الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-051-X
الصفحات: ٥٠٢
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام عن أبيه عن آبائه عليهمالسلام ، قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : لا يضحّىٰ بالعرجاء البيّن عرجها ، ولا بالعوراء البيّن عورها ، ولا بالعجفاء ، ولا بالجرباء (١) ، ولا بالجذّاء ، وهي المقطوعة الاُذن ، ولا بالعضباء ، وهي المكسورة القرن » (٢) .
ولو كانت العوراء غير مخسوفة العين ، احتمل المنع ؛ لعموم الخبر ، وكما وقع الاتّفاق علىٰ منع ما اتّصف بواحدة من الأربع فكذا ينبغي علىٰ ما فيه نقص أكثر ، كالعمياء .
ولا يعتبر مع العمىٰ انخساف العين إجماعاً ؛ لأنّه يخلّ بالمشي مع الغنم (٣) والمشاركة في العلف أكثر من إخلال العور .
مسألة ٥٩٩ : العضباء ـ وهي مكسورة القرن ـ لا تجزئ إلّا إذا كان القرن الداخل صحيحاً ، فإنّه يجوز التضحية به ـ وبه قال علي عليهالسلام ، وعمّار وسعيد بن المسيّب والحسن (٤) ـ لما رواه العامّة عن علي عليهالسلام وعمّار (٥) ، ولم يظهر لهما مخالف من الصحابة .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام في المقطوعة القرن أو المكسورة القرن : « إذا كان القرن الداخل صحيحاً فلا بأس وإن كان القرن الظاهر الخارج مقطوعاً » (٦) .
ولأنّ ذلك لا يؤثّر في اللحم ، فأجزأت ، كالجمّاء .
وقال باقي العامّة : لا تجزئ ـ وقال مالك : إن كان يدمي ، لم يجز ،
__________________
(١) في المصدر : ولا بالخرماء .
(٢) التهذيب ٥ : ٢١٣ / ٧١٦ .
(٣) في « ق ، ك » : النعم .
(٤ و ٥) المغني ٣ : ٥٩٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤٨ .
(٦) التهذيب ٥ : ٢١٣ / ٧١٧ .
وإلّا جاز (١) ـ لما رووه عن علي عليهالسلام ، قال : « نهىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآله أن يضحّىٰ بأعضب الاُذن والقرن » (٢) (٣) .
وهو محمول علىٰ ما كسر داخله .
وأمّا العضباء ـ وهي التي ذهب نصف اُذنها أو قرنها ـ فلا تجزئ ، وبه قال أبو يوسف ومحمد وأحمد في إحدىٰ الروايتين (٤) .
وكذا لا تجزئ عندنا ما قُطع ثلث اُذنها ـ وبه قال أبو حنيفة وأحمد في الرواية الاُخرىٰ (٥) ـ لأنّ ما قطع بعض اُذنها يصدق عليها أنّها مقطوعة الاُذن ، فتدخل تحت النهي .
مسألة ٦٠٠ : لا بأس بمشقوقة الاُذن أو مثقوبتها إذا لم يكن قد قطع من الاُذن شيء ؛ لما رواه العامّة عن علي عليهالسلام ، قال : « اُمرنا أن نستشرف العين والاُذن (٦) ولا نضحّي بمقابلة ولا مدابرة ولا خرقاء ولا شرقاء » .
قال زهير : قلت لأبي إسحاق : ما المقابلة ؟ قال : يقطع طرف الاُذن ، قلت : فما المدابرة ؟ قال : يقطع من مؤخّر الاُذن ، قلت : فما الخرقاء ؟ قال : تشقّ الاُذن ، قلت : فما الشرقاء ؟ قال : تشقّ اُذنها للسمة (٧) .
__________________
(١) المغني ٣ : ٥٩٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤٨ .
(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٥١ / ٣١٤٥ ، سنن الترمذي ٤ : ٩٠ / ١٥٠٤ ، سنن أبي داود ٣ : ٩٨ / ٢٨٠٥ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ٤ : ٢٢٤ ، مسند أحمد ١ : ٨٣ .
(٣) المغني ٣ : ٥٩٦ و ٥٩٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤٨ .
(٤) تحفة الفقهاء ٣ : ٨٥ ، المغني ٣ : ٥٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤٨ .
(٥) النتف ١ : ٢٤٠ ، تحفة الفقهاء ٣ : ٨٥ ، المغني ٣ : ٥٩٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤٨ .
(٦) أي : نتأمّل سلامتهما من آفةٍ تكون بهما . النهاية ـ لابن الأثير ـ ٢ : ٤٦٢ « شرف » .
(٧) المغني ٣ : ٥٩٧ ـ ٥٩٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤٩ ، سنن أبي داود ٣ : ٩٧ ـ ٩٨ / ٢٨٠٤ ، وفي سنن النسائي ٧ : ٢١٦ و ٢١٧ بدون الذيل .
ومن طريق الخاصّة : قول علي عليهالسلام : « أَمَرنا رسول الله صلىاللهعليهوآله في الأضاحي أن نستشرف العين والاُذن ، ونهانا عن الخرقاء والشرقاء والمقابلة والمدابرة » (١) .
يقال : استشرفت الشيء : إذا رَفَعْتَ بصرَك تنظر إليه ، وبَسَطْتَ كفَّك فُويق حاجبك كأنّك تستظلّ من الشمس .
وسُئل أحدهما عليهماالسلام عن الأضاحي إذا كانت الاُذن مشقوقةً أو مثقوبةً بسمة ، فقال : « ما لم يكن مقطوعاً فلا بأس » (٢) .
مسألة ٦٠١ : لا يجزئ الخصيّ عند علمائنا ؛ لما رواه العامّة عن أبي بردة أنّه قال : يا رسول الله عندي جذعة من المعز ، فقال : ( تجزئك ولا تجزئ أحداً بعدك ) (٣) .
