الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-34-5
الصفحات: ٤٠٦
وقال الشافعي : يستحب أن يكون ثلاثاً ، وبه قال عطاء (١) ، وقال ابن سيرين : يمسح مرتين فريضة ، ومرة سنة (٢) ، لأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله توضأ مرّة مرّة ، إلى أن قال : وتوضأ ثلاثاً وقال : ( هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي ) (٣). وقد تقدم جوابه.
فإن كرر معتقداً وجوبه فعل حراماً ولم يبطل وضوؤه ، ولو لم يعتقد وجوبه فلا بأس.
ح ـ الدعاء عند كلّ فعل وعند الفراغ بالمنقول.
ط ـ الوضوء بمد ، وهو قول علمائنا وأكثر أهل العلم (٤) ، والواجب المسمى لحصول الامتثال ، وروى عبد الله بن زيد أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله توضأ بثلثي مد (٥).
ومن طريق الخاصة قول علي عليهالسلام : « الغُسل من الجنابة والوضوء يجزي فيه ما جرى » (٦).
____________
١ ـ الاُم ١ : ٢٦ ، المجموع ١ : ٤٣٢ ، فتح العزيز ١ : ٤٠٨ ، مغني المحتاج ١ : ٥٩ ، المغني ١ : ١٤٤ ، الشرح الكبير ١ : ١٧١ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٧ ، بداية المجتهد ١ : ١٣ ، بدائع الصنائع ١ : ٢٢ ، تفسير القرطبي ٦ : ٨٩ ، نيل الأوطار ١ : ١٩٧.
٢ ـ الموجود في المصادر التالية ، أن ابن سيرين قائل بالمسح مرتين ، مع أن عبارة المتن تنسب إليه القول بالثلاث ، ولعلّ العبارة كانت هكذا : يمسح مرتين ، مرّة فريضة ، ومرة سنة. اُنظر : المجموع ١ : ٤٣٢ ، حلية العلماء ١ : ١٢٤ ، تفسير القرطبي ٦ : ٨٩.
٣ ـ سنن ابن ماجة ١ : ١٤٥ / ٤٢٠ ، مسند أحمد ٢ : ٩٨ ، سنن الدارقطني ١ : ٨١ / ٦ ، سنن البيهقي ١ : ٨٠.
٤ ـ المهذب للشيرازي ١ : ٣٨ ، المجموع ٢ : ١٨٩ ، المغني ١ : ٢٥٤ ، الشرح الكبير ١ : ٢٥٤.
٥ ـ المستدرك للحاكم ١ : ١٤٤ ، وروي عن ام عمارة كما في سنن النسائي ١ : ٥٨ ، وسنن ابي داود ١ : ٢٣ / ٩٤.
٦ ـ ورد الحديث في التهذيب ١ : ١٣٨ / ٣٨٥ ، والاستبصار ١ : ١٢٢ / ٤١٤ ، هكذا : الغُسل من الجنابة والوضوء يجزي منه ما أجزأ من الدهن الذي يبل الجسد.
وقال محمد : يجب المد ، وهو محكي عن أبي حنيفة (١).
والغسل بصاع ، والواجب أقل المسمى ، والخلاف للدليل ، كما تقدم.
والاستحباب لقول الباقر عليهالسلام : « كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يتوضأ بمد ويغتسل بصاع ، والمد رطل ونصف ، والصاع ستة أرطال » (٢) ، يعني بالمدني.
ي ـ بدأة الرجل في غسل يديه بظاهر ذراعيه في الاُولى ، وبالباطن في الثانية ، والمرأة بالعكس فيهما بإجماع علمائنا ، لما رواه الشيخ عن محمد ابن إسماعيل بن بزيع ، عن أبي الحسن الرضا عليهالسلام قال : « فرض الله على النساء في الوضوء ان يبدأن بباطن أذرعهن ، وفي الرجال بظاهر الذراع » (٣) والمراد بالفرض هنا التقدير لا الوجوب.
خاتمة :
تشتمل على مباحث :
أ ـ يكره التمندل ، وبه قال جابر (٤) ، وابن عباس كرهه في الوضوء دون الغُسل (٥) ، وللشيخ قول : إنّه لا بأس به (٦).
وللشافعي قولان كهذين (٧) ، لأنّ الحسين عليهالسلام كان يأخذ
__________________
١ ـ المغني ١ : ٢٥٦ ، الشرح الكبير ١ : ٢٥٦ ، بدائع الصنائع ١ : ٣٥ ، فتح العزيز ٢ : ١٩١ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٤٥.
