام للخوارزمي ١ : ١٨٤.
(٢) تاريخ الطبري ٥ : ٣٥٧.
وروى أبو مخنف عن عقبة بن أبي العيزار : « أن الحسين عليهالسلام خطب أصحابه وأصحاب الحر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ، إن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : من رأى سلطاناً جائراً مستحلاًّ لحرم الله ، ناكثاً لعهد الله ، مخالفاً لسنة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول ، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله ، ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان ، وتركوا طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد ، وعطّلوا الحدود ، واستأثروا بالفيء ، وأحلّوا حرام الله ، وحرّموا حلاله ، وأنا أحقّ من غير... » (١).
وقال عليهالسلام : « ألا وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ، ولا ظالماً ولا مفسداً ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في اُمّة جدي ، اُريد أن آمر بالمعروف ، وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب ، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم الظالمين » (٢).
وخرج الحسين عليهالسلام مصمّماً على تحقيق أهداف نهضته حتّى ولو أدّى إلى أن يُضرّج بدمه على رمال الطفّ ، وكان عليهالسلام يقول : « إني لا أرى الموت إلّا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلّا برماً » (٣).
______________
(١) تاريخ الطبري ٥ : ٤٠٣ ، الكامل في التاريخ ٤ : ٤٨.
(٢) الفتوح لابن أعثم ٥ : ٢٣ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٨٩.
(٣) حلية الأولياء ٢ : ٣٩ ، الملهوف : ١٣٨ ، بحار الأنوار ٤٤ : ١٩٢ و ٣٨١.
وفي صبيحة اليوم العاشر من المحرم ، زحف القوم لقتال ابن بنت الرسول صلىاللهعليهوآله ، فبالغ في الإعذار لهم والإنذار من غضب الجبار والنصيحة والموعظة ، فكان الجواب هو أن سدّد عمر بن سعد بسهم نحو عسكر الحسين عليهالسلام وقال : اشهدوا لي عند الأمير أني أول من رمى ! ثمّ رمى الناس ، فلم يبقَ من أصحاب الحسين عليهالسلام أحد إلّا أصابه من سهامهم ، فأذن الإمام عليهالسلام لأصحابه وأهل بيته بالقتال ، فتقدّموا إلى الشهادة ، وتسابقوا إلى نيل الرضوان ، وخاضوا حرباً تطايرت فيها الأيدي وقُطِّعت فيها الرؤوس ، فسجّلوا ملحمة البطولة والفداء بدمائهم الزكية.
ومضى عليهالسلام من أجل الإصلاح مضرّجاً بدم الشهادة ، شاهدا على أهل زمانه ، شهيداً من أجل رسالة الإسلام ومبادئه الحقة.
قال خالد بن معدان (١) في رثائه عليهالسلام :
جاءوا برأسكَ ياابن بنتِ محمّدٍ |
|
مُترمّلاً بدمائه تَرْميلا |
وكأنّما بكَ يا ابن بنت محمّدٍ |
|
قَتَلوا جِهاراً عامدينَ رسولا |
قَتَلُوك عَطشاناً ولم يترقّبوا |
|
في قتلك التنزيلَ والتأويلا |
ويُكبّرونَ بأنْ قُتِلت وإنّما |
|
قَتَلوا بكَ التكبِيرَ والتَّهليلا (٢) |
______________
(١) من فضلاء التابعين المختصين بأمير المؤمنين عليهالسلام ومن أهل الصلاح والدين والبأس والنجدة ، توفّي في حدود سنة ١٠٣ ه. أعيان الشيعة ٦ : ٢٩٦.
(٢) مناقب ابن شهرآشوب ٤ : ١١٧ ، الملهوف : ٢١١ ، بحار الأنوار ٤٥ : ١٢٩ و ٢٤٤ ، أعيان الشيعة ٦ : ٢٩٦ ، أدب الطف ١ : ٢٨٨.
وكان من نتائج النهضة الحسينية المباركة أن أرست دعائم الإسلام ، ودافعت عن مبادئه الأصيلة ، وكشفت عن قناع الزيف الأموي ، ومساراته المنحرفة عن جادة الإسلام وكتابه وسنة رسوله صلىاللهعليهوآله ، وفضحت الحكام الأمويين الذين جعلوا من الإسلام شعاراً يمرّرون به أهواءهم المريضة ، وستاراً يستحوذون به على أموال المسلمين وحقوقهم ، وأحيت الضمائر التي خنقها الإرهاب ، فكانت فاتحة الثورات التي سحبت الشرعية من دولة بني اُمية ، وسلطت معاول الهدم على أركانها حتى قوّضت حكمهم إلى الأبد.
