الشيخ مرتضى الأنصاري
المحقق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: خاتم الأنبياء
الطبعة: ٩
ISBN: 964-5662-05-2
الصفحات: ٣٥٢
خاتمة
في التّعادل والتّراجيح
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه محمّد وآله الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
خاتمة
في التعادل والتراجيح (١)
وحيث إنّ موردهما الدليلان المتعارضان ، فلا بدّ من تعريف التعارض وبيانه.
التعارض لغة واصطلاحا |
وهو لغة : من العرض بمعنى الإظهار (٢) ، وغلّب في الاصطلاح على : تنافي الدليلين وتمانعهما باعتبار مدلولهما ؛ ولذا ذكروا : أنّ التعارض تنافي مدلولي الدليلين على وجه التناقض أو التضادّ (٣).
وكيف كان ، فلا يتحقّق إلاّ بعد اتحاد الموضوع وإلاّ لم يمتنع اجتماعهما.
عدم التعارض بين الاصول والأدلّة الاجتهادية |
ومنه يعلم : أنّه لا تعارض بين الاصول وما يحصّله المجتهد من (٤) الأدلّة الاجتهاديّة ؛ لأنّ موضوع الحكم في الاصول الشيء بوصف أنّه
__________________
(١) كذا في (ر) و (ص) ، وفي غيرهما : «الترجيح».
(٢) في القاموس (٢ : ٣٣٤) عرض الشيء له : أظهره له. وفي المصباح المنير (٤٠٢) : عرضت المتاع للبيع : أظهرته لذوي الرغبة ليشتروه.
(٣) انظر منية اللبيب (مخطوط) ، الورقة : ١٦٩ ، والقوانين ٢ : ٢٧٦ ، وضوابط الاصول : ٤٢٣.
(٤) لم ترد «ما يحصّله المجتهد من» في (ظ).
مجهول الحكم ، وفي الدليل نفس ذلك الشيء من دون ملاحظة ثبوت حكم له ، فضلا عن الجهل بحكمه ، فلا منافاة بين كون العصير المتّصف بجهالة حكمه حلالا على ما هو مقتضى الأصل ، وبين كون نفس العصير حراما كما هو مقتضى الدليل الدالّ على حرمته (١).
والدليل المفروض (٢) :
إن كان بنفسه يفيد العلم صار المحصّل له عالما بحكم العصير (٣) ، فلا يقتضي الأصل حلّيته ؛ لأنّه إنّما اقتضى حلّية مجهول الحكم ، فالحكم بالحرمة ليس طرحا للأصل ، بل هو بنفسه غير جار وغير مقتض ؛ لأنّ موضوعه مجهول الحكم.
وإن كان بنفسه لا يفيد العلم ، بل هو محتمل الخلاف ، لكن ثبت اعتباره بدليل علميّ :
ورود الأدلّة على الاصول العقليّة |
فإن كان الأصل ممّا كان مؤدّاه بحكم العقل ـ كأصالة البراءة العقليّة ، والاحتياط والتخيير العقليين ـ فالدليل أيضا (٤) وارد عليه ورافع
__________________
(١) لم ترد «وفي الدليل ـ إلى ـ على حرمته» في غير (ظ) ، وورد بدلها في (ر) و (ص) العبارة التالية : «كالحكم بحليّة العصير مثلا من حيث إنّه مجهول الحكم ، وموضوع الحكم الواقعي الفعل من حيث هو ، فإذا لم يطلع عليه المجتهد كان موضوع الحكم في الاصول باقيا على حاله ، فيعمل على طبقه ، وإذا اطّلع المجتهد على دليل يكشف عن الحكم الواقعي فإن».
(٢) لم ترد «والدليل المفروض» في (ر) و (ص).
(٣) في (ت) و (ه) زيادة : «العنبي مثلا» ، وفي (ر) و (ص) زيادة : «مثلا».
(٤) لم ترد «أيضا» في (ر) ، وفي (ص) كتب فوقه : «نسخة».
لموضوعه ؛ لأنّ موضوع الأوّل عدم البيان ، وموضوع الثاني احتمال العقاب ، ومورد الثالث عدم المرجّح لأحد طرفي التخيير ، وكلّ ذلك يرتفع بالدليل العلميّ (١) المذكور.
