

بِسْمِ اللهِ الرَّحمٰنِ
الرَّحيمِ
|
قال الله تبارك
وتعالى :
(
وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ
مِن
كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ
وَلِيُنذِرُوا
قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ
يَحْذَرُونَ
)
( التوبة : ١٢٢ )
|
|

بِسْمِ اللهِ الرَّحمٰنِ
الرَّحيمِ
كلمة المكتب
الحمد لله والصّلاة
والسّلام على أنبياء الله ، لا سيّما رسوله الخاتم وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين .
أمّا بعد ، لا شكّ
انّ إصلاح المناهج الدراسية المتداولة في الحوزات العلمية والمعاهد الدراسية في العصر الحاضر ـ الذي عُرف بعصر ثورة المعلومات ـ بات حاجة ملحّة يقتضيها تطوّر العلوم وتكاملها عبر الزمان ، وظهور مناهج تعليمية وتربوية حديثة تتوافق مع الطموحات والحاجات الإنسانية المتجددة .
وهذه الحقيقة لم تعد
خافية على القائمين على هذه المراكز ، فوضعوا نصب أعينهم إصلاح النظام التعليمي في قائمة الأولويات بعد أن باتت فاعليته رهن إجراء تغييرات جذرية على هيكلية هذا النظام .
ويبدو من خلال هذه
الرؤية انّ إصلاح النظام الحوزوي ليس أمراً بعيد المنال ، إلّا أنّه من دون إحداث تغيير في المناهج الحوزوية ستبوء كافة الدعوات الإصلاحية بالفشل الذريع ، وستموت في مهدها .
والمركز العالمي
للدراسات الإسلامية ـ الذي يتولّىٰ مهمّة إعداد المئات من الطلاب الوافدين من مختلف بقاع الأرض للاغتراف من نمير علوم أهل
البيت
عليهمالسلام ـ شرع في الخطوات
اللازمة لإجراء تغييرات جذرية على المناهج الدراسية المتّبعة وفق الأساليب العلمية الحديثة بهدف عرض المواد التعليمية بنحو أفضل ، الأمر الذي لا تلبّيه الكتب الحوزوية السائدة ؛ ذلك انّها لم تؤلّف لهدف التدريس ، وإنّما أُلّفت لتعبّر عن أفكار مؤلّفيها حيال موضوعات مرّ عليها حُقبة طويلة من الزمن وأصبحت جزءاً من الماضي .
وفضلاً عن ذلك فانّها
تفتقد مزايا الكتب الدراسية التي يراعى فيها مستوى الطالب ومؤهّلاته الفكرية والعلمية ، وتسلسل الأفكار المودعة فيها وأداؤها ، واستعراض الآراء والنظريات الحديثة التي تعبّر عن المدىٰ الذي
وصلت إليه من عمق ، بلغة عصرية يتوخّىٰ فيها السهولة والتيسير وتذليل صعب المسائل مع احتفاظها بدقة العبارات وعمق الأفكار بعيداً عن التعقيد الذي يقتل الطالب فيه وقته الثمين دون جدوىٰ .
وانطلاقاً من توجيهات
كبار العلماء والمصلحين وعلى رأسهم سماحة الإمام الراحل قدسسره ، وتلبية لنداء قائد الثورة الإسلامية
آية الله الخامنئي ـ مدّ ظله الوارف ـ قام هذا المركز بتخويل « مكتب مطالعة وتدوين المناهج الدراسية » مهمة تجديد الكتب الدراسية السائدة في الحوزات العلمية على أن يضع له خطة عمل لإعداد كتب دراسية تتوفّر فيها المزايا السالفة الذكر .
وقد بدت أمام المكتب
المذكور ـ ولأوّل وهلة ـ عدّة خيارات :
١ . اختصار الكتب
الدراسية المتداولة من خلال انتقاء الموضوعات التي لها مساس بالواقع العملي .
٢ . إيجازها وشحنها
بآراء ونظريات حديثة .
٣ . تحديثها من رأس
بلغة عصرية وإيداعها أفكار جديدة ، إلّا أنّ العقبة الكأداء التي ظلّت تواجه هذا الخيار هي وقوع القطيعة التامة بين الماضي والحاضر ، بحيث تبدو الأفكار المطروحة في الكتب الحديثة وكأنّها تعيش في غربة عن التراث ، وللحيلولة دون ذلك ، لمعت فكرة جمع الخيارات المذكورة في قالب واحد تمثّل في المحافظة على الكتب الدراسية القديمة كمتون وشرحها بأُسلوب عصري يجمع بين القديم الغابر والجديد المحدث .
وبناء على ذلك راح
المكتب يشمّر عن ساعد الجدّ ويستعين بمجموعة من الأساتذة المتخصّصين لوضع كتب وكراسات في المواد الدراسية المختلفة ، من فقه وأُصول وتفسير ورجال وحديث وأدب وغيرها
.
وكانت مادة الفقه ( قسم الخيارات ) بحاجة ماسّة إلى وضع
كتاب جديد فيها يتناسب مع تطلّعات المركز ، فطلبنا من العلّامة الفقيه ، سماحة آية الله الشيخ
جعفر السبحاني
ـ مدّ ظله ـ تدوين دروس موجزة في الخيارات والشروط ، فلبّىٰ رغبتنا مشكوراً وتفضّل بتدوين هذا الكتاب الذي يحتوي على أهمّ المطالب الفقهية في الخيارات والشروط ، ببيان جزل وأُسلوب سهل ، بعيداً عن التعقيد والغموض ، لا يجد الطالب عسراً في استيعابها وفهمها .
وفي الختام لا يفوتنا
إلّا أن نتقدّم بالشكر الجزيل والثناء الوافر لأُستاذنا المؤلِّف على ما بذله من جهود في هذا الصعيد ، ونبتهل إلى الله سبحانه أن يديم عطاءه العلمي .
المركز العالمي
للدراسات الإسلامية

بِسْمِ
اللهِ الرَّحمٰنِ الرَّحيمِ
الحمد لله ربّ
العالمين ، والصّلاة والسلام على خاتم أنبيائه وأفضل سفرائه وأمينه على وحيه ، وعلى آله الذين هم عيبة علمه وحفظة سننه ، وحجج الله في أرضه .
أمّا بعد ، فهذه دروس
موجزة في الخيارات والشروط وأحكامهما ، مصحوبة بالاستدلال ، بعيدة عن التعقيد والغموض والإطناب المملّ ، متعرّضة لأهمّ المسائل وألزمها ، معرضة عمّا يقلّ الابتلاء بها .
وقبل الخوض في
المقصود نرى من اللازم الإشارة إلى نكتة هامة وهي انّ الفقهاء قسّموا الفقه إلى أقسام أربعة :
١ . العبادات ، ٢ .
العقود ، ٣ . الإيقاعات ، ٤ . الأحكام والسياسات .
ويشترك جميعها في
لزوم استنباط أحكامها من الكتاب والسنّة والتحلّي بالمبادئ التي يتوقف عليها الاجتهاد ، غير انّ هناك فرقاً رئيسياً بين العبادات والمعاملات (
العقود والإيقاعات ) وهو انّ العبادات المحضة أُمور توقيفية نزل بها الوحي من دون أن
يكون للعرف والعقلاء أيّ مدخليّة فيها ، بل يجب على الفقيه الانكباب على الكتاب والسنّة
.
وهذا بخلاف المعاملات
، فانّها أُمور عرفية عقلائية أجرى الشارع عليها التعديل ، فأمضى ما يُصبّ في صالح الفرد والمجتمع وردع عن غيره ، الأمر الذي
يفسّره __________________
لنا
قلة النصوص الشرعية في باب المعاملات .
وعلى ضوء ذلك
فالعبادات بما أنّها أُمور توقيفية ، ولم يخوّل أمرها إلى الإنسان ، وليس له فيها أيّ صنع ، لا محيص للفقيه في استنباط أحكامها عن السير وراء النصوص ، وعدم الخروج عنها قيد شعرة ، والإفتاء حسب شمول النصوص للمورد وعدم شموله ، والإمعان في لسان الدليل وملاحظة مقدار سعته وضيقه .
وأمّا المعاملات فبما
أنّها أُمور عقلائية ـ ابتكرها العقلاء طيلة حياتهم الاجتماعية ـ فهي أُمور عرفية قبل أن تكون شرعية ، فلا محيص للفقيه وراء مطالعة الدروس عن الإمعان في الارتكازات العرفية ، وما هو المعتبر عند العرف ، وما ليس كذلك .
وقد أوضحنا في
محاضراتنا أنّ صحّة
المعاملة رهن دعامتين
:
الأُولى : كون المعاملة عرفية عقلائية ، تدور عليها رحى معاشهم وحياتهم الاجتماعية .
الثانية : عدم ورود نهي من الشارع عنها على نحو العموم أو الخصوص .
وإحراز كلا الأمرين
كاف في الحكم بصحّة المعاملة ، ودخولها تحت العمومات ، من غير حاجة إلى إخراج النفس وإتعابها ، وإدخال المعاملات المستحدثة تحت العناوين الموجودة في الكتب الفقهية ، فعقد التأمين ، والشركات المستحدثة ، وبيع
الامتياز ونظائرها داخلة تحت تلك الضابطة ، والتفصيل موكول إلى محلّه .
وفي الختام نرجو من الله
سبحانه أن يحفظنا من الزلل في التفكير والعمل ، كما نرجو منه سبحانه أن ينتفع بهذا الكتاب روّاد العلم وطلّاب الفضيلة .
المؤلف
الكتاب
يشتمل على المباحث التالية :
|
تمهيد : انّ الأصل في العقود اللزوم
المقصد الأوّل : الخيارات العامة
المقصد الثاني : الخيارات الخاصة
بالبيع
المقصد الثالث : أقسام الشرط
المقصد الرابع : شروط صحة الشرط
المقصد الخامس : أحكام الشروط
المقصد السادس : أحكام الخيار
|

تمهيد
الأصل في العقود ،
اللزوم
الخيار لغةً واصطلاحاً
الخيار اسم مصدر من
الاختيار ، نصّ به لفيف من علماء اللغة .
قال ابن منظور : الخيار
خلاف الاشرار . والخيار الاسم من الاختيار .
وتبعه الزبيدي في شرح
القاموس .
ولكن الظاهر من
الفيّومي في مصباحه انّه مصدر حيث قال : الخيار هو الاختيار .
ونقل الطريحي كلا
القولين من غير ترجيح وقال : الخيار هو الاختيار ، ويقال : اسم من تخيرت الشيء مثل الطيرة اسم من تطيّر .
وعلى كلّ تقدير إذ
كان الخيار من الاختيار وهو بمعنى الاصطفاء ، قال سبحانه : ( وَاخْتَارَ
مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا )
، وقال سبحانه : (
وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ ) ، فيكون الخيار أيضاً بمعنى الاصطفاء
والانتخاب .
__________________
وأمّا في الاصطلاح
فقد عُرِّف بتعاريف عديدة ، نقتصر منها على تعريفين : فالأوّل منهما للمحقّقين من القدماء ، والثاني للشيخ الأنصاري :
١ . الخيار ملك إقرار
العقد وإزالته .
٢ . الخيار هو ملك
فسخ العقد ، وهو المنقول أيضاً عن فخر المحقّقين ، ولعلّ الأوّل هو الأوفق لما في الروايات ، كما في قوله عليهالسلام : « البيّعان بالخيار ما لم يفترقا » ، أي له السلطنة على انتخاب أحد الطرفين إلى أن يفترقا ، وفي
رواية الحلبي : « فإذا افترقا وجب البيع » .
وعلى هذا فالخيار لغة
غيره اصطلاحاً ، لأنّه في اللغة بمعنى الاصطفاء والترجيح فيلازم صدور الترجيح من ذي الخيار ، بخلافه في الاصطلاح فهو عبارة عن حقّ الاصطفاء وحقّ الترجيح وإن لم يُعْمِل حقّه ، ولم يُرجح شيئاً .
الأصل في العقود اللزوم
وقبل الخوض في بيان
أقسام الخيار وأحكامها نشير إلى ضابطة في العقود ، وهي :
ذهب الأعلام
إلى أنّ الأصل في العقود هو اللزوم ، يقول الشهيد : الأصل في البيع اللزوم ، وكذا في سائر العقود ويُخرج عن الأصل في مواضع لعلل خارجة .
__________________
ويظهر من « مفتاح
الكرامة » في كتاب المزارعة انّه إجماعي حيث قال بعد قول العلّامة « وهو عقد لازم من الطرفين » ما هذا نصّه : « إجماعاً كما في جامع المقاصد والمسالك ومجمع البرهان . . . وكأنّه إجماع ، لأنّ الأصل في العقد اللزوم
إلّا ما أخرجه الدليل » .
فلو ثبتت الضابطة
المذكورة فتكون هي المرجع فيما شكّ في لزوم العقد وجوازه ، سواء كانت الشبهة حكمية أو موضوعية .
أمّا الأُولى فكما
إذا شكّ في لزوم الجعالة أو المضاربة ، فالأصل هو اللزوم . اللّهمّ إلّا أن يدلّ دليل على الجواز .
أمّا الثانية فكما
إذا اختلف المتداعيان في عقد ، فادّعى أحدهما انّه كان صلحاً والآخر انّه كان وديعة أو عارية ، فالأصل هو اللزوم ، فعلى من يدّعي خلافه ، البيّنة .
إذا عرفت ذلك فالكلام
يقع في توضيح الأصل ، وما هو المراد منه ؟ فنقول : هنا وجوه :
الأوّل : المراد من الأصل هو الغلبة وانّ الغالب على العقود هو اللزوم .
لكنّه ممنوع صغرى ، إذ
ليست قلّة العقود الجائزة على حدّ يوجب انصراف الدليل عنها ، كما أنّه ممنوع كبرى ، إذ لا دليل على حجّية الغلبة لأنّها لا تفيد
إلّا ظنّاً ، والأصل في الظنون عدم الحجّية إلّا إذا قام الدليل على حجّيتها .
الثاني : الاستصحاب بمعنى انّه إذا قام أحد المتعاقدين بفسخ العقد وشككنا في تأثيره وعدمه ، فالأصل هو بقاء أصل العقد أو أثره بعد الفسخ .
وذلك لأنّ العقد أو
الإيقاع إذا تحقّق يوجب ترتّب أثر شرعي عليه ، من __________________
حصول
ملك ـ كما في البيع ـ ، أو منفعة ـ كما في الإجارة والعارية ـ أو انتفاع ـ كما في التحليل ـ ، فإذا شكّ في اللزوم والجواز فمرجعه إلى الشكّ في أنّه لو فسخ هذا السبب ، هل يبطل ذلك المسبب ، الثابت أو لا بل هو باق على حاله ؟ ولا شكّ انّ قضية الاستصحاب عدم زوال الأثر من ملك أو نحوه إلّا بمزيل شرعي وهو معنى اللزوم ، فالأصل يقتضي بقاء الأثر إلّا أن يثبت دليل قطعي على رفعه .
الثالث :
انّ حكم الفقهاء بانّ الأصل في العقود اللزوم مأخوذ من مفهوم العقد ومعناه اللغوي ، فانّ العقد هو العهد أو العهد المشدّد ، وهو كناية عن لزوم الوفاء وعدم قبوله للانثلام كالبيعة فهي عهد مشدد بين المبايع والمبايع له على وجه يثق الإنسان بعدم نقضها والوفاء بمضمونها .
وعلى ضوء ذلك ، فعقد
البيع والنكاح والضمان والوقف من مقولة العقد المشدّد الّذي طبعها اللزوم والاستحكام .
ويؤيد ذلك انّ الغاية
المنشودة من العقود غالباً لا تحصل إلّا بلزومها ، مثلاً : انّ الغاية من البيع تمكّن كلّ من المتعاقدين من التصرّف فيما صار إليه ، وإنّما
يتمّ ذلك باللزوم ليأمن من نقض صاحبه عليه .
واستعمالها في العقود
الجائزة من باب الاستعارة .
وعلى ذلك تجب دراسة
حال كلّ عقد بخصوصه وانّ الغاية المطلوبة منه هل تحصل مطلقاً أو تحصل في صورة اللزوم فقط ؟ ! فيحكم عليه باللزوم ، ولا يمكن الحكم على عامّة العقود مرّة واحدة بل لا بدّ من ملاحظة كلّ برأسه .
ولعلّ ذلك أوضح الطرق
، مثلاً نقول : إنّ لكلّ عقد في نظر العقلاء طبعاً __________________
خاصاً
. فطبيعة العارية خصوصاً فيما إذا لم تحدد بوقت ، هي الجواز ، لأنّ المعير لم يقطع علاقته بما له وإنّما دفعه إلى المستعير ليقضي به حاجته ثمّ يردّها إلى
صاحبها .
بخلاف طبيعة الوقف ، فإنّها
عبارة عن قطع المالك علقتَه عن الموقوف وإدخاله في سلطة الموقوف عليهم .
ومثله البيع ، فإنّ
غرض كلّ من المتعاقدين هو التصرّف فيما صار إليه تصرّفاً مأموناً من نقض صاحبه عليه .
وبعبارة أُخرى : انّ
كلاً من البائع والمشتري إنّما يقدم على البيع لأن يقضي به حاجته التي لا تقضى إلّا أن يكون كلّ مالكاً للثمن أو المثمن على وجه تنقطع به سلطنة البائع أو المشتري ، فالمشتري يريد أن يشتري بيتاً ويسكن فيه وتحصل له الطمأنينة من أزمة المسكن بحيث لا يكون للبائع سلطة الفسخ أو يريد أن يجعله صداقاً لزوجته أو غير ذلك من الأُمور التي تقتضي بطبعها كون البيع عقداً لازماً .
ومنه تظهر الحال في
النكاح والضمان ، فإنّ الأغراض الداعية إلى إنشائهما لا تحصل إلّا باللزوم .
نعم ، الأصل بهذا
المعنى ( الثالث ) لا يفيد إلّا في الشبهات الحكمية كالشكّ في لزوم الجعالة وعدمه ، لا في الشبهات الموضوعية التي ربّما يتردّد العقد بين عقدين : أحدها لازم كالصلح والآخر جائز كالوديعة ، فلا يجري فيها ذلك الأصل ، بل لا بدّ فيها من الرجوع إلى قواعد أُخرى .
وبالجملة دراسة طبائع
العقود وخصائصها ونتائجها عند العرف كاف في الحكم عليه باللزوم مطلقاً أو الجواز كذلك .
الرابع : مقتضى الأدلّة الاجتهادية من العمومات والإطلاقات ، وهذا هو
الظاهر
من الشيخ الأنصاري في كتابي البيع والخيارات حيث استدلّ على القاعدة بالآيات والروايات وأثبت بها أنّ الأصل في العقود والبيع خصوصاً هو اللزوم ، نقتصر ممّا ذكره من الأدلة الاجتهادية بدليلين : أحدهما يثبت كون الأصل في مطلق العقود اللزوم ، والآخر يثبت كونه في خصوص البيع اللزوم .
الدليل الأوّل : آية
الوفاء بالعقود
قال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ
أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ ) .
وجه الدلالة : انّ المراد بوجوب الوفاء ، العمل بما اقتضاه العقد في نفسه بحسب الدلالة اللفظية ، مثلاً دلّت الآية المباركة على أنّ كلّ عقد يجب الوفاء به
، والمراد بالوفاء به ، العمل بمقتضاه ، ومقتضى العقد إمّا تمليك أو نحوه ، ومقتضى لزوم الوفاء ، البقاء على هذا الأثر ، وإبقاؤه وجوباً فلا رخصة في إبطاله ، وهذا
هو المقصود من اللزوم .
فإن قلت : تدلّ الآية على أنّه يجب العمل على وفق العقد ، فلو كان العقد
لازماً يجب العمل على وفقه ، وإن كان جائزاً فكذلك ، وهذا مثل ما يقال : يجب العمل بالأحكام الشرعية التي تشمل الواجب والمستحب والمباح ، وبالجملة : المراد لزوم العمل بمقتضاه إن جائزاً فجائز وإن لازماً فلازم ، وعندئذٍ لا تدلّ
الآية على ما هو المطلوب من أنّ الأصل في العقود اللزوم .
قلت :
قد أجاب الشيخ الأعظم عن الإشكال ما هذا خلاصته : اللزوم __________________
والجواز
من الأحكام الشرعية للعقد وليسا من مقتضيات العقد في نفسه مع قطع النظر عن حكم الشارع ، فالذي يجب الوفاء به ، ما هو مقتضاه حسب الدلالة اللفظية ، وما يدلّ عليه العقد بهذه الدلالة ـ من البيع مثلاً ـ هو مالكية المشتري
للمثمن فيجب الوفاء بها والاحترام لها ، وأمّا الوجوب والجواز ، فخارجان عن مفاد العقد ، فيخرج عن إطار وجوب الوفاء طبعاً .
الدليل الثاني : آية
حلية البيع
قال سبحانه : ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا
يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ
مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ) .
استدلّ الشيخ الأعظم
بالآية المباركة بأنّ الأصل في البيع اللزوم قائلاً بأنّ حلّية البيع ـ التي لا يرادب ها إلّا حلّية جميع التصرّفات المترتبة عليه التي
منها ما يقع بعد فسخ أحد المتبايعين بغير رضا الآخر ـ مستلزمة لعدم تأثير ذلك الفسخ وكونه لغواً غير مؤثر .
انقسام الخيار إلى
قسمين
ثمّ إنّ الخيار على
قسمين :
١ . ما لا يختصّ
بالبيع ويعمّ سائر العقود .
__________________
٢ . ما يختصّ به ولا
يعمّ غيره كخيار المجلس .
فلنقدّم الأوّل على
الثاني كما هو مقتضى طبع البحث .
*
*
*
بيّن كيفية دلالة الأدلّة التالية على
انّ الأصل في العقود ، اللزوم .
قوله سبحانه : ( وَلَا
تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ )
.
قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: « الناس مسلّطون على أموالهم » .
قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم
: « المؤمنون عند شروطهم » .
لاحظ : كتاب الخيارات من متاجر الشيخ
، ص ٢١٥ ـ طبعة تبريز و تعليقة السيد الطباطبائي على خيارات المتاجر ، ص ٤ .
|
المقصد الأوّل
في الخيارات العامّة
: ما لا يختصّ بالبيع
وفيه فصول :
|
الفصل الأوّل : في خيار الشرط
الفصل الثاني : خيار تخلّف الشرط
الفصل الثالث : خيار الغبن
الفصل الرابع : خيار العيب
الفصل الخامس : خيار تبعّض الصفقة
الفصل السادس : خيار الرؤية
|

الفصل
الأوّل
خيار الشرط
خيار الشرط هو الخيار
الثابت بسبب اشتراطه في العقد ، مثلاً إذا اشترط المتعاقدان أو أحدهما في العقد أن يكون لهما فيه الخيار ما شاءا من الزمان ثلاثاً
أو شهراً أو أكثر ، فيسمّى هذا النوع من الخيار بخيار الشرط ( والأولى أن يسمّى شرط الخيار ) ، فينعقد العقد ويكون لهما خيار في تلك المدّة إلّا أن يسقطاه .
والفرق بين هذا
الخيار وخيار المجلس أو الحيوان ، هو انّ الخيار في الثاني أثر نفس العقد شرعاً بخلاف المقام ، فإنّ الخيار فُرض على العقد من جانب المتبايعين أو أحدهما .
ويدلّ على صحّة هذا
الشرط الأُمور التالية :
١ . سيرة العقلاء
أطبق العقلاء على هذا
النوع من الشرط في معاملاتهم مع عدم ردع من الشارع ، وهذا كاف في إثبات الصحّة من غير فرق بين أن تكون المدّة قليلة أو كثيرة ، خلافاً لأبي حنيفة حيث قال : لا تتجاوز المدّة عن ثلاث ، وعند مالك ما تدعو الحاجة إليه .
__________________
٢ . الأخبار العامّة
دلّت طائفة من
الأخبار على صحّة اشتراط كلّ شرط في العقد إلّا ما خالف كتاب الله وسنّة رسوله ، كقوله : « المسلمون عند شروطهم ، إلّا كلّ شرط خالف كتاب الله عزّ وجلّ » . وليس شرط الخيار في مدّة مضبوطة ممّا
خالف كتاب الله وسنّة رسوله .
٣ . الأخبار الخاصّة
هناك أخبار وردت في
صحّة خصوص هذا الخيار .
أ : ما روي عن عبد الله
بن سنان بسند معتبر عند المشهور ، عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث قال : « وإن كان بينهما شرط
أيّاماً معدودة فهلك في يد المشتري قبل أن يمضي الوقت فهو من مال البائع » . والمراد من الشرط في الرواية هو شرط الخيار ، وكون التلف في الرواية من مال البائع ومحسوباً عليه لقاعدة خاصة في باب الخيار ستوافيك في موردها .
ب : ما روي عن
السكوني بسند معتبر ، عن أبي عبد الله عليهالسلام أنّ أمير المؤمنين عليهالسلام قضى في رجل اشترى ثوباً بشرط إلى نصف
النهار ، فعرض له ربح فأراد بيعه ، قال : « ليُشهد انّه قد رضيه فاستوجبه ، ثمّ لِيبعْه إن شاء ، فإن
أقامه في السوق ولم يبع ، فقد وجب عليه » .
__________________
فإن قلت : إنّ الشرط إنّما يجوز إذا لم يخالف كتاب الله وسنّة رسوله
وهذا النوع من الشرط يخالف قوله (
أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) حيث إنّ الخيار بمعنى عدم وجوب الوفاء في المدّة المضروبة ، يخالف مفاد الآية الدالّة على وجوبه .
كما يخالف السنّة حيث
قال : « فإذا افترقا وجب البيع » فانّ جعل الخيار أيّاً ما ، يستلزم عدم لزومه بعد الافتراق وهو يخالف قوله : « فإذا افترقا وجب البيع » .
قلت :
إنّ جعل الشرط ضمن البيع لا يخالف الكتاب ولا السنّة ؛ أمّا الأوّل فلأنّ مفاد قوله : (
أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) هو وجوب الوفاء بما عقدوا عليه ، والمفروض
انّ المعقود عليه ليس هو البيع على وجه الإطلاق بل البيع المقرون بالخيار إلى مدّة معيّنة ، فعندئذٍ يجب الوفاء بالبيع المقيد لا بالبيع المطلق ، فالقول بجواز البيع
إلى مدّة معيّنة ولزومه بعد انقضائها ، هو نفس الوفاء بالعقد .
وأمّا الثاني فلأنّ
مفاد قوله : « ما لم يفترقا » هو انّ الافتراق بما هوهو ما لم يقترن بشيء آخر ملزِم للعقد ، وهذا لا ينافي أن يكون هناك طارئ آخر موجب لبقاء البيع على الجواز ، نظير خيار العيب والغبن خصوصاً على القول بأنّ مبدأ الخيار في العيب هو العقد .
الخيار المتصل بالعقد
والمنفصل
يجوز أن يكون زمان
الخيار متّصلاً بالعقد أو منفصلاً عنه ؛ والأوّل كما إذا عقد واشترط الخيار من زمان العقد إلى ثلاثة أيام ، والثاني كما إذا عقد يوم
الأربعاء واشترط الخيار في خصوص يوم الجمعة ، والدليل على صحّتهما إطلاق الدليل .
فإن قلت : إذا افترقا يوم الأربعاء يصير العقد لازماً ، فإذا جاء يوم
الجمعة يلزم انقلاب العقد اللازم إلى العقد الجائز .
قلت :
صيرورة العقد جائزاً بعد لزومه لا يكون مانعاً من صحّة الاشتراط بعد إطلاق الأدلّة خصوصاً بعد وجوده في الخيارات كخيار تأخير الثمن من جانب المشتري حيث يُحدِث خياراً للبائع بعد ثلاثة أيام من زمان العقد .
والمهمّ في المقام
لزوم ضبط المدّة ، فلا يجوز أن يناط بما يحتمل الزيادة والنقصان كقدوم الحاجّ أو أوان الحصاد أو الدياس .
ويدلّ عليه لزوم
اعتبار العلم بالعوضين في البيع بحيث يكون الجهل بهما أو بأحدهما مانعاً عن الصحّة وشرط الخيار إلى مدّة مجهولة ، يوجب الجهل بالثمن لتردد مدّة الخيار التي هي جزء من الثمن ، بين يوم وعام ، فلا يدرى انّ الثمن هل هو دينار مع خيار يوم أو دينار مع خيار عام ؟ قال الشيخ الأعظم : فلو تراضيا على مدّة مجهولة كقدوم الحاج بطل بلا خلاف بل حكي الإجماع عليه لصيرورة المعاملة بذلك غررية ولا عبرة بمسامحة العرف في بعض المقامات .
ثمّ إنّه لا فرق في
بطلان العقد بين ذكر المدّة المجهولة كقدوم الحاج ، وعدم ذكر المدّة أصلاً كأن يقول : بعتك على أن يكون لي الخيار ، وبين ذكر المدّة
المطلقة كأن يقول : بعتك على أن يكون لي الخيار مدّة ؛ لاستواء الكلّ في الجهل على ما قلناه ، إلّا أن يكون هناك قرينة عرفية لتعيين المدّة وهو خارج عن موضوع البحث .
وأمّا مبدأ هذا
الخيار فهل هو حين العقد أو حين التفرّق ؟ فيه وجهان :
ذهب الشيخ الطوسي إلى
كون المبدأ هو تفرّق الأبدان .
وذهب الشيخ الأعظم
إلى أنّ المبدأ هو حين العقد ، مستدلاً بأنّه المتبادر من كلام المتبايعين .
__________________
والذي ينبغي أن يقال
: انّه إذا كان هناك تبادر أو قرينة على أحد الأمرين فهو المتّبع وإلّا فإن كان نهاية خيار الشرط محدداً فيصحّ أيضاً ، كما إذا قال : بعتك
بشرط أن يكون لي الخيار إلى غروب يوم الجمعة ، فلا يضرّ الجهل بمبدأ الخيار ، لكون المنتهى معلوماً وإلّا فيبطل كما إذا قال : بعتك بأن يكون لي الخيار ثلاثين ساعة ، فانّه إذا جهل المبدأ تسري الجهالة إلى المنتهى .
ثمّ إنّه كما يصحّ
جعل الخيار لأحد المتبايعين يصحّ جعله للأجنبي بأن يبيع الولد ويجعل الخيار لوكيله .
بيع الخيار
من أفراد خيار الشرط
، الخيار الذي يضاف إليه البيع ، ويقال له : بيع الخيار أي البيع الذي فيه الخيار ، والمقصود منه في مصطلح الإمامية أن يشترط البائع على المشتري انّ له حقّ استرجاع المبيع بردّ الثمن في مدّة معيّنة .
قال الشيخ في الخلاف
: يجوز عندنا البيع بشرط ، مثل أن يقول : بعتك إلى شهر فإن رددتَ عليّ الثمن وإلّا كان المبيع لي ، فإن ردّ عليه وجب عليه ردّ الملك
، وإن جازت المدّة ملك بالعقد الأوّل .
ومن مصالح تشريع هذا
النوع من البيع حدّ الناس عن أكل الربا ، حيث إنّه ربّما تمسّ الحاجة إلى المال ولا يتحصّل إلّا بالربا .
ولأجل الاحتراز عنه
يبيع داره بثمنه الواقعي أو أقلّ منه كما هو الغالب حتى ينتفع هو بثمنها وينتفع المشتري بالإسكان فيها ، ولكنّه ربما لا يقطع البائع علقته بالمبيع تماماً ، فيشترط على المشتري أنّ له استرجاع المثمن بردّ الثمن في
مدّة __________________
مضبوطة
، وهذا ما يسمّيه أهل السنّة ببيع الوفاء ، والشيعة ببيع الخيار وهو عندنا جائز إجماعاً وغير جائز عندهم كذلك .
ثمّ إنّ الداعي إلى
عنوان هذا القسم من خيار الشرط مستقلاً لوجود الخلاف في صحّة هذا القسم وإلّا فهو من أقسام خيار الشرط .
ويدلّ على صحّة هذا
البيع لفيف من الأخبار :
أ
. صحيحة علي بن النعمان عن سعيد بن يسار
، قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : إنّا نخالط أُناساً من أهل السواد
وغيرهم ، فنبيعهم ونربح عليهم للعشرة اثني عشر والعشرة ثلاثة عشر ، ونؤخّر ذلك فيما بيننا وبينهم السنة ونحوها ،
ويكتب لنا الرجل على داره أو على أرضه بذلك المال الذي فيه الفضل الذي أخذ منّا شراءً ، قد باع وقبض الثمن منه فنعده إن هو جاء بالمال إلى وقت بيننا وبينه أن نردّ عليه الشراء ، فإن جاء الوقت ولم يأتنا بالدراهم فهو لنا ؛ فما ترى في
الشراء ؟ فقال : « أرى أنّه لك إن لم يفعل ، وإن جاء بالمال للوقت فردّ عليه » .
والرواية وإن كانت
مشتملة على لفظ الوعد لكن المراد منه هو الاشتراط بقرينة الجواب حيث قال : « أرى أنّه لك » .
ب . موثّقة إسحاق بن
عمّار ، قال : حدّثني من سمع أبا عبد الله عليهالسلام وسأله رجل وأنا عنده ، فقال : رجل مسلم احتاج إلى بيع داره ، فجاء إلى أخيه ، فقال : أبيعك داري هذه ، وتكون لك أحبّ إليّ من أن تكون لغيرك على أن تشترط لي إن __________________
أنا
جئتك بثمنها إلى سنة أن ترد عليّ ، فقال : « لا بأس بهذا إن جاء بثمنها إلى سنة ردّها عليه » قلت : فانّها كانت فيها غلة كثيرة فأخذ الغلة ، لمن تكون الغلة ؟
فقال : « الغلة
للمشتري ، ألا ترى انّه لو احترقت لكانت من ماله » .
ثمّ إنّ مورد
الروايات وإن كان اشتراط البائع الفسخ بردّ الثمن ، لكن يجوز للمشتري نفس ذلك الشرط وهو فسخ البيع بردّ المثمن وأخذ الثمن ، لأنّ الشرط على وفاق القاعدة فلا مانع من كلا الشرطين .
غير انّ مقتضى اشتراط
الفسخ من جانب البائع هو ردّ الثمن بعينه أو مثله ، لأنّ الغاية من البيع هو التصرّف في الثمن ، وهذه قرينة على أنّ المراد من الثمن هو الأعمّ من العين والمثل .
وهذا بخلاف ما إذا
كان الشرط من جانب المشتري ، فمقتضى الإطلاق ردّ المبيع بعينه ، فلو تلف سقط الخيار لعدم التمكّن من الشرط ، ولا يكفي ردّ البدل ، لانصراف الإطلاق في مورد المبيع إلى ردّ نفسه .
نعم إذا كان المبيع
من المنتوجات الصناعية التي لا يتميّز عين المبيع عن مثله كالأواني والألبسة ، فلا يبعد الاكتفاء بردّ البدل عند تلف العين .
إكمال
لا شكّ في صحّة شرط
الخيار في البيع وما أشبهه من العقود اللازمة كالإجارة والمزارعة والمساقاة ، ولأجل ذلك قلنا : إنّه من الخيارات غير المختصة بالبيع .
__________________
إنّ العقود بالنسبة إلى خيار الشرط
على أقسام ثلاثة :
١ . ما لا يدخله اتّفاقاً .
٢ . ما يدخله اتّفاقاً .
٣ . ما اختلف فيه .
أُذكر مصاديق هذه الأقسام الثلاثة
التي ذكرها الشيخ في كتاب المتاجر ، قسم الخيارات ، ص ٢٣٣ طبعة تبريز .
ثمّ إنّ من أقسام خيار الشرط ، شرط
الاستيمار فأوضح لنا ما هو المراد من هذا الشرط المذكور ص ٢٢٩ من كتاب المتاجر ؟
|
الفصل
الثاني
خيار تخلّف الشرط
يطلق الشرط ويراد به
تارة المعنى الأُصولي ، وهو التعليق في مقابل التنجيز ، بأن يقصد المتعاقدان ، انعقاد المعاملة في صورة وجود ذلك الشيء لا في غيرها ، كما إذا قال : بعت الدار إن قدم الحجّاج اليوم ، أو قال الواقف : إذا جاء رأس الشهر فقد وقفته ، أو قال : خذ المال قرضا أو قراضاً إن أخذته من زيد ، فمن قال بشرطية التنجيز في صحّة العقود قال ببطلانه في هذه الموارد .
وقد
يطلق ويراد به الشرط الفقهي ، وهو اشتراط عمل على المشروط عليه وطلب شيء منه من خياطة ثوب ، أو تعليم شيء أو غيره .
والمراد من الشرط في
المقام هو هذا المعنى المسمّى بالشرط الفقهي ، أعني : جعل عمل على ذمّة أحد المتعاقدين ، لا الشرط الأُصولي الذي يراد به التعليق .
إذا علمت ذلك فنقول :
إذا شرط أحد
المتعاقدين شيئاً على الآخر ، ولم يف المشروط عليه
، فللمشروط له ، الخيار بين إمضاء العقد وفسخه ، كما إذا باع داره بشرط كون الثمن __________________
نقداً
كلّه ، أو أن يخيط له قميصاً ، أو نحو ذلك ؛ فإن وفى بالشرط فهو ، وإلّا فللمشروط له ، الخيار ، لانّ عدم الوفاء بالشرط يفوِّت غرض الشارط مطلقاً ، مالياً
كان أو غيره ، لأنّ إلزامه بلزوم الوفاء بالعقد المجرّد عن الشرط ضرر منفيّ في الشرع ، مضافاً إلى أنّ الموجود ، غير ما عقد عليه ، حيث إنّ المعقود عليه ، تسليم
الثمن نقداً أو تسليمه مع خياطة قميص ، والمفروض تخلّفه عمّا التزم به .
