

بسم الله
الرّحمن الرحيم
وبه
نستعين ، الحمد لله ربّ العالمين
وصلّى
الله على محمّد وآله الطّيّبين الطّاهرين
ولعنة
الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدّين
__________________
التعادل والتراجيح
خاتمة في التعادل والتراجيح
* قاعدة الجمع
* أحكام التعارض
* المقام الأوّل : في المتعادلين
ـ مقتضى الأصل الأوّلي في
المتعادلين
ـ مقتضى الدليل الوارد
ـ تنبيهات تعادل الخبرين
ـ لابدّيّة الفحص عن المرجّحات
في المتعارضين
* المقام الثاني : في التراجيح
وفيه مقامات :
* الأوّل : وجوب الترجيح والإستدلال عليه
* الثاني : ذكر الأخبار العلاجيّة
* الثالث : لزوم التعدّي عن المرجّحات المنصوصة
* الرابع : بيان المرجّحات
ـ المرجّحات الداخليّة
المرجّحات الدلاليّة
انقلاب النسبة
ـ المرجّحات الخارجيّة
خاتمة في التعادل والتراجيح
__________________
__________________
(١)
قوله قدسسره : ( في «
التّعادل والتّرجيح » وحيث إنّ موردهما
الدّليلان
__________________
__________________
المتعارضان
... إلى آخره ). ( ج ٤ / ١١ )
في ان مسئلة التعارض من
مسائل علم الأصول
أقول
: بالحريّ قبل
التّكلّم في حقيقة التّعارض وبيان مورده وحكمه : أن نشرح حال المسألة ؛ من حيث
كونها من مسائل العلم.
فنقول
: لا إشكال في
كونها منها ؛ نظرا إلى شهادة جميع ما جعلوه ميزانا لتمايز مسائل العلوم من
الموازين الخمسة على دخولها في مسائل علم الأصول وتطابقها بأسرها عليها بعد جعل
موضوع البحث والمسألة الدّليل القائم على الحكم الشّرعي الكلّي كما هو واضح ، وإن
قام على بيان الموضوع الكلّي للحكم ،
__________________
حيث إنّه راجع إلى
الدّليل على الحكم كما ستقف عليه لا الأعمّ منه وممّا قام على تشخيص الموضوع الخارجي
، وإن أطلق الدّليل عليه ؛ فإنّ مجرّد الإطلاق لا يجدي مع وضوح المراد ، ألا ترى
استدلالهم فيما سيجيء على نفي التّرجيح في الأخبار بنفيه في البيّنات والجواب عنه
بكونه قياسا مع الفارق وغيره ممّا ستقف عليه؟ فإنّ في هذا الاستدلال والجواب شهادة
واضحة على خروج الأمارات الموضوعيّة عن حريم البحث.
أمّا صدق التّعريف
فواضح ، سواء عرّف : بأنّه العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحكام الشّرعيّة ،
أو العلم الباحث عن أحوال الأدلّة ، كوضوح كون البحث في المسألة بحثا عن عوارض
موضوع علم الأصول. أي : الأدلّة ، وإن جعل للوصف العنواني مدخلا في موضوعيّته ؛
ضرورة كون البحث في المسألة عن تعارض ما فرغنا عن دليليّته وإن حكم بسقوط أحدهما
عن الحجيّة الفعليّة تعيينا ، أو تخييرا ، أو كلاهما بالتّعارض إن لم يرجع النّزاع
في التّساقط إلى النّزاع في شمول دليل الحجيّة للمتعارضين بحيث يرجع إلى البحث عن
الحجّيّة فتأمل.
فإنّ هذا غير عدم
حجّيّتهما شأنا ، أو عدم حجّيّة أحدهما كذلك ، ولو من جهة إناطته بالظّن ، أو بعدم
الظّن على الخلاف ؛ فإنّه خارج عن موضوع المسألة يقينا كما ستقف عليه ، وظهور وجود
خواصّ المسألة الأصوليّة فيها ؛ ضرورة عدم انتفاع العامي بها وعدم حظّ له فيها.
واختصاصها بالمجتهد والمستنبط وإن كان بالعرض :
من جهة اختفاء
وليّ الله وحجّته وغيبته عن الأنظار ، كما هو الشّأن بالنّسبة إلى جميع مسائل هذا
العلم ، وإلاّ فحكم الله الأصولي كالفقهي مشترك في نفسه بين المجتهد والعامي. ومن
هنا كان يعمل من أدرك فيوضات حضور الأئمّة عليهمالسلام
بالأخبار ويعالج
معارضاتها بما ورد منهم عليهمالسلام : في التّرجيح والتّخيير وإن كان عاميّا وإن جاز له الأخذ
بالفتوى أيضا هذا.
وأمّا تدوين
المسألة في علم الأصول وتصريح مهرة الفنّ بكونها من مسائل العلم فأوضح من أن يخفى
، بل أقول : كون المسألة من مسائل هذا العلم هو المتيقّن من بين مسائله لتطرّق
المناقشة إلى أكثرها ، بل كلّها إلاّ ما شذّ وندر من حيث دخولها في مسائل العلم ؛
نظرا إلى كون مباحث الألفاظ بأسرها من المباديء اللّغويّة ؛ حيث إنّ الموضوع فيها
نفس الألفاظ لا ما ورد في خصوص الكتاب والسّنة وإن كان الغرض متعلّقا بمعرفته ،
وكثير منها مثل : مسألة وجوب المقدّمة ، وحرمة الضّدّ ، وامتناع اجتماع الأمر
والنّهي ، ومسألة التّحسين والتّقبيح ، وأمثالها من المباديء الأحكاميّة.
ومن هنا وقع
التّكلّم في أكثر كلمات القدماء ، بل المتقدّمين من الخاصّة والعامّة في علم
الأصول في القسمين من المباديء حتّى شيخنا البهائي قدسسره في « الزّبدة » وذكروا مباحث الألفاظ في القسم الأوّل ،
وما عرفت : من المسائل وغيرها في القسم الثّاني ، ومسائل حجّيّة الأدلّة كحجّيّة
الكتاب والأخبار والإجماع ونقله من المباديء التّصديقيّة : من حيث كون العنوان
مأخوذا في موضوعيّة الأدلّة.
فإن رجع البحث في
مسائل الحجّيّة إلى البحث عن وجود ذات الدّليل ، كما هو الشّأن بالنّسبة إلى بعضها
فرجوعه إلى البحث عن المباديء أوضح من أن يحتاج إلى البيان ، وإن رجع إلى البحث عن
حجيّتها ودليليّتها بعد الفراغ عن وجود ذاته فلا إشكال في دخولها في المباديء أيضا
بعد الفرض المزبور ، وإن تكلّف
شيخنا الأستاذ
العلاّمة قدسسره في إدراج جملة منها في المسائل : من حيث إرجاع البحث فيها إلى البحث عن ثبوت
ما هو المفروغ عن حجّيّته كمسألة حجّيّة أخبار الآحاد ، ونقل الإجماع ونحوهما على
ما عرفت : من كلامه في الجزء الأوّل من « الكتاب ».
بيان معنى التعارض وما هو
المراد منه في المسألة
إذا عرفت ذلك ، فنقول : التّعارض في الأصل تفاعل من العرض ويطلق على المعنى الاسمي
وهو أحد الأبعاد الثّلاثة ، والمعنى الوصفي أي : الظّهور والغلبة ، كما في « القاموس » : قال : عرض له كذا يعرض : ظهر عليه ، وقال في مادّة (
ظهر ) ظهر عليه : غلبه ، و ( المقابلة ) كما عن « المجمع » ، و ( المنع ) كما عن غيرهما و ( الورود ) كما ذكره بعض مع المعنى الأوّل ، ويمكن إرجاع بعض المعاني الوصفيّة إلى بعضها الآخر كما ذكره الأستاذ
العلاّمة قدسسره في مجلس البحث والمذاكرة.
وأمّا المعنى
الاسمي فلا يمكن إرجاعه إلى المعنى الوصفي فلا بدّ أن يكون اللّفظ مشتركا بينهما
إن لم يكن مجازا في المعنى الاسمي وهذا لا يختصّ بالمقام ؛
__________________
فإنّ جملة من
الألفاظ يطلق على العين والمعنى كألفاظ الزّكاة ، والهبة ، والرّهن ، والوقف ،
ونحوها.
ثمّ
إنّ لفظ العرض
يستعمل متعدّيا ولازما ككثير من الألفاظ على ما يشهد له موارد استعماله في الكتاب
والعرف كقوله تعالى : ( إِنَّا عَرَضْنَا
الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) الآية وقوله تعالى : ( ثُمَّ عَرَضَهُمْ
عَلَى الْمَلائِكَةِ ) الآية ، وعرضت النّاقة على الحوض إلى غير ذلك. ولا بدّ أن يكون المبدأ
المشتقّ منه الفعل المتعدّي غير ما يشتقّ منه اللاّزم ويكونان مختلفين بحسب المعنى
كما هو ظاهر ، هذا بالنّسبة إلى المجرّد. وأمّا المزيد من هذه المادّة كالتّفاعل
والإفعال فلم يستعمل إلاّ لازما كما قيل ، ومن هنا يستعمل باب الإفعال مع كلمة عن
، فيقال : أعرض عنه. هذا كلّه بحسب اللّغة.
وأمّا في العرف
العام فلم يعهد له معنى يغاير اللّغة ، وأمّا في العرف الخاصّ فظاهر غير واحد
وصريح آخرين : كونه منقولا منه في خصوص التّفاعل إلى ما ذكروه في بيانه بالوضع
التّعييني ، أو التّعيّني كما يظهر ممّا أفاده شيخنا الأستاذ العلاّمة قدسسره على ما يشهد له
قولهم بعد ذكر المعنى اللّغوي : وفي الاصطلاح كذا ، سواء جعل توصيف الدّليلين
بالتّعارض وحمله عليهما توصيفا وحملا أوّليا وإن كان المدلول ملحوظا ، أو جعل
توصيفا ثانويّا : من حيث كون الوصف قائما بالمدلول والمقتضي أوّلا وبالذّات كما
يظهر من تعريف جماعة ، فتعارض الدّليلين :
__________________
تنافي مدلوليهما ،
أو مقتضاهما ، وإن كان الظّاهر على ما صرّح به شيخنا قدسسره في مجلس
البحث : عدم اتّصاف
المدلول به عندهم ، وكون هذا التّعريف مبنيّا على الإشارة إلى كون تنافي الدّليلين
إنّما هو باعتبار مدلوليهما. كما أنّ حمل عنوان الدّليليّة على الدّليل إنّما هو
باعتبار كونه معرّفا إلى المدلول فيتّحد المراد من التّعريفين ويرتفع الاختلاف من
البين على ما هو الظّاهر من كلام شيخنا قدسسره في « الكتاب » أيضا. ومن هنا قال ـ بعد تعريف التّعارض
بتنافي الدّليلين ـ : ( ولذا ذكروا : أنّ التّعارض تنافي مدلولي الدّليلين ) هذا.
__________________
ولكن يمكن أن يقال
بعدم ثبوت اصطلاح لهم في المقام أصلا ، وأنّ تعريف تعارض الدّليلين بما ذكروه
إنّما هو من جهة اقتضاء إضافته إليهما مع بقائه على المعنى اللّغوي والعرفي ؛ فإنّ
حمل التّقابل والتّمانع على الدّليلين ينتج إرادة تنافيهما فلا حاجة إلى الالتزام
بالنّقل ، كما أنّ إرادة التّنافي وذكره ، يغني عن ذكر قولهم على وجه التّناقض ،
أو التّضاد ؛ إذ التّنافي لا يتحقّق إلاّ بأحد الوجهين ، اللهمّ إلاّ أن يكون
المراد من ذكره مجرّد التّوضيح لا الاحتراز وهذا هو الأظهر.
ثمّ
إنّ الوجه في
تنافي الضّدين واستحالة اجتماعهما لمّا كان من جهة
__________________
__________________
أول اجتماعهما إلى
اجتماع النّقيضين حقيقة ، فيصحّ من جهته القول باشتراط الوحدات الثّمانية الرّاجعة
إلى وحدة الموضوع ولو بالعنوان التّقييدي في استحالة اجتماع الضّدين أيضا ، وإن
كان القول باشتراط وحدة المحمول بالنّسبة إلى
__________________
اجتماع الضّدّين
بظاهره ظاهر الفساد ؛ ضرورة تغاير المحمول في اجتماع الضّدين ، فتنافي وجوب الشّيء
وحرمته مع كونهما محمولين : من جهة أنّ وجوبه يقتضي عدم حرمته كما أنّ حرمته يقتضي
عدم وجوبه ، فاجتماعهما يقتضي اجتماع كلّ من الوجوب والحرمة مع عدمه ، كما أنّ
اجتماع السّواد والبياض يقتضي اجتماع كلّ منهما مع عدمه.
وهذا الّذي ذكرنا
وإن كان أمرا واضحا ، إلاّ أنّ التباس الأمر على بعض المعاصرين دعانا إلى التّنبيه
عليه وليكن في ذكر منك لعلّه ينفعك في بعض ما سيتلى عليك.
وممّا
ذكرنا كلّه : يظهر استقامة ما
أفاده قدسسره في « الكتاب » بقوله : ( وكيف كان : فلا يتحقّق إلاّ بعد اتّحاد
الموضوع ، وإلاّ لم يمتنع اجتماعهما ) ضرورة اقتضاء
التّنافي بأحد الوجهين امتناع اجتماع المتنافيين الّذي لا يتحقّق إلاّ بعد اتّحاد
الموضوع الجامع للوحدات.
ثمّ
إنّ المراد من
المدلول ـ كما هو ظاهر وصرّح به غير واحد ـ أعمّ من المطابقي والتّضمّني
والالتزامي بأقسامه حتّى الالتزام الشّرعي ، فإذا دلّ دليل على وجوب القصر في
أربعة فراسخ ودلّ دليل على وجوب الصّوم فيها فلا محالة يقع التّعارض بينهما
بملاحظة ما دلّ على التّلازم بين القصر والإفطار شرعا والصّوم والإتمام ، فالخبر
الدّالّ على القصر يدلّ على وجوب الإفطار بالالتزام الشّرعي كما أنّ الخبر الدّال
على الصّوم يدلّ على وجوب الإتمام كذلك فيقع التّعارض
__________________
بينهما من حيث
الالتزام الشّرعي ، كما أنّه إذا دلّ دليل على وجوب شيء يدلّ على وجوب ما يتوقّف
عليه بالالتزام العقلي ، فإذا ورد ما يدلّ على عدم وجوب ما يتوقّف عليه يدلّ على
عدم وجوب ذلك الشّيء لا محالة مع فرض بقاء التّوقّف ، فيتعارضان من حيث الدّلالة
الالتزاميّة العقليّة.
ومن
التّعارض من جهة الالتزام
الشّرعي أيضا : ما إذا دلّ دليل على بطلان الصّلاة بنقص جزء منها سهوا ودلّ دليل
آخر على عدم بطلان الصّلاة بزيادة هذا الجزء ؛ فإنّه لا تعارض بينهما إلاّ بملاحظة
ما دلّ على التّلازم بين النّقيصة والزّيادة صحّة وبطلانا.
ومنه
أيضا : ما إذا دلّ دليل
على انفعال القليل بشيء من النّجاسات ، ودلّ دليل آخر على عدم انفعاله بنجس آخر
غيره ، فيقع التّعارض بينهما بملاحظة ما دلّ على عدم التفصيل بين النّجاسات
الواردة على القليل وهكذا ...
وهذا
هو المراد ممّا ذكره بعض
أفاضل مقاربي عصرنا : من كون التّعارض بين الدّليلين قد يكون بأنفسهما وقد يكون
بواسطة أمر خارج عنهما هذا. وقد يجعل الواسطة إذا لم يكن قطعيّة طرفا للمتعارضين
ويحكم بهذه الملاحظة باندراج الفرض في تعارض أزيد من الدّليلين ، ولعلّنا نتكلّم
في تحقيق المقام فيما يتلى عليك في طيّ مطالب المسألة.
ثمّ إنّ قصر موضوع المسألة على تعارض الدّليلين ، إنّما هو
بالنّظر إلى ما يقع غالبا لا من جهة اختصاص التّعارض أو حكمه بتعارض الدّليلين ،
وإلاّ فقد يقع التّعارض بين الثّلاثة والأزيد كما ستقف على شرح القول في حكم تعارض
أزيد
من الدّليلين في
طيّ « الكتاب » والتّعليقة.
(٢)
قوله ( دام ظلّه ) : ( ومنه يعلم : أنّه لا تعارض بين الأصول وما يحصّله المجتهد
من الأدلّة الاجتهاديّة ...
إلى آخره ) .
( ج ٤ / ١١ )
__________________
__________________
__________________
__________________
__________________
رحمهاللهرحمهالله
__________________
عليهالسلام
__________________
__________________
بيان المراد من الدليل
الإجتهادي والفقاهتي والنسبة بينهما
__________________
أقول
: بعد التّعرّض
لتعريف التّعارض وبيان المراد منه ، أراد التّعرض لتشخيص ما يوجد فيه هذا المعنى :
من حيث وجوده بين مطلق الدّليلين أو الدّليلين المأخوذين بخصوصيّة وقيد ؛ فإنّهما
قد يكونان اجتهاديّين ، وقد يكونان فقاهيّين ، وقد يكونان مختلفين وأيضا قد يكونان
قطعيّين ، وقد يكونان ظنّيين ، وقد يكونان تعبّديّين ، وقد يكونان مختلفين ، فهذا
الكلام في مباديء المسألة بعد الفراغ عن بيان حقيقة التّعارض.
فنقول
: إنّ تحقيق القول
في المقام وتوضيحه يقتضي التّكلّم في موضعين :
أحدهما
: في بيان الحال من
جهة التّقسيم الأوّل.
فنقول
: المراد من الدّليل الاجتهادي : ما أنيط اعتباره بالكشف عن الواقع ظنّا ولو نوعا بناء على
اختصاص الاجتهاد عندهم كما حقّقناه في بحث الاجتهاد والتّقليد سواء كان بمعنى الفعليّة
على ما يقتضيه كلمات الأكثرين من الخاصّة والعامّة ، أو الملكة ، بتحصيل الظّن
بالحكم الشّرعي أو ملكته فتحصيل القطع بالحكم الشّرعي خارج عن الاجتهاد موضوعا ،
وإن كان العلم بالحكم الشّرعي الفرعيّ الحاصل من المقدّمات النّظريّة داخلا في
الفقه عندهم على ما ينادي به تعريفهم للفقه.
والمراد
من الدّليل الفقاهتي : الّذي يسمّى بالأصل في كلماتهم ، ويطلق عليه الدّليل مقيّدا ، كما أنّ الأوّل
يطلق عليه الدّليل مطلقا ومقيّدا ما لم ينط اعتباره بالكشف ، سواء لم يكن كاشفا
أصلا أو كان كاشفا ولم يلحظ في اعتباره ، فالمعتبر في الدّليل الاجتهادي أمران
ينتفي بانتفاء أحدهما فالاستصحاب على القول بعدم إناطة اعتباره بالظّن داخل في
الأصل وإن قيل بإفادته للظّنّ. ومنه يظهر : أنّ
الأمارات
الموضوعيّة خارجة عن الدّليل الاجتهادي موضوعا.
والمؤسّس لهذا
الاصطلاح على ما وقفنا عليه : المحقّق الطّبري في « شرح الزّبدة » وشاع في لسان الفريد البهبهاني قدسسره وتلامذته ومن هنا
نسبه شيخنا الأستاذ العلاّمة ( دام ظلّه ) إلى الفريد البهبهاني وقد تقدّم وجه
المناسبة في الجزء الثّاني من التّعليقة .
ثمّ إنّ الأصل قد
يكون شرعيّا صرفا كالاستصحاب ، وقد يكون عقليّا كذلك كالتّخيير بين الاحتمالين ،
وقد يكون ذا وجهين وجهتين كالبراءة في وجه والاحتياط كذلك على ما أسمعناك شرح
القول فيه في الجزء الثّاني من التّعليقة .
أمّا الدّليلان
الاجتهاديّان : فلا إشكال في وقوع التّعارض بينهما في الجملة ؛ لأنّه إن كان اعتبارهما
منوطا بالظّن النّوعي المطلق من دون اشتراط حصول الظّن منهما في القضايا الشّخصيّة
ومن دون اعتبار عدم قيام الظّن على الخلاف ، فلا إشكال في وقوع التّعارض بينهما
وإن كان اعتبارهما منوطا بحصول الظّن منهما في الوقائع شخصا ، فلا إشكال في عدم
تصور التّعارض بينهما لاستحالة حصول الظّن بالنّقيضين أو الضدّين كما هو ظاهر ،
فإن ارتفع الظّن منهما فلا يكونان دليلين وحجّتين وإن بقي في أحدهما فيعود سليما
عن المعارض.
ومن
هنا تبيّن : أنّه لا يمكن
التّعارض بين الأمارات على القول باعتبارها
__________________
من باب الظّن
المطلق على القول باختصاص نتيجة الدّليل لحجّيّة الظّن في الفروع مع القول بكون
النّتيجة هي حجّيّة الظّن الشّخصي ، إلاّ إذا فرض ارتفاع الظّن الشّخصي من إحدى
الأمارتين لا من جهة المعارضة ، بل من جهة القياس القائم على خلافها ، أو سائر
الظّنون الغير المعتبرة بالخصوص بناء على القول بحجيّتها فيما إذا ارتفع الظّن
منها من جهة المقابلة المزبورة ـ على ما أسمعناك في الجزء الأوّل من التّعليقة ـ فإنّ
النّتيجة حينئذ الظّن الشّأني والنّوعي فيعارض مع الأمارة المفيدة للظّن في
الشّخصي في المسألة فيما إذا لم يستند حصول الظّن منها بالقياس ولو بالاستناد
النّاقص بأن يكون جزءا للسّبب المفيد للظّن فتأمّل .
نعم ، على القول بتعميم النّتيجة من الجهتين أو إحداهما فضلا
عن القول باختصاص النّتيجة بالمسائل الأصوليّة يقع التّعارض بينهما جدّا ، فإطلاق
القول بعدم إمكان وقوع التّعارض على القول باعتبار الأمارات من باب الظّن المطلق
في كلام غير واحد منظور فيه ، اللهمّ إلاّ أن يحمل على الصّورة الأولى فإنّها
المعروفة المعهودة من كلماتهم فتدبّر.
وممّا
ذكرنا تبيّن : أنّه لا يمكن التّعارض بين الدّليلين اللّفظيّين إذا قلنا باشتراط اعتبار
الظّواهر بحصول الظّن بالمراد منها شخصا على ما بنى عليه الأمر بعض أفاضل من تأخّر
في باب « الألفاظ » على القول باعتبارها من باب الظّن الخاصّ ـ كما أسمعناك في
الجزء الأوّل من التّعليقة ـ وإن كان اعتبارهما منوطا
__________________
بعدم قيام الظّن
على الخلاف ، فإن أخذ القيد على وجه الإطلاق فلا إشكال في عدم إمكان التّعارض ،
وإن أخذ على وجه التّقييد بالظّن الشّخصي فإن ارتفع الظّن منهما بالتّقابل فيقع
التّعارض بينهما لا محالة ، وإن بقي الظّن في أحدهما عاد سليما لانتفاء شرط
الاعتبار في الآخر كما هو المفروض.
وإن كان الدّليلان
الاجتهاديّان مختلفين من حيث عنوان الاعتبار من الجهات المسطورة فالنّوعي المطلق
يعارض القسمين الأخيرين والنّوعي المقيّد لا يعارض الشّخصي مطلقا سواء فرض حصول
الظّن منه على ما هو المفروض أو عدمه كما هو ظاهر هذا.
