تراث الشيعة الفقهي والأصولي - ج ١

مهدي المهريزي ومحمد حسين الدرايتي

تراث الشيعة الفقهي والأصولي - ج ١

المؤلف:

مهدي المهريزي ومحمد حسين الدرايتي


الموضوع : الفقه
الناشر: مكتبة الفقه والأصول المختصّة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-21-8
الصفحات: ٦٣٢

نخبة :

الأمر حقيقة في الفور كما يقول الشيخ (١) والتابعون ، (٢) ونعم القول والقائلون هداهم الله فهم المهتدون.

والدليل : المقصود من الأمر الطلب الخارجي ، وهو ينافي التراخي والتبادر ، وخروج الفور الخارجي عن الطلب الذهني لا يستلزم خروجه عن الطلب الخارجي ، وعدم تبادركم له لغفلتكم عن محلّه وهو الطلب ، وطلبكم عن خارجه وهو عين الطلب.

محاكمة لمن في قلبه السلامة بين الشيخ والعلّامة (٣)

ودليله رحمه‌الله أنّ الفور خارج عن حقيقة الأمر كالتراخي ، فلا يدلّ عليه.

وهو حقّ ، ولكن بناؤه على الحقيقة الأوّليّة التي هي الصورة الذهنيّة ، فإنّ الفور المتنازع فيه خارج عنها ، وبناء الشيخ رحمه‌الله على الحقيقة الثانويّة وهو الطلب الخارجي ، فإنّه عين معنى الفور ، ومن هنا يعلم عدم النزاع بينه وبين السيّد رحمه‌الله حيث يقول بالاشتراك اللفظي لأصل الاستعمال ؛ (٤) لأنّه عند الدليل على تعيين أحد المعنيين لا يحكم بالأصل ؛ على أنّا قد بيّنّا عدم المنافاة بين الاشتراك وبين تبادر معنى من المعاني.

ثمرة وشجرة :

لو أخّر المكلّف الفعل بحيث يعدّ متساهلا فقد عصى ، ويجب عليه في الوقت الثاني ؛ لأنّ معنى الفور « افعل في الوقت الأوّل ، فإن عصيت ففي الثاني » وهكذا ، وهذا هو الفرق بينه وبين المضيّق ؛ وللاستصحاب أيضا.

__________________

(١) عدّة الأصول ، ج ١ ، ص ٢٢٦ ؛ الخلاف ، ج ١ ، ص ٢١٩ ، المسألة ٣٩.

(٢) منهم الفاضل التوني في الوافية ، ص ٧٨.

(٣) مبادي الأصول ، ص ٩٦.

(٤) الانتصار ، ص ٢٣٤ ؛ الناصريّات ، ص ٤١٣ ؛ الذريعة ، ص ١٨ ـ ١٩.

٨١

نخبة :

الأمر حقيقة في المرّة ، لا في التكرار ، ولا في المشترك بينهما. والدليل ما سلفا في الفور ، لا ما قاله القائل بها ؛ وأعمّيّته بالنسبة إلى التكرار قول من غير شعور.

محاكمة لذوي مرّة بين أهل الاشتراك والمرّة :

بناء أهل الاشتراك على الفرد والأفراد وعموميّته بالنسبة إليهما حقّ كما يقول ، ولكنّهما غير المرّة والتكرار ، فإنّ المرّة ـ التي هي معنى الماهيّة الخارجيّة المقصودة من الأمر ـ أعمّ من الفرد ، وكذلك التكرار أعمّ من الأفراد ، والأفراد أعمّ منه ؛ فلا نزاع.

وأمّا القول باختصاصه بالتكرار فشاذّ وأدلّته ضعيفة ؛ فلا اعتماد عليه.

استدراك : الأمر المتعلّق بما يفيد العلّيّة دائما يتكرّر بتكرّرها ؛ ضرورة وجوب وجود المعلول عند العلّة ، (١) كما في العبادات المتكرّرة.

نخبة :

الأمر بالشيء يستلزم الأمر بما لا يتمّ إلّا به ، والدليل [ أنّ ] جواز تركه يستلزم جواز ترك المأمور به وهو ينافي الوجوب. وهذا بديهيّ ، ومنع الاستلزام مكابرة ، ولا نعرف فيه مخالفا ، وتفصيل السيّد رحمه‌الله غير محقّق. (٢)

محاكمة لأهل الفهم بين العقل (٣) والوهم :

ذهب الوهم من عدم ترتّب الذمّ على تركه إلى عدم وجوبه وهو في محلّه ، ولكن عدم وجوبه من حيث هو هو ، لا من حيث كونه مقدّمة. وهذا لا ينكره العقل ، بل ليس عنده معنى كون الشيء مقدّمة إلّا هذا.

__________________

(١) ب : علّته.

(٢) ب : + عنه. الذريعة ، ج ١ ، ص ٨٣.

(٣) الف : العقول.

٨٢

نخبة :

الأمر بالشيء يتضمّن النهي عن تركه ، وهو المسمّى بالضدّ العامّ ؛ ولا خلاف فيه. ويستلزم النهي عن الأضداد الوجوديّة ، وهو المسمّى بالضدّ الخاصّ إذا ثبتت علّيّتها لتركه ، وإلّا فلا. وليكن (١) هذا مراد المجمل ؛ فلا نزاع.

ضغث :

الواجب قد يقع الخيار في أفراده فمخيّر ، أو المكلّفين به فكفائي ، ويقابلان بالعيني ؛ أو أوقاته فموسّع ، ويقابل بالمضيّق ، ومعنى الكلّ واضح. وإيجاب العزم حيرة ، والمفعول في وقته أداء ، وثانيا إعادة ، وفي خارجه قضاء منوط بوجوب السبب وأمر جديد ، وظانّ الفوت عاص بتأخيره ، فإذا استدركه فأداء ، والظنّ لا يؤثّر في التضييق ، والعصيان لا يستلزمه ، والمترتّب عليه أثره صحيح مطلقا ، والإجزاء أخصّ منه ، (٢) ويقابل بالباطل والفاسد ، والمأذون فيه مع وجود المانع رخصة ، ويقابل بالعزيمة ، واقتضاء الأمر الإجزاء ظاهر ، وإتمام الحجّ الفاسد مجز بالنسبة إلى أمره الذي هو من جهة الإفساد ، وما يجوز تركه لا يجب فعله.