ثمّ إنّ الفرق بين
خيار الشرط وخيار تخلّف الشرط واضح ، لأنّ الخيار الأوّل كما تقدّم في الفصل السابق نتيجة اشتراط المتعاقدين أو أحدهما الخيارَ في العقد وقد عُرِّف بالخيار الثابت بالاشتراط ضمن العقد . وقد عرفت أنّ من أقسامه ، شرط فسخ العقد بردّ الثمن ؛ وأمّا الخيار في الثاني فهو نتيجة تخلّف المشروط عليه من العمل بما التزم به ، من دون اشتراط في العقد .
ثمّ إنّه اتّفقت كلمة
الفقهاء على صحّة الشرط الفقهي إذا كان الشرط جامعاً لشرائط الصحّة التي هي عبارة عن الشرائط التالية :
١
. أن يكون مقدوراً ، ٢ . أن يكون سائغاً في نفسه ، ٣ . أن يكون عقلائياً ، ٤ . أن لا يكون مخالفاً للكتاب والسنّة ، ٥ . أن لا يكون مخالفاً لمقتضى العقد ، ٦
. أن لا يكون مجهولاً ، ٧ . أن لا يكون مستلزماً للمحال ، ٨ . أن يكون مذكوراً في العقد ، ٩ . أن يكون العقد منجّزاً لا معلّقاً .
ولو قلنا بأنّ الشرط
الثاني ـ كونه سائغاً في نفسه ـ يغني عن الرابع ، أعني : كونه مخالفاً للكتاب والسنة ، يرجع عدد شروط صحّة الشرط إلى ثمانية .
وسيوافيك البحث في
هذه الشروط في المقصد الثالث .
ثمّ إنّ الشيخ
الأنصاري لم يذكر هذا النوع من الخيار مستقلاً استغناء عنه بما ذكره في خيار التدليس ، أو الرؤية ، أو خيار العيب ، إذ الجميع يشارك في عدم
الوفاء
بما عقد عليه ، ولكنّه أفاض الكلام في شروط صحّة هذا النوع من الشرط على وجه يليق أن يعدّ رسالة خاصة في الموضوع .
وبما انّ رائدنا في
هذه المباحث ، هو متاجر الشيخ ، فنحن نقتفيه ، فنبحث في شروط صحّة الشرط في مقصد خاص بعد الفراغ عن أقسام الخيار بعون الله سبحانه .
١ . ما هو الدليل على بطلان العقد
المعلّق ؟
٢ . ما هو الفرق بين تعليق الانشاء
وتعليق المنشأ ؟
٣ . وهل هناك فرق بين التعليق على
الشرط الذي ليس العقد معلّقاً عليه في الواقع ـ كقدوم الحجاج ـ وبين التعليق على الشرط الذي هو معلّق عليه في الواقع وإن لم يذكر في العقد كالزوجية عند الطلاق ، والرقية عند التحرير ، فيقول إن كانت زوجتي فهي طالق ، أو إن كان عبداً فهو حرّ ، فلا يضر التعليق في القسم الأوّل دون الثاني .
لاحظ : متاجر الشيخ ، قسم البيع ، ص
٩٩ وتعليقة السيد الطباطبائي ، ص ٩١ .
|
الفصل
الثالث
خيار الغبن
الغبن ـ بسكون الباء
ـ أصله الخدعة ، والمراد به في المقام هو تمليك ماله ، بما يزيد على قيمته مع جهل الآخر بما لا يتسامح به غالباً ، ولم يرد فيه نصّ بالخصوص كما ورد في خيار المجلس والحيوان ، ولذا لم يذكره الصدوق في « المقنع » ولا المفيد
في « المقنعة » ولا الشيخ في « النهاية » من الكتب التي تقتبس فيها الفتاوى من لسان النصوص .
ومع ذلك كلّه فقد
أوعز إليه لفيف من القدماء كالقاضي في « المهذّب »
، وابن حمزة في « الوسيلة » وابن زهرة في « الغنية » .
وذلك لأنّ في النصوص إشارات وتلويحات إليه ، مضافاً إلى أنّ الخيار فيه على وفق القواعد العامّة كما سيظهر .
قال ابن زهرة : السبب
الخامس للخيار ظهور غبن لم تجر العادة بمثله ، ويحتج على المخالف بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا ضرر ولا ضرار » ـ ومن اشترى
بمائة ما __________________
يساوي
عشرة كان غاية من الضرر ـ وبنهيه صلىاللهعليهوآلهوسلم عن تلقّي الركبان ، وقوله
: « فإن تلقّى متلقّ فصاحب السلعة بالخيار إذا دخل السوق ، لأنّه إنّما جعل له الخيار لأجل الغبن » .
ولأجل ذلك ذكر في
الجواهر : أنّه لم يجد خلافاً في المسألة بين من تعرّض له عدا ما يحكى عن المحقّق في حلقة درسه ، واستظهره في « الدروس » من كلام الاسكافي ، ونسبه في « التذكرة » إلى علمائنا .
أدلّة خيار الغبن
استدلّ على خيار
الغبن في العقود ـ التي يزيد الثمن أو ينقص عمّا هو المتعارف بكثير ـ بوجوه ، نذكر منها ما هو المهم .
١
. بناء العقلاء
إنّ المبتاع أو
الموجر أو غيرهما ، إذا حاول الشراء ـ خصوصاً إذا كان المبيع ذا قيمة باهظة ـ لا يتفق مع البائع على المعاملة إلّا وفي ضميره أنّ ما يدفعه من السعر مساو للمبيع على وجه التقريب ، بحيث لو وقف على فقد هذا الوصف وانّ المساواة منتفية لما أقدم على البيع ، وهذا الالتزام وإن كان غير ملفوظ ولا مذكور في العقد لكنّه من القيود المفهومية التي تدلّ عليها القرائن اللفظية أو الحالية ،
فانّ المماكسة في البيع أو السؤال من مراكز مختلفة ، أصدق شاهد على أنّه لا يشتري إلا بزعم المساواة والمقابلة ، وعلى ذلك فهي من القيود المفهومية التي لا تحتاج
إلى التصريح ، وذلك كقيد وصف الصحّة الذي لا يلزم ذكره في متن العقد ، فلو ظهر __________________
معيباً
يُحكم بجواز الردّ واسترداد الثمن ، وليس لأحد أن يعترض بأنّ وصف الصحّة غير مذكور ولا ملفوظ ، وذلك لأنّ القيود إنّما يلزم ذكرها فيما لا تكون مفهومة من اللفظ أو من القرينة ، وأمّا مثلها فتكفي فيه شهادة الحال أو المقال ، فإذا تخلَّف القيد وفقد المبيعُ الوصفَ الملحوظ ، فللمبتاع الردّ لأجل التخلّف .
وإلى ذلك الوجه يشير
الشيخ الأنصاري عند توجيه كلام العلّامة بقوله :
إنّ رضا المغبون لكون
ما يأخذه عوضاً عمّا يدفعه مبنيّ على عنوان مفقود وهو عدم نقصه عنه في المالية ، فكأنّه قال : اشتريت هذا الشيء الذي يساوي درهماً بدرهم ، فإذا تبيّن أنّه لا يساوي درهماً تبيَّن انّه لم يكن راضياً به .
فإن قلت : إنّ تبيّن الخلاف يستلزم بطلان المعاملة لا صحتها وجوازها .
قلت :
قد أجاب عنه الشيخ بقوله :
لمّا كان المفقود صفة
من صفات المبيع لم يكن تبيُّن فقده كاشفاً عن بطلان البيع ، بل كان كسائر الصفات المقصودة التي لا يوجب تبيّن فقدها إلّا الخيار فراراً عن استلزام لزوم المعاملة ، إلزامه بما لم يلتزم ولم يرض به .
توضيحه : انّ التخلّف
على قسمين :
تارة يكون المفقود
وصف من أوصاف المبيع ، وأُخرى يكون عنوانَه وذاتَه ، فالأوّل كما إذا باع فرساً عربياً فبان خلافه ، فالمعقود عليه هو الفرس وهو موجود
، وإنّما التخلّف في وصفه لا في ذاته ، فلا يقال : « ما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد »
في نظر العرف .
وأمّا الثاني : كما
إذا باع كومة بما أنّها حديد فبان قطناً ، فيحكم بالبطلان .
وبذلك يعلم أنّه لو
كان التخلّف في المبيع المشخص على وجه التباين __________________
عرفاً
، يبطل فيه العقد ، وإن كان من قبيل تخلّف الوصف ، ففيه الخيار .
وقد تقدّم أنّ عدم
ذكر المساواة في متن العقد غير ضائر ، لأنّه إنّما يلزم ذكر شيء مقصود إذا لم يفهم من قرينة حال أو مقال ، بخلاف ما إذا فُهم من أحدهما كوصف الصحّة ، فالأوصاف التي لها تأثير في الرغبة ولا يغفل عنها الإنسان لا يلزم ذكرها في متن العقد .
نعم الأوصاف الكمالية
ككون العبد كاتباً ، والأمة خيّاطة ، يجب ذكرها في متن العقد ، وإلّا لا يكون التخلّف دليلاً على الخيار .
وما ذكرنا من الدليل
هو أقوى الأدلة في المقام .
٢
. قاعدة لا ضرر
قد وصف الشيخ
الاستدلال بقاعدة لا ضرر من أقوى الأدلة في المقام ، وقال ما هذا نصّه :
« إنّ لزوم مثل هذا
البيع وعدم تسلّط المغبون على فسخه ، ضرر عليه وإضرار به فيكون منفيّاً ، فحاصل الرواية أنّ الشارع لم يحكم بحكم يكون فيه الضرر ، ولم يسوّغ إضرار المسلمين بعضهم بعضاً ، ولم يُمض لهم من التصرّفات ما فيه ضرر على الممضىٰ عليه .
ومنه تظهر صحّة
التمسّك بها لتزلزل كلّ عقد يكون لزومه ضرراً على الممضى عليه ، سواء أكان من جهة الغبن أم لا ، وسواء أكان في المبيع أم في غيره ، كالصلح غير المبني على المسامحة ، والإجارة وغيرها من المعاوضات » .
فإن قلت : إنّ غاية ما تثبته قاعدة « لا ضرر » هو نفي اللزوم ، فوزانها
وزان __________________
حديث
الرفع ، فهو حديث رفع لا حديث وضع ، وعلى ذلك فغاية ما تثبته القاعدة هو نفي اللزوم لا إثبات الخيار بين الفسخ والإمضاء .
قلت :
يكفي في إثبات الخيار نفي اللزوم ، فانّ نفيه عبارة أُخرى عن كون المعاملة جائزة ، وجواز المعاملة يساوق كون الخيار بيد المشتري فله الإمضاء كما له
الفسخ .
٣
. النهي عن أكل المال بالباطل
استدلّ على ثبوت
الخيار في العقود الغبنيّة بقوله سبحانه : (
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ
تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ) .
استدلّ الشيخ بهذه
الآية على الخيار وقال : إنّ أكل المال على وجه الخدع ببيع ما يسوي درهماً بعشرة ، مع عدم تسلّط المخدوع بعد تبيّن خدعه على ردّ المعاملة وعدم نفوذ ردّه ، أكل المال بالباطل .
نعم ، مع رضاه بعد
التبيّن بذلك لا يعدّ أكلاً بالباطل .
أقول :
قد استدلّ الشيخ بهذه الآية في غير موضع من كتاب البيع والخيارات ، ولكن الدلالة في المقام غير تامة .
وذلك لأنّ فساد
المعاملة وحرمتها تارة يرجع إلى المسبّب ـ أي نفس المعاملة ـ مع كون السبب ( كالبيع ) جائزاً عارياً من الإشكال ، كما في بيع
الملاهي والخمور والتماثيل والدماء وغير ذلك ، وأُخرى يرجع إلى نفس السبب مع كون المسبّب عارياً عن الإشكال ؛ وهذا كما في أكل المال بالرشاء والقمار واليمين الكاذبة وغيره ، فالآية ناظرة إلى القسم الثاني بشهادة لفظ « الباء » في ( بِالْبَاطِلِ ) __________________
الدالة
على السببية ، فالآية تدلّ على حرمة الأكل بالأسباب الباطلة في مقابل أكل المال بالأسباب الصحيحة كالتجارة مع الرضا .
ومنه يظهر عدم صحّة
الاستدلال بالآية على المقام ، لأنّ الفساد في المقام يرجع إلى المسبّب ( المعاملة الغبنية ) لا السبب ( البيع ) والآية ناظرة إلى
الفساد المترشّح من السبب ، والفساد في المقام مترشّح عن نفس المسبّب ( المعاملة ) .
يقول الطبرسي في
تفسير الآية :
« لا يأكل بعضكم مال
بعض بالغصب والظلم والوجوه التي لا تحل ، وقيل معناه : لا تأكلوا أموالكم باللهو واللعب مثل ما يؤخذ في القمار والملاهي ، لأنّ
كلّ ذلك من الباطل ، وروي عن أبي جعفر عليهالسلام أنّه يعنى بالباطل : اليمين الكاذبة ، يقتطع به الأموال . وروي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « كانت قريش تقامر الرجل في أهله وماله فنهاهم الله » والأولى حمله على الجميع ، لأنّ الآية تحتمل الكل » .
والفساد في الكلّ يرجع إلى فساد السبب لا المسبّب .
٤
. الاستدلال بالروايات
قد عرفت أنّه لم يرد
نصّ بالخصوص في خيار الغبن ، ولكن وردت فيها إلماعات إلى خيار الغبن .
أمّا أهل السنّة فقد
رووا الروايتين التاليتين :
١ . روى أبو هريرة : «
أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى عن تلقّي الجلب ، فإن تلقّى متلقّ فاشتراه فصاحب السلعة بالخيار إذا ورد السوق » .
__________________
٢ . أخرج البيهقي : «
لا تلقوا الجلب ، فمن تلقاه واشترى منه فإذا أتى السوق فهو بالخيار » .
وأمّا من طرقنا :
١ . روى إسحاق بن
عمّار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « غبن المسترسل سحت » . والاسترسال : الاستئناس إلى الإنسان والثقة بما يحدّثه .
٢ . روى ميسر عنه قال
: « غبن المؤمن حرام » .
٣ . قال الصدوق : قال
الصادق عليهالسلام : « غبن المسترسل سحت ، وغبن المؤمن حرام » .
٤ . حديث تلقّي
الركبان ، فقد ورد فيه انّ صاحب السلعة بالخيار وقد تقدّم .
لكن الاستدلال بما
ورد من طرقنا على صحّة البيع مع الخيار غير تامّ ، لأنّ الغبن إمّا يراد منه المعنى المصدري ، أو الزيادة الحاصلة بالبيع الغبني ؛ فعلى
الأوّل تدلّ على حرمة نفس العمل ، وعلى الثاني تدلّ على حرمة الزيادة ، وعلى كلّ تقدير لا تدلّ على صحّة المعاملة وجوازها .
شرائط خيار الغبن
يشترط في خيار الغبن
أمران :
الأوّل
: عدم علم المغبون بالقيمة
إنّ المغبون إمّا أن
يكون جاهلاً بالقيمة ، أو غافلاً عنها ، أو عالماً بغبنه ، أو __________________
مطمئنّاً
، أو ظانّاً ، أو شاكّاً .
لا شكّ في ثبوت
الخيار في الصورتين الأُوليين ، فالمبتاع فيها ذو خيار بين الفسخ والإمضاء .
كما أنّه لا شكّ في
عدم الخيار في الصورة الثالثة والرابعة ، لأنّ المتبادر من حديث « تلقّي الركبان » هو عدم العلم بشهادة قوله : « فإذا أتى السوق فهو بالخيار » كما أنّ المتيقّن من حديث « لا ضرر » هو الضرر الناشئ من جانب الغير لا الناشئ من إقدام المكلّف نفسه على المعاملة الغبنية مع علمه بها .
ومثلهما بناء العقلاء
، لأنّه عندئذٍ أقدم مع العلم بعدم المساواة فلم يكن القيد ( المساواة ) مأخوذاً في المعاملة ، ولا موجوداً في ضميره ، ولا مبنيّاً
عليه العقد ، وقد عرفت أنّ أساس الحكم بالخيار هو تقيّد المعاملة لبّاً بالمساواة .
نعم يثبت الخيار في
صورة الظنّ بالغبن والشكّ فيه ، لأنّه لم يقدم على المعاملة على وجه الإطلاق ، ولم يرفع يده عن قيد المساواة كما رفع عنه في صورة العلم والاطمئنان ، ولأجل ذلك لو تبيّنت الحال يندم على الإقدام ، بخلاف صورتي العلم والاطمئنان .
ما
هو الملاك في القيمة ؟
إذا كان الغبن هو
تمليك مال بما يزيد على قيمته مع جهل الآخر ، يقع الكلام فيما هو الملاك في القيمة ، فهل الملاك هو القيمة حال العقد مطلقاً ، ارتفعت قيمته بعده أم نزلت أو ثبتت ، أو الميزان هو القيمة حال العلم أو الفسخ ؟
والظاهر انّ الميزان
هو قيمة زمان العقد ، لما عرفت من أنّ مبنى الخيار هو
إقدام
المشتري على المعاملة مبنيّاً على وجود المساواة بين المثمن والثمن ، والمفروض فقدانه في هذا الظرف ، فيثبت الخيار فيه سواء ارتفع السعر بعده أم لا ، وعلى ذلك بناء العقلاء .
الثاني
: كون التفاوت فاحشاً
وهذا هو الذي اتّفقت
عليه كلمة الفقهاء ، قال المحقّق : من اشترى شيئاً و لم يكن من أهل الخبرة وظهر فيه غبن لم تجر العادة بالتغابن به ، كان له الفسخ إذا شاء .
وقال ابن قدامة : المسترسل
إذا غبن غبناً يخرج عن العادة ، فله الخيار بين الفسخ والإمضاء ، ولا تحديد للغبن في المنصوص عن أحمد ، وحدّه أبو بكر في التنبيه ، وابن أبي موسى في الإرشاد ، بالثلث ، وهو قول مالك ، لأنّ الثلث كثير ، بدليل قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : « والثلث كثير » وقيل : بالسدس ، وقيل
: ما لا يتغابن الناس به في العادة ، لأنّ ما لا يرد الشرع بتحديده يرجع فيه إلى العرف .
ودليل هذا الشرط واضح
، لأنّا لو قلنا بأنّ مدرك الخيار هو حديث « تلقّي الركبان » ، فهو منصرف عن الضرر اليسير بحيث لا يطلق عليه انّه غبن وتضرر ، كما أنّه لو كان المدرك للخيار قاعدة « لا ضرر » فهو مثله ، فلا يطلق على الضرر اليسير ، نعم هو ضرر عقلي وليس بضرر عرفي .
وأمّا إذا قلنا بأنّ
مدرك الخيار هو الشرط الضمني وتعاهد المتعاقدين على أنّ الثمن يساوي المثمن في القيمة ، فمن المعلوم أنّ المراد من المساواة هي
المساواة __________________
العرفية
لا الحقيقية ، فلو كان التفاوت يسيراً فلا يعدّ نقضاً للشرط بخلاف ما إذا كان فاحشاً .
وأمّا ما هو المعيار
في القلة والكثرة ، فلا شكّ أنّ المرجع هو العرف ، ولا يمكن إعطاء ضابطة كلّية في المقام ، لأنّه يختلف نظر العرف من حيث اختلاف المبيع من جهة العزّة والندرة ، أو الكثرة والوفرة ، ومن حيث الزمان والمكان ، فربما
يعدّ التفاوت في عام الجدب والغلاء تفاوتاً يسيراً ، بخلافه في زمان الخصب والرخاء ، كما أنّ ندرة الشيء وعزّته يؤثّر في قضاء العرف في كون التفاوت فاحشاً
أو غير فاحش ، فالأولى إرجاع التقدير إلى العرف .
مسقطات خيار الغبن
البحث عن المسقطات
فرع كون الخيار من الحقوق القابلة للإسقاط ، فنقول :
إنّ الحقوق على أقسام
:
١ . ما لا يصحّ
إسقاطه ولا نقله ، كحقّ الأُبوّة ، وحقّ الولاية للحاكم .
٢ . ما يصحّ إسقاطه ،
ولا يصحّ نقله ، كحقّ الغيبة ، أو الشجب ، أو الإهانة ، أو الضرب ، بناء على وجوب إرضاء صاحبه وعدم كفاية التوبة .
٣ . ما يصحّ إسقاطه
ونقله ، وينتقل بالموت كحقّ القصاص وحقّ التحجير .
٤ . ما يشكّ في صحّة
الإسقاط والنقل ، كحقّ النفقة في الأقارب كالأبوين والأولاد .
__________________
ثمّ إنّ المقام من
قبيل القسم الثالث ، أي يصحّ نقله وإسقاطه ، وذلك لأنّ طبع الحقّ يقتضي جواز الإسقاط والنقل ، لأنّ ذا الحقّ مالك للأمر ومتسلّط عليه ، وهذا يقتضي كون زمام الأمر بيده من الإبقاء والإسقاط ، ولو منع مورد من الإسقاط فلأحد أمرين :
أ . ورود دليل شرعي
مانع عن الإسقاط كما في حقّ الحضانة .
ب . قصور في كيفية
الجعل ، كما هو الحال في حقّ التولية في الوقف ، وحقّ الوصاية في الوصية ، فانّ الواقف أو الموصي جعل شخصاً خاصّاً مورداً للحقّ فلا يتعدّى عنه ، وهكذا الولاية فإنّها ثابتة لشخص خاص لأجل مؤهّلات خاصّة توفّرت فيه دون سائر الناس فلا يتعدّى عنه .
وأمّا المقام
فالأمران منتفيان فيه ، فليس هناك منع شرعي من الإسقاط والنقل ، كما أنّه ليس هناك قصور في الجعل ، إذ لا يشترط في ثبوت الخيار خصوصية في ذي الخيار سوى الشروط العامة .
وبذلك يُصبح خيار الغبن
من الحقوق القابلة للإسقاط .
فإذا ثبت أنّ خيار
الغبن من الحقوق القابلة للإسقاط ، يقع الكلام في أنواع مسقطاته ، وهي على أقسام نشير إلى ثلاثة منها عاجلاً ، ثمّ نشير إلى القسم الرابع بعد الفراغ عنها :
الأوّل :
الإسقاط في متن العقد .
الثاني :
الإسقاط بعد العقد وقبل ظهور الغبن .
الثالث :
الإسقاط بعد العقد وبعد ظهور الغبن .
وطبيعة الحال تقتضي
البحث فيها بالترتيب ، إلّا انّا آثرنا تقديم البحث في الصورة الثالثة باعتبارها أوضح من الصورة الثانية ، وهي بدورها أوضح من الصورة الأُولى .
الأوّل : الإسقاط بعد العقد وبعد ظهور الغبن
إسقاط الخيار بعد
العقد وبعد ظهور الغبن على وجوه :
أ . إسقاط الخيار مع العلم بمقدار الغبن .
ب . إسقاط الخيار مع الجهل بمقدار الغبن ، بأيّ مرتبة كان ، فاحشاً أو أفحش .
ج . إسقاط الخيار بزعم أنّ التفاوت عشرة فظهر مائة .
لا كلام في صحّة
الإسقاط في الصورتين الأُوليين ، إنّما الكلام في الصورة الثالثة ، ففي السقوط وجهان :
١ . عدم طيب نفسه
بسقوط هذا المقدار من الحقّ كما لو أسقط حقّ عرضٍ ، زعم انّه شتم لا يبلغ القذف فتبيّن كونه قذفاً .
٢ . انّ الخيار أمر
واحد مسبّب عن مطلق التفاوت الذي لا يُتسامح به ولا تعدّد فيه فيسقط بمجرّد الإسقاط ، وأمّا القذف وما دونه من الشتم فهما حقّان مختلفان ، فلا يكون أحدهما دليلاً على إسقاط الآخر .
والأولى التفصيل بين
كون التفاوت داعياً وكونه قيداً ، فإن أسقط الخيار بداعي أنّ التفاوت ربع على وجه لو كان التفاوت أكثر أيضاً لما توقف في الإسقاط ، فحينئذٍ فقد أسقط مطلق الخيار لعدم كون الداعي قيداً ، بخلاف ما لو أسقط الخيار المقيد بكون سببه الربع ، فلا يعدّ دليلاً على سقوط مطلق الخيار ، لأنّ
الساقط غير الواقع ، وما ذكر من أنّ الخيار واحد لا يتعدّد وإن كان صحيحاً ، لكن لا يكون دليلاً على صحّة الإسقاط ـ كما عليه المستدلّ ـ بل يجتمع مع بطلانه .
__________________
هذا كلّه إذا أسقط
بلا عوض ، وأمّا إذا أسقط بعوض ، بمعنى انّه صالح الغبن بشيء ، فلا إشكال في سقوط الخيار مع العلم بمرتبة الغبن أو مع الجهل به لكن مع التصريح بعموم المراتب .
وأمّا لو أطلق مع
الجهل بمرتبة الغبن ، فإن كان للإطلاق انصراف إلى مرتبة خاصّة من الغبن كما لو صالح على الغبن المحقّق في المتاع المشترى بعشرين ، بدرهم ، فإنّ المتعارف في مثل هذه المعاملة هو كون التفاوت أربعة أو خمسة في العشرين فيصالح عن هذا المحتمل بدرهم فظهر أنّ التفاوت على خلاف المنصرف بأن كان ثمانية عشر ، فيجري فيه ما ذكرناه في البحث السابق من انّه لو كان الغبن المتعارف ( اربعة في العشرين ) داعياً ، تكون المصالحة صحيحة وإلّا فتبطل .
الثاني
: الإسقاط بعد العقد وقبل ظهور الغبن
إذا أسقط بعد العقد
وقبل ظهور الغبن ، فربما يقال بعدم صحّته وذلك لوجهين :
١ . إنّ إسقاط الخيار
على وجه التنجيز يتوقّف على العلم به ، وهو بعدُ مشكوك ، سواء أقلنا بأنّ ظهور الغبن كاشف عنه عقلاً أو محدث وشرط شرعاً ، وإسقاطه على وجه التعليق ينافي الجزم في العقود والإيقاع .
يلاحظ عليه : بأنّا نختار الشقّ الثاني ونقول : إنّ التعليق على ما لا يكون
الإنشاء معلّقاً عليه في الواقع كقدوم الحاج ودخول الشهر يوجب البطلان على المشهور ، وأمّا تعليق العقد على ما هو معلّق عليه واقعاً فليس بمضر ، سواء أتكلّم
به أو لا ، وهذا نظير طلاق مشكوك الزوجية ، وإعتاق مشكوك الرقية ، وإبراء ما احتمل الاشتغال به ، أو الإبراء عن العيوب المحتملة ، فانشاء الإسقاط في الجميع
صحيح
، سواء أكان المنشأ منجّزاً أم معلّقاً ، وعلى ذلك فلا إشكال إذا قال : أسقطت خيار الغبن لو كان هنا غبن أو ظهر .
٢ . انّه إسقاط ما لم
يجب حيث إنّه لم يظهر الغبن حتّى يثبت الخيار ، فيكون إسقاطه لما لم يجب .
يلاحظ عليه ـ بعد تسليم كون ظهور الغبن محدثاً للخيار لا كاشفاً عنه ـ : أنّه يكفي في صحّة الإسقاط الاعتباري وجود المقتضي ـ يعني العقود ـ ووجود الأثر ولو بعد تبيّن الخيار ، فيكفي في نظر العقلاء وجود المقتضي والأثر المترقب .
الثالث
: الإسقاط في متن العقد
من مسقطات خيار الغبن
اشتراط سقوطه في نفس العقد ، ويرد على هذا النوع من الإسقاط ما تقدّم من الإشكالات المذكورة في القسمين السابقين والجواب نفس الجواب .
نعم هنا إشكال خاص
يختص بهذا النوع وهو لزوم الغرر من اشتراط إسقاطه الموجب للغرر .
قال الشهيد في « الدروس
» : ولو اشترطا رفعه ( خيار الغبن ) أو رفع خيار الرؤية ، فالظاهر بطلان العقد للغرر .
يلاحظ عليه : بأنّ الغرر في الحديث المروي : « نهى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن بيع الغرر » يحتمل أحد معنيين :
١ . الغرر بمعنى الخدعة
والحيلة كالتدليس في المبيع .
٢ . الغرر بمعنى
الخطر كبيع الطير في الهواء والسمك في الماء ، واشتراء __________________
صبرة
مردّدة بين طن أو أطنان .
وإسقاط الخيار في متن
العقد ليس من مصاديق القسم الأوّل ، إنّما الكلام في كونه من مصاديق القسم الثاني ، فنقول :
إنّ البيع المخطور
عبارة عن ما إذا كان مجهول الذات كبيع ما في قبضة اليد المردّد بين كونه حجراً أو ذهباً ، أو مجهول الصفات كما إذا علم أنّه ذهب
مردد بين عيارات مختلفة ، أو مجهول المقدار كما في مورد الصبرة .
وأمّا البيع مع الجهل
بالقيمة الواقعية كما هو الحال في المقام ، فهو على قسمين :
تارة يكون السعر
مجهولاً بتاتاً ، كما إذا اشترى شيئاً وأسقط خياره في متن العقد وتردد قيمة الشيء بين دينار وألف دينار فاشتراه بألف دينار .
وأُخرى يكون معلوماً
في الجملة ، لكن يكون محتمل الزيادة كما في المقام ويسقط خياره مع الجهل بالقيمة على وجه دقيق ، لكن شمول النبوي لهذا القسم مورد تأمّل ، بل منع ، وإلّا يلزم بطلان أكثر المعاملات التي يحتمل فيها الغبن ، إذ
يكون عندئذٍ محكوماً بالبطلان لكونه غرريّاً ولا يصحّحه الخيار ، وإلّا يلزم تجويز
كلّ معاملة غررية بالخيار .
إلى هنا تمّ الكلام
في الأقسام الثلاثة التي يجمعها كون المسقط أمراً لفظيّاً إمّا في العقد ، أو بعده وقبل ظهوره أو بعده .
بقي الكلام في القسم
الرابع الذي يكون المسقط فعلاً من أفعال المغبون ، فهذا هو الذي نتلوه عليك .
الرابع
: تصرّف المغبون فيما اشترى بعد علمه بالغبن
قد اشتهر بينهم أنّ
تصرّف ذي الخيار فيما انتقل إليه إجازة ، وفيما انتقل
عنه
فسخ ، وهذه القاعدة معقد الإجماع ، ولو قلنا بحجّيته في المقام يكون تصرّف المغبون مسقطاً للخيار .
لكن المتيقّن منه هو
ما إذا تصرّف في المبيع تصرّفاً كاشفاً عن رضاه الشخصي بالمبيع ، أو تصرّف فيه تصرّفاً يدلّ بنوعه على رضا المتصرّف نوعاً بالبيع وإن لم يعلم التزامه الفعلي به .
والدليل على السقوط
في هاتين الصورتين عموم التعليل في صحيحة علي بن رئاب ، قال : « فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل الثلاثة الأيّام ، فذلك رضا منه فلا شرط ( اي لا خيار ) » .
والمراد من إحداث
الحدث هو التصرّف الكاشف عن الرضا الشخصي أو النوعي ، وأمّا إذا تصرّف فيه بعد العلم بالغبن تصرّفاً لا يكشف عن الالتزام الشخصي ولا النوعي ، فالظاهر بقاء الخيار لوجود المقتضي وهو إطلاق أدلّة الخيار ، وعدم المقيّد ، لما عرفت من أنّ التعليل في صحيحة علي بن رئاب منصرف إلى القسمين الأوّلين ، وهذا كما إذا لبس الثوب أو طالع الكتاب ونحو ذلك .
هل خيار الغبن فوري أم
لا ؟
نسب إلى المشهور
انّ خيار الغبن فوري ، فلو أهمل في الإعمال بعد الوقوف على الغبن يسقط .
استدلّ له بأنّ
الخيار على خلاف الأصل وهو اللزوم ويقتصر فيه على المتيقّن .
__________________
كما استدلّ على عدم
الفورية بأنّ الأصل بقاء الخيار حتّى بعد التساهل في الاعمال .
وكلا الاستدلالين
يعربان عن عدم وجود إطلاق في دليل الخيار ، ولأجل ذلك التجأ الأوّل بالأخذ بالقدر المتيقّن ، والثاني إلى استصحاب الخيار ، ولكن الظاهر وجود الإطلاق في بعض أدلّته .
وتكفي في المقام
قاعدة لا ضرر ، فانّ ظاهر « لا ضرر ولا ضرار » هو الإخبار عن عدم وجود أيِّ ضرر وضرار في الخارج ، ومن المعلوم أنّ الإخبار ليس على وفق الواقع ، إذ ما أكثرَ الضررَ والضرارَ فيه ، غير أنّ المسوّغ لهذا الإخبار هو عدم تشريع أيّ حكم ضرري في الإسلام بحيث صار ذلك سبباً للإخبار عن عدم أيّ ضرر فيه .
فإذاً الحديث يشير
إلى خلو صفحة التشريع من الحكم الضرري ، ومقتضى نفيه على وجه الإطلاق هو نفيه في جميع الأزمنة من غير فرق بين الزمان الأوّل والثاني .
ولازم ذلك بقاء
الخيار في الزمان الثاني ، وإلّا لم يصحّ نفي الضرر على وجه الإطلاق .
عدم اختصاص خيار الغبن
بالبيع
لا إشكال في عدم
اختصاص خيار الغبن بالبيع ، بل هو ثابت في كلّ معاملة غير مبنيّة على التسامح ، والإجماع وإن كان قاصراً عن إثبات العموم لكن قاعدة لا ضرر وبناء العقلاء غير قاصرين .
نعم لا غبن في الصلح
لأجل رفع النزاع أو احتمال الشغل ، لأنّ بناء
الصلح
على المحاباة وعدم المداقّة ، اللّهمّ إلّا إذا كان الاحتمال دائراً بين العشرة والعشرين فيصالح بالأوّل فبان أنّه ألف ، فعند ذلك يتعلّق به الخيار .
*
*
*
هل ظهور الغبن شرط شرعي كحدوث الخيار
، أو كاشف عقلي عن ثبوته حين العقد ؟ حقّق لنا هذا الموضوع ولاحظ المتاجر قسم الخيارات ، ص ٢٣٧ وتعليق السيد الطباطبائي ، ص ٤٠ .
|
الفصل
الرابع
خيار العيب
« العيب » من المفاهيم
العرفية التي يقف عليها العرف بصفاء ذهنه ولا يحتاج إلى تعريف ، قال سبحانه حاكياً عن مصاحب موسى : ( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا
وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ) ولا نحتاج في تفسير الآية إلى تعريف
العيب ، وإن أردت صياغة تعريف له ، فلك أن تقول :
إنّ لكلّ شيء حسب
الخلقة أو حسب موازين الصنعة ، مقياساً طبيعياً أو صناعياً يشارك فيه أغلب الأفراد ، ويعدُّ فقدان ذلك عيباً ، فالخروج عن المقياس الطبيعي أو الصناعي في الأُمور الطبيعية والصناعية على وجه يوجب رغبة الناس عنه ، عيب ؛ فخرج ما يوجب كثرة الرغبة فيه كالحدة في البصر في العبد ، والإتقان البالغ في المصنوع ، والعبد المختون بين المسلمين .
هذا ما لدينا .
مفهوم « العيب » عند
المشهور
عرّفه المشهور بقولهم
: كلّما زاد عن الخلقة الأصلية أو نقص عنها ؛ عيناً كان __________________
الزائد
أو الناقص ، كالإصبع الزائد على الخمس أو الناقصة منها ؛ أو صفة ، فهو عيب .
يلاحظ عليه : بأنّه لا يمكن عدّ كلّ ما كان على خلاف مقتضى الخلقة الطبيعية عيباً ، وإنّما يعدّ عيباً إذا كان سبباً لرغبة الناس عنه كالثيبوبة ، لا
لرغبتهم فيه كالختان بين المسلمين ، فانّ غير المختون معرّض للخطر فكيف يعدّ الختان عيباً ؟ !
فبإضافة ما ذكرنا من
القيد ( ما يوجب قلّة الرغبة ) يتقوّم تعريف العيب ـ عند المشهور ـ بأمرين :
١ . خروجه عن مقتضى
الخلقة الأصلية .
٢ . كونه سبباً لرغبة
الناس عنه .
وهل يشترط ـ مضافاً
إلى ما ذكر ـ أن يكون النقص الخلقي سبباً للنقص المالي ؟ كما عليه الشيخ الأنصاري ؛ وعلى ذلك فالنقص الخلقي غير الموجب للنقص المالي كالخصاء ونحوه لا يعدّ عيباً .
ولمّا كان مقتضى ذلك
عدم الخيار فيما إذا ظهر انّ المبيع خصيّ لكثرة الرغبة فيه لأغراض خاصّة ، حاول الإجابة عنه ، بقوله : إنّ الغالب في أفراد
الحيوان لما كان عدمه ، كان إطلاق العقد منزلاً على إقدام المشتري على الشراء مع عدم هذا النقص ، فتكون السلامة عنه بمنزلة شرط اشترط في العقد ، ولا يوجب تخلّفه إلّا خيار تخلّف الشرط لا خيار العيب .
يلاحظ عليه : بأنّه لا يشترط في صدق العيب استلزامه النقصَ المالي وإن كان الغالب كذلك ، لما عرفت من أنّ العيب مفهوم عرفي يوصف به الشيء عند __________________
التخلّف
عن المقياس المقرّر له حسب الخلقة أو الصناعة ، فإذا تخلّف عنه تخلّفاً موجباً لرغبة الناس عنه ، يعدّ عيباً . وإقبال بعض الأثرياء على شراء ذلك المعيب لغرض خاص لا يخرجه عن كونه معيباً ، فلو اشترى عبداً فبان خصيّاً فللمشتري خيار العيب ، لا خيار الاشتراط .
اقتضاء العقد السلامةَ
ثمّ إنّ الدليل
الواضح على الخيار في هذا النوع من العقد هو اقتضاء العقد السلامةَ من غير فرق بين عقد وعقد ، فمقتضى العقد في البيع هو سلامة المبيع ، كما أنّ مقتضاه في الإجارة سلامة العين المستأجرة ، إلى غير ذلك من العقود .