٢ ـ التهذيب ١ : ١٣٦ / ٣٧٩ ، الاستبصار ١ : ١٢١ / ٤٠٩.
٣ ـ التهذيب ١ : ٧٦ / ١٩٣ ، الكافي ٣ : ٢٨ / ٦.
٤ ـ المجموع ١ : ٤٦٢ ، المغني ١ : ١٦٢ ، الشرح الكبير ١ : ١٧٧.
٥ ـ المجموع ١ : ٤٦٢ ، الشرح الكبير ١ : ١٧٧ ـ ١٧٨.
٦ ـ النهاية : ١٦ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢٣.
٧ ـ المجموع ١ : ٤٦١ ، فتح العزيز ١ : ٤٤٦ ـ ٤٤٧ ، كفاية الأخيار ١ : ١٧ ، مغني المحتاج١ : ٦١.
المنديل (١) ، وله قول آخر : الفرق بين الصيف والشتاء (٢).
ب ـ تكره الاستعانة بصب الماء عليه ـ وبه قال أحمد (٣) ـ لأنّه عليهالسلام قال : ( لا أستعين أنا على وضوئي بأحد ) (٤).
ومن طريق الخاصة : إنّ علياً عليهالسلام كان لا يدعهم يصبون الماء عليه ، وقال : « لا احب أن اشرك في صلاتي أحدا » (٥) ، وهو أحد قولي الشافعي ، والثاني : أنّه غير مكروه (٦) ، لأنّه روي أنّه عليهالسلام قد استعان أحياناً (٧).
ج ـ يحرم التولية ، لأنّه مأمور بالغسل ، فلا يخرج عن العهدة بفعل غيره ، ولو اضطر جاز ، وبه قال داود (٨) ، وقال الشافعي : يجوز (٩).
د ـ يجب الاستقصاء في الغُسل بحيث لا يبقى من محل الفرض شيء وإن قل فيبطل.
هـ ـ يستحب تجديد الوضوء لكلّ صلاة ، فرضاً كانت أو نفلاً ،
____________
١ ـ المجموع ١ : ٤٦٢ : المغني ١ : ١٦١ ، الشرح الكبير ١ : ١٧٧ ، سنن البيهقي ١ : ١٨٥. وفيها الحسن بن علي عليهماالسلام.
٢ ـ المجموع ١ : ٤٦٢ ، فتح العزيز ١ : ٤٤٨ ، كفاية الأخيار ١ : ١٧.
٣ ـ المغني ١ : ١٦١ ، الشرح الكبير ١ : ١٧٧.
٤ ـ فتح العزيز ١ : ٤٤٣ ، نيل الأوطار ١ : ٢١٩.
٥ ـ التهذيب ١ : ٣٥٤ / ١٠٥٧ ، الفقيه ١ : ٢٧ / ٨٥ ، علل الشرائع : ٢٧٩ باب ١٨٨.
٦ ـ المجموع ١ : ٣٤١ ، فتح العزيز ١ : ٤٤٣ ـ ٤٤٤ ، كفاية الأخيار ١ : ١٦ ـ ١٧ ، مغني المحتاج ١ : ٦١.
٧ ـ صحيح البخاري ١ : ٥٦ ، سنن الدارمي ١ : ١٧٥ ـ ١٧٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٣٧ ـ ١٣٨ /٣٨٩ ـ ٣٩٢.
٨ ـ المجموع ١ : ٣٤١ ، حلية العلماء ١ : ١١٤.
٩ ـ الاُم ١ : ٢٨ و ٢٩ ، المجموع ١ : ٣٤١ ، فتح العزيز ١ : ٤٤٤ ، كفاية الأخيار ١ : ١٧ ، مغني المحتاج ١ : ٦١.
وللشافعي وجهان في النفل ، أحدهما : عدم الاستحباب ، قال : ولا يستحب التجديد لسجود التلاوة والشكر ، قال : ولو توضأ ولم يصل كره له التجديد ، وكذا لو توضأ وقرأ كره له التجديد (١) ، وليس بجيد ، لعموم الاستحباب.
* * *
__________________
١ ـ المجموع ١ : ٤٦٩ ـ ٤٧٠.
الفصل الخامس : في أحكامه.
مسألة ٥٧ : يجوز أن يصلّي بوضوء واحد جميع الصلوات فرائضها وسننها ما لم يحدّث ، سواء كان الوضوء فرضاً أو نفلاً ، وسواء توضأ لفريضة أو نافلة ، قبل الوقت وبعده ، مع ارتفاع الحدث بلا خلاف ، أما مع بقاء الحدث كالمستحاضة ، فقولان سيأتي بحثهما.