حكومة الأدلّة على الاصول الشرعيّة |
وإن كان مؤدّاه من المجعولات الشرعيّة ـ كالاستصحاب ونحوه ـ كان ذلك الدليل حاكما على الأصل ، بمعنى : أنّه يحكم عليه بخروج مورده عن مجرى الأصل ، فالدليل العلميّ المذكور وإن لم يرفع موضوعه ـ أعني الشكّ ـ إلاّ أنّه يرفع حكم الشكّ ، أعني الاستصحاب.
ضابط الحكومة |
وضابط الحكومة : أن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظيّ متعرّضا لحال الدليل الآخر ورافعا للحكم الثابت بالدليل الآخر عن بعض أفراد موضوعه ، فيكون مبيّنا لمقدار مدلوله ، مسوقا لبيان حاله ، متفرّعا (٢) عليه (٣).
وميزان ذلك : أن يكون بحيث لو فرض عدم ورود ذلك الدليل لكان هذا الدليل لغوا خاليا عن المورد (٤).
نظير الدليل الدالّ على أنّه لا حكم للشكّ في النافلة ، أو مع كثرة الشكّ ، أو مع حفظ الإمام أو المأموم ، أو بعد الفراغ من العمل ، فإنّه
__________________
(١) في (ر) ، (ص) و (ه) ونسخة بدل (ت) بدل «العلميّ» : «الظنّي» ، وفي نسخة بدل (ه) : «العلميّ».
(٢) في (ر) و (ص) بدل «متفرّعا» : «متعرّضا».
(٣) لم ترد «مسوقا لبيان حاله ، متفرّعا عليه» في (ت) و (ظ).
(٤) في (ت) زيادة : «بظاهره» ، وعبارة «وميزان ـ إلى ـ عن المورد» لم ترد في (ر) و (ص).
حاكم على الأدلّة المتكفّلة لأحكام الشكوك ، فلو فرض أنّه لم يرد من الشارع حكم الشكوك ـ لا عموما ولا خصوصا (١) ـ لم يكن مورد للأدلّة النافية لحكم الشكّ في هذه الصور.
الفرق بين الحكومة والتخصيص |
والفرق بينه وبين التخصيص : أنّ كون المخصّص بيانا للعامّ ، إنّما هو (٢) بحكم العقل ، الحاكم بعدم جواز إرادة العموم مع العمل بالخاصّ (٣) ، وهذا بيان بلفظه ومفسّر للمراد من العامّ ، فهو تخصيص في المعنى بعبارة التفسير.
ثمّ الخاصّ ، إن كان قطعيّا تعيّن طرح عموم العامّ ، وإن كان ظنّيّا دار الأمر بين طرحه وطرح العموم ، ويصلح كلّ منهما لرفع اليد بمضمونه على تقدير مطابقته للواقع عن الآخر ، فلا بدّ من الترجيح.
بخلاف الحاكم ، فإنّه يكتفى به في صرف المحكوم عن ظاهره ، ولا يكتفى بالمحكوم في صرف الحاكم عن ظاهره ، بل يحتاج إلى قرينة اخرى ، كما يتّضح ذلك بملاحظة الأمثلة المذكورة.
لثمرة بين التخصيص والحكومة |
فالثمرة بين التخصيص والحكومة تظهر في الظاهرين ، حيث لا يقدّم المحكوم ولو كان الحاكم أضعف منه ؛ لأنّ صرفه عن ظاهره لا يحسن بلا قرينة اخرى ، هي (٤) مدفوعة بالأصل. وأمّا الحكم بالتخصيص
__________________
(١) لم ترد «لا عموما ولا خصوصا» في (ظ).
(٢) «إنّما هو» من (ظ).
(٣) في (ظ) بدل «العمل بالخاص» : «القرينة المعاندة» ، وفي (ع) ونسخة بدل (ف) : «القرينة الصارفة».
(٤) «هي» من (ظ).
فيتوقّف على ترجيح ظهور الخاصّ ، وإلاّ أمكن رفع اليد عن ظهوره وإخراجه عن الخصوص بقرينة صاحبه.