استدلّ على ذلك
بالأُمور التالية :
١ . انصراف المطلق
إلى الفرد الصحيح .
يلاحظ عليه : أوّلاً : بمنع الانصراف ، ولذلك لا يجري في الأيمان والنذور والوصايا .
وثانياً : عدم جريانه فيما إذا كان المبيع أو العين المستأجرة أمراً
جزئياً خارجيّاً ، لأنّ مجرى الانصراف فيما إذا كان المبيع كلّياً ، والمفروض انّه جزئي .
٢ . إنّ وصف الصحّة
قد أخذ شرطاً في العين الخارجية نظير وصف الكمال كمعرفة الكتابة أو غيرها من الصفات الكمالية المشروطة في العين الخارجية ، وإنّما استغني عن ذكر وصف الصحّة لاعتماد المشتري أو المستأجر في وجودها على الأصل ؛ كالعين المرئية سابقاً حيث يعتمد في وجود أصلها وصفاتها على الأصل .
والحاصل : إنّ وزان
صفات الصحّة ، كوزان صفات الكمال ، ولما كانت أصالة الصحة أمراً مسلّماً بين المتعاقدين فلا تُذكر في العقد ، بخلاف صفات الكمال فانّها بحاجة إلى الذكر فيه .
يلاحظ عليه : أنّه لو صحّ هذا الوجه يعود خيار العيب إلى خيار تخلّف شرط الصحّة ويعدّ من أقسامه ، مع أنّه أمر مستقل عند الفقهاء .
٣ . إنّ أصالة الصحّة
في الأشياء الطبيعية أصل مسلّم بين العقلاء ، التي أخبر عنها الوحي ، كما في قوله : (
الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) .
وقد اتّفق عليها
العقلاء من طريق التجربة ، فصارت أصلاً معتمداً بين العقلاء في معاملاتهم وعقودهم ، ومرتكزة للأذهان في مبادلاتهم ومعاوضاتهم ، وإن لم يكن كذلك في غير ذلك المجال كالوصايا والأيمان والنذور ، فلو تخلّف ، لا يُلزم المتخلّف عليه بالوفاء بعهده ( كدفع الثمن ) ، لأنّ الموجود غير المعهود
عليه إلّا إذا سمح ورضي بالفاقد واكتفى من المطلوب بالدرجة الوسطى لا القصوى .
وبذلك يظهر الفرق بين
خيار شرط الصحّة ، وخيار العيب ، فالأوّل مستند إلى ذكرها في متن العقد ، بخلاف الثاني فهو مستند إلى أصل عقلائي معتبر في المعاوضات .
كما يظهر انّ ذكر شرط
الصحّة في متن العقد يحدث خياراً مستقلاً لو بان الخلاف ، لما عرفت من تغاير الملاكين .
وهذا الوجه من أوضح
الأدلّة على وجود الخيار في أمثال هذه العقود .
حكم ظهور العيب
إذا ظهر العيب فالرائج
بين العقلاء هو أنّه ليس للمشتري ولا غيره إلّا أمر __________________
واحد
وهو كونه مستحقاً للردّ وأخذ الثمن فقط وليس عندهم وراء ذلك شيء آخر .
وأمّا كونه مخيّراً
بين الردّ وأخذ الثمن والإمساك مع الأرش فليس بينهم عنه أثر .
نعم لو لم يتمكن من
ردّ المعيب كان له عليه الأرش ، فليس أخذ الأرش في عرض جواز الرد .
نعم لو تراضيا على
أخذ الأرش حتّى في صورة التمكّن من الردّ فهو أمر آخر ، إنّما الكلام في أنّه هل للمشتري من بدء ظهور العيب أحد الأمرين بحيث يتمكّن من إجبار البائع على واحد منهما : الردّ وأخذ الثمن ، أو إمساكه وأخذ الأرش ، وانّ زمام الأمر في تعيين أحد الأمرين بيد المشتري ، فهذا ما ليس منه بين العقلاء عين ولا أثر .
ويظهر من الشيخ
الطوسي في « المبسوط » أنّ الأرش ليس في عرض الردّ وإنّما يُلتجأ إليه عند عدم التمكّن ، قال : ـ « فيما إذا باع المشتري ، المعيبَ
قبل علمه بالعيب » ـ : وأمّا لو باعه قبل العلم بالعيب ثمّ علمه فانّه لا يمكنه الردّ
، لزوال ملكه ولا يجب أيضاً له الأرش ، لأنّه لم ييأس من ردّه ( المشتري الثاني )
على البائع ( المشتري الأوّل ) ، فإن ردّه على المشتري الأوّل واسترجع الثمن فانّ
المشتري الأوّل يردّه على البائع أيضاً .
ترى أنّ العبارة
ظاهرة في أنّ الأرش يتعيّن حين اليأس من إمكان الردّ لا مطلقاً .
وربّما يظهر ذلك
أيضاً من ابن البرّاج فيما اشترى دنانير بدراهم معيّنة : فإذا كان العيب من جنسه مثل أن يكون فضة خشنة أو ذهباً خشناً أو تكون __________________
السكة
فيه مضطربة مخالفة لسكة السلطان ، فذلك عيب ، وهو مخيّر بين الرد واسترجاع الثمن ، وبين الرضا به ، وليس له المطالبة ببدل ، لأنّ العقد تناول عينه ووقع عليها ولا يجوز له إبداله .
ترى أنّه ذكر حكم
الإبدال ولم يذكر الأرش .
ويظهر ذلك القول من
فقهاء السنّة ، فليس عندهم إلّا الردّ وأخذ الثمن ، قال ابن قدامة : إنّه متى علم بالمبيع عيباً ، لم يكن عالماً به ، فله الخيار بين
الإمساك والفسخ سواء أكان البائع علم العيب وكتمه أو لم يعلم ، لا نعلم بين أهل العلم في هذا خلافاً ، وإثبات النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم خيار التصرية تنبيه على ثبوته بالعيب ،
ولأنّ مطلق العقد يقتضي السلامة من العيب .
ما هو المشهور عند
الأصحاب ؟
قد عرفت ما هو الرائج
عند العقلاء وبعض الأصحاب ، غير أنّ المشهور عند أصحابنا هو التخيير بين الردّ وأخذ الأرش ، وانّهما في عرض واحد ، وإليك بعض نصوصهم :
قال المفيد : فإن كان
المبيع جملة وظهر العيب في بعضه ، كان للمبتاع أرش العيب في البعض الذي وجده فيه ، وإن شاء ردّ جميع المتاع واسترجع الثمن ، وليس له ردّ المعيب دون سواه .
وتبعه الشيخ في « النهاية
» ، وسلّار في « المراسم » وابن حمزة في « الوسيلة » ، وابن إدريس في « السرائر » .
__________________
وعلى رأيهم جرى
الأصحاب في العصور المتأخرة وهو غير خفيّ على من راجع الشرائع وكتب العلّامة والشهيدين قدّس الله أسرارهم .
الاستدلال على قول
المشهور
استدلّ على القول
المشهور بوجوه قاصرة نشير إليها :
الأوّل :
قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا ضرر ولا ضرار » فإنّ الحكم
بلزوم العقد مع العيب ضرر بلا كلام ؛ فدفعه يتحقّق بأحد الأمرين : الردّ وأخذ الثمن ، والإمساك مع الأرش .
يلاحظ عليه : أنّ الحديث لا يثبت تمام المقصود ، لأنّ الضرر ـ كما قال : ـ
و إن كان يندفع بأخذ الأرش ، يندفع بالردّ وأخذ الثمن ، وأمّا كون الاختيار بيد المشتري في تعيين أحد الأمرين مع عدم رضى البائع إلّا بالردّ فلا يدلّ عليه .
الثاني :
ما ورد في الفقه الرضوي ، قال : « فإن خرج في السلعة عيب وعلم المشتري فالخيار إليه ، إن شاء ردّها وإن شاء أخذها ، أو ردّ عليه القيمة مع أرش العيب » .
يلاحظ عليه : أنّ الفقه الرضوي لا يصلح للاحتجاج ، لأنّه إمّا رسالة علي بن بابويه إلى ولده الصدوق ، أو كتاب الشلمغاني المسمّى باسم « التكليف » ، وإن كان الأظهر هو الأولى ، على أنّ العبارة ليست صريحة فيما عليه المشهور .
الثالث :
الروايات الواردة في المقام ، وإليك بيانها :
١ . مرسلة جميل ، عن
أحدهما عليهالسلام في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيباً ؟ فقال : « إن كان الشيء قائماً بعينه ردّه على صاحبه وأخذ الثمن ، وإن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ يرجع بنقصان العيب » .
__________________
يلاحظ على الاستدلال بالحديث بأنّه بصدد التفصيل بين بقاء المبيع
على ما هو عليه وعدمه ، فالردّ في الأوّل والأرش في الثاني ، ولا يدلّ على أنّ الإمساك مع
الأرش في عرض الردّ وأخذ الثمن مطلقاً ، بل يدلّ على أنّ الأرش عند عدم بقاء العين على ما هو عليها .
٢ . صحيحة ابن سنان ،
عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث قال علي عليهالسلام : « لا تردّ التي ليست بحبلى إذا وطأها صاحبها ، ويوضع عنه من ثمنها بقدر عيب إن كان فيها » .
يلاحظ عليه : بأنّه يدلّ على أنّ التصرّف مانع عن الردّ ويتعيّن الإمساك وأخذ الأرش ، وأين هذا من كون أخذ الأرش في عرض الردّ وأخذ الثمن مطلقاً حتّى فيما إذا لم يكن هنا تصرّف مانع من الردّ ؟ !
٣ . صحيح ميسر ، عن
أبي عبد الله عليهالسلام قلت له : رجل اشترى زقّ زيت فوجد فيه درديّاً ، قال : فقال : « إن كان يعلم أنّ ذلك يكون في الزيت لم يردّه ، وإن
لم يكن يعلم أنّ ذلك يكون في الزيت ردّه على صاحبه » .
يلاحظ عليه : أنّه بصدد التفصيل بين علم المشتري بالعين وجهله ، فيردّ في الثاني دون الأوّل ، فأين هذا من الإمساك وأخذ الأرش ، فضلاً عن كونه في عرض الردّ وأخذ الثمن ؟ !
٤ . ما رواه السكوني
، عن جعفر ، عن أبيه أنّ علياً عليهالسلام قضى في رجل اشترى من رجل عكة فيها سمن ، احتكرها حكرة فوجد فيها ربّاً ، فخاصمه إلى علي عليهالسلام ، فقال له علي عليهالسلام : « لك بكيل الرب سمناً » ، فقال له الرجل : إنّما بعته __________________
منك
حكرة ، فقال له علي عليهالسلام : « إنّما اشترى منك
سمناً ولم يشتر منك ربّاً » .
يلاحظ عليه : بأنّه يدلّ على لزوم تبديل الرب الموجود بالسمن ، وأين هذا من أخذ الأرش ؟ !
٥ . ما رواه عمر بن
يزيد ، قال : كنت أنا وعمر بالمدينة ، فباع عمر جراباً هروياً كلّ ثوب بكذا وكذا ، فأخذوه فاقتسموه فوجدوا ثوباً فيه عيب ، فقال لهم عمر : أعطيكم ثمنه الذي بعتكم به ، قالوا : لا ولكنّا نأخذ منك قيمة الثوب ، فذكر ذلك عمر لأبي عبد الله عليهالسلام ، فقال : « يلزمه ذلك » .
يلاحظ عليه : بأنّه أجنبي عن المطلوب ، لأنّ البائع كان مستعدّاً لأن يقبل خصوص الثوب المعيب ويدفع الثمن الذي باع به ، ولكن المشتري كان مصرّاً على دفع القيمة السوقية له إن كان صحيحاً .
فأجاب الإمام عليهالسلام بأنّه يلزم المشتري ما اقترحه البائع ( عمر ) من أخذ الثمن لا القيمة ، لأنّ مقتضى الفسخ ولو في بعض المبيع أخذ الثمن لا القيمة ، وتظهر الفائدة فيما إذا كان الثمن أقلّ من القيمة ، وأين هذا من مسألة أخذ الأرش ؟ !
إلى هنا تبيّن عدم
دليل واضح على أنّ أخذ الأرش في عرض الردّ وأخذ الثمن ، وأوّل من تنبّه لذلك المحقّق الأردبيلي في شرح الإرشاد ثمّ صاحب الحدائق .
وبذلك تبيّن أنّ ذا
الخيار ليس له إلّا الردّ وأخذ الثمن .
نعم فيما لا يتمكّن من
الردّ ينتقل الأمر إلى الأرش .
__________________
الظهور كاشف لا شرط شرعي
لا شكّ أنّ السبب
للخيار هو العيب ، إنّما الكلام في أنّ ظهور العيب هل هو كاشف عقلي عن الخيار في زمان العقد أو شرط شرعي لتأثير السبب ( العيب ) ؟
ذهب الشيخ الأنصاري
إلى الوجه الأوّل ، وهو الأقوى .
والدليل عليه : أنّ الظهور وما يعادله ، أخذ في الروايات والفتاوى طريقاً إلى
العلم بالسبب التام وهو وجود العيب حين العقد ، لا موضوعاً مؤثراً حين الظهور ، وعلى ذلك يثبت الخيار من زمان العقد لا من زمان الظهور .
هذا إذا كان المصدر
للخيار هو الروايات ومعاقد الإجماعات ، وأمّا إذا كان المصدر هو قاعدة « لا ضرر » والتعهد الضمني للصحّة ، فالملاك هو الضرر الواقعي أو التخلّف الواقعي ، وكلاهما موجودان في زمان العقد ، وعلى هذا يترتب على العيب آثاره من أوّل الأمر .
نعم لو شككنا في أحد
الأمرين فمقتضى القاعدة نفي جميع آثار الخيار من الفسخ والسقوط قبل الظهور .
عمومية الخيار للثمن
إنّ الثمن والمثمن
متّحدان حكماً في باب خيار العيب ، لأنّ قاعدة لا ضرر أو التعهد الضمني كما يجري في المبيع يجري في الأثمان أيضاً ، وهل يجري في سائر المعاوضات من الصلح والإجارة ونحوهما أو لا ؟
الظاهر هو الأوّل ، لاشتراك
الجميع في دليل الخيار .
وأمّا ذكر المبيع في
الروايات فهو من باب المثال ، لغلبة العيب في المبيع ، فلذلك جيء بالمبيع كمثال دون الثمن .
مسقطات
خيار العيب
يسقط خيار العيب
بأُمور :
الأوّل
: إنشاء السقوط قولاً أو فعلاً
أمّا الأوّل : فربما
يكون ظاهراً في سقوط خصوص الردّ دون الأرش ، كما إذا قال : التزمت بالعقد ، فانّ الالتزام به لا ينافي إقرار العقد بالأرش ، وربّما
يكون صريحاً فيه ، كما إذا قال : أسقطت الردّ دون الأرش ؛ وربّما يكون ظاهراً في سقوط كلا الأمرين ، كما إذا قال : أسقطت الخيار ، لما عرفت من أنّ الخيار هو السلطة على
إقرار العقد وإزالته ؛ فإسقاط الخيار يلازم إسقاط آثاره من الردّ والأرش .
وأمّا الثاني : أي
إنشاء السقوط فعلاً ، فهو يتحقّق بالتصرّفات الاعتبارية كالبيع والهبة والعتق والتدبير .
فإن قلت : التصرّفات الاعتبارية ، لا تنافي بقاء العين على حالها ، فكيف
تكون مسقطاً ؟
قلت :
يكفي في سقوط الخيار صدور فعل من المشتري ، يكون مصداقاً لإنشاء الإسقاط فعلاً ، إذا كان عالماً بالعيب ، بل في الجاهل إذا كان محتملاً له
، فالمعيار هو كون الفعل مصداقاً لإنشاء السقوط ، سواء بقيت العين بحالها أم لا .
وأمّا التصرّف
المغيّر للعين ، فهو أمر آخر سيوافيك بيانه .
الثاني
: اشتراط الإسقاط في متن العقد
وإذا تعاقدا واتّفقا
على سقوط خيار العيب في متن العقد ، أو بعد العقد وقبل ظهور العيب ، أو بعد ظهوره ، يسقط الخيار في الجميع ، وقد مرّ تفصيل
صور
هذا النوع من الإسقاط في خيار الغبن ، وأوضحنا حال الإشكالات المتوهّمة حول هذا القسم من المسقطات .
الثالث
: التصرّف المغيّر في المعيب
إذا تصرّف في المعيب
تصرّفاً مغيّراً على نحو يصدق عليه أنّ العين ليست باقية على حالها يسقط الردّ دون الأرش ، سواء أكان قبل العلم أو بعده ، كشف عن الرضا بالعقد ـ إذا كان بعد العلم ـ أم لا . ويدلّ على ذلك روايتان :
١ . مرسلة جميل ، عن
بعض أصحابنا ، عن أحدهما عليهماالسلام في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيباً ، فقال : « إن كان الشيء قائماً بعينه ردّه على
صاحبه وأخذ الثمن ، وإن كان الثوب قد قطع أو خِيط أو صُبغ ، يرجع بنقصان العيب » .
والملاك في الرواية
في الأخذ بالردّ وعدمه ، هو بقاء العين بحالها ، وعدم بقائها ، من غير فرق بين كونه قبل العلم بالعيب أو بعده ، كشف عن الرضا أو لا .
٢ . صحيحة زرارة
عن أبي جعفر عليهالسلام قال : « أيّما رجل اشترى شيئاً وبه عيب وعوار ، ولم يُتبرّأ إليه ، ولم يُبيّن له ، فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئاً ثمّ
علم بذلك العوار ، وبذلك الداء ، انّه يمضي عليه البيع ، ويردّ عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك لو لم يكن به » .
__________________
وقوله : « فأحدث فيه
بعد ما قبضه » وإن كان يعمّ الحدث المغيّر وغيره ، لكن يقيّد إطلاقه بما في مرسلة جميل من التصرّف المغيّر كقطع الثوب وصبغه ، مضافاً إلى ما سيوافيك في خيار الحيوان من أنّ المراد من إحداث الحدث فيه ، هو إيجاد التغيّر في المبيع ، فلا يشمل تعليف الدابّة وسقيها أو ركوبها ، وستوافيك الشواهد على هذا في بابه .
الرابع
: تلف العين
ويدلّ على سقوطه بتلف
العين مفهوم الجملة الشرطية الواردة في مرسلة « جميل » حيث قال : « إن كان الثوب قائماً بعينه ردّ على صاحبه » فكما أنّه يصدق بانتفاء المحمول ـ مثل ما إذا كان الثوب موجوداً لكن غير قائم بحاله ـ فهكذا يصدق بانتفاء الموضوع بتلف الثوب رأساً فيصدق أنّه غير قائم بعينه .
الخامس
: حدوث العيب بعد العقد
إذا حدث العيب بعد
العقد على المعيب ، فله صور :
١ . أن يحدث قبل
القبض .
٢ . أن يحدث بعده قبل
انقضاء خيار المشتري كخيار المجلس والحيوان والشرط .
٣ . أن يحدث بعد
القبض ومضيّ الخيار .
أمّا الأوّل : فلا
إشكال في أنّه غير مانع عن الردّ بالعيب السابق ، وهل هو سبب مستقل موجب للردّ والأرش ـ على القول بكونه في عرض الردّ ـ أو لا ؟ فيه وجهان ، والأقوى هو الأوّل . بشهادة انّه لو كان المبيع سالماً وطرأ عليه العيب
قبل
القبض ، فللمشتري الخيار مستقلاً .
وأمّا الثاني : إنّ
الحادث في زمان الخيار فهو أيضاً مثل الأوّل غير مانع عن الردّ والأرش ، فهو أيضاً سبب مستقل لما سيوافيك في أحكام الخيار ، من أنّ كلّ حدث حدث في زمان الخيار ، فهو من مال من لا خيار له وهو في المقام ، البائع ، فيكون في المقام سببان للخيار .
وأمّا الثالث : الذي
هو المقصود بالبحث في المقام ، فالمشهور أنّ العيب الحادث بعد انقضاء الخيار ، مانع عن الردّ بالعيب السابق على العقد .
ويدلّ عليه مرسلة
جميل المؤيدة برواية زرارة ، لما عرفت من أنّ المعيار لجواز الردّ وعدمه هو بقاء العين بحالها وعدمه ، فيتعيّن جبر العيب السابق بالأرش . اللّهمّ إلّا إذا كان العيب مستنداً إلى فعل البائع ، فلا يكون مانعاً عن الردّ .
ثمّ إنّ هناك أُموراً
تارة تمنع عن الردّ دون الأرش ، وأُخرى على العكس ، وثالثة تمنع عن كلا الأمرين ، وإليك بيانها :
١ . تبعّض الصفقة من
موانع الردّ
إنّ من موانع الردّ
عند المشهور هو تبعّض الصفقة بالردّ ، وذلك فيما إذا ابتاع شيئين من مالك واحد ، بثمن واحد ثمّ بان عيب في واحد منهما ، فليس له ردّ المعيب وإمساك الصحيح ، بل له إمّا ردّهما أو إمساكهما معاً ، والدليل على ذلك ارتكاز العقلاء حيث لا يرون للمشتري إلّا حقاً واحداً ، وهو أمّا ردّ الجميع أو إمساك الجميع ، وأمّا التبعيض فلا ، وهذا متّبع ما لم يردع عنه الشرع .
مضافاً إلى أنّ
المتبادر من مرسلة جميل بقاء العين بذاتها ووصفها ، وفي المقام العين وإن كانت قائمة بذاتها لكنّها غير قائمة بوصفها ، أعني : كونها منضمّة إلى الصحيح الذي هو الداعي للبيع والشراء .
٢ . لزوم الربا من موانع أخذ الأرش
إذا اشترى ربوياً
بجنسه فظهر في أحدهما عيب ، فالأرش ساقط لاستلزامه الربا .
توضيحه :
انّ المقصود من الربا في المقام هو القسم المعاوضي لا الربا القرضي ، فالمتجانسان عرفاً أو المحكوم عليه بالتجانس شرعاً إذا كانا مكيلين أو موزونين لا يجوز التفاضل عند المعاوضة ، إلّا إذا كان مثلاً بمثل ، حتّى ولو كان أحدهما صحيحاً والآخر معيباً ، لا يجوز التفاضل ، مثل ما إذا كان العوض حُليّاً مصوغاً والآخر مكسوراً ، حيث إنّ أخذ الأرش يوجب التفاضل الحرام ، فلا محيص عن الردّ .
٣ . ما يمنع عن الردّ
والأرش
إنّ هناك أُموراً
تمنع عن كلا الأمرين نذكر منها ما يلي :
أ . العلم بالعيب قبل العقد ؛ إذا كان المشتري واقفاً على العيب
قبل العقد ، فهذا يسقط الردّ والأرش ، لأنّ إقدامه معه رضى منه به ، وأدلّة الخيار ظاهرة في غير هذه الصورة ، مضافاً إلى أنّ ما في صحيح « زرارة » من قوله : « لم يتبرّأ إليه
ولم يبيّن له » فخصّ الخيار بما إذا لم يبيّن ( العيب ) ، فعلمه بالعيب قبل
العقد كالتبيين .
ب . تبرّؤ البائع من العيوب ؛ إنّ تبرّؤ البائع من العيب يمنع عن
الردّ والأرش بأن يقول : بعتك هذا بكل عيب أو أنا بريء من العيوب ظاهرة وباطنة ، معلومة وغير معلومة .
__________________
ويدلّ على المنع
أوّلاً : انصراف دليل الخيار عن مثله .
وثانياً : انّ
التبرّوء من العيوب لا يقصر من العلم به .
وثالثاً : عموم « المؤمنون
عند شروطهم » .
ورابعاً : حسنة جعفر
بن عيسى ، فقد كتب إلى أبي الحسن عليهالسلام فيمن اشترى شيئاً ثمّ وقف فيه على العيب فادعى البائع قد برئت من العيوب عند البيع ، « فيقول المشتري : لم أسمع البراءة منها ، أيصدّق فلا يجب عليه الثمن أم لا يصدّق فيجب عليه الثمن ؟ فكتب : عليه الثمن » .
فالحديث يدلّ
بالدلالة الالتزامية على أنّه لو ثبت براءة البائع لكفى في عدم جواز الرّد .
*
*
*
ثمّ إنّ الشيخ فتح
باباً واسعاً في المقام ونظائره باسم « اختلاف المتبايعين » ، حيث يختلفون تارة في نفس الخيار ، وأُخرى في موجبه ، وثالثة في مسقطه ، ورابعة في إعماله بالفسخ . فهذه المسائل من فروع باب القضاء وأحكام المتحاكمين ، ولأجل ذلك أعرضنا عن ذكر مسائل التحاكم في هذا الكتاب .
__________________
الأرش
وكيفيّة تقديره
« الأرش » في اللغة
بمعنى الخدش ، ويطلق على دية الجراحات التي ليس لها قدر معلوم ، ويكون من قبيل إطلاق السبب على المسبّب ، وفي مصطلح الفقهاء عبارة عن مال يؤخذ بدلاً عن نقص مضمون في مال أو بدن .
ثمّ إنّ الضمان على
قسمين :
١ . ضمان اليد
والإتلاف .
٢ . ضمان المعاوضة .
أمّا الأوّل : فهو
كالمغصوب والمستام إذا تلف ، وفي مثله يكون التالف مضموناً بقيمته السوقية ، سواء أكان التالف ذاتَ الشيء أم وصفَه ، لأنّ تلف العين صار سبباً لتضرر المالك بما يعادل قيمته السوقية ، وبما انّ ضمان الجزء أو الوصف تابع لضمان الكلّ فلو عاب في يد الغاصب أو المستام ، يجب تداركه بالقيمة السوقية .
وعلى هذا لو أتلف
العين يضمنها بقيمتها السوقية ، وإن أتلف الجزء أو الوصف يقوّم صحيحاً ثمّ يقوّم معيباً ويدفع إلى المالك التفاوتَ بين القيمتين ، وبذلك يخرج عن ضمان ما أضرّ به من إتلاف الجزء أو الوصف .
وأمّا الثاني : أعني
ضمان المعاوضة ، وهو ما يكون الضمان في مقابل العوض الذي يدفعه أحد المتعاملين إلى الآخر ، نظير ضمان البائع للمشتري ، فهو يضمن تسليم المبيع له بعامة أجزائه وخصوصياته وصفاته ـ في مقابل العوض الذي
يأخذه
منه ، فلو تخلّف لا يستحقّ المشتري عليه إلّا استرداد ما يقابله من الثمن ( لا قيمته السوقية ) وذلك لأنّ الضرر المتوجّه من ناحية البائع إلى المشتري ، لا يتجاوز عمّا أخذه من العوض في مقابل المبيع فلا يحكم على البائع إلّا بردّ ما أخذه
في مقابل الجزء أو الوصف المفقودين .
بعبارة واضحة : لا
يحكم عليه إلّا بتأدية ما أخذه ولم يسلّم عوضه ، وهو ليس إلّا ما يخصه من العوض ، لأنّه لم يقدم على الضمان ولم يقبله المشتري إلّا في هذا الإطار ، ولم يكن هناك أيّ تضامن وتعاهد بالنسبة إلى القيمة السوقية .
وبذلك يفترق طريق
تعيين الخسارة هنا عن القسم السابق ، وقد مرّ فيه أنّه إذا عاب الشيء في يد المتلف يقوّم صحيحاً ومعيباً ويدفع تفاوت ما بين القيمتين إلى المالك ، وأمّا المقام فلا يكفي ذلك ، لأنّه يستلزم ضمان ما تلف بقيمته
السوقية ، مع أنّ البائع لم يضمن التالف إلّا في مقابل ما أخذه من العوض ، ولأجل ذلك لا بدّ من إضافة عمل آخر إلى العمل السابق وهو أنّه يؤخذ من الثمن ، مقدار نسبة قيمة المعيب إلى الصحيح .
مثلاً لو كانت قيمة
المبيع الصحيح مائة ، وقيمة المعيب خمسة وسبعين وباعه بثمانين يردّ من الثمن ( الثمانين ) بتلك النسبة ، أي ربعه وهي العشرون .
وبذلك يعلم أنّ
الضمان المعاوضي ، ضمان مطابق للقاعدة ، ولو حكم بضمان القيمة السوقية يكون على خلاف القاعدة ، لأنّ المقياس جبر الضرر المتوجّه إلى المشتري من جانب البائع وهو ليس إلّا ما يخصّه من الثمن ، لا التفاوت الموجود بين القيمتين السوقيتين .
إشكال وإجابة
قد تكرر في كلمات
الشيخ الأعظم من أنّ الثمن لا يقسّط على الأوصاف من غير فرق بين وصفي الكمال والصحّة وإنّما يقسّط على الأجزاء ، ولو صحّ ما ذكره فيرد هنا إشكال وهو أنّه إذا كان الثمن لا يقسّط على الوصف فما معنى الأرش ؟ فلو كانت الأوصاف خارجة عن حريم المقابلة فما معنى البحث عن تعيين ما يقع في مقابلها ؟
هذا هو الإشكال وإليك
الإجابة :
والجواب ، أنّ ما
ادّعاه من أنّ الثمن لا يقسّط إلّا على الأجزاء ، دون الأوصاف الكمالية أو الصحّية ، غير ثابت ، بل العقلاء على خلافه ، فإنّ العبد الكاتب المحاسب ، يُشترى بأضعاف ما يشترى العبد الأُمّي ، وبذلك تظهر صحة القول بأنّ كلّ ما يكون موجباً لكثرة الرغبة حتى غلاف المبيع ووعاؤه إذا وقع تحت الإنشاء ـ بأن يقول : بعتك بغلافه ووعائه ، أو كان الإنشاء مبنيّاً عليه عند المعاملين ، يُقسّط الثمن عليه .
وما أُثير حوله من
المحاذير فقد أوضحنا حالها في محاضراتنا .
وبذلك يعلم أنّ الأرش
جزء الثمن المردود فكأنّ المعاملة تنفسخ بالنسبة إلى ذلك الجزء وليس غرامة خارجية يبذلها البائع لأجل تسليم المبيع الفاقد للوصف .
وبذلك يظهر أنّه لا
أرش في معاوضة المتماثلين كالحنطة بالحنطة إذا بانت إحداهما رديئة فلا يجوز أخذ الأرش ، لأنّ الشارع ألغى دخل وصف الصحّة في __________________
مقام
المعاوضة ، وقد عرفت أنّ الأرش جزء الثمن المردود فلا يقسّط الثمن على وصف الصحّة المفقود في المتماثلين حتّى يستعاد عند التخلّف .
بل هو كذلك حتّى على
القول بأنّ الأرش غرامة ، فلا يجوز أخذ الغرامة في معاوضة المتماثلين إذا بان أحدهما معيباً ، وذلك لأنّ الشارع بقوله « مثلاً بمثل »
ألغى وصف الصحّة فلا خدعة حتّى يغرم الخادع ، غاية الأمر يثبت خيار تخلّف الوصف أو الشرط إذا كان المشتري جاهلاً واشترط الصحة في العوض أو كان العقد مبنيّاً عليه .
*
*
*
١ . لماذا وصفنا رواية جعفر بن عيسى
في مسألة تبرّئ البائع من العيوب ، بالخبر فهل في السند من لم يوثّق ، ومن هو ؟
٢ . ما هو حكم التصرّف غير الموجب
لنقصان القيمة ، فهل هو مانع عن الردّ ؟ لاحظ : المتاجر ، قسم الخيارات ، ص ٢٦١ .
|
الفصل
الخامس
خيار تبعّض الصفقة
« الصفقة » لغة : هو
الضرب الذي له صوت ، يقال : صفَّق الطائرُ بجناحيه : إذا ضربهما . وفي
الاصطلاح : عبارة عن البيع ، سمّي
بذلك لأنّهم كانوا يتصافقون بأيديهم إذا تبايعوا فيجعلونها دلالة على الرضا به ، ومنه قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لعروة البارقي : « بارك الله لك في صفقة يمينك » .
أخرج أصحاب السنن أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم
أعطى عروة البارقي ديناراً ليشتري له شاة فاشترى بالدينار شاتين ، فباع إحداهما بدينار وأتى النبي بالدينار والشاة فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم
له : « بارك الله لك في صفقة يمينك » .
فإذا كانت الصفقة
كناية عن البيع فتبعّضها عبارة عن تبعّض العقد الواحد ، مثلاً : إذا اشترى سلعتين ، فبانت إحداهما مستحقة للغير فعندئذٍ يتخيّر المشتري بين الفسخ بالردّ والقبول باسترجاع قسطها من الثمن .
ونظير ذلك : إذا
اشترى سلعة ، فظهر استحقاق بعضها المشاع فيتخيّر __________________
عندئذٍ
المشتري بين الردّ وأخذ الأرش .
وربّما يطلق على
الخيار في المثال الثاني خيار الشركة ، فيختصّ خيار تبعّض الصفقة بما إذا كانت السلعة متعدّدة .
ويمكن أن يقال : إنّ
في المثال الثاني خيارين : خيار تبعّض الصفقة ، وخيار الشركة ، وتظهر الفائدة إذا أسقط أحدهما دون الآخر .
ويمكن إدخال خيار
الشركة في المثال المزبور تحت خيار العيب إذا فسّر العيب بالنقص المطلق في المبيع ، حيث لا شكّ أنّ الشركة في شيء واحد تعدّ نقصاً غالباً ، لأنّها تمنع الشريك من التصرّف في المبيع كيف ما شاء ما لم يأذن الشريك الآخر ، فيُشبه خيار العيب لأجل انتفاء الوصف ( الطِلْق ) ، فينجبر بالخيار
.
نعم لو فسّر العيب
بالخروج عن الخلقة الأصلية فلا يصحّ إدخاله في خيار العيب .
أدلّة خيار تبعّض
الصفقة
والدليل على الخيار
عند تبعّض الصفقة أمران :
١ . إنّ البائع كان
يملك سلعة واحدة ولكن ضمّ السلعة الثانية إلى الأصل وباعهما بصفقة واحدة ، فيكون البيع بالنسبة إلى ما لا يملك بيعاً فضوليّاً ،
فما لم يكن هناك إذن من المالك الثاني يكون العقد غير مؤثر بالنسبة إليه ، فعندئذٍ
يأتي حديث تخلّف المعقود عليه عمّا هو الواقع في الخارج فلا يكون هناك أيّ ملزم للوفاء بالعقد ، فله أن يردّ السلعة ويأخذ الثمن أو يُمضي العقد ويأخذ الأرش ، وسيوافيك انّه إذا لم ينته التخلّف إلى المباينة بين المعقود عليه
والموجود ، ففي مثله ، يصحّ العقد مع الخيار .
٢ . قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا ضرر ولا ضرار » ؛ فإنّ إلزام المشتري بالوفاء بالعقد
حينئذٍ حكم ضرري ، فربّما تتعلّق رغبته بابتياع سلعتين معاً بنحو لو كانت منفردة لما أقدم
على شرائها .
ومنه يظهر حكم ما إذا
بان بعض السلعة مستحقاً للغير ، فإنّ الرغبة ربما تتعلّق بتملّك السلعة كلّها على نحو لولا هذا الوصف لما أقدم على شرائها .
وقد ظهر ممّا ذكرنا
أيضاً انّ خيار تبعّض الصفقة من الخيارات العامّة التي لا تختصّ بالبيع بل يجري في عقد الإجارة والصلح وغير ذلك لانّ الضرر منفيّ في عامة العقود ولا يختص بالبيع .
فلو آجر دارين بصفقة
واحدة ثمّ تبيّن أنّ إحداهما مستحقة للغير ، يكون له الخيار في الردّ والإمضاء ؛ ومثل الإجارة عقد الصلح .
الفصل
السادس
خيار الرؤية
اتّفق الفقهاء على
بطلان البيع الغرري ، وللتخلّص من الغرر طريقان :
١
. الرؤية والمشاهدة .
٢ . التعريف والوصف .
فإذا اشترى حسَب
التعريف والوصف وكان المرئيّ مطابقاً للموصوف لزم العقد ، وإلّا فللمشتري خيار الرؤية .
وقد عرّفه المحقّق
بقوله : « وهو بيع الأعيان من غير مشاهدة ، ويفتقر إلى ذكر الجنس وهو القدر الذي يشترك فيه أفراد الحقيقة ، وذكر الوصف وهو الفارق بين أفراد ذلك الجنس » .
يقول الشيخ في « الخلاف
» : « بيع خيار الرؤية صحيح ، وصورته أن تقول : بعتك هذا الثوب في كُمّي أو في الصُّندوق ، فيذكر جنسه ووصفه » .
ثمّ إنّ إحراز الوصف
يتحقّق بالأُمور التالية :
__________________
أ . وصف البائع
المبيعَ خارج العقد .
ب . تواطؤ البائع
والمشتري على وجود ذلك الوصف .
ج . سبق رؤية المشتري
للمبيع .
د . مشاهدة نموذج منه
وقياس الباقي عليه .
فإذا شوهد التخلّف في
جميع الصور يثبت خيار الرؤية .
ثمّ إنّ هاهنا سؤالاً
وهو : ما الفرق بين خيار الرؤية وخيار تخلّف الوصف ، فانّ مرجع خيار الرؤية إلى تخلّف الوصف الذي أحرزه المشتري بإحدى الطرق السابقة ؟
والجواب : انّ الفرق بينهما اعتباري وهو : انّه إذا ذكر الوصف في متن
العقد ثمّ بان التخلّف يكون الخيار خيار تخلّف الوصف ، بخلاف ما إذا أحرز الوصف بإحدى الطرق السابقة من وصف البائع خارج العقد أو تواطئهما عليه أو سبق رؤية المبيع ، أو مشاهدة نموذج وقياس الباقي عليه ، وعندئذٍ يكون الخيار خيار الرؤية .