وأمّا الأصلان فلا
يقع التّعارض بينهما على ما هو التّحقيق عندنا في الأصلين الحكميّين سواء كانا من
جنسين أو من جنس واحد كالاستصحابين ؛ فإنّ الاستصحاب وارد على الأصول العقليّة
وحاكم على الأصول الشّرعيّة ولا يتصوّر اجتماع البراءة موردا مع الاحتياط والتّخيير
كما لا يتصوّر اجتماع فردين من هذه الأصول.
نعم ، قد يتوهّم التّعارض بين أصالة الاشتغال أو استصحابه
وأصالة البراءة في دوران الأمر في المكلّف به بين الأقلّ والأكثر ، وكذا بينهما في
مسألتي النّقض السّهوي والزّيادة بين قيام الإجماع على اتّحاد حكمهما من حيث
الإبطال والصّحة بناء على عدم جواز الفصل ظاهرا فيما لا فصل فيه واقعا ، لكن تقدّم
فساد التّوهّم المزبور بما لا مزيد عليه في الجزء الثّاني من التّعليقة.
وأمّا الاستصحابان
فلا يتصوّر اجتماعهما في الشّبهة الحكميّة ، إلاّ في مسألة المتمّم والمتمّم
وأشباهها بناء على عدم اعتبار سبق الكرّيّة في الاعتصام بعد قيام
الإجماع على
اتّحاد حكم الماء الواحد طهارة ونجاسة ، فقد يتوهّم في المسألة : تعارض استصحابي الطّهارة والنّجاسة والرّجوع
إلى قاعدة الطّهارة بعد تساقطهما أو التّرجيح بها ، ولكنّه فاسد أيضا بعد جعل النّاقض في باب الاستصحاب الأعمّ من اليقين
التّفصيلي والإجمالي بارتفاع الحالة السّابقة عن مجرى أحد الاستصحابين ، مع أنّ
القول بالتّساقط في تعارض الأصول فيما يحكم فيه بالتّساقط لا بدّ وأن يرجع إلى عدم
شمول الدّليل لصورة التّعارض كما هو الشّأن في كلّ ما يحكم فيه بالتّساقط ؛ فإنّه
لا بدّ وأن يرجع إلى ما ذكرنا في تساقط الأصول على ما ستقف عليه عن قريب هذا في
الأصول الحكميّة.
وأمّا الأصول
الموضوعيّة وإن كان الكلام فيها خارجا عن محلّ البحث فيتصوّر فيها التّعارض كما
يتصوّر الورود والحكومة ولو بين الجنسين منها ؛ فإنّ قاعدة الشّك في التّجاوز وبعد
الفراغ وبعد خروج الوقت أخصّ من الاستصحاب ، وكذا البناء على الأكثر في الشّك في
الرّكعات على القول بكون مقتضى الأصل البناء على الأقلّ وإن كان فاسدا عندنا على
ما أوضحنا القول فيه في باب الخلل ، فإذا لم يكن المخصّص قطعيّا فيقع التّعارض بينهما
لا محالة على ما ستقف عليه وإن تعيّن العمل بالخاصّ من باب التّرجيح.
نعم ، لا يتصوّر التّعارض بينهما إذا كانت من جنس واحد على ما
هو التّحقيق عندنا : من كون الغاية في الأصول العلم بالخطاب المنجّز الأعمّ من
الإجمالي والتّفصيلي ، بل على القول بكون الغاية فيها خصوص العلم التّفصيلي لا
يتصوّر التّعارض بينهما أيضا كما هو ظاهر ، فالاستصحابان الجاريان في الموضوعات
مثلا : إمّا أن يكون الشّك في مستصحب أحدهما مسبّبا عن الشّك في
مستصحب الآخر ، أو
يكون الشّك فيهما مسبّبا عن ثالث. وعلى الأوّل : لا إشكال في عدم تعارضهما وحكومة
الثّاني على الأوّل. وعلى الثّاني : يعمل بكلّ منهما إذا ترتّب عليهما أثر شرعيّ
لا يلزم من ترتيبه مخالفة عمليّة للخطاب المعلوم بالإجمال فلا مورد للتّعارض في
هذا الفرض ، وبما له أثر إن لم يترتّب الأثر على كلّ واحد منهما ، بل على أحدهما
فلا يفرض التّعارض في الفرض أيضا ، ولا يعمل بشيء منهما فيما لو عمل بهما مع ترتّب
الأثر عليهما لزم طرح الخطاب المعلوم إجمالا من جهة حصول الغاية وهو اليقين والعلم
هذا وقد مضى شطر من الكلام فيما يتعلّق بالمقام في الجزء الثّالث من التّعليقة
فراجع ، هذا بعض الكلام في الاجتهاديّين والفقاهيّين.
وأمّا المختلفان
أعني : الدّليل والأصل فلا يتصوّر التّعارض بينهما فضلا عن تقديم الثّاني على
الأوّل في الشّبهة الحكميّة على ما هو المقصود بالبحث والكلام.
وأمّا الأمارات
القائمة على الموضوعات الخارجيّة مع الأصول الجارية فيها فنتكلّم فيها بعد الفراغ
عن بيان حكم الدّليل والأصل في الأحكام.
والوجه فيما ذكرنا
: من عدم تصوّر التّعارض بينهما في الأحكام بعنوان الأصل الجاري في المسألة إن كان
عقليّا محضا كالتّخيير بين الاحتمالين والبراءة والاحتياط ـ على ما هو الحقّ عندنا
المبرهن عليه في الجزء الثّاني من التّعليقة :
من رجوع ما ورد
فيهما في الشّرع من الأدلّة النّقليّة إلى تأكيد حكم العقل بهما في مواردهما ـ فلا
إشكال في عدم تصوّر التّعارض بينه وبين الدّليل الموجود في مورده ؛ ضرورة ارتفاع
موضوع حكم العقل فيها بوجود الدّليل وإن كان ظنيّا ؛ لأنّ الموضوع في التّخيير هو
عدم ترجيح أحد الاحتمالين على الآخر ، وفي البراءة
عدم البيان الواصل
إلى المكلّف من الشّارع بحيث يرجع العقاب معه إلى العقاب من دون حجّة من الشّارع ،
وفي الاحتياط احتمال العقاب والمؤاخذة على الواقع المحتمل لا عدم العلم بالواقع
والشّكّ فيه.
ومن المعلوم ضرورة
ارتفاع تلك الموضوعات العقليّة بعد قيام الدّليل الشّرعي على الحكم في المسألة ،
وهذا هو المراد من الورود في كلام شيخنا الأستاذ العلاّمة ( دام ظلّه العالي ) ،
وإن أطلق عليه الحكومة في لسان غير واحد من المتأخّرين : من جهة عدم الفرق عندهم
بينهما ولا مشّاحة ، ويطلق عليه التّخصّص في لسان شيخنا أيضا ، وإن كان التّخصّص
عنده أعمّ من الورود : من حيث شموله لما لا يشمل مورد الدّليل الآخر في نفسه
وابتداء وإن كان منظورا فيه ، إلاّ أنّه لا مشاحّة ، فالدّليل والأصل العقلي لا
يجتمعان في مورد وموضوع واحد حتّى يتصوّر التّعارض بينهما.
وإن كان الأصل
شرعيّا كالاستصحاب بناء على التّمسّك فيه بالأخبار النّاهية عن نقض اليقين بالشّك
وعدم تنزيلها على صورة حصول الظّن كما زعمه بعض ؛ إذ على التّمسّك فيه بالعقل يخرج
عن الأصول ويدخل في الأدلّة ، وإن كان تعليقيّا بالنّسبة إلى غالب الأدلّة
الظّنيّة فلا يتصوّر التّعارض بينهما من حيث كون دليل اعتبار الأمارة القائمة في
المسألة شارحا لما أثبته الأصل ودلّ عليه ومفسرا له وحاكيا عنه : من حيث دلالته
على عدم الاعتناء باحتمال كونه مخالفا للواقع وترتيب آثار الواقع عليه ، فمؤدّاه
واقع بنائي بمقتضى دليل اعتباره ، فكلّما ترتّب شرعا على احتمال مخالفة الدّليل
للواقع لو لا اعتباره وهو الرّجوع إلى الأصل يحكي دليل اعتباره عن كونه ملغى في
نظر الشّارع ، كما يدلّ على ترتيب الآثار
الشّرعيّة
المترتّبة على الواقع على مؤدّى الأمارة فهو بمنزلة الواقع.
كما أنّ الاحتمال
بمنزلة عدمه في حكم الشّارع فيكون دليل اعتبار الأمارة ناظرا إلى دليل الأصل
وشارحا عنه وهذا هو المراد بالحكومة ولا يعتبر فيها تأخّر الحاكم عن المحكوم ، كما
ربّما يتوهّم من بيان شيخنا في « الكتاب ».
ومن المعلوم أنّ
الحاكم بالمعنى المذكور لا يعدّ في العرف معارضا للمحكوم ومنافيا له ، فيكون
تقدّمه عليه في نظر العرف تقدّما ذاتيّا لا لمكان التّرجيح وإن كان أضعف الظّنون
المعتبرة.
ومن هنا يقدّمون
ما دلّ على نفي الحرج والضّرر على أدلّة الأحكام من غير ملاحظة تعارض وترجيح ،
وهذا يكشف عن التّقدّم الذّاتي وإن زعم بعض خلاف ما ذكرناه ، هذا فيما كان الدّليل
ظنّيّا ولو كان قطعيّا فتقديمه على الأصل من باب الورود مطلقا.
ثمّ إنّ الحكومة بالمعنى المذكور إنّما هو فيما لوحظ فيه حال
الدّليلين ، وإلاّ فالحكومة قد توجد بين فردين من جنس واحد كالاستصحابين في الشّك
السّببي والمسبّبي فلا يكون هناك دليلان يكشف أحدهما عن الآخر كما هو ظاهر.
ثمّ إنّ افتراق الحكومة عن الورود لا يكاد يخفى على أحد ،
وأمّا افتراقها عن التّخصيص فيما كان الخاصّ ظنّيّا من جميع الجهات ، فإنّما هو في
مجرّد التّرتّب والتّعبير ، وإلاّ فهو تخصيص في المعنى ورافع لحكم الموضوع واقعا.
ومن هنا ذكر شيخنا الأستاذ العلاّمة في « الكتاب » : أنّها تخصيص في المعنى بعبارة
التّفسير ، فكلامه هذا منزّل على الخاصّ الظّني من جميع الجهات حتّى لا ينافي ما
يفيده بعد ذلك في شأن العامّ والخاصّ.
فقد
تبيّن ممّا ذكرنا كلّه : أنّ الدّليل والأصل لا يتصوّر التّعارض بينهما في الشّبهة الحكميّة وإن كان
الدّليل ظنّيّا وهذا يقال علي سبيل الموجبة الكلّيّة. وأمّا الأدلّة الظّنية بعضها
مع بعض والأصول كذلك فقد يوجد
بينهما الورود ،
كما أنّه قد يوجد بينهما الحكومة فيما إذا كان أحدهما تنجيزيّا والآخر تعليقيّا
كما في العام والخاصّ مثلا ؛ فإنّ أصالة العموم معتبرة فيما إذا لم يكن هناك قرينة
على التّخصيص كما هو الشّأن في جميع الظّواهر ؛ فإنّها مشروطة بعدم قيام القرينة
على الخلاف.
فإن كان الخاصّ
قطعيّا من جميع الجهات فيكون واردا على أصالة العموم ، كما هو شأن القرينة
القطعيّة بالنّسبة إلى جميع الظّواهر ؛ فإنّها تعليقيّة بأسرها.
وإن كان قطعيّا
بحسب الدّلالة وظنّيّا بحسب الصّدور ، فيكون حاكما على أصالة العموم بالنّظر إلى
دليل اعتبار صدوره ؛ فإنّ مقتضاه عدم الاعتناء باحتمال عدم الصّدور والرّجوع إلى
أصالة العموم والبناء على عدم القرينة لو لا دليل التّعبّد بالصّدور ، فيكون
الدّليل المذكور شارحا لما دلّ على اعتبار أصالة العموم فلا يكون الخاصّ معارضا
للعام ، إلاّ فيما كان ظنّيّا بحسب الدّلالة كالعام ، وإن كان راجحا عليه إذا
لوحظا بأنفسهما من غير ملاحظة الخصوصيّات ، وإلاّ فقد يكون العام أقوى دلالة من
الخاصّ بملاحظتها كما ستقف على شرح القول فيه هذا.
وفي « الكتاب » جعل النّص الظّني الصّدور واردا أيضا على أصالة العموم
إذا كان مستند اعتبار أصالة العموم الظّن النّوعي بإرادة الحقيقة الحاصل من الغلبة
من حيث استظهار تقيّد اعتباره بعدم قيام الدّليل المعتبر على الخلاف ولو كان
ظنّيّا.
ثمّ استكشف ذلك
بقوله : ( ويكشف عمّا ذكرنا : أنّا لم نجد ولا نجد من
أنفسنا ... إلى
آخره ) وهو كما ترى محلّ مناقشة ؛ لأنّ ما أفاده في الكاشف
__________________
لازم أعمّ من
الورود والحكومة بل من التّرجيح أيضا لما عرفت : من قوّة الخاصّ الظّني بحسب
الدّلالة بالنّسبة إلى العام إذا لوحظا بالنّظر إلى أنفسهما مع تصريحه بكونهما
متعارضين بقوله : ( نعم ، لو فرض الخاصّ ظاهرا ... إلى آخره ) فإنّه صريح في كون محلّ كلامه في ورود الخاصّ على العام أو حكومته فيما كان
الخاصّ نصّا وقطعيّا بحسب الدّلالة.
فقد
تبيّن ممّا ذكرنا : أنّ ما أفاده في « الكتاب » في الفرق بين الحاكم والمخصّص بجعل الأوّل خارجا
عن عنوان المعارض والثّاني داخلا فيه بقوله : ( والفرق بينه وبين المخصّص ... إلى
آخره ) منزّل على الخاصّ الظّني الصّدور
__________________
والدّلالة ؛ لأنّ
تصريحه بجريان الورود والحكومة بالنّسبة إلى الأصل اللّفظي بعد ما ذكره بقوله : (
ثمّ إنّ ما ذكرنا من الورود والحكومة جار في الأصول اللّفظيّة أيضا ... إلى آخره ) أقوى شاهد على التّنزيل المذكور سيّما الاستدراك بقوله : (
نعم ، لو فرض الخاصّ ظاهرا خرج عن النّص وصار من باب تعارض
الظّاهرين ... إلى آخره ) هذا.
وقد وقفت على ما
ينافي ما سلكه شيخنا الأستاذ العلاّمة في المقام من كلام
__________________
بعض أفاضل تلامذته
وهو غريب ، هذا بعض الكلام في حكم المختلفين في الأحكام الشرعيّة.
وأمّا إذا قاما في
الموضوعات الخارجيّة فلا يتصوّر التّعارض بينهما أيضا إذا فرض اعتبار الظّاهر فضلا
عن تقديم الأصل على الأمارة ، فما أفاده ثاني الشّهيدين في تقديم الأصل على
الظّاهر في « تمهيده » في صور كثيرة لا بدّ أن ينزّل على الظّواهر الغير المعتبرة
، كما أنّ إشكاله في تقديم أحدهما في صور مذكورة فيه لا بدّ أن ينزّل على الإشكال
في اعتبار الظّاهر المقابل للأصل وإن كان من حقّه عدم الإشكال بعد عدم العلم
باعتبار الظّاهر ، وإن كان الخلاف موجودا من جهة الاختلاف في اعتبار الظّاهر
فتدبّر.
أمّا حكم بعضهم
بتقديم قول من كان قوله موافقا للظّاهر وإن لم يكن معتبرا وكان مخالفا للأصل فهو
من جهة ذهابه إلى كون المدّعي في العرف : من كان قوله مخالفا للظّاهر وإن كان
موافقا للأصل ، والمدّعى عليه والمنكر في العرف : من كان قوله موافقا للظّاهر وإن
كان مخالفا للأصل. وهذا كما ترى ، يرجع إلى الاجتهاد في تشخيص الموضوع العرفي ولا
تعلّق له بالمقام أصلا.
نعم ، يستثنى عمّا ذكرنا الأصل الأخصّ بالنّسبة إلى الظّاهر
المعتبر الأعمّ كأصالة الصّحة في عمل النّفس بعد الفراغ أو عمل الغير على القول
باعتبار الاستصحاب من باب الظّن ؛ فإنّه لا بدّ من الأخذ بالأصل بعد الفراغ عن
ثبوته وإلاّ لزم طرحه رأسا.
فإن
شئت قلت : إنّ الأصل الوارد
في بعض موارد الأمارة المعتبرة لا بدّ من الأخذ به لكن لا من باب الحكومة ؛ ضرورة
امتناع شرح الأصل عن الأمارة و
الدّليل ، فما
يذكر من كلمات شيخنا الأستاذ العلاّمة قدسسره في الأصول والفروع : من حكومة استصحاب الشّرائط ـ كاستصحاب
الطّهارة مثلا ـ على الدّليل المثبت للشّرط ـ كقوله : ( لا صلاة إلاّ بطهور ) ـ منظور فيه ؛ لعدم اتّحاد الأصل والدّليل من حيث المرتبة ، فكيف يمكن جعل
الأصل مفسّرا وشارحا له؟
وإن
شئت قلت : إنّ الدّليل
المثبت للحكم الواقعي ساكت عن حكم الشّك في الموضوع فكيف يمكن جعل استصحاب الموضوع
حاكما عليه؟ ضرورة أنّ قوله :
( لا صلاة إلاّ
بطهور ) لا دلالة على حكم الشّك في الطّهارة والحدث ، وإن كان
الحكم عدم جواز الدّخول في الصّلاة مع الشّك في وجود الشّرط الواقعي من جهة قاعدة
الشّغل فلا يمكن جعل الاستصحاب المتكفّل لحكم الشّك حاكما عليه فهو وارد على أصالة
الشّغل لا حاكم على دليل الشّرط فافهم.
ومن هنا لا يفرق
بين كون دليل الشّرط ظنّيّا أو قطعيّا من جميع الجهات ؛ فإنّ ثبوت الشّرط على وجه
القطع لا يمنع من الشّك في وجوده الخارجي كما هو واضح ، فلا بدّ من أن يحمل ما
أفاده شيخنا العلاّمة قدسسره على غير الحكومة بالمعنى الّذي عرفته : بجعل الاستصحاب
كاشفا عن إرادة الطّهارة بالمعنى الأعمّ من
__________________
الواقعيّة
والظّاهريّة من دليل اشتراط الطّهارة الّذي قد عرفت استحالته فتأمّل.
فقد
تبيّن ممّا ذكرنا كلّه : أنّ التّنافي المعتبر في التّعارض موضوعا إنّما هو بعد إمكان اجتماع
المتعارضين في موضوع واحد فلا يتحقّق بين الوارد والمورود ولا بين الحاكم والمحكوم
بعد ملاحظة تنزيل الشّارع. ومن هنا ذكر شيخنا الأستاذ العلاّمة ما عرفته بقوله : (
ومنه يعلم : أنّه لا تعارض ... إلى آخره ) .
فعدم التّعارض
مستند إلى إلى عدم اجتماع الدّليل والأصل لا إلى عدم اجتماع مدلولهما ؛ فإنّه لا
تنافي بين كون شيء حراما في الواقع وحلالا في الظّاهر مثلا وهكذا.
وقد صرّح بذلك في
أوّل الجزء الثّاني من « الكتاب » ، والظّاهر أنّه
من المسلّمات عندهم وقد بنوا عليه الأمر في مسألة اجتماع الأمر والنّهي على ما
نبّهناك عليه في الجزء الثّاني من التّعليقة .
إشكال عويص في تعارض
الحكم الظاهري مع الحكم الواقعي
لكن قد تقدّم منّا
الإشكال في ذلك على القول بالتّخطئة وثبوت الحكم المشترك بين العالم والجاهل وعدم
اختصاص كلّ من العالم والجاهل بحكم في مرحلة الواقع وإن كانت فعليّة الأحكام
الإلزاميّة ، ولحوق استحقاق المؤاخذة في
__________________
حكم العقل تابعة
في حقّ القاصر لما يدلّ على ثبوتها ؛ فإنّه لا محيص بناء عليه عن الالتزام باجتماع
الضّدّين ؛ فإنّ العلم والجهل وقيام الدّليل على الحكم وعدمه لا يوجب اختلافا في
حقيقة الحكم ، فإن كانت الأحكام متضادّة ـ كما قضت به ضرورة العقل والوجدان كان
التّضاد بين أنفسها من غير مدخليّة لقيام الدّليل عليها وعدمه ، وإنّما يؤثّران في
أمر عقلي خارج عن حقيقة الحكم وإن سلّم عدم صدق عنوان التّكليف عليها قبل ثبوتها
وقيام الدّليل عليها ؛ فإنّ الضّديّة تتبع المعنون لا العنوان وهو أمر ظاهر هذا.
وقد تقدّم ما يدفع
به هذا الإشكال وما يزيّفه في الجزء الثّاني من التّعليقة ولم أقف إلى الآن على ما
يدفع به هذا الإشكال .
نعم ، في كلام بعض أفاضل من عاصرناه من حاضري مجلس بحث شيخنا
ابتناء الإشكال على القول بالامتناع في مسألة اجتماع الأمر والنّهي ، ودفعه ـ مع
اضطراب كلامه في المقام كغيره ـ : بكون الحكم الظّاهري راجعا إلى الإخبار
بالمعذوريّة ونفي العقاب.
وهو كما ترى ، في
كمال الغرابة ؛ فإنّ الابتناء المذكور لا محصّل له أصلا ؛ حيث إنّ الاجتماع في
المقام يرجع إلى الاجتماع الآمري لا المأموري كما هو ظاهر ، وجواز الاجتماع على
القول به مبنيّ على الثّاني كما بيّن في محلّه ، فكيف يبتني الإشكال المذكور على
القول بالامتناع؟
__________________
وأمّا دفع الإشكال
بإرجاع الحكم الظّاهري إلى الإخبار عن نفي المؤاخذة فهو أشدّ ضعفا ؛ إذ كيف يستقيم
إرجاع القضايا الشّرعيّة الصّريحة في إنشاء الحكم الشّرعي كأخبار الاستصحاب
والحلّيّة ونحوهما إلى القضيّة الخبريّة المذكورة؟ هذا.
مع أنّ الحكم
الظّاهري قد يكون إلزاميّا والحكم الواقعي غير الإلزاميّ ، وقد يكونان متوافقين
إلزاميّين أو غير إلزاميّين.
نعم ، يمكن
الالتزام بذلك بالنّسبة إلى بعض أخبار البراءة أو حكم العقل بها ، مع أنّ هذا
الوجه لا يستقيم بالنّسبة إلى الاحتياط والتّخيير ، فلا بدّ أن يلتزم فيهما :
بأنّ مرجعهما إلى
الإخبار عن المؤاخذة على تقدير المصادفة والإخبار عنها على تقدير عدم الالتزام
بأحد الحكمين هذا.
وإن شئت الوقوف
على شرح فساد هذا الوجه وغيره فارجع إلى ما ذكرنا في الجزء الثّاني من التّعليقة
فلا حاجة إلى إعادة الكلام وتطويل القول في المقام ، هذا بعض الكلام فيما
يتعلّق بالتّقسيم الأوّل.
وقد
اتّضح لك من مطاوي ما ذكرنا : المراد من كلّ من التّعارض والورود والحكومة والتّخصيص مفهوما ؛ فإنّ المراد
من الأوّل : ما عرفت في أوّل عنوان المسألة ، ومن الثّاني : رفع موضوع أحد
الدّليلين حقيقة بوجود الآخر ، ومن الثّالث : شرح أحد الدّليلين وتفسيره للآخر ،
ومن الرّابع : قصر الحكم المستفاد من أحد الدّليلين الثّابت للموضوع العام على بعض
أفراد موضوعه من غير أن يكون شارحا له وناظرا إليه ، وأمّا من حيث الخارج والمصداق
فلا يقع الاشتباه في الورود أصلا ، إلاّ إذا فرض الشّك فيما أخذ في موضوع أحد
الدّليلين شرعا أو عرفا.
