الفوائد الأصوليّة

الشيخ مرتضى الأنصاري

الفوائد الأصوليّة

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


المحقق: حسن المراغي « غفارپور »
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: شمس تبريزي
المطبعة: ايران يكتا
الطبعة: ١
ISBN: 969-94215-0-5
الصفحات: ٧٧٠

[فائدة ١١]

بسم الله الرّحمن الرّحيم

اصل فى جواز اجتماع الامر والنهى فى الشيء الواحد الشخصى

وامتناعه

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على اعدائهم اجمعين الى يوم الدين.

اصل فى جواز اجتماع الامر والنهى فى الشيء الواحد الشخصى وامتناعه ، وكشف النقاب عن وجه المرام يستدعى رسم مقدمات :

الاولى ـ الجواز (١) لغة له معان متعدّدة ولكن المراد به فى المقام ما يقابل الامتناع والاستحالة العقليين ، واسم من التجوّز الذى يقابل المنع ، ومن هذا الباب الجواز الشرعى المقابل للتحريم اعنى : جنس الوجوب والاستحباب والكراهة والاباحة وهو الاذن فى الفعل ، اذ لا تفاوت بينه وبين الجواز المقابل للامتناع العقلى الّا من حيث المجوّز.

فانّه انّ كان هو العقل كان الجواز عقليا ويقابله الامتناع العقلى ، وان كان

__________________

(١) ـ راجع : مطارح الانظار : ص ١٢٦ وبعدها

٢٤١

هو الشرع كان الجواز شرعيا ويقابله المنع الذى يعبّر عنه بالتحريم.

وكذلك نفرق بملاحظة المجوز بين هذين الجوازين وبين الجواز العادى الذى هو اخص من الجواز العقلى مطلقا واعم من الجواز الشرعى كذلك ، لان الجائز عادة جائز عقلا قطعا ولا عكس ، والجائز شرعا جائز عادة ولا عكس.

وامّا «الجواز العرفى» فمعناه : انّ العرف يستفيد من اللفظ معنى لو عرض على العقل لكان مجوّزا له او مانعا عنه ، فيكون مرجعه حقيقة الى الجواز العقلى او العادى لان الممكن عند العرف شيء وراء الممكن عند العقل او العادة.

وعلى هذا ينبغى ان ينزل قول من قال بجواز اجتماع الامر والنهى عقلا لا عرفا.

توضيح ذلك : انّ جماعة من محققى المتاخرين كالاردبيلى والسلطان والمحقق القمى والطباطبائى وغيرهم ذهبوا فى هذه المسألة ومسئلة النهى عن العبادة [الى] ان اجتماع الامر والنهى فى شيء واحد جائز عقلا ولا استحالة فيه عند العقل اصلا ، ولكنه لا يجوز عرفا باعتبار كون النهى فى العرفى مخصّصا للامر.

وتحرير هذا الكلام الذى ظاهره التفصيل بين القول بالجواز مطلقا والقول بالامتناع مطلقا على ما ينبغى صدوره من هؤلاء الافاضل الفحول هو : انّ متعلّق الامر والنهى بحسب حاقّ اللغة فى مثل قوله : صلّ ولا تغصب او لا تصلّ فى الدار المغصوبة ـ انّما هى طبيعة الصلاة وطبيعة الغصب ولمّا لم

٢٤٢

يكن اجتماع هاتين الطبيعتين فى فرد معين مصداق لهما مستلزما لاجتماع نفس الامر والنهى اعنى : الوجوب والحرمة فى ذلك الفرد لم يكن عند العقل استحالة فى ذلك ، لانه ليس من اجتماع الضدين فى محل واحد ولا تكليفا بغير المقدور ، ولكن المستفاد من الاوامر والنواهى المتعلقة بالطبائع ان جميع افرادها من جميع الاعتبارات والحيثيات مطلوبة فى الاوامر ومبغوضة فى النواهى ، لا بان الاوامر والنواهى تتعلق بالافراد ـ حتى يرد انّ بعض هؤلاء المفصّلين ممن يقول بتعلّقها بالماهيات دون الافراد ـ بل بمعنى ان تعلق الطلب بالماهية المطلقة بحسب متفاهم اهل العرف يدل على ان هذه الماهية المطلوبة حيثما يوجد ليس هنا جهة مبغوضية تعارض حسنها ، وكذا تعلّق النهى بالطبيعة يدلّ عرفا على مراد جميع مصاديقها عن جهة حسن تعارض قبحها.

ومن الواضح ان اجتماع الامر والنهى على هذا التقدير فى شيء من المصاديق من المستحيلات الاولية عند العقل ، ضرورة عدم امكان الحسن من جميع الجهات والقبح من جميع الجهات فى شيء واحد شخصى ، فلا بد حينئذ من التصرف فى احدهما بالتزام تخصيص ونحوه.