لقد كانت معركة الطف في حساب الزمن ساعات من نهار ، لكنها في حساب المبادئ الحقّة والمثل العليا ، وما أفرزته من عناصر الوعي والتصحيح ، اختزلت التاريخ بكلّ أبعاده ، وستبقى منارا لكلّ من دفع حياته ثمنا لنصرة الحق ، ومبدأً لمقارعة الزيف والظلم والطغيان والفساد ، ومظهرا للفداء ونكران الذات ، ورايةً تخفق على طول الزمن.
المبحث الثالث
مقاطعة سلطات الجور
إنّ السلطات المعاصرة لأهل البيت عليهمالسلام قد أمعنت كثيراً في
إقصائهم عن قيادة الاُمّة وعن ممارسة دورهم الرسالي الذي جعله الله تعالى حقّاً
لهم إلى أن تقوم الساعة ، ومارست ضدّهم شتّى أساليب الظلم والجور والقتل ، ومن هنا اتخذ أهل البيت عليهمالسلام بعد الإمام الحسين عليهالسلام موقفاً واضحاً من السلطات الحاكمة المعاصرة لهم ، يتلخص في الدعوة إلى مقاطعتها وتحريم التعاون معها ؛ ذلك لأنّها تعتبر كياناً بعيداً عن المنهج الإسلامي الأصيل في ممارسة الإدارة والحكم وعن مبادئ الإسلام السامية وعقيدته السمحة.
وهذا الموقف جاء في مقابل فتاوى فقهاء البلاط الذين يحاولون إضفاء الشرعية الزائفة على ممارسات حكام الجور ، وهي بمثابة دعوةٍ صريحةٍ للاُمّة في مواجهة الظلم ومقاومة نفوذه بما يتّفق وظروف تلك المرحلة وبما ينسجم مع مسؤوليتهم الرسالية في تقديم النصح للأُمّة وتسديدها عند التباس معالم الهدى والصلاح ، وعلى الأُمّة أن تختار لنفسها المصير الذي تشاء ؛ فإمّا أن تمارس المقاطعة للسلطان الجائر فتنتصر لرسالتها وحقّها في الحياة الحرّة الكريمة ، وإمّا أن ترضخ وتستسلم فتعيش بعيداً عن رسالتها تحت ظلّ القمع والظلم.
عن سليمان الجعفري قال : « قلت لأبي الحسن الرضا عليهالسلام : ما تقول في أعمال السلطان ؟ فقال : ياسليمان ، الدخول في أعمالهم والعون لهم والسعي في حوائجهم عديل الكفر ، والنظر إليهم على العمد من الكبائر التي يستحقّ بها النار » (١).
______________
(١) تفسير العياشي ١ : ٢٣٨ / ١١٠.
وعن أبي بصير ، قال : « سألت أبا جعفر عليهالسلام عن أعمالهم فقال لي : ياأبا محمد ، لا ولا مدّة قلم ، إن أحدكم لا يصيب من دنياهم شيئاً إلّا أصابوا من دينه مثله » (١).
وعن زياد بن أبي سلمة قال : « دخلت على أبي الحسن موسى عليهالسلام فقال لي : يازياد ، إنّك لتعمل عمل السلطان ؟ قال : قلت : أجل ، قال لي : ولِمَ ؟ قلت : أنا رجل لي مروءة وعليّ عيال وليس وراء ظهري شيء ، فقال لي : يازياد ، لئن أسقط من حالق فأتقطّع قطعة قطعة أحبّ إليّ من أن أتولّى لأحدٍ منهم عملاً أو أطأ بساط رجلٍ منهم... » (٢).
وعن حميد ، قال : « قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : إنّي وليت عملاً فهل لي من ذلك مخرج ؟ فقال : ما أكثر من طلب المخرج من ذلك فعسر عليه ، قلت : فما ترى ؟ قال : أرى أن تتّقي الله عزّوجلّ ولا تعد » (٣).