قال أبو عبيد : قال إبراهيم الحربي : إنّما يجزئ الجذع من الضأن في الأضاحي دون الجذع من المعز ؛ لأنّ جذع الضأن يلقح ، بخلاف جذع المعز (٤) وهذا المقتضي موجود في الخصي .
ومن طريق الخاصّة : رواية محمد بن مسلم ـ الصحيحة ـ عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : سألته عن الاُضحية بالخصي ، قال : « لا » (٥) .
ولأنّه ناقص ، فلا يكون مجزئاً .
وقال بعض العامّة : إنّه يجزئه (٦) .
__________________
(١) الفقيه ٢ : ٢٩٣ / ١٤٤٩ ، والتهذيب ٥ : ٢١٢ / ٧١٥ .
(٢) التهذيب ٥ : ٢١٣ / ٧١٨ .
(٣) سنن أبي داود ٣ : ٩٦ ـ ٩٧ / ٢٨٠٠ و ٢٨٠١ ، المغني ٣ : ٥٩٥ نقلاً بالمعنىٰ .
(٤) المغني ٣ : ٥٩٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤٣ .
(٥) التهذيب ٥ : ٢١٠ ـ ٢١١ / ٧٠٧ .
(٦) المغني ٣ : ٥٩٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٥٠ ، المبسوط ـ للسرخسي ـ ١٢ : ١١ ، المجموع ٨ : ٤٠١ .
قال الشيخ : لو ضحّىٰ بالخصيّ ، وجب عليه الإعادة إذا قدر عليه (١) ؛ لأنّه غير المأمور به ، فلا يخرج به عن العهدة .
ولأنّ عبد الرحمن بن الحجّاج سأل ـ في الصحيح ـ الكاظمَ عليهالسلام عن الرجل يشتري الهدي ، فلمّا ذبحه إذا هو خصيّ مجبوب ولم يكن يعلم أنّ الخصيّ لا يجوز في الهدي هل يجزئه أم يعيد ؟ قال : « لا يجزئه إلّا أن يكون لا قوّة به عليه » (٢) .
ويكره الموجوء ـ وهو مرضوض الخصيتين ـ لما روي أنّ النبي صلىاللهعليهوآله ضحّىٰ بكبشين أملحين موجوءين ، رواه العامّة (٣) .
وأمّا مسلول البيضتين : فالأقوىٰ أنّه كالخصيّ .
وأمّا الجمّاء ـ وهي التي لم يخلق لها قرن ـ تجزئ .
قال بعض العامّة : لا تجزئ ؛ لأنّ عدم القرن أكثر من ذهاب بعضه (٤) .
ونمنع الحكم في الأصل .
والأقرب : إجزاء البتراء ، وهي مقطوعة الذنب ، وكذا الصمعاء ، وهي التي لم يخلق لها اُذن ، أو كان لها اُذن صغيرة ؛ لأنّ فقد هذه الأعضاء لا يوجب نقصاً في قيمة الشاة ولا في لحمها .
مسألة ٦٠٢ : المهزولة ـ وهي التي ليس علىٰ كليتها شيء من الشحم ـ لا تجزئ ؛ لأنّه قد مُنع من العرجاء لأجل الهزال فالمهزولة أولىٰ بالمنع .
ولقول الصادق عليهالسلام : « وإن اشتراه وهو يعلم أنّه مهزول لم يجزئ
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٢١١ ، النهاية : ٢٥٨ ، المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٧٣ .
(٢) التهذيب ٥ : ٢١١ / ٧٠٨ .
(٣) المغني ٣ : ٥٩٧ ، سنن أبي داود ٣ : ٩٥ / ٢٧٩٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٤٣ ـ ١٠٤٤ / ٣١٢٢ .
(٤) المغني ٣ : ٥٩٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٥٠ .
عنه » (١) .
وروىٰ الفضيل ، قال : حججت بأهلي سنة ، فعزّت الأضاحي ، فانطلقت فاشتريت شاتين بالغلاء ، فلمّا ألقيت إهابهما ندمت ندامة شديدة لما رأيت بهما من الهزال ، فأتيته فأخبرته ذلك ، فقال : « إن كان علىٰ كليتيها شيء من الشحم أجزأت » (٢) .
ويستحب أن تكون سمينةً تنظر في سواد وتمشي في سواد وتبرك في سواد ـ قيل : أن تكون هذه المواضع منها سوداً ، وقيل : يكون سميناً له ظلّ يمشي فيه ويأكل فيه وينظر فيه ـ لأنّ محمد بن مسلم روىٰ ـ في الصحيح ـ عن أحدهما عليهماالسلام ، قال : « إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كان يضحّي بكبش أقرن عظيم سمين فحل يأكل في سواد وينظر في سواد » (٣) .
إذا عرفت هذا ، فلو اشترىٰ هدياً علىٰ أنّه سمين فوجده مهزولاً ، أجزأ عنه ، وكذا لو اشتراه علىٰ أنّه مهزول فخرج سميناً ، أجزأه أيضاً ؛ للامتثال .
ولقول الصادق عليهالسلام : « وإن اشترىٰ الرجل هدياً وهو يرىٰ أنّه سمين ، أجزأ عنه وإن لم يجده سميناً ، وإن اشترىٰ وهو يرىٰ أنّه مهزول فوجده سميناً ، أجزأ عنه ، وإن اشتراه وهو يعلم أنّه مهزول ، لم يجزئ عنه » (٤) .
ولو اشترىٰ هدياً ثم أراد (٥) أن يشتري أسمن منه ، فليشتره وليبع الأوّل إن أراد ؛ لأنّه لم يتعيّن للذبح .
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٢١١ ـ ٢١٢ / ٧١٢ .
(٢) التهذيب ٥ : ٢١٢ / ٧١٤ بتفاوت يسير .
(٣) التهذيب ٥ : ٢٠٥ / ٦٨٦ .