فالمراد بالامتناع العرفى حينئذ هو : ان حصول مدلول الامر والنهى بحسب المتعارف فى الاوامر والنواهى اذا عرضا على العقل قضى باستحالة اجتماعهما فى محل واحد لا ان مدلوليهما العرفيين يمكن اجتماعهما عند العقل دون العرف. فكانّ هذا المفصّل يدعى ان الطلب مثلا اذا جوّز للمريض استعمال شيء من الشراب والطعام او نهى عن ذلك ، فهم من تجويزه منع

٢٤٣

الاطلاق انّ فى ذلك المجوّز منفعة لا يعتريه جهة مضرّة فى اى فرد وجد ، ومن نهيه ان فى الشيء المنهى عنه مضرّة لا يشوبها منفعة حيثما وجد.

فاذا فرض اجتماع المجوز والمنهى عنه فى مصداق واحد ، فلا بد من التصرف فى احد الطرفين لاستحالة اجتماع النافع من غير معارض مع الضارّ من غير معارض فى واحد شخصى.

هكذا ينبغى ان يفهم مراد هؤلاء الاعاظم المفصلين ، فلا يغرّنك ما يتوهم من ظاهر التفصيل المزبور من ان الّذي يجوزه العقل هو الّذي يحيله العرف وسيجيء زيادة توضيح لهذا المقام بعد الشروع فى اصل المرام.

ثم ان هذه المسألة ليست من مسائل الاصول نفسها يعنى ما يبحث عن احوال الادلّة ، بل انّما هى من المبادى الاحكامية ، لانّ البحث فى جواز اجتماع الوجوب والحرمة بحث من حال الحكم الشرعى اعنى : الوجوب والحرمة.

نعم يتوقف على هذه المسألة معرفة بعض المسائل الاصولية وهو تعارض الادلة وعدمه ، فانه على فرض جواز اجتماعهما يكون نحو قوله : صلّ ولا تغصب ، مما لا تعارض بينهما اصلا حتى فى مورد الاجتماع وعلى فرض عدم جواز الاجتماع يكون متعارضين. فالتعارض الذى لا خفاء فى كونه من احوال الادلّة يتوقف معرفته فى بعض الادلة على هذه المسألة ، واما درجها فى المسائل الكلامية بملاحظة كونها باحثة عن اجتماع الايجاب والتحريم الذين هما من افعال الواجب ، فليس بجيّد ، لانّ الكلام هنا فى اجتماع الايجاب والتحريم بل فى اجتماع الوجوب والحرمة على ان الايجاب

٢٤٤

والتحريم الذين يبحث عن اجتماعهما يلاحظ فيها جهة الطالبية سواء كان الطالب واجب الوجود ام غيره ، ومسائل الكلام باحثة عن احوال صفات الواجب من حيث كونه واجبا.

الثانية ـ مراد القوم باجتماع الامر والنهى وجودهما معا فى شيء واحد واجد للطبيعة المامور بها والطبيعة المنهى عنها ، فسقوط الامر باعتبار حصول المقصود فى الفرد المنهى عنه كما فى الواجبات التوصلية اذا اجتمعت مع الحرام خارج عن محل النزاع.

فانه فى الحقيقة ليس من قبيل اجتماع الامر والنهى ، بل هو من باب سقوط الواجب بالمحرم وهذا مراد من قال بان الواجب التوصلى يجتمع مع الحرام كصاحب المعالم ـ ره ـ ونحوه ، لا ان الامر التوصلى يجوز ان يجتمع مع النهى وان كان ظاهر هذا القول موهما كذلك.

الثالثة ـ في محل النزاع : ظاهر عنوان المسألة هو ان محل النزاع اجتماع نفس الامر والنهى اى الوجوب والحرمة فى شيء واحد لا اجتماع المامور به والمنهى عنه فى شيء واحد ، وعلى هذا فالنزاع بين المانعين والمجوّزين القائلين بان متعلق الامر والنهى انما هو الطبيعة دون الفرد ـ الذى هو مقدمة لوجودها وعدم وجوب المقدمة ـ يرجع لفظيا ، فانّ الذى يجوز عند هؤلاء انما هو من باب اجتماع الواجب والحرام لا الوجوب والحرمة ، لان الفرد تقدير عدم وجوبه انما هو واحد لطبيعة الواجب وطبيعة الحرام ، من غير ان يسرى شيء اليه من الامر بالطبيعة او نهيها ، فهو مما اجتمع فيه الواجب والحرام لا الوجوب والحرمة.

٢٤٥

نعم على القول بان الامر والنهى متعلقان بالفرد او الماهية ولكن الفرد ايضا واجب او منهى من باب المقدّمة كان النزاع معنويا ، لان تجويز اجتماعهما حينئذ تجوّز لمجامعة نفس الوجوب والحرمة وهو واضح ، وهكذا على القول بتعلق النهى خاصة بالافراد دون الامر مع القول بوجوب الفرد من باب المقدمة لكن الذى يستفاد من تضاعيف كلماتهم بل من تصريحات بعضهم ـ كالعضدى على ما حكى عنه ـ ان النزاع انما هو فى اجتماع الحرام والواجب دون الحرمة والوجوب الذى استحالته بديهى عند العقل ، وعلى هذا فقول المحقق القمى فى اول المسألة بان النزاع انما هو فيما اذا كان الوحدة بالشخص مع تعدد الجهة الموهم لكون ذلك الواحد موردا للامر والنهى ولو باعتبارين مسامحة فى التعبير خصوصا على مذاقه الذى هو تعلق الاوامر بالطبيعة وعدم وجوب الفرد من باب المقدّمة.