وأمّا الحكومة
فلها أمثلة واضحة غاية الوضوح ، وأمثلة خفيّة نظريّة بحيث يقع الاشتباه فيها كثيرا
والميزان وإن كان ما ذكرنا ، إلاّ أنّه لا ينفع لرفع الاشتباه في جميع الموارد
الشّخصيّة فلا مناص من إيكال التّشخيص والتّطبيق إلى نظر المستنبط ، فإن بقي
الاشتباه فإن كان الدّوران بين ورود أحد الدّليلين وحكومته فلا ثمرة غالبا ؛ فإنّه
يحكم بتقديمه ذاتا سواء كان من جهة الورود أو الحكومة. وإن كان بينهما والتّعارض
أو بين أحدهما والتّعارض ولم يكن للمردّد أمره رجحان على صاحبه فإجراء حكم
التّعارض عليه مشكل كما أنّ إجراء حكم الوارد أو الحاكم عليه أشكل.
اللهمّ إلاّ أن
يقال : بوجوب الأخذ بالمردّد أمره من حيث كونه متيقّن الاعتبار على كلّ تقدير غاية
ما هناك تردّد أمره بين الحجّيّة التّعيينيّة والتّخييريّة ، وهذا بخلاف الآخر ؛
فإنّه مشكوك الاعتبار فعلا من حيث احتمال كونه مورودا أو محكوما فافهم.
لكنّه كما ترى
مبنيّ على كون حكم التّعادل ولو في غير الأخبار من المتعارضين ـ التّخيير ، كما
ربّما يستظهر من بعض على ما ستقف عليه ، وإلاّ فلا دوران بين الحجّيّة التّعيينيّة
والتّخييريّة فيبقى الإشكال على حاله فتدبّر.
ثمّ إنّ الورود
على ما عرفت في بيان مفهومه لا يختصّ بالأدلّة اللّفظيّة ، وأمّا الحكومة فلا تجري
في الأدلّة اللّبيّة ، بل لا بدّ من أن يكون كلّ من الحاكم والمحكوم دليلا لفظيّا
على ما بيّنه في الكتاب في حقيقتها ، وعرفت منّا : أنّ تقديم الأمارات المعتبرة
اللّبيّة الغير المنتهية إلى اللّفظ على الأصول ليس من باب الحكومة الاصطلاحيّة
وإن كان في حكمها ، كما أنّ تقديم الاستصحاب في الشّك
السّببي على
الاستصحاب في الشّك المسبّب إذا كان مبنيّا على الظّن إنّما هو بحكم الحكومة ، بل
الأمر في الفرض المزبور وكذلك بناء على التعبّد والأخبار أيضا على ما عرفت الإشارة
إليه في مطاوي كلماتنا لفقد موضوع الدّليلين فالتّقدّم فيما ذكر وإن كان ذاتيّا
إلاّ أنّه خارج عن عنوان الحكومة الحقيقيّة ، وأمّا التّخصيص فلا يتحقّق إلاّ فيما
كان هناك عام لفظيّ وإن كان الخاصّ لبّيّا.
الكلام في التقسيم الثاني
وأمّا
الكلام في التّقسيم الثّاني فملخّصه : أنّه ذكر غير واحد : أنّ التّعارض إنّما يكون بين
الظّنّيين دون القطعيّين والمختلفين ، وعدم تعرّضهم لحكم التّعبّديين أو المختلفين
من التّعبّدي وغيره ، إنّما هو من جهة عدم وجود ما يكون دليلا في الشّرعيّات من
غير اعتبار الكشف فيه أصلا لا نوعا ولا شخصا عندهم غير الأصول وإن أمكن وجوده ، مع
أنّه على تقدير وجوده أولى بجريان التّعارض فيه من الظّنيّين كما هو ظاهر.
كما أنّه مثل
الظّني فيما قابل القطعي في عدم الإمكان من حيث استحالة التّعبّد على خلاف القطع
وفيما قابل الظّني في الإمكان كما هو ظاهر ، وهذا مع كمال وضوحه وظهوره بالنّظر
إلى ما عرفت : من معنى التّعارض ومعنى الدّليل القطعي عندهم وحكم العقل الضّروري
بعدم اجتماع القطعيّين المتنافيين الموجب لاجتماع النّقيضين أو الضّدّين ، والمراد
من الدّليل الظّني : الأعمّ ممّا يعتبر فيه الظّن فعلا كما هو المشاهد بالنّسبة
إلى أكثر الأدلة الظّنية مع عدم تقيّدها بعدم قيام الظّن على الخلاف ، وكون مرادهم
: الإهمال بالنّسبة إلى الظّنّيين في مقابل القطعيّين
والمختلفين لا
الكلّيّة والتّعميم بالنّسبة إلى جميع أقسام الظّنّيين كما هو واضح لا سترة فيه
أصلا ، بل هو من القضايا الّتي قياساتها معها فتعرّضهم له حقيقة كما في كلام جماعة
من الخاصّة والعامّة من المتقدّمين والمتأخّرين : من باب مجرّد التّنبيه وأداء
وظيفة الصّناعة العلميّة ، وإلاّ فليس مطلبا نظريّا محتاجا إلى إقامة البرهان عليه
، ومع ذلك قد ناقشهم فيه غير واحد ممّن قارب عصرنا فلعلّ المناقشة من جهة التباس
مرادهم من الدّليل القطعي والظّني عليهم وإلاّ فلا يظنّ بمن دونهم التّأمّل فيه مع
تبيّن المراد.
نقل الكلمات المصرّحة
بعدم تصوّر التعارض بين الأدلّة القطعيّة
ولا بأس بنقل كلمات
جماعة من الخاصّة والعامّة في المقام لحصول العلم بمرادهم ممّا ذكروه بملاحظتها
وإن كان واضحا بزعمي القاصر.
قال الشّيخ قدسسره في محكيّ « الإستبصار » : « المتواتر من الأخبار : ما أوجب العلم ، فما هذا
سبيله يجب العمل به من غير توقّع شيء يضاف إليه ولا أمر يقوى به وما يجري هذا
المجرى لا يقع فيه التّعارض ولا التّضادّ في أخبار النّبي والأئمّة عليهمالسلام » انتهى كلامه رفع مقامه.
وفي محكي « النّهاية » : « الإجماع على أنّه لا يجوز تعادل الأدلّة القطعيّة
المقابلة بالنّفي والإثبات ؛ لوجوب حصول المدلول عند حصول الدّليل وهو
__________________
يستلزم اجتماع
النّقيضين » . انتهى كلامه.
وقال في محكي « التهذيب » : « الدّليلان إمّا أن يكونا يقينيّين فالتّعارض بينهما
محال » . انتهى.
وقال في « شرح المبادي » ـ تبعا للمصنّف على ما حكي ـ : « لا يتعارض دليلان
قطعيّان ؛ لاستلزامه اجتماع النّقيضين » . انتهى كلامه.
وقال في محكيّ « المنية » : « الأدلّة القطعيّة عقليّة كانت أو نقليّة لا يجوز
تعادل دليلين متقابلين منها بالنّفي والإثبات. أمّا العقليّة : فلوجوب حصول
المدلول عند حصول دليله ، فلو تحقّق دليلان على نقيضين لزم اجتماعهما ، وهو محال
بالضّرورة. وأمّا النّقليّة : فلأنّه يلزم إمّا اجتماع النّقيضين أو الكذب على
الشّارع وهما محالان ».
وقال ـ بعد جملة
كلام له ـ : « الثّالث : أن يكون أحدهما يقينيّا والآخر ظنّيّا فيتعيّن العمل
باليقيني ؛ ضرورة استلزامه العلم بكذب الظّن المقابل لليقين اللاّزم للدّليل » . انتهى.
وقال في مقام آخر
: « التّعارض في اليقينيّات محال ؛ إذ الدّليل اليقيني
__________________
لا يتحقّق إلاّ مع
كون مقدّماته ضروريّة أو لازمة للضّروريّة ومنتهية إليها ... إلى آخر ما ذكره » .
وقال في محكي « غاية المأمول » ـ بعد الحكم باستحالة تعارض القطعيّين من حيث استلزامه
اجتماع النّقيضين ـ : « ولا يتحقّق بين القطعي والظّني ؛ لانتفاء الظّن عند حصول
القطع وإنّما يتحقّق بين الظّنّيين » . انتهى.
وفي محكيّ « غاية البادي » : « وقع الاتّفاق على امتناع التّعارض بين الأدلّة
العقليّة ، وأمّا النّقليّة فليست قطعيّة ، وعلى تقدير إفادتها اليقين فالدّليل
القائم في العقليّات قائم في سائر القطعيّات » . انتهى.
وفي محكيّ « الزّبدة » : « ولا تعارض في قطعيّين ؛ لاجتماع النّقيضين ولا في
قطعيّ وظنّي. انتهى كلامه.
وفي محكيّ « غاية المأمول » بعد جملة كلام له في تحقيق مورد التّعارض ما هذا لفظه :
« وهو لا يتحقّق بين قطعيّين ، وإلاّ ثبت مقتضاهما فيلزم اجتماع النّقيضين وهو
محال » . انتهى كلامه.
وفي محكيّ « الإحكام » : « لا يتصوّر التّعارض في القطعيّ ؛ لأنّه إمّا أن
يعارضه قطعيّ أو ظنّي. والأوّل محال ».
__________________
إلى أن قال :
« والثّاني أيضا
محال ؛ لامتناع ترجيح الظّني على القطعي فلم يبق سوى الطّرق الظّنية » . انتهى كلامه.
وقال العضدي ـ في
« شرح
المختصر » عند شرح قول
الماتن [ لا تعارض في قطعيّين ] : « الدّليلان إمّا قطعيّان ، أو أحدهما قطعيّ
والآخر ظنّي ، أو هما ظنّيّان ، ولا تعارض في قطعيّين ، وإلاّ ثبت مقتضاهما وهما
نقيضان ، ولا بين قطعيّ وظنّي ؛ لأنّ الظّن ينتفي بالقطع بالنّقيض وأمّا الظّنيّان
فيتعارضان » . انتهى ما حكي عنه.
إلى غير ذلك من
كلماتهم الصّريحة في التّفصيل الّذي عرفته من « شرح المختصر ». والغرض من نقلها ليس مجرّد الوقوف عليها ، بل الوقوف
على مرادهم من التّفصيل المذكور ، وأنّ الدّليل القطعي عندهم : ما لا ينفك عن
إفادة القطع بمدلوله بخلاف الظّني. وهذا كما ترى ، لا يقبل المناقشة فلا بدّ أن
يكون مبنى المناقشة التباس مرادهم من الدّليل القطعي والظّني على المناقش على ما
عرفت الإشارة إليه.
__________________
كلام الفاضل النراقي
والمناقشة فيه
قال الفاضل
النّراقي في « المناهج » :
« قالوا : التّعارض
بين القطعيّين والقطعي والظّني محال ، واستدلّوا على الأوّل باستلزامه التّناقض ؛
لأنّ القطعي ما ثبت تحقّق مدلوله قطعا فلو عارضه مثله لحصل القطع بتحقّق مدلوله
أيضا ، والمفروض تناقض المدلولين ولا فرق في ذلك بين كونهما متساويين أو بينهما
عموم وخصوص مطلق أو من وجه ، وعلى الثّاني : بأن الظّني لا يقاوم القطعي فلا يمكن
أن يعارضه ، وبأنّ الظّن ينتفي عند قيام القطع.
أقول : إن كان
المراد من القطعي ما ذكر فعدم تعارضهما واضح. وأمّا إن كان المراد ما كان الدّالّ
قطعيّا كما يظهر من تمثيلهم للقطعيّين بالمتواترين والإجماعين القطعيّين ، فقد
يمكن التّعارض بجواز صدور خبرين متناقضين لمصلحة تقيّة ونحوها متواترا أو انعقد
الإجماع على حكم في زمان تقيّة وعلى خلافه في زمان آخر.
وأمّا ما ذكروه دليلا للثّاني : فيتوجّه على الأوّل منهما : أنّ التّقاوم
مناط التّعادل دون التّعارض ؛ فإنّ الظّنيّين اللّذين اقترن أحدهما بمرجّح
متعارضان مع فقد التّقاوم ، وعلى الثّاني : بأنّ مناط التّعارض هو تنافي المدلولين
دون بقاء الظّن ؛ فإنّ المراد بالظّني ليس ما أفاده بالفعل ، وإلاّ لزم عدم
التّعارض بين الظّنيّين أيضا ؛ لاستحالة تعلّق الظّن بطرفي النّقيض ، بل ما من
شأنه أن يفيد الظّن وإن لم يفده بالفعل وذلك متحقّق في الظّني والقطعي ، فالحقّ
إمكان التّعارض بين القطعي
والظّني. بل
التّحقيق : إمكان تعارض القطعيّين بهذا المعنى أيضا » . انتهى كلامه رفع مقامه.
وهو كما ترى ، غير
نقيّ عن النّظر من وجوه ؛ لأنّ ما ذكره بالنّسبة إلى القطعيّين يتوجّه عليه : أنّ
مرادهم من القطعي ليس إلاّ ما ذكره أوّلا ؛ فإنّ الدّليل القطعي عندهم في مقابل
الظّني ما يكون اعتباره ذاتيّا ومن جهة حصول القطع منه كما ذكره شيخنا الأستاذ
العلاّمة في بيان مرادهم ، وكون الدّالّ قطعيّا ؛ لأنّ المدلول كما ذكره لا محصّل
له أصلا ؛ إذ اتّصاف الدّال بالقطعيّة إنّما هو باعتبار مدلوله ، وإلاّ فمجرّد
القطع بصدور كلام من الشّارع مع عدم قطعيّة مدلوله وعنوان صدوره لا يوجب اتّصاف
الدّال بالقطعيّة ؛ ضرورة كون النّتيجة تابعة لأخسّ مقدّمتيها.
ومن هنا لا يعدّ
الكتاب والسّنة القطعيّة مع ظنّيّة دلالتهما من الأدلّة القطعيّة ، وتمثيلهم
بالمتواترين والإجماعين للقطعيّين لا يدلّ على ما توهّمه ؛ لأنّ الغرض من التّواتر
ليس مجرّد التّواتر اللّفظي مع ظنّيّة متنه وجهة صدوره ، وكذا المراد من الإجماع
القطعي على الحكم ليس مجرّد الإجماع على مجرّد صدور اللّفظ من الإمام عليهالسلام ، كما قد يتّفق على مذهب القدماء في باب الإجماع وصدور خبرين متواترين
متناقضين لمصلحة تقيّة ونحوها. وكذا انعقاد الإجماع على حكم في زمان تقيّة وعلى
خلافه زمان آخر لا يجديه في شيء.
لأنّه إن أراد من التّقيّة : التّقيّة في العمل
كالوضوء تقيّة على طبق مذهب العامّة مثلا عند الضّرورة والابتلاء ، فيتوجّه عليه : أنّ مضمون الخبر على هذا
__________________
الفرض حكم واقعيّ
إلهيّ ، إلاّ أنّه واقعيّ اضطراريّ كسائر الواقعيّات الاضطراريّة كالصّلاة في حالة
الخوف أو المرض إذا لم يتمكّن من الإتيان بالقيام مثلا ، فهل يتوهّم أحد التّعارض
بين حديثين دلّ أحدهما على وجوب الصّلاة قائما على الصّحيح والآخر على وجوبها
قاعدا على المريض الغير المتمكّن من القيام فكذا بين حديثين دلّ أحدهما على وجوب الوضوء
على طبق مذهب الشّيعة في حالة الاختيار وعدم التّقيّة ودلّ الآخر على وجوبه على
طبق مذهب العامّة عند الابتلاء بهم؟ حاشا ثمّ حاشا.
وإن
أراد منها : التّقيّة في
مجرّد القول ، فإن جوّزنا الكذب على الإمام عليهالسلام عند الخوف والتّقيّة من الأعداء ـ كما نجوّزه لغيره ـ من
جهة الضّرورة ، فيتوجّه عليه : أنّ مضمون الخبر على هذا ليس حكما أصلا وإن كان
صدوره واجبا على الإمام عليهالسلام فلا يتعارض مع غيره.
وإن لم نجوّزه له
وأوجبنا عليه التّورية كما هو الحقّ ـ وإن جوّزناه لغيره ـ فالمراد من الخبر
الصّادر تقيّة وخوفا على هذا التّقدير أيضا حكم إلهيّ واقعيّ ، بل ربّما يكون
واقعيّا اختياريّا فكيف يقع التّعارض بينه وبين غيره؟ فإذا ورد عن الإمام عليهالسلام ما دلّ على حرمة التّمتّع وكان مراده حرمته بدون رضا الزّوجة مثلا ، فلا
يعارض ما دلّ على جوازه مع اجتماع ما يعتبر في العقود من رضا المتعاقدين وغيره.
وأمّا ما أورده
على الوجه الأوّل لعدم إمكان التّعارض في المختلفين : فيتوجّه عليه : بأنّ عدم
التّقاوم في الفرض ليس من جهة ترجيح القطعي على الظّني مع تعارضهما ، بل من جهة
عدم إمكان التّعارض بينهما ؛ لأنّ أصل الكشف الظّني
ولو نوعا على ما
هو التّحقيق أو اعتباره على ما تقضي به ضرورة العقل والوجدان مقيّد بعدم القطع على
الخلاف فليستا في مرتبة واحدة حتّى يمكن التّعارض بينهما.
وأمّا ما أورده
على الوجه الثّاني : فيتوجّه عليه أيضا ما يتوجّه على إيراده على الوجه الأوّل.
وأمّا قياسه
المقام بالظّنيين واستكشاف حكمه منهما : فيتوجّه عليه : بأنّ إرادة الشّأني منهما
أو الفعلي والشّأني ممّا لا غبار عليه أصلا ؛ لأنّ الغرض من حصر التّعارض في
الظّنيين ليس إمكانه في جميع صوره ، بل تحقّقه فيهما في مقابل القطعيّين
والمختلفين من القطعي والظّني.
وممّا
ذكرنا كلّه يظهر : تطرّق المناقشة إلى التّرقي الّذي ذكره أخيرا بقوله :
( بل التّحقيق
إمكان التّعارض بين القطعيّين بهذا المعنى أيضا ) لما صرّح به شيخنا الأستاذ
العلاّمة قدسسره في « الكتاب » : من أنّ اعتبار القطعي بهذا المعنى على تقدير وجوده في
الشّرعيّات لا بدّ فيه من التماس قيام الدّليل عليه ؛ فإنّه كالظّني كما هو ظاهر ،
واعتبار الأدلّة القطعيّة عندهم على ما عرفت مستند إلى نفس إفادتها القطع لا إلى
شيء آخر.
وممّا
ذكرنا يظهر : تطرّق المناقشة
إلى ما أفاده في حكم المقام في « الفصول » فإنّه قريب إلى ما أفاده الفاضل المتقدّم ذكره في « المناهج ». قال :
« ولا يقع
التّعارض بين الدّليلين القطعيّين. أعني : المفيدين للقطع بمؤدّاهما بالفعل سواء
كانا عقليّين أو سمعيّين أو كان أحدهما عقليّا والآخر سمعيّا ؛ لأدائه إلى الجمع
بين المتنافيين بحسب المعتقد ، إلاّ أن يكون المعتقد جاهلا بالتّنافي
فيخرج الكلام
بالنّسبة إليه عن محلّ البحث ؛ إذ لا تعارض عنده حقيقة ولو فسّر الدّليل القطعي
بالفعلي ـ نظرا إلى أنّه لا حكم للقطع الشّأني والدّليل الظّني بما يعمّ الفعلي
والشّأني لوقوع التّعويل على كلّ منهما في الجملة ـ صحّ في تحرير المقام أن يقال : الدّليلان إن كانا
قطعيّين إمتنع وقوع التّعارض بينهما ، وإن كان أحدهما قطعيّا والآخر ظنيّا رجّح
القطعي ، وإن كانا ظنّيين ففيه : التّفصيل الآتي » .
والفاضل المعاصر
بعد أن حكم بامتناع التّعارض بين الدّليلين القطعيّين قال : « وكذلك لا يكون في
قطعيّ وظنّي ؛ لانتفاء الظّن عند حصول القطع ، فالتّعارض إنّما يكون بين دليلين
ظنّيين ويشكل عليه : بأنّ الظّن كما لا يجامع القطع بالخلاف كذلك لا يجامع الظّن
به ، إلاّ أن يريد بالظّني في الأوّل الفعلي وفي الثّاني ما يعمّ الشّأني لكن
يشوّش معه نظم التّحرير » .
وساق الكلام إلى
أن قال :
« وأمّا القطعيّان بالقوّة أعني : ما من شأنهما إفادة القطع ولو مع قطع
النّظر عن معارضة الآخر فيمكن وقوع التّعارض بينهما ـ كما نبّهنا عليه في دفع شبهة
الجبريّة ـ وحكم هذا التّعارض أن يلاحظ أحدهما مع الآخر فإن سقطا عن إفادة القطع
سقط اعتبارهما في الموارد الّتي يطلب فيها القطع وإن سقط أحدهما عن إفادته فقط
تعيّن التّعويل على الآخر. وممّا قرّرنا يظهر الكلام في تعارض الدّليل القطعيّ مع
الظّني » . انتهى ما أردنا نقله من كلامه رفع مقامه.
__________________
وأنت بعد الإحاطة
بما ذكرنا ينكشف لك وجوه المناقشة فيه ؛ لأنّ الحكم بترجيح القطعي إذا عارض الظّني
قد عرفت ما فيه : من عدم إمكان التّعارض بينهما حتّى يحكم بالتّرجيح.
ومنه
يظهر : أنّ الظّني بأيّ
معنى يراد سواء أريد منه الظّن الفعلي أو الشّأني لا يمكن أن يعارض القطعي على ما
أسمعناك في طيّ المناقشة على ما ذكره الفاضل النّراقي ، فإذا أريد من إثبات
التّعارض في الظّنيّين : أنّه لا يتحقّق إلاّ فيهما على ما عرفت ولو بأن يتحقّق في
الشّأنيّين منهما ، أو الشّأني والفعلي في مقابل القطعيّين والقطعيّ والظّنّي فليس
فيه تفكيك حتّى يختلّ معه نظم التّحرير ويتشوّش كما هو ظاهر.
وكذا الحكم بتعارض
القطعيّين الشّأنيّين مع الالتزام بما أفاده في حكم تعارضهما يرجع حقيقة إلى عدم
التّعارض بينهما ، إلاّ بحسب صورة البرهان فهو خارج عن حقيقة التّعارض كما هو ظاهر
وهو ليس محلاّ لإنكار أحد ؛ لأنّ التّعارض الصّوري بين البراهين ممّا لا يمكن
إنكاره لكن لا تعلّق به بالتّعارض المبحوث عنه في المقام إلى غير ذلك ممّا يقف
عليه التأمّل في أطراف كلامه.
كلام السيّد ابراهيم
القزويني في الضوابط
وقال بعض السّادة
ممّن تأخّر بعد جملة كلام له في معنى التّعارض :
« ثمّ إنّهم قالوا
: إنّ التّعارض لا يكون إلاّ بين الظّنيين ، وأمّا القطعيّان أو المختلفان فلا
يمكن حصول المعارض بينهما. وفيه : أنّ المراد من القطعي والظّني إن كان القطعيّة
والظنّيّة في الصّدور فلا ريب في جواز التّعارض في كلّ الصّور
الثّلاث من
القطعيّين والظّنّيين والمختلفين ، وإن كان القطعيّة والظنّيّة في اللّب والدّلالة
: فإن كان المراد قطعيّة الدّليلين أو ظنّيتهما بمعنى : أنّه لو لا أحدهما لأفاد
الآخر القطع أو الظّن ـ وإن لم يكن بعد ملاحظة التّعارض قطع ولا ظنّ ـ فلا ريب في
جواز التّعارض بهذا المعنى بين الكلّ أيضا. وإن كان المراد قطعيّة الدّليلين أو
ظنّيتهما شخصا أي : فعلا ، فلا ريب في عدم جواز التّعارض في الكلّ.