(٤) التهذيب ٥ : ٢١١ ـ ٢١٢ / ٧١٢ .
(٥) في الطبعة الحجرية : ثم عنّ له ، بدل ثم أراد .
ولقول الصادق عليهالسلام ـ في الحسن ـ في رجل اشترىٰ شاةً ثم أراد أن يشتري أسمن منها ، قال : « يشتريها ، فإذا اشترىٰ باع الاُولىٰ » ولا أدري شاةً قال أو بقرة (١) .
ولو اشترىٰ هدياً ثم وجد به عيباً ، لم يجزئ عنه (٢) ، قاله الشيخ في التهذيب (٣) ؛ لأنّ علي بن جعفر سأل أخاه الكاظمَ عليهالسلام ـ في الصحيح ـ عن الرجل يشتري الاُضحية عوراء فلا يعلم إلّا بعد شرائها هل يجزئ عنه ؟ قال : « نعم إلّا أن يكون هدياً واجباً فإنّه لا يجوز ناقصاً » (٤) .
إذا عرفت هذا ، فلو اشتراه علىٰ أنّه تامٌّ فوجده ناقصاً ، لم يجزئ عنه .
مسألة ٦٠٣ : الإناث من الإبل والبقر أفضل من الذكران ، والذكران من الضأن والمعز أولىٰ ، ولا خلاف في جواز العكس في البابين ، إلّا ما روي عن ابن عمر أنّه قال : ما رأيت أحداً فاعلاً ذلك ، وإن أنحر اُنثىٰ أحبّ إليَّ (٥) .
ولا تصريح فيه بالمنع ، والآية عامّة في قوله تعالىٰ : ( وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ ) (٦) .
وروىٰ العامّة أنّ النبي صلىاللهعليهوآله أهدىٰ جملاً لأبي جهل في أنفه بُرَة (٧) من فضّة (٨) .
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٢١٢ / ٧١٣ .
(٢) في « ق ، ك » : لم يجزئه .
(٣) التهذيب ٥ : ٢١٣ ذيل الحديث ٧١٨ .
(٤) التهذيب ٥ : ٢١٣ ـ ٢١٤ / ٧١٩ .
(٥) المغني ٣ : ٥٩٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٥٤١ .
(٦) الحجّ : ٣٦ .
(٧) البُرَة : حلقة تجعل في لحم الأنف . النهاية ـ لابن الأثير ـ ١ : ١٢٢ « بره » .
(٨) سنن أبي داود ٢ : ١٤٥ / ١٧٤٩ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٣٠ .
ومن طريق الخاصّة : قول الصادق عليهالسلام ـ في الصحيح ـ : « أفضل البُدْن ذوات الأرحام من الإبل والبقر » (١) .
وقد تجزئ الذكورة من البُدْن والضحايا من الغنم الفحولة .
ويكره التضحية بالجاموس وبالثور ؛ لقول لأبي بصير : سألته عن الأضاحي ، فقال : « أفضل الأضاحي في الحجّ الإبل والبقر ذوو الأرحام ، ولا يضحّىٰ بثور ولا جمل » (٢) .
ويستحب أن يكون الهدي ممّا عُرّف به ـ وهو الذي اُحضر عرفة عشيّة عرفة ـ إجماعاً ؛ لقول الصادق عليهالسلام : « لا يضحّىٰ إلّا بما قد عرّف به » (٣) .
ومنع ابن عمر وسعيد بن جبير من التضحية بما لم يعرَّف به (٤) .
والأصل عدم الوجوب ، وسأل سعيدُ بن يسار الصادقَ عليهالسلام : عمّن اشترىٰ شاة لم يعرَّف بها ، قال : « لا بأس عُرّف بها أو لم يُعرّف » (٥) .
ولو أخبر البائع بالتعريف ، قُبل منه ؛ لأنّ سعيد بن يسار سأل الصادقَ عليهالسلام : إنّا نشتري الغنم بمنىٰ ولسنا ندري هل عُرّف بها أم لا ؟ فقال : « إنّهم لا يكذبون ، لا عليك ضَحِّ بها » (٦) .
تذنيب : قال مالك في هدي المجامع : إن لم يكن ساقه ، فليشتره من مكّة ثم ليخرجه إلىٰ الحِلّ ، وليسقه إلىٰ مكّة (٧) . فاشترط فيه الجمع بين
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٢٠٤ / ٦٨٠ .
(٢) التهذيب ٥ : ٢٠٤ / ٦٨٢ .
(٣) التهذيب ٥ : ٢٠٦ ـ ٢٠٧ / ٦٩١ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٥ / ٩٣٦ .
(٤) اُنظر : الشرح الكبير ٣ : ٥٧٩ .
(٥) التهذيب ٥ : ٢٠٧ / ٦٩٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٥ / ٩٣٨ .
(٦) التهذيب ٥ : ٢٠٧ / ٦٩٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٥ / ٩٣٩ .
(٧) الشرح الكبير ٣ : ٥٧٩ .
الحِلّ والحرم ، ولم يوافقه أحد .
لنا : الأصل براءة الذمّة ، ولأنّ القصد اللحم ونفع المساكين به ، وهو لا يقف علىٰ ما ذكره ، ولا دليل علىٰ قوله .
البحث الرابع : في البدل .
مسألة ٦٠٤ : إذا لم يجد الهدي ولا ثمنه ، انتقل إلىٰ البدل عنه ، وهو صوم عشرة أيّام : ثلاثة أيّام في الحجّ متتابعات ، وسبعة إذا رجع إلىٰ أهله ، بالنصّ والإجماع .
قال الله تعالىٰ : ( فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ) (١) .