وبناء الكعبي في قوله بوجوب المباح (٣) على الحيثيّة.

وقول الفقهاء بوجوب صوم المسافر (٤) من جهة وجوب قضائه غفلة عن (٥) مناط القضاء.

ولا يجوز الأمر بالمشروط مع علم الآمر بعدم شرطه. وبناء المجوّز على الأمر الصوري ، ولا مانع منه. وبقاء الجواز بعد نسخ الوجوب لو كان بالأصل فمسلّم ولا كلّيّة ، وإن كان بمقتضى الأمر الموجب فخيال.

__________________

(١) ب : ولكن.

(٢) ب : + محلّا.

(٣) نقل عنه في المعالم ، ص ٦٨ ؛ وقوانين الأصول ، ص ١١٠ و١١٤.

(٤) لم نعثر على من قال بالوجوب ، نعم من العامّة من قال بالتخيير بين الصوم والإفطار ، ومن قال بأفضلية الصوم ، ومن قال بالعكس. للمزيد راجع : تذكرة الفقهاء ، ج ٦ ، ص ١٥٢ ـ ١٥٤ ، ذيل المسألة ٩٢ ؛ المجموع ، ٦ ، ص ٢٦٠.

(٥) الف : من.

٨٣

نخبة :

صيغة « لا تفعل » وما في معناها حقيقة في التحريم ، والدليل : التبادر وتسميتها بصيغة النهي والإضافة للاختصاص ، ومعنى النهي التحريم وغيرهما.

والمحاكمة بين الأقوال كما سبق في الأمر ، ودلالتها على الفور والدوام ـ وهو معنى وراء التكرار ـ بيّنة.

والمحاكمة كما في الأمر تدلّ على فساد متعلّقها من حيث هو هو مطلقا كما عليه الشيخ ، (١) وإلّا فلا مطلقا.

والدليل على الأوّل : أنّ ترتّب الآثار ـ وهو معنى الصحّة ـ عبارة عن إذن الشارع ورضاه ، والتحريم منعه وعدم رضاه ؛ فلا يجتمعان.

وعلى الثاني : أنّ التحريم إنّما تعلّق بالشيء من حيث كونه مقدّمة للحرام ، والإذن والرضاء إنّما تعلّق به من حيث هو هو ، فمحلّ المتعلّقين المتنافيين المعنويين في الحقيقة ليس واحدا ، وإنّما اتّحد في الخارج ، وهذا جائز. وهذه هي المسألة التي يعبّرون عنها باجتماع الأمر والنهي.

محاكمة للعاقلين بين المجملين والمفصّلين :

القائل بدلالتها على الفساد على الإجمال بناؤه على القسم الأوّل ، والقائل بعدمها على الإجمال أيضا بناؤه على القسم الثاني.

وأمّا القول بدلالتها على الصحّة فمبنيّ على بعض التوهّمات والخيالات ، كالقول بالتفصيل بين العبادات والمعاملات ، فلا اعتماد عليهما.

محاكمة للمميّزين بين المانعين والمجوّزين :

اختلفوا في اجتماع الأمر والنهي ، فقيل بالمنع ، وقيل بالجواز.

دليل المانع : أنّ اجتماع المتنافيين في المحلّ الواحد في الحقيقة أو في

__________________

(١) عدّة الأصول ، ج ١ ، ص ٢٦٠ ـ ٢٦١.

٨٤

الخارج ممتنع.

وهذا حقّ ولكن بناؤه على أن يكون المتنافيان عينين ، وبناء المجوّز على كونهما معنيين واتّحاد محلّهما في الخارج ، لا وحدته في الحقيقة ، فإنّه حينئذ جائز.

نخبة :

تقييد (١) الأمر والنهي بالشرط والوصف والغاية يحصّل لهما مفهوما مخالفا لمنطوقهما ، ويسمّى دليل الخطاب ، ويقابل بلحن الخطاب وفحوى الخطاب.

والدليل : التبادر ومعنى الشرط والتخصيص والغاية ، والمنكر مكابر ، واحتمال البدل في الشرط وفائدة اخرى وغيره لا يعارض الظاهر.

الباب الثاني في

أحوال الأوامر والنواهي

مجاز فيه امتياز :

الشامل لكلّ الأفراد وضعا عامّ ، والمخرج لبعضها مخصّص ، وهو حينئذ مخصوص وخاصّ ، والدالّ على الماهيّة المطلقة مطلق ، وعليها بصفة زائدة مقيّد ، وهو حينئذ مقيّد ، والمحتمل للمعنيين على السواء مجمل ، والمعيّن لأحدهما مبيّن وبيان ، وهو حينئذ مبيّن ، وما لم يحتمل نصّ ، وإلّا فالراجح ظاهر والمرجوح مأوّل ، وذو الرجحان مطلقا محكم ، ومنفيّه متشابه ، والرافع الشرعي للحكم الشرعي ناسخ ، والمرفوع منسوخ.

نخبة :

الصيغ الثابت عمومها حقائق فيه. والدليل : التبادر وصحّة الاستثناء ، وهي « كلّ » و « جميع » و « أيّ » و « من » و « ما »

__________________

(١) الف : تقدير.

٨٥

و « متى » و « أين » و « حيث » و « الجمع المعرّف » و « المضاف » و « النكرة المنفيّة » .

محاكمة لذي فهم جيّد بين الشيخ والسيّد :

(١) حجّة السيّد رحمه‌الله على الاشتراك قويّة ، ومذهبه أتقن ، ولكن لا منافاة ؛ لجواز أن يكون اللفظ مشتركا ويتبادر منه عند الإطلاق واحد من معانيه بجعل الإطلاق قرينة عليه كما مرّ في الأمر ، وهذا ظاهر وله نظائر.

وأمّا القول باختصاصها بالخصوص فشاذّ ، ودليله ضعيف مدخول ، فلا اعتماد عليه.