وقال بعض الظاهرية : لا يجوز أن يجمع بين صلوات كثيرة بوضوء واحد (١) ، نعم يستحب التجديد كما تقدم ، لقولهم عليهمالسلام : « الوضوء على الوضوء نور على نور ، ومن جدد وضوء لغير حدث جدد الله توبته من غير استغفار » (٢) وروي « أن تجديد الوضوء لصلاة العشاء يمحو لا والله وبلى والله » (٣).
مسألة ٥٨ : قال الشيخ : من به سلس البول يجوز أن يصلّي بوضوء واحد صلوات كثيرة ، لعدم دليل وجوب التجديد ، وحمله على المستحاضة قياس لا نقول به ، ويجب أن يجعله في كيس ويحتاط لذلك (٤).
وقال الشافعي : لا يجمع بين فريضتين بوضوء ، ويجوز أن يجمع بين
__________________
١ ـ المجموع ١ : ٤٧٠ ، الميزان ١ : ١٢٠ ، رحمة الامة ١ : ٢٠ ، عمدة القارئ ٣ : ١١٢ و ١١٣ ، إرشاد الساري ١ : ٢٨٦.
٢ ـ الفقيه ١ : ٢٦ / ٨٢ ، ثواب الأعمال ٣٣ / ٢.
٣ ـ الفقيه ١ : ٢٦ / ٨١ ، ثواب الأعمال : ٣٣ / ١.
٤ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٦٨.
فريضة ونوافل (١).
والوجه عندي أنّه لا يجوز أن يجمع بين صلاتين بوضوء واحد ـ وهو قول للشيخ (٢) أيضاً ـ لوجود الحدث ، فيبقى الأمر بالغسل عند القيام ثانياً فلا يخرج عن العهدة بدونه والتحفط ، لقول الصادق عليهالسلام وقد سئل عن تقطير البول قال : « يجعل خريطة إذا صلّى » (٣).
فروع :
أ ـ المبطون : وهو الذي به البطن ، وهو الذرب (٤) كصاحب السلس.
ب ـ لو كان لصاحب السلس ، أو البطن حال انقطاع في وقت الفريضة ، وجب الصبر إليه ، وإزالة النجاسة عن ثوبه وبدنه ، والوضوء بنيةرفع الحدث.
ج ـ لا فرق في الأحداث الثلاثة ، أعني البول والغائط والريح.
د ـ لو تلبس المبطون أو صاحب السلس أو الريح بالصلاة ثم فجأهالحدث ، فإن كان مستمرا فالوجه عندي الاستمرار لأنّها طهارة ضرورية كالمستحاضة ، وإن كان يمكنه التحفظ استأنف الطهارة والصلاة.
وقيل في المبطون : إن كان الحدث مستمراً يتطهر ويبني على صلاته لقول الباقر عليهالسلام : « صاحب البطن الغالب يتوضأ ثم يرجع في صلاته فيتم ما بقي » (٥) ويحمل على ما بقي من الفرائض لا من الفريضة الواحدة.
هـ ـ يجب أن يوقع الصلاة عقيب الطهارة لئلّا يتخلل الحدث.
__________________
١ ـ المجموع ١ : ٤٧١.
٢ ـ الخلاف ١ : ٢٤٩ مسألة ٢٢١.
٣ ـ التهذيب ١ : ٣٥١ / ١٠٣٧.
٤ ـ ذربت معدته : فسدت. الصحاح ١ : ١٢٧ « ذرب ».
٥ ـ التهذيب ١ : ٣٥٠ / ١٠٣٦.
مسألة ٥٩ : الجبائر إن أمكن نزعها نزعت واجباً وغسل ما تحتها إن أمكن أو مسحت ، وان لم يمكن وأمكنه إيصال الماء إلى ما تحتها بأن يكرره عليه ، أو يغمسه في الماء وجب ، لأنّ غسل موضع الفرض ممكن ، فلايجزي المسح على الحائل.
وإن لم يمكنه مسح عليها ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، ولا نعرف فيه مخالفاً ، لأنّ علياً عليهالسلام قال : « انكسرت إحدى زنديّ ، فسألت رسول الله صلىاللهعليهوآله عن ذلك ـ فأمرني أن أمسح على الجبائر » (١) والزند عظم الذراع.
ومن طريق الخاصة قول الصادق عليهالسلام : « إن كان يتخوف على نفسه فليمسح على جبائره وليصل » (٢) ولأنّه في محل الضرورة ، فكان أولى بالجواز من التيمم.