وفي مقابل ذلك أجازوا لبعض شيعتهم ممارسة العمل في أجهزة الدولة ، لمصالح وأسباب خاصة ، منها إرساء قواعد الحقّ والعدل ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والمساعدة في دفع الظلم والجور عن كاهل الأبرياء من المؤمنين وقضاء حوائجهم ، وهو المستفاد من جواب الإمام أبي الحسن موسى عليهالسلام لعلي بن يقطين حين طلب الإذن في ترك منصبه ، قال عليهالسلام : « لا تفعل ، فإن لنا بك أنساً ، ولإخوانك بك عزاً ، وعسى أن يجبر بك
______________
(١) الكافي ٥ : ١٠٦ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٣٣١ / ٩١٨.
(٢) الكافي ٥ : ١٠٩ / ١ ، التهذيب ٦ : ٣٣٣ / ٩٢٤.
(٣) الكافي ٥ : ١٠٩ / ١٥ ، التهذيب ٦ : ٣٣٢ / ٩٢٢.
كسراً ، ويكسر بك نائرة المخالفين عن أوليائه. ياعلي ، كفارة أعمالكم الإحسان إلى إخوانكم ، اضمن لي واحدة وأضمن لك ثلاثة ، اضمن لي أن لا تلقى أحداً من أوليائنا إلّا قضيت حاجته وأكرمته ، وأضمن لك أن لا يظلك سقف سجن أبداً ، ولا ينالك حد سيف أبداً ، ولا يدخل الفقر بيتك أبداً. ياعلي ، من سرّ مؤمناً فبالله بدأ ، وبالنبي صلىاللهعليهوآله ثنّى ، وبنا ثلّث » (١).
وكان من بين الذين زاولوا عمل السلطان علي بن يقطين الذي تقلّد ديوان الأزمّة أيام المهدي ، ومنصب الوزارة أيام هارون ، وأقره الإمام الكاظم عليهالسلام ، وعبد الله بن النجاشي الذي تقلّد ولاية الأهواز في أيام المنصور ، فاستشار الإمام الصادق عليهالسلام برسالةٍ بعثها إليه ، فوجّه الإمام عليهالسلام إليه جوابها برسالةٍ اشترط عليه فيها مراعاة حقوق الإخوان (٢) ، وعبدالله ابن سنان الكوفي ، وكان خازناً للمنصور والمهدي والهادي والرشيد ، وهو ثقة جليل لا يطعن عليه في شيء (٣).
* * *
______________
(١) كتاب قضاء حقوق المؤمنين / الصوري ـ منشور في مجلة تراثنا ـ العدد ٣ الصفحة ١٨٧ ـ الحديث ٢٥.
(٢) راجع مجلة علوم الحديث : ٢٢٩ ، العدد (١١) ـ السنة (٦) ـ محرم ( ١٤٢٣ ه ).
(٣) رجال النجاشي : ٢١٤ ، خلاصة العلّامة : ١٩٢.
الفصل الخامس
معالم التصحيح اللغوي والتاريخي
المبحث الأول
معالم التصحيح اللغوي
لأهل البيت عليهمالسلام إسهامات مهمة في التصحيح اللغوي ، نذكر منها :
١ ـ وضع قواعد العربية :
بعد توسّع الفتوح الإسلامية واختلاط العرب بغيرهم من الأقوام المجاورة ، وشيوع اللحن على الألسن ، ازدادت الحاجة إلى وضع ضابطة تعصم اللسان من اللحن ، من هنا لقّن أمير المؤمنين علي عليهالسلام أبا الأسود الدؤلي قواعد النحو العربي ، فنقّط المصحف نقاط الإعراب ، ليقوّم ما فسد من اللسان ويحافظ على لغة القرآن ، فهو عليهالسلام أوّل من سنّ العربية ووضع قواعد نحوها ، وألقى أُصوله وجوامعه إلى أبي الأسود الدؤلي ، باتّفاق أغلب علماء اللغة ومؤرّخيها (١).
______________
(١) راجع : معجم الأدباء / ياقوت ١٢ : ٣٤ و ١٤ : ٤٢ ، المزهر / السيوطي ٢ : ٣٩٧ ، الخصائص / ابن جنّي ٢ : ٨ ، خزانة الأدب / البغدادي ١ : ٢٨١ ، شذرات الذهب / ابن العماد ١ : ٧٦ ، شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٠ ، صبح الأعشى / القلقشندي ١ : ٣٥٠ و ٤٢٠ و ٣ : ١٥١ ، فهرست ابن النديم : ٥٩.