وتعتبر القدرة علىٰ الهدي في مكانه ، فمتىٰ عدمه في موضعه ، انتقل إلىٰ الصوم وإن كان قادراً عليه في بلده ؛ لأنّ وجوبه موقّت ، وما كان ذلك اعتبرت القدرة عليه في موضعه ، كالماء في الطهارة إذا عدمه في موضعه ، ولا نعلم فيه خلافاً .
مسألة ٦٠٥ : ولو لم يجد الهدي ووجد ثمنه ، فأكثر علمائنا (٢) علىٰ أنّه يضع الثمن عند مَنْ يثق به من أهل مكّة ليشتري له به هدياً ويذبحه عنه في بقية ذي الحجّة ، فإن خرج ذو الحجّة ولم يجد ، اشترىٰ له في ذي الحجّة في العام المقبل ؛ لأنّ وجدان الثمن بمنزلة وجدان العين ، كواجد ثمن الماء ، مع أنّ النصّ ورد : فإن لم تجدوا ماء (٣)
__________________
(١) البقرة : ١٩٦ .
(٢) منهم ابنا بابويه كما في الفقيه ٢ : ٣٠٤ ، والشيخ المفيد في المقنعة : ٦١ ، والسيّد المرتضىٰ في الانتصار : ٩٣ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ٢٥٤ ، والمبسوط ١ : ٣٧٠ .
(٣) الآية في سورتي النساء : ٤٣ والمائدة : ٦ ( فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً ) .
وكذا وجدان ثمن الرقبة في العتق ؛ لأنّ التمكّن يحصل باعتبار الثمن هناك ، ويصدق عليه أنّه واجد للثمن ، فكذا هنا .
ولقول الصادق عليهالسلام في متمتّع يجد الثمن ولا يجد الغنم ، قال : « يخلّف الثمن عند بعض أهل مكّة ويأمر مَنْ يشتري له ويذبح عنه وهو يجزئ عنه ، فإن مضىٰ ذو الحجّة أخّر ذلك إلىٰ قابل [ من ] ذي الحجّة » (١) .
مسألة ٦٠٦ : لو فقد الهدي والثمن ، انتقل إلىٰ الصوم ، ويستحب أن تكون الثلاثة في الحجّ يوماً قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة ، عند علمائنا ـ وبه قال عطاء وطاوُس والشعبي ومجاهد والحسن والنخعي وسعيد بن جبير وعلقمة وعمرو بن دينار وأصحاب الرأي (٢) ـ لأنّ هذه الأيّام أشرف من غيرها ، ويوم عرفة أفضل من غيره من أيّام ذي الحجّة ، فكان صومه أولىٰ .
ولقول الصادق عليهالسلام في متمتّع لا يجد الهدي : « فليصم قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة » (٣) .
ولرواية محمد بن مسلم ـ الصحيحة ـ عن الصادق عليهالسلام ، قال : « صوم الثلاثة الأيّام إن صامها فآخرها يوم عرفة » (٤) .
وقال الشافعي : آخرها يوم التروية ـ وهو محكي عن ابن عمر
__________________
(١) الكافي ٤ : ٥٠٨ / ٦ ، التهذيب ٥ : ٣٧ / ١٠٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٠ / ٩١٦ ، وما بين المعقوفين من المصدر .
(٢) المغني ٣ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤١ ـ ٣٤٢ ، تفسير القرطبي ٢ : ٣٩٩ .
(٣) التهذيب ٥ : ٣٨ ـ ٣٩ / ١١٤ .
(٤) التهذيب ٥ : ٢٣٤ / ٧٩١ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٣ / ١٠٠٣ ، وفيهما عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهماالسلام .
وعائشة ، ومرويّ عن أحمد ـ لأنّ صوم يوم عرفة بعرفة غير مستحب (١) .
وجوابه : أنّ ذلك لموضع الحاجة .
مسألة ٦٠٧ : لو فاته هذه الثلاثة ، صامها بعد أيّام منىٰ ، ولا يسقط عنه الصوم لفواته في العشر ـ وبه قال علي عليهالسلام ، وابن عمر وعائشة وعروة بن الزبير والحسن وعطاء والزهري ومالك والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي (٢) ـ لأنّه صوم واجب ، فلا يسقط بفوات وقته ، كرمضان .
ولرواية رفاعة ، قال : سألت الصادقَ عليهالسلام : فإنّه قدم يوم التروية ، قال : « يصوم ثلاثة أيّام بعد أيّام التشريق » قلت : لم يقم عليه جمّالُه ، قال : « يصوم يوم الحصبة وبعده يومين » قال : قلت : وما الحصبة ؟ قال : « يوم نفره » قلت : يصوم وهو مسافر ! ؟ قال : « نعم أفليس هو يوم عرفة مسافراً ؟ إنّا أهل البيت نقول ذلك ، لقول الله عزّ وجلّ : ( فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ ) (٣) يقول : في ذي الحجّة » (٤) .
وقال ابن عباس وسعيد بن جبير وطاوُس ومجاهد : إذا فاته الصوم في العشر ، لم يصمه بعده ، واستقرّ الهدي في ذمّته ، لقوله تعالىٰ : ( فِي الْحَجِّ ) (٥) .
ولأنّه بدل موقّت ، فيسقط بخروج وقته ، كالجمعة (٦) .
__________________
(١) الحاوي الكبير ٤ : ٥٣ ، المجموع ٧ : ١٨٦ ، المغني ٣ : ٥٠٧ ـ ٥٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٢ ، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ١ : ٢٩٣ ، تفسير القرطبي ٢ : ٣٩٩ .
(٢) المغني ٣ : ٥٠٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٣ ، المجموع ٧ : ١٨٦ و ١٩٣ ، تفسير القرطبي ٢ : ٤٠٠ ، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ١ : ٢٩٥ .
(٣) البقرة : ١٩٦ .
(٤) الكافي ٤ : ٥٠٦ ـ ٥٠٧ / ١ ، التهذيب ٥ : ٣٨ ـ ٣٩ / ١١٤ .