فروع :
أ ـ إذا كانت الجبائر على جميع أعضاء الغُسل وتعذر غسلها ، مسح على الجميع مستوعباً بالماء ، ومسح رأسه ورجليه ببقية البلل ، ولو تضرر بالمسح تيمم.
ب ـ لو كان عليه دواء يتضرر بإزالته ، ويتعذر وصول الماء إلى ما تحته أجزأه المسح عليه ، فإن تضرر مسح على خرقة مشدودة عليه ، وحكم الخرقة حكم الجبيرة.
ج ـ لو كان على الجرح خرقة مشدودة ، ونجست بالدم ، وتعذر نزعها وضع عليها خرقة طاهرة ومسح عليها.
__________________
١ ـ سنن ابن ماجة ١ : ٢١٥ / ٦٥٧ ، سنن الدارقطني ١ : ٢٢٦ / ٣ ، سنن البيهقي ١ : ٢٢٨.
٢ ـ التهذيب ١ : ٣٦٣ / ١١٠٠.
د ـ المقارب لمحل الكسر مما لا بدّ من وضع الجبيرة عليه كمحل الكسر ، أما ما منه بدّ فكالصحيح ، فلو وضع على يده وتعذرت الإزالة فالوجه المسح ، والإعادة لما صلّى بذلك الوضوء إنّ فرط في الوضع ، وإلّا فلا.
هـ ـ الجبيرة إنّ استوعبت محل الفرض مسح عليه أجمع ، وغسل باقي الأعضاء ، وإلّا مسح على الجبيرة وغسل باقي العضو ، ولو تعذر المسح على الجبيرة تيمم ، ولا يجب غسل باقي الاعضاء.
و ـ يجب أن يستوعب الجبيرة بالمسح ليصدق المسح عليها ، إذ الجزء مغاير ، ولأن محل أصلها يجب مسحه فوجب ، وهو أحد قولي الشافعي ، والآخر : يمسح ما يقع عليه الاسم ، لأنّه مسح على حائل دون العضو ، فأجزأ ما يقع عليه الاسم كالمسح على الخفّين (١).
والأصل ممنوع ، والفرق بأنّ محل أصل المقيس عليه لا يجب استيعابه ، بخلاف الفرع.
ز ـ المسح على الجبائر لا يتقدر بمدة ، بل يجوز ما دام الضرر بنزعها أو المسح عليها باقياً ، ولا فرق بين أن يكون جنباً أو محدثاً ، ولا بين أن يكون لبس الجبائر على طهارة أو لا ، فلا يجب عليه إعادة الصلاة ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وبه قال أحمد في إحدى الروايتين (٢) للعموم.
وقال الشافعي : إن كان لبس الجبيرة محدثاً مسح عليها ، ووجب عليه الإعادة قولاً واحداً ، وإن لبسها متطهرا فقولان ، لأنّه عذر نادر (٣) ، وبعض الشافعية قال : في الأول أيضاً قولان (٤).
__________________
١ ـ المجموع ٢ : ٣٢٦ ، فتح العزيز ٢ : ٢٨٣ ، كفاية الأخيار ١ : ٣٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ٤٤.
٢ ـ المغني ١ : ٣١٤ ، الشرح الكبير ١ : ١٨٦.
٣ ـ المجموع ٢ : ٣٢٩ ، مغني المحتاج ١ : ١٠٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ٤٤.
٤ ـ المجموع ٢ : ٣٢٩.
ح ـ لا يجب على ماسح الجبيرة التيمم لاصالة البراءة ، ولأنّه لا يجب عليه بدلان عن مبدل واحد.
وللشافعي قولان ، أحدهما : الوجوب (١) ، لحديث جابر [ في ] (٢) الذي أصابته الشجة أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : ( إنّما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه خرقة ويمسح عليها ويغسل سائر جسده ) (٣) ويحمل على جعل الواو بمعنى أو.
ط ـ لو كانت الجبائر على موضع التيمم ، ولم يتمكن من نزعها مسح على الجبيرة وأجزأه ، وهو أحد قولي الشافعي ، وفي الآخر : يمسح بالماء ويتيمم ويمسح بالتراب على الجبائر ، قال : ويعيد الصلاة قولاً واحدا (٤) وعندنا لا إعادة عليه ، لأنّه فعل المأمور به فخرج عن العهدة لما ثبت من أن الأمر للاجزاء.
ي ـ لا فرق بين أن يكون ما تحت الجبيرة طاهراً أو نجساً اذا لم يتمكن من غسله.
يا ـ لو زال الحائل ففي وجوب الاستئناف إشكال ، ينشأ من أن الحاضرة يجب أن تصلى بطهارة يقع فيها الغسل مباشرة مع المكنة ، وهي حاصلة هنا ، ومن أن الحدث ارتفع أولاً فلا مانع.