قال ابن أبي الحديد مبيّناً أثر أمير المؤمنين عليهالسلام في نشأة بعض العلوم : « ومن العلوم : علم النحو والعربية ، وقد علم الناس كافة أنه هو الذي ابتدعه وأنشأه ، وأملى على أبي الأسود الدؤلي جوامعه وأُصوله ، من جملته : الكلام كلّه ثلاثة أشياء : اسم وفعل وحرف. ومن جملتها : تقسيم الكلمة إلى معرفة ونكرة ، وتقسيم وجوه الإعراب إلى الرفع والنصب والجرّ والجزم. وهذا يكاد يلحق بالمعجزات ، لأنّ القوة البشرية لا تفي بهذا الحصر ، ولا تنهض بهذا الاستنباط » (١).
وقد سُئل أبو الأسود : « من أين لك هذا العلم ؟ فقال : لقّنت حدوده من علي بن أبي طالب عليهالسلام » (٢).
وأخذ الدارسون عن أبي الأسود أُصول قواعد العربية ، فكانت الأساس الأوّل الذي أُقيم عليه صرح الدراسات اللغوية والأدبية ، حيث دوّنت أصول اللغة والنحو والصرف بعد استقراء كلام العرب ودراسة مختلف أساليبه.
٢ ـ التأكيد على الإعراب :
عن جميل بن دراج قال : « قال أبو عبد الله عليهالسلام : أعربوا حديثنا ، فإنا قوم فصحاء » (٣).
______________
(١) شرح ابن أبي الحديد ١ : ٢٠.
(٢) وفيّات الأعيان ٢ : ٥٣٧ ، مرآة الجنان / اليافعي ١ : ١٦٢ ، الإصابة ٢ : ٢٤٢.
(٣) الكافي ١ : ٥٢ / ١٣.
٣ ـ الممارسة العملية للتصحيح :
عن عبد الله بن سنان : « أنه وصف بعض الناس أمام أبي عبد الله عليهالسلام بقوله : حسن السمت. فقال عليهالسلام مصحّحاً : لا تقل حسن السمت ، فإن السمت سمت الطريق ، ولكن قل حسن السيماء ، فإنّ الله عزّوجلّ يقول : ( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) » (١).
وروى الشيخ الكليني بالإسناد عن يونس بن يعقوب ، قال : « أنشد الكميت أبا عبدالله عليهالسلام شعرا ، فقال :
أخْلَصَ الله لِي هوايَ فما أُغْ |
|
رقُ نَزْعا ولا تَطيشُ سِهامي |
فقال أبوعبدالله عليهالسلام : لا تقل هكذا ( فما اُغرق نزعاً ) ولكن قل ( فقد اُغرق نزعاً ولا تطيش سهامي ) » (٢).
وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، قال : « قلت لأبي الحسن الرضا عليهالسلام : إنّ الحسن بن محبوب الزرّاد أتانا عنك برسالة ، قال : صدق ، لا تقل الزرّاد ، بل قل السرّاد ؛ إنّ الله تعالى يقول : ( وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ) » (٣).
______________
(١) الكافي ٢ : ١١ / ٢ ، والآية من سورة الفتح : ٤٨ / ٢٩.
(٢) الكافي ٨ : ٢١٥ / ٢٦٢ ، والبيت من أوّل قصيدة في الهاشميّات : ٢٣ ، وتقع في (١٠٣) أبيات ، ومطلعها :
من لقَلبٍ مُتيّمٍ مُستَهامِ |
|
غيرَ ما صَبْوةٍ ولا أحلامِ |
وورد البيت في شرح الهاشميّات : ٣٧ لأبي رياش القيسي ، ورجال الكشي : ٢٠٦ / ٣٦٢ ، والمناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٢٠٧ ، وإعلام الورىٰ / الطبرسي ١ : ٥١٠.
(٣) رجال الكشي : ٥٨٥ / ١٠٩٥ والآية من سورة سبأ : ٣٤ / ١١.
المبحث الثاني
معالم التصحيح التاريخي
لأهل البيت عليهمالسلام اسهامات كثيرة في مجال التصحيح التاريخي (١) سيما في النقاط التي يضفي عليها المؤرخون شيئاً من الضبابية ، أو يتعمدون إسقاطها أو تحريفها ، لأسباب فرضتها هيمنة السلطة الحاكمة على نتاج المؤرخ وسلبها لإرادته ، نذكر هنا على سبيل المثال :
عن إسحاق بن جعفر ، عن أبيه عليهالسلام قال : « قيل له : إنهم يزعمون أن أبا طالب كان كافراً ؟ فقال : كذبوا كيف يكون كافراً وهو يقول :
ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً |
|
نبياً كموسى خطّ في أول الكتب |
وفي حديث آخر : كيف يكون أبو طالب كافراً وهو يقول :
لقد علموا أن ابننا لا مكذب |
|
لدينا ولا يعبأ بقيل الأباطل |
وأبيض يُستسقى الغمام بوجهه |
|
ثمال اليتامى عصمة للأرامل » (٢) |
وعن صفوان الجمّال قال : « كنت أنا وعامر وعبد الله بن جذاعة الأزدي عند أبي عبد الله عليهالسلام قال : فقال له عامر : جعلت فداك ، إن الناس يزعمون أن أمير المؤمنين عليهالسلام دُفن بالرحبة ؟ قال : لا. قال : فأين دفن ؟ قال :
______________
(١) راجع : أبواب التاريخ من أُصول الكافي.