وعلى هذا فقد سقط من البين مسألة أنّ العامّ المخصوص هل هو حجّة ، أم لا ؟

وصل فصول وهي فضول :

لمّا عرفت أنّ فهم المعاني إنّما هو بالنقل أو التبادر والظهور ، فلا فائدة للبحث عمّا اختلف في عمومها : هل هي تفيد العموم ، أم لا ؟ لأنّها إن كانت بحيث يتبادر منها العموم عند الإطلاق ، فهي للعموم ، (٢) وإلّا فدائرة مدار القرينة ، ولكن هنا ، محاكمة لا بدّ منها.

واعلم أنّه قد اختلف في شمول مثل « يا أيّها الناس » للمعدومين ، فقيل : نعم ، وقيل :

لا ، وأنا أقول : « نعم » و « لا » لأنّ بناء أهل « لا » على أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ مثلا ـ لم يخاطب المعدومين ؛ لامتناع مخاطبة المعدوم ، وبناء أهل « نعم » على أنّ اللفظ بحسب الوضع شامل لهم كما هو معنى العموم.

ولا منافاة بين امتناع خطاب المعدومين (٣) وبين شمول اللفظ لهم ، بل هذا قسم من الكلام الذي يسمّيه المنطقيّون بالقضيّة الحقيقيّة ، وهي أن يكون وجود الموضوع فيها تقديرا ، وهذا هو مسألة أنّ خطاب المعدوم جائز أم لا ؟ والذي ذكرته هو مراد المجوّز ، فلا نزاع.

__________________

(١) نقل قولهما في المعالم ، ص ١٠٤.

(٢) الف : فهي المعمول.

(٣) ب : المعدومي.

٨٦

نخبة :

مخصّص العامّ متّصل ومنفصل ، والمتّصل : الاستثناء المتّصل ، والصفة ، والشرط ، والغاية ، وبدل البعض. ولا ثمرة فيها ؛ لأنّ ثمرة العامّ والخاصّ الجمع بين الدليلين في التعارض ، ولا تعارض بين الكلام المتّصل ، ولكن هنا رجال لهم أقوال لا بدّ من الدوران فيها المتعقّب منها للعامّ المتعدّد ـ بعد القطع بكونه مخصّصا للأخير ـ محتمل للاختصاص به والاشتراك بينه وبين الباقي ، فهو مجمل حتّى يتبيّن.

والضمير الراجع إلى بعض العامّ بدليل خارج لا يخصّصه ، كما في ﴿ وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ ... وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ (١) لأنّ رجوعه إلى بعضه لا ينافي عمومه ، وتخصيصه لتطابق المرجع به لا معنى له ؛ لأنّ مرجعه ليس الكلّ ، بل البعض منه.

ومن هذا يظهر ضعف التوقّف والسبب ومذهب الراوي وذكر البعض والعادة وكون الشخص مخاطبا أو متكلّما أو عبدا أو كافرا وقصد المدح أو الذمّ وكلّ ما ليس منافيا للعموم ليست مخصّصات ؛ لأنّ التخصيص المخالف للظاهر إنّما جاز من جهة المنافاة ، ولا يجوز التخصيص حتّى يستغرق ، ودونه لا حدّ له بل تابع للمقامات العرفيّة في الحسن والقبح.

ويجوز العمل بالعامّ قبل الفحص عن المخصّص إذا ظنّ عدمه ، وإلّا فلا.

والقول بأنّ كلّ عامّ وجود مخصّصه وعدمه سواء ؛ لشيوع العامّ مع الخاصّ معارض بشيوع ذكره معه متّصلا ، وبناء المجوّز المجمل على الأوّل والمانع المجمل على الثاني ؛ فلا نزاع. وكذلك لا نزاع بين المثبت قدر البحث حتّى يحصل اليقين ، ومثبته حتّى يحصل الظنّ ؛ لأنّ بناء الأوّل على اليقين العادي ، وبناء الثاني على الظنّ العقلي.

__________________

(١) البقرة (٢) : ٢٢٨.

٨٧

نخبة :

وأمّا المخصّص المنفصل ، فهو كلّ دليل شرعي ينافي عموم العامّ مقارنا أو متأخّرا ، قبل العمل بعمومه ، أو مجهولا.

والدليل الجمع بين الأدلّة والاستعمال بلا معارض ، وتأخير البيان إلى وقت الحاجة جائز كما سيأتي.

واحتمال النسخ موقوف على ما الأصل فيه العدم ، وأمّا المتأخّر بعد العمل فناسخ بالاتّفاق ، والمتقدّم منسوخ كالمرتضى.

والدليل أنّ مناط الدلالة الفهم ، ولا يفهم عرفا من العامّ المتأخّر إلّا كونه ناسخا ولا معارض له ، ولا عبرة بأولويّة التخصيص ولا غيرها عند ظهور المعنى ، فيخصّص الكتاب به وبالمتواتر ولو حكما و(١) بالإجماع وهي بمثلها وبالإجماع.

وأمّا الخبر الواحد ، فلا يعارض شيئا لا سيّما كتاب الله.

فتح باب لكلّ أوّاب :(٢)

اعلم أنّك في سعة من حمل (٣) القدر المنافي من العامّ المجوّز على الرخصة ، وحمل المخصّص المانع على الكراهة ، وبالعكس خصوصا إذا تمسّك (٤) في هذا الباب بالجمع بين الأدلّة ، فإنّ هذا جمع شائع عندهم لا سيّما فيما إذا لم يحتمل النسخ كما في أخبار الأئمّة عليهم‌السلام.

نخبة في المطلق والمقيّد :

إن اختلف حكما هما ـ كأكرم وجالس ـ فلا حمل مطلقا إجماعا إلّا مع التوقّف ك « أعتق رقبة » و « لا تملك رقبة كافرة » وإن اتّحدا فإن اتّحد موجبهما أيضا وهما مثبتان ، فيحمل المطلق عليه إجماعا ، أو منفيّان فيعمل بهما إجماعا ، وإن اختلف فلا حمل إجماعا منّا ، ولا تعويل على بعض التوهّمات هاهنا.

__________________

(١) ب : ـ و.

(٢) الف : أبواب.

(٣) ب : ـ حمل.

(٤) ب : تمسّكت.

٨٨

نخبة في المجمل :

وهو إمّا قول أو فعل ، ولا شيء أكثر من هذا نتعرّض له.