(٥) البقرة : ١٩٦ .
(٦) المغني ٣ : ٥٠٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٣ ، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ١ : ٢٩٥ ، تفسير القرطبي ٢ : ٤٠١ .
والآية تدلّ علىٰ وجوبه في الحجّ ، أي في أشهر الحجّ ، وذو الحجّة كلّه من أشهر الحجّ .
وقياسهم باطل ؛ لأنّ الجمعة ليست بدلاً ، وسقطت ؛ لأنّ الوقت جعل شرطاً لها كالجماعة .
مسألة ٦٠٨ : ويجوز صوم الثلاثة قبل الإحرام بالحجّ ، وقد وردت رخصة في جواز صومها من أوّل العشر إذا تلبّس بالمتعة ـ وبه قال الثوري والأوزاعي (١) ـ لأنّ إحرام العمرة أحد إحرامي التمتّع ، فجاز الصوم بعده وبعد الإحلال منه ، كإحرام الحجّ .
وقد روىٰ زرارة عن الصادق عليهالسلام أنّه قال : « مَنْ لم يجد الهدي وأحبَّ أن يصوم الثلاثة الأيّام في أوّل العشر فلا بأس بذلك » (٢) .
وقال أبو حنيفة : يجوز صومها إذا أحرم بالعمرة . وهو رواية عن أحمد (٣) .
وعنه رواية اُخرىٰ : إذا أحلّ من العمرة (٤) .
وقال مالك والشافعي : لا يجوز إلّا بعد الإحرام بالحجّ ـ وبه قال إسحاق وابن المنذر ، وهو مروي عن ابن عمر ـ لقوله تعالىٰ : ( ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ ) (٥) .
ولأنّه صوم واجب ، فلا يجوز تقديمه علىٰ وقت وجوبه ،
__________________
(١) المغني ٣ : ٥٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٢ ، تفسير القرطبي ٢ : ٣٩٩ .
(٢) التهذيب ٥ : ٢٣٥ / ٧٩٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٣ / ١٠٠٥ .
(٣) المغني ٣ : ٥٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٢ ، المجموع ٧ : ١٩٣ ، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ١ : ٢٩٥ ، التفسير الكبير ٥ : ١٦٩ ، تفسير القرطبي ٢ : ٣٩٩ .
(٤) المغني ٣ : ٥٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٢ .
(٥) البقرة : ١٩٦ .
كرمضان (١) .
والآية لا بدّ فيها من تقدير ؛ فإنّ الحجّ أفعال لا يصام فيها ، إنّما يصام في وقتها أو في أشهرها ؛ لقوله تعالىٰ : ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ) (٢) .
والتقديم جائز إذا وجد السبب ، كتقديم التكفير علىٰ الحنث عنده .
إذا عرفت هذا ، فلا يجوز تقديم صومها علىٰ إحرام العمرة إجماعاً ، إلّا ما روي عن أحمد أنّه يجوز تقديم صومها علىٰ إحرام العمرة (٣) .
وهو خطأ ؛ لأنّه تقديم للواجب علىٰ وقته وسببه ، ومع ذلك فهو خلاف الإجماع .
مسألة ٦٠٩ : ولا يجوز أن يصوم أيّام التشريق بمنىٰ في بدل الهدي وغيره ، عند علمائنا ـ وبه قال علي عليهالسلام ، والحسن وعطاء وابن المنذر وأحمد في إحدىٰ الروايتين ، والشافعي في الجديد (٤) ـ لما رواه العامّة عن أبي هريرة أنّ النبي صلىاللهعليهوآله نهىٰ عن صيام ستّة أيّام : يوم الفطر والأضحىٰ وأيّام التشريق واليوم الذي يشكّ فيه من رمضان (٥) .
ومن طريق الخاصّة : ما رواه الصدوق عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه بعث بديل ابن ورقاء الخزاعي علىٰ جمل أورق ، وأمره أن يتخلّل الفساطيط وينادي
__________________
(١) المغني ٣ : ٥٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٢ ، المجموع ٧ : ١٩٣ ، تفسير القرطبي ٢ : ٣٩٩ ، التفسير الكبير ٥ : ١٦٩ .
(٢) البقرة : ١٩٧ .
(٣) المغني ٣ : ٥٠٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٢ .
(٤) المغني ٣ : ٥١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٣ ، الوجيز ١ : ١٠٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤١٠ ـ ٤١١ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ١٩٦ ، المجموع ٦ : ٤٤٣ و ٤٤٥ ، الحاوي الكبير ٤ : ٥٤ ، تفسير القرطبي ٢ : ٤٠٠ .
(٥) سنن الدارقطني ٢ : ١٥٧ / ٦ .
في الناس أيّام منىٰ : « ألا لا تصوموا ، إنّها أيّام أكل وشرب وبعال » (١) .
وسأل معاويةُ بن عمّار الصادقَ عليهالسلام عن الصيام أيّام التشريق ، فقال : « أمّا بالأمصار فلا بأس به ، وأمّا بمنىٰ فلا » (٢) .
وقال الشافعي في القديم : يجوز صيامها . وهو رواية عن أحمد ، وبه قال ابن عمر وعائشة ومالك وإسحاق (٣) ، لما رواه ابن عمر أنّ النبي صلىاللهعليهوآله رخّص للمتمتّع إذا لم يجد الهدي أن يصوم أيّام التشريق (٤) .
وهو ضعيف السند .
مسألة ٦١٠ : لو لم يصمها بعد أيّام التشريق ، جاز صيامها طول ذي الحجّة أداءً لا قضاءً ـ وبه قال الشافعي ومالك (٥) ـ لأنّه صوم واجب ، فلا يسقط بفوات وقته كرمضان .
ولرواية زرارة ـ الصحيحة ـ عن الصادق عليهالسلام ، قال : « مَنْ لم يجد ثمن الهدي فأحبّ أن يصوم الثلاثة الأيّام في العشر الأواخر فلا بأس بذلك » (٦) .