مسألة ٦٠ : من تيقن أحد فعلي الطهارة أو الحدث ، وشك في الآخر ، عمل على المتيقن وألغى الشك ، والأصل فيه ما روي أنّ النبيّ صلّى الله
__________________
١ ـ المجموع ٢ : ٣٢٧ ، فتح العزيز ٢ : ٢٨٤ و ٢٨٥ ، كفاية الأخيار ١ : ٣٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ٤٤.
٢ ـ زيادة يقتضيها السياق.
٣ ـ سنن ابي داود ١ : ٩٣ / ٣٣٦.
٤ ـ المجموع ٢ : ٣٢٧ ـ ٣٣٠ ، فتح العزيز ٢ : ٢٨٧.
عليه وآله قال : ( إنّ الشيطان ليأتي أحدكم فينفخ بين أليتيه فيقول : أحدثت أحدثت فلا ينصرفن عن صلاته حتى يسمع صوتا أو يجد ريحاً ) (١).
ومن طريق الخاصة نحوه (٢) ، وقول الصادق عليهالسلام : « ولا ينقض اليقين أبداً بالشك ، ولكن ينقضه بيقين آخر مثله » (٣).
ولأنّه حرج ، لعدم انفكاك الانسان من الشك فيما فعله في الماضي ، فإن شك في الحدث لا يلتفت ، وإن شك في الطهارة تطهّر ، ولا نعرف فيه خلافاً إلّا من مالك فإنّه قال : إذا شك في الحدث مع تيقن الطهارة تطهر ، وهو أحد وجهي الشافعية (٤).
وقال الحسن البصري : إن كان في الصلاة بنى على اليقين ، وإن كان خارجها توضأ ، لأنّه يدخل في الصلاة مع شك الطهارة فلم يجز ، كما لو شك في طهارته وتيقن الحدث (٥).
وهو غلط ، لأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله سئل عن الرجل يخيل إليه في الصلاة فقال : ( لا ينفتل حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً ) (٦) ، ويخالف المقيس عليه ، لأنّ في الأصل بقاء الحدث ، وفي الفرع بقاء الطهارة.
__________________
١ ـ لم نعثر على نصها في كتب الحديث التي بأيدينا ، وهي موجودة في فتح العزيز ٢ : ٧٩ وورد مايقرب منه في عوالي اللآلي ١ : ٣٨٠ / ١ ، نقلاً عن الشهيد في بعض مصنفاته وبمضمونه في مسند أحمد ٣ : ٩٦ وكنز العمال ١ : ٢٥١ / ١٢٦٩ و ٢٥٢ / ١٢٧٠.
٢ ـ الكافي ٣ : ٣٦ / ٣ ، التهذيب ١ : ٣٤٧ / ١٠١٧ ، الاستبصار ١ : ٩٠ / ٢٨٩.
٣ ـ التهذيب ١ : ٨ / ١١.
٤ ـ المجموع ٢ : ٦٤ ، فتح الباري ١ : ١٩٢ ، فتح العزيز ٢ : ٧٩ و ٨٠ ، الوجيز ١ : ١٦ ، المدونة الكبرى ١ : ١٣ ، الشرح الصغير ١ : ٥٦ ، نيل الأوطار ١ : ٢٥٦.
٥ ـ عمدة القارئ ٢ : ٢٥٣ ، فتح الباري ١ : ١٩٢ ، نيل الأوطار ١ : ٢٥٦ ، المجموع ٢ : ٦٤ ، المغني ١ : ٢٢٦ ، الشرح الكبير ١ : ٢٢٧.
٦ ـ صحيح البخاري ١ : ٤٦ ، صحيح مسلم ١ : ٢٧٦ / ٣٦١ ، سنن البيهقي ١ : ١٦١.
مسألة ٦١ : لو تيقنهما وشك في المتأخر ، قال أكثر علمائنا : يعيد الطهارة مطلقاًً لحصول الشك (١) ، وهو أحد وجوه الشافعية (٢).
وقيل : إن لم يسبق له وقت يعلم حاله فيه أعاد ، وإن سبق بنى على ضد تلك الحال ، فلو عرف بعد الزوال أنّه تطهر وأحدث ، وعلم أنّه قبل الزوال كان متطهرا ، فهو الآن محدث ، لأنّ تلك الطهارة بطلت بالحدث الموجود بعد الزوال.