ولكن هنا آيات كآية السرقة (١) والمسح (٢) وتحريم الأمّهات (٣) قد اختلفوا هل فيها إجمال ، أم لا ؟ فلكلّ خيال ، وأنا أزيد على خيالهم خيالا ، وعلى تفصيلهم إجمالا ، وعلى جولانهم خبالا فأقول :

قد عرفت أنّ الإجمال عبارة عن الاحتمال للمعنيين على السواء ، فحيثما كان كذلك فهو مجمل ، وإلّا فلا ، ولا ثمرة في القيل والقال ؛ لأنّ الإجمال والبيان يختلفان باختلاف الأذهان وموارد الاستعمالات والأزمان ، فمن لم يقف إلّا على الإجمال فليقف عنده ، ومن عرف البيان فليعمل به كعملي ببياني في مثل « لا صلاة إلّا بطهور » أن لا صلاة حقيقة في الشرع إلّا به ، (٤) ولا يفتقر إلى تقدير الصحّة ، فكلّ يعمل على شاكلته ، فربّكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا.

نخبة :

البيان بالقول ، وقد يكون بالفعل ، وتأخيره عن وقت الحاجة ممنوع إجماعا ، وإليه جائز مطلقا.

والدليل عدم المانع منه وعدم دليل على الاقتران ، مع الوقوع كذلك في الشرع وغيره ، وفي النسخ اتّفاقي ، وقبح خطاب الزنجي بالعربي من جهة عدم الفائدة مطلقا ، وقبح الإغراء بالجهل فيما له ظاهر كالعامّ ثابت إذا عمل بمضمونه ، لا دونه خصوصا إذا كان فيه مصلحة ، وظاهر (٥) ، أنّ بناء المجوّز (٦) على وجودها ، وبناء المانع (٧) على عدمها ؛ فلا نزاع.

__________________

(١) المائدة (٥) : ٣٨.

(٢) النساء : (٤) : ٤٣ ؛ المائدة (٥) : ٦.

(٣) النساء (٤) : ٢٣.

(٤) ب : + ولا يفتقر إلّا به.

(٥) ب : والظاهر.

(٦) ب : + المجمل.

(٧) ب : + المجمل.

٨٩

نخبة في النسخ :

جوازه ووقوعه في القرآن وبلا بدل وبالأشقّ ومع قيد التأبيد وكون الكتاب ناسخا لنفسه وللسنّة المتواترة ، وبالعكس وعدم كون خبر الواحد ناسخا ، خصوصا لكتاب الله وعدم كون الإجماع ناسخا أو منسوخا ، وجوازه بعد الفعل وقبله بعد حضور وقته بديهيّ بل إجماعيّ ، ولا تعويل على المخالف ودليله.

محاكمة (١) لاولي الألباب بين خلاف وقع في هذا الباب :

المفيد (٢) والحاجبي والأشاعرة (٣) على جواز النسخ قبل حضور وقت فعله ، ودليلهم عدم المانع وجواز تعلّق المصلحة بنفس الأمر دون الفعل. ودليل المانعين لزوم البدا ، وتعلّق النهي بمتعلّق الأمر ، وأنّ إن حسن قبح النهي ، أو قبح قبح الأمر ، وهذا ينادي بأنّ بناء المجوّزين على الأمر الصوري وبناء المانعين على الحقيقي ، فلا نزاع إلّا في تسميته ناسخا أو كاشفا عن كون الأمر صوريا.

الباب الثالث

في الأخبار

نخبة :

« الخبر » عندنا ما ينتهي إلى المعصوم ، ويرادفه « الحديث » . وهو متواتر إن صدر عن جماعة يؤمن تواطؤهم على الكذب ونحوه ، ولا حدّ لعددهم ، ويلزمه حصول القطع لا القبول ، والمنكر منكر ؛ وإلّا فآحاد يفيد القطع أيضا إذا اقترن بالقرائن ، وإلّا فلا.

ويعمل به بشرط بلوغ الراوي حال الأداء وعقله وعدالته وضبطه وإيمانه وعدم معارض له من غير جنسه.

__________________

(١) الف : نخبة.

(٢) نقل عنه الشيخ في عدّة الأصول ، ج ٢ ، ص ٥١٩.

(٣) مضافا إلى المصدر السابق راجع : الإحكام للآمدي ، ج ٣ ، ص ١١٥ ؛ المنخول ، ص ٣٨٣ ـ ٣٨٤.

٩٠

والدليل : الخبر المتّصف بما ذكر يظنّ صدقه ، وكلّ ما يظنّ صدقه يجب العمل به.

أمّا عقلا فظاهر ، وأمّا نقلا فلآيتي النفر والنبأ (١) وللعادة أيضا.

وأمّا ما دلّ على النهي عن اتّباع الظنّ فمخصوص بالاصول ، أو بما إذا أمكن تحصيل العلم فيه كذا قيل. (٢)

والبراءة الأصليّة لا تقاومه.

وأمّا بدون هذه الشروط ، فلا يحصل الظنّ بصدقه ، خصوصا إذا عارضه غيره ، فلا يعمل به.

محاكمة للمتدبّرين بين القدماء والمتأخّرين :

ذهب السيّد (٣) وابن زهرة (٤) وابن البرّاج (٥) وابن إدريس (٦) وكثير من القدماء (٧) إلى المنع عن العمل بخبر الواحد ، حتّى أنّ السيّد قال : ردّ خبر الواحد صار شعار الإماميّة حتّى أنّهم عرفوا به مثل ردّ القياس.

والمتأخّرون أطبقوا على العمل به ، ونقلوا أيضا أنّ الإماميّة طرّا يقبلون أخبار الآحاد. ولكلّ أيضا أدلّة. (٨)

والذي يظهر لي أنّ بناء القدماء على حال إمكان تحصيل العلم ، فإنّهم كانوا في زمان يمكن فيه (٩) تحصيله ، وبناء المتأخّرين على حال عدم إمكانه ؛ لأنّه في زمانهم لا يتيسّر تحصيله ، ومعلوم أنّه في هذه الصورة لا وجه لردّه كما أنّ في الصورة الاولى لا وجه لقبوله.

__________________

(١) ب : + والاذن.

(٢) ب : ـ كذا قيل.

(٣) الذريعة ، ج ٢ ، ص ٥١٧.

(٤) غنية النزوع ( ضمن الجوامع الفقهيّة ) ، ص ٤٧٥.