الرابعة ـ محل النزاع فى الامر يعمّ جميع اقسامه من المشروط والمطلق والنفسى والغيرى والتعبّدى والتوصّلى والكفائى والعينى ، فقد صرّح غير واحد بخروجه عن محل النزاع لاطباق الكل عدى من يجوّز التكليف بالمحال من الاشاعرة على عدم جواز اجتماعه مع الحرام كما فى حق من توسط دارا مغصوبة فى ضيق الوقت ، فيختصّ النزاع حينئذ بالامر التخييرى العقلى والشرعى على القول بان التخيير فيه انما هو فى المطلوب كما عند الاشاعرة.

وامّا على القول بكونه فى الطلب وحاصله تعلق الوجوب بكل واحد من الافراد على سبيل التخيير المراد به بدل كل واحد عن طلب الآخر ، فينبغى

٢٤٦

بمقايسة ما ذكر فى العينى خروجه ايضا عن محل النزاع ، لان الذى يستحيل اجتماعه مع النهى انما هو طبيعة طلب الفعل على اى وجه كان وهذا موجود فى التخيير الشرعى بذلك.

والحقّ ان التخيير العقلى ايضا لا تفاوت بينه وبين العينى فى الاستحالة وعدمها ، فينبغى تعميم النزاع له ايضا وامثلة جميع هذه الاقسام واضحة بالتامّل حتى مثال اجتماع الامر الكفائى مع النهى العينى ، الّا انّه ينبغى فى مثاله ملاحظة اجتماعهما فى رقبة بعض المكلفين لا فى نفس الواجب ، فانه اذا لوحظ ذلك كان من امثلة اجتماع العينى مثلا : اذا اكره امامى تغسيل المخالف مع وجوبه على وجه الكفاية ، فان لاحظنا بعض الاماميين وقلنا انه مامور على سبيل الكفاية بتغسيل المخالف ومع ذلك فهو منهى عنه نهى تنزيه كان من امثلة اجتماع الامر الكفائى مع النهى العينى ، وان لاحظنا نفس الغسل وقلنا انه مما اجتمع فيه الامر والنهى كان من امثلة اجتماع الامر العينى مع الحرام ، لانّ الفعل الّذى امر به على وجه الكفاية لا خصوصية له من سائر الواجبات الغير الكفاية بل الخصوصية انما هى فى كيفية تعلق الامر برقبات المامورين فانه متعلق بجميع الرقبات من غير سقوط تكليف احدها عن الآخر ، وكذا يعم النزاع من حيث الوجوب والاستحباب وان كان كلامهم فى الامر والنهى الالزاميين هذا كله فى الامر.

وامّا النهى فالنزاع فيه غير مختص ايضا بشيء من اقسامه غير ان النهى التخييرى على فرض امكانه ووجوده لا ينافى الامر التخييرى ، فان مرجع اجتماعهما الى الامر بفعل احد الفردين والنهى عن الآخر كما يظهر بالتامل.

٢٤٧

الخامسة ـ تعارض الامر والنهى قد يكون على وجه التباين كقوله : صلّ ولا تصلّ.

وقد يكون على وجه العموم من وجه كقوله : صلّ ولا تغصب ، وميزانه ان يتغير متعلّقا الامر والنهى مفهوما ، الّا انّه قد يتّحدان بحسب الوجود الخارجى نحو : اتّحاد الكاتب والضاحك اذا اجتمعا فى زيد مثلا ، امّا المغايرة بحسب المفهوم خاصّة مع التصادق فى الخارج دائما نحو المثال المزبور اعنى الكاتب بالقوة والضاحك فهو فى هذا الباب مندرج تحت المتعارضين على وجه التباين.

وقد يكون على وجه العموم المطلق امّا بان يكون العموم فى طرف الامر او فى طرف النهى ، لا اشكال ولا خلاف فى عدم دخول القسم الاوّل وما الحق به تحت النزاع كما انّه لا اشكال ولا خلاف فى استحالته كالاول وليس بجيّد ، فان موضوع البحث فى هذه المسألة ما اذا اختلف المتعلّقان بحسب المفهوم والحقيقة مع التصادق فى الوجود الخارجى احيانا سواء كان لكل منهما مورد افتراق عن الآخر حتى يكون التعارض على جهة العموم من وجه نحو قوله : صلّ ولا تغصب ، او كان الافتراق عن احد الجانبين دون الآخر كقوله : صلّ ولا تغصب فى الصلاة ، نعم اذا كان الخاص عنوانه عين عنوان العام بحسب المفهوم كقوله : صلّ ولا تصلّ فى المكان المغصوب لم يكن هذه المسألة ممهّدة للبحث عن ذلك لكونه مبحوثا عنه فى المسألة الآتية اعنى : النهى فى العبادات ، فليس مجرد كون احدهما عاما والآخر خاصّا موجبا لخروجها عن هذه المسألة كما انّ مجرّد كونهما عامين من وجهين لا