ففي الفرضين
الأوّلين لا وجه لقولهم بعدم الإمكان في القطعيّين والمختلفين ، وفي الفرض الأخير
لا وجه لقولهم بالإمكان في الظّنيين ، وإن كان في القطعيّين والمختلفين الشّخصيّين
وفي الظّنّيين أحد الفرضين الأوّلين فهو تفكيك خال عن الوجه ، لكنّ الظّاهر منهم :
الأخير ؛ لزعمهم : أنّ ما سوى الشّخصي لا يمكن في القطع ؛ لأنّ العلّة التّامّة في
القطع بعد حصولها لا يمكن التخلّف عنه بالتّعارض.
وفيه : أنّه يمكن
أن يكون انتفاء أحد الدّليلين شرطا لإفادة الآخر القطع فيكونان قطعيّين طبعا ، ولا
دليل على عدم جواز ذلك عقلا ، بل هو واقع في الخبر كالوارد في دية إصبع المرأة ؛
فإنّ العقل بعد سماع أنّ دية ثلاثة من إصبعها ثلاثون يقطع بأنّ دية الأربع لا تنقص
عن دية ثلاث لو لا الإجماع على الرّجوع إلى عشرين أو السّماع عن الإمام عليهالسلام كما أنّ أبان توحّش عن حكم الإمام عليهالسلام » .
__________________
وساق الكلام إلى
أن قال :
« وظهر من ذلك
جواز تعارض القطعيّين عقليّين بالطّبع إذا كان حكم العقل تبعيّا لا أصليّا ، فتلك
العلّة الّتي زعموها لعدم إمكان التّعارض في القطعيّين فاسدة.
وأمّا العقليّان
القطعيّان بالطّبع المستقلاّن في الحكم وكذا النّقليّان فلا دليل اجتهاديّا فيه
على الجواز عقلا ، ولكن أصالة الجواز والإمكان عقلا يثبته ما لم يقم دليل على عدم
الجواز عقلا.
ثمّ إنّهم قالوا بجواز تعارض الظّنّيين وعدم جواز تعارض ما
عداهما ، ولا ريب أنّ التّعارض له فردان : أحدهما التّعادل ، والآخر : التّرجيح.
فإن كان مرادهم من جواز تعارض الظّنيين جوازه بكلا قسميه ، ومن عدم الجواز في
القطعيّين والمختلفين عدم جوازه كذلك ، ففيه : أنّ التّعارض على وجه التّرجيح يمكن
في المختلفين ؛ فإنّ القطع يترجّح على الظّن عند التّعارض ، وإن سلّمنا عدم جواز
التّعارض مطلقا في القطعيّين للزم خروج العلّة التّامّة عن كونها علّة تامّة في
الصّورتين من التّعارض أي التّعادل والتّرجيح ، إذ في الأوّل : يلزم خروج كلتا
العلّتين في الدّليلين عن العلّيّة التّامّة ، وفي الثّاني : يلزم خروج علّة
المرجوح عن العلّيّة. وأمّا المختلفان فلا يلزم إبطال العلّة عند التّرجيح القطعي.
وإن كان مرادهم من
جواز التّعارض في الظّنيين المصرّح به التّعادل لكون جواز التّرجيح في الظّنيين
بديهيّا وواقعيّا فلا حاجة إلى التّصريح به ، ومن عدم جوازه في غيرهما كذلك ، أي :
عدم جوازه بطريق التّعادل ، ففيه : أنّ في القطعيّين لا يجوز على مذاقهم التّرجيح
أيضا ، وكذا لا يجوز في المختلفين بترجيح المقطوع على المظنون فلم صرّحوا بعدم
جواز التّعادل في غير الظّنيين ولم يصرّحوا بعدم
جواز التّرجيح
مطلقا في القطعيّين وفي الجملة في المختلفين؟ وما الوجه في حصرهم عدم جواز
التّعارض في غير الظّنّيين »؟ انتهى كلامه رفع مقامه.
المناقشة في كلام صاحب
الضوابط
ولا يخفى أنّ فيه
مواقع للنّظر والتّأمّل.
أمّا
أوّلا : فلأنّ التّرديد
في الدّليل القطعي بين كونه قطعيّا باعتبار بعض الجهات ، أو كونه قطعيّا باعتبار
المفاد والمدلول ممّا لا معنى له ؛ لأنّ الدّليل القطعي لا يكون قطعيّا على ما
أسمعناك ، إلاّ بالاعتبار الثّاني الّذي لا ينفكّ عن قطعيّة جميع جهاته من الصّدور
وجهته والدّلالة.
وأمّا
ثانيا : فلأنّه لا معنى
لقوله : ( فهو تفكيك خال عن الوجه ) بعد وضوح الوجه ؛ حيث إنّ الدّليل القطعي
عندهم ما كان اعتباره ذاتيّا لأجل حصول القطع منه وهو الّذي قضى البرهان العقلي
بعدم إمكان تعلّق الجعل به على ما أسمعناك في طيّ مباحث القطع ، وأمّا ما يفيد
القطع نوعا وإن انفكّ عنه في خصوصيّات المقامات من جهة الموانع فقد عرفت : أنّ
اعتباره يتوقّف على قيام الدّليل الشّرعي عليه في مورد الانفكاك فيصير حينئذ
كالدّليل الظّني في توقّف اعتباره على قيام الدّليل عليه.
ومثل هذا كما ترى
، غير متحقّق لنا في الأدلّة مع أنّه على فرض وجوده لا بدّ
__________________
أن يتقيّد بصورة
انفكاك القطع منه ؛ إذ الجعل على وجه الإطلاق لا يجامع عدم إمكان تعلّق الجعل
بالقطع ، وهذا بخلاف الدّليل الظّني ؛ فإنّ أكثر الأدلّة الظّنية ، بل كلّها
معتبرة عند المشهور من باب الظّن النّوعي المطلق فلا ضير في إطلاق القول : بأنّ
التّعارض في الظّنّيين هذا.
مضافا إلى ما
أسمعناك في المراد من وقوع التّعارض فيهما ومن وقوعه في الظّنّيين في الجملة في
قبال القطعيّين والمختلفين وكون محلّه منحصرا فيهما. وهذا كما ترى ؛ لا يلازم
وقوعه في جميع أقسام الظّنيين وعليه لا يلزم تفكيك أصلا.
وأمّا
ثالثا : فلأنّه لا معنى
لقوله في الاستدراك : ( لكن الظّاهر منهم الأخير لزعمهم ... إلى آخره ) إذ الزّعم
المذكور لم يعهد من أحد ؛ إذ لم يدّع أحد أنّ كلّما يفيد القطع لا بدّ وأن يفيده
دائما كيف؟ وقد أطبقوا على اشتراط عدم سبق ذهن السّامع بالشّبهة في حصول القطع من
التّواتر فليس الوجه إلاّ ما عرفت في بيان التّفكيك.
وأمّا
رابعا : فلأنّه لا معنى
لما ذكره من وقوع التّعارض في الجملة بين القطعي والظّني لما عرفت : من تقييد
الدّليل الظّني ظنّا أو اعتبارا بعدم قيام الدّليل القطعي على الخلاف ، والتّرجيح
فرع التّعارض الغير المجامع عقلا مع أخذ أحد القيدين المذكورين كما هو واضح إلى
غير ذلك ممّا يتوجّه عليه ممّا يقف عليه المتأمّل فيما ذكرنا وفي أطراف ما ذكره.
كلام السيّد المجاهد في
المفاتيح
وقال سيّد مشايخنا
في « المفاتيح » بعد نقل جملة من كلماتهم المتعلّقة بالمقام ما هذا لفظه
:
« والتّحقيق في المسألة عندي أن يقال : إن كان مراد القائلين بجواز وقوع تعادل
الظّنين المتعارضين : أنّه يصحّ أن يتعارض الدّليلان الظّنيّان بحيث لا يترجّح
أحدهما على الآخر بوجه من الوجوه ، ويكون كلّ منهما مؤثّرا في حصول الظّن بالفعل
بحيث يحصل له في زمان واحد ظنّان يتعلّق كلّ واحد بأحد الضّدّين ، فهو باطل قطعا ؛
لاستحالة ذلك عقلا ؛ لأنّ الظّن من الكيفيّات النّفسانيّة ويستحيل التّكليف
بالمتضادّين في آن واحد ، ولذا لا يمكن وقوع التّعارض بين القطعيّين وحصول
القطعيّين المتنافيين في آن واحد.
وإن كان مرادهم جواز
وقوع تعادل الدّليلين اللّذين من شأنهما إفادة الظّن وإن لم يفيداه حين التّعارض
فهو جيّد ، لكن يمكن أن يقال بمثل هذا في القطعيّين ، إلاّ أن يقال : الدّليل
القطعي لا يمكن فرض وجوده منفكّا عن إفادة القطع ؛ لأنّه علّة لها ولازمة لذاته
كالزّوجيّة والأربع كما أشار إليه في « المنية » ، وهو في غاية الوضوح في الدّلائل القطعيّة البرهانيّة
كالأشكال الأربعة ، ولذا لا يجوز تعارضها ولا كذلك الدّلائل الظّنية ؛ فإنّه يجوز
وجودها منفكّة عن إفادة الظّن ؛ لأنّها إنّما يفيد الظّن بمحض العادة لا بغيرها ،
ولذا يجوز تعارضها وهو حسن في كثير من الأدلّة المفيدة للقطع ، وأمّا ما يفيد
القطع بحسب العادة كالحدسيّات والتّجربيّات
فلا يتوجّه فيه ما
ذكر ، فينبغي الحكم بجواز وقوع التّعارض بين الدّليلين منه فتأمّل » . انتهى كلامه رفع مقامه.
وقال بعد ذلك ما
هذا لفظه :
« وهل يجوز
للشّارع أن ينصب للمكلّف دليلين ظنّيين متكافئين من جميع الجهات؟ فيه إشكال ». انتهى كلامه.
والإشكال الّذي
ذكره أخيرا مبنيّ على ما ذكره بعض في التّعادل : من منعه بين الظّنيين بعد قبول
وقوع التّعارض بينهما ، وهو وإن كان ضعيفا ؛ لأنّ حكم الشّارع بالتّخيير بين
الخبرين المتكافئين على ما هو المسلّم عند المستشكل ، وكذا حكمه بتخيير العامي في
تقليد المتكافئين من المجتهدين ينافي الإشكال المذكور ـ كما هو واضح ـ إلاّ أنّ
الكلام فيه متعلّق بالتّعادل ، ولعلّنا نتكلّم فيه إن شاء الله تعالى.
فقد
تبيّن من مطاوي ما ذكرنا كلّه من أوّل المسألة إلى هنا : أنّ مورد التّعارض الدّليلان الظّنّيان إذا
كانا في مرتبة واحدة سواء كانا آيتين أو سنّتين أو خبرين أو مختلفين إذا لم يكن
التّعارض على وجه يوجب عدم حجّيّة أحدهما بالخصوص ، كما في الخبر المخالف للكتاب
والسّنة على وجه التّباين الكلّي ؛ فإنّه ليس بحجّة نصّا وفتوى كما أسمعناك عند
التّكلّم في حجّيّة الأخبار وسنشير إليه ، اللهمّ إلاّ أن يقال بخروج الفرض عن
تعارض الظّنيين ؛ فإنّه إن لم يحتمل التّأويل
__________________
في الآية فيما
خالفها الخبر فيكون نصّا وقطعيّا من جميع الجهات بالفرض ، وإن احتمل التّأويل فيها
وإرادة ما يجامع ظاهر الخبر المخالف لها فيدخل في عنوان تعارض الخبر لظاهر الكتاب
، ولا دليل على عدم حجّيّته وإن كانت النّسبة المنطقيّة التّباين فتأمّل.
كيفيّة جريان الورود
والحكومة في الأصول اللفظيّة
ثمّ إنّك قد عرفت
من مطاوي ما ذكرنا المراد من قول شيخنا في « الكتاب » ( والفرق بينه وبين المخصّص ... إلى آخره ) ، وأنّ محلّ هذا الكلام فيما كان الخاص ظنّيّا بحسب الدّلالة حتّى يدخل الفرض
في تعارض الظّاهرين لكي يكون تقديم الخاصّ على العامّ من باب التّرجيح بضميمة حكم
العقل بعدم جواز صدور المتنافيين عن الحكيم ، فلا بدّ من التّصرّف في أحد القولين
وجعل الآخر قرينة له إذا كان صالحا للقرينيّة ، ومن هنا قد يقدّم العامّ على
الخاصّ إذا كان أقوى منه فقرينيّة الخاصّ بحكم العقل بملاحظة الدّوران والتّرجيح ،
وهذا بخلاف الحاكم فإنّ تقديمه على المحكوم ذاتي غير مستند إلى الدّوران والتّرجيح
فلا ينافي قوله بعد ذلك ( ثمّ إنّ ما ذكرنا من الحكومة والورود ... إلى آخره ) فإنّ مورده ومحلّه الخاصّ القطعي بحسب الدّلالة. وبعبارة أخرى : الخاصّ الّذي
يكون نصّا وإن كان ظنّيّا من سائر الجهات كما يفصح عنه كلماته فلا تنافي بين
الكلامين أصلا.
كما أنّك عرفت من
مطاويه الوجه فيما أفاده بقوله : ( ثمّ إنّ ما ذكرنا من
__________________
الورود والحكومة
جار في الأصول اللّفظيّة أيضا ) فإنّ حال الأصول اللّفظيّة من حيث كونها تعليقيّة ويعمل
بها عند الشّك في المراد وعدم قيام القرينة على خلافها حال الأصول العمليّة ، وإن
فارقتها : من حيث جريانها في كلام الشّارع وقوله الّذي هو دليل على حكمه ، ومن هنا
تكون مقدّمة عليها وإن قيل بكون مبناها على التّعبّد ، كما ربّما يظهر من بعضهم في
باب الاستصحاب حيث عمّمه للأصول اللّفظيّة كأصالة عدم التّخصيص والتّقييد والقرينة
مع ابتنائه على الأخبار والتّعبّد ، وإن كان ضعيفا على ما عرفته في الجزء الثّالث
من التّعليقة.
ومن هنا قد يقال
بتقديمها على الأصول العمليّة وإن قيل بها من باب الظّن كما يظهر من صاحبي « المعالم » و « الزّبدة » ( قدّس أسرارهما ) على القول بالأصول اللّفظيّة من باب
التّعبّد على أحد الوجهين ، وإن كان القول به مطلقا وخصوص التّعبّد العقلائي في
غاية الضّعف والسّقوط.
فإذا كانت حال
الظّواهر حال الأصول العمليّة من الجهة المزبورة فلا إشكال في ورود ما يقابلها
عليها إذا كان قطعيّا سواء كان من مقولة اللّب كالإجماع مثلا ، أو اللّفظ كالخاصّ
اللّفظي القطعي صدورا وجهة ودلالة مثلا ؛ فإنّ العمل به ورفع اليد عن أصالة العموم
من باب وروده عليها على جميع الأقوال في مبنى اعتبار الظّواهر ، فالعمل بالنّص
القطعي في مقابل الظّاهر من باب الورود لا محالة.
وأمّا إذا لم يكن
قطعيّا وكان نصّا بحسب الدّلالة وظنّيّا بحسب إحدى الجهتين الآخرتين ، أعني :
الصّدور أو جهته ، فإن كان مبنى اعتبار الظّاهر المقابل
__________________
على الظّن الشّخصي
ـ على ما ذهب إليه بعض الأفاضل ممّن تأخّر حسبما عرفت في الجزء الأوّل من
التّعليقة ـ فلا إشكال في خروجه عن موضوع التّعارض على ما أسمعناك سابقا ؛ فإنّ عدم
حصول الظّن الشّخصي بالمراد من الظّاهر أو ارتفاعه ـ ولو من جهة قيام الأمارة
الغير المعتبرة على خلافه موجب لعدم حجّيّة من جهة عدم وجود مناط حجّيّته واعتباره
، ولو جعل مجرّد ارتفاعه بواسطة قيام النّص على الخلاف ورودا مسامحة لم يكن به
بأس.
وكذا إذا كان مبناه
على الظّن النّوعي المقيّد بعدم قيام مطلق الظّن على الخلاف ولو لم يكن معتبرا أو
التّعبّد المقيّد كذلك. وإن كان مبناه على أحدهما مقيّدا بعدم قيام الدّليل
المعتبر على الخلاف ولو لم يكن قطعيّا فيكون النّص واردا عليه ، وإن كان مبناه على
الظّن النّوعي أو الظّهور العرفي الأخصّ من الظّن النّوعي المطلق والأعمّ من
المقيّد منه ومن الظّن الشّخصي على ما عرفت في الجزء الأوّل من التّعليقة عند
الكلام في حجّيّة الظّواهر أو التّعبّد من غير تقييد بشيء لا وجودا ولا اعتبارا لا
عرفا ولا شرعا في شيء من هذه الوجوه فيكون مناط الاعتبار هو الكشف عن المراد لو
خلّي وطبعه عند الشّك في إرادة الظّاهر ، وخلافه على القول بإناطة الاعتبار بالكشف
والظّن سواء كان مستندا إلى الوضع : من حيث غلبة إرادة المعنى الموضوع له من
الألفاظ ، أو إليه بملاحظة عدم قيام القرينة المعتبرة على الخلاف : من حيث إنّ
الثّابت كون الوضع مقتضيا للظّهور لا علّة تامّة له فيكون الوضع جزءا للسّبب ، بل
على القول بكون القرينة مانعة لا بدّ من دخل عدمها في العلّة التّامّة للظّهور ـ فتدبّر
ـ فيكون النّص حاكما عليه في هذه الصّورة ؛ من حيث إنّ الأخذ بالظّاهر في هذا
الفرض أي : مع قيام النّص على إرادة خلاف الظّاهر
الصّالح للقرينيّة
لا بدّ أن يستند إلى احتمال عدم الصّدور مثلا.
فإذا حكم الشّارع
بالصّدور وعدم الاعتناء باحتمال عدم صدوره فلا محالة يكون دليل التّعبّد بالصّدور
حاكما وشارحا لما دلّ على وجوب العمل بالظّاهر عند احتمال إرادته وعدم قيام
القرينة على خلافه ، فهو حاكم على الدّليل الشّرعي الدّال على حجّيّة الظّواهر ولو
بعنوان إمضاء الطّريقة العرفيّة وبمنزلته بالنّسبة إلى بناء أهل العرف واللّسان.
وإن
شئت قلت : إنّ معنى حكم
الشّارع بعدم الاعتناء باحتمال عدم صدور النّص جعله قرينة للظّاهر وعدم الاعتناء
باحتمال عدم وجود القرينة وهو الرّجوع إلى الظّاهر في حكم الشّارع لو لا حكمه بعدم
الاعتناء ، فتقديم النّص على الظّاهر في الفرض ليس كتقديم الأظهر على الظّاهر عند
العرف من حيث رجوعه إلى التّرجيح بقوّة الظهور مع وجود التّعارض وإن كان لبنائهم موضوعيّة
في حقّنا ، بل جهته الحكومة والتّقدم الذّاتي فيخرج عن موضوع التّعارض والتّنافي
على ما عرفت : من عدم صدق المعارض على الشّارح للدّليل الآخر فيكون تقديم النّص
على الظّاهر كتقديم الدّليل الاجتهادي الظّني على الأصل الشّرعي المعمول به عند
الشّك في الواقع والاحتمال ، وإن زعم بعض معاصرينا فيما أملاه في المسألة الفرق
بينهما فجعل الأوّل من التّعارض والثّاني خارجا عنه بزعم اختلاف المحمول في الأصل
والدّليل ، لكنّك قد عرفت ضعفه ولعلّنا نتكلّم فيه زيادة على ما عرفت بعد ذلك إن
شاء الله تعالى.
وممّا
ذكرنا كلّه يظهر لك : الوجه في قول شيخنا قدسسره : ( هذا كلّه على تقدير
كون أصالة الظّهور
من حيث أصالة عدم القرينة ، وأمّا إذا كان من جهة الظّن النّوعي الحاصل ... إلى آخره
) فإنّ إثبات قرينيّة النّص إنّما هو بحكم الشّارع الرّاجع
إلى إيجابه عدم الاعتناء باحتمال عدم الصّدور المسبّب عنه الشّك في قرينيّة النّص
، وهذا بخلاف كون حجّيّة الظّهور النّوعي مقيّدا بحسب الاعتبار عند العرف والعقلاء
بعدم وجود الظّن المعتبر على الخلاف.
__________________
* قاعدة الجمع
* شرح الفاظها وما هو المراد بها
* مدرك القاعدة
* صور التعارض
* أدلة الصدور حاكمة على أدلّة الظهور
* تنبيهات القاعدة
* قاعدة الجمع
(٣)
قوله قدسسره : ( وقبل
الشّروع في حكمهما لا بدّ من الكلام في القضيّة المشهورة ...
إلى آخره ) .
( ج ٤ / ١٩ )
__________________
__________________
__________________
__________________
* المراد من قاعدة الجمع وشرح ما يتعلّق بها
أقول
: الكلام في المقام
يقع في موضعين :
أحدهما
: في المراد من
القاعدة وشرح الألفاظ الواقعة فيها.
ثانيهما
: في مدركها.
فنقول
: المراد من «
الجمع » حسبما يفصح عنه كلماتهم الأخذ بجميع جهات المتعارضين وإن أوجب التّصرّف في
الدّلالة ، وإلاّ لم يكونا متعارضين ؛ فإنّ مرجع الجمع حقيقة إلى تحكيم دليل
الجهتين وترجيحه على دليل اعتبار الظّاهر فطرح
__________________
الظّاهر بقرينة
الأظهر داخل في الجمع.
ومنه
يظهر : عدم جريان
القاعدة في الآيتين المتعارضتين ، ولا في السّنّتين النّبويّين ، ولا في الخبرين
القطعيّين من حيث الصّدور والجهة ؛ إذ لا دوران بين الأمرين في هذه الموارد
فيتعيّن الحكم بإرادة خلاف الظّاهر منهما أو من أحدهما على التّعيين إذا كان هناك
معيّن من الدّاخل أو الخارج ، أو لا على التّعيين إذا لم يكن ، فيحكم إجمالا
بإرادة ما يجامع الواقع من المتعارضين وإن لم نعلمه بعينه.
ومنه يعلم تطرّق
المناقشة إلى ما ذكره بعض أفاضل من عاصرناه : من جريان القاعدة في الكتاب والسّنة
حيث قال ـ في طيّ الأمور الّتي ذكرها في المقام ـ : « الثّالث : أنّ الجمع كما
يأتي في أخبار الآحاد الظّنية كذلك يأتي في قطعي الصّدور ، بل في آيات الكتاب أيضا
من غير فرق. وفي الموضعين يحتاج إلى الدّليل ؛ لأنّ الأصل في المتعارضين التّساقط
» . انتهى كلامه.
وهو كما ترى ،
اللهمّ إلاّ أن يكون مراده جريان نفس الجمع لا القاعدة المختصّة بالأخبار الظّنية
فتدبّر.
كما أنّه يظهر منه
عدم جريانها في النّصين ؛ ضرورة عدم إمكان التّصرف فيهما من حيث الظّهور والتّأويل
وإن أمكن الجمع بمعنى آخر وهو التّبعيض : من حيث العمل بأدلّة الصّدور مثلا ، كما
يراد من الجمع بين البيّنتين في الموضوعات والطّرح في العامّين من وجه في أدلّة
الأحكام ترجيحا أو تخييرا ؛ فإنّ لازم الأخذ بهما في مادّتي الافتراق مع الطّرح
الصّدوري هو التّبعيض في الحكم بالصّدور
__________________
وفي العمل بدليل
حجيّتهما صدورا فيكون كالجمع بين البيّنتين كما ستقف على شرح القول فيه.