كما أنّ الفرق بين
خيار تخلّف الوصف والشرط أيضاً اعتباري ، فانّ القيد إن جاء بصورة الوصف كما إذا قال : « اشتريت هذا العبد الكاتب » ، يكون الخيار عند التخلّف خيار تخلّف الوصف ؛ وإن جاء القيد بصورة الشرط وبان التخلّف يكون خيار تخلّف الشرط ، كأن يقول : « اشتري منك هذا العبد شريطة أن يكون كاتباً » ، والبائع يقول : « بعتك على هذا الشرط » .
وبذلك بان الفرق بين
الخيارات الثلاثة .
أ . خيار الرؤية
ومقوّمه ذكر الوصف خارج العقد .
ب . خيار تخلّف الوصف
ومقوّمه ذكر القيد في متن العقد بصورة الوصف .
ج . خيار تخلّف الشرط
ومقوّمه ذكر القيد في متن العقد بصورة الشرط .
إذا علمت ذلك ، فنقول
: المشهور
عند الإمامية هو صحّة العقد قبل ظهور الخلاف وبعده
، قال في الجواهر : « لا ريب في صحّة البيع نصاً وفتوى ، بل الإجماع بقسميه عليه » .
نعم يظهر من « المقنعة
» بطلان العقد حيث قال : « ولا بأس ببيع الموجود في الوقت بالصفة وإن لم يشاهده المبتاع في الحال ، فإن قبضه ووجده على الصفة التي ابتاعه عليها كان البيع ماضياً ، وإن كان بخلاف الصفة كان مردوداً » .
وقريب منه عبارة
الشيخ في النهاية .
ولكن يمكن أن يقال : انّ
المقصود من قوله « كان مردوداً » أي قابلاً للردّ بدليل انّه عبّر به أيضاً في خيار الغبن مع أنّ العقد فيه صحيح وليس بباطل .
ما هو الدليل على
الصحّة ؟
يدلّ على صحّة هذا
النوع من العقد أمران :
١ . السيرة المستمرة
بين العقلاء حيث يبيعون أطناناً من الحبوب بإرائة نموذج منها ، كما يبيعون المنسوجات كذلك ، ولم يرد عنه ردع في الشريعة المقدّسة __________________
مع
كونه داخلاً في قوله سبحانه : (
أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ، ومن المعلوم أنّ
المراد من العقود هو العقود العرفية ، غاية الأمر العقود التي لم يرد في الشرع نهي عنها .
٢ . صحيحة جميل بن
درّاج قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل اشترى ضيعة وقد كان يدخلها ويخرج منها ، فلمّا أن نقد المال صار إلى الضيعة فقلّبها ثمّ رجع فاستقال صاحبه فلم يُقله ، فقال أبو عبد الله عليهالسلام : « إنّه لو قلّب منها ونظر إلى تسعة وتسعين قطعة ثمّ بقي منها قطعة ولم يرها لكان له في ذلك خيار الرؤية » .
والرواية ظاهرة في
أنّه اشترى الضيعة بتخيّل انّ ما لم يره مثل ما رآه فبان الخلاف ، أو محمولة عليه .
بماذا ترتفع الجهالة ؟
إنّ الضابطة لارتفاع
الجهالة وبالتالي عدم صدق الغرر بمعنى الخدعة أو الخطر أحد الأمرين التاليين :
يجب أن يذكر ما تختلف
به قيمة المبيع أو ما تختلف الرغبة باختلافه ، والمعيار الأوّل خيرة العلّامة في التذكرة والثاني خيرة ابن حمزة في الوسيلة .
إشكال وإجابة
أمّا الإشكال فحاصله
: انّه كيف يكون العقد ـ عند التخلّف ـ صحيحاً ، __________________
والحال
انّ المعقود عليه غير موجود والموجود غير معقود عليه ؟
والجواب عنه انّ
تخلّف القيد على قسمين :
أ . ما يكون التخلّف
سبباً لمغايرة المعقود عليه مع الموجود ، كما إذا باع صبرة معيّنة على أنّها حنطة ثمّ بان انّها حديد ، وأُخرى لا يكون سبباً للمغايرة بل
يعدّ المعقود عليه من جنس المثمن فيكون فاقداً للكيفية العالية المطلوبة ، ففي مثل ذلك يكون المعقود عليه هو نفس الموجود لكن بانتفاء وصف منه .
وبعبارة أُخرى : يكون
للمشتري رغبتان :
رغبة في أصل المبيع ،
ورغبة أُخرى في كيفيته ، فعند ذلك لا يعدّ الموجود مغايراً للمعقود عليه ، فيكون من باب تعدّد المطلوب .
نعم لو علم كون
المورد من باب وحدة المطلوب بحيث رضي المشتري بالمبيع لغاية الوصف المفقود ، يحكم عليه بالبطلان ، كما لو اشترى العبد لكتابته على نحو لولاها لما اشتراه أبداً .
ثمّ إنّ المائز بين
الموجود والمعقود عليه وكون الموجود مرتبة ضعيفة منه هو انّه ـ عند اقتناع المشتري بالفاقد ـ ، إذا لم يصدق في حقّ البائع انّه وفى بغير الجنس ، ولم يصدق في حقّ المشتري انّه أخذ غير المبيع مكان المبيع ، بل قيل : أخذ المبيع واقتنع بالكيفية النازلة ، فهو من باب تعدّد المطلوب وإلّا فمن باب وحدة المطلوب .
أخذ الأرش
ثمّ إنّ المشهور بين
الأصحاب أنّ المشتري مخيّر بين الردّ والإمساك ، وليس
له
أخذ الأرش ، وذهب ابن إدريس في سرائره إلى أنّ له أخذ
الأرش ، وحمل الشيخ
الأعظم كلامه بما إذا كان الوصف المتخلّف وصف الصحة ، كما إذا بان انّه أعمى أو أعرج ، لا وصف الكمال كما إذا تبيّن انّه غير كاتب .
والحقّ انّه يجوز له
أخذ الأرش مطلقاً سواء كان الوصف وصف الصحّة أو وصف الكمال .
توضيح
ذلك : إنّ الشيخ ـ كما مرّ
ـ ذهب إلى أنّ الثمن يُقسّط على الأجزاء لا على الأوصاف مطلقاً سواء كان وصفَ الصحة أو الكمال ، ولكن لمّا دلّ الدليل في خيار العيب على تقسيطه على وصف الصحّة عدل عن الضابطة ـ تعبّداً ـ إلى القول بتقسيط الثمن على صفات الصحة عند التخلّف ، وبقيت صفات الكمال تحت الضابطة الممنوعة .
ولكن الحقّ عدم صحّة
تلك الضابطة ، إذ لم يدل دليل على أنّ الثمن يقسّط على الأجزاء دون الأوصاف بل الثمن يقسّط على كلّ ما له دخل في رغبة الناس في الشراء ، أو ما تختلف به قيمة المبيع ، وعندئذٍ لا يفرّق بين الأجزاء والصفات ،
وفيها بين صفات الصحة وصفات الكمال ، بل ربّما يكون الحافز للشراء هو وجود وصف الكمال في المبيع كالغناء في الأمة والأصالة في الفرس ، فكيف يقال بأنّ الثمن يقسّط على الأجزاء دون الصفات ؟ !
وعلى هذا الأصل تكون
الضابطة هي جواز أخذ الأرش في كلّ مورد يكون الوصف موجباً لارتفاع القيمة ؛ فما ذكره الشيخ من تقسيط الثمن على الأجزاء ثمّ على الأوصاف تعبّداً مخالف للسيرة العقلائية .
__________________
خيار الرؤية فوري أو لا ؟
يظهر من العلّامة عدم
الخلاف بين المسلمين في كون خيار الرؤية فورياً إلّا أحمد بن حنبل حيث جعله ممتدّاً بامتداد المجلس الذي وقعت فيه الرؤية ، وأمّا حسب الأدلّة فإن قلنا بأنّ صحيحة جميل بن درّاج في مقام البيان ، أي بيان أصل الخيار وكيفيّته من الفور والتراخي ، فسكوته عن الفورية يدلّ على بقاء الخيار حتى بعد انفضاض المجلس .
وأمّا لو قلنا بعدم
كونها في مقام البيان فقد عرفت أنّ الأصل في العقود هو اللزوم خرج عنه زمان الرؤية ، وأمّا بعدها فهو باق تحت الضابطة .
ثمّ إنّه إذا كان
المشتري جاهلاً بالحكم أو بفوريته أو نسيهما ، فهل يعد الجهل عذراً أو لا ؟ الظاهر من الأصحاب عدم كون الجهل عذراً .
اللهمّ إلّا إذا كان
وجوب الوفاء ضررياً لا يتسامح فيه ، ولعلّ الجهل عذر في هذه الموارد حسب روح الشريعة الإسلامية السمحة .
مسقطات
خيار الرؤية
يسقط هذا الخيار
بأُمور :
١
. التسامح في الإعمال على القول بالفورية .
٢
. الإسقاط القولي بعد الرؤية .
٣
. التصرف بعد الرؤية .
أمّا الأوّلان فواضح
، وأمّا الثالث فوجه السقوط انّ التصرّف يعدّ عرفاً التزاماً بالبيع وإسقاطاً فعلياً للخيار ، ولعلّ ما في صحيحة علي بن رئاب في خيار الحيوان إشارة إلى انّ سقوط الخيار بالتصرّف ضابطة كليّة في عامة الخيارات .
قال فيه : « فإن أحدث
المشتري فيما اشترى حدثاً قبل الثلاثة الأيام ، فذلك رضا منه فلا شرط » . أي رضا منه في نظر العرف ، فلو كان
أمارة للرضا بشراء الحيوان ، يكون كذلك في سائر الموارد .
نعم التصرّف قبل
الرؤية لا يعدّ إسقاطاً فعلياً ، إذ ليس كاشفاً عند العقلاء عن الرضا خلافاً للتصرّف بعد الرؤية .
كما أنّه لو كان
المتصرّف عالماً بالحال قبل الرؤية وتصرّف ، يكون تصرّفه هذا مسقطاً للخيار .
٤
. إسقاطه باللفظ بعد العقد قبل الرؤية
إذا قال : أسقطت خيار
الرؤية لو بان الخلاف ، يسقط خياره وليس هناك __________________
مانع
من صحّة الإسقاط إلّا كونه من قبيل إسقاط ما لم يجب ، وقد عرفت أنّه يكفي في صحّته ـ مضافاً إلى كونه أمراً عقلائياً ـ وجود المقتضي وهو العقد ، من غير فرق
بين جعل الرؤية كاشفاً عن وجود الخيار في زمان العقد أو سبباً محدثاً ، وإن كان الإسقاط على الكشف أوضح .
ثمّ إنّ الخيار يسقط
في هذه الموارد ـ بعد انعقاد العقد صحيحاً عارياً عن الغرر ـ والعقد كان عند انعقاده حائزاً لشرائط الصحّة التي منها عدم كونه غرريّاً خلافاً للشقّ الآتي .
٥
. إسقاطه في متن العقد
اختلفت كلمتهم في
صحّة إسقاطه في العقد إلى أقوال ، فمن قائل بفساد الشرط وإفساده ، وهو خيرة العلّامة والشيخ الأعظم
، إلى قائل آخر بصحّة الشرط والمشروط ، إلى ثالث مفصّل بين فساد الشرط وصحّة العقد ، وانّ الأوّل فاسد دون الثاني .
والحقّ هو القول
الأوّل ، وذلك لأنّ ابتياع الشيء الغائب جاهلاً بأوصافه المطلوبة غرر لا بدّ من رفعه ، والذي يتصور أن يكون رافعاً أحد الأُمور التالية :
١ . جعل الخيار ؛
يلاحظ عليه : أنّ الخيار حكم شرعي مترتب على صحّة العقد فلا بدّ من تحقّق الصحّة قبل الخيار حتّى يترتّب عليه الخيار ، فكيف يمكن أن تكون صحّة العقد معلّقة على جعل الخيار ؟ !
أضف إلى ذلك انّه لو
كان جعل الخيار رافعاً للغرر لزم تصحيح بيع __________________
كلّ
مجهول مشروط بالخيار .
٢ . الوصف ؛ بيانه انّ البيع الغرري عبارة عن بيع شيء على أيّ نحو ، دون
البيع موصوفاً بصفات معيّنة .
يلاحظ عليه : أنّ الوصف بما هو هو ليس رافعاً للغرر ، لأنّه إخبار ولا نعلم
أنّه صادق في إخباره أو كاذب ومن المحتمل أن يكون المبيع فاقداً له ، ومعه كيف يخرج البيع عن كونه غرريّاً ؟ ! فالإقدام على ابتياع شيء هذا حاله وشأنه ، خطر كله .
٣ . العلم بصدق
البائع والوثوق بقوله وإخباره بأنّ المبيع كذا وكذا .
ولا شكّ انّ العلم
بصدق البائع رافع للغرر لكنّه عزيز الوجود .
٤ . التزام البائع
ضمن الإنشاء بتسليم المبيع بالصفات التي توافقا عليها على نحو لو لم يف بالتزامه يكون مأخوذاً بالقانون ومحكوماً بما يقتضيه الشرع ، وهذا النوع من العقد هو الرافع للغرر حتماً لا غيره لكن بشرط بقائه إلى الفراغ عن العقد حتّى يترتّب عليه الأثر .
فإن قلت : ما الفرق بين وصف البائع بالمبيع وبين التزامه بالوصف في ضمن العقد حيث إنّ الأوّل غير رافع للغرر ، بخلاف الثاني .
قلت :
الفرق واضح حيث إنّ القيود والأوصاف المذكورة خارج الإنشاء لا يلزم الوفاء بها عند مشهور الفقهاء ، وهذا بخلاف الأوصاف والشروط الواقعة تحت الإنشاء حيث يجب الوفاء بها .
ثمّ إنّ الأثر الشرعي
المترتب على هذا النوع من التعهد أحد الأمرين :
١ . إلزام الحاكم
بأداء العين موصوفة بالصفة .
٢ . جواز فسخ العقد .
والأوّل غير ممكن ، لأنّ
المفروض انّ المبيع فاقد للوصف وبما انّه مبيع
مشخص
لا يقبل التعويض والتبديل .
والثاني غير باق ، لأنّ
المفروض إسقاط الخيار في متن العقد ، فيصبح هذا النوع من التعهد ، والإلتزام بلا أثر شرعي ولا قانوني فيصبح البيع غررياً باطلاً ،
لأنّ المفروض انّ تعهده وعدمه سواسية .
فالحقّ انّ الإسقاط
في متن العقد باطل ومبطل لاستلزامه كون العقد غرريّاً بخلاف إسقاطه بعد العقد قبل الرؤية .
خيار الرؤية من
الخيارات العامة
إنّ خيار الرؤية يعمّ
كلّ عقد واقع على عين شخصية موصوفة كالصلح والإجارة ، وقد عرفت أنّ هذا النوع من العقد أمر رائج بين العقلاء ، من غير فرق بين وقوع العقد على المبيع أو تمليك المنفعة أو غير ذلك ، فلو آجر داراً معّينة بصفات خاصة ثمّ بان خلافها عند الرؤية فللمستأجر خيار الرؤية .
ما الفرق بين إسقاط خيار الرؤية في
متن العقد ، ومسألة تبرّئ البائع من العيوب ، حيث قالوا بصحة العقد فيه مع أنّه عندئذ يصبح الإلتزام بصحّة المبيع بلا أثر شرعي وقانوني لتبرّئه من العيب ، فيكون البيع غررياً ، مع أنّ المشهور قالوا بصحّة العقد والتبرّئ ، غاية الأمر انّ للمشتري الخيار .
لاحظ : كتاب المختار في أحكام الخيار
، ص ٣١٣ .
|

المقصد الثاني
في الخيارات الخاصّة
بالبيع
وفيه
فصول :
|
١ . خيار المجلس
٢ . خيار الحيوان
٣ . خيار التأخير
|

الفصل الأوّل
خيار المجلس
قد ركّزنا في هذا
المبحث على بيان الخيارات المختصّة بالبيع التي منها خيار المجلس وإليك توضيحه :
إنّ تسلّط كلّ من
المتبايعين على فسخ البيع ما لم يتفرّقا عن مجلسه ، هو المسمّى بخيار المجلس ؛ وإضافته إلى المجلس إمّا من باب إضافة الحالِّ إلى المحل ، والمراد من المجلس مطلق مكان العقد وإن كانا قائمين فيه ، أو من باب إضافة المسبّب إلى السبب لكون المجلس سبباً للخيار ، كخيار الغبن والعيب لكونهما سببين له .
وهذا الخيار من
ضروريات فقه الإمامية ، ووافقهم في ذلك لفيف من الصحابة ، منهم : عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وأبو هريرة وأبو برزة الأسلمي ، ومن التابعين : الحسن البصري وسعيد بن مسيّب والزهري وعطاء ، ومن الفقهاء : الأوزاعي وأحمد بن حنبل والشافعي . نعم ، خالفهم من الفقهاء : مالك وأبو حنيفة وأصحابه .
وقد تضافرت الروايات
من طرقنا على ثبوته ، نذكر منها ما يلي :
١ . روى محمد بن مسلم
، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم « البيّعان بالخيار حتّى يفترقا ، وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيّام » .
٢ . روىٰ أيضاً
، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : سمعته يقول : « بايعت رجلاً
فلمّا بايعته قمت فمشيت خُطاً ثمّ رجعت إلى مجلسي ليجب البيع حين افترقنا » .
٣ . روى زرارة ، عن
أبي عبد الله عليهالسلام : سمعته يقول : « البيّعان بالخيار
حتّى يفترقا ، وصاحب الحيوان ثلاث . . . » ( يريد ثلاثة أيّام ) .
وعن طرق أهل السنّة ،
روى نافع عن ابن عمر ، أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا إلّا بيع الخيار » .
ثبوته للوكيل
وهل يثبت للوكيل
كثبوته للأصل كما عليه المحدّث البحراني ، أو يختصّ بالعاقد من المالكين كما عليه المحقّق الثاني ، أو يُفصَّل بين الوكيل الذي له السلطة على التصرّف في العوض المنتقل إليه حتّى يمكنه نقله إلى الطرف المقابل بالفسخ فيثبت ، وبين من يكون وكيلاً في مجرّد إجراء الصيغة فلا يثبت كما عليه __________________
شيخنا
الأنصاري ؟
وهناك تفصيل رابع
قوّيناه في محاضراتنا ، وهو أنّ ثبوت الخيار للوكيل لا يتوقّف على كونه وكيلاً في التصرّف فيما انتقل إليه من العوض ـ كما عليه شيخنا الأنصاري ـ بل يكفي أدون من ذلك وهو ثبوت السلطنة له على نفس العقد إيجاداً وحلّاً بعد الانعقاد ، في مقابل ما يكون وكيلاً في إيجاد العقد فقط ، وعندئذٍ يكون له الخيار ، لأنّ كونه وكيلاً بهذا المعنى أنّ زمام العقد بيده
، فسخاً وإبقاءً .
وعلى ضوء ذلك ففي كلّ
مورد تجوز له الإقالة يثبت له الخيار .
ثبوته للموكل
وهل يثبت خيار المجلس
للموكّل نظراً إلى أنّ ثبوته للنائب يستلزم ثبوته للمنوب عنه بوجه أولى ، أو لا يثبت له مطلقاً لأنّ الموضوع هو البيّع وهو موضوع لمن صدر منه البيع وليس هو إلّا الوكيل ، أو يفصّل بين ما ثبت للوكيل ، فلا يثبت للموكل ، وما إذا لم يثبت له ، فيثبت للموكّل ، نظراً إلى أنّ خيار المجلس من لوازم البيع غير المنفكة عنه ، فإذا كان الوكيل فاقداً للخيار كان الخيار للموكّل قهراً .
والأظهر هو الوجه
الأوّل ، وذلك لأنّ البيّع وإن كان موضوعاً لمن صدر منه البيع لكن الصدور أعمّ من المباشرة والتسبيب وليس المراد من « البيع » في قوله : « من صدر عنه البيع » ، العقدُ اللفظي حتى يكون قائماً بالوكيل فقط ، بل __________________
المراد
البيع الاعتباري الذي يصلح لأن يُنتسب إلى كلّ من الوكيل والموكّل .
وإن شئت قلت : إنّ
مَثَلُ البيع في المقام نظير التوفّي في الذكر الحكيم فإنّه فعل الملائكة لقوله سبحانه : (
الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ) وفي الوقت نفسه هو فعل الله سبحانه
لقوله : ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) ، وعلى ذلك فلا مانع من أن يكون كلّ من
الملك وخالقه متوفياً بنسبتين مختلفتين بالمباشرة والتسبيب ، ومثله « البيّع » حرفاً بحرف .
لو كان العاقد واحداً
ربّما يتّحد العاقد
ويعقد عن الطرفين ولاية أو وكالة ، أو أصالة من جانب نفسه ، وولاية أو وكالة من غيره ، فهل يثبت الخيار للعاقد الواحد أو لا ؟
ربما يرجّح الثاني
بأنّ الموضوع في لسان الدليل هو « البيّعان » وهو لا يصدق على العاقد الواحد .
يلاحظ عليه بأنّ الغرض من التثنية هو التنبيه على ثبوت الحكم لكلّ من البائع والمشتري ، وأنّه لا يختصّ بالبائع مثلاً ، لا إخراج العاقد الواحد ، ولأجل
ذلك يقول المحقّق : « لو كان العاقد واحداً عن اثنين كالأب والجدّ كان الخيار ثابتاً ، وأمّا ما هو المسقط عندئذٍ ـ بعد عدم تصوّر الافتراق الذي هو غاية الخيار
، فالظاهر بقاء العقد خيارياً ما لم يشترط العاقد سقوطه في متن العقد ، فيبقى العقد خيارياً حتى يسقط بسائر الأُمور المسقطة .
__________________
خيار المجلس وسائر العقود اللازمة
الظاهر اختصاص خيار
المجلس بالبيع ، لأنّ موضوعه في لسان الدليل هو البيَّع وهو غير صادق على الموجر والمتصالح ، ومنه تظهر حال العقود الجائزة كالعارية والوكالة والقراض والجعالة ، لعدم صدق الموضوع ( البيع أوّلاً ) ولغوية دخوله فيها ، لأنّها في عامة الأوقات جائزة ولا حاجة للتوقيت .
خيار المجلس وبيع الصرف
والسلم
هل مبدأ الخيار في
بيع الصرف والسلم من حين العقد مثل غيرهما أو المبدأ هو بعد التقابض في الصرف ، والإقباض في السلم ؟ ، الظاهر هو الثاني ، ويعلم وجهه بعد الإحاطة بالفرق بين القبض في الصرف والسلم ، والقبض في غيرهما وهو انّ القبض في الأوّلين مكمّل للعقد وجزء منه ولولاه لكان العقد ناقصاً ، فلو تفرّقا قبله بطل العقد ، بخلافه في غيرهما فإنّ العقد أو البيع عندئذٍ كامل والقبض عمل بالتعهد وخروج من عهدة الواجب الذي فرضه عليهما العقد ولذلك لو تفرّقا يصير العقد لازماً .
ثمّ إنّ في كون مبدأ
الخيار هو العقد ، أو التقابض في الصرف والإقباض في السلم ، وجهين : من ظهور النصّ في أنّ الخيار يتعلّق بالعقد الصحيح التام ، والعقد قبلهما غير تام أو غير صحيح فلا موضوع للخيار فيه ، ومن كون الموضوع هو البيّعان وهو صادق عليهما قبل القبض أو التقابض .
مسقطات
خيار المجلس
يسقط خيار المجلس
بأُمور أَربعة :
الأوّل
: اشتراط سقوطه في نفس العقد
يسقط خيار المجلس
باشتراطه في متن العقد لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « المؤمنون عند شروطهم إلّا ما حرّم حلالاً أو أحلّ حراماً » والمفروض انّ الشرط أمر جائز في نفسه فلا يشمله قوله : « إلّا ما حرّم حلالاً ، أو أحلّ حراماً » .
وبعبارة أُخرى : انّ
معنى قوله : « البيّعان بالخيار » انّ البيع بما هو هو مع قطع النظر عن الطوارئ والعوارض مقتض للخيار ، وهذا لا يمنع من عروض عنوان ، يمنع عن تأثير المقتضي كما هو الحال في أكثر العناوين الثانوية بالنسبة إلى العناوين الأوّلية ، فالوضوء بما هو هو واجب ولكنّه غير مانع من عدم وجوبه لأجل الضرر والحرج .
الثاني
: الإسقاط بعد العقد
وهذا هو المسقط
الثاني الذي وصفه الشيخ بالمسقط الحقيقي ، لأنّ إسقاطه في أثناء العقد من قبيل الدفع وهذا من قبيل الرفع ، والفرق بينهما واضح ، وغنيّ عن البيان .
والدليل على صحته هو
انّ المشرّع لخيار المجلس وإن كان هو الشرع ولم يكن بين العقلاء فيه عين ولا أثر ، لكنّه لا يكون سبباً لأن تختلف ماهيته مع سائر __________________
الخيارات
، فخيار المجلس كسائر الخيارات التي شُرِّع لصالح صاحبه ويعدّ حقّاً له فله أن يتقلّب فيه كيفما شاء ما لم يدلّ دليل على أنّه من الحقوق غير القابلة للإسقاط كحقّ الحضانة والولاية ، والمفروض عدم دليل على أنّ خيار المجلس من الحقوق غير القابلة للإسقاط .
نعم لو قيل بأنّ خيار
المجلس من قبيل الأحكام فلا مجال للاسقاط بعد العقد ، لعدم تعلّقه بالحكم الشرعي .
الثالث
: الافتراق
قد تضافرت الروايات
على سقوط خيار المجلس بالافتراق ، لكونه كاشفاً عن الرضا بالبيع غالباً ، نعم لا يشترط إحراز كون الافتراق عن
رضا ، بل يكفي كونه كاشفاً عنه غالباً ، لإطلاق الدليل .
وأمّا ما هو المحقّق
للافتراق فالظاهر انّه يرجع فيه إلى العرف والعادة ، لأنّه من المفاهيم العرفية فيرجع فيه إليه ومن المعلوم انّه لا يصدق على الخطوة والخطوتين فضلاً عن انفصال السفينتين بأقلّ من خطوة ، خصوصاً إذا كان الافتراق لغرض عقلائي من دون أن ينوي المفارقة عن مكان التعامل ، كما إذا كان المكان ضيّقا أو حاراً أو بارداً فيمشي خطوة أو خطوتين لتلك الغاية من دون قصد المفارقة وترك مجلس البيع .
نعم يشترط أن يكون
الافتراق عن اختيار ، فلو أكره المتعاقدان بالافتراق لم يسقط خيارهما ، سواء تمكّنا من الفسخ والإمضاء أو مُنعا حتى من التخاير . أمّا الصورة الثانية فواضحة ، وأمّا الصورة الأُولى ، أعني : إذا أكرها على الافتراق مع
__________________
تمكّنهما
من الفسخ والإمضاء ، فلأجل انّ المتعاقدين وإن كانا متمكّنين من الإمضاء والفسخ ، ولكن ربما لا يكونان جازمين بأحد الطرفين ويتوقف الجزم على التروّي في مجلس البيع ، وقد أكرها على التفرّق .
الرابع
: التصرّف في المثمن أو الثمن
إنّ كون التصرّف
مسقطاً لخيار المجلس على وجه يأتي في خيار الحيوان مما لم يظهر بين الفقهاء خلاف فيه ، وقد ورد في الروايات انّ التصرّف في الحيوان آية رضاه بالبيع قال عليهالسلام : « . . . فإن أحدث المشتري فيما اشترى
حدثاً قبل الثلاثة الأيّام فذلك رضا منه فلا شرط » . فكأنّ التصرّف المعبّر عنه بإحداث
الحدث دليل عرفي على رضاه بالبيع ، وسقوط خياره مطلقاً ، سواء كان الخيار خيار حيوان ، أو خيار مجلس أو غيرهما .
ربّما استثني من ثبوت خيار المجلس
موارد أربعة ذكرها الشيخ الأنصاري وهي :
١ . من ينعتق على أحد المتبايعين ، ٢
. العبد المسلم المشترى من الكافر ، ٣ . شراء العبد نفسه ، ٤ . المبيع غير القابل للبقاء كالجمد في الجو الحار .
اذكر ما هو الدليل على استثناء هذه
الموارد عن إطلاق الدليل ، أعني : البيّعان بالخيار ؟ وما هو المحذور الشرعي للقول بثبوته فيها ؟
لاحظ : المتاجر ، قسم الخيارات ، ص
٢١٨ .
|
__________________
الفصل الثاني
خيار الحيوان
خيار الحيوان ممّا
انفردت به الإمامية ولم يقل به غيرهم ، ويظهر من الشيخ في خلافه أنّ خيار الحيوان هو نفس خيار المجلس ، غاية الأمر أنّه ينقضي
في غير الحيوان بالافتراق ، وفيه بانقضاء ثلاثة أيّام ، وفي بعض الروايات إلماع إلى ذلك وسيوافيك تفصيله .
وبما أنّ الموضوع هو
الحيوان فيشمل بيع كلّ ذي حياة له قيمة حتّى النحل ودود القز ، والعلق .
نعم هو منصرف عمّا
يباع لا بما أنّه حيوان بل بما انّه لحم ، كالسمك المخرج من الماء ، والجراد المحرز ، والصيد المشرف على الموت .
كما أنّه منصرف عن
الحيوان الكلّي إذا باع سلفاً ، فانّه ليس حيواناً إلّا بالحمل الأوّلي لا بالحمل الشائع ، ولولا النصّ على شمول خيار الحيوان لبيع الرقّ لقلنا بنفس هذا الانصراف فيه ، لأنّه ليس بحيوان عرفاً وإن كان كذلك عقلاً .
__________________
وكيف كان فيقع الكلام
في المواضع الثلاثة :
١ . اختصاص خيار
الحيوان بالمشتري وعدمه .
٢ . مبدأ الخيار ومنتهاه .
٣ . مسقطاته .
الموضع الأوّل : في اختصاصه بالمشتري وعدمه
هنا أقوال ثلاثة :
١ . اختصاص الخيار بالمشتري ؛ قال العلّامة في « المختلف »
: « خيار الحيوان ثلاثة أيّام يثبت في العقد سواء شرطاه أو لا للمشتري خاصّة ، ذهب إليه الشيخان وابن الجنيد وسلّار والصدوق وابن البراج وابن إدريس » .
٢ . عمومية الخيار للبائع والمشتري ؛ وهو خيرة السيد المرتضى
، وحكي عن ابن طاووس ، وقوّاه الشهيد الثاني في « المسالك » .
٣ . ثبوته لصاحب الحيوان بائعاً كان أو مشترياً ، مثمناً كان
أو ثمناً ؛ ذكره العلّامة في « المختلف » بصورة الاحتمال ، فتكون الأقوال أو
الاحتمالات ثلاثة .
دليل القول باختصاصه
بالمشتري
استفاضت الروايات على
ثبوت الخيار للمشتري ، نذكر منها ما يلي :
__________________
١ . صحيحة فضيل ، عن
أبي عبد الله عليهالسلام قال : قلت له : ما الشرط في الحيوان ؟ قال : « ثلاثة أيّام للمشتري » .
قلت : ما الشرط في
غير الحيوان ؟ قال : « البيّعان بالخيار ما لم يفترقا ، فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما » . ودلالة الحديث على اختصاصه بالمشتري واضحة .
وذلك لأنّه عبّر في
خيار الحيوان بلفظ « للمشتري » وفي خيار المجلس بقوله : « البيّعان » ، مضافاً إلى أنّ القيد ( للمشتري ) في مقام التحديد يدلّ
على المفهوم بمعنى عدم ثبوته لغيره .
٢ . صحيحة علي بن
رئاب : « الشرط في الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري ، اشترط أم لم يشترط » .
ودلالة الحديث على
الاختصاص ، لأجل كون القيد في مقام التحديد دالّاً على المفهوم .
وهناك روايات أُخرى
جاء فيها الجمل التالية ، الظاهرة في الاختصاص :
أ : الخيار لمن اشترى
ثلاثة أيّام نظرة .
ب : الخيار لمن اشترى
.
ج : في الحيوان كلّه
شرط ثلاثة أيّام للمشتري .
د : الخيار في
الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري .
__________________
والإمعان في هذه
العبارات يشرف الفقيه باختصاصه للمشتري أخذاً بالمفهوم ، لكون القيد ( للمشتري ) وارداً في مقام التحديد .
وهو أيضاً مقتضى
الحكمة ، لأنّ الحكمة في الخيار للمشتري منتفية في حقّ البائع ، فلا يكون الخيار مطلوباً في حقّه ؛ لانتفاء حكمته .
وبيانه : أنّ عيب
الحيوان قد يخفى ولا يظهر كظهوره في غير الحيوان ، والمالك أعرف به من المشتري ، فضرب الشارع للمشتري مدّة ثلاثة أيّام ؛ لإمكان ظهور عيب فيه خفي عنه ، بخلاف البائع المطّلع على عيوبه .
حجّة القول الثاني
احتجّ للقول الثاني ـ أعني : ثبوته للمتبايعين ، من غير فرق بين كون الثمن نقداً أو متاعاً غير الحيوان ، أو حيواناً ـ بوجهين :
١ . انّه أحد
المتبايعين فكان له الخيار كالآخر ، كخيار المجلس ، بناءً على أنّ خيار الحيوان ، امتداد لخيار المجلس فيعمّ المتبايعين .
٢ . ما رواه محمد بن
مسلم في الصحيح ، عن الصادق عليهالسلام قال : « المتبايعان بالخيار ثلاثة أيّام في الحيوان ، وفيما سوىٰ ذلك من بيع حتّى يفترقا » .
يلاحظ عليه أوّلاً : بأنّ الدليلين يرجعان إلى دليل واحد ، وهو كون الموضوع في صحيح ابن مسلم هو المتبايعان وهو يعمّ البائع والمشتري ، إنّما الكلام في ثبوت رواية ابن مسلم بهذا اللفظ ، لأنّها رويت بصورة أُخرى ، فجاء فيها مكان : « المتبايعان » لفظ « صاحب الحيوان » .
فقد روى أيضاً محمد
بن مسلم عن أبي عبد الله عليهالسلام أنّه قال : قال رسول الله __________________
«
البيّعان بالخيار حتّى يفترقا ، وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيّام »
، وهي نفس الرواية السابقة غير أنّ فيها تقديماً وتأخيراً ، فقد قدّم في الثانية خيار المجلس
. وأُخّر خيار الحيوان ، بخلاف الأُولى ، ومع الاختلاف في التعبير عن الموضوع ، لا يمكن الاحتجاج بالأعم ( المتبايعان ) بل يقتصر على القدر المتيقّن وهو صاحب الحيوان ، أي المشتري .
فإن قلت
: إذا أخذنا باللفظ
الثاني ، أي صاحب الحيوان ، الذي هو أخصّ من المتبايعين ويعدّ قدراً متيقّناً من الروايتين ، يجب الأخذ بإطلاقه ، وهو ثبوت الخيار لصاحب الحيوان وإن كان بائعاً ، كما إذا باع الحنطة بحيوان ، بحيث عدّ الحيوان في العرف ثمناً فعندئذٍ يثبت للبائع دون المشتري ، لأنّه أخذ الحنطة ، أو ثبوته للمتبايعين كما إذا بادل حيواناً بحيوان ، وهذا يكون قولاً ثالثاً أشار إليه
العلّامة في « المختلف » . ويؤيّده ما رواه زرارة عن الباقر عليهالسلام ، أنّه قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « البيّعان بالخيار حتّى يتفرقا ، وصاحب
الحيوان ثلاث » .
قلت :
ما ذكر صحيح ، لولا تقييد « صاحب الحيوان » في بعض الروايات بالمشتري ، كموثقة الحسن بن علي بن فضّال قال : سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليهالسلام يقول : « صاحب الحيوان المشتري بالخيار
بثلاثة أيّام » وظاهر الرواية تحديد الموضوع بقيدين . فالأمر يدور بين أحد أمرين :
١ . الأخذ بالاطلاق (
صاحب الحيوان ) ، وحمل القيد الوارد في رواية ابن فضّال على وروده موضع الغالب .
__________________
٢ . الأخذ بالقيد ( المشتري
) ، وحمل المطلق على المقيّد ، ولا ترجيح لأحد الأمرين .
ومع هذين الاحتمالين
المتساويين لا يتعيّن الأخذ بإطلاق « صاحب الحيوان » وإن ورد في روايتين .
حصيلة البحث
١ . تضافرت الروايات
على أنّ الخيار للمشتري وبما أنّها في مقام التحديد ، يؤخذ بالقيد .
٢ . روى محمد بن مسلم
: « المتبايعان بالخيار ثلاثة أيّام في الحيوان » لكن لا يمكن الأخذ بإطلاقه ، لأنّها مروية عنه بصورة أُخرى : « صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيّام » وهو أخص من الأُولى ، فيؤخذ منه بالقدر المتيقّن ، أي صاحب الحيوان المنطبق على المشتري .
٣ . إنّ صاحب الحيوان
وإن كان ينطبق على البائع فيما إذا باع الحنطة بفرس ، أو على المتبايعين ، لكنّه ورد في موثّقة ابن فضّال مقيّداً بالمشتري ، وقد
عرفت أنّ الأمر يدور بين حمل القيد على الغالب ، أو تقييد المطلق بالقيد ولا مرجّح .
وبذلك يعلم أنّ ما
ذهب إليه المشهور هو الأقوى حسب صناعة الفقه .
نعم بالنظر إلى حكمة
الخيار يمكن القول بثبوته فيما لو باع حيواناً بحيوان ، أو جعل الثمن حيواناً كما عليه الشهيد الثاني في « المسالك » .
__________________
الموضع الثاني : في مبدأ خيار الحيوان
المشهور أنّ مبدأ
خيار الحيوان هو زمان العقد ، صرّح به جماعة وهو ظاهر الباقين .