٢٤٨

يوجب وجوبهما فيهما لانّهما قد يكونان من امثلة المسألة الآتية نحو قوله : اسجد لله تعظيما ولا تسجد فى المكان الفلانى ، فمناط الفرق بين المسألتين هو ان موضوع هذه المسألة ما اذا كان المتعلقان متغايرين بحسب المفهوم والحقيقة سواء كان النسبة بينهما عموما من وجه نحو المثال المعروف او مطلقا نحو قوله : صلّ ولا تغصب فى الصلاة.

وموضوع المسألة الآتية هو ان يكون المتعلقان متحدين بحسب المفهوم والحقيقة سواء كان النسبة بينهما عموما مطلقا ـ كالمثال المعروف ـ او من وجه كالمثال الذى ذكرنا.

ومن هنا ينقدح فساد ما قيل فى وجه الفرق من ان الامر والنهى ان كانا عامين ، فالبحث عنهما شغل هذه المسألة ، وان كان احدهما عاما والآخر خاصا فنحو من المسألة الآتية.

ولقائل ان يقول : انّ النسبة اذا كانت عموما من وجه تغاير المتعلقان جدّا ولو بالاعتبار وبملاحظة الخصوصية والقيد فنحو قوله : اسجد لله ، ولا تسجد فى المكان المغصوب يكون من موارد تغاير المتعلقين ، لانّ السجود لله من حيث كونه له تعالى تغاير السجود فى المكان المغصوب من حيث كونه كذلك فتغاير المتعلّقان فيندرج تحت هذه المسألة.

واذا كانت عموما مطلقا اتّحدا حتما فنحو قوله : صلّ ولا تغصب فى الصلاة من امثلة اتحاد المتعلّقين لانّ الغصب فى الصلاة صلاة حقيقة فيندرج تحت المسألة الآتية ولكنه تعسف بارد.

السادسة ـ [فى] محل النزاع ما اذا اجتمع الامر والنهى فى الشيء

٢٤٩

الواحد سواء كان واحدا شخصيا او جنسيا ، لان اجتماع الامر والنهى كما لا يجوز فى الفرد الواحد كذلك لا يجوز فى الجنس الواحد مع ملاحظة جهة الوحدة وهذا واضح ، فلو تعلق الامر بحصّة من الجنس والنهى بحصة اخرى لم يكن متعلّقهما هو الجنس من حيث الوحدة بل من حيث الكثرة ، فلا حاجة حينئذ الى تقييد الوحدة بالوحدة الشخصية بل قد يكون مخلّا لعموم البحث ، نعم تعلق الامر والنهى بجنس واحد من دون تعدد الجهة مستحيل ضرورة لصيرورتهما من المتباينين ومع تعددها يصير من قبيل : اسجد لله ولا تسجد فى المكان المغصوب فيندرج تحت المسألة الآتية على ما قلنا.

السابعة ـ ثمرة هذا النزاع تظهر فى موضعين احدهما الاصول والثانى الفروع ، امّا الاصول فان قلنا بجواز اجتماع الامر والنهى لم يكن بينهما تعارض وتناف اصلا ، فيجتمع بين نحو قوله : صلّ ولا تغصب فى العمل ويقال بصحة الصلاة وحرمة الغصب وان قلنا باستحالته كانا من المتعارضين ، فيرجع الى المرجّحات الداخلية او الخارجية على اختلاف مشارب العلماء فى ذلك.

ولو شككنا فى الجواز وعدمه ولم يتبيّن امره فى العقل بمعنى عدم حكمه بالجواز او الامتناع لزم العمل بما يقتضيه الاصل ولا اصل فى المقام الّا ظاهر الخطابين فيؤخذ باطلاقهما ايضا ، كما اذا حكم بالجواز لكنّ فرض الشك فى الاحكام العقلية لا يخلو عن اشكال او منع.

واما الفروع فان بنينا على الجواز فالصلاة صحيحة مع حرمة الغصب ، وان بنينا على عدم تعارضهما فان كان رجحان فى احدهما فهو وإلّا تساقطا و

٢٥٠

ينبغى حينئذ التوقف والرجوع الى الاصل ومقتضاه انتفاء الحرمة مطلقا ، وامّا صحة الصلاة فمبتنية على مذهب من يبنى على البراءة عند الشك فى الشروط والموانع ، فلو بنى على الاشتغال له تصحّ ولكنّ مع عدم حرمة الغصب لا يقال اذا بنى على فساد الصلاة كان دليل الحرمة ـ وهو النهى ـ بلا معارض اذ لا ريب فى عدم مجيء الامر بالصلاة حينئذ حتى وقع التعارض بينه وبين النهى ، لانّا نقول هذا الفساد انما نشأ من جهة معارضة الامر والنهى ، ثم التساقط وبعد فرض التساقط يكون الصلاة فى المكان المغصوب المستجمع بجميع الشرائط المعلومة عدى اباحة المكان المشكوك اشتراطها فيها من جهة المعارضة مما لم يرد فيه امر ونهى ، فيكون فاسدة من جهة الاشتغال ومباحة من جهة الغصب.