(٢) الكافى ١ : ٤٤٩ / ٢٩.
إنه لما مات احتمله الحسن عليهالسلام فأتى به ظهر الكوفة قريباً من النجف يسرة عن الغري ، يمنة عن الحيرة ، فدفنه بين ذكوات بيض ، قال : فلما كان بعد ذهبت إلى الموضع ، فتوهّمت موضعاً منه ، ثم أتيته فأخبرته فقال لي : أصبت رحمك الله ـ ثلاث مرات ـ » (١).
* * *
______________
(١) الكافي ١ : ٤٥٦ / ٥.
الفصل السادس
تصحيح مفاهيم في الطبّ والغذاء
لم يقتصر أهل البيت عليهمالسلام على طب الأرواح والقلوب ، بل اهتموا بطب الأجسام ، فورد عنهم عليهمالسلام المزيد من الإرشادات والنصائح الطبيّة والآداب الصحية ، ومواصفات لكثير من الأغذية والأدوية وفوائدها ، وعلاجات للأمراض السائدة في زمانهم ضمن معطيات الأدوية المستعملة آنذاك ، وبيّنوا شيئاً وافياً عن الطبائع مما له ربط بصحة الإنسان ومزاجه ، ووظائف الأعضاء وحكمة وضعها في مواضعها.
وقد أثر عن الإمام الرضا عليهالسلام رسالة في الطب اسمها ( الرسالة الذهبية ) كتبها بطلب من المأمون ، وسميت كذلك لأن المأمون أمر أن تكتب بماء الذهب،وهي لاتزال إلى اليوم من أرقى النصوص في موضوعها،وأشهرها بين العلماء،وقد تسالموا على نسبتها للإمام عليهالسلام في شتّى العصور.
وهي تشتمل على ما جرّبه وسمعه عليهالسلام من الأطعمة والأشربة ، واستعمال الأدوية ، ومضارّ الأغذية ومنافعها ، والفصد والحجامة ، والسواك والحمام والنورة وغير ذلك مما يدبر استقامة أمر الجسد ، وما فيه صلاحه وقوامه وتدبيره (١).
______________
(١) راجع : متن الرسالة في بحار الأنوار ٦٢ : ٣٠٩. وهي متداولة ، طبعت في النجف سنة ١٣٨٠ ه ، وفي قم سنة ١٤٠٢ ه ، وفي بيروت بدار المناهل سنة ١٤١٢ ه.
١ ـ دراسات في طب الأئمة عليهمالسلام :
أفرد بعض الأصحاب موضوع طب الأئمة عليهمالسلام بتأليف خاص ، فالذين ذكرهم النجاشي وحده : إسماعيل بن شعيب العريشي ، الحسين بن بسطام ، وأخوه عبد الله بن بسطام (١) ، أحمد بن محمد بن خالد البرقي ، أحمد بن محمد بن سيار ، أحمد بن محمد بن دول القمي ، عبد الله بن جعفر الحميري ، عبد العزيز بن يحيى الجلودي ، علي بن الحسن بن فضال ، علي بن الحسين بن بابويه القمي ، محمد بن أحمد بن محمد بن رجاء البجلي ، محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري ، محمد بن عبيد الله البرقي ، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ، موسى بن الحسن بن عامر الأشعري.
ومن الدراسات الحديثة كتاب ( طب الإمام الكاظم عليهالسلام ) (٢) جمع فيه الأستاذ شاكر شبع كل ما ورد عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليهالسلام من حديث يتعلق بعلم الطب ، وجعل في هامش كتابه دراسة وافية ومقارنة بين طبه عليهالسلام والطب الإسلامي والعربي واليوناني.