(٥) نقل عنه في المعالم ، ص ١٨٩.

(٦) السرائر ، ج ١ ، ص ١٩.

(٧) منهم الشيخ في عدّة الاصول ، ج ١ ، ص ٩٧. وللمزيد راجع : فرائد الاصول ، ج ١ ، ص ٢٣٩ ـ ٢٤٠.

(٨) للتعرّف على المسألة والأقوال فيها راجع : فرائد الأصول ، ج ١ ، ص ٢٣٧ وما بعدها.

(٩) ب : ـ فيه.

٩١

ويمكن أيضا أنّ بناء المانعين على ما إذا عارضه غيره ، كما هو الظاهر من حجّيّته ، وأفصح عنه في الاستبصار ، وبناء المجوّزين على عدمه.

غيبة تدفع بها ريبة :

اشتراطهم في المتواتر بلوغ كلّ طبقة حدّا يؤمن معه من الكذب لا معنى له ؛ لأنّه لو كان (١) هناك طبقات ، فالطبقة الثانية لو كانوا جماعة موصوفين بما ذكر فالشرط زائد ، وإلّا فليست من أفراد المحدود ، وكذلك استنادهم إلى الحسّ ؛ لأنّ لفظ « الخبر » لا يطلق إلّا على المنتهى إلى الحسّ ، ولأنّه لا يصدق على غيره أنّه يؤمن تواطؤهم على الكذب ونحوه.

وأمّا عدم سبق الشبهة والتقليد فمحض تقليد للسيّد رحمه‌الله ؛ إذ سبقهما يستلزم عدم القبول ، لا عدم القطع. وهذا بيّن.

ولو لم يمكن معرفة شروط الراوي لخبر الواحد بالصحّة فبالتزكية من المتّصف بها ولو واحدا ؛ لأنّ به يحصل الظنّ المعتبر بالصدق ، ولا دليل على الأزيد خصوصا إذا كان المزكّي هو الراوي كما في « أخبرني عدل » وكذلك في الجرح ، وإذا تعارض الجرح والتعديل فالتقديم مطلقا يحتاج إلى مرجّح ، وأولويّة الجمع مهما أمكن مسلّمة بالنسبة إلى ما لا يمكن ردّه كقول المعصوم لا غيره ، والشروط المعتبرة في الآحاد معتبرة إذا لم يطّلع على كذبه أو صدقه إلّا بها ، (٢) وإلّا فلا.

نخبة :

يسمّى خبر الواحد بأسماء هي اصول الحديث ، فالمتّصل إلى الإمام بإماميّين ممدوحين بالتوثيق « صحيح » أو « صحيحة فلان » ، وبغير التوثيق « حسن » أو « حسنة فلان » ، وبغير إماميّين ممدوحين بالتوثيق « موثّقة فلان » ، وما سواها « ضعيف » .

والمحذوف رواته أو المبهم « مرسل » ويقابل بالمسند ، فإن اسند بطريق آخر

__________________

(١) ب : كانت.

(٢) ب : بهما.

٩٢

فلا إشكال ، أو يعرف من حال الراوي أنّه لا يرسل إلّا من عدل أو من غيره ، فيعمل بما عرف ، وإلّا فإن لم يكن له معارض صحيح ، فيقبل كالشيخ.

والدليل ما مضى في قبول خبر الواحد ، وإلّا ففي قبوله تردّد ، والأظهر القبول أيضا ؛ لأنّ الظاهر من الإرسال ثبوت عدالة المحذوف عند المرسل ، وإلّا ينافي عدالته.

نعم ، غاية ما في الباب أنّه هو المزكّي ، وقد سبق أنّ تزكية الواحد كافية في ثبوتها خصوصا في هذه الصورة.

نخبة :

وللأخذ كيفيّات فأعلاها : السماع من الشيخ ، فيقول : « سمعت » و « حدّثني » و « أخبرني » .

والقراءة عليه مع إقراره ف « أخبرني » و « قرأت عليه » أو « أقرّبه » .

ثمّ المناولة ، وهي أن يشير إلى الكتاب فيقول : « هذا سماعي عن فلان فأخبرني » .

ثمّ الإجازة ، ف « أجازني » أو « أخبرني إجازة » .

ثمّ الكتابة إليه ف « أخبرني » وقد تتفاوت فتتناوب.

محاكمة للبصيرين بين الأصحاب وابن سيرين :

قالوا : يجوز نقل الحديث بالمعنى لو كان الناقل عارفا بحيث لم يقصر لفظه عن معنى الأصل ، وقال : لا.

وكلاهما حقّ ؛ لأنّ بناءهم على أنّ فعله ليس حراما ، بل هو مثاب ويعمل بمضمونه الظاهر.

ويرشدك إليه ما تمسّكوا به ممّا رواه الكليني في الصحيح عن محمّد بن مسلم ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أسمع الحديث منك فأزيد وأنقص ؟ قال : « إن كنت تريد معناه ، فلا بأس » . (١) وبناؤه على أنّه لا يجوز الاستدلال بهذا (٢) اللفظ واستخراج الأحكام

__________________

(١) الكافي ، ج ١ ، ص ٥١ ، باب رواية الكتب والحديث و... ، ح ٢.

(٢) الف : لهذا.

٩٣

غير الحكم الظاهر منه ، كما يرشدك إليه ما تمسّك به من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « فربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه » (١) وهو مصرّح به فلا نزاع.

نخبة :

فعل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله حجّة كقوله ، أمّا في معرض البيان فللإجماع ، وأمّا في غيره فلقوله تعالى : ﴿ لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ (٢) وما شابهه ، وللضرورة أيضا ؛ لأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله مبعوث للاقتداء به لا للمخالفة ، فإن عرف وجوبه فواجب ، أو ندبه فمندوب ، أو إباحته أو عدم شيء فمباح في حقّنا حتّى يدلّ دليل على الاختصاص ، ولكن مخالفة مطلق فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله رغبة إلى الغير وبدعة حرام.

نخبة :

الدليلان لا يتقابلان إلّا إذا كانا ظنّيّين أو على وجه الجمع كالعامّ والخاصّ ، والمطلق والمقيّد ، والمجمل والمبيّن ، أو النسخ ، فإن كان على وجه الجمع يسمّى بالتعارض ، وإلّا فإن لم يكن هناك ما يقوّي أحدهما فيقدّم على الآخر يسمّى بالتعادل ، وحكمه التخيير من باب التسليم بلا خلاف منّا ، وإلّا فيسمّى بالترجيح.