اذا تمهّدت المقدمات فاعلم انّه قد اختلف فى هذه المسألة على قولين :الجواز مطلقا والامتناع كذلك ، والاوّل خيرة بعض المتأخرين والاشاعرة واكثر الامامية سيّما القدماء ، وجميع المعتزلة على القول الاوّل ، واما القول بالتفصيل من الحكم بالجواز عقلا لا عرفا فقد عرف انّه يرجع الى القول بالامتناع وسيأتى توضيح ذلك عند التعرض له.

حجة القول بالجواز امور :

منها : انه لو لم يجز لما وقع نظيره من الشرع وقد وقع كثيرا كما فى العبادات المكروهة نحو : الصلاة فى الحمام ، او فى مواضع التهمة ، والوضوء بالماء المشتبه الغصبية وغير ذلك الى الموارد التى لا تحصى.

بيان الملازمة : انّ الاستحالة المتصورة فى اجتماع الامر والنهى

٢٥١

الالزاميين انّما هى من جهة اجتماع الضدّين والاحكام الخمسة كلّها متضادة بالبديهة ، فلو لم يكن تعدد الجهة فى الواحد الشخصى مجديا لزم القبح والمحال ، ولما جاز اجتماع الحكمين منهما اصلا حتى الوجوب والاستحباب المعلوم اجتماعهما فى بعض افراد الواجب كالصلاة فى المسجد لانّهما متضادّان ايضا نحو تضادّ غيرهما وهذا الدليل نقضى كاشف عن حقيقة المدعى اجمالا. واجيب عنه بوجوه :

احدها ـ النقضى ايضا بصورة القياس الاستثنائى وصورته : انّه لو كان تعدد الجهة مجديا لجاز اجتماع جميع الاحكام بعضها مع بعض من غير تفاوت ، والتالى باطل بالاجماع لما عرفت من الاتفاق على عدم جواز الامر العينى والتخيير الشرعى مع الحرام وخروجها عن محل النزاع ، فالمقدم مثله.

بيان الملازمة على وجه الالزام والنقض : ان الاستحالة المتصورة فى المقام ليست الّا من جهة صرف تضادّ الاحكام وهذه الجهة غير مانعة للاجتماع عند هذا المستدلّ مع تعدد الجهة وتعددها كما يتصور فى الوجوب التخييرى العقلى مع الكراهة كذلك يتصوّر فى الوجوب التخييرى الشرعى مع الحرمة او الوجوب العينى ، فلا بدّ ان نقول بالجواز فيها ايضا مع انه لا نقول به فيظهر من ذلك فساد هذا الدليل النقضى اجمالا.

توضيح هذا النقض : ان الوجوب التخييرى الشرعى قد اجتمع فى الشريعة مع الاستحباب كاختيار تمام الصلاة على القصر فى المواضع الاربعة ، وكذا قد اجتمع الوجوب الكفائى مع الكراهة كتغسيل الامامى للمخالف اذا لوحظ تعلق الامر والنهى التنزيهى ببعض الاماميين دون نفس الفعل ، وكذا

٢٥٢

يجتمع الامر التخييرى مع الكراهة كما فى الصلاة فى الحمام وهكذا الى سائر ما هو واقع جائز.

وهذا المستدلّ لا بد ان يقول فى هذه المواضع كلّها بانّ تعدد الجهة اوجب جواز اجتماعهما فاذا تبدل الكراهة والاستحباب فى هذه المواضع ، فلما ذا لا ينفع تعدد الجهة حينئذ ، وما الفارق بين الحرمة والكراهة؟ حيث يجوز اجتماع الثانى مع الوجوب التخييرى او الكفائى دون الاول.

وثانيها ـ الحلّى وبيانه : ان العبادات المكروهة ليست مما اجتمع فيه الوجوب والكراهة حتى يكون التالى باطلا ، لانّ المراد بالكراهة فى العبادة كونها اقلّ ثوابا يعنى انّ الصلاة فى الحمام مثلا اقلّ ثوابا من الصلاة فى غيره.