وقال أبو حنيفة : إذا فاته الصوم بخروج يوم عرفة ، سقط الصوم واستقرّ الهدي في ذمّته ؛ لقوله تعالىٰ : ( فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ ) (٧) (٨) .
__________________
(١) الفقيه ٢ : ٣٠٢ ـ ٣٠٣ / ١٥٠٤ .
(٢) التهذيب ٤ : ٢٩٧ / ٨٩٧ ، الاستبصار ٢ : ١٣٢ / ٤٢٩ .
(٣) الحاوي الكبير ٤ : ٥٣ ، فتح العزيز ٦ : ٤١٠ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ١٩٦ ، المجموع ٦ : ٤٤٣ و ٤٤٥ ، المغني ٣ : ٥١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٣ .
(٤) سنن الدارقطني ٢ : ١٨٦ / ٢٩ .
(٥) فتح العزيز ٧ : ١٧٣ ـ ١٧٤ ، المجموع ٧ : ١٩٣ ، تفسير القرطبي ٢ : ٤٠٠ .
(٦) الفقيه ٢ : ٣٠٣ / ١٥٠٨ .
(٧) البقرة : ١٩٦ .
(٨) أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ١ : ٢٩٥ ، فتح العزيز ٧ : ١٧٤ .
وليس حجّةً ؛ لدلالتها علىٰ الوجوب في أشهر الحجّ ، لا علىٰ السقوط بعد انقضاء عرفة .
ولا يجوز صوم هذه الأيّام الثلاثة إلّا في ذي الحجّة بعد التلبّس بالمتعة .
ولو خرج ذو الحجّة وأهلّ المُحرَّم ، سقط فرض الصوم ، واستقرّ الهدي في ذمّته ـ وبه قال أبو حنيفة (١) ـ لأنّه صوم فات وقته ، فيسقط إلىٰ مُبْدله ، كالجمعة .
ولما رواه منصور ـ في الحسن ـ عن الصادق عليهالسلام ، قال : « مَنْ لم يصم في ذي الحجّة حتّىٰ يهلّ هلال المُحرَّم فعليه دم شاة ، وليس له صوم ، ويذبح بمنىٰ » (٢) .
وقال الشافعي : لا يسقط الصوم ، ولا تجب الشاة ؛ لأنّه صوم يجب بفواته القضاء ، فلم تجب به كفّارة ، كصوم رمضان (٣) .
ونمنع وجوب القضاء .
وقال أحمد : يجوز الصوم ، ولا يسقط بفوات وقته ، لكن يجب عليه دم شاة (٤) .
مسألة ٦١١ : يجب صوم الثلاثة متتابعاً إلّا في صورة واحدة ، وهي أنّه إذا فاته قبل يوم التروية ، فإنّه يصوم يوم التروية وعرفة ويفطر يوم العيد ثم
__________________
(١) اُنظر أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ١ : ٢٩٥ ، وفتح العزيز ٧ : ١٧٤ .
(٢) التهذيب ٥ : ٣٩ / ١١٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٨ / ٩٨٩ .
(٣) فتح العزيز ٧ : ١٧٣ ـ ١٧٤ ، المجموع ٧ : ١٩٣ ، المغني ٣ : ٥١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٤ .
(٤) المغني ٣ : ٥١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٣ ـ ٣٤٤ ، فتح العزيز ٧ : ١٧٤ ، المجموع ٧ : ١٩٣ .
يصوم يوماً آخر بعد انقضاء أيّام التشريق .
ولو صام غير هذه الأيّام ، وجب فيها تتابع الثلاثة ، ولا يجوز تخلّل الإفطار بين اليومين والثالث إلّا في الصورة التي ذكرناها .
ولم يوجب العامّة (١) التتابع .
والاحتياط ينافيه ؛ لأنّ الأمر ينبغي المسارعة إليه بقدر الإمكان ، وهو إنّما يتحقّق بالتتابع .
ولقول الصادق عليهالسلام : « لا يصوم الثلاثة الأيّام متفرّقة » (٢) .
وقال عليهالسلام فيمن صام يوم التروية ويوم عرفة : « يجزئه أن يصوم يوماً آخر » (٣) .
وأمّا السبعة : فلا خلاف في جواز تفريقها ؛ لأنّ إسحاق بن عمّار سأل الكاظمَ عليهالسلام : عن صوم السبعة اُفرّقها ؟ قال : « نعم » (٤) .
مسألة ٦١٢ : أوجب علماؤنا التفريق بين الثلاثة والسبعة ؛ لأنّهم أوجبوا صوم ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة في بلده ـ وبه قال الشافعي في حرملة ، ونقله المزني عنه (٥) ـ لقوله تعالىٰ : ( فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ) (٦) .
__________________
(١) المغني ٣ : ٥٠٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٤ ، فتح العزيز ٧ : ١٩٠ ، المجموع ٧ : ١٩٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٧٦ .
(٢) التهذيب ٥ : ٢٣٢ / ٧٨٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٠ / ٩٩٤ .
(٣) التهذيب ٥ : ٢٣١ / ٧٨٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٩ / ٩٩١ .
(٤) التهذيب ٥ : ٢٣٣ / ٧٨٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٨١ / ٩٩٨ .
(٥) فتح العزيز ٧ : ١٧٤ ـ ١٧٥ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٠٩ ، المجموع ٧ : ١٨٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦٥ ، تحفة الفقهاء ١ : ٤١٢ ، مختصر المزني : ٦٤ .
(٦) البقرة : ١٩٦ .
وما رواه العامّة عن النبي صلىاللهعليهوآله في حديث طويل : ( فمن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجع إلىٰ أهله ) (١) .
ومن طريق الخاصّة : رواية علي بن جعفر ـ في الصحيح ـ عن الكاظم عليهالسلام ، قال : « ولا يجمع الثلاثة والسبعة جميعاً » (٢) .