والطهر الموجود بعده يحتمل تقدمه على الحدث لإمكان التجديد ، وتأخره فلا يرفع حكماً تحققناه بالشك ، ولو لم يكن من عادته التجديد فالظاهر أنّه متطهر بعد الحدث ، فتباح له الصلاة.
وان كان قبله محدثاً ، فهو الآن متطهر لارتفاعه بالطهر الموجود بعد الزوال ، والحدث الموجود يحتمل سبقه ، لإمكان توالي الاحداث ، وتأخره فلا تبطل طهارة متحققة بحدث موهوم (٣).
وقيل : يراعى الأصل السابق ، فإن كان قبل الزوال متطهرا أو محدثاً فهو كالسابق ، ويحكم بسقوط حكم الحدث والطهر الموجودين بعده لتساوي الاحتمالين ، وللشافعية الوجوه الثلاثة (٤).
والأقرب أن نقول : إنّ تيقن الطهارة والحدث متحدين متعاقبين ولم يسبق حاله على علم زمانهما تطهر ، وإن سبق استصحب.
مسألة ٦٢ : لو شك في شيء من أفعال الوضوء ، فإن كان على حاله لم
__________________
١ ـ منهم المفيد في المقنعة : ٦ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٥٢ ، والشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٢٤ ، وسلّار في المراسم : ٤٠.
٢ ـ كفاية الأخيار ١ : ٢٣ ، مغني المحتاج ١ : ٣٩ ، المجموع ٢ : ٦٤ ، فتح العزيز ٢ : ٨٣.
٣ ـ القائل هو المحقق في المعتبر : ٤٥.
٤ ـ المجموع ٢ : ٦٤ ، فتح العزيز ٢ : ٨١ ـ ٨٢ ، كفاية الأخيار ١ : ٢٣ ، مغني المحتاج ١ : ٣٩.
يفرغ منه أعاد على ما شك فيه وعلى ما بعده ، ولو كان السابق قد جفّ استأنف من رأس ، لأنّ الأصل عدم الفعل ، فلا يدخل في الصلاة بطهارة غير مظنونة.
ولو كان الشك بعد الفراغ والانصراف لم يلتفت إلى الشك ، لقضاء العادة بالانصراف من الفعل بعد استيفائه ، ولقول الباقر عليهالسلام : « إذا كنت قاعداً على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعك أم لا ، فأعد عليها وعلى جميع ما شككت فيه ، وإذا قمت من الوضوء وفرغت منه وصرت في حالة اُخرى في الصلاة أو غيرها ، وشككت في شيء مما سمى الله عليك وضوءه فلا شيء عليك فيه » (١) وهو نصّ في الحكمين.
وبعض الشافعية سوى بين الحكمين ، وأوجب الاتيان بالمشكوك فيه وبما بعده لئلا يدخل إلى الصلاة بطهارة مشكوك فيها (٢) ، ولا شك بعد الحكم لعدم الالتفات.
تذنيب : لو كان الشك في شيء من أعضاء الغُسل ، فإن كان في المكان أعاد عليه وعلى ما بعده ، وإن كان بعد الانتقال فكذلك ، بخلاف الوضوء ، لقضاء العادة بالانصراف عن فعل صحيح ، وإنّما يصح هناك لو كمّل الافعال ، للبطلان مع الإخلال بالموالاة ، بخلاف الغسل.
وفي المرتمس ، ومن عادته التوالي ، إشكال ينشأ من الالتفات إلى العادة وعدمه.
والتيمم مع اتساع الوقت ، إنّ أوجبنا الموالاة فيه فكالوضوء ، وإلا فكالغسل.
__________________
١ ـ الكافي ٣ : ٣٣ / ٢ ، التهذيب ١ : ١٠٠ / ٢٦١.
٢ ـ المجموع ١ : ٤٦٨.
مسألة ٦٣ : لو تيقن ترك عضو ، أتى به وبما بعده مطلقاًً بلا خلاف ، ولو جفّ السابق استأنف ، ولقول الصادق عليهالسلام : « اذا نسي الرجل أن يغسل يمينه فغسل شماله ، ومسح رأسه ورجليه ، غسل يمينه وشماله ومسح رأسه ورجليه ، وإن كان إنّما نسي شماله فليعد الشمال ولا يعيد على ما كان توضأ » (١) ومن أسقط الترتيب أوجب الإتيان بالمنسي خاصة.
ومع الجفاف يجب الجميع عند من أوجب الموالاة.
ولو كان المتروك مسحاً مسح ، فإن لم يبق على يده نداوة أخذ من لحيته وحاجبيه وأشفار عينيه ، ومسح برأسه ورجليه ، لتحريم الاستئناف ، فإن لم يبق على شيء من ذلك نداوة استأنف.