وقد وقع التّصريح
بما ذكرنا في المراد من « الجمع » مع كمال ظهوره في « الكتاب » وفي كلام غير واحد فلا تغرّنك ما تراه في كلام بعض ، هذا
بعض الكلام في الجمع.
وأمّا « الإمكان » فكلماتهم غير نقيّة عن التّشويش والاختلاف في المراد منه
وقد صرّح شيخنا الأستاذ العلاّمة قدسسره في «
الكتاب » : بأنّ المراد
منه الإمكان العرفي في مقابل الامتناع عندهم ؛ حيث إنّ الحكم بإرادة خلاف الظّاهر
من اللّفظ من دون قرينة وشاهد ممتنع عند العرف والعقلاء وأهل اللّسان ، وإلاّ لم
يكن الظّهور معتبرا عندهم وهو خلف.
ووافقه في ذلك غير
واحد ، بل استظهره من كلام صاحب « الغوالي » المدّعي للإجماع على تقديم الجمع على الطّرح ؛ إذ لو لا إرادة هذا المعنى لم يبق مورد للعمل بالمرفوعة ، مع أنّه صرّح
بوجوب الرّجوع إليها فيما لم يمكن الجمع بين الخبرين المتعارضين ؛ إذ على تقدير
إرادة الإمكان العقلي وحمل المتعارضين أو أحدهما على معنى لا شاهد له أصلا ،
بمجرّد إمكان إرادته واحتماله بضرب من التّأويل لم يبق مورد للعمل بالحديث.
وحاصل هذا المعنى
كما ترى بعد خروج فرض وجود الشّاهد من الخارج على إرادة خلاف الظّاهر من
المتعارضين عن محلّ الكلام ، وخروج النّص
__________________
والظّاهر عن عنوان
المتعارضين ـ على ما عرفت وستعرف ـ يرجع إلى بيان لزوم تقديم التّرجيح من حيث
الدّلالة وقوّة الظّهور على سائر وجوه التّراجيح كتقديمه وتقديمها على التّخيير
اتّفاقا في قبال من أوهم كلامه تقديمها عليه كالشّيخ قدسسره في بعض كلماته على ما ستقف عليه ، ولو جعل تقابل النّص
والظّاهر من التّعارض مسامحة أمكن التّعميم له فتكون القاعدة مسوقة لبيان تأخّر مرتبة سائر وجوه التّراجيح عمّا كان في
المتعارضين من الشّاهد على التّصرّف سواء كان بالنّصوصيّة أو قوّة الظّهور
والدّلالة هذا.
والظّاهر من غير
واحد : هو الإمكان
العقلي ، تحكيما لدليل
الصّدور مثلا على دليل اعتبار الظّهور فيحكم لأجله بإرادة ما لا يساعده ظاهر
المتعارضين منهما أو من أحدهما ، فيحكم بإرادة عذرة غير المأكول ممّا دلّ على كون
ثمن العذرة سحتا ، وبإرادة خرء المأكول وبوله ممّا نفى البأس عن خرء الطّير وبوله
جمعا وهكذا ، إذا لم نقل بتيقّن إرادة غير المأكول من الحديث الأوّل ، والمأكول من
الثّاني فيكون كلّ منهما نصّا من جهة وظاهرا من أخرى فيدفع ظاهر كلّ منهما بنصّ
الآخر. أو قلنا بذلك مع الالتزام بعدم تأثير متيقّن الإرادة في النّصوصيّة بحسب
اللّفظ كما ستقف على شرح القول فيه.
ومثله : ما إذا
ورد في العرف من المولى الأمر بإكرام العلماء والنّهي عن إكرامهم فيحمل الأوّل على
إرادة العدول والثّاني على إرادة الفسّاق منهم جمعا ، وبهذا سلك جماعة في الفقه
منهم : ثاني الشّهدين في مواضع من كتبه ، والمتصوّر المعقول من هذا الوجه : ما إذا
أمكن حمل المتعارضين أو أحدهما على خلاف الظّاهر بضرب من التّأويل والتّصرّف من
غير قرينة من الدّاخل والخارج كما
عرفته في المثالين
، وأمّا مجرّد الحكم بإرادة خلاف الظّاهر على سبيل الإجمال وإن لم يحكم بتعيينه
أصلا ، كما يسلك فيما كان ظاهره من الآيات والسّنة خلاف الدّليل القطعي من العقل
والإجماع حتّى يصير نتيجة الجمع هي مجرّد الحكم بإجمالهما والرّجوع إلى الأصول
العمليّة ، فالظّاهر أنّه ليس مرادا من القاعدة إتفاقا ؛ لأنّه يوجب سدّ باب
التّرجيح والتّخيير والهرج والمرج وفقها جديدا قطعا وإن أوهمه بعض كلمات شيخنا في
« الكتاب » على ما ستقف عليه.
ثمّ إنّ الجمع الّذي ارتكبه الشّيخ قدسسره في الأخبار المتعارضة في « كتابيه » يمكن أن يكون مبناه
على هذا المعنى الثّاني على أضعف الاحتمالين وإن يكون مبنيّا على مجرّد رفع
التّعارض والاختلاف الواقعي بين الأخبار المتعارضة مع كثرتها من غير أن يكون العمل
عليه صونا لحفظ إيمان العامة وعدم خروجهم عن هذا الدّين : من جهة مشاهدة كثرة
الاختلاف بين الأخبار كما ذكره في أوّل كتابه ، ومن هنا سمّي « بالجمع التّبرعي » في كلماتهم.
ثمّ
إنّ المتّبع
الدّليل الّذي أقيم على الجمع ، فلا فائدة في إتعاب النّظر في تحقيق المراد بعد
ظهور الاختلاف فنتكلّم في المقام الثّاني في كلّ من المعنيين فإذا لم يساعد
الدّليل على المعنى الثّاني فلا نقول به وإن كان مرادا من القاعدة هذا.
وأمّا « الأولويّة » فالمراد بها ـ كما صرّح به غير واحد ـ هو التّعيين كما
هو
__________________
شايع من استعمالها
كما في آية « أولي الأرحام » ولم يخالف فيه أحد ظاهرا ؛ فإنّ بعض الأخباريّين وإن ذهب
إلى رجحان التّرجيح وكونه أفضل والأولى دفعا للتّعارض بين الأخبار العلاجيّة على
ما ستقف عليه ، إلاّ أنّ من أوجبه قدّم الجمع عليه ، وهو الّذي يقتضيه دليله أيضا.
وأمّا « الطّرح » فلا إشكال في كون المراد منه الأعمّ من القسمين ، أي :
الطّرح معيّنا للتّرجيح ولا على التّعيين للتّخيير كما هو صريح كلام ابن أبي جمهور
وغيره وهو الّذي يقتضيه دليله أيضا. وإن كان في كلام الشّيخ والمحقّق القمّي ( قدس
الله أسرارهما ) في باب حمل العامّ على الخاصّ ما يتوهّم منه خلافه كما ستقف عليه
هذا بعض الكلام في المراد من القاعدة.
__________________
* مدرك قاعدة الجمع
وأمّا الكلام في
مدركها فحاصله : أنّه استدلّ لها بوجوه :
الأوّل
: الإجماع ادّعاه
ابن أبي جمهور في «
غواليه » ويظهر من غيره أيضا.
الثّاني
: أنّ دلالة اللّفظ
على تمام معناه أصليّة وعلى جزئه تبعيّة وإهمال الثّاني اللاّزم على تقدير الجمع
أولى من إهمال الأوّل اللاّزم على تقدير الطّرح ذكره العلاّمة قدسسره في محكيّ « النّهاية ».
الثّالث
: أنّ الأصل في
الدّليلين الإعمال فيجب الجمع مهما أمكن ؛ لاستحالة التّرجيح من غير مرجّح ذكره
ثاني الشّهيدين ( قدس أسرارهما ) وغيره في الاستدلال على القاعدة.
وأنت
خبير بما في هذه
الوجوه من وجوه المناقشة بل الفساد :
أمّا
الأوّل : فلأنّه إن أريد
من الجمع في كلام مدّعي الإجماع الجمع في الجملة على سبيل القضيّة المهملة أعني :
بعض أفراده ، وبعبارة أخرى : المعنى الأوّل من الجمع الّذي يساعد عليه العرف وأهل
اللّسان عند عرض المتعارضين عليهم.
ففيه
: أنّ الإجماع عليه
بحسب الظّاهر وإن كان مسلّما بعد البناء على عدم قدح مخالفة ما يتراءى من الشّيخ
والمحقّق القمّي ( قدس أسرارهما ) فيه ، إلاّ أنّه لا
__________________
يجدي في دعوى
الكليّة كما ربّما يستظهر من كلام المدّعي.
وإن أريد منه
الكليّة ، أي : المعنى الثّاني الّذي عرفته ، فتطرّق المنع إليه واضح جلي وإن كان
ظاهر جماعة في الفقه عند الاستدلال بالقاعدة ، بل ذكر شيخنا قدسسره :
أنّه لو ادّعي
الإجماع على فساد هذا المعنى كما عن الفريد البهبهاني قدسسره فيما أملاه في القاعدة كان أولى بالتّصديق.
وأمّا
الثّاني : فلأنّه يتوجّه
عليه :
أوّلا
: أنّ هذا الدّليل
على فرض تماميّة أخصّ من المدعى ؛ إذ ليس الكلام في الجمع في خصوص ما يتوقّف الجمع
فيه على التّصرف في المتعارضين كما هو ظاهر ، وإثبات المدّعى بضميمة الإجماع
المركّب خروج عن الاستدلال بنفس الدّليل المذكور ، اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ
الغرض دوران الأمر بين طرح الدّليلين من غير نظر إلى تعدّده ووحدته. أو يقال : إنّ
الغرض من هذا الدّليل هو إثبات المدّعى في بعض صور المسألة في قبال السّلب الكلّي
كما ذكره بعض أفاضل من تأخّر.
وثانيا
: نمنع من لزوم طرح
الدّلالة الأصليّة بل مطلق الدّلالة على تقدير الطّرح ، بل اللاّزم هو طرح السّند
ليس إلاّ على تقديره كما ستقف على شرح القول فيه عن قريب.
وثالثا
: أنّ دلالة العام
على أفراده ليست بالتّضمّن على ما يقتضيه التّحقيق عند المحقّقين ؛ لأنّ العموم
الموضوع له أمر بسيط وحداني لا تركيب ولا تجزية فيه أصلا ، ولا ينافيه ظهور العام
في إرادة الباقي بعد ورود التّخصيص عليه إن لم
__________________
يكن دليلا عليه فتأمّل . والتّفصيل يطلب من مسألة العموم والخصوص.
ورابعا
: بعد الإغماض عمّا
ذكر يلزم على تقدير الجمع أيضا طرح الدّلالة الأصليّة والأخذ بالتبعيّة وإليه يرجع
ما عن العلاّمة قدسسره في « النّهاية
» في الاعتراض على
الدّليل المذكور : « بأنّ العمل بكلّ منهما من وجه عمل بالدّلالة التّابعة من
الدّليلين والعمل بأحدهما دون الآخر عمل بالدّلالة الأصليّة والتّابعة في أحد
الدّليلين وإبطالهما في الآخر ، ولا شكّ في أولويّة العمل بأصل وتابع من العمل
بتابعين وإبطال الأصلين » . انتهى كلامه رفع مقامه.
وهو
كما ترى ، لا بدّ أن يكون
مبنيّا على الإغماض والمماشاة وإلاّ فقد عرفت : أنّه على الطّرح لا يلزم إبطال
الدّلالة أصلا هذا.
وقد ناقش فيما
أفاد قدسسره السيّد عميد الدّين في محكيّ « شرح التّهذيب » : « بأنّ العمل بأصل وتابع إنّما يكون راجحا بالنّسبة
إلى العمل بتابعين إذا كانا من دليلين لا ما إذا كانا من دليل واحد وكان التّابعان
من دليلين ؛ لأنّ فيه تعطيلا للّفظ وإلغاء له بالكلّية ، ومن المعلوم أن التّأويل
أولى من التّعطيل » . انتهى كلامه.
وأنت
خبير بما فيه ؛ فإنه في مقام الاعتراض على الدّليل المذكور
__________________
ولا يتوجّه عليه
ما أورده عليه وإن كان التّحقيق عندنا حسبما ستقف عليه : عدم أولويّة لأحدهما على
الآخر بالنّظر إلى دليل حجيّة الصّدور والظّهور ويظهر ما في كلام السيّد ممّا
سنذكره إن شاء الله تعالى.
وخامسا
: أنّ هذا الوجه
مجرّد استحسان لا يجوز الاعتماد عليه والمعتمد هو الدّليل القاضي بترجيح أحدهما
على الآخر من الخارج فتدبّر.
وأمّا
الثّالث : فلأنّه غير محصّل
المراد بظاهره كما صرّح به المحقّق القمّي وغيره ؛ فإنّ في الطّرح ليس ترجيحا من
غير مرجّح أصلا ، فإن طرح أحدهما معيّنا لمكان رجحانه ليس فيه ترجيحا من غير مرجّح
؛ ضرورة كونه من جهة المرجّح بالفرض ولا على التّعيين الّذي هو مرجع التّخيير لا
ترجيح فيه أصلا ، حتّى يتكلّم أنّه مع المرجّح أو لا معه ، وأمّا اختيار أحدهما
بحسب الدّواعي الّذي ليس من مقولة الحكم أصلا فلا ينفكّ عن المرجّح النّفساني ،
فأين التّرجيح بلا مرجّح؟
قال في « القوانين » بعد نقل الوجه المذكور عن « التّمهيد » ما هذا لفظه :
« ولم أتحقّق معنى
قوله : ( لاستحالة التّرجيح من غير مرجّح ) إذ المفروض عدم
ملاحظة المرجّح ، وإلاّ فقد يوجد المرجّح لأحدهما » . انتهى كلامه رفع مقامه.
ووجّهه في « القوانين » بعد الاعتراض الّذي عرفته بما هذا لفظه :
« وتوجيهه أن يقال : إنّه مراده إذا أمكن العمل بكلّ منهما ولو كان بإرجاع
__________________
التّوجيه إلى
كليهما فمع ذلك لو عمل بأحدهما وترك الآخر فيلزم التّرجيح من غير مرجّح ؛ إذ
المفروض أنّ موضوع الحكمين مغاير في الدّليلين فلا معنى لملاحظة التّرجيح بينهما ؛
لأنّ كلّ واحد من الدّليلين حينئذ دليل على حكم شيء آخر فضعف أحدهما بالنّسبة إلى
الآخر لا يصير منشأ لترك مدلوله ... إلى آخر ما ذكره قدسسره » .
وحاصله
: كما ترى ؛ أنّه
بعد الجمع والتّأويل يكون الموضوع في كلّ منهما مغايرا لموضوع الآخر فإن عمل
بأحدهما دون صاحبه حينئذ لزم التّرجيح بلا مرجّح هذا.
وفيه ما لا يخفى ؛
إذ مجرّد إمكان التّأويل لا يوجب اختلاف الموضوعين وإنّما الموجب له فعليّة
التّأويل والكلام فيها فهو كما ترى أيضا غير محصّل المراد كما صرّح به غير واحد.
ووجّهه
بعض من قارب عصرنا بعد الاعتراض عليه أيضا بما هذا لفظه :
« أقول : ويمكن توجيهه : إمّا بجعله تعليلا لكون الأصل في كلّ منهما
الإعمال ، أو للجمع بما أمكن من غير اختصاص ببعض وجوه الجمع ، أو لما يفهم من
كلامه من وجوب الجمع لا مجرّد الجواز أو الأولويّة » . انتهى كلامه رفع مقامه.
وأنت
خبير بما في الأخير ؛
وأمّا الأوّلان فلا بأس بهما في مقام التّوجيه وإن
__________________
كان الأوّل أظهر.
والمراد منه : أنّ بعد تساوي المتعارضين فيما هو المعتبر في حجيّتهما الذّاتيّة
ككونهما خبر واحد عدل مثلا فلا بدّ من الالتزام بشمول الدّليل لهما من غير فرق ؛
إذ لو قيل بشمول الدّليل لأحدهما دون الآخر بعد فرض تساويهما بالنّظر إليه لزم
التّرجيح من غير مرجّح ، والمراد من الأصل في كلامه : القاعدة ، أو الظّاهر
المستفاد من دليل اعتبار المتعارضين ، وحاصله : جعل نسبة دليل الاعتبار بالنّسبة
إلى المتعارضين كنسبته بالنّسبة إلى الأفراد الغير المتعارضة من حيث الحكم
بالشّمول الذّاتي والشّأني.
فإن
شئت قلت : على تقدير الطّرح
: إمّا أن نقول بعدم شمول دليل الاعتبار للمطروح مع كونه مساويا للمأخوذ في شرائط
العمل والحجيّة ، وإمّا أن نقول بوجود المقتضي للعمل فيهما ، إلاّ أنّ التّعارض
مانع له فيجب رفع اليد عن العمل بأحدهما لعدم إمكان العمل بهما والأوّل ترجيح بلا
مرجّح ، والثّاني لا يصلح مانعا بعد إمكان التّأويل والعمل بهما في الجملة ولو
بالحمل على إرادة خلاف الظّاهر ، ولعلّه راجع إلى تحكيم دليل الصّدور على دليل
الظّاهر على ما أسمعناك سابقا إجمالا وسنتكلّم فيه تفصيلا.
وقال في « المناهج » :
« قوله : (
لاستحالة التّرجيح من غير مرجّح ) يريد به أنّا إن
عملنا بأحد المتعارضين وطرحنا الآخر مع إمكان الجمع لزم التّرجيح من غير مرجّح ؛
إذ ليس طرح أحدهما والعمل بالآخر أولى من العكس.
__________________
لا
يقال : قد يتحقّق
لأحدهما مرجّح من حيث المتن أو القرائن الخارجيّة فكيف يصحّ نفيهما؟
لأنّا
نقول : لا يصلح تلك
المرجّحات للتّرجيح مع إمكان الجمع بحمل الظّاهر على الصّريح ، مثلا إذا تعارض
العامّ والخاصّ وكان الأوّل أقوى سندا فقوّة سنده لا تصلح مرجّحا لتقديمه على
الخاصّ ؛ لضعف دلالة الأوّل وقوّة دلالة الثّاني فتقديمه عليه ترجيح من غير مرجّح.
ولا يذهب عليك أنّ هذا التّعليل قاصر عن إفادة المقصود ؛ لأنّه إنّما يقضي ببطلان
تعيين أحدهما للحجيّة وهو غير متعيّن على تقدير ترك الجميع لإمكان ترجيحهما معا أو
البناء على التّخيير » . انتهى كلامه.
وهو
كما ترى ، مبنيّ على حمل
كلام المستدلّ على صورة وجود الشّاهد الدّاخلي للجمع سواء كان بنصوصيّة أحدهما أو
قوّة في دلالته فيخرج عن مسألة التّعارض في بعض الصّور ، بل جميعها في وجه ستقف
عليه ، فيتوجّه عليه السّؤال الّذي أشار إليه بقوله : ( لا يقال ) وما نبّه عليه
بقوله : ( ولا يذهب عليك ). فالأولى في توجيه هذا الوجه التّشبّث بالوجه الأوّل
المذكور في كلام بعض أفاضل مقاربي عصرنا .
ثمّ
إنّ المذكور في
كلام بعض فضلاء العصر : كون الأصل في المسألة عدم الجمع وبطلانه فيلزم على مدّعيه
إقامة الدّليل عليه سواء على القول بالطّريقيّة في المتعارضين أو السّببيّة ؛ فإنّ
لازم الأوّل : تساقطهما فلا يجوز الأخذ بواحد منهما
__________________
فضلا عن الأخذ
بكليهما ، ولازم الثّاني : بحكم العقل التّخيير فلا معنى للأخذ بهما.
ولكنّك
خبير بما فيه ؛ فإنّ للقائل بالجمع أن يقول : بأنّ مورد التّساقط والتّخيير فيما لا يمكن
العمل بالدّليلين بحسب أدلّة الصّدور ، وإلاّ فلا تعارض في الحقيقة ، فالمانع من
الجمع حقيقة هو دليل التّعبّد بالظّهور كما ستقف عليه.
صور التعارض
إذا
عرفت ذلك فنقول : تحقيقا للمقام وتوضيحا للمرام : أنّ صور التّعارض لا يخلو من أربعة ؛ لأنّه
إمّا أن يكون لأحدهما قوّة بحسب الدّلالة أو لا ، وعلى الثّاني : أمّا أن يحصل
الجمع بالتّصرّف في أحدهما محمولا أو موضوعا ، أو يتوقّف على التّصرف فيهما كذلك.
وعلى الأوّل ، أي : حصول الجمع بالتّصرف في أحدهما : إمّا أن يكون النّسبة بينهما
العموم من وجه ، أو غيره من العموم والخصوص ، أو التّباين. فالصّور أربعة.
والكلام في حكم
الصّور قد يقع فيما يقتضيه القاعدة بملاحظة دليلي اعتبار الصّدور والظّهور وأنّ
مقتضاهما تقديم الجمع على الطّرح ، أو العكس ، أو لا اقتضاء لهما أصلا ، فلا
أولويّة لأحدهما على الآخر ، وقد يقع فيما يقتضيه الدّليل الخارجي.
والكلام من الجهة
الأولى ، أي : فيما يقتضيه القاعدة إنّما هو في غير الصّورة الأولى ، وأمّا هي فلا
إشكال في أنّ مقتضاها تقديم الجمع على الطّرح كما ستقف عليه.
وتفصيل القول من
الجهة الأولى :
أنّك
قد عرفت : أنّ ظاهر غير
واحد كون مقتضى القاعدة تقديم الجمع على
الطّرح وأولويّته
بالنّسبة إليه مطلقا. وقد يقال : إنّ مقتضاها العكس مطلقا. وقد يقال : إنّ مقتضاها
التّسوية بينهما وعدم أولويّة لأحدهما على الآخر مطلقا. وقد يقال : إنّ مقتضاها
التّفصيل وتقديم الطّرح فيما يتوقّف الجمع على التّصرّف في المتعارضين دون ما لا
يتوقّف على التّصرف فيهما. وقد يقال : بالتّفصيل فيما يحصل الجمع بالتّصرف في
أحدهما بين ما كانت النّسبة بينهما العموم من وجه وغيرها ، فيقال بتقديم الجمع على
الطّرح في الأوّل دون الثّاني. وقد يقال : بالعكس.
والّذي
يقتضيه التّحقيق : عدم أولويّة لأحدهما على الآخر بالنّظر إلى القاعدة مطلقا ؛ نظرا إلى عدم
تحكيم وتقديم ذاتي لما دلّ على البناء على صدور المتعارضين على ما دلّ على البناء
على اعتبار ظهورهما فيما لم يجعل العرف أحدهما صارفا وقرينة على رفع اليد عن ظاهر
الآخر كما هو المفروض ، كما أنّه لا تحكيم للعكس أيضا ؛ لأنّ الشّك في شيء منهما
ليس مسبّبا عن الشّك في الآخر ، غاية ما هناك حصول العلم الإجمالي بملاحظة عدم
صدور المتنافيين واقعا عن الشّارع بحكم العقل لبيان الحكم الواقعي وباختلال جهة من
الجهات المعتبرة في المتعارضين من الصّدور أو جهته أو دلالته ، فلا يمكن جعل دليل
اعتبار بعض الجهات الثّلاث حاكما على غيره وبمنزلة الدّليل بالنّسبة إليه.