وحاصله : انّ لمطلق الصلاة ـ مع قطع النظر عن الخصوصيات ـ ثوابا قد يزيد عن ذلك باعتبار بعض الخصوصيات كايقاعها فى المسجد وقد ينقض كالصلاة فى الحمام ، وقد يبقى بحاله كالصلاة فى البيت ، فمعنى الكراهة فيها ان ترك هذا الفرد واختيار ما هو راجح منه احسن ، وقد اختار هذا الجواب بعض المحقّقين فى حاشيته على المعالم حيث قال بعد ذكر هذا الدليل : «والجواب عما ذكرناه من جواز اجتماع الكراهة والوجوب فيما هو [مرّ ـ خ](١) من قبيل محل النزاع» يعنى فيما اذا كانت النسبة بين العبادة والمكروه عموما من وجه مثل الوضوء والتصرف فى المال المشتبه «فبأنّ اقصى ما يقتضيه ذلك مرجوحية تلك التصرفات بالنظر الى ذواتها (٢) وهو لا ينافى

__________________

(١) ـ فى نسخة من الهداية : مرّ

(٢) ـ فى نسخة اخرى : ذى المال وهى.

٢٥٣

رجحانها من جهة اخرى نظرا الى وقوعها جزءا من العبادة (١) الواجبة ، وحينئذ يقع التعارض (٢) بين الجهتين ومن البين ان مرجوحية المكروه لا يوازى رجحان الواجب ، (٣) فغاية الامر ان يحصل هناك نقص فى ثواب الواجب ويكون الفعل بعد ملاحظة الجهتين (٤) راجحا لا مكروها بمعناه المصطلح» الى ان قال : «ومن ذلك يظهر الجواب عما ذكروه من ثبوت الكراهة لبعض العبادات فان الكراهة هناك ليست معناها المصطلح ، بل بمعنى اقلية الثواب كما نص عليه جماعة من علمائنا وقد اختاره هنا جماعة من الافاضل جوابا عن الايراد المذكور انتهى». (٥)

وخلاصة هذا الكلام بعد التأمل فى اطرافه هى : ان ثبوت الكراهة الشرعية المصطلح يستدعى امرين :

الاوّل ـ اشتمال المكروه على منقصة يوجب مرجوحية فعله عن تركه بناء على مذهب العدلية.

والثانى ـ تعلق الطلب الشرعى بتركه على سبيل التنزيه والذى يجتمع مع الوجوب فى مورد اجتماع نحو الوضوء بالماء الماخوذ من يد الظالم ، انّما هى المرجوحية والمنقصة التى هى جهة الطلب ومقتضيه لا نفسه حتى يرد نقض على المانعين من اجتماع الامر والنهى ، وانما صار كذلك لغلبة

__________________

(١) ـ جاء فى نسخة اخرى من هداية المسترشدين هكذا : الاجازة

(٢) ـ المعارضة

(٣) ـ الراجح الواقع

(٤) ـ لا راجحا

(٥) ـ راجع : هداية المسترشدين : الطبعة الحجرية : سنة ١٣١٠ ص ٣١٧ والسنة ١٢٦٩ ايضا ـ مطارح الانظار ـ ص ١٣١

٢٥٤

مصلحة الوجوب على تلك المنقصة بحيث صارت مانعة عن اقتضائها لطلب الترك باعتبار صيرورة الفعل من جهة اشتماله على مصلحة الوجوب راجحة بالعرض رجحانا يقتضى الوجوب ايضا ، فمرجع اجتماع الكراهة مع الوجوب حينئذ الى اجتماع جهتها ومقتضيها معه وهذا لا غائلة فيه ، لان المرجوح بالذات قد يصير راجحا بالعرض وكذلك العكس وانما الغائلة فى اجتماع الكراهة المصطلحة الجامعة للطلب المتعلّق بالترك مع الوجوب.

هذا غاية ما يوجه به الكلام المزبور بحيث انه ربما يتوهم انه خال عن المحذور ولكنه مع ذلك يرد عليه :

اوّلا ـ ان المانع عن مجيء طلب الترك على ما يقتضيه قوله «ومن البين ان مرجوحية المكروه لا يوازى رجحان الواجب» انّما هو وقوع منقصة المكروه مقابلة مصلحة الواجب ، وانّه لو لا ذلك لكان لا مانع من ثبوت الكراهة المصطلحة وحينئذ فهذا الجواب لا يجرى فى المستحبات المكروهة ، لان منقصة الكراهة لم تقع فى مقابلة مصلحة الواجب حتى يكون معلومة ومقهورة ، اللهم الّا ان يكون المراد معلومية المنقصة من اىّ جهة كانت فالمستحبات المكروهة باعتبار كونها مستحبة كما هو المفروض واجدة لمصلحة فائقة على منقصة الكراهة وهذا سهل بعد كون مدار الجواب على رجحان مصلحة الامر ومرجوحية منقصة النهى.

وثانيا ـ انّ المستدلّ بهذا الدليل النقضى انما هو الاشاعرة المنكرون للحسن والقبح فى الاوامر والنواهى والمصالح والمفاسد الكامنة فى المامور به والمنهى عنه وهذا الجواب مبنى على مذهب العدلية من تبعية الأحكام

٢٥٥

لهما ، فلا وجه لالزامهم بما لا يقولون به فى هذا المقام.