فروع :
أ ـ لو جدد ندباً وصلّى ثم ذكر إخلال عضو من إحداهما أعاد الطهارة والصلاة ، على ما اخترناه من اشتراط نيّة الوجوب أو الندب ، او الاستباحة أو الرفع ، أما من اكتفى بالقربة فلا يعيد شيئاً لأنّه من أي الطهارتين كان سلمت الاخرى.
ولو صلّى بكل منهما صلاة أعاد الجميع عندنا ، وعند الشيخ يعيد الاُولى خاصة (٢) ، لاحتمال أن يكون من طهارتها فتبطل ، وتصح الثانية بالثانية ، وأن يكون من الثانية فيصح الجميع ، فالاولى مشكوك فيها دون الثانية.
ولو جدّد واجباً بنذر وشبهه ، فإن اكتفينا بالوجه فكالشيخ ، وإلّا فكالمختار.
ب ـ لو توضأ وصلّى وأحدث ثم توضأ وصلّى أخرى ، ثم ذكر الاخلال
__________________
١ ـ الكافي ٣ : ٣٤ / ٤ ، التهذيب ١ : ٩٩ / ٢٥٩.
٢ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٢٤ ـ ٢٥.
المجهول تطهر وأعادهما مع الاختلاف عدداً ، وإلّا العدد ينوي به ما في ذمته على الأقوى ، وقيل : الجميع مطلقاًً (١) ، وكذا لو ذكر أنّه نقض إحدى الطهارتين وجهل تعيينها.
ج ـ لو صلّى الخمس بخمس طهارات من غير حدث ، ثم ذكرالحدث عقيب أحدها ، قال الشيخ : يعيد الجميع (٢) وهو حق عندنا ، أما عنده (٣) فالأقرب إعادة صبح ومغرب ، وأربع ينوي ما في ذمته ، وكذا لو تحقق الاخلال المجهول ، أما لو تطهر لكلّ من الخمس عقيب حدث وتيقن الإخلال المجهول أو النقض ، قال الشيخ : يعيد الجميع (٤) والمعتمد الثلاث.
د ـ لو توضأ للخمس خمساً عن حدث وتيقن الاخلال المجهول من طهارتين ، أعاد أربعا ، صبحاً ومغربا وأربعاً مرتين ، فله إطلاق النيّة فيهما والتعيين فيأتي بثالثة ويتخير بين تعيين الظهر أو العصر أو العشاء ، فيطلق بين الباقيتين وله الإطلاق الثاني ، فيكتفي بالمرتين.
هـ ـ لو كان الترك من طهارتين في يومين ، فإن ذكر التفريق صلّى عن كلّ يوم ثلاث صلوات أربعا وثلاثا واثنين.
وإن ذكر جمعهما في يوم واشتبه صلّى أربعاً ، ولو جهل الجمع والتفريق صلّى عن كلّ يوم ثلاث صلوات.
والبحث فيما لو توضأ خمساً لكلّ صلاة طهارة عن حدث ثم ذكر النقض المجهول بين الطهارة والصلاة كذلك.
__________________
١ ـ قال به الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٢٤.
٢ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٢٥.
٣ ـ الصحيح « عندي » كما هو رأي المصنف في منتهى المطلب ١ : ٧٥ وتحرير الاحكام : ١١ ، وذيل الفرع شاهد على ذلك ، مضافاً إلى أن هذا الرأي ليس في المبسوط.
٤ ـ المبسوط للطوسي ١ : ٢٥ ـ ٢٦.
و ـ لو صلّى الخمس بثلاث طهارات عن حدث ثم ذكر الإخلال المجهول فإن جمع بين الرباعيتين بطهارة صلّى أربعا ، صبحاً ومغرباً وأربعاً مرتين ، وإلّا اكتفى بالثلاث.
* * *
الباب الثالث : في الغسل
وهو قسمان : واجب ونفل ، فالواجب ستة : غسل الجنابة ، والحيض ، والاستحاضة ، والنفاس ، ومس الأموات بعد بردهم بالموت وقبل تطهيرهم بالغسل ، وغسل الموتى ، فهنا فصول :
الفصل الأول : في غسل الجنابة.
ومطالبه ثلاثة :
الأول : في السبب وهو أمران : الإنزال والجماع.
أما الإنزال : فهو خروج المني ، وله ثلاث خواص : أن تكون رائحته كرائحة الكثر (١) ما دام رطبا ، وكرائحة بياض البيض إذا جفّ ، وأن يندفق بدفعات ، وأن يتلذذ بخروجه ، وتنكسر الشهوة عقيبه ، وأما الثخانة والبياض فلمنيّ الرجل ، ويشاركه فيها الوذي ، والرقة والصفرة في مني المرأة ، ويشاركه فيهما المذي لقوله عليهالسلام : ( الماء من الماء ) (٢).