فكما لا يمكن أن
يجعل دليل اعتبار ظاهر قوله مثلا : « أكرم العلماء » ، حاكما على دليل صدور قوله :
« لا تكرم العلماء » مثلا فيحكم لأجله برفع اليد عمّا دلّ على التّعبد بصدوره
والبناء عليه ، كذلك لا يمكن جعل دليل التّعبّد بصدوره حاكما على ما دلّ على
اعتبار ظاهر قوله : « أكرم العلماء » ، وقرينة صارفة عن ظهوره
بإرادة بعضهم ،
وكذا جعل دليل اعتبار صدوره حاكما على دليل ظاهر قوله : « لا تكرم » ، بإرادة
البعض الآخر بحيث يرفع التّعارض بينهما ، وكذا فيما يحصل الجمع برفع اليد عن ظاهر
أحدهما كما إذا ورد : « إغسل للجمعة » ، و « ينبغي غسل الجمعة » ؛ فإنّه يحصل
الجمع برفع اليد عن ظاهر أحد المحمولين.
لا
يقال : إنّ المعتبر ظاهر
ما فرغ صدوره عن الحجّة نبيّا كان أو وصيّا فاعتبار الظّهور متفرّع على الصّدور
فلا يكون في مرتبته حتّى يزاحمه ويعارضه.
لأنّا
نقول : ما ذكر وإن كان
مسلّما ، إلاّ أنّ التقدّم والتّأخّر بحسب المرتبة إنّما يلاحظان بالنّسبة إلى كلّ
قول وحديث صدورا ودلالة لا بالنّسبة إلى حديثين ، فاعتبار ظاهر قوله : « أكرم
العلماء » متفرّع على صدوره فلا يمكن المزاحمة بينهما لا على صدور قوله : « لا
تكرم العلماء » ؛ لعدم الارتباط بينهما أصلا ، بل لا يمكن تفرّع صدور حديث على
صدور الحديث الآخر كما هو ظاهر.
ومن هنا لو كان
هناك حديث ظاهره خلاف الإجماع أو العقل يؤخذ بدليل التّعبّد بصدوره ويرفع اليد عن
ظاهره ولا يزاحم بدليل اعتبار ظاهره فيحكم بعدم صدوره والمفروض ليس من هذا ؛ فإنّ
المزاحمة فيه إنّما يلاحظ بين الظّاهر من أحد المتعارضين والصّدور من الآخر ، فأين
الأصليّة والفرعيّة؟
ومنه يظهر فساد
قياس المقام واستنباط حكمه من حديث ظاهره خلاف الإجماع حيث إنّ المسلّم عندهم على
ما عرفت الحكم بصدوره والتّصرف في ظاهره.
في أن أدلة الصدور حاكمة
على أدلّة الظهور أم لا؟
لا
يقال : إنّ الأصل
اللّفظي وإن كان معتبرا من باب الظّن ، إلاّ أنّه تعليقيّ يعمل به عند الشّك في
وجود القرينة ، ودليل اعتبار الصّدور تنجيزيّ فيكون حالهما حال الأصل العملي
والدّليل الاجتهادي ، فيكون دليل التّعبّد بالصّدور حاكما على دليل اعتبار الظّهور
من حيث إنّ مفاده جعله قرينة للظّاهر ، بل يمكن تنظير المقام وقياسه بالأصل
والدّليل على القول بكون الأصل من باب الظّن أيضا ؛ فإنّ المعهود تقديم الدّليل
الاجتهادي على الأصل على هذا القول أيضا ؛ فإنّ الاستصحاب مثلا على القول بكونه من
باب الظّن أيضا لا يعارض غيره من الأدلّة الاجتهاديّة التنجيزيّة وإن كان على هذا
القول دليلا اجتهاديّا أيضا ، وليس ذلك إلاّ من جهة كونه تعليقيّا بالنّسبة إلى
غيره من الأدلّة.
لأنّا
نقول : كون الأصل
اللّفظي تعليقيّا مسلّم ، إلاّ أنّ الكلام في كون دليل الصّدور تنجيزيّا بالنّسبة
إليه في الفرض مع ما عرفت : من عدم كون الشّك فيه مسبّبا عنه ؛ إذ كما يجعل دليل
الصّدور المشكوك بمنزلة الصّادر كذلك يجعل دليل اعتبار ظاهر الظّهور بمنزلة النّص.
ومن المعلوم عدم جواز تصديق الخبر الظّني في مقابل النّص ؛ لكون دليل الظّاهر
المفروغ عن صدوره مانعا عن تصديق صدور الآخر فلو استند مع صلاحيّته إلى دليل
الصّدور لزم الدّور كما هو ظاهر هذا. مع أنّ دليل الصّدور قد يستند إلى الأصل
اللّفظي كعموم آية النّبأ مثلا.
لا
يقال : ما دلّ على
التّعبد بالصّدور يجعل مشكوك الصّدور في حكم معلوم
الصّدور وبمنزلته
، وكما يجعل المعلوم صدوره دليلا على رفع اليد عن ظاهر غيره فيما وقع التّعارض
بينهما فكذلك يجعل ما في حكمه دليلا عليه ، فيثبت ما ذكرنا من الأصليّة والفرعيّة.
لأنّا
نقول : ما ذكر توهّم
فاسد وتمحّل بارد ؛ لأنّ دليل التّعبّد بالصّدور يجعل المشكوك بمنزلة الصّادر
الواقعي فيما يترتّب عليه من الأحكام الشّرعيّة لا بمنزلة المعلوم من حيث هذا
العنوان ، وعدم المزاحمة فيما ذكر إنّما هو من جهة عدم صلاحيّة المشكوك للمزاحمة
مع المعلوم إذا لوحظ بهذا العنوان بحكم العقل هذا.
فإن
شئت قلت : إنّ تنزيل
المشكوك بمنزلة المعلوم فيما يترتّب عقلا على العلم لا معنى له ، فإذا فرض
المتعارضان معلومي الصّدور أو أحدهما معلوم الصّدور على وجه وانحصر التّصرف في
الدّلالة كآيتين مثلا ، كان التّصرف في الدّلالة بحكم العقل لا بحكم الشّرع. وهذا
بخلاف المقام ؛ فإنّ دليل التّعبّد بصدور المشكوك وإن كان مقتضاه ـ بعد ملاحظة عدم
اجتماعه مع إرادة الظّاهر من الآخر ـ رفع اليد عن ظهوره ، إلاّ أنّ دليل التّعبّد
بظاهر الآخر المفروغ عن صدوره يقتضي أيضا كونه مرادا للشارع المنافي لصدور الآخر ،
فيلزمه رفع اليد عن صدوره وهما في مرتبة واحدة ؛ لأنّ هذا اللّزوم والاقتضاء من
الطّرفين مستند إلى العلم بعدم صدور المتنافيين من الشّارع فيحكم لأجله ـ بعد
ملاحظة دليل التّعبّد بالصّدور والدّلالة في المتعارضين ـ برفع اليد عن أحدهما على
ما عرفت سابقا ، فالأمر دائر بين التّصرّف في أحد الدّليلين ورفع اليد عن مقتضاه
من غير فرق بينهما أصلا هذا.
مع إمكان دفع التّوهم المذكور بالمعارضة بأن يقال : إنّ دليل التّعبّد بالظّاهر
يجعل كلاّ من الظّاهرين بمنزلة النّص ، ومن المعلوم رفع اليد عن الصّدور فيما
تعارض النصّان
بحسب الدّلالة ، اللهمّ إلاّ أن يدفع المعارضة : بأن التّنزيل المذكور يرجع نتيجته
عند التأمّل برفع اليد عن الصدور بالدّلالة مع عدم إمكان المزاحمة بينهما ، اللهمّ
إلاّ أن يجعل المزاحمة بالنّسبة إلى ما هو محلّ الكلام من الأمرين لا مطلقا ، فلا
يلزم المحذور المذكور فتدبّر.
فإن
قلت : لو لم يكن لدليل
التّعبّد بالصّدور حكومة على دليل التّعبّد بالظّهور لزم الحكم بإجراء حكم
التّعارض فيما كان أحدهما نصّا أو أظهر بالنّسبة إلى الآخر من الرّجوع إلى
المرجّحات أو التّخيير ، مع أنّ المسلّم عندهم على ما عرفت وستعرف : الحكم بصدوره
وجعله قرينة للظّاهر تحكيما لدليل الصّدور.
قلت
: قياس الظّاهرين
بمورد النّقض قياس مع الفارق ؛ حيث إنّ الشّك في المقيس عليه في الظّاهر مسبّب عن
الشّك في صدور الآخر من حيث صلاحيّته للقرينيّة والصّارفيّة في نفسه ، فيكون
التأمّل في جعله صارفا من جهة احتمال عدم صدوره ، فحكم الشّارع بعدم الاعتناء بهذا
الاحتمال في معنى حكمه بجعله صارفا للظّاهر ولا معنى له غيره على ما أسمعناك سابقا
، وهذا بخلاف المقام ؛ فإنّ رفع اليد عن الظّاهر لا بدّ وأن يكون بانضمام مقدّمة متساوية
النّسبة بكلّ من دليلي اعتبار الصّدور والظّهور فكيف يجعل أحدهما مقدّما على الآخر
ذاتا.
فإن
قلت : لازم ما ذكر كون
الطّرح أولى من الجمع بالنّظر إلى القاعدة فيما يتوقّف الجمع على التّصرف فيهما ؛
حيث إنّ اللاّزم من الطّرح مجرّد مخالفة دليل التّعبّد بالصّدور في المطروح وليس
فيه مخالفة دليل التعبّد بظاهره : من جهة عدم كون المطروح كلام المعصوم حتّى يجب
الأخذ بظاهره بناء على ما أسمعناك : من كون موضوع دليل اعتبار الظّاهر الكلام
المفروغ صدوره عن الحجّة ، وهذا بخلاف
الجمع ؛ فإنّ
المفروض فيه الحكم بصدور المتعارضين فيصير ظاهرهما موضوعا لدليل التّعبّد به فيلزم
مخالفته بالنّسبة إلى كلا الظّاهرين ونتيجته مخالفة الأصلين. نعم ، فيما يحصل الجمع بالتّصرف في ظاهر أحدهما يكونان ـ أي :
الجمع والطّرح ـ في مرتبة واحدة.
قلت
: ما ذكر من
أولويّة الطّرح في الصّورة المذكورة ؛ نظرا إلى ما ذكر في وجهه توهّم ؛ حيث إنّ
الجمع في الفرض وإن توقّف على رفع اليد عن ظاهر كلا المتعارضين إلاّ أنّ ظاهر غير
المفروغ عن الأخذ بصدوره ليس مشمولا لدليل التّعبّد بالظّواهر حتّى يكون طرحه
خلافا للأصل ؛ فإنّ المتوهّم اعترف بتفرّع اعتبار الظّاهر بمقتضى دليله على الأخذ
بصدوره. ومن هنا قال : بأنّ طرح ظاهر المطروح ليس محرّما من جهة عدم شمول دليل
التّعبّد بالظّاهر له ، فإذا كان لازم الأخذ بصدور المردّد هو رفع اليد عن ظهوره
كما هو المفروض فكيف يكون ظهوره مانعا عنه مع أنّه تابع له فيكون محالا؟
توضيح
ذلك : أنّ المتعارضين
في الفرض مشتملان على سندين وظاهرين والصّدور من أحدهما مأخوذ على كلّ تقدير ،
فيكون ظاهره مشمولا لدليل اعتبار الظّواهر ، كما أنّ ظاهر الآخر غير مشمول لدليل
اعتبار الظّواهر ؛ للقطع بعدم إرادته على تقدير البناء على صدوره وعدم شمول
الدّليل له ما لم يبن علي صدوره ، فيبقى صدوره وهو مشمول لدليل التّعبد بالصّدور.
كما أنّ ظاهر الآخر مشمول لدليل التّعبّد بالظّهور فيكون التّقابل بينهما ليس إلاّ
، فيدور الأمر من جهة رفع التّعارض بين رفع اليد عن الأوّل أو الثّاني من غير
تقدّم لأحدهما على الآخر ، وهذا معنى ما ذكرنا : من عدم الأولويّة بالنّظر إلى
القاعدة ودليل اعتبار الصّدور
والظّهور لشيء
منهما ، فلا فرق بين صور التّعارض فيما ذكرنا أصلا هذا.
فإن
شئت قلت : إنّ مرجع التّوهم
المذكور إلى جعل اعتبار ظاهر الحديث مانعا عن الأخذ بصدوره ، ومرجعه ـ بعد
التّسالم على قضيّة الأصليّة والفرعيّة كما ترى ـ إلى لزوم الدّور وهو ما أشرنا
إليه : من الاستحالة هذا كلّه فيما إذا كان هناك معنى يحمل الظّاهران أو الظّاهر
عليه على تقدير الجمع.
وأمّا إذا تعدّد
المعنى المحتمل بحيث يحتمل إرادة كلّ واحد من غير فرق فلازم الجمع والأخذ بصدور
المتعارضين الحكم بالإجمال والرّجوع إلى الأصل الغير المخالف لهما فقد يجعل هذا
كما في « الكتاب » : من حيث إنّ نفي الثّالث اللاّزم من الأخذ بهما صدورا عمل بهما
مسوّغا ومجوّزا للحكم بصدورهما ؛ فإنّ الأخذ بالدّلالة الالتزاميّة نوع من العمل
بالحديث وقول المعصوم عليهالسلام.
لكنّه
كما ترى ، لا يخلو عن
مناقشة ؛ من حيث إنّ نفي الثّالث ليس لازما للجمع والأخذ بصدورهما معا ، بل لازم
الأخذ بالصّدور في الجملة المسلّم بين الفريقين ، فلا معنى لجعله ثمرة عمليّة
للأخذ بهما بعنوان الجمع والمعيّة فلم يبق ممّا يمكن أن يترتّب على الجمع إلاّ
الإجمال الّذي هو في معنى ترك العمل ؛ فإنّه كما يكون الأخذ بالظّهور متفرّعا على
الأخذ بالصّدور كذلك يكون شمول دليل الصّدور موقوفا على وجود أثر عمليّ هناك ؛ حيث
إنّ معنى لزوم التّصديق هو الالتزام بالآثار المترتّبة على المخبر به. فكيف يجعل
الإجمال من آثاره الّذي هو في معنى ترك العمل به على ما عرفت؟ ومن هنا لا يحكم
بشمول دليل الصّدور لما تعيّن حمله على التّقيّة على تقدير الصّدور ، فعلى ما ذكر
من المناقشة يكون الطّرح أولى من الجمع بالنّظر إلى القاعدة في الصّورة المسطورة.
والقول
: بكون الرّجوع إلى
الأصل بعد الحكم بإجمال المتعارضين نوع عمل ـ كما لا يأبى عنه بعض عبائر « الكتاب
» ـ كما ترى ؛ فإنّ العمل بالأصل متفرّع على عدم وجود الدّليل ، فكيف يجعل عملا به؟
ومن هنا يحمل
موارد جمعهم بين التمسّك بالأصل والدّليل في حكم المسألة على إرادة التّنزّل
والإغماض عن وجود الدّليل ، فمورد الدّوران ما إذا كانت هناك احتمالات متفاوتة في
القوّة والضّعف بعد رفع اليد عن الظّاهر بمقتضى الجمع : بأن يكون بعض المحتملات
أقرب المجازات مثلا لا متيقّن الإرادة على تقدير الصّدور ؛ إلاّ إذا قلنا بأن
تيقّن الإرادة لا يوجب نصوصيّة الكلام بالنّسبة إلى المراد.
فإذا ورد : « أكرم
العلماء » ، ثمّ ورد : « لا تكرم العلماء » مثلا ، وكان العادل متيقّن الإرادة من
الأوّل ، والفاسق من الثّاني لم يحكم بكون كلّ منهما نصّا من جهة وظاهرا من جهة
فيرفع اليد عن ظاهر كلّ منهما بنصّ الآخر فيخرج عن تعارض الظّاهرين هذا.
وستقف على تحقيق
الحقّ من الوجهين والمسلكين عن قريب ، فالصّور ثلاثة عرفت حكمها هذا فيما كانت
النّسبة بين المتعارضين التّباين ، أو العموم والخصوص مع التّكافؤ من حيث الدّلالة
من جهة اشتمال العام بما يوجب مكافئته ظهورا مع الخاصّ.
وأمّا إذا كانت
النّسبة العموم من وجه مع تكافؤ العامّين من حيث الدّلالة كما هو المفروض فقد يقال
: في الصّورة بخصوصها على ما عرفت الإشارة إليه : بأولويّة الجمع من الطّرح بقسميه
ترجيحا وتخييرا : من حيث إنّ الطّرح من حيث
الصّدور بالنّسبة
إلى مورد التّعارض بخصوصه ، كما هو لازم النّسبة موجب للتّبعيض في الصّدور الآبي
منه دليل التّعبد به ؛ لأنّ الكلام الواحد لا يحمل عليه النّقيضان. وليس مثله مثل
الحديث الواحد المشتمل على فقرات وأحكام لموضوعات متعدّدة ؛ حيث إنّه يجوز الأخذ
بالحديث بالنّسبة إلى بعض الفقرات مع طرحه بالنّسبة إلى بعضها ؛ لأنّه بمنزلة
أحاديث متعدّدة ، وهذا بخلاف المقام ؛ فإنّ المفروض فيه الإخبار عن قضيّة واحدة
فلا يحمل عليه الصّدور والعدم هذا.
ولكنّك
خبير بكونه مجرّد
الاستبعاد ؛ إذ المستحيل عقلا الصّدور وعدمه الواقعيّان لا الظّاهريّان مع تعدّد
مورد الحكم. ومن هنا كان ظاهرهم الاتّفاق على اندراجه في الأخبار العلاجيّة فلا
مناص من الالتزام بالتّبعيض الحكمي والبنائي بحسب الآثار كما هو الشّائع في
الشّرعيّات هذا.
وقد يقال فيها
بخصوصها : بأولويّة الطّرح ؛ من حيث إنّ لازم الجمع فيه هو الحكم بالإجمال الدائمي
في مورد التّعارض ؛ فيلزمه حقيقة ترك العمل بهما فينافيه التّعبّد بالصّدور ، فكيف
يكون دليله دليلا عليه؟ والقول بكون ثمرته الإجمال ونفي الثّالث والرّجوع إلى
الأصل الموافق لأحدهما وإلاّ فالتّخيير العقلي نظير دوران الأمر بين المحذورين
واقعا في المسألة الفقهيّة قد عرفت ما فيه هذا.
وقد أشرنا إلى أنّ
عبارة « الكتاب » غير خالية عن الإجمال : من حيث الحكم بأولويّة الجمع في
خصوص الصّورة أو الطّرح وإن كان ظاهرا في اختيار عدم أولويّة لأحدهما على الآخر
أخيرا.
فقد
ظهر ممّا ذكرنا كلّه : الوجه للقول بعدم ترجيح لأحد من الجمع والطّرح على صاحبه بالنّظر إلى القاعدة
، كما أنّه ظهر منه وجوه سائر الاحتمالات
والوجوه فلا حاجة
إلى إطالة الكلام بإفراد كلّ بعنوان هذا بعض الكلام فيما يقتضيه القاعدة بالنّظر
إلى دليل كلّ من التّعبّد بالصّدور والدّلالة.
وأمّا الكلام فيما
يقتضيه الدّليل الخارجي في الصّورة المذكورة وهو الموضع الثّاني فملخّصه :
أنّه ليس هناك
دليل عام يقضي بأولويّة الجمع فلا بدّ أن يتّبع الشّاهد الخارجي في الموارد
الشخصيّة والتّشخيص بنظر الفقيه المستنبط ، وأمّا الطّرح فالدّليل عليه ما دلّ على
لزوم التّرجيح والتّخيير كلّ في مورده في جميع صور التّعارض الّتي ليس فيها شاهد
داخلي ولا خارجي على التّصرّف في أحدهما أو كليهما كما هو المفروض. وبعبارة أخرى :
فيما كان الدّليلان متعارضين ومتنافيين بنظر أالعرف ، وهذا ما أفاده بقوله في « الكتاب » : ( بل الظّاهر هو الطّرح ... إلى آخره ) .
وحاصل
ما يستفاد من « الكتاب » وغيره في ترجيح الطّرح على الجمع من جهة الدّليل الخارجي يرجع إلى وجوه :
الأوّل
: سؤال الرّواة عن
حكم المتعارضين من الأخبار فيما ورد في باب العلاج بالتّرجيح والتّخيير مع ما هو
المركوز في أذهانهم بل ذهن كلّ أحد : من وجوب العمل بالدّليل الشّرعي مهما أمكن ،
فلو لم يفهموا عدم الإمكان لم يكن معنى لتحيّرهم المحوج إلى السّؤال سيّما بلفظة
أي الظّاهرة في عدم كون المورد ممّا يعمل بهما معا ، وحمل مورد السّؤال على عدم
إمكان الجمع عقلا ولو بضرب
__________________
من التّأويل كما
ترى ؛ فإنّه حمل على النّادر إن لم يكن حملا على المعدوم.
الثّاني
: الأجوبة الّتي
وردت في الأخبار المذكورة ، فإنّه لم يقع فيها إلاّ الجواب بالطّرح تعيينا أو
تخييرا.
وأمّا قولهم عليهمالسلام في بعض الأخبار : ( أنتم أفقه النّاس إذا عرفتم معاني كلامنا ... إلى آخره ) ، أو ( أنّ أمر النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كأمر القرآن فيه ناسخ ومنسوخ ومحكم ومتشابه ) الحديث ، فليس منافيا لما ذكر إن لم يكن مؤيّدا ؛ فإنّ الغرض منه الحثّ
والتّأكيد على التّأمّل في وجوه دلالة الكلام من الدّاخل والخارج وعدم حمله على ما
يفهم منه في باديء النّظر أو قبل ملاحظة القرائن الخارجيّة ، وهذا ليس محلاّ
لإنكار واحد فلو دلّ على الجمع كما ستقف عليه فإنّما يدلّ عليه في الفرض الخارج عن
محلّ الكلام.
الثّالث
: الإجماع العملي
من الخاصّة بل جميع علماء الإسلام من زمن الصّحابة إلى زماننا هذا ؛ فإنّهم لم
يزالوا يطرحون أحد المتعارضين تعيينا أو تخييرا فلو كان الجمع ولو بضرب من
التّأويل البعيد مقدّما على الطّرح لما سلكوا هذا المسلك واضطراب كلام الشّيخ لا
يقدح فيه مع كون عمله على طبق عملهم ، بل
__________________
ولو لم يكن بعد
انتهاء عملهم إلى زمان الحجّة ؛ فإنّ الإجماع العملي ليس كالإجماع القولي حتّى
يقدح فيه مطلق الخلاف على بعض وجوه تقريره كاللّطف أو الحدس في وجه ، أو مخالفة
مجهول النّسب على طريقة الدّخول بعد فرض انتهاء العمل إلى زمان المعصوم واجتماع
شروط التّقرير.
نعم ، فيما يجعل الإجماع العملي كاشفا عن الإجماع القولي
واتّفاق المجمعين في الآراء جرى فيه ما يجري في الإجماع القولي.
وأمّا جمع الشّيخ رحمهالله بين الأخبار المتعارضة على وجه يقتضي ابتناءه على مجرّد الإمكان العقلي فليس
مبنى عمله قطعا ، بل الوجه فيه ما ذكره في أوّل كتابه :
من ابتنائه على
مجرّد الاحتمال بحسب الواقع لئلاّ يشكل الأمر على ضعفاء النّفوس من كثرة ما
يشاهدون من التّعارض بين الأخبار.
وأمّا ما ذكره
الشّيخ ابن أبي جمهور : من دعوى الإجماع على تقديم الجمع على الطّرح مهما أمكن ،
فقد عرفت : منع ظهوره في الإمكان العقلي ، مع أنّه على تقدير الظّهور لا يصدّق في
دعواه ؛ إذ غاية ما يسلّم كون المسألة خلافيّة. وأمّا الإجماع على تقديم الجمع
بقول مطلق على الطّرح فممنوع جدّا فتأمّل .
الرّابع
: لزوم الهرج
والمرج في الفقه وإحداث فقه جديد يعلم بعدم ثبوته من الشّارع واللّزوم بعد ملاحظة
كثرة المتعارضات وفتاوى الأصحاب في
__________________
مواردها ظاهر لا
يحتاج إلى البيان فضلا عن البرهان فتدبّر. هذا بعض الكلام في غير الصّورة الأولى
من الصّور المتقدّمة.