فلنرجع إلى ما نحن بصدده ، من (١) حكومة الأدلّة الظنيّة على الاصول ، فنقول :
قد (٢) جعل الشارع ـ مثلا (٣) ـ للشيء المحتمل للحلّ والحرمة حكما شرعيّا أعني : «الحلّ» ، ثمّ حكم بأنّ الأمارة الفلانيّة ـ كخبر العادل الدالّ على حرمة العصير ـ حجّة ، بمعنى أنّه لا يعبأ باحتمال مخالفة مؤدّاه للواقع ، فاحتمال حلّيّة العصير المخالف للأمارة بمنزلة العدم ، لا يترتّب عليه حكم شرعيّ كان يترتّب عليه لو لا هذه الأمارة ، وهو ما ذكرنا :
من الحكم بالحلّيّة الظاهريّة. فمؤدّى الأمارات بحكم الشارع كالمعلوم ، لا يترتّب عليه الأحكام الشرعيّة المجعولة للمجهولات.
جريان الورود والحكومة في الاصول اللفظيّة أيضا |
ثمّ إنّ ما ذكرنا ـ من الورود والحكومة ـ جار في الاصول اللفظيّة أيضا ، فإنّ أصالة الحقيقة أو العموم معتبرة إذا لم يعلم هناك قرينة على المجاز.
فإن كان المخصّص ـ مثلا ـ دليلا علميّا كان واردا على الأصل المذكور ، فالعمل بالنصّ القطعيّ في مقابل الظاهر كالعمل بالدليل العلميّ في مقابل الأصل العمليّ (٤)
__________________
(١) في غير (ه) زيادة : «ترجيح» ، وفي (خ) : «توضيح».
(٢) لم ترد «فهو تخصيص في المعنى ـ إلى ـ فنقول قد» في (ظ) ، وورد بدلها : «ففيما نحن فيه».
(٣) «مثلا» من (ص) ونسخة بدل (ت).
(٤) في (ظ) زيادة : «فإطلاق المتعارضين عليهما مسامحة».
وإن كان المخصّص ظنّيا معتبرا كان حاكما على الأصل ؛ لأنّ معنى حجّية الظنّ جعل احتمال مخالفة مؤدّاه للواقع بمنزلة العدم ، في عدم ترتّب ما كان يترتّب عليه من الأثر لو لا حجّية هذه الأمارة ، وهو وجوب العمل بالعموم ؛ فإنّ الواجب عرفا وشرعا العمل بالعموم (١) عند احتمال وجود المخصّص وعدمه ، فعدم العبرة باحتمال عدم التخصيص إلغاء للعمل بالعموم.
فثبت : أنّ النصّ وارد على أصالة الحقيقة (٢) إذا كان قطعيّا من جميع الجهات ، وحاكم عليه (٣) إذا كان ظنّيا في الجملة ، كالخاصّ الظنّيّ السند مثلا.
ويحتمل أن يكون الظنّي أيضا واردا ، بناء على كون العمل بالظاهر عرفا وشرعا معلّقا على عدم التعبّد بالتخصيص ، فحالها حال الاصول العقليّة ، فتأمّل (٤).
هذا كلّه على تقدير كون أصالة الظهور من حيث أصالة عدم القرينة.
وأمّا إذا كان من جهة الظنّ النوعيّ الحاصل بإرادة الحقيقة ـ الحاصل من الغلبة أو من غيرها ـ فالظاهر أنّ النصّ وارد عليها
__________________
(١) لم ترد «فإنّ الواجب عرفا وشرعا العمل بالعموم» في (ت) ، (ه) و (ر) ، وكتب فوقها في (ص) : «نسخة».
(٢) في (ظ) زيادة : «في الظاهر».
(٣) كذا في النسخ ، والمناسب : «عليها» ، لرجوع الضمير إلى أصالة الحقيقة.
(٤) لم ترد «فتأمّل» في (ظ).
مطلقا وإن كان النصّ ظنيّا ؛ لأنّ الظاهر أنّ دليل حجّيّة الظنّ الحاصل بإرادة الحقيقة ـ الذي هو مستند أصالة الظهور ـ مقيّد بصورة عدم وجود ظنّ معتبر على خلافه ، فإذا وجد ارتفع موضوع ذلك الدليل ، نظير ارتفاع موضوع الأصل بالدليل.