نعم ذهب صاحب الغنية
إلى أنّ مبدأه هو حين التفرّق ، قال :
« واعلم أنّ ابتداء
المدّة للخيار من حين التفرّق بالأبدان ، لا من حين حصول العقد ، لأنّ الخيار إنّما يثبت بعد ثبوت العقد ، وهو لا يثبت إلّا بعد التفرّق » .
وقد تبع في ذلك كلام
الشيخ في « المبسوط » حيث قال : « خيار الشرط يثبت من حين التفرّق ، لأنّ الخيار يدخل إذا ثبت العقد والعقد لم يثبت قبل التفرّق » .
ولو صحّ ما ذكراه
لجرى في خيار الحيوان أيضاً ، ولكن التحقيق هو أنّ مبدأه هو العقد لما عرفت من أنّ الظاهر من الشيخ في الخلاف أنّ خيار الحيوان هو نفس خيار المجلس ، غاية الأمر أنّ خيار المجلس ينقطع بالتفرّق دون خيار الحيوان فيمتد إلى ثلاثة أيّام ، فكما أنّ مبدأه هو زمان العقد فهكذا الآخر .
ويمكن استظهار ذلك من
الروايات وأنّه ليس هنا إلّا خيار واحد لجميع المبيعات وإنّما الاختلاف بين الحيوان وغيره في منتهى الخيار ، وإليك نقل ما يدلّ على ذلك :
١ . صحيحة محمد بن
مسلم عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « المتبايعان بالخيار __________________
ثلاثة
أيّام في الحيوان ، وفي ما سوى ذلك من بيع حتّى يفترقا »
، وظاهره أنّ الخيار المتحقّق في الحيوان ، نفس الخيار المتحقّق في غيره ، وإنّما الاختلاف في الغاية .
٢ . رواية علي بن
أسباط ، عن أبي الحسن الرضا عليهالسلام قال : سمعته يقول : « الخيار في الحيوان ثلاثة للمشتري ، وفي غير الحيوان أن يفترقا » .
٣ . صحيحة فضيل ، عن
أبي عبد الله عليهالسلام قال : قلت له : ما الشرط في الحيوان ، قال : « ثلاثة أيّام للمشتري » . قال : قلت له : ما الشرط في غير
الحيوان ؟ قال : « البيّعان بالخيار ما لم يفترقا » .
فإنّ الظاهر من رواية
علي بن أسباط وغيرها أنّ هنا خياراً واحداً في المبيع غير أنّه تختلف غايته حسب اختلاف المبيع ، كما أنّ الظاهر من صحيحة فضيل أنّ الشرط في الحيوان ثلاثة أيّام وهو في غيره ما لم يفترقا ، فالمجعول خيار واحد
، غير انّه رعاية للحكمة جعل غايته في غير الحيوان الافتراق لسرعة تبيّن حاله ، وفي الحيوان ـ لحاجته إلى التروّي والإمعان ـ انقضاء ثلاثة أيّام ، هذا هو الظاهر من الروايات .
الموضع الثالث : في
مسقطاته
يسقط خيار الحيوان
كخيار المجلس بأُمور :
١ . اشتراط سقوطه في
ضمن العقد كما إذا قال : بعت هذا بهذا مع إسقاط خيار الحيوان ، وبما أنّ الخيار من الحقوق القابلة للإسقاط يصحّ الشرط ويجب __________________
الوفاء
به ، وما ربّما يقال من أنّه إسقاط لما لم يجب فقد عرفت جوابه في غير مورد ، وانّه يكفي في جواز الإسقاط وجود المقتضي للخيار وهو العقد .
كما يجوز إسقاط خيار
الحيوان بعامّته يجوز إسقاط بعضه دون البعض الآخر حسب الأيّام والساعات .
ومعنى الإسقاط هو
تقليل مدّة الخيار من أوّل الأمر وتخصيصه باليوم الأوّل أو باليوم الثاني فقط .
٢ . إسقاطه بعد العقد
، كما إذا قال : التزمت بالعقد .
٣ . سقوطه بكلّ فعل
دالّ على التزامه بالعقد وكراهته للفسخ وان لم يستلزم تصرّفاً في المبيع ، كما لو اشترى للفرص في أيام الخيار ، سرجاً وزماماً ، أو
اشترى للجارية فيها ما يناسبها من الألبسة والأحذية وأدوات الزينة ، أوعرضها للبيع من دون أن يتصرّف فيها ولكن عُدّ العمل عرفاً ، إنشاءً فعليّاً للالتزام بالبيع وإسقاطاً للحقّ ، إذ لا فرق فيه بين القول والفعل ، فالإنشاء الفعلي كالإنشاء القولي وقد ورد في خيار الشرط ما يشهد لذلك .
٤ . التصرّف وكونه
مسقطاً في الجملة ممّا لا كلام فيه ، إنّما الكلام في خصوصياته ، فقد اضطربت كلماتهم كاضطراب النصوص في نظرهم ، وقد أنهى السيد الطباطبائي الأقوال في المسألة إلى سبعة ، والمهمّ هو القولان التاليان :
أ : مطلق التصرّف ـ وإن
لم يكن مغيّراً للعين ـ مسقط .
ب : التصرّف المغيّر
للعين مسقط .
ولا يتعيّن أحد القولين
إلّا بدراسة الروايات ، وهي على صنفين :
__________________
الأوّل :
ما يدلّ على أنّ مطلق التصرّف وإن لم يكن مغيّراً للعين مسقط للعين ، صحيحة علي بن رئاب ، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل اشترىٰ جارية لمن الخيار ؟ فقال : « الخيار لمن اشترىٰ » ـ إلى أن قال : قلت له : أرأيت
إن قبّلها المشتري أو لامس ؟ قال : فقال : « إذا قبّل أو لامس أو نظر منها إلى ما
يحرم على غيره فقد انقضى الشرط ولزمته » .
الثاني :
ما يدلّ على أنّ التصرّف المغيِّر للعين هو المسقط ، ونقتصر على روايتين :
١ . روى الصفّار ، قال
: كتبت إلى أبي محمد عليهالسلام في الرجل اشترى من رجل دابّة فأحدث فيها حدثاً من أخذ الحافر ، أو أنعلها أو ركب ظهرها فراسخ ، أله أن يردّها في الثلاثة الأيّام التي له فيها الخيار بعد الحدث الذي يحدث فيها أو
الركوب الذي يركبها فراسخ ؟ فوقع عليهالسلام : « إذا أحدث فيها حدثاً فقد وجب
الشراء إن شاء الله » .
وجه الدلالة : إنّ
السائل طرح تصرّفين في ذيل سؤاله :
أ : الحدث الذي يحدث
فيها .
ب : الركوب الذي
يركبها فراسخ .
والأوّل : هو التصرّف
المغيّر كما مثّل الراوي في صدر كلامه من أخذ الحافر وإنعالها .
والثاني : هو التصرّف
غير المغيّر ، وقد جعله الراوي موضوعاً مستقلاً بشهادة أنّه عطفه على الحدث الذي يحدث فيها .
ولكن الإمام خصّ
الإسقاط بالقسم الأوّل دون الثاني وقال : « إذا أحدث __________________
فيها
حدثاً » ولم يقل : « أو ركب ظهرها » وهذا يدل على أنّ التصرّف المغيّر هو المسقط لا مطلق التصرّف وإلّا لما ترك ذكر الركوب .
٢ . ما رواه الحلبي ،
عن أبي عبد الله عليهالسلام في رجل اشترى شاة فأمسكها ثلاثة أيّام ثمّ ردّها ؟ فقال : « إن كان في تلك الثلاثة الأيّام يشرب لبنها ردّ معها
ثلاثة أمداد ، وإن لم يكن لها لبن فليس عليه شيء » .
وجه الاستدلال : أنّه
لو كان مطلق التصرّف مسقطاً لسقط الخيار ، لأنّ المفروض انّ المشتري حلبها وشرب لبنها ، فإذا لم يكن مثل ذلك مسقطاً بشهادة تجويز الردّ فسقي الدابة وتعليفها أو استخدام الأمة لبعض الأُمور لا يكون مسقطاً بطريق أولى .
وبذلك يقيّد ما دلّ
على أنّ مطلق التصرّف مسقط بما دلّ على أنّ المسقط هو التصرّف المغيّر .
بقي هنا سؤال ، وهو
انّ الإمام عدّ لمس الأمة وتقبيلها أو النظر إليها بما يحرم عليه قبل الشراء في رواية علي بن رئاب من المسقطات ، ومن المعلوم أنّ هذه الأُمور ليست تصرّفاً مغيّراً ؟
والجواب : أنّ ما جاء فيها يختصّ بالأمة دون غيرها وفي الأمة أيضاً يختص
بباب خيار الحيوان . وعلى ذلك فلا يتعدّى إلى غير الأمة في خيار الحيوان ، ولا فيها إلى غير خيار الحيوان كخيار العيب ، فلأجل ذلك جعلوا المسقط في خيار العيب في الأمة الوطء ، وتضافرت الروايات في كونه مسقطاً ، ولو كان النظر واللمس مسقطاً ، يلزم عدم استناد السقوط في مورد إلى الوطء لكونه مسبوقاً بهما دائماً .
__________________
عمومية الحكم للجاهل والعالم
ثمّ إنّه إذا كان
التصرّف المغيّر مسقطاً ، فهل هو مسقط مطلقاً ، سواء كان المتصرّف عالماً بالموضوع ( انّ هذا الفرس مثلاً هو المبيع الذي اشتراه أمس ) أو جاهلاً به وتصوّر أنّه هو ماله الذي تملَّكه قبل شهور ، وسواء أكان عالماً بالحكم وأنّه ذو خيار أو أنّ خياره يسقط بالتصرّف أم لا ؟ أو أنّ المسقط هو التصرّف الصادر من الملتفت إلى الموضوع والحكم ، فلا يسقط إذا كان جاهلاً بالموضوع أو الحكم ؟ ظاهر الروايات هو الأوّل ، وإنّ التصرّف وإحداث الحدث كافٍ في سقوط الخيار مطلقاً ، ولو خصّصناه بالملتفت ، يلزم حمل المطلقات على المواضع القليلة أو النادرة ، فإنّ الجهل بالأحكام سائد على الناس خصوصاً الجهل بخصوصيات المسقط .
١ . لا شكّ في دخول الليلتين
المتوسطتين في الثلاثة الأيّام ، فهل دخولهما تبعيٌّ لحفظ الاستمرار ، أو دخولهما حقيقي إذا أُريد من الأيّام ـ ولو مجازاً ـ الأيّام ولياليها ؟
٢ . اذكر الاستعمالات المختلفة للفظة
« الأيّام » في القرآن .
لاحظ : المتاجر ، قسم الخيارات ، ص
٢٢٥ ؛ والمختار في أحكام الخيار ، ص ١١٩ .
|
الفصل الثالث
خيار التأخير
خيار التأخير ممّا
أطبق فقهاء أهل السنّة على عدمه ، كما أطبق أصحابنا على ثبوته ، وأخبارهم به متضافرة ، ومورده عبارة : عمّن ابتاع شيئاً معيّناً بثمن
معيّن ولم يَقبضه ولا قبّض ثمنه وفارقه البائع ، فالمبتاع أحقّ به ما بينه وبين ثلاثة أيّام
، فإن مضت ولم يُحضر الثمن ، كان البائع بالخيار بين فسخ البيع وبين مطالبته بالثمن .
وعرّفه المحقّق بقوله
: من باع ولم يَقبض الثمن ، ولا سلّم المبيع ، ولا اشترط تأخير الثمن ، فالبيع لازم ثلاثة أيّام ؛ فإن جاء المشتري بالثمن ، وإلّا كان
البائع أولى بالمبيع .
ووفقاً لما ذكر فهو
مشروط بثلاثة شروط :
الأوّل : عدم قبض
الثمن .
الثاني : عدم تسليم
المبيع .
الثالث : عدم اشتراط
التأجيل في الثمن والمثمن .
__________________
وسيوافيك أنّ هنا
شرطاً رابعاً وهو كون المبيع شخصيّاً لا كليّاً .
ويدلّ عليه أُمور : أوضحها
الروايات المتضافرة المغنية عن دراسة رجالها ، وهي بين صحيحة وغير صحيحة .
١ . صحيحة زرارة ، عن
أبي جعفر عليهالسلام قال : قلت له : الرجل يشتري من الرجل المتاعَ ، ثمّ يدعه عنده ، فيقول : حتى آتيك بثمنه ؟ قال : « إن جاء فيما
بينه و بين ثلاثة أيّام ، وإلّا فلا بيع له » .
٢ . خبر عبد الرحمن
بن الحجاج قال : اشتريت محملاً فأعطيت بعض ثمنه وتركته عند صاحبه ، ثمّ احْتُبِسْتُ أيّاماً ، ثمّ جئت إلى بائع المحمل لأخذه ، فقال
: قد بعته ، فضحكت ثمّ قلت : لا والله لا أدعك أو أقاضيك ، فقال لي : ترضى بأبي بكر بن عياش ؟ قلت : نعم ، فأتيته فقصصنا عليه قصّتنا ، فقال أبو بكر : بقول من تريد أن أقضي بينكما ، بقول صاحبك أو غيره ؟ قال : قلت : بقول صاحبي ، قال : سمعته يقول : « من اشترى شيئاً فجاء بالثمن ما بينه وبين ثلاثة أيّام وإلّا فلا
بيع له » .
٣ . صحيحة علي بن
يقطين : أنّه سأل أبا الحسن عليهالسلام عن الرجل يبيع البيع ولا يُقبضه صاحبَه ولا يَقبض الثمن ؟ قال : « فإنّ الأجل بينهما ثلاثة أيّام ، فإن
قبض بيعه وإلّا فلا بيع بينهما » .
٤ . خبر إسحاق بن
عمّار ، عن العبد الصالح عليهالسلام قال : « من اشترى بيعاً فمضت ثلاثة أيّام ولم يجئ فلا بيع له » .
ثمّ إنّ الأصحاب بعد ما اتفقوا على عدم اللزوم اختلفوا في صحّة
المعاملة وبطلانها على قولين :
__________________
أ . ذهب الشيخ في « المبسوط
» والقاضي في « المهذّب » إلى القول ببطلان البيع بعد الثلاثة ، وحكاه العلّامة عن ابن الجنيد في « المختلف »
؛ وقد قال به من المتأخرين المحدّث البحراني في « الحدائق » ومال إليه السيد الطباطبائي في تعليقته على المتاجر .
والذي نصّ به المفيد
في « المقنعة » والشيخ في « النهاية »
أنّ العقد صحيح ، ويكون للبائع الخيار إن شاء فسخ البيع وإن شاء طالب بالثمن .
ومدرك القولين هو
الروايات السابقة ، أعني قوله : « فلا بيع له » فهل هو محمول على نفي الصحة أو على نفي اللزوم .
ويرجَّح القولُ
الأوّل بأنّه إذا تعذّرت الحقيقة ـ لوجود البيع ـ فأقرب المجازات ـ وهو نفي الصحّة ـ أولى .
ويرجّح القول الثاني
بأنّ الهيئة ( لا بيع له ) وإن كانت ظاهرة في نفي الحقيقة عند الإمكان ثمّ نفي الصحّة عند عدم إمكان نفي الحقيقة ، إلّا أنّ هناك قرائن تدلّ على أنّ المراد نفي اللزوم ، وإليك بعض هذه القرائن :
١ . انّ الروايات
الماضية تشتمل على قضية شرطية :
ففي صحيحة زرارة : « إن
جاء فيما بينه وبين ثلاثة أيّام » .
وفي رواية عبد
الرحمان بن الحجاج : « من اشترى شيئاً فجاء بالثمن ما بينه و بين ثلاثة أيّام » .
__________________
وفي صحيحة علي بن
يقطين : « فإن قبض بيعه » .
هذه قضايا شرطية حذف
جزاؤها ، وأقيم مكانه قوله : « وإلّا فلا بيع له » ، وله في الكتاب والسنّة نظائر كثيرة حيث يحذف الجزاء ويقوم مقامه شيء آخر ، نظير قوله سبحانه : (
إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ )
والجزاء محذوف وهو « فلا عجب » أي فإن سرق فلا عجب ولا غرو ، فقد سرق أخوه أيضاً من قبل .
وعندئذٍ يجب علينا
تعيين الجزاء المحذوف فهل هو قوله : « لا يجب الوفاء » أو قوله : « يبطل البيع » ؟
مقتضى التقابل بين
الجزاءين هو الأوّل ، لأنّ الجزاء المقدّر في الشرطية الأُولى ، أعني : قوله : « إن جاء فيما بينه وبين ثلاثة أيّام » هو قوله : « يجب
الوفاء » ، فيناسب أن يكون الجزاء في الشرطية الثانية أي قوله : « وإلّا » هو نفس ذلك الجزاء بصورة السالبة ، أي لا يجب الوفاء لا انّه « يبطل العقد » ، لعدم التقابل بين وجوب
الوفاء وبطلان العقد .
وبعبارة أُخرى : أنّ
الهدف من السؤال ، هو تعيين تكليف البائع حيث إنّه كان في السابق ملزماً ـ بالوفاء ـ بالعقد وإقباض ، المبيع فأراد أن يقف على أنّه هل هو ملزم به مثل السابق أو لا ؟ فوافاه الجواب بأنّه لا بيع ، فيكون المراد ، هو
نفي اللزوم ، فأشبه بالبناء المتزلزل الذي يصحّ أن يوصف بأنّه لا بناء ، كما يصحّ
أن يوصف المنهدم أيضاً بأنّه لا بناء .
٢ . إنّ الحكم في
المقام امتناني ، ومقتضاه صحّته بلا لزوم لا بطلانه ، إذ ربّما يتعلّق الغرض ببقاء العقد واستمراره بحيث يكون في بطلانه ضرر عليه .
٣ . ما ورد في « دعائم
الإسلام » : انّه من اشترى صفقة وذهب ليجيء __________________
بالثمن
فمضت ثلاثة أيّام ولم يأت به ، فلا بيع إذا جاء يطلب إلّا أن يشاء البائع .
٤ . يؤيّده أيضاً ما
في رواية علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن عليهالسلام عن رجل اشترى جارية وقال : أجيئك بالثمن ؟ فقال : « إن جاء فيما بينه وبين شهر وإلّا فلا بيع له » حيث تدلّ على صحّة المعاملة وبقائها
إلى مضي شهر ، بناء على أنّ الرواية غير مختصّة بموردها وأنّ الإجابة مستحبّة إلى شهر ـ وذلك جمعاً بين الروايات ـ والقول ببقائها إلى شهر لا يجتمع مع البطلان بعد ثلاثة أيّام .
ولو شكّ في المفاد ، فالمحكَّم
عند الشيخ هو استصحاب الآثار المترتّبة على البيع .
شروط الخيار
يعتبر في شروط الخيار
الأُمور الأربعة التالية :
١ . عدم قبض المبيع .
٢ . عدم قبض مجموع
الثمن .
٣ . عدم اشتراط تأخير
تسليم أحد العوضين .
٤ . أن يكون المبيع
عيناً أو شبهها كصاع من صبرة .
وإليك دراسة هذه
الشروط :
الأوّل
: عدم قبض المبيع
يعتبر في ثبوت خيار
التأخير عدم قبض المبيع ، وادّعي في « الحدائق » __________________
و
« الجواهر » اتّفاق الأصحاب عليه
. ويدلّ عليه ما في صحيحة علي بن يقطين : « فإن قبض بيعه وإلّا فلا بيع بينهما
» والمراد من « البيع » هو المبيع بقرينة صدر الرواية : « عن الرجل يبيع البيع ولا يُقبضه صاحبه ولا يَقبض الثمن » .
ثمّ إنّ الفعل في
قوله : « فإن قبض بيعه » إمّا بالتخفيف أو بالتشديد ، فعلى الأوّل يتعدّى إلى مفعول واحد ، ويكون المراد : فإن قبض صاحبُ البائع ( المشتري ) المبيع ، وعلى الثاني يتعدّى إلى مفعولين ويكون المراد : فإن قبّض
البائعُ صاحبَه المبيعَ ، وعلى كلا التقديرين يدلّ على المقصود .
وأمّا خبر إسحاق بن
عمّار : « من اشترى بيعاً فمضت ثلاثة أيّام ولم يجئ فلا بيع له » فهو أيضاً دالّ على شرطية عدم قبض المبيع ، لأنّ المقصود قوله : « لم
يجئ » هو أنّه « لم يجئ ليقبض المبيع » بقرينة قوله : « من اشترى بيعاً » فيدلّ
على شرطية عدم القبض كالرواية السابقة .
الثاني
: عدم قبض الثمن
اتّفقت كلمتهم على
هذا الشرط ، وهو ظاهر الأخبار وقد تكرّرت هذه الجملة : « إن جاء بينه وبين ثلاثة أيّام وإلّا فلا بيع له » الظاهر في عدم دفع
الثمن . حتّى أنّ بعضهم جعل الموضوع عدم المجيء بالثمن ، سواء أقبض المثمن أم لا ، فهو شرط متّفق عليه ، وقبض بعض الثمن ، كـ « لا قبض » ، لعدم كونه ثمناً .
ولو قبضه بلا إذن فهو
كـ « لا قبض » ، لأنّ تعيين ما في الذمّة في فرد ، من صلاحيات المشتري لا البائع ، اللّهمّ إلّا إذا كان ممتنعاً ، فيتعيّن بتعيين
الفقيه .
__________________
وبالجملة إنّ ولاية
المشتري في تعيين الثمن الكلّي في فرد بعدُ باقية ، فلا يتعيّن بدون إذنه .
الثالث
: تأخير الثمن ثلاثة أيّام
المتبادر من الروايات
أنّ التحديد بثلاثة ، تحديد شرعي وإمهال مولوي من جانب الشارع للمشتري ، ومن المعلوم أنّ الإمهال إنّما هو في مورد لم يكن هناك مجوّز للتأخير كاشتراطه في متن العقد .
الرابع
: أن يكون المبيع عيناً أو شبهها كصاع من صبرة
ويمكن استظهاره
مضافاً إلى وروده في عبارة « الخلاف » و « المهذّب » وغيرهما من كتب الأصحاب ، أنّه ورد في النصوص الجمل التالية : ١ . « يشتري من الرجل المتاع ثمّ يدعه عنده » ؛ ٢ . « اشتريت محملاً » و ٣ . « عن الرجل يشتري المتاع أو
الثوب » وكلّها ظاهرة في الشخصي ، ولا يعمّ الكلّي .
نعم هنا طائفة ثانية
يستظهر منها العموم ، أعني :
١ . ما رواه ابن
عيّاش عن أبي عبد الله عليهالسلام : « من اشترى شيئاً » .
٢ . ما رواه علي بن يقطين
عن أبي الحسن عليهالسلام : « يبيع البيع » .
٣ . ما رواه إسحاق بن
عمّار عن العبد الصالح : « من اشترى بيعاً » .
ويمكن أن يقال إنّه
لا يستفاد من الطائفة الأُولى الاختصاص بالشخص ، كما لا يستفاد من الثانية العموم لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة .
غير أنّ هذا الخيار
لما كان على خلاف القاعدة ، فإنّ الجواز بعد اللزوم ثبت تعبّداً فيقتصر على المتيقّن من الموارد ، وهو المبيع الشخصي ، مضافاً إلى
المناسبة
المغروسة
في الأذهان من أنّ هذا الخيار لأجل ذبّ الضرر عن جانب البائع ، وهو موجود في الشخصي دون الكلّي ، لا أقول إنّ الحكم دائر مدار الضرر ، ولكن يمكن أن يكون قرينة على الانصراف .
مسقطات خيار التأخير
يسقط هذا الخيار
بأُمور :
١ . إسقاطه بعد
الثلاثة قولاً وفعلاً .
٢ . إسقاطه في
الثلاثة قولاً وفعلاً ، وليس الإسقاط في هذا القسم من قبيل إسقاط ما لم يجب ، لما عرفت من كفاية وجود المقتضي وهو العقد فيصح إسقاطه كسائر الخيارات كالمجلس والحيوان .
٣ . اشتراط سقوطه في
متن العقد ، ووجه الصحّة ما ذكرناه .
وأمّا سقوطه ببذل
المشتري الثمن بعد الثلاثة ، فالأقوى عدم سقوطه لظهور الروايات في أنّ التأخير تمام الثلاثة علّة تامّة للخيار ، والبذل بعده لا
تأثير له في إزالة الخيار ؛ ولو شكّ في بقاء الخيار وعدمه ، فإطلاق الروايات الدال على بقاء الخيار مطلقاً ، سواء أبذل بعد الثلاثة أم لا ، كاف في رفع الشكّ من دون حاجة إلى استصحاب بقاء الخيار .
ولو أخذ البائع الثمن
بعد الثلاثة من المشتري ، فلو نوى عند الأخذ الالتزامَ بالبيع فالخيار يسقط ، وإلّا فلا ، هذا حسب الثبوت ؛ وأمّا الإثبات ، فالظاهر انّه يحكم عليه بالإسقاط إذا كان عالماً بالموضوع والحكم ، فلا يقبل منه تفسير الأخذ بغير هذا الوجه .
ومثله مطالبة الثمن
بعد الثلاثة فالظاهر أنّه لا يدلّ على الإسقاط ، إذ من المحتمل أن يكون لأجل استكشاف حال المشتري وانّه هل هو مستعد لدفع الثمن فيمضى العقد ، أو لا ، فيفسخ ، فلو ادّعى ذلك يقبل منه .
ثمّ إنّ خيار التأخير
غير فوري لإطلاق الروايات .
لو اشترى ما يفسد من
يومه
لو اشترى ما يفسد من
يومه ولم يجئ بالثمن . ففي مرسلة محمّد بن أبي حمزة : في الرجل يشتري الشيء الذي يفسد من يومه ويتركه حتّى يأتيه بالثمن ؟ قال : « إن جاء فيما بينه وبين الليل بالثمن وإلّا فلا بيع له » .
وفي خبر
زرارة ، عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث قال : « العهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول والبطيخ والفواكه يوم إلى الليل » .
إنّما الكلام في
تبيين ما هو المقصود من « ما يفسد من يومه » فهنا احتمالان :
١ . المراد منه ما
يفسد قرب دخول الليل ، فيكون الخيار في أوّل أزمنة الفساد .
يلاحظ عليه : بأنّ الخيار لا يجدي في هذا الحال .
٢ . أنّ المراد منه
هو اليوم مع ليله ، فالمفسد هو مبيته ، فيكون للبائع مجال لبيعه من غيره قبل المبيت .
__________________

المقصد الثالث
أقسام الشرط
إنّ
للشرط أقساماً :
|
١ . شرط الفعل
٢ . شرط الوصف
٣ . شرط النتيجة
|

الشرط وأقسامه
ينقسم الشرط في باب
المعاملات إلى أقسام :
١
. شرط الفعل
ما يتعلّق بفعل من
أفعال المكلّفين ، كما إذا باع وشرط على المشتري أن يخيط له قميصاً أو يعلّمه القرآن ؛ ويمكن تصوير ذلك في البيع الكلّي أيضاً ، كما إذا اشترى حنطة سلماً ، واشترط على البائع أن يدفع من صنف خاص ، فهو أيضاً من قبيل شرط الفعل .
٢
. شرط الوصف
ما يتعلّق بوصف من
صفات المبيع الشخصي ، ككون الدابّة حاملاً ، والسجادة مصبوغة بصبغ خاص ، وكون الفرس أصيلاً ، إلى غير ذلك من الأوصاف المطلوبة في المبيع .
٣
. شرط النتيجة
ما يتعلّق الغرض بما
هو من قبيل الغاية للفعل ، كما إذا باع داره بثمن وشرط
أن
تكون ثمرة الشجرة ملكاً له ، أو أُخته زوجة له ، أو كونه وصيّاً له ، أو عبده معتقاً ؛ فالشرط في هذا القسم عبارة عن الغاية الحاصلة من الفعل ، فانّ الغاية الحاصلة من قوله : ملّكت أو زوّجت أو وصّيتك أو اعتقتُ عبدي هو كون الثمرة ملكاً ، والأُخت زوجة ، والمشتري وصيّاً ، والعبد معتقاً ، فهو يشترط حصول تلك الغايات بلا حاجة إلى عقد آخر ، وهذا ما يطلق عليه شرط النتيجة .
ثمّ
إنّ شرط النتيجة على أقسام :
١ . ما دلّ الدليل
الشرعي على عدم تحقّق تلك الغاية إلّا بأسبابها الشرعية كالزوجية ، والعتق ، ولا يكفي اشتراطها في نفس العقد .
٢ . ما دلّ الدليل
على عدم توقّفه على سبب خاص ، بل يكفي شرطه في العقد كالوكالة والوصاية ، ككون الثمرة على الشجرة ملكاً للبائع .
٣ . ما جهل نوعه ، كاشتراط
أن يكون مال خاص غير تابع لأحد العوضين ملكاً لأحدهما ، أو صدقة للفقراء .
أمّا القسم
الأوّل : أي ما يحتاج في
تحقّقها إلى سبب خاص ، فيكون الشرط المذكور في العقد شرطاً فاسداً ، كاشتراط زوجية الأُخت وانعتاق العبد ، ويجري فيه ما سنذكره في الشرط الفاسد من انّه فاسد ومفسد أو فاسد وليس بمفسد ؟
وأمّا القسم
الثاني : أي ما لا يحتاج في
تحقّقه إلى سبب خاص ، كالوكالة ، والوصاية ، وكون ثمرة الشجرة ملكاً للبائع ، فهو شرط صحيح يجب ترتيب الأثر عليه .
وأمّا القسم
الثالث أعني : ما إذا تردّد
بين القسمين ثبوتاً ولم يعلم أنّه هل
يتوقّف
على سبب خاص أو يكفي في تحقّقه اشتراطه في العقد ، فهل يجب الوفاء به أو لا ؟ قولان :
الأوّل :
عدم وجوب الوفاء به ، لأنّ قوله سبحانه : (
أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) أو قوله عليهالسلام : « المؤمنون عند
شروطهم » مخصّص خرج عن تحته
الشرط الذي تحقّقه رهن سبب خاص والمفروض أنّ ما بأيدينا من الشرط مردّد بين ما هو باق تحت العام أو خارج عنه وداخل تحت المخصّص ، ومن المعلوم عدم جواز التمسّك بالعام عند الشكّ في الشبهة المصداقية .
الثاني :
وجوب الوفاء به ، لأنّ المشهور عند الأُصوليّين وإن كان عدم صحّة التمسّك بالعام ، لكن الشبهة المصداقية على قسمين :
قسم يتوقّف التعرّف
عليه على بيان الشارع .
وقسم يتمكّن المكلّف
من تحصيل معرفته من الطرق المألوفة .
فما لا يجوز التمسّك
فيه بالعام إنّما هو في القسم الثاني دون القسم الأوّل ، لأنّ المفروض أنّ التعرّف رهن بيان الشارع ، فإذا لم يكن هناك بيان خاص ، فذلك يكشف عن بقائه تحت العام .
توضيح القسمين : إذا قال المولى : أكرم العلماء ، ثمّ قال : لا تكرم فسّاق العلماء ، ودار أمر زيد العالم بين بقائه تحت العام إذا كان عادلاً أو خروجه عنه
إذا كان فاسقاً ، ففي هذا المورد لا يمكن التمسّك بعموم العام ، لأنّ المفروض أنّ التعرّف على حال المورد ، أمر ممكن للمكلّف من دون حاجة إلى بيان الشارع .
وأمّا إذا باع البائع
داره بثمن وشرط في ضمن العقد أن تكون الشاة
الموجودة
في داره له ، وشككنا في أنّ وجوب الوفاء بهذا النوع من الشروط ( ما لا يعدّ تابعاً للمبيع ) هل هو رهن سبب خاص أو لا ؟ فبيانه على عاتق الشارع ، فيكفي في جواز التمسّك بالعام ، الفحص والتتبع في الكتاب والسنّة وعدم العثور على كونه رهن سبب خاص ، إذ لو كان لظهر وبان .
ما
هي الضابطة لتمييز القسمين ؟
قد عرفت أنّ الشرط
على قسمين :
ما يحتاج إلى سبب خاص
كالزوجية .
وما لا يحتاج إلى سبب
خاص بل يكفي الاشتراط ، كالوصية والوكالة .
فيقع الكلام في تمييز
القسم الأوّل عن الثاني وما هي الضابطة في ذلك ؟
أقول : إنّ هناك
ضابطتين نشير إليهما :
الأُولى : ما أفاده السيد الإمام الخميني قدسسره وقال :
كلّ عنوان يصحّ جعله
مستقلاً وابتداءً ، يصحّ جعله بالشرط أيضاً ذلك كالوكالة والوصاية والأمانة والوديعة والرهن والقرض فكلّها يصحّ جعلها مستقلاً ، بأن يقول : أنت وليّي ووصيي ، وهذه أمانة أو وديعة ، فمثله يصحّ جعله بالشرط أيضاً بأن يشترط هذه العناوين في ضمن عقد .
وأمّا ما لا يمكن
جعله مستقلاً كالمبيعية والثمنية للمبيع والثمن فهذا لا يصحّ شرطه ، بل يجب أن يتطرّق إلى حصولها من طريق ثالث .
الثانية : الظاهر أنّ كلّ أمر اعتباري ، يهتمّ به العرف والشرع من حيث
اللفظ
والصيغة
، ولا يقوم به إلّا بتشريفات خاصّة ، فهذا ممّا لا يحصل بنفس الاشتراط كالنكاح والطلاق ، ولعلّ منه الوقف والنذر ، وأمّا ما لا يهتمّ به ، مثل ما سبق ، فيكفي فيه نفس الاشتراط .
بيّن لنا معنى « الشبهة المصداقية »
فهل الشبهة والشكّ في صدق عنوان العام على المورد ، أو انّ صدق عنوان العام محرز ، وإنّما الشكّ في صدق عنوان الخاص عليه ؟
لماذا لا يجوز التمسّك في الشبهة
المصداقية بالعام ، وما هو دليل المانعين ـ المذكور في علم الأُصول ، باب العام والخاص ـ ؟
|

المقصد الرابع
شروط صحّة الشرط
قد عرفت أنّ الشرط
يُطلق ويراد به الشرط الأُصولي وهو تعليق المنشأ على شيء ، وقد يطلق ويراد به الشرط الفقهي ـ أعني به : جعل شيء على ذمّة أحد المتعاقدين ـ
فإن وفى بالشرط لزم العقد ، وإن تخلّف يثبت للمشروط له الخيار .
هذا ما تقدّم تفصيله
في الفصل الثاني من المقصد الأوّل من الخيارات العامّة ، وبما انّ الشرط بهذا المعنى ينقسم إلى صحيح وفاسد ، عنون الفقهاء باباً باسم شروط صحّة الشرط ، وممّن خاض في هذا البحث شيخنا الأنصاري بعد الفراغ عن بيان أقسام الخيار ، وقد ناهز عدد الشروط عنده التسعة هي :
١ . أن يكون الشرط
مقدوراً عليه .
٢ . أن يكون الشرط
سائغاً .
٣ . أن يكون
عُقلائياً .
٤ . أن لا يخالف
الكتاب والسنّة .
٥ . أن لا يخالف
مقتضى العقد .
٦ . أن لا يكون
مجهولاً جهالة توجب الغرر .
٧ . أن لا يكون
مستلزماً للمحال .
٨ . أن يلتزم بالشرط
في متن العقد .
٩ . أن يكون منجّزاً
لا معلّقاً .
وإليك دراسة هذه
الشروط بنحو موجز في ضمن فصول :

الفصل الأوّل
القدرة على إنجاز
الشرط
يشترط في صحّة الشرط
قدرة المشروط عليه على إنجازه بأن يكون داخلاً تحت قدرته ؛ قال المحقّق : لا يجوز اشتراط ما لا يدخل في مقدوره ، كبيع الزرع على أن يجعله سنبلاً ، والرطب على أن يجعله تمراً .
وقال في « الحدائق »
: يبطل الشرط باشتراط غير المقدور للمشروط عليه ، كاشتراط حمل الدابّة فيما بعد ، أو انّ الزرع يبلغ السنبل ، سواء شرط عليه أن يبلغ
ذلك بفعله أو بفعل الله تعالى ، لاشتراكهما في عدم المقدورية .
أقول :
الظاهر انّ المراد من كون الشرط داخلاً تحت القدرة في بادئ النظر هو التحرّز عن أمرين :
الأوّل :
اشتراط ما هو مُحال عقلاً ، كالجمع بين الضدّين أو عادة كالطيران في الهواء بلا سبب .
الثاني :
اشتراط فعل الغير ، الخارج عن اختيار فعل المتعاقدين المحتمل __________________
وقوعه
في المستقبل .
فالأوّل ـ أي الممتنع
بالذات ـ ممّا لا يشترطه العقلاء حتّى يحترز عنه ، بخلاف الثاني فانّه أمر مطلوب للعقلاء وهو أولى من الشرط بالوصف الحالي المجهول تحقّقه ككون الحيوان حاملاً فعلاً . وعلى ذلك يكون المراد من اشتراط القدرة ، هو إخراج شرط فعل الغير ، الخارج عن اختيار المشروط عليه .
ثمّ إنّهم استدلّوا
على فساد شرط فعل الغير بأنّه يستلزم أحد الأمرين :
١ . الغرر بمعنى
الخطر .
٢ . عدم القدرة على
التسليم .
يلاحظ عليه : أنّ تعليل بطلان هذا النوع من الاشتراط بالأوّل ( استلزامه الغرر ) يستلزم دخوله في الشرط السادس الذي سيوافيك وهو أن لا يكون مجهولاً جهالة توجب الغرر ، فلا وجه لذكره مستقلاً .
وأمّا تعليله بعدم
القدرة على التسليم فهو قابل للنقاش ، وذلك لأنّه لو شرط فعل الغير ولكن كان هناك مظنّة للتسليم ، كما إذا كان الغير عبداً أو أمة له أو ولداً أو أخاً أو صديقاً يلبُّون دعوته ، ويقضون طلبه بلا تروٍّ وتردّد ، فلا
مانع من اشتراطه ، لأنّ الميزان لصحّة الشرط هو الاطمئنان بتحصيله ، فإذا كان هناك اطمئنان بتحصيل فعل الغير حسب الموازين العرفية ـ لأجل العلقة التي تجمعهما ـ فلا مانع من اشتراطه .