وأمّا
الصّورة الأولى وهي : ما كان لأحد المتعارضين قوّة على الآخر ، فحاصل القول : فيها أنّ
القوّة لو كانت بالنّصوصيّة سواء كان بالعموم والخصوص والإطلاق والتّقييد فيما كان
الخاص أو المقيّد نصّين بحسب الدّلالة أو غيرهما فلا إشكال في أولويّة الجمع في
الفرض بل خروجه عن عنوان التّعارض حقيقة لما أسمعناك فيما سبق : من كون النّصّ
الظّني حاكما على الظّاهر ، وإن كان قطعيّا من الجهات الأخر فالتّعرض له في المقام
وإدراجه في باب التّعارض وجعله من أقسام الجمع كما في « الكتاب » من باب التّسامح والتّوسع حقيقة.
ولو كانت بالظّهور
فظاهر المشهور بل صريحهم ـ كما هو الحقّ ـ تقديم الجمع والتّصرّف في دلالة الظّاهر
بقرينة الأظهر على التّرجيح والتّخيير وإن كان الجمع على الوجه المزبور راجعا إلى
نوع من التّرجيح وهو التّرجيح بحسب الدّلالة ومرجع تقديمه حقيقة إلى ما سيتلى عليك
: من تقديم التّرجيح بحسب الدّلالة على سائر وجوه التّراجيح إلاّ أنّ المطلب لا يوهن بتغيير العنوان وظاهر الشّيخ قدسسره في « العدّة » في
بيان التّرتيب بين المرجّحات إنكار ذلك وإن تسالم على تقديمه على التّخيير وربّما
يستظهر من المحقّق القمّي قدسسره أيضا في باب حمل العام على الخاص ، بل الجمود على ظاهر
كلام الشّيخ قدسسره يعطي ذهابه إلى تقدّم التّرجيح في القسم الأوّل أيضا أي : النّصّ والظّاهر ،
لكن لا بدّ من حمله على مفروض البحث ؛ حيث إنّ جلالة شأنه وعلوّ مقامه في العلم
يمنع من المخالفة في القسم الأوّل فارجع إلى كلامه المنقول في « الكتاب » في المقام الثّاني أي : التّرجيح ، وكذا
إلى ما يحكيه عن
المحقّق القمّي قدسسره وإن أمكن توجيه كلام المحقّق القمّي رحمهالله بما لا يخالف المشهور في مفروض البحث على ما ستقف عليه إن شاء الله تعالى في
ذلك المقام.
ثمّ
إنّ الوجه في
تقديم التّصرّف في الظّاهر بقرينة الأظهر على طرح الأظهر صدورا للتّرجيح أو
التّخيير مع عدم كونه كالنّص الظنّي الصدور ومن حيث إمكان التصرّف في دلالته
وإبقاء الظّاهر على ظهوره بخلاف النّص ؛ حيث إنّه لا معنى للتّعبّد بصدوره إلاّ
جعله قرينة للظّاهر هو حكم العرف وبنائهم على خروج الفرض عن الأخبار العلاجيّة :
من جهة عدم التّحيّر الموجب للسّؤال بعد بنائهم على جعل الأظهر قرينة للظّاهر فهو
ملحق بالنّص حكما.
ومن هنا ذكر شيخنا
الأستاذ العلاّمة فيما علّقه على المقام : أنّه بعد إحراز التّرجيح العرفي للأظهر
يصير كالنّص ويعامل معه معاملة الحاكم ؛ لأنّه يمكن أن يصير قرينة للظّاهر ولا
يصلح الظّاهر أن يصير قرينة له ، بل لو أريد التّصرف فيه احتيج إلى قرينة أخرى من
الخارج فيدفع بالأصل فالتّعبد بصدور الأظهر بعد هذه الملاحظة لا معنى له ، إلاّ
رفع اليد به عن الظّاهر كما عرفته في معنى التّعبّد بالنّص.
فإن
شئت قلت : إنّ التّصرف في
الأظهر بعد فرض عدم قيام القرينة عليه من الخارج غير ممكن عرفا فيصير كالحاكم
بالنّسبة إلى المحكوم كدليل نفي الحرج بالنّسبة إلى أدلّة تشريع الأحكام العامّة
هذا. ويمكن اقتباس حكم المقام ممّا عرفت الإشارة إليه ممّا ورد في الحثّ على
التّأمّل فيما يرد عنهم عليهمالسلام وعدم الجمود على ما يفهم من كلماتهم في ابتداء النّظر
إليها هذا. وستقف على زيادة توضيح لذلك منّا ومن شيخنا قدسسره عند الكلام في
باب التّراجيح.
ثمّ
إنّ الوجه فيما
أفاده قدسسره في حكم ما يحصل الجمع بالتّصرف في أحدهما مع تساويهما في الظّهور ـ في ذيل
التّحقيق الّذي عليه أهله بقوله : ( وأمّا لو لم تكن لأحد الظّاهرين مزيّة على
الآخر فالظّاهر أنّ الدّليل في الجمع ... إلى آخره ) الظّاهر في كون الجمع فيما يتوقّف على التّصرّف فيهما
وتأويلهما أولى منه في المقام ـ : هو أنّ حاصل الجمع في المقام هو الحكم بإجمال
المتعارضين والرّجوع إلى الأصل غالبا أو دائما من جهة عدم تعيّن وجه التّصرّف ،
ومن المعلوم عدم كونه عملا بشيء منهما فلا معنى للتعبّد بصدورهما لترك العمل بهما
على ما أسمعناك سابقا. وهذا بخلاف الجمع فيما يتوقّف على تأويلهما معا ؛ فإنّ الغالب
فيه تعيّن
__________________
بعض الاحتمالات :
من حيث كونه أقرب فيرجع إلى العمل بهما ولو بالأخذ بخلاف ظاهرهما ؛ فإنّه نوع عمل
بالخبر جزما.
وبما
ذكرنا ينبغي تحرير وجه الأولويّة بل تحرير المقام مطلقا لا بما أفاده في « الكتاب » ؛ فإنّه
لا يخلو عن مناقشة ؛ فإنّ العمل بالأصل المطابق لأحدهما ليس عملا بشيء منهما ؛
وإلاّ كان العمل بالخبر المطابق للقياس عملا بالقياس أيضا وهو كما ترى ؛ ضرورة أنّ
العمل بالشّيء عبارة عن الاستناد إليه والعمل بالأصل المطابق استناد إلى الأصل لا
إلى الخبر ، اللهمّ إلاّ من باب التّوسّع والمسامحة على ما أسمعناك مرارا في مطاوي
كلماتنا. وكذا ما أفاده بالنّسبة إلى العمل بأصالتي الحقيقة تخييرا فإنّ معناه على
القول به ـ وإن كان فاسدا كما ضعّفه ـ هو جواز الأخذ بكلّ من الظّاهرين وجعل
المأخوذ قرينة للمطروح فهو عمل بالنّسبة إلى دليل التّعبّد بالصّدور حقيقة في كلا
الخبرين فأين الطّرح حتّى يجعل مرجع الجمع إلى الطّرح؟ فتدبّر.
وأمّا الاستدراك
بقوله : ( نعم ، يظهر الثّمرة في أعمال المرجّحات السّنديّة ... إلى آخره ) فالغرض منه ـ بعد الحكم بأول الجمع إلى الطّرح ونفي الثّمرة بينهما من هذه
الجهة ـ إثبات الثّمرة بين الجمع والطّرح لا إثبات الثّمرة لدليل التّعبّد
بالصّدور على تقدير الجمع ، كيف! والتّرجيح بالصّدور ينافي الجمع كما هو واضح.
نعم ، ينبغي جعل
الثّمرة بينهما الرّجوع إلى المرجّحات مطلقا لا خصوص ما أفاده من المرجّحات
السّنديّة ، إلاّ أن يحمل ذكره على المثال ، أو على المفروض في
__________________
كلامه في المقام
وإن كان الفرض مبنيّا على المثال أيضا فتأمّل.
وأمّا
ما أفاده من الاستدراك في مقام توهين الرّجوع إلى الأخبار العلاجيّة والحكم بتقديم الطّرح بعد ثبوت
التّلازم في مفاد الأخبار بين التّرجيح والتّخيير موردا وإن افترقا بوجود المرجّح
وعدمه فيكون الجمع بهذه الملاحظة أولى من الطّرح في هذا القسم من الجمع فيما
يتوقّف على التّصرّف فيهما بقوله قدسسره : ( لكن يوهنه : أنّ اللاّزم حينئذ بعد فقد المرجّحات ...
إلى آخره ) .
فربّما
يناقش فيه أيضا : بأنّه على تقدير تسليمه يسلّم فيما كانت النّسبة العموم من وجه أو العموم
والخصوص في الجملة لا فيما كانت التّباين ؛ فإنّه لم يعهد من أحد نفي التّخيير من
أحد مع فقد المرجّح في الفرض مع إثباته فيما يتوقّف الجمع على تأويلهما.
ومنه
يظهر : أنّ التّفصيل
المبنيّ على الاستبعاد حقيقة يجري في العموم والخصوص أيضا ، إذ على تقدير التّكافؤ
من حيث الدّلالة لو بني على الطّرح ترجيحا أو تخييرا مع كون المأخوذ الخاصّ لزم منه
طرح العامّ من حيث الصّدور أو جهته في الجملة لا مطلقا فيلزم التّبعيض لا محالة
كما هو ظاهر.
__________________
* تنبيهات القاعدة
وينبغي التّنبيه
على أمور وإن تقدّمت الإشارة إليها.
الأوّل
: أنّ عدّ تقديم
الأظهر على الظّاهر من أقسام الجمع لا ينافي ما تسالموا عليه : من كونه من
التّرجيح بحسب الدّلالة فيكون نوعا من الطّرح بقول مطلق ؛ حيث إنّ المراد من الجمع
على ما عرفت الإشارة إليه هو الأخذ بدليل الصّدور من المتعارضين وإن استلزم الطّرح
: من حيث الدّلالة لمكان التّرجيح فلا تنافي بينهما أصلا.
الثّاني
: هل المراد
بالنّصوصيّة في المقام وغيره هو خصوص كون اللّفظ صريحا في المراد بحسب الذّات أو
يعمّه وما كان كذلك بملاحظة الأمر الخارجي ـ ككون بعض إفراد العام متيقّن الإرادة
بملاحظة الخارج على تقدير صدور العام كالعدول من قوله : « أكرم العلماء » والفسّاق ، من قوله : « لا تكرم العلماء » ؛ فإنّ نسبة العام في المثال إلى أفراده متساوية من حيث
الذّات لا فرق بينها بحسب وضع العام المذكور ، وإلاّ لم يعقل الفرق بينها بحسب
تعلّق الأمر بالإكرام والنّهي عنه ، وإنّما حصل الفرق من تعلّق الأمر الخاص
والنّهي المضادّ له بحسب الملاحظة الخارجيّة ، وعذرة المأكول من قوله عليهالسلام : ( لا بأس ببيع العذرة ) وغير المأكول
__________________
من قوله عليهالسلام : ( ثمن العذرة سحت ) فإنّ الفرق بينهما إنّما هو بملاحظة اختلاف المحمول
والخارج لا من حيث الذّات.
ومن هذا القبيل
تيقّن إرادة الجواز من الأمر والكراهة من النّهي وهكذا ـ وجهان بل قولان كما يظهر
لمن راجع كلماتهم في الفقه ؛ من حيث إنّ تيقّن الإرادة من الخارج على تقدير
الصّدور لا يجدي صارفا عن ظهور اللّفظ وقرينة على إرادة خلاف الظّاهر منه بحكم
العرف ، بل يحتاج إلى قرينة أخرى فيدخل في تعارض الظّاهرين فيتوقّف رفع اليد عن
ظاهر كلّ منهما بنصّ الآخر على ثبوت حكومة دليل الصّدور على دليل الظّهور بقول
مطلق.
ويؤيّده
بل يدلّ عليه : ما ورد في باب علاج تعارض الأخبار بالتّرجيح أو التّخيير ؛ فإنّ حمله على غير
المفروض يوجب خروج كثير من الموارد منه بل الأكثر ؛ ضرورة قلّة ما لا يوجد فيه هذا
المعنى من المتعارضين ، ومن حيث إنّ الأخذ بصدورهما في الفرض لا يوجب رفع اليد عن
الظّاهر من غير قرينة بعد تيقّن الإرادة ونصوصيّة كلّ منهما ولو بملاحظة الخارج
فكلّ من العامّين بمنزلة الخاصّ بالنّسبة إلى الآخر فيما هو نصّ فيه فيندرج في
الجمع المقبول لا المردود.
والّذي اختاره
شيخنا الأستاذ العلاّمة قدسسره في « مكاسبه » ومال إليه في
__________________
مجلس
البحث هو الأوّل ؛ ولا
يخلو عن قوّة ؛ من حيث إنّ العلم بالإرادة إنّما حصل بملاحظة دليل الصّدور
والتّنافي لا من اللّفظ بنفسه ولعلّنا نتكلّم فيه زيادة على هذا بعد ذلك.
ومنه
يظهر : النّظر فيما أفتى
به بعض الأصحاب تبعا للشّيخ قدسسره من جواز بيع عذرة المأكول جمعا بين ما دلّ على جواز بيع
العذرة وما دلّ على المنع منه.
الثّالث
: أنّك قد عرفت :
خروج مورد وجود الشّاهد للجمع عن محلّ الكلام في القاعدة المشهورة من غير فرق بين
ما يتوقّف الجمع على تأويل المتعارضين ، أو تأويل أحدهما فقد يقوم هذا الشّاهد من
الخارج ، وقد يحصل بملاحظة النّسبة بين المتعارضين فيما كان التعارض بين أزيد من
دليلين ؛ فإنّه إذا وقع التّعارض بين العامّين المتباينين كقوله : « أكرم العلماء
» و « لا تكرم العلماء » مثلا ، وورد ما يوجب تخصيص أحدهما : من حيث كونه أخصّ منه
كقوله : « لا تكرم فسّاق العلماء » لأنّه أخصّ من العامّ الأوّل يصير العام
المخصّص أخصّ من العام الغير المخصّص فيجب الجمع بينهما بالتّخصيص فيحكم بإرادة
خصوص الفسّاق من قوله : « لا تكرم العلماء » وهذا مع وضوحه نشرح لك القول فيه عند
الكلام في تعارض أزيد من دليلين إن شاء الله تعالى.
ما فرّعه الشهيد الثاني
على قاعدة الجمع
(٤)
قوله قدسسره : ( بقي في
المقام : أنّ شيخنا الشّهيد الثّاني فرّع ... إلى آخره ). ( ج ٤ / ٢٩ )
في بيان إجراء قاعدة
الجمع في البيّنات
أقول
: أراد قدسسره بهذا التّكلّم في
القاعدة المعروفة في « البيّنات » وبيان حالها بالنّسبة إليها بعد الفراغ عن
التّكلّم فيها في الأخبار وإن كان خارجا عن محلّ الكلام تبعا لثاني الشّهيدين (
قدس أسرارهما ) ؛ حيث إنّه عمّمها لتعارض البيّنات ، بل جعل جريانها فيه من فروع
القاعدة.
ثمّ إنّه لا إشكال
بل لا خلاف ظاهرا إلاّ عن بعض في كون التّنصيف ميزانا للقضاء في الجملة كالبيّنة ،
واليمين ، والنّكول ، والقرعة في الجملة. إنّما الكلام في أنّ مقتضى القاعدة فيما
يقبل التّنصيف بعد فقد ما اتّفقوا على كونه ميزانا من البيّنة السّليمة ، أو
الرّاجحة ، واليمين ، والنّكول هو الرّجوع إلى القرعة ، أو التّنصيف.
كما أنّه لا إشكال
في أنّ محلّ الكلام فيما أقام كلّ من المتداعيين بيّنة على طبق دعواه ، وإلاّ
فيخرج عن مفروض البحث ومورد التّفريع وكلام الشّهيد رحمهالله « دار تداعياها وهي في يدهما أو لا يد لأحد عليها فأقاما
بيّنة » وكلامه وإن كان مطلقا إلاّ أنّ من الواضح كون محلّ كلامه
فيما تعادلتا من حيث المرجّحات
__________________
المعتبرة في باب
تعارض البيّنات ولا يعمّ صورة وجود المرجّح ، كما هو شأن القاعدة في تعارض الأخبار
على ما عرفت : من شمولها لصورة وجود المرجّح فلا يحتاج إلى التّقييد الّذي ذكره في
« القوانين » معترضا عليه حيث قال فيه ـ بعد نقل كلام الشّهيد ـ ما
هذا لفظه :
« والتّحقيق فيه : أنّ ذلك يصحّ بعد ملاحظة التّراجيح في البيّنتين وانتفائها
وتعادلهما ، وكيف كان : يمكن العلاج في ذلك التّفريع ؛ لإمكان استناد التّنصيف إلى
ترجيح بيّنة الدّاخل فيعطي كلّ منهما ما في يده بترجيح أو بيّنة الخارج فيعطي كلّ
منهما ما في يد الآخر ؛ إذ دخول اليد وخروجها أعمّ من الحقيقي والاعتباري ، ويمكن
استناده إلى التّعارض والتّساقط والتّحالف فينصف بعد التّحالف فيجري مجرى ما لو
ثبت يداهما عليها ولم يكن هناك بيّنة كما هو المشهور » . انتهى كلامه رفع مقامه.
وأنت
خبير : بأنّ ما أورده
على تفريعه من المناقشة في محلّه بالنّسبة إلى الفرض الأوّل سواء قلنا بالتّرجيح الحقيقي
بالدّخول والخروج أو المسامحي من حيث كون بيّنة الدّاخل بمنزلة الأصل بالنّسبة إلى
بيّنة الخارج ، أو قلنا بعدم سماع البيّنة من الدّاخل أصلا ، فلا يعارض بيّنة
الخارج وإن كان خلاف صريح فرض الشّهيد وظاهر المحقّق القمّي ( قدس أسرارهما ).
ومن هنا ذكر شيخنا
الأستاذ العلاّمة قدسسره : أنّه لو خصّ المثال بالفرض الأخير لم يرد عليه ما ذكره
المحقّق القمّي وإن لم يخل عن مناقشة.
__________________
نعم ، لو قيل : بأنّ يد كلّ منهما على تمام الدّار ـ كما
اختاره شيخنا قدسسره في « جواهر
الكلام » وبعض أفاضل معاصرينا ـ لم يتوجّه عليه ما ذكره المحقّق القمّي ، لكنّه بمعزل
عن التّحقيق عندنا وعند الأستاذ العلاّمة ( دام ظلّه العالي ) وعند المحقّق القمّي
كما فصّلنا القول فيه في باب « القضاء » و « الغصب في غير
تعاقب الأيادي » كما هو المفروض ؛ فإنّ المعقول هو اليد التّامّة الواحدة على
مجموع الدّار المتقوّمة بهما فيلزم أن يكون لكلّ منهما يد على النّصف المشاع.
ثمّ إنّ المراد من المناقشة الّتي ذكرها الأستاذ العلاّمة (
دام ظلّه ) في الفرض الأخير على ما صرّح به في مجلس البحث : هو كون التّنصيف فيه من جهة تساقط البيّنتين بعد التّكافؤ
وعدم المناص عن التّنصيف لا من جهة الجمع بين البيّنتين بالتّبعيض في أدلّة
التّصديق فيكون الفرض كما إذا لم يكن بيّنة أصلا هذا.
وقد
يتوهّم متوهّم : أنّ ما ذكره المحقّق القمّي قدسسره من المناقشة بقوله : ( ويمكن استناد التّنصيف ... إلى آخره
) هو بالنّسبة إلى الفرض الأخير فيورد على شيخنا من حيث لا
يشعر.
ولكنّك
خبير : بفساد التّوهم
المذكور ؛ فإنّ كلامه صريح في اختصاص ما ذكره بوجود اليد منهما كما يدلّ عليه ما
وجه التّنصيف به بعد تساقط البيّنتين ، وكيف كان : لا إشكال في توجّه المناقشة إلى
كلّ من المثالين وإن كان المثال الثّاني ـ من حيث كونه أبعد عن الإيراد والمناقشة
ـ أولى. ومن هنا ذكر شيخنا ( دام ظلّه )
__________________
أنّ الأولى
التّمثيل به وبما أشبهه .
نعم
، ربّما يتوهّم المتوهّم : كون الدّعوى بنفسها أمارة شرعيّة على الملكيّة فيكون الدّعويان بمنزلة يدين
فلا فرق بين وجود اليد وعدمه ، فالتّرجيح بالدّخول والخروج على تقدير عدم اليد
أيضا فيورد على الأستاذ العلاّمة ( دام ظلّه ) بهذه الملاحظة.
وأنت
خبير بوضوح فساده ؛ فإنّ الدّعوى فيما يكون أمارة شرعيّة ـ على ما حقّق في باب القضاء ـ هي
الدّعوى المأخوذة « بشرط لا » أي : بشرط عدم المعارض ، لا الدّعوى « لا بشرط »
وبأيّ وجه كانت هذا. مضافا إلى عدم تعقّل معنى للدّخول والخروج بهذه الملاحظة كما
هو واضح.
في أن تحكيم أدلّة
الصّدور على أدلة الظواهر
غير جار في البيّنات
وكيف
كان : لا بدّ من صرف
الكلام إلى أصل المطلب فنقول : قد عرفت : أنّ ظاهر ثاني الشّهيدين بل صريحه ـ بعد
التّأمّل بملاحظة التّفريع وصريح بعض من تأخّر ـ اتّحاد الجمع حكما بل مدركا في
الأخبار والبيّنات.
ولكنّك
خبير : بأنّ ما ذكروه
دليلا للقاعدة بالنّسبة إلى الأخبار : من تحكيم أدلّة التّعبّد بالصّدور على دليل
التّعبّد بالظّهور غير جار بالنّسبة إلى البيّنات جزما ؛
__________________
ضرورة عدم جواز
جعل إحدى البيّنتين بملاحظة دليل اعتبارها قرينة للأخرى وصارفة عنها وكاشفة عن
مرادها من غير فرق بين كونهما نصّين أو ظاهرتين ، وإن كان المفروض عدم الشّك في مراد
البيّنتين وقيام كلّ واحد على طبق الدّعوى على سبيل الجزم واليقين ، وهذا بخلاف
الخبرين ؛ فإنّهما وإن حكيا وصدرا عن حجّتين ، إلاّ أنّهما بمنزلة كلامين لشخص
واحد لا يحتمل في حقّه السّهو والنّسيان والغفلة والخطأ والتّناقض في القول ،
وإلاّ فالشّخص الواحد أيضا قد يرجع عن قوله بأحد الأسباب المجوّزة في حقّ غير
الحجّة.
ومن هنا يصحّ جعل
أحد الخبرين صارفا عن ظاهر الآخر وقرينة للمراد عنه بعد البناء على صدورهما كما في
قطعيّ الصّدور ، فالجمع في البيّنات لا بدّ من أن يلاحظ بالنّسبة إلى أدلّة
التّصديق واعتبارها فيصدّق كلّ من البيّنتين بالنّسبة إلى بعض ما شهدت عليه من جهة
مزاحمتها مع الأخرى فهو بمنزلة الطّرح في العامّين من وجه على ما عرفت الإشارة
إليه.
ومن هنا يجري
الجمع بهذا المعنى في النّصين أيضا على ما سبق القول فيه في معنى الجمع عند الكلام
في المراد من الألفاظ الواقعة في القاعدة ، إذن لا بدّ من التماس وجه آخر للجمع في
البيّنات غير ما عرفته في وجه الجمع في الأخبار ؛ لاختلاف المراد من الجمع في
الموضعين. ومن هنا ذهب غير واحد إلى عدم ثبوت القاعدة في الأخبار ، ويقال بثبوت
الجمع في البيّنات بمقتضى القاعدة وإن قيل بعدم ثبوته في الأخبار فالمسألة ذات
وجوه.