ويكشف عمّا ذكرنا : أنّا لم نجد ولا نجد من أنفسنا موردا يقدّم فيه العامّ ـ من حيث هو ـ على الخاصّ وإن فرض كونه أضعف الظنون المعتبرة ، فلو كان حجّيّة ظهور العامّ غير معلّق على عدم الظنّ المعتبر على خلافه ، لوجد مورد يفرض (١) فيه أضعفيّة مرتبة ظنّ الخاصّ من ظنّ العامّ حتّى يقدّم عليه ، أو مكافئته له حتّى يتوقّف ، مع أنّا لم نسمع موردا يتوقف في مقابلة العامّ من حيث هو والخاصّ ، فضلا عن أن يرجّح عليه. نعم ، لو فرض الخاصّ ظاهرا أيضا خرج عن النصّ ، وصار من باب تعارض الظاهرين ، فربما يقدّم العامّ (٢).
وهذا نظير ظنّ الاستصحاب على القول به ، فإنّه لم يسمع مورد يقدّم الاستصحاب على الأمارة المعتبرة المخالفة له ، فيكشف عن أنّ إفادته للظنّ أو اعتبار ظنّه النوعيّ مقيّد بعدم قيام (٣) ظنّ آخر على خلافه ، فافهم (٤).
عدم التعارض في القطعيّين ولا في الظنّيين الفعليّين |
ثمّ إنّ التعارض ـ على ما عرفت من تعريفه ـ لا يكون في الأدلّة
__________________
(١) كذا في (ظ) ، وفي غيرها : «نفرض».
(٢) لم ترد «نعم لو فرض ـ إلى ـ يقدّم العامّ» في (ظ).
(٣) لم ترد «قيام» في (ر) ، (ص) و (ظ).
(٤) لم ترد «فافهم» في (ظ).
القطعيّة ؛ لأنّ حجّيّتها إنّما هي من حيث صفة القطع ، والقطع بالمتنافيين أو بأحدهما مع الظنّ بالآخر غير ممكن.
ومنه يعلم : عدم وقوع التعارض بين دليلين يكون حجّيّتهما باعتبار صفة الظنّ الفعليّ ؛ لأنّ اجتماع الظنّين بالمتنافيين محال ، فإذا تعارض سببان للظنّ الفعليّ ، فإن بقي الظنّ في أحدهما فهو المعتبر ، وإلاّ تساقطا.
وقولهم : «إنّ التعارض لا يكون إلاّ في الظنّين» ، يريدون به الدليلين المعتبرين من حيث إفادة نوعهما الظنّ. وإنّما أطلقوا القول في ذلك ؛ لأنّ أغلب الأمارات بل جميعها ـ عند جلّ العلماء ، بل ما عدا جمع ممّن قارب عصرنا (١) ـ معتبرة من هذه الحيثيّة ، لا لإفادة الظنّ الفعليّ بحيث يناط الاعتبار به.
ومثل هذا في القطعيّات غير موجود ؛ إذ ليس هنا ما يكون اعتباره من باب إفادة نوعه القطع ؛ لأنّ هذا يحتاج إلى جعل الشارع ، فيدخل حينئذ في الأدلّة الغير القطعيّة ؛ لأنّ الاعتبار في الأدلّة القطعيّة من حيث صفة القطع ، وهي في المقام منتفية ، فيدخل في الأدلّة الغير القطعيّة (٢).
__________________
(١) مثل : الوحيد البهبهاني ، وكذا المحقّق القمي الذي قال بحجّية الأمارات من جهة دليل الانسداد ، انظر الرسائل الاصولية : ٤٢٩ ـ ٤٣٤ ، والفوائد الحائرية : ١١٧ ـ ١٢٥ ، والقوانين ١ : ٤٤٠ ، و ٢ : ١٠٢.
(٢) لم ترد «لأنّ الاعتبار ـ إلى ـ الغير القطعيّة» في (ظ) ، وفي (ه) كتب عليها : «زائد» ، وفي (ت) كتب عليها : «نسخة بدل».
إذا عرفت ما ذكرناه ، فاعلم : أنّ الكلام في أحكام التعارض يقع في مقامين ؛ لأنّ المتعارضين :
إمّا أن يكون لأحدهما مرجّح على الآخر.
وإمّا أن لا يكون ، بل يكونان متعادلين متكافئين.