وثالثا ـ انّه على فرض انتفاء الكراهة الشرعية المصطلحة ـ اعنى طلب الترك على ما اعترف به فى الجواب لا دليل على ثبوت المرجوحية والمنقصة فى مورد الاجتماع ، لان نقصان الاشياء وقبائح الافعال لا تنكشف الّا باحد الامرين امّا [ب] العقل القاطع كما فى المستقلات العقلية او بالخطابات الشرعية ، ومن الواضح انّ قبح التصرف فى المال المشتبه مثلا او الصلاة فى الحمام وغير ذلك من موارد النقض ليس من قبيل الاوّل ، فانحصر منشأ الحكم بثبوت المرجوحية والمنقصة فى وجود الخطاب الشرعى وحيث قيل بانتفائه لم يبق دليل على ثبوتها.

فان قلت : قد علمنا من نحو قوله «لا تتصرّف فى المال المشتبه مثلا انّ فيه جهة منقصة يقتضى الكراهة المصطلحة باعتبار الملازمة الثانية بين الخطابات والحسن والقبح فحيث وجدنا عروض الوجوب لفرد من افراد التصرف المزبور ، علمنا انّ ذلك انّما هو باعتبار عروض المصلحة الفائقة على تلك المنقصة فى ذلك الفرد ، فالحكم ببقاء المنقصة وزوال الطلب ـ اعنى الكراهة ـ يستفاد من الخطاب الشرعى المتعلق بطبيعة التصرف بعد ملاحظة عروض الوجوب الفعلى واستحالة اجتماعه مع الكراهة المصطلحة.

قلنا : بعد ان بنينا على وجوب الفرد المكروه وقدمنا اطلاق الامر بالوضوء فى المثال المفروض على اطلاق النهى عن التصرف ، كان ذلك تخصيصا فى اطلاق النهى بحمله على التصرفات الّتى لا يتحقّق فيها الوضوء ، فيكون متعلق النهى من اوّل الامر غير هذا الفرد الذى هو مشمول لاطلاق

٢٥٦

الامر ، ولا ريب انّ تعلّق النهى بشيء لا ينكشف عن منقصة شيء آخر ، أترى انّه اذا قال الطبيب للمريض : لا تأكل الرمان الكذائى!

فهل يكون هذا كاشفا عن اشتمال الفرد الآخر من الرمان على جهة المضرّة.

فمورد الاجتماع بعد ملاحظة الاجماع على اندراجه تحت اطلاق الامر وخروجه عن عموم طلب الترك كان اجنبيا عن المنهى عنه ، فلا دليل حينئذ على اشتماله على جهة منقصة ومرجوحية اصلا.

فان قلت : هب انّ مادة الاجتماع خارجة عن تحت النهى على وجه التخصيص لا لاجل مزاحمة المنقصة والمصلحة ، لكن نقول انّ مرجع التخصيصات كلّها الى انتفاء الحكم فى الخاص لاجل وجود المانع لا لفقد المقتضى ، فانّ المستفاد من قول القائل : «اكرم العلماء ولا تكرم فساقهم» انّ عنوان العالم واجد لمصلحة ايجاب الاكرام ولكن فى الفاسق عارض مصلحتها منقصة اكرامه ، فالعالم الفاسق جامع بين مصلحة الايجاب ومنقصة التحريم الغالبة على تلك المصلحة ويرشد اليه انه اذا شك فى فسق العالم بعد احراز كونه عالما وجب اكرامه لاصالة عدم المانع الذى هو الفسق ولو لا كان عنوان العام مقتضيا للحكمة الّذى هو وجوب الاكرام بالفرض لم يجد الاصل المزبور ضرورة عدم كفاية مجرد عدم المانع من غير احراز للمقتضى وحينئذ فخروج مادة الاجتماع عن تحت النهى لا ينافى بقاء منقصة الكراهة التى هى مقتضية لها.

قلنا : فرق بين عنوان الخطاب والمصلحة الداعية اليه ، لانّ عنوان

٢٥٧

الخطاب فى المثال المزبور انّما هو العلم بحيث يدور معه الخطاب وجودا وعدما ، وامّا المصلحة الداعية اليه فانّما هو الحسن الذى اقتضى ايجاب الالزام ، وهذا الحسن قد يكون منشؤه عنوان الخطاب كالعلم وقد يكون منشؤه شيء آخر ولا سبيل الى العلم بهذا المنشأ الّا بالنص الجلى او بالعقل القاطع ، والّذى يقتضى بوجوده فى مورد التخصيص كالعالم الفاسق فى المثال المزبور انّما هو عنوان الخطاب الذى هو العلم ، واما الحسن الذى كان منشأ ايجاب اكرام مصاديق العالم فلعلّه كان مختصا بالعدول ، وحينئذ فاشتمال مادة الاجتماع اعنى الوضوء بالماء المشتبه على عنوان النهى اعنى التصرف لا يقتضى اشتمالها على المنقصة والمرجوحية الواقعية التى كانت علة للحكم بالكراهة ومنقصة لها ، وما ذكرت من التمسك بالاصل فى مورد الشك لو سلم فانّما هو لاجل احراز عنوان الخطاب اعنى : «العلم» فى المثال المزبور لا لاجل «العلم» بوجود حسن الاكرام فى العالم المجهول الحال ، فتدبر فى المقام حتى لا يشتبه عليك حقيقة المرام.