وأما الجماع : فحدّه التقاء الختانين ، لقوله عليهالسلام : ( إذا التقى الختانان فقد وجب الغُسل ) (٣).
مسألة ٦٤ : إنزال الماء الدافق كيف كان يقظة ونوماً ، بشهوة وغيرها ، بدفق أو لا يوجب الغُسل ، الرجل والمرأة في ذلك سواء ، ذهب إليه علماؤنا
__________________
١ ـ الكثر : جمار النخل ويقال طلعها. الصحاح ٢ : ٨٠٣ مادة « كثر ».
٢ ـ صحيح مسلم ١ : ٢٦٩ / ٣٤٣ ، سنن النسائي ١ : ١١٥ ، مسند أحمد ٣ : ٢٩ ، سنن الدارمي١ : ١٩٤ ، سنن الترمذي ١ : ١٨٦ / ١١٢ ، سنن ابي داود ١ : ٥٦ / ٢١٧. سنن ابن ماجة ١ : ١٩٩ / ٦٠٧.
٣ ـ مسند أحمد ٦ : ٢٣٩ ، سنن البيهقي ١ : ١٦٣.
أجمع ، وبه قال الشافعي (١) للحديث (٢) ، ولأنّه منيّ آدمي خرج من محله من المخرج المعتاد فيجب الغُسل ، كالملتذ والنائم.
وقال أبو حنيفة ، ومالك ، وأحمد : لا يجب الغُسل إلّا إذا خرج الماء على وجه الدفق والشهوة ، لأنّه بدونهما كالمذي (٣).
والفرق ظاهر ، فإن المذي لا يوجب الغُسل بحال.
فروع :
أ ـ إذا اغتسل من الماء ثم خرج منيّ آخر منه ، فإن كان يعلم أنّه منيّ وجب عليه الغُسل ، سواء بال أو لا ـ وبه قال الشافعي (٤) ـ للنص (٥).
وقال أبو حنيفة : إنّ خرج قبل البول وجب أن يعيد الغُسل ، لأنّه بقية ما خرج بالدفق والشهوة ، وإن خرج بعده لم يجب ، لأنّه خرج بغير دفق ولا
__________________
١ ـ المجموع ٢ : ١٣٩ ، فتح العزيز ٢ : ١٢٥ ، كفاية الأخيار ١ : ٢٣ ـ ٢٤ ، الوجيز ١ : ١٧ ، مختصرالمزني : ٥ ، الاُم ١ : ٣٧ ، المحلى ٢ : ٥ ـ ٦ ، المبسوط للسرخسي ١ : ٦٧ ، بداية المجتهد١ : ٤٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٦ ، شرح العناية ١ : ٥٣ ، المغني ١ : ٢٣١ ، الشرح الكبير ١ : ٢٣٠.
٢ ـ مسند أحمد ٣ : ٢٩ ، صحيح مسلم ١ : ٢٦٩ / ٣٤٣ ، سنن النسائي ١ : ١١٥ ، سنن الدارمي ١ : ١٩٤ ، سنن الترمذي ١ : ١٨٦ ، ذيل الحديث ١١٢ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٩٩ / ٦٠٧ ، سنن أبي داود ١ : ٥٦ / ٢١٧.
٣ ـ المجموع ٢ : ١٣٩ ، فتح العزيز ٢ : ١٢٥ ، الوجيز ١ : ١٧ ، المحلى ٢ : ٦ المبسوط للسرخسي ١ : ٦٧ ، بداية المجتهد ١ : ٤٧ ، الشرح الصغير ١ : ٦١ ، المغني ١ : ٢٣١ ، الشرح الكبير ١ : ٢٣٠ ، اللباب ١ : ١٦ ، شرح فتح القدير ١ : ٥٣.
٤ ـ الاُم ١ : ٣٧ ، المجموع ٢ : ١٣٩ ، فتح العزيز ٢ : ١٢٥ ، الوجيز ١ : ١٧ ، كفاية الأخيار ١ : ٢٤ ، المحلى ٢ : ٧ ، المغني ١ : ٢٣٣ ، الشرح الكبير ١ : ٢٣٤.
٥ ـ مسند أحمد ٣ : ٢٩ ، صحيح مسلم ١ : ٢٦٩ / ٣٤٣ ، سنن النسائي ١ : ١١٥ ، سنن