قاعدة «الجمع مهما أمكن أولى من الطرح» |
وقبل الشروع في بيان حكمهما لا بدّ من الكلام في القضيّة المشهورة ، وهي : أنّ الجمع بين الدليلين مهما أمكن أولى من الطرح (١).
والمراد بالطرح ـ على الظاهر المصرّح به في كلام بعضهم (٢) ، وفي معقد إجماع بعض آخر (٣) ـ أعمّ من طرح أحدهما لمرجّح في الآخر ، فيكون الجمع مع التعادل أولى من التخيير ، ومع وجود المرجّح أولى من الترجيح.
كلام ابن أبي جمهور الأحسائيّ في عوالي اللآلي |
قال الشيخ ابن أبي جمهور الأحسائيّ في عوالي اللآلي ـ على ما حكي عنه ـ :
إنّ كلّ حديثين ظاهرهما التعارض يجب عليك : أوّلا البحث عن معناهما وكيفيّة دلالة ألفاظهما ، فإن أمكنك التوفيق بينهما بالحمل على جهات التأويل والدلالات ، فاحرص عليه واجتهد في تحصيله ؛ فإنّ العمل بالدليلين مهما أمكن خير من ترك أحدهما وتعطيله بإجماع العلماء. فإذا لم تتمكّن من ذلك ولم يظهر (٤) لك وجهه ، فارجع إلى
__________________
(١) انظر الفصول : ٤٤٠ ، ومناهج الأحكام : ٣١٢ ، بل ادّعى عليها الإجماع في عوالي اللآلي كما سيأتي بعد سطور.
(٢) مثل صاحبي الفصول والمناهج.
(٣) هو ابن أبي جمهور ، كما سيأتي.
(٤) في المصدر : «أو لم يظهر».
العمل بهذا الحديث ـ وأشار بهذا إلى مقبولة عمر بن حنظلة (١) ـ (٢) انتهى.
ما استدلّ به على هذه القاعدة |
واستدلّ عليه :
تارة : بأنّ الأصل في الدليلين الإعمال ، فيجب الجمع بينهما بما أمكن ؛ لاستحالة الترجيح من غير مرجّح (٣).
واخرى : بأنّ دلالة اللفظ على تمام معناه أصليّة وعلى جزئه تبعيّة ، وعلى تقدير الجمع يلزم إهمال دلالة تبعيّة ، وهو أولى ممّا يلزم على تقدير عدمه ، وهو إهمال دلالة أصليّة (٤).
عدم إمكان العمل بهذه القاعدة |
ولا يخفى : أنّ العمل بهذه القضيّة على ظاهرها يوجب سدّ باب الترجيح ، والهرج في الفقه ، كما لا يخفى. ولا دليل عليه ، بل الدليل على خلافه ، من الإجماع والنصّ (٥).
عدم الدليل على هذه القاعدة |
أمّا عدم الدليل عليه ؛ فلأنّ ما ذكر ـ من أنّ الأصل في الدليلين الإعمال ـ مسلّم ، لكنّ المفروض عدم إمكانه في المقام ؛ فإنّ العمل بقوله عليهالسلام : «ثمن العذرة سحت» (٦) ، وقوله عليهالسلام : «لا بأس ببيع العذرة» (٧) ـ على ظاهرهما ـ غير ممكن ، وإلاّ لم يكونا متعارضين. وإخراجهما عن ظاهرهما ـ بحمل الأوّل على عذرة غير مأكول اللحم ،
__________________
(١) عوالي اللآلي ٤ : ١٣٦.
(٢) الآتية في الصفحة ٥٧.
(٣) هذا الاستدلال من الشهيد الثاني في تمهيد القواعد : ٢٨٣.
(٤) ذكر الاستدلال به في نهاية الوصول (مخطوط) : ٤٥٣ ، ومنية اللبيب (مخطوط) : الورقة ١٦٩ ، والفصول : ٤٤٠ ، والقوانين ٢ : ٢٧٩ ، ومناهج الأحكام : ٣١٢.
(٥) انظر الصفحة ٢٤ ، الهامش ٣.
(٦) الوسائل ١٢ : ١٢٦ ، الباب ٤٠ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث الأوّل.
(٧) الوسائل ١٢ : ١٢٦ ، الباب ٤٠ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٣.