نعم ربما يكون التخصيص دليلا على وجود المعارض لحسن المامور به او لقبح المنهى عنه كما فى التخصيصات العقلية مثل خروج احد الواجبين المتزاحمين عن الوجوب من حيث وجود المانع عن الامتثال وهو العجز والتعذّر ، ولكنه خارج عما نحن فيه لان التخصيص فى المقام لفظى ناشئ من عموم الامر وبقائه بحاله بحكم الاجماع مع امكان منع بقاء الحسن فى صورة التزاحم ايضا ، لعدم اتّصاف غير المقدور من الافعال بالحسن والقبح ، اللهم الّا ان يدعى مقدورية فعل كل واحد من الواجبين عند المزاحمة ، ولو امتنع

٢٥٨

بينهما فلا مانع من بقاء كل واحد على حسنه وان كان ذلك الحسن فى غير صورة التزاحم علّة للوجوب العينى وفيها للوجوب التخييرى العقلى.

ورابعا ـ انّه على تقدير انحطاط ثواب الواجب ومصلحته عن ترتيبه بسبب المعارضة مع منقصة المكروه التى هو التصرف فى مال الظالم كما يقوله المجيب فمقتضى الحكمة وقاعدة اللطف حينئذ ان يرتفع الوجوب عن مورد التعارض ، ويتعيّن الامتثال فى بقية الافراد الغير الواجدة لتلك المنقصة مع امكان الامتثال فى ضمنها ، كما هو الشأن فى محل الكلام لانّ الرخصة فى اتيان الواجب فى ضمن ما يوجب انحطاط رتبته ونقص ثوابه مع اقتدار المكلف على الاتيان به فى ضمن غيره جاء بالجميع ما فيه من الثواب والمصلحة تفويت للمصلحة من غير ضرورة داعية اليه ، وقبحه على الحكيم واضح ، مثلا اذا تيسر انجاء النفس المحترمة بغير طريق الكذب وجب ذلك الطريق عينا وان تيسّر بطريق الكذب وارتكاب محرم آخر غيره وهذا برهانه ساطع.

وخامسا ـ انّه اذا كان ثواب الواجب فى ضمن الفرد المكروه انقص من ثوابه فى غيره ، لزم ان يكون ذلك الغير افضل الفردين فيلزم ان يكون الصلاة فى نحو البيت والوضوء بغير الماء المأخوذ من يد الظالم مستحبا واجدا لفضيلة زائدة عما فى اصل الواجب من الثواب ، والتالى باطل بالاتفاق فالمقدّم مثله ، بيان الملازمة انّه على فرض معارضية مرجوحية المكروه برجحان الواجب امّا ان يبقى بعد المعارضة من الحسن والمصلحة ما يكفى فى اقتضاء الوجوب اولا ، والثانى باطل بالفرض بناء على مذهب العدلية من

٢٥٩

تبعية الاحكام للصفات ، لان المفروض بقاء الوجوب وارتفاع الكراهة فتعيّن الاوّل ، فحينئذ يكون اصل الثواب المقرّر فى طبيعة الواجب هو الذى يتحقق فى ضمن المكروه ويكون الثواب الّذى يزيد على هذا المقدار اذا اتى بالواجب فى ضمن المباح بمزيد زائدة عن المقرر لاصل الواجب من الحسن والثواب ، ولا نعنى بافضل الفردين الّا ما اشتمل على مزية اخرى غير ما هو لاصل الواجب.

والحاصل انّهم صرحوا بان الثواب المقرّر لمطلق الصلاة مثلا هو الّذى يعصى المصلّى اذا اتى بها فى البيت مثلا وهذا ينافى القول بنقصان ثوابها فى الفرد المكروه لانّ الحصّة الموجودة فيه واجدة لمقدار ثواب الواجب ايضا ، والّا لما كان واجبا وحينئذ فان كان ثواب المكروه والمباح متساويين فى المقدار ، كان هذا قولا بعدم الكراهة ولو بمعنى اقليّة الثواب وهذا نقيض مدعى المجيب ، وان كانا مختلفين لزم ان يكون ما هو الاكثر ثوابا من الثواب المعتبر فى اصل الواجب مستحبا وافضل الفردين وهذا مع بطلانه فى نفسه لا يقول به المجيب لانّه معترف بانّ ثواب الطبيعة باق على حاله فى الفرد المباح ، وانّما يزيد وينقص فى نحو «المسجد» و «الحمام» من الافراد المستحبة والمكروهة هذا.

ثم ان هذه الايرادات الخمس انما ترد على الجواب المزبور حتى جعل المراد بالكراهة قلة الثواب اذا كانت النسبة بين عنوان الواجب والمكروه عموما من وجه كالوضوء والتصرّف فى مال الظالم ، واما اذا كانت عموما مطلقا كالصلاة فى الحمام كما هو منظور نظر الناقض المستدلّ ، فيرد عليه :

٢٦٠