وهو إمّا بالسند فيقدّم الكثير رواية على قليلها ، والقليل الوسائط ـ ويسمّى بعالي الإسناد ـ على كثيرها ، والموصوف رواتها بصفة ـ كالثقة والفطنة والورع والعلم والضبط وأمثالها أو بالأزيد ـ على غيرها وأمثالها.

أو بالمتن ، فالفصيح على غيره ، والمؤكّد على العاري ، والدالّ بالحقيقة أو بغير

__________________

(١) الكافي ، ج ١ ، ص ٤٠٣ ، باب ما أمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بالنصيحة لأئمّة المسلمين و... ، ح ١ ؛ الأمالي ، للصدوق ، ص ٣٥٠ ، المجلس ٥٦ ، ح ٣ ؛ الخصال ، ص ١٥٠ ، ح ١٨٢.

(٢) الأحزاب (٣٣) : ٢١.

٩٤

الواسطة على غيرهما ، والمسند على المرسل وأمثالها.

أو بالخارج فالمعتضد بالغير ، والمعمول عند الأكثر ، والمخالف للقوم ، والموافق للقرآن ، والمرويّ باللفظ ، والأقرب إلى التقوى على أغيارها ، وكذلك كلّ مقرون بما سوى هذه المذكورات ـ ممّا يقوّي الظنّ ـ يقدّم على غيره.

الباب الرابع

في الإجماع

نخبة :

الإجماع عبارة عن اتّفاق العلماء الاثني عشريّة في عصر من الأعصار على أمر من امور الدين ، وهو حجّة من حيث هو هو والبيان.

اعلم : أنّ لفظة « الامّة » حيث تطلق يراد بها من دون الأئمّة عليهم‌السلام لأنّ شأنهم أرفع من أن يكونوا أمّة ، بل هم كنفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهم أوصياء وشهداء على الامّة ، وهذا لا يحتاج إلى دليل عند من تتبّع الاستعمالات ولكن هنا تذكرتان :

الاولى : إنكار الإمام عليه‌السلام على القارئ ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ. ثمّ قال : « نزلت خير أئمّة » . (١) فلو كان الامّة تطلق على الأئمّة ، لما كان لإنكاره عليه‌السلام وجه.

الثانية : حكاية جبرئيل عليه‌السلام مع إبليس يوم تولّد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ثمّ اعلم أيضا : أنّها حيث تستعمل في المناقب يراد بها الاثنا عشريّة ، وهذا أيضا لا يكاد يخفى على المتدرّب حيث امرنا بالأخذ بخلافهم ، واخبرنا بأنّ الرشد والهداية في غيرهم.

ومن جملة المناقب قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا تجتمع امّتي على الخطأ » (٢) و « لا تجتمع امّتي

__________________

(١) تفسير القمّي ، ج ١ ، ص ١١٠ ؛ تفسير العيّاشي ، ج ١ ، ص ١٩٥ ، ح ١٢٨ و١٢٩.

(٢) الفصول المختارة ، ص ٢٣٩ ؛ صحيح الترمذي ، ج ٤ ، ص ٤٠٥ ، ح ٢١٦٧ ؛ مسند أحمد ، ج ٥ ، ص ١٤٥.

٩٥

على الضلالة » (١) و « لا تزال طائفة من امّتي على الحقّ حتّى تقوم الساعة وحتّى تخرج المسيح على الدجّال » (٢) فهذا كلّه خاصّ بمن دون الأئمّة من الاثني عشريّة لما ذكرنا وللأخير.

ثمّ اعلم : أنّ هذه الروايات وأمثالها المتواترة معنى دلّت على أنّ الحقّ لا يخرج عن هذه الفرقة ، وهم لا يخلون عن الحقّ من دون انضمام الإمام عليه‌السلام إليهم ، نعم ، الحقّ يدور مع الإمام عليه‌السلام ، وهذا لا يستلزم أن يكون معهم ومن أفرادهم ، فإذا اجتمع كلّ الفرقة ممّن له الأهليّة ، فالحقّ ـ وهو ما يرتضيه الإمام عليه‌السلام ـ فيهم وليس خارجا عنهم ، وكذلك إذا تفرّقوا ولكن لا يعلم حينئذ أنّ الحقّ في أيّ واحد منهم حتّى أنّه إذا ذهب كلّ إلى قول وواحد إلى آخر يمكن أن يكون الحقّ في الواحد ؛ لأنّ الدليل قد دلّ على أنّ الحقّ ليس خارجا عنهم ، لا أنّه مع الكثرة بل الكثرة مذمومة في الآيات والأحاديث خصوصا في هذه الأزمان.

ومن هذا يظهر لك فساد الاستدلال على حجّيّته بأنّه كاشف عن قول المعصوم ، حتّى أنّه كلّ كاشف عنه إجماع وإن حصل في فردين ، وحتّى أنّه من جملة شروط انعقاده أن لا يكونوا معروفين بالنسب حتّى يعلم دخول الإمام فيهم.

وكذلك الاستدلال عليها بأنّ الأرض لا تخلو عن الإمام ؛ لأنّ هذا جار بالنسبة إلى الامم السالفة أيضا ، فلا وجه لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « امّتي » مع أنّ الدليل كما عرفت لا يشمل الإمام عليه‌السلام ، فليس الدليل على حجّيّة الإجماع إلّا نفسه.

نخبة :

ومن هذا الأصل عدم جواز إحداث قول لم يقل به أحد في العصر الأوّل ، أو قول ثان

__________________

(١) الاحتجاج للطبرسي ، ج ٢ ، ص ٤٠٥ ؛ تحف العقول ، ص ٤٥٨ ؛ الألفين ، ص ٢١٨ ؛ إرشاد القلوب ، ج ٢ ، ص ٢٦٤ و٣٣٤ ؛ بحار الأنوار ، ج ٢٩ ، ص ٣٥.