وبذلك تبيّن أنّه لا
وجه لهذا الشرط بمحتملاته الثلاثة :
١ . ما هو ممتنع
عقلاً أو عادة .
٢ . شرط فعل الغير
إذا كان مستلزماً للغرر ، كما إذا لم يكن هناك اطمئنان
بتحصيله
، إذ يُستغنى عنه بالشرط السادس .
٣ . شرط فعل الغير
إذا كان هناك اطمئنان بتحصيله ، وهو أمر عقلائي .
ما هي الموارد التي رتّبها الفقهاء
على هذا الشرط ؟ لاحظ : الجواهر : ٢٣ / ٢٠٥ ؛ المختار في أحكام الخيار ، ص ٤٤٧ ـ ٤٤٨ .
|
الفصل الثاني
كون الشرط سائغاً في
نفسه
لا يجوز اشتراط جعل
العنب خمراً ونحوه لعدم نفوذ الالتزام بالمحرّمات .
ففي رواية إسحاق بن
عمّار ، عن جعفر ، عن أبيه أنّ علي بن أبي طالب كان يقول : « من شرط لامرأته شرطاً فليف لها به ، فانّ المسلمين عند شروطهم ، إلّا شرطاً حرّم حلالاً أو أحلّ حراماً » .
يلاحظ عليه : بأنّ مرجع هذا الشرط إلى الشرط الرابع ، أعني : ما لا يكون مخالفاً للكتاب والسنّة ، وربّما حاول بعضهم التفريق بين هذا الشرط والشرط الرابع بوجوه :
١ . إنّ المحرّم في
المقام هو نفس الالتزام والتعهد ، وقد قيل : إنّ الشرط إذا كان محرّماً كان اشتراطه والالتزام به إحلالاً للحرام
، وهذا بخلاف الشرط الرابع فإنّ المحرّم فيه نفس الملتزم كشرب الخمر .
يلاحظ عليه : بأنّ حرمة الالتزام تابعة لحرمة الملتزم ، فلو كان الملتزم
محرّماً كجعل العنب خمراً فالالتزام والتعهد به يكون كذلك وإلّا فلا ، فاشتراط كون الملتزم سائغاً غير مخالف للكتاب والسنّة يغني عن الآخر للتلازم بينهما .
__________________
٢ . تخصيص الشرط
الثاني بالحلّية التكليفية كالمثال المزبور ، وحمل الشرط الرابع على الحلّية الوضعية حذراً عن رقيّة الحرّ ، وكون الأجنبي وارثاً .
يلاحظ عليه : أنّ مورد الشرط الرابع أعمّ من التكليفية والوضعيّة في لسان الروايات وكلمات الفقهاء كما سيوافيك .
٣ . تخصيص الشرط
الثاني بعدم المخالفة مع السنّة ، والرابع بعدم المخالفة مع الكتاب .
يلاحظ عليه : أنّ مورد الرابع أعمّ ، فالحقّ الاستغناء عن هذا الشرط كالشرط
الأوّل .
الفصل الثالث
كون الشرط عقلائياً
يشترط في صحّة
الاشتراط أن يكون عقلائياً ويتعلّق به الغرض ولا يعدّ لغواً ، فخرج مثل اشتراط الكيل بمكيال أو الوزن بميزان معيّنين مع مساواتهما لسائر المكاييل والموازين الدقيقة .
والدليل على ذلك ، عدم
شمول أدلّة الإمضاء ، أعني : « المسلمون عند شروطهم » ، إلّا للشرط العقلائي لا الخارج عن إطار أعمالهم ، وبذلك يعلم أنّ اشتراط المعاملة بعُمْلة ورقية خاصّة مع مساواتها لسائر العملات الورقية شرط غير عقلائي .
ويترتب على ذلك أنّه
لو اشترى بنيّة دفع عملة معيّنة في كيسه تكون النيّة لغواً ، لأنّ قصد هذا الورق من العملة دون ذاك ، قصد باطل لا طائل تحته .
ثمّ إنّ الشيخ علّل
عدم صحّة هذا الشرط بأنّه لا يعدّ حقّاً للمشروط له حتّى يتضرّر بتعذّره فيثبت له الخيار ، أو يعتني به الشارع فيوجب الوفاء به ويكونَ
تركه ظلماً فهو نظير عدم إمضاء الشارع لبذل المال على ما فيه منفعة لا يعتدّ بها عند العقلاء .
__________________
يلاحظ عليه : بأنّ موضوع الوفاء هو الشرط لا الشرط الذي يوجد حقّاً ويعدّ تركه ظلماً ، ولعلّ هذه العناوين تنتزع من أدلّة لزوم الوفاء بعد شمولها للشرط
الوارد في كلام المتبايعين ، فلا يصحّ أخذ ما هو متأخّر عن تطبيق الدليل في لسانه ، فلا يصحّ أخذ « ما يتضرّر بتعذّره المشروط له » في لسان « المؤمنون عند
شروطهم » وإنّما المأخوذ فيه هو ذات الشرط بما هو هو .
والأولى الاستدلال
بما ذكرناه من عدم شمول أدلّة الإمضاء له .
الفصل الرابع
عدم كونه مخالفاً
للكتاب والسنّة
من شرائط صحّة الشرط
أن لا يكون مخالفاً للكتاب والسنّة ، كما إذا اشترط كون الطلاق بيد الزوجة ، أو رقّيّة حرّ ، أو توريث أجنبي ، فلا يكون نافذاً ، وتحقيق
هذا الشرط يتوقّف على سرد روايات المقام وهي على أصناف ، ونحن نذكر هنا من كلّ صنف رواية واحدة ونشير في الهامش إلى ما لم نذكر من روايات ذلك الصنف ، ومن حاول أن يقف على جميع روايات الباب فليرجع إلى محالّها التي أشرنا إليها في الهامش .
الأوّل : أن لا يكون
مخالفاً لكتاب الله
عن عبد الله بن سنان
، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سمعته يقول : « من اشترط شرطاً مخالفاً لكتاب الله فلا يجوز له ، ولا يجوز على الذي اشترط عليه » .
الثاني : أن يكون
موافقاً لكتاب الله
فعن عبد الله بن سنان
، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : سمعته يقول : « من اشترط شرطاً مخالفاً لكتاب الله فلا يجوز له ، ولا يجوز على الذي اشترط عليه ، __________________
والمسلمون
عند شروطهم ممّا وافق كتاب الله عزّ وجلّ » .
ومحل الاستشهاد هو
ذيل الحديث .
الثالث : أن لا يكون
مخالفاً للسنّة
عن محمد بن قيس ، عن
أبي جعفر عليهالسلام قال : قضى علي عليهالسلام في رجل تزوّج امرأة وأصدقها ، واشترطت عليه أنّ بيدها الجماع والطلاق ؟ قال : « خالفت السنّة ووليت حقّاً ليست بأهله ، قال : فقضى علي عليهالسلام أنّ عليه الصداق وبيده الجماع والطلاق وتلك السنّة » .
الرابع : أن لا يكون
مخالفاً لشرط الله
عن محمد بن قيس ، عن
أبي جعفر عليهالسلام قال : « قضى علي عليهالسلام في رجل تزوّج امرأة وشرط لها إن هو تزوّج عليها امرأة أو هجرها أو اتّخذ عليها سريّة فهي طالق ،
فقضى في ذلك : انّ شرط الله قبل شرطكم ، فإن شاء وفى لها بالشرط ، وإن شاء أمسكها واتّخذ عليها ونكح عليها » .
الخامس : أن لا يكون
محرّماً لحلال أو محلّلاً لحرام
روى إسحاق بن عمّار ،
عن جعفر ، عن أبيه عليهالسلام : « أنّ علي بن أبي طالب كان يقول : « من شرط لامرأته شرطاً فليف لها به ، فانّ المسلمين عند شروطهم ، إلّا
__________________
شرطاً
حرّم حلالاً أو أحلّ حراماً » .
السادس : عدم منع
الكتاب والسنّة عنه
روى أبو المكارم في «
الغنية » : « الشرط جائز بين المسلمين ما لم يمنع منه كتاب أو سنّة » .
وقبل الخوض في تفسير
الموافق والمخالف للكتاب والسنّة نشير إلى عدّة أُمور :
الأوّل :
المراد من كتاب الله هو القرآن المجيد لا مطلق ما كتب الله على عباده من أحكام الدين وبيّنه على لسان رسوله وذلك ، لأنّ المتبادر من الكتاب ما ذكرنا .
نعم ذهب الشيخ
الأنصاري إلى أنّ المراد هو الثاني بشهادة أنّ اشتراط ولاء المملوك لبائعه إنّما جُعل في النبويّ مخالفاً لكتاب الله مع كون الكتاب
العزيز خالياً منه ، فلا بدّ من تفسير الكتاب بما كتب الله على عباده .
أقول :
مقصوده من النبوي ما رواه صاحب دعائم الإسلام بقوله : « ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله يبيع أحدهم الرقبة ويشترط الولاء ، والولاء لمن اعتق وشرط الله له ، كلّ شرط خالف كتاب الله فهو ردّ » .
يلاحظ عليه : أنّ ما ذكره صحيح لو كانت الرواية على نحو ما رواه صاحب __________________
الدعائم
، لكنّها مروية في صحيح البخاري بصورة أُخرى ، قال : « ما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله ، ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط ، قضاء الله أحق وشرط الله أوثق ، وإنّما الولاء لمن أعتق » .
فالموضوع هو ما « ليس
في كتاب الله » وهو صادق على كون الولاء لبائعه ، لخلو القرآن المجيد منه ، فلا ضرورة لتفسير الكتاب بمطلق ما كُتب .
على أنّ صدر النبوي
جعل الشرط ما ليس في كتاب الله وإن جعله في الذيل ما كان مخالفاً لكتاب الله .
نعم العمل بالنبوي على
كلا النقلين لا يخلو من إشكال .
أمّا الأوّل : فقد
جعل الضابطة مخالفة الكتاب وهي ضابطة تامّة لكن عدّ الولاء لغير المعتق من مصاديقها ليس بصحيح وأمّا الثاني فقد جعل الضابطة ما ليس في كتاب الله وهو غير تامّ لاستلزامه كون الملاك في صحّة الشرط وجوده في كتاب الله مع أنّ أغلب الشروط السائغة غير موجودة فيه .
الثاني :
هل الشرط عدم المخالفة للكتاب كما هو مفاد الصنف الأوّل من الروايات أو الشرط الموافق له ؟
والظاهر هو الأوّل ، وذلك
لأنّ دأب القرآن وديدنه هو بيان المحرّمات ، لا المحلّلات وضعاً وتكليفاً ، فمجرّد كونه غير مخالف للكتاب يكفي في الحلّيّة والنفوذ خصوصاً أنّ الشروط بين المتعاقدين متوفرة نوعاً وصنفاً ، فترقب ورودها بأنواعها وأصنافها فضلاً عن أشخاصها في الكتاب في غير موضعه ، فتكون النتيجة مانعية المخالفة ، لا شرطية الموافقة ، فالناظر في الروايات يقدّم مانعية __________________
المخالفة
على شرطية الموافقة .
هذا كلّه إذا أُريد
من الكتاب ، القرآنُ ، وأمّا إذا أُريد منه الدين وأنّ الكتاب رمز للشريعة الإسلامية الغرّاء ، فبما أنّ لكلّ موضوع حكماً شرعياً في الشريعة ، فلا
واسطة بين عدم المخالفة والموافقة ، فإذا لم يكن مخالفاً يكون طبعاً موافقاً قطعاً
.
الثالث :
هل المراد من السنّة الواردة في الصنف الثالث هو الحكم الوارد في لسان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مقابل وروده في الكتاب ، أو المراد منه
هو الطريقة والشريعة الإلهية سواء ورد في لسان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أو في القرآن المجيد ؟
والظاهر هو الثاني ، لما
ورد في الصنف الثالث من صحيحة محمد بن قيس ، عن أبي جعفر عليهالسلام حيث وصف مَن جَعَلَ الجماع والطلاق بيد
الزوجة بأنّ الشارط خالف السنّة ، والمراد من السنّة هو قوله سبحانه : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ) .
والشاهد على أنّ
المراد من السنّة في رواية ابن قيس هو الكتاب ، خبر إبراهيم بن محرز ، قال : سأل رجل أبا عبد الله عليهالسلام وأنا عنده ، فقال : رجل قال لامرأته : أمرك بيدك ؟ قال : « أنّى يكون هذا ، والله يقول : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ) ليس هذا بشيء » .
الرابع :
انّ اشتراط فعل أيّ شيء أو تركه ، يوجد ضيقاً على المشروط عليه بعد ما كان هو مخيّراً فيه ، وهذا ما يسمّى بالإيجاب والتحريم الشرطيّين ، فلو باع
وشرط على المشتري أن يخيط له قميصاً ، أو يعلّمه القرآن أو يطلّق زوجته ، فقد شرط عليه شيئاً كان له فيه التخيير بين الفعل والترك قبل الاشتراط ، حيث إنّ __________________
الأوّل
مباح والثاني مستحبّ ، والثالث مكروه ، ويشترك الجميع في عدم إيجاب من الشارع على الفعل والترك ، لكنّه بعد الاشتراط يجب عليه القيام بما اشترط ، ولا يعدّ الإلزام على فعل المباح والمستحبّ أو المكروه مخالفاً للشريعة ، لأنّ الشارع
لم يُلزم الأخذ بأحد الطرفين بل شرّع التخيير بين الفعل والترك ، من غير فرق بين ما يتساوى فيه الطرفان من حيث الرجحان ـ كما في المباح ـ أو يرجّح الفعل كما في المستحبّ ، أو يرجّح الترك ، كما في المكروه ، فإذا شرط عليه أحد الأُمور ، فقد
أُلزم بالأخذ بأحد طرفي التخيير حسب الاتفاق . ولو كان الإلزام بأحد هذه الأُمور مخالفاً للكتاب والسنّة ، يلزم انحصار صحّة الشرط في فعل الواجب وترك الحرام ومن المعلوم بطلانه .
يقول المحقّق المراغي
: لو كان الفعل والترك ممّا رُخّص فيه ـ كطلاق الزوجة ، وبيع الدار ، وأكل الرمان ، والقعود يوم الجمعة في الدار ، والسير إلى مكان ، و نحو ذلك ممّا لا أمر فيه للشارع ولا نهي ـ فيجوز اشتراط فعل وترك من دون إشكال وليس داخلاً في مخالف الكتاب والسنّة .
وبعبارة أُخرى : كلّ
شرط ـ مع قطع النظر عن لزوم العمل بالشرط ـ لم يرد في الشرع ما يدلّ على الإلزام فيه بفعل أو ترك ، فلا مانع من اشتراطه . كما لا
مانع من اشتراط ما أوجب الشرع فعله أو تركه ، فيكون اشتراط الواجب أو ترك الحرام على المكلّف عندئذٍ ، نظير النذر على فعل الواجب أو تركه .
فإن قلت : إنّ اشتراط فعل المباح أو عديله ، تدخّل في سلطان الله في
تشريعه حيث فرض على المشروط عليه ما أباحه الله وخيّره بين الفعل والترك . إذ لا يؤمَّن غرض الشارط إلّا أخذ المشروط عليه بواحد من الطرفين .
قلت :
إنّ الشارط لا يتدخّل في سلطان الله في تشريعه بل يسلّم أنّه باق في __________________
الشريعة
على ما كان من الحكم من الإباحة والاستحباب والكراهة ، غير أنّ غرض الشارط لمّا تعلّق بواحد من الطرفين لا كليهما ، يشترط عليه أن يأخذ في المباح
مثلاً بجانب الفعل دون الترك ، فالتشريع قائم بحاله لا تمُسُّ كرامته ، والشرط يتعلّق بفعل المكلّف .
وليس الشرط بهذا
المعنى نادراً في بابه وكم له من نظير ، فإذا أمر الوالد ، ونذر الناذر ، وحكم الحاكم بغير الواجبات والمحرّمات ، يجب على المكلّف الحركة على وفق النذر ، وأمر الوالد ، وحكم الحاكم ، وإن كان الفعل في ذاته غير واجب ولا محرّم .
إذا عرفت ذلك ، فلندخل
في صلب الموضوع :
ما هو الميزان لتمييز
المخالف عن الموافق ؟
المراد من عدم جواز
اشتراط مخالف الكتاب والسنّة ، هو المنع عن اشتراط ما يطرده المصدران ، سواء أكان في مجال الأحكام الوضعية أم التكليفية ، فلو كان للشارع في واقعة حكم وضعي أو تكليفي إلزامي ، فلا يجوز اشتراط ما يخالف وضعه أو تكليفه المتمثّل بصورة الأمر والنهي غالباً ، وإليك بعض الأمثلة في كلا المجالين :
شرط ما يخالف الحكم
الوضعي
التشريع الإسلامي يتضمّن
أحكاماً وضعية في مجال العقود والإيقاعات والسياسات فهي أحكام ثابتة لا تمسّ كرامتُها مطلقاً لا قبل الشرط ولا بعده ، مثلاً :
١ . الولاء للمعتِق ،
فجعله لغيره مخالف له .
٢ . الطلاق والجماع
بيد الزوج فجعلهما بيد الزوجة يخالفه .
٣ . التركة كلّها
تورّث ، فاشتراط عدم موروثية الأمة عند البيع ، يخالفه .
٤ . التركة كلّها
للوارث ، وتسهيم الأجنبي وتوريثه يخالفه .
٥ . الزوج والزوجة
يتوارثان على ضابطة خاصّة ، واشتراط ضابطة أُخرى في عقد النكاح يخالفها .
٦ . ولد الحرّ محكوم
بالحرّية ، واشتراط رقّيّته عند تزويج الأمة إيّاه يخالفه .
وبذلك تبيّن حال جميع
الأحكام الوضعية التي لا تقبل الخلاف والنقاش ، فكلّ شرط خالف بمدلوله العرفي الحكمَ الوضعي المجعول في الشرع ، فلا يجوز اشتراطه في العقد ، وإليك البحث في الشروط التكليفية .
شرط ما يخالف الحكم
التكليفي
إنّ التشريع الإسلامي
يتضمّن أحكاماً تكليفية إلزامية ، لا يجوز شرط ما يخالفها من غير فرق بين شرط فعل أو تركه ، وإليك بعض الأمثلة :
١ . إذا باع الخل
ويشترط عليه أن يجعله خمراً .
٢ . إذا أجر عاملاً
ويشترط عليه ترك الصوم ليقوم بالعمل .
٣ . إذا نكح المرأة
ويشترط عليها أن لا تمنع من وطئها في المحيض ، إلى غير ذلك من الأمثلة .
فكلّ شرط خالف
بمفهومه العرفي ، الحكم التكليفي المجعول في الشرع فلا يجوز اشتراطه في العقد .
__________________
والحاصل : انّ وزان
النهي عن شرط ما خالف الكتاب والسنّة وزان قول القائل : « أطع أباك إلّا فيما خالف الشرع » ، أو قول الرجل لصديقه : « إنّي أُطيعك
وأسمع قولك إلّا فيما خالف أمر الله » فإنّ معناه أنّ أمر الوالد ، والمولى أو
الصديق من الملزِمات إمّا بأمر من الشارع كما في مورد المولى والأب ، أو بالتزام من
المكلّف بنفسه كما في مورد الصديق ، ولكن لو كان للشرع أمر ونهي أو وضع فهو المتّبع لا أمر الوالد والمولى والصديق ، وإن لم يكن للشارع فيه أمر ولا نهي ولا جعل غاية الأمر امّا رخصة أو سكوت فالمتّبع أمرهم .
ونظير هذه الأُمور
اشتراط شيء في العقد محكوم في الشرع بحكم وضعي أو تكليفي فلا يصحّ اشتراط ما يخالف أحد التكليفين .
حصيلة البحث
إنّ التشريع السماوي
نزل لإسعاد البشر فلو عمل به لساقه إلى أعلى درجات الكمال ، وبما أنّ النبيّ الأكرم خاتم الأنبياء ، وكتابه خاتم الكتب ، ورسالته خاتمة الرسالات أضفى سبحانه على شريعته ، وصف الثبات والبقاء إلى يوم القيامة ، فحلاله وحرامه باقيان إلى يوم البعث .
ولكن البشر الجاهل
ربّما يتلاعب بأحكامه سبحانه بطرق وحيل ، فيخالف ما سنّه وشرّعه ، لكن بصورة قانونية ، فيجمع ـ بزعمه ـ بين الهوى والشرع ، فأراد سبحانه أن يسدّ هذا الباب في وجهه ليصون بذلك أحكامه عن التلاعب فحكم أنّه :
١ . ليس لأحد
المتعاملين اشتراط ما خالف كتاب الله وسنّة رسوله بحجّة قوله سبحانه : (
أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) .
__________________
٢ . لا يصحّ الحلف
على ما حرّمه سبحانه ، لئلّا يعصيه بحجة : (
وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ) .
٣ . ليس لأحد نذر أمر
حرام لئلّا يرتكبه متمسّكاً بقوله : (
وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) .
ولأجل ذلك تضافرت
عنهم عليهمالسلام أنّه : لا نذر في معصية
، ولا يمين في قطيعة .
٤ . ليس لأحد أن
يشترط ما خالف كتاب الله وسنّة نبيّه ، لغاية ارتكاب المعصية تحت غطاء الاشتراط .
فأحكامه سبحانه لها
كرامتها الخاصة لا يصحّ التلاعب بها ، ولا مسّها بسوء ، أي بهذه العناوين ، بل نسخها وتخصيصها أو تحديدها إلى أمد كالضرر والحرج بيده سبحانه ، ليس لأحد سواه أيُّ تدخّل في شؤون التشريع .
فإذا كان الأمر كذلك
فلا فرق بين الأحكام الوضعية والتكليفية الالزاميّة ، فلا يجوز إيجاد أيِّ خدش فيها ، بل تجب صيانتها عن أيّ تصرّف .
وبذلك تقدر على تمييز
الموافق عن المخالف ، فإنّ كلّ ملتزم يعدّ مخالفاً لنفس التشريع بالدلالة المطابقية فهو شرط مخالف في كلا المجالين : الوضعية ، و التكليفية . وكلّ شرط لا يكون بالدلالة المطابقية مخالفاً لما شرّعه الشارع فلا
يعدّ مخالفاً ، فلو شرط في العقد ، ترك الواجب أو فعل الحرام يعدّ شرطه مخالفاً للكتاب والسنّة بالدلالة المطابقية .
__________________
وأمّا لو شرط الأخذ
بأحد طرفي المستحب أو المكروه أو المباح فلا يعدّ شرطه مخالفاً لهما مطلقاً ، لا بالمطابقية ولا بالالتزامية ، إذ لم يسبق من الشارع
الزام بأحد الطرفين معيّناً ، حتّى يعدّ شرط الطرف الآخر مخالفاً لما ورد في كتابه وسنة نبيّه
.
وفي الختام نؤكّد على
أنّ تمييز الشرط الحلال عن الحرام أو عن ما فيه المعصية ، رهنُ دراسة مجموع ما ورد في هذا المجال في أبواب مختلفة ، كالصلح ، والشروط ، واليمين ، والنذر ، وغير ذلك حتّى يخرج بنتيجة واحدة ، وهي أنّ المقياس مخالفة نفس الشرط بالمدلول المطابقي ، لما دلّ عليه الكتاب والسنّة كذلك .
قد تقدّم أنّ روايات المقام على أصناف
ستّة مبثوثة في أجزاء وأبواب مختلفة في كتاب الوسائل ، فعليك جمع الروايات من تلك الأبواب وتمييز الصحيح عن غيره بدراسة أسانيدها على ضوء الكتب الرجالية .
|
الفصل الخامس
عدم كونه مخالفاً
لمقتضى العقد
من شرائط صحّة الشرط
المأخوذ في العقد ، أو المبنيُّ عليه العقد ، ـ بناءً على كفاية البناء من الأخذ في العقد ـ أن لا يكون مخالفاً لمقتضى العقد .
وتوضيح ذلك رهن بيان
أقسام الشرط المخالف لمقتضى العقد .
ينقسم الشرط المخالف لمقتضى العقد إلى أقسام أربعة :
١ . أن يكون مخالفاً
لماهيّة العقد .
٢ . أن يكون مخالفاً
لمنشَئه .
٣ . أن يكون مخالفاً
للازمه العرفي .
٤ . أن يكون مخالفاً
لإطلاق العقد .
وإليك دراسة الجميع
واحداً تلو الآخر .
١
. ما يكون مخالفاً لماهيّة العقد
إنّ لكلّ عقد ماهيّة
اعتبارية بها تتحقّق وبانتفائها تفوت الماهية ، وذلك __________________
كالبيع
والإجارة والصلح والجعالة والسبق والرماية ، فإنّ الجميع يقتضي بالذات المعاوضة والتمليك ، فالبيع بلا عوض والإجارة بلا تمليك المنفعة ، يخالف ماهيّة العقد وواقعه .
ونظير ما ذكرنا
المضاربة ، فإنّها معاملة بحصّة من الربح ؛ والمزارعة ، فإنّها معاملة على الأرض بحصّة من النماء ؛ والمساقاة ، فإنّها معاملة على الأُصول بحصّة من الثمرة ، فالمضاربة بلا مشاركة في الربح ، أو المزارعة بلا مشاركة في النماء ، أو
المساقاة بلا مشاركة في الثمرة ، تنفي ماهيّة هذه العقود وواقعها .
٢
. ما يكون مخالفاً لمنشئه
إذا قال : بعت هذا
بهذا ، فقد أنشأ ملكية المثمن لمن خرج الثمن عن ملكه ، فإذا شرط وقال : يشترط أن يكون المثمن وقفاً للمسجد ، أو ملكاً لابنه ، فقد شرط ما ينافي المنشئ ، ولو صحّ يلزم الالتزام بشيئين متضادّين .
٣
. ما يكون مخالفاً لأثره العرفي
ربّما يكون للعقد أثر
عرفي لا ينفك عنه عند العرف ، بحيث يساوي سلبُه سلبَ المعاملة عرفاً ، فيكون نظير اشتراط ما يخالف منشئه .
مثلاً إذا قال : بعت
هذا بهذا بشرط عدم تسليم المبيع للبائع ، فالشرط وإن لم يكن منافياً لماهيّة العقد ولا مقتضاه ، فإنّ هناك تبادلاً بين المالين وإنشاءً
لمالكية كلّ من المتبايعين المثمنَ والثمنَ ، ويكفي في صدق البيع وتحقّق ماهيته ، هذا المقدار من الإنشاء والالتزام لكن لما كانت الغاية من البيع هي السيطرة على المبيع ، فاشتراط عدمها في نظر العرف مساوق لعدم مالكيته ، فهي من اللوازم العرفية التي يساوق نفيها نفي مقتضي البيع وإن لم يكن في الواقع كذلك .
ونظيره : ما إذا شرط
عدم التصرّف في المبيع طيلة عمره لا خارجياً ولا اعتبارياً كأن يعتقه ، فيكون مساوقاً لعدم المالكية . نعم إذا شرط سلب بعض التصرّفات ككونه مسلوب المنفعة سنة ، أو شرط خصوص عدم بيعه أو إجارته ، أو شرط بيعه من شخص خاص ، مع عدم المنع عن سائر التصرّفات ، فلا يعدّ مخالفاً لمقتضى العقد إذا كانت هناك منافع سائغة يبذل بإزائها الثمن ويباع الشيء ويشترى لأجلها ، وليس ذلك بمنزلة سلب السلطنة بل تحديد لها عن إذن ورغبة .
والحاصل أنّ المنافي
عبارة عن إنشاء معاملة عارية عن الأثر المطلوب منها عند العرف وليس المقام كذلك .
فتلخّص ممّا ذكرنا
أنّ كلّ شرط يعدّ مخالفاً لمقتضى العقد ، امّا مخالفاً لماهيته ، أو منشَئه ، أو مخالفاً لأثره غير المنفك عنه عرفاً ، فالشرط فاسد غير نافذ .
وأمّا الأثر الشرعي
اللازم لكون الطلاق بيد الزوج ، فلا يعدّ شرط كونه بيد الزوجة مخالفاً لمقتضى العقد ، لأنّ أسماء العقود أسماء للصحيحة عند العرف ، والمفروض أنّه ليس من الآثار اللازمة عند العرف ، فالعقد محقّق والشرط يخالف الكتاب والسنّة لا مقتضى العقد .
٤
. ما يكون مخالفاً لإطلاق العقد
إنّ هنا آثاراً
وأحكاماً يقتضيها إطلاق العقد بحيث لو لم يقيّد بوصف أو وقت أو مكان ، يترتّب عليه الأثر ، وبعبارة أُخرى : ينصرف إليه اللفظ ، أو يحكم بأنّه المقصود ، ما لم يصرّح بخلافه ، فإذا صرّح بالخلاف يكون الثاني هو المتّبع
دون إطلاق العقد .
وإليك بعض ما يُعدّ
من آثار إطلاق العقد ، ويكون معتبراً ما لم يصرّح بالخلاف .
١ . إذا أوصى أو وقف
فلازم إطلاق الوقف والوصيّة التسوية بينهم وإن اختلفوا بالذكورية والأُنوثية .
٢ . إذا باع فلازم
الإطلاق كون الثمن نقداً ما لم يشترط خلافه .
٣ . إذا باع المكيل
أو الموزون فمقتضى إطلاق العقد هو الكيل والوزن المعتاد في البلد .
٤ . إذا زارع فمقتضى
إطلاق العقد ، زرع ما شاءه العامل .
٥ . إذا باع أو صالح
أو آجر فمقتضى إطلاق المعاوضة كون العوض والمعوّض حالّين ، فالمقتضيات متّبعة إلّا أن يشترط خلافه .
ما هو الدليل على بطلان
الشرط المنافي ؟
استدلّ الشيخ على
شرطية عدم منافاة الشرط لمقتضي العقد بوجهين :
أ : وقوع التنافي في
العقد المقيّد بهذا الشرط ، بين مقتضاه الذي لا يتخلّف عنه ، وبين الشرط الملازم لعدم تحقّقه ، فيدور الأمر بين أُمور :
١ . الوفاء بالمشروط
والشرط معاً ، وهو مستحيل للمطاردة بينهما .
٢ . الوفاء بالشرط
دون المشروط ، وهو مثله لعدم إمكان الوفاء به من دون المشروط .
٣ . الوفاء بالمتبوع
دون التابع .
٤ . أو الحكم
بتساقطهما .
وعلى كلّ تقدير يسقط
العمل بالشرط .
ب : أنّ الشرط
المنافي لمقتضى العقد ، مخالف للكتاب والسنّة الدالّين على عدم تخلّف العقد عن مقتضاه ، فاشتراط تخلّفه عنه ، مخالف للكتاب .
توضيحه : إنّ الكتاب
والسنّة يأمران بالوفاء بالعقود ، يقول سبحانه : (
أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ومعنى الوفاء بالعقود هو الأخذ
بمقتضاها والشرط المنافي لمقتضى العقد إذا وجب الوفاء به يكون معناه ، يجب الوفاء على خلاف مقتضى العقد وهو مخالف لمضمون الآية .
يلاحظ عليه : أنّ مرجعه إلى الشرط الرابع ، مع أنّ المفروض كونه شرطاً مستقلاً .
إذا اشترط أحد الشريكين أن يكون
سهيماً في الربح دون الخسران ، فهل يعدّ هذا مخالفاً لمقتضى العقد ؟
لاحظ : المتاجر ، قسم الخيارات ، ص
٢٨١ ؛ المختار في أحكام الخيار ، ص ٤٨٣ .
|
الفصل السادس
انتفاء الجهالة
الموجبة للغرر
من شرائط صحّة العقد
، عدم الجهالة ، قال الشهيد في « اللمعة » : « ويصحّ اشتراط سائغ في العقد إذا لم يؤدّ إلى جهالة في أحد العوضين » .
وقال المحقّق المراغي
في ضمن بيان الشروط الخارجة عن القاعدة : الشرط المؤدّي إلى جهالة في أحد العوضين .
وقال الشيخ الأنصاري
: أن لا يكون الشرط مجهولاً يوجب الغرر في البيع ، لأنّ الشرط في الحقيقة كالجزء في العوضين .
والظاهر من هذه
العبارات أنّ بطلان الشرط المجهول لأجل سراية جهالة الشرط إلى جهالة العوضين ، وقد ثبت في محلّه ( باب شرائط العوضين ) أنّ الجهل بالعوض أو العوضين مبطل للبيع .
توضيحه : إنّ الشرط
لما كان مرتبطاً بالعقد فيكون بمنزلة وصف مأخوذ في أحد العوضين من جهة المعاوضة ، وحكمه بمنزلة أصل العوضين ، فكما أنّ __________________
العوضين
لو كانا أو أحدهما مجهولي الوصف تبطل المعاملة للزوم الغرر ، فكذلك الشرط إذا جهل بنفسه أو شرط على نحو يوجب تزلزلاً وتردّداً في العوض قابلاً للنقص والزيادة فيبطل ، لأنّ ذلك راجع إلى أصل العوض .
مثلاً إذا باع وشرط
على المشتري أن يخيط له ثوباً ما ، أو يبني جداراً ما ، فإنّ الجهالة في الموردين تسري إلى الجهالة في الثمن . وذلك لأنّ هناك ثوباً يخاط
بدينار وثوباً يخاط بمائة دينار فإذا اشترط عليه الخياطة المجهولة يكون الثمن مجهولاً .
أقول :
إذا كان وجه بطلان الشرط المجهول هو سرايته جهالة إلى العوضين يجب استثناء موردين :
الأوّل :
إذا كان الشرط المجهول تابعاً غير مقصود بالأصالة ، كما إذا باع دجاجاً مع بيضه فلا يضرّ الجهل بحال البيض من حيث الصغر والكبر ، ومثل ما إذا باع حيواناً مع حمله ، ففي هذا المورد يصحّ العقد قطعاً ، لعدم استلزام الجهل بالشرط الجهلَ بالمعوض .
الثاني :
إذا كان وجه البطلان سراية جهالة الشرط إلى جهالة أحد العوضين فلا بدّ من التفصيل بين عقد يداق فيه كالبيع والإجارة ونحو ذلك ، وعقد لا يداقّ فيه ويتحمّل فيه الجهالة كالصلح ، فإنّ أساسه على التسامح والتساهل ، كما أنّه لا بدّ من التفصيل في الصلح أيضاً بين المقدار الذي يُتحمّل فيه ، وما لا
يتحمّل ، فيحكم بالبطلان في الثاني دون الأوّل .
وعلى كلّ تقدير فليس
هذا الشرط ، أمراً مستقلاً بل يرجع إلى عدم مخالفته للكتاب والسنة ( الشرط الرابع ) لأنّ السنّة دلّت على شرطية معلومية العوضين ، فاشتراط الشرط المجهول ، كأنّه نفي لوجوب معلومية العوضين .
__________________
ثمّ إنّه ربّما
يستدلّ على بطلان الشرط المجهول بما رواه الفريقان عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم انّه نهى عن بيع الغرر .
والاستدلال إنّما يتم إذا كان الغرر بمعنى الجهل وهو بعد غير ثابت ، بل هو إمّا بمعنى الخدعة ، أو الخطر ، فلاحظ « المقاييس » لابن فارس ، و « النهاية » لابن الأثير و « اللسان » لابن منظور وكلا
المعنيين غير صادقين في المقام .
هل ورد الحديث بلفظ آخر أيضاً أي « نهى
النبي عن الغرر » مجرّداً عن لفظ البيع أو لم يرد ؟ فليلاحظ مصادر الحديث .
|
__________________
الفصل السابع
عدم استلزامه المحال
ربّما يكون الشرط
محالاً بالذات كالجمع بين الضدّين ، وربّما يكون ممكناً بالذات ويكون وجوده
رهن أسباب خاصّة كالنكاح والطلاق ، فإنّها من الأُمور الاعتبارية الممكنة المتحقّقة بأسبابها الخاصّة .
أمّا الأوّل : فهو
خارج عن محطّ البحث ، لأنّه خارج عن قدرة المكلّف أوّلاً ومقاصد العقلاء ثانياً ، وقد أسلفنا الكلام في هذا النوع من الشرط ، في الشرط
الأوّل فلاحظ .
أمّا الثاني : فهو
محطّ البحث ، كما إذا باع أو آجر ، وشرط أن تكون بنتُه زوجة له بهذا الشرط ، أو زوجته مطلّقة بهذا الشرط من دون حاجة إلى عقد جديد ، وهذا ما يقال من استلزامه المحال ، لأنّ النكاح والطلاق لا يتحقّقان في عالم الاعتبار
إلّا بصيغة خاصّة فشرط تحقّقهما بنفس الشرط دون تحقّق أسبابه يرجع إلى شرط ما يستلزم المحال ، لاستلزامه تحقّق المعلول بدون علّته .
هكذا ينبغي أن يوضح
المقام غير انّ العلّامة أوضح حال هذا الشرط بوجه آخر وقال : إذا باعه شيئاً بشرط أن يبيعه إيّاه لم يصحّ سواء اتّحد الثمن قدراً أو
جنساً ووصفاً أو لا ، لاستلزامه الدور ، لأنّ بيعه له يتوقّف على ملكيته له ، المتوقّفة
على
بيعه ( أي العمل بالشرط ) فيدور ، بخلاف ما لو شرط أن يبيعه من غيره فإنّه يصحّ عندنا حيث لا منافاة فيه للكتاب والسنّة ـ ثمّ قال : ـ لا يقال : ما التزموه
من الدور آت هنا ، لأنّا نقول : الفرق ظاهر ، لجواز أن يكون جارياً على حدّ التوكيل
أو العقد الفضولي بخلاف ما لو شرط البيع من البائع .