٢ ـ تصحيح مفاهيم في الطب :
هناك بعض المفاهيم في الأغذية والأدوية شائعة بين الناس والمتطببين ، وهي في حقيقتها عادات وموروثات مغلوطة ، استطاع الأئمة عليهمالسلام وضعها
______________
(١) ألّفا كتاباً كثير الفوائد والمنافع ، عنوانه طب الأئمة عليهمالسلام ، والمؤلفان من أعلام القرن الرابع الهجري ، مطبوع من منشورات المكتبة الحيدرية ، النجف الأشرف ، ١٣٨٥ ه.
(٢) نشر : المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليهالسلام ـ مشهد.
في نصابها الصحيح ، منها ما رواه إسحاق بن عمار قال : « قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : إنهم يقولون : الزيتون يهيج الرياح ؟ فقال : إنّ الزيتون يطرد الرياح » (١).
وعن عبد الرحمن بن كثير قال : كنت عند أبي عبد الله عليهالسلام فدخل عليه مهزم ، فقال لي أبو عبد الله عليهالسلام : ادع لنا الجارية تجئنا بدهن وكحل. فدعوت بها فجاءت بقارورة بنفسج ، وكان يوماً شديد البرد ، فصبّ مهزم في راحته منها ، ثم قال : جعلت فداك ، هذا بنفسج ، وهذا البرد الشديد ! فقال : وما باله يا مهزم ؟ فقال : إن متطببينا بالكوفة يزعمون أنّ البنفسج بارد ؟ فقال : هو بارد في الصيف ، لين حارّ في الشتاء » (٢).
وعن عمار الساباطي قال : « قال أبو عبد الله عليهالسلام : ما يقول من قبلكم في الحجامة ؟ قلت : يزعمون أنها على الريق أفضل منها على الطعام. قال : لا ، هي على الطعام أدرّ للعروق وأقوى للبدن » (٣).
عن موفق مولى أبي الحسن عليهالسلام قال : « كان مولاي أبو الحسن عليهالسلام إذا أمر بشراء البقل يأمر بالإكثار منه ، ومن الجرجير فيشترى له ، وكان يقول عليهالسلام : ما أحمق بعض الناس يقولون : إنه ينبت في وادٍ في جهنم ! والله عزّوجلّ يقول : ( وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ) (٤) فكيف تنبت البقل ؟! » (٥).
______________
(١) الكافي ٦ : ٣٣١ / ٣.
(٢) الكافي ٦ : ٥٢١ / ٦.
(٣) الكافي ٨ : ٢٧٣ / ٤٠٧.
(٤) سورة البقرة : ٢ / ٢٤.
وعن الحسين بن خالد ، قال : « قلت لأبي الحسن عليهالسلام إن الناس يقولون : من لم يأكل اللحم ثلاثة أيام ساء خلقه ؟ فقال : كذبوا ، ولكن من لا يأكل اللحم أربعين يوماً تغيّر خلقه وبدنه ؛ وذلك لانتقال النطفة في مقدار أربعين يوماً » (١).
وعن سعد بن سعد قال : « قلت لأبي الحسن عليهالسلام : إن أهل بيتي لا يأكلون لحم الضأن. قال : فقال : ولِمَ ؟ قال : قلت : إنهم يقولون : إنه يهيج بهم المرّة السوداء والصداع والأوجاع. فقال لي : يا سعد. فقلت : لبيك. قال : لو علم الله عزّوجلّ شيئاً أكرم من الضأن لفدى به إسماعيل عليهالسلام » (٢).
عن يعقوب بن يزيد ، عن بعض أصحابنا ، قال : « دخلت على أبي الحسن علي بن محمد العسكري عليهالسلام يوم الأربعاء وهو يحتجم ، فقلت له : إن أهل الحرمين يروون عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنه قال : من احتجم يوم الأربعاء فأصابه بياض فلا يلومن إلّا نفسه. فقال عليهالسلام : كذبوا إنما يصيب ذلك من حملته أمه في طمث » (٣).
٣ ـ إرشادات مهمة :
وردت عن آل البيت عليهالسلام بعض الإرشادات الطبية التي لا تزال إلى اليوم تكتسب أهمية فائقة في علم الطب ، سيما في مجال مفهوم الحمية من
______________
(١) الكافي ٦ : ٣٦٨ / ٤.
(٢) بحار الأنوار ٦٦ : ٦٧ / ٤٦.
(٣) الكافي ٦ : ٣١٠ / ٢.
(٤) الخصال : ٣٨٦ / ٧٠.