والقول الثاني للشافعي : يصوم إذا فرغ من أيّام الحجّ . وبه قال أبو حنيفة وأحمد ـ وحكي عن الشافعي أنّه يصوم إذا خرج من مكّة سائراً في الطريق ، وبه قال مالك ـ لأنّ كلّ مَنْ لزمه صوم وجاز له أن يؤدّيه إذا رجع إلىٰ وطنه جاز قبل ذلك ، كقضاء رمضان (٣) .
والقياس لا يعارض الكتاب والحديث .
مسألة ٦١٣ : هذه السبعة تصام إذا رجع إلىٰ أهله ، وإن أقام بمكّة ، انتظر وصول الناس إلىٰ بلده ، أو مضيّ شهر ثم يصومها ؛ لما رواه معاوية بن عمّار ـ في الصحيح ـ قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : مَنْ كان متمتّعاً فلم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة إذا رجع إلىٰ أهله ، فإن فاته ذلك وكان له مقام بمكّة وأراد أن يصوم السبعة ترك الصيام بقدر مسيره إلىٰ أهله أو شهراً ثم صام » (٤) .
وقال مالك وأبو حنيفة : يصوم بعد مضيّ أيّام التشريق (٥) .
__________________
(١) صحيح البخاري ٢ : ٢٠٥ ـ ٢٠٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٠١ / ١٢٢٧ ، سنن النسائي ٥ : ١٥١ ، سنن البيهقي ٥ : ١٧ و ٢٣ .
(٢) التهذيب ٤ : ٣١٥ / ٩٥٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٨١ / ٩٩٩ .
(٣) فتح العزيز ٧ : ١٧٦ ـ ١٧٧ ، المجموع ٧ : ١٨٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦٥ ، المغني ٣ : ٥٠٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٢ ـ ٣٤٣ .
(٤) التهذيب ٥ : ٢٣٤ / ٧٩٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٢ ـ ٢٨٣ / ١٠٠٢ .
(٥) المغني ٣ : ٥٠٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٢ ، أحكام القرآن ـ لابن العربي ـ ١ : ١٣١ ، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ١ : ٢٩٨ ـ ٢٩٩ ، تفسير القرطبي ٢ : ٤٠١ .
وقال عطاء ومجاهد : يصومها في الطريق . وهو قول إسحاق (١) .
وقال ابن المنذر : يصومها إذا رجع إلىٰ أهله (٢) . وللشافعي ثلاثة أقوال تقدّمت في المسألة السابقة .
إذا عرفت هذا ، فإنّ التفريق بين صوم الثلاثة والسبعة واجب ؛ لما تقدّم .
ولو لم يصم الثلاثة وأقام بمكة حتىٰ مضىٰ شهر ، أو وصل أصحابه إلىٰ بلده ، لم يجب عليه التفريق ، وهو أحد قولي الشافعي ، وفي الثاني : يجب عليه التفريق .
وفي كيفيّته أربعة أقوال : أحدها : يفصل بقدر المسافة وأربعة أيّام ، وثانيها : بأربعة أيّام ، وثالثها : قدر المسافة ، ورابعها : يفصل بيوم (٣) .
مسألة ٦١٤ : لو مات مَنْ وجب عليه الصوم ولم يصم ، فإن لم يكن قد تمكّن من صيام شيء من العشرة ، سقط الصوم ، ولا يجب علىٰ وليّه القضاء عنه ، ولا الصدقة عنه ـ وهو قول أكثر العامّة والشافعي في أحد القولين (٤) ـ لأنّه غير واجد للهدي ، فلا يجب عليه ، ولا قادر علىٰ الصوم ، فلا يجب أيضاً عليه . نعم يستحب للوليّ القضاء عنه .
ولو تمكّن من صيام العشرة وأهمل ، قال الشيخ رحمهالله : يقضي الوليّ عنه ثلاثة أيّام وجوباً ، ولا يجب قضاء السبعة (٥) .
__________________
(١) المغني ٣ : ٥٠٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٢ ـ ٣٤٣ .
(٢) المغني ٣ : ٥٠٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٣ ، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ١ : ٢٩٨ ، تفسير القرطبي ٢ : ٤٠١ .
(٣) فتح العزيز ٧ : ١٨٣ ـ ١٨٥ ، المجموع ٧ : ١٨٨ ـ ١٨٩ .
(٤) فتح العزيز ٧ : ١٩٣ ، المجموع ٧ : ١٩٢ ، المغني ٣ : ٥١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٥ .
(٥) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٧٠ .
وقال ابن إدريس : يجب قضاء السبعة أيضاً (١) . وهو المعتمد ـ وهو أحد قولي الشافعي (٢) ـ لأنّه صوم واجب لم يفعله ، فوجب علىٰ وليّه القضاء عنه ، كرمضان .
ولرواية معاوية بن عمّار ، قال : « مَنْ مات ولم يكن له هدي لمتعته فليصم عنه وليّه » (٣) .
ولو لم يتمكّن من صيام السبعة ، لم يجب علىٰ الوليّ قضاؤها .
وفي القول الثاني للشافعي : يتصدّق الوليّ عنه (٤) ، وهو قول العامّة .
إذا عرفت هذا ، فلو تمكّن الحاجّ من صوم السبعة بعد رجوعه إلىٰ أهله ، وجب عليه صيامها ، ولا تجزئ الصدقة عنها ؛ لأنّ الصدقة بدل ، فلا تجزئ مع التمكّن من فعل المُبْدل عنه ، كالتيمّم .
مسألة ٦١٥ : لو تلبّس بالصوم ثم أيسر أو وجد الهدي ، لم يجب عليه الهدي ، بل استحبّ له ـ وبه قال الحسن وقتادة ومالك والشافعي وأحمد في إحدىٰ الروايتين (٥) ـ لقوله تعالىٰ : ( فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ) (٦) مقتضاه وجوب الصوم علىٰ غير الواجد ، وهذا غير واجد ، والانتقال إلىٰ الهدي يحتاج إلىٰ دليل .