يلاحظ عليه : أوّلاً : الاشتراط لا يستلزم الدور ، لأنّ ملك المشتري متزلزلاً لا يتوقّف على العمل بالشرط ، بل يتوقّف على إنشاء البائع وقبوله وقد حصل . نعم لزومه يتوقّف على العمل بالشرط فلا دور ، وبيعه ثانياً من البائع يتوقّف على تلك الملكية الحاصلة ، غير المتوقّفة على العمل بالشرط .
وثانياً : لو سلّمنا الدور فلا فرق بين بيعه من البائع أو غيره ، لأنّ
البيع الثاني مطلقاً متوقّف على ملكيته المتوقّفة على البيع الثاني ( العمل بالشرط ) .
واحتمال كون بيعه
الثاني من باب التوكيل أو العقد الفضولي خلاف الفرض ، ولأجل ذلك يخرج المبيع عن ملك المشتري ويدخل الثمن في ملكه لا في ملك البائع الأوّل .
__________________
الفصل الثامن
الالتزام بالشرط في
متن العقد
المشهور انّه يشترط
في لزوم الوفاء بالشرط أن يُلتزم به في متن العقد فلو تواطآ عليه قبله لم يكف ذلك في التزام المشروط ، وقد ادّعى الشيخ الأعظم فيه عدم العلم بالخلاف عدا ما يتوهّم من ظاهر « الخلاف » للشيخ و « المختلف » للعلّامة .
أقول :
الشروط غير المذكورة في العقد على أقسام ثلاثة ، والنزاع في القسم الثالث دون الأوّلين فهما خارجان عنه ، وهذه الأقسام عبارة عن :
١ . إذا أنشأ شرطاً
على نفسه قبل العقد كالخياطة ، التزاماً ابتدائياً وبقي أثره في ذهنه إلى حين انعقاد البيع ، من دون تقييد أحدهما بالآخر لا لفظاً ولا قصداً .
٢ . إذا أنشأ
التزاماً بشيء ووعد بإيقاع العقد مقيّداً به في عالم القصد فأخلف وعده ، ولم يوقعه مقيّداً .
٣ . تلك الصورة لكنّه
وفى وقيّد العقد في ضميره بالشرط ، وهذا هو ما يقال الشرط المبنيّ عليه العقد .
ثمّ إنّ المشهور عدم
الاعتداد بالشرط غير المذكور في العقد ، وهو خيرة
الشيخ
الأنصاري ، وكان سيّد مشايخنا العلّامة السيّد
محمد الكوهكمري من المصرّين على لزوم ذكر الشرط في العقد ، غير أنّ لفيفاً من المحقّقين أنكروا ذلك الأصل ، منهم : النراقي في عوائده ، والسيّد
الطباطبائي في تعليقته على الخيارات ، والشهيدي في حاشيته .
وقد استدلّ الشيخ
بوجوه :
١ . الإجماع .
يلاحظ عليه : أنّ الإجماع مدركي ، ولعلّ المجمعين استندوا إلى الوجوه الآتية .
٢ . الشرط من أركان
العقد .
يلاحظ عليه : انّه مجرّد إدّعاء لا دليل عليه بل هو من توابع العقد كما هو الواضح من ذكر الشروط بعد العوضين .
٣ . إنّ الشرط كالجزء
من العوضين ، فيجب ذكره في الايجاب والقبول كأجزاء العوضين .
يلاحظ عليه : بأنّه لو سلّمنا كونه جزءاً من العوضين ، لا دليل على ذكر كلّ
ما يعدّ جزءاً منه ، كما في الشروط التابعة للمبيع كالثمرة على الشجر ، بل لا دليل
على لزوم ذكر العوضين في العقد ، بل يكفي مجرّد قوله : بعت واشتريت إذا عيّن المثمن والثمن ، فما نقل عن الشهيد في « غاية المراد » من وجوب ذكر الثمن في __________________
العقد
وعدم الاستغناء عنه بذكره سابقاً ، غير واضح جدّاً .
٣ . ما يستفاد من
كلام المحقّق المراغي من أنّ الشرط في العقد إنّما هو بمعنى الربط وإحداث العلاقة بين العقد والشرط ولا يطلق الشرط على الإلزام المستقل الذي لا ربط له بشيء آخر . ولا يتحقّق الربط بمجرّد اتفاق الطرفين
ما لم يقع تحت الإنشاء .
يلاحظ عليه : أنّه يكفي في الربط ، إنشاء الالتزام بالشرط قبل العقد
وإيقاعه عليه ، مرتبطاً به في القصد والضمير ، والربط الاعتباريّ كما يحصل بذكره في متن العقد ، يحصل بإنشاء الشرط قبل العقد ، ثمّ إنشاء العقد مبنيّاً عليه .
وقد عرفت أنّ محلّ
النزاع فيما إذا أُنشئ الشرط قبل العقد ، ثمّ عقدا بانين على الشرط المنشأ قبله .
٤ . يدلّ لفيف من
الروايات أنّه لا عبرة بالشرط المتقدّم والمتأخّر .
أ : عن ابن بكير : قال
: قال أبو عبد الله عليهالسلام : « إذا اشترطت على المرأة شروط المتعة ، فرضيت به وأوجبت التزويج ، فاردد عليها شرطك الأوّل بعد النكاح فإن أجازته فقد جاز ، وإن لم تجزه فلا يجوز عليها ما كان من شرط قبل النكاح » .
ب : عن عبد الله بن
بكير ، قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام : « ما كان من شرط قبل النكاح هدمه النكاح ، وما كان بعد النكاح فهو جائز » .
ج : عن محمّد بن مسلم
، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قول الله عزّ وجلّ : ( وَلَا جُنَاحَ
عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَة )
؟ فقال : « ما تراضوا به من بعد النكاح فهو جائز ، وما كان قبل النكاح فلا يجوز إلّا برضاها وبشيء يعطيها __________________
فترضى
به » .
وجه الاستدلال : هو
ظهور الروايات في أنّه لا عبرة بالشرط قبل النكاح وإنّما العبرة بالشرط المذكور بعد قوله « أنكحت » فيكون من أقسام الشروط المذكورة في متن العقد وهو المراد من قوله : « بعد النكاح » وإلّا فلو أُريد الشرط
المتأخر عن العقد فيتوجّه السؤال إلى أنّه أيّ فرق بين المتقدّم والمتأخّر .
يلاحظ عليه : أنّ مورد الروايات هو عقد المتعة وقد ورد عنهم عليهمالسلام بسند صحيح لا تكون متعة إلّا بأمرين : بأجل مسمّى وأجر مسمّى
فدلّ على أنّ المائز بينها وبين الدائم هو ذكر أمرين : الأجل والأجر ، فذكرهما من أركان المتعة و ـ لذا ـ لو قصد المتعة وأخلّ بذكر الأجل فالمشهور انّه ينعقد دائماً ، لأنّ لفظ الإيجاب صالح لكلّ منها وإنّما يتمحض للمتعة بذكر الأجل ، والدوام بعدمه فإذا انتفى الأوّل ثبت الثاني .
وبذلك تبيّن اختصاص
الروايات بباب المتعة ، لأنّ ذكر الأجل والأجر فيها من الأركان فلا عبرة للمتقدّم والمتأخّر ، ولا إطلاق فيها بالنسبة إلى غير موردها
ممّا لا يعدّ الشرط من الأركان .
فإن قلت : إنّ رواية محمد بن مسلم مطلق يعمّ الدائم والمنقطع .
قلت :
ليس كذلك ، فإنّ في السؤال قرينة على أنّ المراد هو العقد المنقطع ، وذلك لأنّ الراوي سأل عن قوله عز وجلّ : (
وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ) وهو جزء من آية المتعة ، لمجيئه بعد
قوله سبحانه : (
فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ
فِيمَا تَرَاضَيْتُم . . . ) .
ومنه تعلم حال رواية
ابن بكير .
__________________
الفصل التاسع
تنجيز الشرط
والمراد من تنجيز
الشرط هو ذكر الشرط في العقد على وجه التنجيز ، بأن يقول : بعتك هذا بدرهم على أن تخيط لي قميصاً ، فخرج ما إذا كان الشرط مقيّداً بقيد كأن يقول : « بعتك هذا بدرهم على أن تخيط لي قميصاً إن جاء زيد » فالخياطة شرط ، وهو مقيّد بمجيء زيد .
والدليل على ذلك هو
انّهم اتّفقوا في باب شرائط العقود على لزوم كون العقد منجّزاً لا معلّقاً ، واستدلّوا عليه بوجوه :
١ . الإجماع المحصّل
في كلمات الأصحاب قديماً وحديثاً بحيث لا يعرف منهم مخالف في هذا الباب .
٢ . إنّ التعليق في
العقد مناف لوضع العقود والإيقاعات المتعارفة بين الناس .
إلى غير ذلك من
الوجوه المذكورة في محلّها .
فإذا تبيّن لزوم كون
العقد منجّزاً لا معلّقاً ، رتّبوا على ذلك لزوم كون الشرط __________________
أيضاً
منجّزاً لا مقيّداً ، وذلك لأنّ تقييده يسري إلى العقد ( اصل المعاوضة ) بعد ملاحظة رجوع الشرط إلى جزء من أحد العوضين ، فإنّ مرجع قوله : « بعتك هذا بدرهم على أن تخيط لي قميصاً إن جاء زيد » إلى أنّ المعاوضة بين المبيع وبين الدرهم المقرون بخياطة الثوب على تقدير مجيء زيد .
يلاحظ عليه : أنّ القيد في جانب الشرط يرجع إلى الخياطة فقط فهو هادم للإطلاق في جانب الشرط ( على أن تخيط . . . ) ولا يرجع إلى أصل المعاوضة ( أي البيع ) ، فالخياطة المقيّدة بمجيء زيد ، هو الشرط ، فيكون القيد راجعاً إلى الشرط
لا أصل المعاوضة ، والمتيقن هو كون البيع منجّزاً لا معلّقاً ، وأمّا كون الشرط منجّزاً لا معلّقاً فلم يدل عليه دليل .
فظهر ممّا ذكرناه
أنّه لا يشترط تنجيز الشرط بل يجوز تعليقه بشيء .
تمّ الكلام في شروط
صحّة الشرط
المقصد الخامس
أحكام الشروط
إذا اشترط فعلاً على
المشروط عليه حتّى يقوم به بعد العقد ، فله أحكام :
١ . صحّة الاشتراط في
العقود .
٢ . وجوب الوفاء
بالشرط .
٣ . جواز إجبار
المشروط عليه على إنجاز الشرط .
٤ . ثبوت الخيار مع
القدرة على الإجبار وعدمه .
٥ . حكم الشرط
المتعذِّر .
٦ . جواز إسقاط الشرط
الصحيح .
٧ . حكم الشرط الفاسد
.
الأوّل
: صحّة الاشتراط في العقود
لا ريب أنّ الشروط
خارجة عن اسم العقود وإنّما هو شرط لاحق ، يربطه العاقد بالعقد ويقصدهما معاً على نحو التركيب ، فيحتاج في إثبات صحّة هذا الربط إلى دليل يدلّ على صحّة الأخذ .
وقد استدلّ على صحّة
الأخذ بأُمور مذكورة في محلّها أوضحها أنّ المعاملات ليست مبنية على التعبّد بل هي أُمور مجعولة عند العقلاء على نحو يتمّ به النظام ، والشارع قرّرهم على ذلك ، فكلّ معاملة شائعة بين الناس ، يُحكم بصحّتها شرعاً لكشف الشيوع عن تقرير الشارع إلا ما ورد المنع عنه ، والمفروض عدم ورود منع من الشارع بل ورد الأمر بالعمل بالشرط حيث قال : « المؤمنون عند شروطهم » .
وبما أنّ المسألة من
الوضوح بمكان نكتفي بهذا المقدار .
الثاني
: وجوب الوفاء بالشرط
إذا اشترط فعلاً على
المشروط عليه حتّى يقوم به بعد العقد ، فهل يجب عليه القيام به تكليفاً ويكون التخلّف عن الإنجاز عصياناً ، أو لا يجب بل يكون أثر الشرط جعل العقد عرضة للزوال ، وللمشروط له الفسخ عند التخلّف ؟ قولان :
الظاهر هو الأوّل ، أي
كون الوفاء بالشرط أمراً واجباً على المشروط عليه ، ويدلّ عليه أُمور :
١ . قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « المؤمنون عند شروطهم » فهو جملة خبرية تخبر بمفادها المطابقي عن أنّ المؤمن مقرون بشرطه وعهده وهو لا ينفكّ عنه في حياته ، وهذا هو المعنى المطابقي للحديث ، ولكنّ الاخبار كناية عن لزوم الوفاء بالشرط وإنجازه للمشروط له ، نظير ذلك قول القائل : « ولدي يصلّي » فإنّ مفاده المطابقي هو الإخبار عن صلاة ولده في المستقبل ، ولكنّه كناية عن الإلزام بالصلاة وأنّ رغبة الوالد بصلاة الولد وصلت إلى حدّ يخبر عن صلاته في الخارج على وجه القطع ، __________________
فدلالة
مثله على الوجوب آكد من الأمر بها .
ومثله المقام ، فالجملة
الخبرية الحاكية عن عدم انفكاك المؤمن عن شرطه ، كناية عن وجوب الوفاء به ، وأنّ رغبته إلى الوفاء بالشرط بلغت إلى حدّ يخبر عن كون المؤمن غير منفكّ عن شرطه في الخارج .
٢ . مرسلة « المؤمنون
عند شروطهم إلّا من عصى الله » بناء على أنّ الاستثناء من المشروط عليه ، أي أنّ المؤمنين ملتزمون بشروطهم إلّا من عصى الله بالتخلّف .
٣ . موثقة إسحاق بن
عمّار مسندة إلى علي عليهالسلام كان يقول : « من شرط لامرأته شرطاً فليف لها به فإنّ المسلمين عند شروطهم » .
والأمر آية الوجوب .
٤ . انّ الشرط إمّا
جزء من المثمن أو الثمن ، فإذا كان تسليم الثمن والمثمن واجباً تكليفاً بحكم قوله سبحانه : (
أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) يكون القيام بالشرط أيضاً واجباً مثله .
ثمّ إنّ الوجوب
التكليفي يستتبع وجوباً وضعياً بمعنى لزوم الشرط وضعاً كلزوم المشروط .
الثالث
: جواز إجبار المشروط عليه على إنجاز الشرط
هل يجوز إجبار
المشروط عليه على إنجاز الشرط عند الامتناع أو لا يجوز ؟ وليس المراد من الإجبار ، إقدام المشروط له بنفسه بل المراد إرجاع الأمر إلى
الحاكم الشرعي حتى ينتصف منه له ؛ الأقوى هو الجواز ، وذلك لأنّ وجوب الوفاء ليس حكماً تكليفياً صرفاً بل تكليفاً يستتبع حقّاً للمشروط له ، فيجوز له الإجبار ، ضرورة
__________________
أنّ
لكلّ ذي حقّ إجبارَ من عليه الحقّ على أدائه ، من غير فرق بين تعلّقه بمصلحة المتعاقدين وعدمه ، حتّى فيما إذا شرط العتق والوقف لله سبحانه ، إذ ربّما يتعلّق غرض البائع من البيع بعتق المبيع أو جعله وقفاً ، فعندئذٍ يملك الشارط على ذمّة المشروط عليه حقّاً ، وهو أن يقوم بالإعتاق ، والوقف لله سبحانه ، ولأجله يجوز له الإجبار وإن كان ما يقوم به هو العمل لله سبحانه ، وإلى ما ذكرنا يشير الشيخ بقوله : « لعموم وجوب الوفاء بالعقد والشرط ، فإنّ العمل بالشرط ليس إلّا كتسليم العوضين ، فإنّ المشروط له قد ملك الشرط على المشروط عليه بمقتضى العقد المقرون بالشرط فيُجبر على تسليمه » .
الرابع
: ثبوت الخيار مع القدرة على الإجبار
هل للمشروط له الفسخ
مع التمكّن من الاجبار فيكون مخيّراً بينهما أم لا يجوز له الفسخ إلّا مع تعذّر الإجبار ؟ والظاهر هو الأوّل ، لأنّ الدليل الوحيد للخيار في غير ما ورد فيه النص هو بناء العقلاء ، والخيار عند العقلاء ، مترتب على
تخلّف الشرط على وجه الإطلاق سواء أمكن الإجبار أو لا ، وهو حاصل .
استدلّ القائل بأنّ
الفسخ بالخيار في طول الإجبار بالعمل بالشرط بقوله : إنّ الخيار على خلاف القاعدة يقتصر فيه على مورد الضرر وهي غير جارية في صورة إمكان الإجبار ، أو أنّ مدركه الإجماع ، والقدر المتيقّن منه هو غير مورد القدرة كما لا يخفى .
يلاحظ عليه : أنّ مدركه هو بناء العقلاء على الخيار عند التخلّف وهو حاصل ، وذلك لأنّ التعهد من كلّ من الطرفين كان مشروطاً لبّاً بالوفاء بالمعاملة __________________
بتمام
أجزائها وخصوصياتها ، فإذا تخلّف أحد المتعاقدين لم يكن هناك دليل على لزوم الوفاء .
الخامس
: حكم الشرط المتعذّر
قد تعرّفت على حكم
الشرط المتخلّف ، بقي الكلام في حكم الشرط المتعذّر ، نظير ما إذا باع حنطة كلّية وتعهّد أن تكون حمراء ، وفقدت الحنطة الحمراء بعد البيع في السوق ، أو اشترط خياطة ثوب معيّن فسرق الثوب قبل إجراء الخياطة ، ففي المقام قولان :
الأوّل :
ما اختاره المشهور من كونه مخيّراً بين الإمضاء والفسخ ، ووجه ذلك ما ذكره الشيخ الأعظم بأنّ المقابلة عرفاً وشرعاً بين المالين ، والتقييد أمر
معنوي لا يعدّ مالاً وإن كانت مالية المال تزيد وتنقص بوجوده وعدمه .
ولما كان ما ذكره
منافياً لثبوت الأرش في أوصاف الصحة ، قال : إنّ ثبوت الأرش فيها لأجل النص ، فبقيت أوصاف الكمال ( كون الحنطة حمراء ) تحت القاعدة ، أعني : عدم تعلّق الأرش بغير المالين .
وأورد عليه السيد
الطباطبائي بما هذا حاصله : إنّ الوصف والشرط وإن لم يكونا مقابلين بالعوض في مقام الإنشاء إلّا أنّهما مقابلان بالعوض في عالم اللب ، لأنّ المفروض أنّ للوصف والشرط قسطاً من الثمن ، بمعنى أنّهما موجبان لزيادة قيمة العين ونقصانها ، ومقتضى هذه المقابلة جواز الفسخ وجواز الأرش بمعنى جواز استرداد ما يساوي ذلك المقدار في عالم اللب على ما بيّنوه في خيار العيب من نسبة التفاوت بين القيمتين إلى الثمن والأخذ بمقدار النسبة .
__________________
يلاحظ عليه : أنّه قدسسره ببيانه هذا وان مهّد الطريق لجواز أخذ
الأرش ، ولكن كلامه لا يخلو من إشكال ، وهو أنّه ليس في المقام إلّا معاوضة إنشائية حسيّة وليس عن المعاوضة اللبّية بين العقلاء عين ولا أثر ، فليس للمعاملة ظاهر وباطن .
ولو فرضنا وجود
المعاوضتين فتأثير الوصف أو الشرط لبّاً لا يزيد عن تأثير الدواعي الباعثة للبيع بأزيد ، ومن المعلوم أنّ تخلّف الداعي لا يؤثر شيئاً ، ومثله
ما هو الدخيل في ارتفاع القيمة في الضمير .
فالأولى أن يحسم
إشكال الشيخ بالصورة التالية :
إنّ من لاحظ
المعاملات الرائجة بين الناس يقف على أنّ الثمن يقسّط على كلّ ما له دخل في المرغوبية حتى « الحرز » فضلاً عن الشروط والأوصاف التي ربّما يشتري المبيع لأجلها ، وتكون هي المطمح في مقام الإنشاء ، فكيف يقسّط الثمن على الأجزاء دون الأوصاف والشروط ؟ !
وما ذكره الشيخ
الأعظم من أنّ التقييد أمر معنوي وإن كان صحيحاً لكن القيود أُمور ملموسة ، سواء كان القيد وصفاً للمبيع أو كان إيجاد فعل كالخياطة المنضمّة إلى المبيع ، فكلّها ملموسات في الخارج ، فلماذا لا تقابل بالمال ؟
فالشروط المذكورة في العقود أو المبنيّ عليها العقد ، تُخصِّص لنفسها قسطاً من الثمن في مقام الإنشاء وإن لم يتشخّص القسط في مقام العقد بالدقّة ، فعلى ضوء هذا فلو تعذّر الشرط فلماذا لا يكون استرداد ما يساويه من الثمن مطابقاً للقاعدة ؟
الثاني :
كونه مخيّراً بين الإمضاء مع الأرش وعدمه ، وبين الفسخ ، وهذا هو
الذي
اختاره العلّامة في خصوص التعذّر ، والصيمري في الأعم من التعذر والتخلّف ، وقد ظهر وجه ذلك ممّا ذكرناه من أنّ الثمن يقسّط على المبيع بذاته ووصفه والشرط المنضمّ إليه .
السادس
: جواز إسقاط الشرط الصحيح
يجوز للمشروط له
إسقاط شرطه إذا كان الشرط ، شرط فعل غير متحقّق بعد ، كالخياطة ، بخلاف شرط النتيجة الحاصل بنفس العقد ، ككون الحمل ملكاً له عند بيع الدابّة ، فلا مجال للإسقاط لصيرورته مالكاً للحمل .
وقد استثني من جواز
الاسقاط مثل شرط الوقف ، كما إذا قال : بعتك بشرط ان توقفه للفقراء ، وذلك لاجتماع حقوق ثلاثة فيه : حقّ للمشروط له لتعلّق غرضه بهذا الأمر المطلوب ، وحقّ الله ، حيث يجب عليه الوقف تقرّباً إليه سبحانه ، وحقّ للفقراء وانتفاعهم به ، فلا يصحّ إسقاط مثل هذا الشرط .
ولكن الظاهر كون
الحقّ واحداً وهو حقّ المشروط له ، فله إثباته و إسقاطه ، وأمّا ما يرجع إلى الله فليس إلّا حكمه سبحانه على العمل بالوقف إذا تحقق ، وهو حكم لاحق ، وأمّا الفقير فهو ينتفع بتحقق هذا الشرط وليس طرفاً للحقّ والمفروض انتفاؤه بإسقاطه .
ونظيره إذا نذر إعطاء
دينار للفقير المعيّن وتخلّف ، فليس للفقير الإجبار بما أنّه طرف الحقّ ومتعلّقه وإنّما هو ينتفع به .
نعم لو عمل بالشرط
ووقف المبيع ، يكون الموقوف عليه طرفاً للحق ، وله المطالبة بغلّة الموقوفة وإقامة الدعوى على المانع ، إذا كان الموقوف عليه
شخصياً
.
ثمّ إنّ الشرط الفاسد
من أقسام الشرط ، والبحث عن كونه فاسداً ومفسداً أو فاسداً فقط يرجع إلى البحث عن أحكام الشروط ، فاللازم هو البحث فيه في هذا المقام ولذلك خصّصنا البحث الآتي بأحكام الشرط الفاسد ، من حيث كونه مفسداً أو لا .
السابع
: حكم الشرط الفاسد
إذا تحقّق العقد
بأركانه ولكن تضمّن شرطاً فاسداً ، فهل فساد الشرط يسري إلى العقد أو لا ؟ وقبل أن نخوض في صلب الموضوع لا بدّ من تحرير محلّ النزاع فنقول :
تحرير محل النزاع
إنّ الشرط الفاسد على
قسمين :
الأوّل :
ما يكون فاسداً بذاته ، ويتسرّب فساده إلى العقد بلا كلام ويزلزل أركان العقد ، وذلك كالأمثلة التالية :
١ . إذا كان الشرط
منافياً لمقتضى العقد بحيث يرجع إلى إنشاء المتناقضين .
٢ . إذا كان الشرط
مستلزماً للدور .
٣ . إذا كان الشرط
مستلزماً لعدم التمكّن من القصد الجدّي للبيع كما قيل فيما إذا باعه بثمن نقد وشرط بيعه ثانياً منه بنفس ذلك الثمن .
٤ . إذا كانت جهالة
الشرط موجبة لحدوث الجهل بوجود المبيع ، أو وصفه ، أو القدرة على التسليم ، على نحو يجعل البيع غررياً ، كما إذا باع وشرط تسليم
المبيع
في قلّة جبل ، أو في واد غير ذي زرع ، فلا شكّ في كونه مفسداً لتسرّب الخلل إلى شرائط العوضين ، وهذا بخلاف ما إذا لم تكن الجهالة موجبة لواحد منها .
الثاني :
ما يكون فاسداً بذاته ، ولكنّه ليس على نحو يتسرّب فساده إلى العقد ولا يزلزل أركانه ، كما إذا تزوّج واشترط عليه كون الطلاق بيد الزوجة ، فالعقد كامل الأركان ، والشرط وحده فاسد ، فيقع الكلام هل هذا النوع من الشرط مفسد للعقد أو لا ؟ والكلام في المقام منصبٌّ على القسم الثاني ؛ إذ لا شكّ أنّ الشرط الفاسد في القسم الأوّل فاسد ومفسد .
إذا عرفت ذلك فاعلم
أنّ في المسألة قولين :
أ . العقد فاسد لفساد
الشرط ؛ وقد حكي ذلك عن العلّامة والشهيدين والمحقّق الثاني .
ب . العقد صحيح ، والشرط
فاسد ، وفساد الشرط لا يبطل العقد وإنّما يؤثر في حدوث الخيار للمشروط له ؛ وهو خيرة الإسكافي والشيخ الطوسي وابن البرّاج وابن سعيد الحلي .
وإليك دراسة أدلّة
القولين :
أدلّة القائل بكونه
مفسداً
استدلّ القائل بأنّ
الشرط الفاسد مفسد بوجوه :
الأوّل :
أنّ للشرط قسطاً من العوض ، فإذا سقط لفساده ، صار العوض مجهولاً . ويكون هذا القسم أيضاً من مقولة القسم الأوّل الذي مرّ انّه يُفسد بلا كلام .
__________________
يلاحظ عليه : أنّ شرط الفعل مثل جعل العنب خمراً ، كوصف الصحّة ، فكما أنّ التفاوت بين الصحيح والمعيب مضبوط ، فكذلك التفاوت بين الثمن المجرّد عن الشرط والمقرون به معلوم ، كما إذا باع عبداً بشرط العتق بسبعين ديناراً ، فانّه
بلا هذا الشرط يساوي بثمن آخر مضبوط عند العرف .
الثاني :
إنّ التراضي إنّما وقع على العقد الواقع على النحو الخاص ، فإذا تعذّرت الخصوصية لم يبق التراضي لانتفاء المقيّد بانتفاء القيد وعدم بقاء الجنس ( التراضي ) مع ارتفاع الفصل ( الشرط الفاسد ) فالمعاوضة بين الثمن والمثمن بدون الشرط معاوضة أُخرى محتاجة إلى تراض حديث وإنشاء جديد ، وبدونه يكون التصرّف أكلاً بالباطل .
يلاحظ عليه : أنّ تصحيح العقد الفاقد للشرط يتوقّف ثبوتاً وإثباتاً على أمرين :
١ . يكون الفاقد نفس
الواجد في نظر الناس والمتعاملين ، غير أنّ الثاني يفقد بعض أوصافه الصحيحة أو الكمالية .
٢ . إنّ الإنشاء كما
يشمل الواجد ، يشمل الفاقد أيضاً .
أمّا الأوّل : فلأنّ
الأوصاف على قسمين ، قسم يعدّ ركناً ويكون ارتفاعه موجباً لانقلابه إلى مبائنه ، فلو قال : بعتك هذه الصبرة على أنّها كذا حنطة ، فبان
كذا أُرزاً ، فلا يمكن تصحيحه بالأرش والغرامة ، ولو رضي الطرفان لا يعدّ هذا تحقيقاً للمعاملة السابقة ، بخلاف ما إذا قال : بعتك هذه الصبرة على أنّها حنطة صفراء فبانت حنطة بيضاء ، فلو قبلت الثانية يعدّ القبول تجسيداً للمعاملة السابقة ولا تعدّ معاملة جديدة .
وأمّا الثاني : فلأنّ
الإنشاء مع كونه أمراً بسيطاً له انبساط على الأجزاء
والأوصاف
والشرائط ، مثل الأمر المتعلّق على الأجزاء والشرائط ، فإذا سقط الأمر بجزء أو شرط لنسيان أو اضطرار ، يكون بقاء الأمر على الباقي موافقاً للقاعدة ، ومثله المقام ، فإذا منع الشارع من تنفيذ الشرط ، يكون منعه بمنزلة تضييق انبساط الإنشاء فلا يعدّ شمول الإنشاء للفاقد ، أمراً مخالفاً للقاعدة .
نعم ، إنّما يتمّ هذا
البيان إذا دلّت العمومات أو غيرها على صحّة العقد ، فيكون كاشفاً عن تضييق الإنشاء لا عن إسقاطه عن حدّ الاعتبار .
الثالث :
الروايات التي يستظهر منها فساد العقد لفساد شرطه ، ونذكر منها ما يلي :
١ . صحيحة عبد الملك
بن عتبة قال : سألت أبا الحسن موسى عليهالسلام عن الرجل ابتاع منه طعاماً ، أو ابتاع منه متاعاً على أن ليس عليّ منه وضيعة ، هل يستقيم هذا ؟ وكيف يستقيم وجه ذلك ؟ قال : « لا ينبغي » .
والاستدلال به يتوقّف
على ثبوت أُمور ثلاثة :
١ . الشرط الوارد في
الرواية « ليس عليّ منه وضيعة » شرط فاسد .
٢ . دلالة « لا ينبغي
» على الحرمة المتعلّقة بالعقد .
٣ . النهي عن العقد
دليل الفساد .
أقول :
أمّا الأوّل : فهو ثابت ، وذلك لأنّ النفع والضرر تابعان للمال ، فمن يملك المال يملك النفع ويتحمّل الخسران من لا يملكه ، فاشتراط ورود الخسران على غير المالك شرط فاسد مخالف لمقتضى العقد .
__________________
إنّما الكلام في
الأمر الثاني : فإنّ قوله « لا ينبغي » ليس ظاهراً في الحرمة بل ظاهر في الكراهة .
وأمّا الثالث : وهو
كون النهي التحريمي عن العقد مساوقاً للفساد ، فغير ثابت ، وذلك لما تقرّر من أنّ النهي إنّما يلازم الفساد إذا تعلّق بنفس المعاملة كالنهي عن بيع الخمر ، أو بأثرها كالنهي عن أكل الثمن كقوله : « ثمن العذرة سحت » ، وأمّا إذا كانت المعاملة مشروعة وتضمّنت شرطاً فاسداً فربّما يكون النهي إرشاداً إلى فساد الشرط أو إلى الحرمة تكليفاً ، لا دليلاً على فساد العقد .
٢ . رواية علي بن
جعفر ، عن أخيه عليهالسلام قال : سألته عن رجل باع ثوباً بعشرة دراهم ثمّ اشتراه بخمسة دراهم أيحل ؟ قال : « إذا لم يشترط ورضيا فلا بأس » .
إنّ ما طرحه علي بن
جعفر على أخيه عبارة عن بيع متاع لرجل بثمن نسيئة ثمّ اشتراؤه منه بأقل نقداً ويسمّى هذا في الروايات بـ « بيع العينية » وهو بيع
الشيء إلى أجل بزيادة على ثمنه لأجل كون الثمن نسيئة ثمّ الاشتراء منه بأقلّ من الثمن نقداً .
وأمّا كون الشرط
فاسداً هو عدم وجود الجد للبيع بين المتعاملين ، والغرض الواقعي لهما دفع الفائض وأكل الربا لكن بصورة البيع والشرط ، فلذلك قيّد الإمام الصحة بقوله : « إذا لم يشترط ورضيا فلا بأس » .
وأمّا دلالته على
فساد العقد فلظهور مفهوم « فيه بأس » في الحرمة التي تلازم الفساد .
يلاحظ عليه : أنّ المورد خارج عن محطّ البحث ، فإنّ مورده ما إذا تمّ أركان
__________________
العقد
وكان هناك قصد جدّي للمعاملة غير أنّ العقد اشتمل على شرط فاسد ، أمّا المقام فكما قلنا ليس فيه قصد جدّي للمعاملة ، وإنّما الغرض دفع الفائض وأكله لكن في غطاء البيع والشراء ، فالعقد بما أنّه فاقد للقصد الجدي فاسد في حدّ ذاته ،
فضلاً عن جهة اشتماله على الشرط الفاسد .
أدلّة القائل بالصحّة
قد تعرّفت على عدم
صحّة ما استدلّ به على كون الشرط الفاسد مفسداً ، ونبحث الآن عن أدلّة القائل بالصحّة ، نذكر منها وجهين :
الأوّل : الاستدلال
بالعمومات
استدلّ الشيخ على
صحّة العقد بعموم الأدلّة وإطلاقها ، أعني : قوله سبحانه : ( أَوْفُوا
بِالْعُقُودِ ) وقوله تعالى ( أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ )
بتقريب أنّ العقد صادق على الواجد والفاقد ، وارتفاع الشرط لا يخلّ بالعقد ، وقد تعاهد الطرفان على مبادلة مال بمال ، وهما محفوظان وإن فقد أحدهما الشرط .
وبذلك تظهر صحّة
التمسّك بقوله : (
أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ) ، لأنّ البيع هو المبادلة بين المالين المحفوظين .
فإن قلت : إنّ الشرط الفاسد كجعل العنب خمراً لا يخلو من أحد وجهين :
أ : كونه قيداً
للمنشأ ، أي البيع المقيّد بجعل العنب خمراً .
ب : كونه قيداً
للمبيع ، أي المبيع المقيّد بجعله خمراً .
وعلى كلا التقديرين ،
فالعقد المقيّد خارج عن تحت العموم والإطلاق ، لأجل فساد قيده ، ومعه كيف يجوز التمسّك بها لإثبات صحّة العقد ؟ !
قلت :
إنّ الإنشاء وإن كان أمراً واحداً إلّا أنّ له انبساطاً على المقيّد والقيد ،
فإذا
فسد الشرط ورفضه الشارع ، يتضيّق الإنشاء وينسحب عن القيد ، فلا يعد بقاء العقد على المقيّد بلا قيد ، أو المشروط بلا شرط ، عقداً جديداً وبيعاً
ثانياً ، خصوصاً إذا وافقه العرف ، ودلّت عليه الروايات الآتية .
والحاصل : انّ
لانبساط الإنشاء على المقيّد وقيوده ، تأثيراً خاصّاً في بقائه وعدم عدّه عقداً وبيعاً جديداً ، فإذا دلّ الدليل على بطلان الشرط فإنّما يرفع
اليد عن نفس القيد ، لا المقيّد مع القيد ، كما هو الحال في إجراء البراءة عند الشكّ في
أصل جزئية الشيء أو شرطيّته عند الجهل أو جزئيّته أو شرطيته عند النسيان ، فدليل البراءة يرفع الجزئية أو الشرطية من دون أن يمسّ كرامة الأجزاء الباقية غير المنسيّة ، ومثله المقام .
الثاني : الاستدلال
بروايات خاصّة
استدلّ على عدم إفساد
الشرط الفاسد بروايات نأتي ببعضها :
١ . روى ابن سنان ، قال
: سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الشرط في الإماء لاتباع ولا توهب ؟ قال : « يجوز ذلك غير الميراث ، فإنّها تورث لأنّ كلّ شرط خالف الكتاب باطل » .
فظاهر الرواية انّه
لو شرط في البيع أن لا تورث الأمة ، فالشرط لا يجوز ولا ينفذ لكن العقد صحيح نافذ .
٢ . روى سعيد بن يسار
، عن أبي عبد الله عليهالسلام : سألته عن الرجل يتزوّج المرأة متعة ولم يشترط الميراث ؟ قال : « ليس بينهما ميراث ، اشترط أو لم يشترط »
.
__________________
فلو تزوّج المرأة
بمتعة وشرط الميراث ، فظاهر الرواية أنّ المرأة لا ترث ، فلازم ذلك انّ العقد يصحّ دون الشرط .
٣ . حديث بريرة حيث
اشترتها عائشة وأعتقتها ، وكان مواليها الذين باعوها اشترطوا عليها أنّ لهم ولاءها ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « الولاء لمن اعتق » .
فالرواية تدلّ على
أنّ العتق كان صحيحاً وتلازم صحّةُ العتق صحّةَ البيع المشتمل على الشرط الفاسد ، فلو كان مفسداً لما صحّ البيع ولا العتق .
٤ . رواية زرارة قال
: إنّ ضريساً كانت تحته بنت حمران ، فجعل لها أن لا يتزوّج عليها ولا يتسرّى أبداً ، في حياتها ولا بعد موتها . . . ، فسأل الإمام الصادق عليهالسلام عن ذلك ، فأجابه الإمام عليهالسلام : « لك الحقّ ، اذهب وتزوّج وتسرّ ، فإنّ ذلك ليس بشيء ، وليس شيء عليك ولا عليها » .
بقي هنا أمران :
الأوّل : ثبوت الخيار
في الشرط الفاسد
قد تعرّفت على وجود
الخيار للمشروط له إذا تخلّف المشروط عليه عن القيام بالشرط الصحيح أو عدم وجوده في المبيع . وإنّما الكلام في ثبوته في الشرط الفاسد ،
ومحلّ الكلام فيما إذا كان هناك تخلّف ، كما إذا شرط النتيجة وكان فاسداً كملكية الخنزير والخمر ، أو شرط الفعل كجعل العنب خمراً وهو بعد لم يقم به ، لا ما إذا لم
يصدق التخلّف كما إذا جعل العنب خمراً .