(٢) كشف الغمّة ، ج ٢ ، ص ٤٧٩ ؛ عوالي اللآلي ، ج ٤ ، ص ٦٢ ، ح ١٣ ؛ بحار الأنوار ، ج ٥١ ، ص ٨٨ ؛ المستصفى ، ١٤٢ ؛ المحصول ، ج ٤ ، ص ٨٢ ؛ كنز العمّال ، ج ١٤ ، ص ٥٥٥ ، ح ٣٩٥٨٧.

٩٦

غير الأوّل وإن كان قائل الأوّل واحدا ، وإحداث القول الثالث في الإجماع المركّب.

ومنه : أنّ موت أحد الشطرين أو كفره دليل على أنّ الحقّ مع الآخر.

ومنه : عدم جواز الفصل بين مسألتين ما فصلوا بينهما ، وعدم جواز تأويل ينافي تأويلهم.

ومنه : جواز رجوع إحدى الطائفتين إلى الاخرى.

ومنه : جواز تعاكسهما.

واعلم : أنّه ربّما يسمّى المشهور إجماعا أو يلحق به كما قرّبه الشهيد في الذكرى ولعلّه لما اشتهر من « خذ المشهور بين الأصحاب واترك الشاذّ النادر » (١) و « أنّ الشاذّ من الناس للشيطان » . (٢)

الباب الخامس

في دليل العقل

وهو الاستصحاب والتمثيل.

نخبة :

الاستصحاب هو بقاء الحكم في الزمان الثاني لمحض ثبوته في الأوّل على الإطلاق بشرط عدم تغايرهما إلّا في الزمانية ، وهو حجّة.

والدليل أمّا عقلا ، فلأنّ المقتضي للحكم موجود ، ولا مانع إلّا تغيير الزمان ولا يصلح له ، فيجب القول به.

وأمّا نقلا ، فلا تنقض اليقين بالشكّ. (٣)

__________________

(١) عوالي اللآلي ، ج ٤ ، ص ١٣٣ ، ح ٢٢٩. وعنه في بحار الأنوار ، ج ٢ ، ص ٢٤٦ ، ح ٥٧ ؛ ومستدرك الوسائل ، ج ١٧ ، ص ٣٠٣ ، ح ٢١٤١٣.

(٢) نهج البلاغة ، ص ١٨٤ ، الخطبة ١٢٧ ؛ غرر الحكم ، ص ٤٤٦ ، ح ١٠٧١٦ ؛ بحار الأنوار ، ج ٣٣ ، ص ٣٧٣ ، ح ٦٠٤.

(٣) الكافي ، ج ٣ ، ص ٣٥١ ، باب السهو في الثلاث والأربع ، ح ٣ ؛ الفقيه ، ج ١ ، ص ٦٠ ، ح ١٣٦ ؛ تهذيب الأحكام ، ج ١ ، ص ٨ ، ح ١١ ؛ وص ٤٢١ ، ح ٨ ؛ الاستبصار ، ج ١ ، ص ١٨٣ ، ح ١٣ ؛ وص ٣٧٣ ، ح ٣.

٩٧

محاكمة للمتعلّمين بين الفقهاء والمتكلّمين

اعلم : أنّ المرتضى (١) وأكثر المتكلّمين والحنفيّة (٢) ذهبوا إلى عدم حجّيّته ، وقالوا لو كان الحكم بالبقاء مع اشتراكهما في المقتضي فهو القياس ، وإلّا فلا يجوز ؛ للتغاير. والفقهاء استدلّوا بصحّة إرسال المكاتيب والهدايا ، وليست إلّا من الحكم ببقاء المرسل إليه ، ومثّلوا له بالمتيمّم الفاقد للماء الداخل في الصلاة الواجد له فيها.

والذي يظهر لي أنّه لا نزاع بينهم ؛ لأنّ دليل المانعين ينادي بأنّه لا مانع من قبوله إلّا اسمه ولا يصلح للمنع.

واستدلالهم بصحّة إرسال المكاتيب ليس بشيء ؛ لأنّها منوطة بالقرائن والعادة ، وهي لا تنضبط ، ولهذا أتوا بالنقض بأنّ الحكم ببقاء زيد في الدار بعد الغيبة الطويلة سفاهة ، وكذلك تمثيلهم بالمتيمّم ليس مثالا لمحلّ النزاع ، لتغاير الحالين فيه يقينا كما يقول المانعون ردّا عليهم ، فلو تحقّق نزاع فإنّما هو في التسمية أو في وجود القرينة وعدمها ، أو في تغاير الحالين وعدمه ، لا في أصل الاستصحاب ، كيف ؟ وقد صار عدم انتقاض اليقين بالشكّ من المسلّمات عند الفريقين ، وهذا معنى الاستصحاب.

نخبة :

التمثيل ـ ويقال له القياس ـ إثبات حكم معلوم ـ يسمّى بالأصل ـ لمعلوم آخر يسمّى بالفرع ؛ لأولويّته أو تساويه (٣) في علّته يسمّى بالجامع.

فأمّا الأوّل ، فحجّة مطلقا بلا خلاف.

وأمّا الثاني ، فينقسم (٤) إلى ما قد نصّ فيه على العلّة وإلى ما استنبط العلّة فيه.

فأمّا الأوّل ، فهو حجّة أيضا بلا خلاف في أصله ، وإنّما الخلاف في كيفيّة إثباتها هل

__________________

(١) الذريعة ، ج ٢ ، ص ٨٣٠.

(٢) المستصفى ، ص ١٥٩ ؛ المحصول ، ج ٦ ، ص ١٠٩ ؛ زبدة الاصول ، ص ١٠٩ ؛ فرائد الاصول ، ج ٣ ، ص ٣٢ و١٠٦.

(٣) الف : ـ أو تساويه.

(٤) الف : فيقسّم.

٩٨

تثبت بمحض قوله عليه‌السلام لعلّة كذا أم لا ؟ وهذا لا يثمر ثمرة ؛ لأنّ الكلام إنّما هو بعد ثبوتها.

وأمّا الثاني ، فالأقرب أنّه حجّة إذا كان الاستنباط فيه مفيدا للعلم الشرعي ، كما إذا كان بالدوران أو الترديد ؛ لأنّ المقتضي لحجّيّته حينئذ ـ وهو الظنّ القويّ ـ موجود ، ولا مانع عنه عقلا سوى الاحتمالات المرجوحة التي لا تصلح للمنع ، وإلّا لم تكن شيء من الأدلّة حجّة ، ولا شرعا سوى نهي الأئمّة عليهم‌السلام عنه ، وسيأتي في المحاكمة ما يظهر لك أنّه ليس بمانع.