__________________
(١) السرائر : ١٣٩ .
(٢) فتح العزيز ٧ : ١٩٣ ـ ١٩٤ ، المجموع ٧ : ١٩٢ .
(٣) الكافي ٤ : ٥٠٩ / ١٢ ، التهذيب ٥ : ٤٠ / ١١٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٦١ / ٩٢١ .
(٤) فتح العزيز ٧ : ١٩٣ ـ ١٩٤ ، المجموع ٧ : ١٩٢ .
(٥) المغني ٣ : ٥١١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٥ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٩ ، تفسير القرطبي ٢ : ٤٠١ ، الحاوي الكبير ٤ : ٥٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦٥ ، الوجيز ١ : ١١٦ ، فتح العزيز ٧ : ١٩١ ، المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٠٩ ، المجموع ٧ : ١٩٠ ، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ١ : ٢٩٧ ، المحلّىٰ ٧ : ١٤٥ .
(٦) البقرة : ١٩٦ .
وظاهر كلام الشيخ : اشتراط صيام ثلاثة أيّام (١) ، وبه قال حمّاد والثوري (٢) .
وقال أبو حنيفة : يجب عليه الانتقال إلىٰ الهدي ، وكذا إذا وجد الهدي بعد أن صام ثلاثة أيّام قبل يوم النحر [ و ] (٣) إن وجده بعد أن مضت أيّام النحر ، أجزأه الصوم وإن لم يتحلّل ؛ لأنّه قد مضىٰ زمان التحلّل ، لأنّه وجد المُبْدل قبل فراغه من البدل ، فأشبه المتيمّم إذا وجد الماء في أثناء تيمّمه ، وإذا وجد الهدي قبل يوم النحر فقد وجد المُبْدل قبل حصول المقصود بالبدل ، وهو التحلّل (٤) .
والفرق : أنّ المقصود من التيمّم الصلاة ، وليس مقصوداً في نفسه ، والصوم عبادة مقصودة يجب ابتداءً بالشرع لا كغيرها .
مسألة ٦١٦ : لو أحرم بالحجّ ولم يصم ثم وجد الهدي ، تعيّن عليه الذبح ، ولا يجزئه الصوم ـ وبه قال أحمد في إحدىٰ الروايتين ، والشافعي في بعض أقواله (٥) ـ لأنّه قدر علىٰ المُبْدل قبل شروعه في البدل ، فلزمه الانتقال إليه ، كالمتيمّم إذا وجد الماء ، ولحصول يقين البراءة مع الذبح ، بخلاف الصوم .
وقال الشافعي في بعض أقواله : فرضه الصوم ، وإن أهدىٰ كان
__________________
(١) النهاية : ٢٥٦ ، المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٧١ .
(٢) المغني ٣ : ٥١١ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٥ ، تفسير القرطبي ٢ : ٤٠١ .
(٣) أضفناها لأجل السياق .
(٤) أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ١ : ٢٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦٥ ، المحلّىٰ ٧ : ١٤٥ ، فتح العزيز ٧ : ١٩١ ، تفسير القرطبي ٢ : ٤٠١ ، بداية المجتهد ١ : ٣٦٩ .
(٥) المغني ٣ : ٥١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٥ ، فتح العزيز ٧ : ١٩١ ـ ١٩٢ ، المجموع ٧ : ١٩٠ ، المحلّىٰ ٧ : ١٤٥ .
أفضل (١) .
وله قول ثالث : إنّ عليه الهدي لا غير ، ولا يجزئه الصيام ، وهو الرواية الثانية لأحمد (٢) .
والشافعي بنىٰ أقواله علىٰ أقواله في الكفّارات هل الاعتبار بحال الوجوب أو الأداء ؟ فإن قلنا بحال الوجوب ، أجزأه الصيام ، وإن قلنا بحال الأداء أو بأغلظ الحالين ، لزمه الهدي (٣) .
مسألة ٦١٧ : لو تعيّن عليه الصوم وخاف الضعف عن المناسك يوم عرفة ، أخّر الصوم إلىٰ بعد انقضاء أيّام التشريق ، ولو خرج عقيب أيّام التشريق ولم يصم الثلاثة ، صامها في الطريق أو إذا رجع إلىٰ أهله ؛ للرواية (٤) الصحيحة عن الصادق عليهالسلام . والأفضل المبادرة إلىٰ صومها في الطريق ؛ إذ ليس السفر مانعاً .
هذا إذا لم يهلّ المُحرَّم ، فإذا أهلّ قبل صومها ، تعيّن عليه الهدي .
قال الشيخ : ولو لم يصم الثلاثة لا بمكّة ولا في الطريق ورجع إلىٰ بلده وكان متمكّناً من الهدي ، بعث به ، فإنّه أفضل من الصوم .
قال : والصوم بعد أيّام التشريق يكون أداءً لا قضاءً ، فلو أحرم بالحجّ ولم يكن صام ثم وجد الهدي ، لم يجز له الصوم ، وتعيّن عليه الهدي ، فلو مات ، اشتُري الهدي من صلب ماله ؛ لأنّه دَيْنٌ (٥) .
__________________
(١) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٠٩ ، فتح العزيز ٧ : ١٩١ ـ ١٩٢ .
(٢) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٠٩ ، المغني ٣ : ٥١٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٤٥ .
(٣) المهذّب ـ للشيرازي ـ ١ : ٢٠٩ ، المجموع ٧ : ١٩٠ ، فتح العزيز ٧ : ١٩١ ـ ١٩٢ .
(٤) الكافي ٤ : ٥٠٧ ـ ٥٠٨ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٣٩ / ١١٥ .
(٥) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٣٧١ .