ففي المسألة قولان :
__________________
١ . ذهب الشيخ الأعظم
إلى عدم الخيار ، قائلاً : بأنّ مدرك الخيار الإجماع وقاعدة لا ضرر .
أمّا الإجماع ، فالقدر
المتيقّن منه هو التخلّف عن الشرط الصحيح .
وأمّا قاعدة لا ضرر
فانّ الشارط إمّا عالم بفساد الشرط أو جاهل مقصّر ، فالعالم مقدّم على الضرر ، وأمّا الجاهل فالقدر المتيقّن من القاعدة نفي الضرر غير
الآتي عن تقصير المتضرر والمفروض أنّ الجاهل مقصّر .
٢ . ثبوت الخيار ، لأنّ
دليل الخيار في غير خياري المجلس والحيوان هو بناء العقلاء وهم لا يفرّقون بين الشرط الصحيح والشرط الفاسد ، خصوصاً مع جهل الشارط ، لأنّ المشروط له وإن تعاهد مع المشروط عليه ولكن كان تعاهده على البيع مع شرط خاص ، فإذا ألغى القانون أو الشارع القيدَ وانسحب الحكمُ من الأكثر إلى الأقلّ ، فللمشروط له أن يتوقّف في لزوم الوفاء قائلاً بأنّ التعهّد كان على الأكثر ، والتسليم وقع على الأقل ، فله أن يقبل وله أن يُردّ ولا يعدّ تراجعه
نقضاً للعهد .
الثاني : إسقاط الشرط
الفاسد بعد العقد
إذا قلنا بأنّ الشرط
الفاسد ليس مفسداً للعقد فلا موضوع لهذا البحث ، لأنّه ساقط بحكم الشرع ؛ إنّما الكلام على القول بأنّ الشرط الفاسد مفسد للعقد ، فهل يصحّ إسقاط الشرط الفاسد لغاية إصلاح العقد ؟ قولان :
الأوّل : الصحّة ، وذلك
لأنّ التراضي حصل على العقد المجرد عن الشرط فيكون كتراضيهما عليه حال العقد .
الثاني : البطلان ، قائلاً
بأنّ التراضي إنّما ينفع إذا يتعلّق بما وقع عليه العقد
كلّه
، أو يلحق بالعقد السابق كما في بيع المكره والفضولي ، وأمّا إذا طرأ الرضا على غير ما وقع عليه فلا ينفع ، لأنّ متعلّق الرضا لم يعقد عليه ومتعلّق العقد لم يرض به .
ويمكن أن يقال
بالصحّة بوجه آخر ، وهو أنّ للعقد الفاسد بقاء عرفياً وعقلائياً ولم يكن فساده لأجل فقد المقتضي وإنّما كان لوجود المانع ، فإذا أُزيل المانع مع كمال الاقتضاء فلا وجه للبطلان .
نعم لو كان بطلانه
لفقد المقتضي كان لما ذكر وجه .
من أدلّة القائل بأنّ الشرط الفاسد
مفسد ، رواية الحسين بن المنذر التي نقلها صاحب الوسائل في الجزء ١٢ ، الباب ٥ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٤ ، فهل السند صحيح أوّلاً ، وعلى فرض الصحّة فما هو فقه الحديث وكيفية دلالته على مقصود القائل ثانياً ، ثمّ ما هي أجوبة الشيخ الأنصاري عن الاستدلال بها ثالثاً ؟ لاحظ : المتاجر ، قسم الخيارات ، ص ٢٨٨ ؛ المختار في أحكام الخيار ، ص ٥٣٦ ـ ٥٣٧ .
|

المقصد السادس
أحكام الخيار
قد مرّ معنى الخيار
وأقسامه العامّة والخاصّة ، فحان البحث في أحكامه ، ونقتصر في بيان الأحكام ، على الأُمور التالية :
|
الأوّل : إرث الخيار .
الثاني : تصرّف ذي الخيار فيما انتقل
عنه فسخ .
الثالث : تملّك المبيع بالعقد لا به وبانقضاء
الخيار .
الرابع : التلف في زمن الخيار ممّن لا
خيار له .
الخامس : عدم بطلان الخيار بتلف العين
.
|
هذه بعض أحكام الخيار
المذكورة في الكتب الفقهية ، ونحن نأخذ بالبحث واحداً تلو الآخر ضمن فصول على وجه يناسب كتابنا هذا ، وأمّا التفصيل فيطلب من الموسوعات الفقهيّة :

الفصل الأوّل
إرث الخيار
إرث الخيار يتوقّف
على ثبوت أمرين :
١ . كونه حقّاً لا
حكماً شرعيّاً .
٢ . كونه حقّاً
قابلاً للانتقال .
ولولا ثبوت هذين
الأمرين لا تنفع العمومات الواردة في الكتاب والسنّة من أنّ « ما تركه الميّت فلوارثه » ، لأنّ الضابطة ناظرة إلى ما يقبل الانتقال .
وأمّا ما هو قابل للانتقال وما ليس بقابل له ، فلا بدّ من ثبوته بدليل آخر غير هذه الضابطة لأنّ الكبرىٰ لا تُثبِتُ صغراها وإنّما تثبت بدليل آخر .
الضابطة في تمييز الحقّ
عن الحكم
إنّ من المباحث
البديعة في الفقه الإسلامي ، تقسيمَ ما خُوِّل إلى الإنسان إلى الحقّ والحكم ، والفارق بينهما هو أخذ السلطة وإعمال القدرة في مفهوم الأوّل ، ومجرّد جواز الفعل والترك في مفهوم الثاني . فترى الفرق الواضح بين حقّ القصاص وجواز شرب الماء وأكل اللحم ؛ فيتضمّن الأوّل ، السلطةَ وإعمالَ القدرة ، قال سبحانه : ( وَمَن قُتِلَ
مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ
إِنَّهُ كَانَ
مَنصُورًا )
، وفي الوقت نفسه يقول : ( وَكُلُوا
وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا )
.
هذه هي الضابطة
الكلّيّة في التعرّف الإجمالي على الحقّ والحكم . ويستعان في تمييز أحدهما عن الآخر بلسان الدليل تارة ، والارتكاز العرفي ثانياً ، والإجماع
ثالثاً ، وآثاره الشرعية رابعاً ؛ فإنّ الحكم لا يقبل الإسقاط ولا النقل ولا
الانتقال القهري ، لأنّ كلّ واحد منها ، تدخّل في التشريع مع أنّه بيد الله سبحانه ، وهذا بخلاف الحقّ فهو يقبل غالباً واحداً أو أكثر هذه الأُمور .
إذا وقفت على هذه
المقدّمة ، فلنرجع إلى الأمرين اللّذين أشرنا إليهما في صدر البحث .
الأوّل : إنّ الخيار
حقّ
لا شكّ أنّ الخيار
حقّ لصاحبه وليس حكماً شرعياً محضاً ، ويدلّ على ذلك ـ مضافاً إلى الارتكاز العرفي حيث إنّ أحد الطرفين يرى نفسه حاكماً والآخر محكوماً عليه ـ ما دلّ على سقوط الخيار بالتصرّف الكاشف عن الرضا ،
والحكم الشرعي لا يسقط .
الثاني : الخيار قابل
للانتقال
هذا هو المهمّ في
المقام ولا يحكم عليه بالانتقال حتّى نقف على الضابطة التي يعرف بها الحقّ غير القابل للانتقال ، عن القابل له ، فنقول :
إنّ عدم الانتقال رهن
أحد أمرين :
__________________
أ : إذا أحرز كون
الشيء حقّاً وثبت أنّ المتعلّق مقوِّم للحقّ لا مورد ، فهذا لا يقبل الانتقال ، كما في الولاية العامّة للفقيه ، والخاصّة للوالد ، والشفعة
للشريكين ، والمضاجعة للزوجين ، فبما أنّ من قام به الحقّ يعدّ مقوِّماً للحقّ لا ينتقل إلى
غيره .
ب : إذا ورد النهي
الشرعي عن الانتقال بعد كونه قابلاً للانتقال عرفاً ، كحقّ القصاص بالنسبة إلى الوارث الكافر مع وجود الوارث المسلم ، فيُتبع النص ولا يحكم بالانتقال لما عرفت .
وأمّا في غير هذين
الموردين ، فالحق يكون قابلاً للانتقال ، ومن حسن الحظّ أنّ المتعلّق في الخيار ليس مقوّماً أوّلاً ولم يرد في الشرع نهي عن الانتقال
ثانياً فيحكم بالانتقال الشرعي .
على أنّ هناك طريقاً
آخر إلى إثبات كونه قابلاً للانتقال شرعاً وهو ارتكاز العرف ومتلقّاه ، فهو طريق إلى كونه كذلك عند الشرع كما هو الحال في سائر الموارد ، فإذا حكم العرف بأنّه قابل للانتقال ، كشف ذلك عن كونه كذلك شرعاً .
وليس الاستكشاف ( استكشاف
حكم الشرع عن طريق حكم العرف ) منحصراً بهذا المقام ، بل يمكن استكشاف العقد الصحيح عن العقد الفاسد من هذا الطريق ، فإذا كان العقد صحيحاً عند العرف نستكشف كونه كذلك عند الشرع ، إلّا إذا نهى الشارع عنه ، وهذا هو الطريق الذي سلكه الشيخ في أوّل كتاب البيع لتمييز البيع الصحيح عن الفاسد .
بقي هنا كلام وهو
كيفية إرث الخيار مع تعدّد الورثة .
كيفية إرث الخيار مع
تعدّد الورثة
إذا ثبت أنّ الخيار
حقّ موروث ، يقع الكلام في كيفية إرث الحقّ الواحد مع __________________
كون
الوارث متعدّداً ، وجه الإشكال انّه ليس الحقّ كالمال حتى تشترك فيه الأفراد حسب السهام والحصص ، بل هو أمر واحد ، فكيف يتسلّط عليه أفراد ، فلا محيص عن أحد أمرين : إمّا تكثير الواحد ، أو توحيد الكثير ؟ وقد ذهب القوم في حلّ الإشكال إلى مذاهب نشير إليها :
١ . إنّ الحقّ الواحد
يتكثّر حسب تكثّر الورثة ، فيستقلّ كلّ بالخيار ، ولأجل ذلك يقدّم الفاسخ على المجيز ، وإن تأخّر الفسخ ونظير ذلك حقّ القصاص ، وحقّ القذف وحقّ الشفعة ، فانّها تتكثر مع تكثّر الورثة .
٢ . إنّ الحقّ الواحد
يتكثّر حسب السهام والحصص ، لا حسب تكثّر الأفراد ، فكلّ واحد من الورثة يملك خياراً حسب حصّته ، غاية الأمر لو أجاز الباقون ، وفسخ واحد تبعّضت الصفقة على المشتري ، فله الخيار .
٣ . إنّ الحقّ الواحد
يرثه مجموع الورثة بما هو هو ، فلا يجوز لواحد الاستقلال بالفسخ لا في الكلّ ولا في البعض ، فلو لم تجتمع كلمتهم على الفسخ لا يؤثّر ، لعدم تحقّق الموضوع .
والظاهر هو الوجه
الأخير ، أي ثبوت الحقّ الواحد للمجموع ، وهو أيضاً خيرة الشيخ الأعظم وسيّدنا الأُستاذ ـ قدّس سرّهما ـ والدليل على ذلك أنّ حقّ الخيار لا ينحلّ إلى حقوق ، ضرورة أنّه لم يكن للمورّث إلّا حقّ واحد متعلّق
بالمبيع ولم يكن له إلّا فسخ الجميع أو إمضاؤه ، وهو بهذا الوصف ينتقل إلى الورثة فلا تنحلّ إلى حقوق حسب الرؤوس أو السهام .
__________________
الفصل الثاني
تصرّف ذي الخيار فيما
انتقل عنه فسخ
قد اشتهر بينهم أنّ
تصرّف ذي الخيار فيما انتقل إليه إجازة وتصرّفه فيما انتقل عنه فسخ ، وقد مرّ الكلام في الشقّ الأوّل ، ونبحث في الشقّ الثاني أي كون التصرّف فيما انتقل عنه فسخ ، والمهمّ تحديد التصرّف الذي يعدّ فسخاً ، فهناك وجهان :
أ . التصرّف الناشئ
عن قصد إنشاء الفسخ .
ب . مطلق ما يحكي عن
كراهة البيع وإن لم يُقصد بالتصرّف إنشاءُ الفسخ .
والأقوى هو الوجه
الأوّل ، وذلك لأنّ الفسخ من الأُمور الإيقاعية كالطلاق والنذر والوقف ، والاعتبار إيقاعياً كان أو عقدياً ، رهن قصد الإنشاء بلا فرق بين القول والفعل ، فإذا صدر التصرّف بقصد إنشاء الفسخ بالفعل ، يتحقّق ذلك المعنى وإلّا فلا .
نعم ، قد تقدّم منّا
في خيار الحيوان أنّ تصرّف المشتري في الحيوان إذا عدّ في العرف مصداقاً لإسقاط الخيار وإجازة للبيع فهو مسقط ، سواء كان التصرّف مقروناً بقصد الإسقاط أو لا ، إلّا انّ ذلك الحكم مختص بباب الحيوان كان لأجل
رواية
علي بن رئاب حيث قال : « فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل الثلاثة الأيّام فذلك رضا منه فلا شرط » . فيقتصر على مورده ، وأمّا
في غير هذا المورد فلا يحكم بالفسخ ما لم يكن التصرّف بنيّة إنشائه .
__________________
الفصل الثالث
في تملّك المبيع
بالعقد لا به وبانقضاء الخيار
هل المبيع يتملّك
بالعقد أو به وبانقضاء الخيار معاً ؟ فيه أقوال ثلاثة :
١ . العقد هو السبب
التام للانتقال من دون توقّف على انقضاء الخيار .
٢ . توقّف الملكية
على انقضاء الخيار .
٣ . التفصيل بين خيار
المشتري وحده وغيره فيخرج عن ملك البائع في الأوّل دون غيره .
الحقّ هو القول
الأوّل ويدلّ عليه وجوه :
١ . سيرة العقلاء في
كلّ عصر ومصر إلى أن ينتهي إلى عصر المعصومين عليهمالسلام
حيث إنّ المشتري يرى
نفسه مالكاً للمثمن والبائع مثله يرى نفسه مالكاً للثمن فيتصرّف كلّ فيما انتقل إليه ؛ وأمّا أثر الخيار فهو تزلزل الملك بعد حصوله .
نعم ، لو دلّ الدليل
على اشتراط شرط آخر في حصول الملك يؤخذ به ، كما دلّ على توقّف الملك في الصرف والسلم على القبض والإقباض في مجلس المعاملة ، ولكنّه مختصّ بالصرف والسلم لا بعقد آخر ، وبنفس القبض لا بشرط آخر ، ولم يرد مثله في انقضاء الخيار ؛ والسيرة العقلائية حجّة شرعية إذا لم يرد
ردع عنها والمفروض عدمه .
٢ . دلالة العمومات
والإطلاقات على حصول الملك بالعقد بداهة ظهورها في أنّ العقد علّة تامّة لجواز التصرّف الذي هو من لوازم الملك .
٣ . الروايات الظاهرة
في مذهب المشهور ، ونذكر من الكثير ، القليلَ .
أ : « البيّعان
بالخيار حتّى يفترقا » فانّ صدق البيّع فرع تحقّق البيع بمفهومه ، وتحقّقه يلازم حصول الملكية قبل الافتراق .
ب : ما يدلّ من
الروايات على سقوط خيار المشتري بالتصرّف في المبيع بلمس الأمة ، وتقبيلها أو النظر إلى ما يحرم عليه قبل الشراء ، أو أخذ الحافر ونعل
الدابّة ، فإنّ ظاهر هذه الروايات ، أنّ هذه التصرّفات ـ التي هي من شؤون المالك ـ جائزة للمشتري ومباحة قبل التصرّف وبه يسقط خياره .
ففي صحيحة علي بن
رئاب ، عن أبي عبد الله عليهالسلام : . . . قيل له : وما الحدث ؟ قال : « إن لامس أو قبّل أو نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل الشراء » .
وفي رواية أُخرى عنه
: قلت له : أرأيت إن قبّلها المشتري أو لامس ؟ قال : فقال : « إذا قبّل أو لامس أو نظر منها إلى ما يحرم على غيره ، فقد انقضى الشرط ولزمته » .
وظاهر الرواية ثبوت
الحلية للمشتري قبل التصرّف ، وأمّا التصرّف فلا دور له إلّا في إيجاب العقد وإضفاء اللزوم عليه ، لا أنّ التصرّف بإسقاطه الخيار يحدث الملكية والحلّية معاً .
ج : خبر بشار بن يسار
، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يبيع المتاع بنساء فيشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه ؟ قال : « نعم ، لا بأس به » ، فقلت له : __________________
أشتري
متاعي ؟ فقال : « ليس هو متاعك ولا بقرك ولا غنمك » .
والدلالة واضحة ، فانّه
يشتري المتاع من المشتري في المجلس الذي لم يتفرقا عنه ، فلمّا تعجّب الراوي من صحّة الاشتراء أزال الإمام تعجّبه بقوله : « انّه
ليس هو متاعك ولا بقرك ولا غنمك » حتّى يكون من قبيل اشتراء الرجل مال نفسه ، بل اشتراء لمال الغير .
وجوب التسليم في زمان
الخيار
ويترتّب على ما ذكرنا
من حصول الملكية بالعقد بلا توقّف على انقضاء الخيار ، أنّه يجب على كلّ واحد من المتعاملين تسليم ما لديه للآخر عند الطلب ، وكون الخيار غير مانع عن وجوبه ، نعم انفرد العلّامة في المقام بفتوى خاصّة وهو أنّه لا يجب على البائع تسليم المبيع ولا على المشتري تسليم الثمن في زمان الخيار
، ولو تبرّع أحدهما بالتسليم لم يبطل خياره ، ولا يجبر الآخر على تسليم ما عنده ، وله استرداد المدفوع قضيّة للخيار ، ثمّ نقل عن بعض الشافعية ، انّه ليس له استرداده ، وله أخذ ما عند صاحبه بلا رضاه ، كما لو كان التسليم بعد لزوم البيع .
ومع ذلك فقد أفتى في
موضع آخر بأنّ الملك ينتقل بالعقد ويلزم بانقضائه .
اذكر ما يدلّ من الروايات على مذهب
المشهور ( لاحظ : الوسائل : ١٢ ، الباب ١ من أبواب الخيار ، الحديث ٤ و ٥ ) و ( الباب ٨ من أبواب الخيار ، الحديث ١٠ ) وبيّن كيفية دلالتها على القول المشهور .
|
__________________
الفصل الرابع
التلف في زمن الخيار
ممن لا خيار له
قد اشتهر بين الفقهاء
: « إنّ التلف في زمن الخيار ممّن لا خيار له » و « إنّ المبيع في زمن الخيار في ضمان من لا خيار له » أو « أنّ كلّ مبيع قد تلف في زمن الخيار ففي ضمان من لا خيار له » أو « إنّ كلّ مبيع قد تلف في زمن الخيار فهو ممّن
لا خيار له » إلى غير ذلك من التعابير المختلفة المعبِّرة عن معنى واحد .
ثمّ إنّ للقاعدة
صوراً ، بعضها على وفق القاعدة وبعضها على خلافها :
أ : إذا تلف المبيع
في يد المشتري ، وكان الخيار مختصّاً بالبائع ، فكون التلف ممّن لا خيار له ، أي المشتري على وفاق القاعدة ، لأنّه تلف تحت يده .
ب : إذا تلف الثمن في
يد البائع وكان الخيار للمشتري ، فكون التلف ممّن لا خيار له ، أي البائع على وفق القاعدة ، لأنّه تلف تحت يده .
ج : إذا كان الخيار
للمشتري وتلف في يده ، فالحكم بضمان البائع بحجّة أنّه لا خيار له ، وأنّ المعاملة تامّة من جانبه دون الجانب الآخر على خلاف القاعدة ، لأنّ ضمان الأجنبي مال الغير بلا مباشرة ولا تسبيب في التلف يحتاج إلى دليل قاطع .
دليل القاعدة
قد دلّ غير واحد من
الروايات على مضمون القاعدة ومورد الجميع هو بيع الحيوان ، وإليك بعضها :
١ . صحيحة عبد الله
بن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يشتري الدابّة أو العبد ، ويشترط إلى يوم أو يومين فيموت العبد والدابّة أو يحدث فيه حدث ، على من ضمان ذلك ؟ فقال : « على البائع حتّى ينقضي الشرط ثلاثة أيّام ويصير المبيع للمشتري » .
٢ . عن الحسن بن علي
، عن علي بن رباط ، عمّن رواه ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « إن حدث بالحيوان قبل ثلاثة أيّام فهو من مال البائع » .
٣ . عن عبد الرحمن بن
أبي عبد الله قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل اشترى أمة بشرط من رجل يوماً أو يومين فماتت عنده وقد قطع الثمن ، على من يكون الضمان ؟ فقال : « ليس على الذي اشترى ضمان حتّى يمضي شرطه » .
٤ . خبر عبد الله بن
الحسن ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد ، قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في رجل اشترى عبداً بشرط ثلاثة أيّام
فمات العبد في الشرط ، قال : يستحلف بالله ما رضيه ثمّ هو بريء من الضمان » .
وهل القاعدة تعمّ
الخيارات عامة أو تختصّ بخيار الحيوان ؟
__________________
الحكم مختصّ بالحيوان
الإمعان في الروايات
يعرب عن أنّ الهدف توسيع دائرة ضمان البائع قبل القبض ، حيث إنّ البائع ضامن للمبيع قبل قبضه في عامّة الموارد ، وقد اشتهر بينهم « كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه » لكن هذه الروايات توسّع ضمان البائع في خصوص الحيوان حتّى بعد القبض إلى انقضاء الخيار ، ومعنى كون التلف ممّن لا خيار له ، هو انفساخ العقد ، ورجوع الثمن إلى مالكه السابق ، وضمان المبيع على البائع وتلفه من ماله .
ولعلّ حكمه بضمان
البائع لأجل صيانة حقّ المشتري ، لأنّ هلاك الحيوان في الأيّام الثلاثة أو حدوث حدث فيه ، ربّما يكون مسبوقاً بوجود مادّة المرض في جسم الحيوان وكمونها فيه على نحو يكون المرض بروزاً للمادّة المكنونة ، وفي مثل هذا المورد حكم الشارع أنّ التلف من كيس البائع إذا كان المشتري ذا خيار ، وأمّا في غير هذا المورد فبما انّ الحكم بالضمان على خلاف القاعدة كان اللازم الاقتصار على مورد النص .
الفصل الخامس
عدم بطلان الخيار
بتلف العين
إذا تلفت العين هل
يبطل الخيار أو لا ؟ وقبل الخوض في المقصود لا بدّ من تحرير محلّ النزاع .
لا شكّ في سقوط
الخيار في موارد :
١ . إذا كان إعمال
الخيار مشروطاً بوجود العين وردّها ، فيسقط الخيار ، فليس للمشتري الخيار ، إذا امتنع الردّ الخارجي .
٢ . إذا دلّ الدليل
الشرعي على سقوطه مع تلف العين أو حدوث حدث فيها ، كما هو الحال في خيار العيب لما مرّ من مرسلة جميل ، عن بعض أصحابنا ، عن أحدهما عليهماالسلام : « إن كان الشيء قائماً بعينه ردّه
على صاحبه وأخذ الثمن ، وإن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ يرجع بنقصان العيب » .
٣ . إذا كان التلف
موجباً للانفساخ ، كما هو الحال في التلف قبل القبض أو في التلف في زمان الخيار كما مرّ .
__________________
٤ . التلف في زمان
خيار التأخير ، فإنّه يوجب الانفساخ فلا يبقى موضوع للخيار .
إذا عرفت ذلك : فالأقوى
هو الضابطة المعروفة بين الفقهاء ، أعني :
١ . إنّ كلّ خيار
متعلّق بالعقد ، فلا يبطل بتلف العين .
٢ . كلّ خيار متعلّق
بردّ العين أو ترادّ العينين ، كما هو الحال في المعاطاة على القول بعدم إفادتها اللزوم ، فيبطل به .
أمّا بقاء الخيار
المتعلّق بالعقد ، فلأنّ الخيار عبارة عن ملك فسخ العقد ، والعقد بعد التلف بعد باق ، ولذا تجوز الإقالة حينئذٍ اتّفاقاً فلا مزيل لهذا
الملك ( ملك فسخ العقد ) بعد التلف ولا مقيّد له بصورة البقاء .
وأمّا انتفاؤه في
الخيار المشتمل بردّ العين أو العينين فلأجل عدم بقاء موضوع الخيار ، أعني : العين .
فإذا كان الخيار
قائماً بالعقد وتلفت العين وفسخ ذو الخيار ، يأخذ الثمن وينتقل ضمان العين إلى المثل إن كان مثليّاً أو القيمة إذا كان قيميّاً .
خاتمة المطاف
في الإقالة
وحقيقتها إزالة العقد
وفسخه من الطرفين ، وتقع بكلّ لفظ أفاد المعنى المقصود عند أهل المحاورة ، كأن يقولا : تقايلنا ، أو تفاسخنا أو يقول أحدهما : أقلتك ، ويقبل الآخر بقوله : قبلت ، ولا تعتبر العربية في كل العقود ، إلّا النكاح
والطلاق .
وبما انّ الناس
مسلّطون على أموالهم فللمتعاملين إقالة جميع ما وقع عليه العقد أو بعضهِ وعندئذٍ يُقسّط الثمن عليها بالنسبة كما أنّه إذا تعدّد البائع ، فللمشتري إقالة سهم أحدهما إذا رضي دون الآخر .
بقي هنا أمران :
الأوّل :
كما أنّ التلف غير مانع عن الفسخ ، فهكذا غير مانع عن الإقالة ، فلو تقايلا رجع كلّ عوض إلى مالكه فإن كان موجوداً أخذه وإن كان تالفاً ـ كما هو المفروض ـ يرجع إلى المثل في المثلي ، وإلى القيمة في القيمي .
الثاني :
إنّ الإقالة إزالة العقد وليس بيعاً ، وبعبارة أُخرى : هدم للعقد السابق وجعله كأنْ لم يكن ، لا تأسيس عقد جديد ، فلا تجوز الإقالة بزيادة على الثمن المسمّى ولا نقصان منه ، فلو أقال المشتري بزيادة أو البائع بوضيعة بطلت
الإقالة
وبقي العوضان على ملك صاحبهما ، لأنّ معنى الإقالة رجوع كلّ عوض إلى مالكه ، فإذا شرط فيها ما يخالف مقتضاها فسد الشرط وفسدت الإقالة بفساده ، لما عرفت من أنّ اشتراط ما يخالف مقتضى العقد ، يوجب فساده وإن لم نقل بأنّ الشرط الفاسد مفسد .
تمّ الكلام في أحكام
الخيار ولاح بدر تمامه عشية يوم الأحد سابع شهر جمادى الآخرة من شهور عام ١٤٢٢ من الهجرة النبوية كتبه الراجي لرحمة ربّه وغفرانه ، جعفر السبحاني رزقه الله حسن العاقبة
فهرس
المحتويات
كلمة المكتب
|
٥
|
مقدمة المؤلف
|
٩
|
الفهرس العام للكتاب
|
١١
|
تمهيد
|
١٣
|
الخيار لغةً
واصطلاحاً
|
١٣
|
الأصل في العقود
اللزوم
|
١٤
|
المقصد الأوّل الخيارات العامّة
وفيه فصول :
|
٢١
|
الفصل الأوّل : خيار
الشرط
|
٢٣
|
الدليل
على هذا النوع من الخيار من الأخبار العامّة والخاصّة
|
٢٤
|
الخيار
المتصّل بالعقد والمنفصل عنه
|
٢٥
|
بيع
الخيار وما يراد منه
|
٢٧
|
الدليل
على صحّة هذا النوع من البيع
|
٢٨
|
الفصل الثاني : خيار
تخلّف الشرط
|
٣١
|
الفرق
بين الشرط الأُصولي والشرط الفقهي
|
٣١
|
الايعاز
إلى شروط صحّة الشرط
|
٣٢
|
الفصل الثالث : خيار
الغبن
|
٣٤
|
أدلّة
خيار الغبن
|
٣٥
|
الأوّل
: بناء العقلاء
|
٣٥
|
الثاني
: قاعدة لا ضرر
|
٣٧
|
الثالث
: النهي عن أكل المال بالباطل
|
٣٨
|
الرابع
: الاستدلال بالروايات
|
٣٩
|
شرائط
خيار الغبن
|
٤٠
|
الأوّل
: عدم علم المغبون بالقيمة
|
٤٠
|
ما
هو الملاك في القيمة ؟
|
٤١
|
الثاني
: كون التفاوت فاحشاً
|
٤٢
|
مسقطات
خيار الغبن
|
٤٣
|
الأوّل
: الإسقاط بعد العقد وبعد ظهور الغبن
|
٤٥
|
الثاني
: الإسقاط بعد العقد وقبل ظهور الغبن
|
٤٦
|
الثالث
: الإسقاط في متن العقد
|
٤٧
|
الرابع
: تصرف المغبون فيما اشترى بعد علمه بالغبن
|
٤٨
|
هل
خيار الغبن فوري أو لا ؟
|
٤٩
|
عدم اختصاص خيار
الغبن بالبيع
|
٥٠
|
الفصل الرابع : خيار
العيب
|
٥٢
|
تعريف
العيب عند المشهور
|
٥٢
|
اقتضاء
العقد السلامة لوجوه ثلاثة
|
٥٤
|
حكم
ظهور العيب
|
٥٥
|
ما
هو مختار المشهور في خيار العيب ؟
|
٥٧
|
الاستدلال
على قول المشهور ( جواز أخذ الأرش )
|
٥٨
|
ظهور
العيب كاشف عن وجود الخيار لا شرط شرعي له
|
٦١
|
عمومية
خيار العيب للثمن
|
٦١
|
مسقطات
خيار العيب
|
٦٢
|
الأوّل
: إنشاء السقوط قولاً أو فعلاً
|
٦٢
|
الثاني
: اشتراط الإسقاط في متن العقد
|
٦٢
|
الثالث
: التصرّف المغيّر في المعيب
|
٦٣
|
الرابع
: تلف العين
|
٦٤
|
الخامس
: حدوث العيب بعد العقد
|
٦٤
|
تبعّض
الصفقة من موانع الرد
|
٦٥
|
لزوم
الربا من موانع أخذ الأرش
|
٦٦
|
ما
يمنع عن الرد والأرش معاً
|
٦٦
|
الأرش
وكيفيّة تقديره
|
٦٨
|
إشكال
وإجابة
|
٧٠
|
الفصل الخامس : خيار
تبعّض الصفقة
|
٧٢
|
أدلّة
خيار تبعض الصفقة
|
٧٣
|
الفصل السادس : خيار
الرؤية
|
٧٥
|
شرائط
خيار الرؤية
|
٧٥
|
الدليل
على صحّة العقد مع خيار الرؤية
|
٧٧
|
بماذا
ترتفع الجهالة
|
٧٨
|
أخذ
الأرش
|
٧٩
|
الدليل
على جواز أخذ الأرش
|
٨٠
|
خيار
الرؤية فوريّ أو لا ؟
|
٨١
|
مسقطات
خيار الرؤية
|
٨٢
|
الأوّل
: التسامح في الإعمال على القول بالفورية
|
٨٢
|
الثاني
: الإسقاط القولي بعد الرؤية
|
٨٢
|
الثالث
: التصرف بعد الرؤية
|
٨٢
|
الرابع
: إسقاطه باللفظ بعد العقد قبل الرؤية
|
٨٢
|
الخامس
: إسقاطه في متن العقد
|
٨٣
|
خيار
الرؤية من الخيارات العامة
|
٨٥
|
المقصد الثاني الخيارات الخاصّة بالبيع
وفيه فصول :
|
٨٧
|
الفصل الأوّل : خيار
المجلس
|
٨٩
|
ثبوت
خيار المجلس للوكيل
|
٩٠
|
ثبوت
خيار المجلس للموكّل
|
٩١
|
هل
يثبت الخيار إذا كان العاقد واحداً ؟
|
٩٢
|
خيار
المجلس وسائر العقود اللازمة
|
٩٣
|
خيار
المجلس وبيع الصرف والسلم
|
٩٣
|
مسقطات
خيار المجلس
|
٩٤
|
الأوّل
: اشتراط سقوطه في نفس العقد
|
٩٤
|
الثاني
: الإسقاط بعد العقد
|
٩٤
|
الثالث
: الافتراق
|
٩٥
|
الرابع
: التصرّف في المثمن أو الثمن
|
٩٦
|
الفصل الثاني : خيار
الحيوان
|
٩٧
|
في
اختصاص خيار الحيوان بالمشتري وعدمه
|
٩٨
|
حجّة
القول باختصاصه بالمشتري
|
٩٨
|
حجّة
القول بثبوته للمتبايعين
|
١٠٠
|
حجّة
القول بثبوته لصاحب الحيوان مطلقاً
|
١٠١
|
حصيلة
البحث
|
١٠٢
|
مبدأ
خيار الحيوان
|
١٠٣
|
في
مسقطات خيار الحيوان
|
١٠٤
|
التصرّف
مسقط وإن كان المتصرّف جاهلاً بالخيار
|
١٠٨
|
الفصل الثالث : خيار
التأخير
|
١٠٩
|
شروط
خيار التأخير الأربعة
|
١١٣
|
١ . عدم قبض المبيع
|
١١٣
|
٢ . عدم قبض الثمن
|
١١٤
|
٣ . تأخير الثمن ثلاثة أيّام
|
١١٥
|
٤ . أن يكون المبيع عيناً أو شبهها
|
١١٥
|
مسقطات
خيار التأخير
|
١١٦
|
لو
اشترى ما يفسد من يومه
|
١١٧
|
المقصد الثالث أقسام الشروط
|
١١٩
|
شرط
الفعل
|
١٢١
|
شرط
الوصف
|
١٢١
|
شرط
النتيجة
|
١٢١
|
أقسام
شرط النتيجه
|
١٢٢
|
ما
هي الضابطة لتمييز القسمين ؟
|
١٢٤
|
المقصد الرابع شروط صحّة الشرط
وفيه فصول :
|
١٢٧
|
الفصل الأوّل : القدرة
على إنجاز الشرط
|
١٢٩
|
الفصل الثاني : كون
الشرط سائغاً في نفسه
|
١٣٢
|
الفصل الثالث : كون
الشرط عقلائياً
|
١٣٤
|
الفصل الرابع : عدم
كونه مخالفاً للكتاب والسنّة
|
١٣٦
|
ما
هو الميزان لتمييز المخالف عن الموافق ؟
|
١٤٢
|
اشتراط
ما يخالف الحكم الوضعي
|
١٤٢
|
اشتراط
ما يخالف الحكم التكليفي
|
١٤٣
|
حصيلة
البحث
|
١٤٤
|
الفصل الخامس : عدم
كونه مخالفاً لمقتضى العقد وأقسام المخالفة
|
١٤٧
|
١ . ما يكون مخالفاً لماهية العقد
|
١٤٧
|
٢ . ما يكون مخالفاً لمنشَئه
|
١٤٨
|
٣ . ما يكون مخالفاً لأثره العرفي
|
١٤٨
|
٤ . ما يكون مخالفاً لإطلاق العقد
|
١٤٩
|
ما
هو الدليل على بطلان الشرط المنافي ؟
|
١٥٠
|
الفصل السادس : انتفاء
الجهالة
|
١٥٢
|
الفصل السابع : عدم
استلزامه المحال
|
١٥٥
|
الفصل الثامن : الالتزام
بالشرط في متن العقد
|
١٥٧
|
الفصل التاسع : تنجيز
الشرط
|
١٦١
|
المقصد الخامس في أحكام الشروط
|
١٦٣
|
١ . صحّة الاشتراط في العقود
|
١٦٣
|
٢ . وجوب الوفاء بالشرط
|
١٦٤
|
٣ . جواز إجبار المشروط عليه على إنجاز
الشرط
|
١٦٥
|
٤ . ثبوت الخيار مع القدرة على الإجبار
|
١٦٦
|
٥ . حكم الشرط المتعذّر
|
١٦٧
|
٦ . جواز إسقاط الشرط الصحيح
|
١٦٩
|
٧ . حكم الشرط الفاسد
|
١٧٠
|
دليل
القول بأنّ الشرط الفاسد ، مفسد
|
١٧١
|
أدلّة
القائل بأنّ الشرط الفاسد غير مفسد
|
١٧٥
|
الاستدلال
بالعمومات
|
١٧٥
|
الاستدلال
بالروايات
|
١٧٦
|
ثبوت
الخيار في الشرط الفاسد على القول بانّه ليس بمفسد
|
١٧٧
|
إسقاط
الشرط الفاسد بعد العقد لتصحيحه على القول بانّه مفسد
|
١٧٨
|
المقصد السادس أحكام الخيار الخمسة
وفيه فصول :
|
١٨١
|
الفصل الأوّل : إرث
الخيار
|
١٨٣
|
الضابطة
في تمييز الحقّ عن الحكم
|
١٨٣
|
الخيار
من مقولة الحقوق
|
١٨٤
|
الخيار
قابل للانتقال
|
١٨٤
|
كيفية
إرث الخيار مع تعدّد الورثة
|
١٨٥
|
الفصل الثاني : تصرّف
ذي الخيار فيما انتقل عنه فسخ
|
١٨٧
|
الفصل الثالث : تملّك
المبيع بالعقد لا به وبانقضاء الخيار
|
١٨٩
|
وجوب
التسليم في زمن الخيار
|
١٩١
|
الفصل الرابع : التلف
في زمن الخيار ممّن لا خيار له
|
١٩٢
|
الفصل الخامس : عدم
بطلان الخيار بتلف العين
|
١٩٥
|
خاتمة المطاف : في
الإقالة
|
١٩٧
|
فهرس المحتويات
|
٢٠١
|

الكتب المطبوعة
للمركز العالمي للدراسات الاسلامية ( باللغة العربية والفارسية )
|