وأيضا القسم الأوّل ـ وهو الطريق الأوّلي الذي أولويّته فرع ثبوت العلّة وأولويّتها ـ متّفق على قبوله من غير اشتراط النصّ على العلّة فيه.

محاكمة لاولي الألباب بين القول وعمل الأصحاب :

اعلم : أنّ أصحابنا معشر الإماميّة يقولون : إنّ القياس ليس من مذهبنا وينكرونه إنكارا شديدا حتّى أنّه صار شعارا لهم ، وسبب إنكارهم إنّما هو إنكار الأئمّة الطاهرين عليهم‌السلام ، فإنّهم أيضا أنكروه إنكارا شديدا ونهوا عنه نهيا شديدا (١) حتّى أنّهم عليهم‌السلام عرفوا به وصار لهم أيضا شعارا ، ولكن تراهم يعملون به في جميع الموارد ، ولكن مرّة يسمّونه الطريق الأولى ، ومرّة يسمّونه المنصوص العلّة ، ومرّة يسمّونه تنقيح المناط ، ومرّة يسمّونه اتّحاد المسألتين ، ومرّة يسمّونه تمثيلا ، ومرّة يعمّمون في النصّ على العلّة تعميما لا يشذّ عنه فرد من أفراده كالعلّامة في التهذيب ، (٢) وكذلك أهل بيت العصمة عليهم‌السلام أيضا تكلّموا في أغلب أبواب الفقه بطريق القياس المستجمع للشرائط مع شيعتهم حتّى في بعضها قال الراوي : هذا هو القياس ؟ فقال عليه‌السلام : « لا ، هذا تمثيل » . (٣)

__________________

(١) ب : ـ ونهوا عنه نهيا شديدا.

(٢) هو تهذيب الاصول ، ولكن لم نعثر عليه.

(٣) راجع : الكافي ، ج ٤ ، ص ٢٣٤ ، باب صيد الحرم و... ، ح ١٢ ؛ الفقيه ، ج ٢ ، ص ٢٦٠ ، ح ٢٣٦١ ؛ تهذيب الأحكام ، ج ٥ ، ص ٣٦٠ ، ح ١٦٥ ؛ الاستبصار ، ج ٢ ، ص ٢٠٦ ، ح ٤ ؛ وسائل الشيعة ، ج ١٣ ، ص ٦٦ ـ ٦٨ ، ح ١٧٢٤٨ ـ ١٧٢٥٠.

٩٩

والذي يظهر لي من البين أنّ الذي أنكره الإماميّة ونهى عنه الأئمّة عليهم‌السلام غير ما عملوا به وتكلّموا عليهم‌السلام ، به فإنّ الذين عملوا به وقالوا عليهم‌السلام به هو القياس المستجمع للشرائط وهو المسمّى بالتمثيل ، كما قال الإمام عليه‌السلام ردّا على الراوي ، والذي أنكروه هو الغير المستجمع لها.

ويدلّك على هذا أنّه كان في زمانهم عليهم‌السلام جهّال قد أغووا الناس إلى أنفسهم وأغرّوهم إلى استفتائهم ، فالناس كانوا يستفتون منهم وهم لا يكادون يفقهون حديثا ، فيقيسون أشياء بغير مناسبة كالأرض والسماء مثلا ، ويفتونهم به في جميع فتاويهم.

أ ما ترى إلى قوله عليه‌السلام : « لو كان الدين بالقياس ، لكان باطن الخفّ أولى بالمسح من ظاهره » (١) أنّه يدلّ على أنّهم كانوا يقيسون ظاهر الخفّ بظاهر القدم ، وأنّه لا مناسبة فيه أصلا.

وأ ما ترى إلى قياس إبليس المذموم بقوله : « أوّل من قاس إبليس » (٢) أنّه ليس مستجمعا للشرائط حتّى أصله ، وهو شرافة النار على الصلصال.

وإلى قوله عليه‌السلام : « يقيسون الامور برأيهم » . (٣)

وإلى قوله عليه‌السلام : « من أراد أن يقتحم جراثيم جهنّم فليقل في الحدّ برأيه » . (٤)

__________________

(١) الفصول المختارة ، ص ٢٠٤ ؛ الخلاف ، ج ١ ، ص ٢١٧ ؛ عدّة الاصول ، ج ٢ ، ص ٦٨٨ ؛ سنن أبي داود ، ج ١ ، ص ٤٢ ، ح ١٦٢ ؛ سنن الدارقطني ، ج ١ ، ص ٢٠٥ ، ح ٤ ؛ السنن الكبرى ، ج ١ ، ص ٢٩٢.

(٢) الكافي ، ج ١ ، ص ٥٨ ، باب البدع والرأي والمقاييس ، ح ٢٠ ؛ وج ٣ ، ص ١٠٤ ، باب الحائض تقضي الصوم و... ، ح ٢ ؛ وج ٤ ، ص ١١٣ ، باب الطيب والريحان للصائم ، ح ٥ ؛ وج ٤ ، ص ١٣٥ ، باب صوم الحائض والمستحاضة ، ح ١.

(٣) كنز الفوائد ، ج ٢ ، ص ٢٠٩ ؛ الصراط المستقيم ، ج ٣ ، ص ٢٠٨ ؛ بحار الأنوار ، ج ٢ ، ص ٣١٢ ؛ مستدرك الوسائل ، ج ١٧ ، ص ٢٥٧ ، ح ٢١٢٧٤.

(٤) الفقيه ، ج ٤ ، ص ٢٨٦ ، ح ٥٦٥٠ ؛ الذريعة للسيّد المرتضى ، ج ٢ ، ص ٧٣٥ ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج ٦ ، ص ٢٤٥ ؛ المحصول للرازي ، ج ٥ ، ص ٧٧ ؛ أعلام الموقّعين ، ج ١ ، ص ٣٨٠ ؛ تأويل مختلف الحديث ، ص ٢٠. وفي كلّها « الجد » بدل « الحد » .

١٠٠