ما يستدلّ
به للجمع في البيّنات والمناقشة فيه
وكيف
كان : يستدلّ للجمع في
البيّنات بوجهين :
أحدهما
: استفادته من جملة
من الأخبار الحاكمة بالتّنصيف في الموارد الخاصّة بمعونته تنقيح المناط منها.
ثانيهما
: كون التّنصيف في
البيّنات والعمل بكلّ من البيّنتين ـ في بعض ما شهدت به وأخبرت عنه ـ جمع بين
الحقّين من غير ترجيح بالدّواعي النّفسانيّة الغير المرجّحة شرعا وتخيير لا دليل
عليه في وجه ومناف لشرع الفقهاء في وجه آخر.
فإن
شئت قلت : إنّ الأمر دائر
بين أمور كلّها باطلة سوى التّنصيف ؛ لأنّ الأمر لا يخلو : من أنّه إمّا أن يحكم
بترك العمل بالبيّنتين ، أو يحكم بالعمل بإحداهما المعيّن ، أو يحكم بإحداهما لا
على التّعيين بمعنى التّخيير ، أو يحكم بالتّنصيف بالمعنى الّذي عرفته. وغير
الأخير باطل فيتعيّن ؛ إذ لا وجه آخر بعد فرض تعارضهما وعدم إمكان العمل بكلّ
واحدة في تمام المشهود به.
أمّا
بطلان الأوّل : فلأنّه مناف لتشريع القضاء وموجب لإبطال الحقوق.
وأمّا
بطلان الثّاني : فلفرض مساواة البيّنتين من حيث المرجّحات المعتبرة شرعا وبطلان التّرجيح
بغيرها بعد فرض عدم اعتبارها فيؤول الأمر حقيقة إلى التّرجيح والتّعيين من غير
مرجّح ومعيّن وهو واضح البطلان.
وأمّا
الثّالث : فلأنّ تخيير
الحاكم لا دليل عليه في المقام ؛ لعدم كون التّعارض
والاشتباه في
الحكم الشّرعي ولو في طريق فصل الخصومة والقضاء ، وتخيير المتخاصمين مناف لتشريع
القضاء ونقض لغرضه وموجب للهرج والمرج ، بل أشدّ منه ؛ لأنّ كلاّ من المتخاصمين
يختار العمل ببيّنته هذا.
وأنت خبير بما في
الوجهين :
أمّا
الأوّل : فلأنّه قياس لا
نقول به ؛ فإنّ القطعي منه ممنوع ، والظّني منه على تقدير تسليمه يرجع إلى القياس
الممنوع.
وأمّا
الثّاني : فلأنّه استحسان
واعتبار محض فيرجع إلى ما يمنع منه ، وأمّا ما ذكر في تقريبه : من قضيّة التّرديد
والدّوران ففيه : أنّ الحكم بتساقطهما والرّجوع إلى ميزان آخر من اليمين وغيرها لا
يوجب محذورا أصلا ، مع أنّ هنا أمرا آخر غير ما ذكر وهو الرّجوع إلى القرعة بمقتضى
عموم ما قضي بها لكلّ أمر مشكل.
وممّا
ذكرنا كلّه يظهر : أنّه يمكن القول بالجمع بين البيّنات بالنّظر إلى الوجهين وإن قيل بعدمه في
الأخبار ؛ نظرا إلى ما عرفت : من تضعيف تحكيم أدلّة الصّدور على دليل الظّهور ،
كما أنّه يمكن العكس ، وأمّا توهين الجمع في البيّنات بلزوم التّبعيض في الصّدق
والكذب بالنّسبة إلى خبر واحد ، فقد عرفت : أنّه استبعاد محض ، فلو كان هناك دليل
عليه لقلنا به كما قلنا فيما قام الدّليل فيه على التّنصيف ، وقلنا به في العامّين
من وجه أيضا في تعارض الأخبار فيما لم يكن هناك قوّة لأحد العامّين ؛ فإنّ المختار
وفاقا للمشهور الحكم بالطّرح في مادّة التّعارض ترجيحا أو تخييرا ، بل في العام
والخاصّ أيضا فيما كانا متكافئين بحسب الدّلالة إذا اختار العمل بالخاصّ لأحد
الوجهين.
ولا
يتوجّه عليه ما توهّم : من التّبعيض في الصّدق والكذب ، بل اللاّزم هو
التّبعيض في الأخذ
بدليل التّصديق الظّاهري كما عرفته في الطّرح في العامّين من وجه ، بل قد يقال :
بكون الطّرح فيما عرفت أسوأ حالا من الجمع في المقام ؛ من حيث إنّ المخبر به
للعادل هو قول الإمام عليهالسلام وهو أمر بسيط وإن كان ما صدر عن الإمام عليهالسلام قابلا للتّجزئة ، وهذا بخلاف خبر الشّاهد ؛ فإنّ مرجع شهادته بكون الدّار
لزيد مثلا إلى كون كلّ جزء منها لزيد فيصدّق في بعض ما يخبر به ، فكأنّه ينحلّ إلى
أخبار متعدّدة.
ومن
هنا قيل : بالتّفصيل في
القاعدة بين العامّين من وجه وغيره في الأخبار على ما عرفت ، ولا يقاس بالحديث
الواحد المشتمل على قضايا متعدّدة وفقرات كثيرة ؛ فإنّ مرجعه إلى أحاديث حقيقة.
وإن كان هذا القول ضعيفا ؛ فإنّه إذا فرض المحكي عن الإمام عليهالسلام مشتملا على أجزاء كان إخبار الرّاوي في ظرف التّحليل راجعا إلى أخبار متعدّدة
كما في البيّنات. كيف؟ وقد يحكم بالتّفكيك في التّصديق بما هو أشكل من ذلك.
ألا ترى أنّه لو
كان الخبر مشتملا على مسألة لغويّة ، أو أصوليّة كلاميّة اعتقاديّة يحكم بتصديقه
فيما يتفرّع على المخبر به من المسألة الفرعيّة ولا يصدّق في نفس المخبر به؟ وهكذا
في الإقرار بأمر واحد متعلّق بالنّفس والغير من وجهين وهكذا.
والحاصل
: أنّ التّفكيك بحسب
الحكم الظّاهري بين المتلازمين ، بل الجمع بين النّقيضين بحسبه ممّا لا غبار عليه
أصلا كما وقع كثيرا في الشّرعيّات كيف؟ وقد عرفت : وقوعه في الشّرعيّات في أخبار
الأحكام أيضا عند شيخنا قدسسره ، بل المشهور في العامّين من وجه وشبههما بعد البناء على
ترجيح الطّرح على الجمع ،
بل قد عرفت :
إمكان الجمع في أخبار الأحكام بهذا المعنى أيضا وإن كان المتعارضان نصّين بحسب
الدّلالة ، إلاّ أنّ الحقّ فيها لمّا كان للشّارع فلا يفرّق بحسب الاعتبار بينه
وبين الطّرح ، وهذا بخلاف الأخبار في الموضوعات والبيّنات ؛ فإنّ الحقّ فيها مردّد
بين شخصين فكان إيصال الحقّ إلى صاحبه في الجملة أولى من حرمانه الرّأسي ، فيكون
الجمع بحسب الاعتبار أولى من الطّرح فيها. ومن هنا يمكن التّفكيك في القاعدة بين
المقام والبيّنات إذا لوحظ الجمع بهذا المعنى ، إلاّ أنّه لمّا لم يكن دليل عليه
بهذا المعنى بقول مطلق فيتبع المورد الخاصّة ولم يحكم بكونه على طبق القاعدة
والأصل.
ومن
هنا قلنا : بأنّ مقتضى
القاعدة عند فقد الموازين الخاصّة القرعة بعد الحكم بتساقط البيّنتين المتعارضتين
بناء على عدم التّرجيح في البيّنات إلاّ بالمرجّحات الخاصّة المنصوصة كأعدليّة
الشّهود وأكثريّتها كما هو المختار والمشهور ، أو عدم صلاحيّة القرعة للتّرجيح بها
من حيث بنائها على التّعبّد فيكون مرجعا لا مرجّحا.
نعم
، فيما أعرضوا
عنها ولم يحكموا بها لا نضايق من القول به ، كما أنّه لمّا لم يكن دليل على الجمع
بالمعنى المعروف في أدلّة الأحكام عندنا بقول مطلق دار الحكم به مدار الشّاهد عليه
من الدّاخل أو الخارج. وبما حرّرنا كلّه يظهر لك التّوفيق بين كلمات شيخنا الأستاذ
العلاّمة ( دام ظلّه ) في تحرير المقام وعدم التّدافع بينها كما توهّم.
نعم
، قوله : ( وهذا
النّحو غير ممكن في الأخبار ... إلى آخره ) قد يناقش فيه :
بأنّ الجمع الّذي بني عليه في البيّنات على تقدير القول به هو التّصديق البنائي
الظّاهري ، وإلاّ فقد يعلم بكذب إحدى البيّنتين وصدق الأخرى فيعلم بخطأ التّبعيض
كما هو الغالب ، فالمثبت في البيّنات هو الّذي استدركه بقوله : ( نعم ، قد يتصوّر
التّبعيض في ترتيب الآثار ... إلى آخره ) وإليه يرجع
الطّرح في العامّين من وجه.
فصدور القول الخاص
من الإمام عليهالسلام وعدمه وإن كانا غير ممكنين بحسب الواقع ؛ لامتناع اجتماع
النّقيضين ، إلاّ أنّهما ممكنان بحسب الظّاهر ، كما أنّه يمكن التّفكيك في
الزّوجيّة والنّسب بهذا المعنى أيضا.
نعم ، شركة المتداعيين في العين الواحدة ممكنة بحسب الواقع ،
بخلاف صدور القول الواحد وعدمه وعليه بنى كلامه ( دام ظلّه العالي ) في الفرق. والإنصاف
: أنّ ما أفاده في تحرير المقام لا يخلو عن تشويش وإن أمكن الجمع بين كلماته.
__________________
أحكام التعارض
* المقام الأوّل : في المتعادلين
* مقتضى الأصل الاوّلي في المتعادلين
* مقتضى الدليل الوارد
* تنبيهات تعادل الخبرين
* لابدّيّة الفحص عن المرجّحات في المتعارضين
* المقام الأوّل في المتكافئين
(٥)
قوله ( دام ظلّه ) : ( المقام الأوّل : في المتكافئين والكلام فيه : أوّلا ... إلى
آخره ). ( ج ٤ / ٣٣ )
أقول
: الكلام في
التّعادل وإن وقع في كلماتهم في مواضع : في مفهومه ، وإمكانه ، ووقوعه ، وحكمه ،
بل أطال القول غير واحد في مفهومه وإمكانه وحكي عن غير واحد منعه ، إلاّ أنّ وضوح
الأمر فيها يغني عن التّكلّم في غير حكمه ؛ لأنّ مفهومه بحسب اللّغة والعرف العام
سواء أخذ من « العدل » ـ بالكسر ـ أو منه ـ بالفتح ـ معروف ، وبحسب العرف الخاصّ
إن بني على النّقل معلوم وإن اختلفت عباراتهم في بيانه ، إلاّ أنّه لا اختلاف فيه
بحسب المعنى ؛ لأنّه تكافؤ الأمارتين المتعارضتين في النّظر بحسب ما يوجب ترجيح
إحداهما في حكم الشّارع فلا معنى لأخذ النّسبة والثّمرة بين التّعاريف.
مع أنّه يمكن
القول بعدم النّقل من حيث كونه مأخوذا من ـ « العدل » ـ بالكسر بمعنى الشّوق
والميل ، أو من ـ « العدل » ـ بالفتح ـ من التّساوي.
وإمكانه بحسب كلّ
من الواقع والنّظر لا محذور فيه أصلا ، مع أنّ التّعرض لحكمه في أخبار الباب يغني
عن التكلّم في الإمكان بل الوقوع فلا بدّ من صرف العنان إلى التّكلّم في حكمه.
والكلام
فيه : قد يقع فيما
يقتضيه الأصل والقاعدة الأولويّة مع قطع النّظر عن مقتضى الدّليل الوارد ، وقد يقع
فيما يقتضيه الدّليل في المتعارضتين بقول مطلق ، أو خصوص المتعارضين من الأخبار ،
كما أنّ مقتضى الأصل لا يلاحظ بالنّسبة إلى خصوص عنوان التعادل فربّما يستفاد حكمه
من مقتضى الأصل في عنوان التّعارض ؛ نظرا إلى كونه من أفراده وانطباقه عليه.
ثمّ إنّ الكلام من الجهة الأولى :
يقع
تارة : من حيث اقتضاء
الأصل التّساقط وعدمه.
وأخرى
: في بيان ما
يقتضيه على الثّاني من الوجوه المذكورة في « الكتاب ».
المقام الأوّل :
مقتضى الأصل والقاعدة
الأوّليّة في حكم المتعادلين
فنقول
: قد يقال بل قيل :
بأنّ مقتضى الأصل التّساقط بمعنى عدم شمول دليل اعتبار الأدلّة والأمارات المعتبرة
لصورة التّعارض سواء كان مستندا إلى المانع عن الشّمول فيما كان من الأدلّة
اللّفظيّة بالتّقريب المذكور في « الكتاب » ، أو إلى عدم المقتضي له فيما كان من الأدلّة اللّبيّة
كالإجماع بقسميه من القولي والعملي ، وإن زيّفه في « الكتاب » بما يرجع حاصله : إلى إثبات اتّحاد مفاد الدّليلين في
المقام ، وإلاّ لم يكن معنى للتعارض ؛ فإنّا لا نعني به إلاّ تنافي الدّليلين مع
بقائهما على هذا العنوان في مورد التّعارض بحيث لا يكون المانع عن العمل بهما ،
إلاّ تعارضهما فتأمّل.
والمختار عند
شيخنا الأستاذ العلاّمة ( دام ظلّه ) فساد ما زعموه سواء على القول بالسّببيّة في
حجيّة الأمارات ، أو الطّريقيّة فقد أطال الكلام في تقريب المرام على كلّ من
القولين والوجهين لخفاء المطلب ودقّته.
وحاصل
ما أفاده على الوجه الأوّل : أنّ المستعمل فيه والمراد أمر وحداني لا يختلف حاله بحسب التّعارض وعدمه ؛
فإنّ المراد من دليل الحجيّة ووجوب العمل هو الوجوب التّعييني مطلقا ، إلاّ أنّ
التّكليف بجميع أقسامه لمّا كان في حكم العقل مشروطا بالقدرة من غير فرق بين الحكم
الأصولي والفرعي ، وكان المكلّف قادرا على العمل بكلّ من المتعارضين مع عدم العلم
بالآخر بحكم الوجدان ، كما أنّه غير قادر على العمل به مع العمل بالآخر كان الحاصل
: وجوب العمل بكلّ واحد مع ترك العمل بالآخر فالنّتيجة التّخيير ، لكن لا من جهة
استعمال اللّفظ فيه حتّى يتوجّه عليه : محذور استعمال اللّفظ في معنيين ، ولا من
جهة إنشاء العقل حتّى يكون عقليّا كما في دوران الأمر بين الوجوب والتّحريم ؛
ضرورة امتناع اجتماع وجوبي التّخييري والتّعييني وإن كان أحدهما عقليّا والآخر
شرعيّا ، مضافا إلى كونه خلاف الواقع والوجدان.
ومن
هنا قلنا في محلّه : بأنّ ما اشتهر من حكم العقل بالوجوب التّخييري بين الأفراد فيما تعلّق الأمر
بإيجاد الطّبيعة ، أو بين أجزاء الزّمان في الواجبات الموسّعة ليس على ما يتراءى
من ظاهره ؛ ضرورة أنّ ما يوجد في الخارج من الحصّة يتّصف بالوجوب التّعييني لا محالة
؛ لأنّه عين الطّبيعة المطلوبة بالوجوب التّعييني ، فكيف يتّصف بالوجوب التّخييري؟
فالمراد من التّخيير العقلي هو مجرّد تسوية الأفراد في وجدان العقل في انطباق
الطّبيعة عليها.
ومن
هنا يظهر : فساد توهّم
التّخيير الإنشائي في الواجب الموسّع بالنّسبة إلى أجزاء الزّمان أيضا ، فالتّخيير
في المقام يشبه التّعيين في الواجب التّخييري إذا تعذّر بعض أفراده ؛ فإن نتيجة
الوجوب التّخييري المتعلّق بشيئين أو أشياء عند تعذّر أحد الفردين أو الأفراد هو
الوجوب التّعييني فيما تيسّر ، لا أن يحدث إنشاء آخر من الشّارع عند التّعذر والعينيّة
الحاصلة في الواجب الكفائي عند انحصار من به الكفاية في شخص ؛ فإنّه لم يحدث في
حقّه من الشّارع خطاب آخر غير الخطاب الكفائي. فالحاصل من الوجوب التّعييني
المتعلّق بطبيعة أو طبيعتين عند تزاحم الفردين منها أو منهما : هو الوجوب
التّخييري لا بإنشاء آخر من الشّارع ولا بإنشاء من العقل.
وهذا
ما ذكرنا : من أنّ نتيجة
الوجوب التّعييني المتعلّق بطبيعة واحدة عند تزاحم الفردين منها ، أو طبيعتين عند
تزاحم الفردين منهما ـ بملاحظة اشتراط جميع التّكاليف بل الأحكام بالقدرة في حكم
العقل ـ هو الوجوب التّخييري ، فكلّ ما اختاره المكلّف من المتزاحمين يتّصف في
الخارج بما يتّصف به عند عدم المزاحمة بحسب الحقيقة ؛ لأنّ الوجوب التّعييني تابع
للمصلحة الكامنة في الفعل على وجه التّعيين ، غاية ما هناك : عجز المكلّف وقصوره
عن إدراكها وهذا الوجوب التّخييري كما ترى ، لا يضادّ التّعيين بل هو عينه وإن
اختلف التّعبير فلا يلزم اجتماع الحكمين.
ثمّ إنّ هذا الذي
عرفت مطّرد في جميع موارد تزاحم الواجبات إذا كانت في مرتبة واحدة ولم يكن بعضها
أهمّ وأقوى وآكد مصلحة ، كتزاحم صلاتين إذا كانتا في مرتبة واحدة ، وإنقاذ غريقين
بالشّرط المذكور إذا لم يتمكّن المكلّف من
الجمع ولو بحسب
ضيق الوقت كما في صلاتين ، وقد يتصوّر التّزاحم في المحرّمات أيضا عند الاضطرار ،
وحكمه حكم التّزاحم في الواجبات فيجب على المكلّف تخييرا إمتثال أحد النّهيين إذا
كانا في مرتبة واحدة ، فالحكم في جميع موارد التّزاحم بعد إحراز وجود المصلحة
الفعليّة في المتزاحمين كما هو مناط التّزاحم على ما عرفت ؛ إذ لو فرض عدم تعيّن
الإتيان ببعضها مع عدم الإتيان ببعضها الآخر لزم الاشتراط بشيء آخر غير القدرة وهو
خلف.
وإلى ما ذكرنا
يرجع ما أفاده بقوله : ( فوجوب الأخذ بأحدهما نتيجة وجوب الامتثال والعمل بكلّ منهما ، بعد تقييد وجوب الامتثال بالقدرة ) .
نعم ، فيما كان أحدهما أهمّ يتعيّن الإتيان به مطلقا ولا يجوز
الإتيان بغيره كذلك لا من جهة تعلّق النّهي ، بل من جهة عدم تعلّق الطّلب فيكون
فاسدا إذا كان من العبادات ، خلافا لفقيه عصره في « كشفه » ومن تبعه ممّن قال بالتّرتّب في المقام وفي مسألة الضدّ كما أشرنا
إليه. وإلى ما فيه في الجزء الثّاني من التّعليقة .
هذا حاصل ما
استفدناه من إفاداته في « الكتاب » ومجلس المذاكرة بتوضيح منّا حسبما يساعده فهمي
القاصر على تقدير كون الأمر بالعمل بالأخبار
__________________
وغيرها من
الأمارات من باب السّببيّة والموضوعيّة.
وأمّا
حاصل ما أفاده في وجه فساد توهّم التّساقط على الطّريقيّة ـ ولو من جهة قيامها بالسّبب
الخاص المعبّر عنه بالظّن الخاصّ ـ فهو : أنّ مناط الحجيّة ووجوب العمل وإن كان
مرتفعا عن كلام المتعارضين ـ ولو كان الملحوظ في مقام الجعل هو الظّن النّوعي
والكشف الغالبي وغلبة المطابقة للواقع لا الظّن الشّخصي ؛ ضرورة ارتفاع المناط
المذكور عنهما مع العلم بعدم مطابقة أحدهما للواقع وامتناع قيامه بهما ، أو
بأحدهما المعيّن في الواقع ، أو عندنا ، أو بأحدهما المردّد ، أي : بهذا المفهوم ؛
إذ الصّالح المتوهّم من الوجوه المذكورة ليس إلاّ الثّاني بتوهّم : جعل الحجّة ما
طابق الواقع من الخبرين في نظر الشّارع وإن تردّد عندنا ، كما في موارد اشتباه
الحجّة بما ليس بحجّة كالصّحيح المردّد بين الخبرين وهو غير صالح جزما ؛ لاستحالة
تعلّق الجعل ظاهرا وواقعا بالعنوان المذكور بعد فرض امتناع جعل العلم ولزوم
صلاحيّة العنوان المأخوذ في موضوع الحكم ؛ لتعلّق الحكم به مع العلم به تفصيلا كما
عرفته في الصّحيح المردّد ـ إلاّ أنّ ارتفاعه إنّما هو بالنّسبة إلى ما تعارضا فيه
لا بالنّسبة إلى غيره فضلا عمّا تعاضدا على إثباته. فبالنّسبة إلى نفي الثّالث لا
مانع من الأخذ بهما لكونهما متعاضدين في الدّلالة عليه ، ونتيجته ـ كما ترى ـ :
الرّجوع إلى الأصل العملي المطابق لأحدهما إن كان ، ولو على القول بالتّرجيح
بالأصل الفاسد عندنا ؛ لأنّ البحث فيما يقتضيه الأصل والقاعدة مع قطع النّظر عمّا
يقتضيه الدّليل الوارد.
ومنه يظهر :
المناقشة فيما أفاده شيخنا في « الكتاب » : من التّقييد بقول : ( إن
لم نرجّح بالأصل )
وإن لم يكن هناك أصل على طبق أحدهما فيحكم بالتّخيير
والأخذ بمفادهما ، كما لو علم بعدم الثّالث فهو تخيير عقليّ بين الاحتمالين من سنخ
التّخيير في دوران الأمر بين الوجوب والتّحريم ؛ فإنّ مسألتنا أعمّ من تلك المسألة
من جهات وإن كانت تلك المسألة أعمّ من مسألتنا من جهة ، فالنّتيجة إذن التّوقف
البرزخ بين التّساقط عن رأس وبقول مطلق ، والحجيّة بالنّسبة إلى مورد التّعارض كما
هو الثّابت على السّببيّة المحضة على ما عرفت شرح القول فيه ، فالعمل بالتّساقط
ساقط على كلّ وجه وقول.
فإن
قلت : نفي الثّالث على
ما ذكرت إنّما هو من باب اللّزوم ودلالة كلّ من المتعارضين على ما ينافيه وليس
مدلولا مستقلاّ لهما يراعى مع انتفاء ما يلزمه ، ومن المعلوم ضرورة قضاء التّبعيّة
واللّزوم انتفاء اللاّزم مع انتفاء الملزوم فلا مناص من القول بالتّساقط والرّجوع
إلى الأصل مطلقا ، ولو كان هو التّخيير في المسألة الفرعيّة إذا فرض دوران الأمر
بين المحذورين.
قلت
: ما ذكر : من كون
الدّلالة على نفي الثّالث بالدّلالة التّبعيّة واللّزوم مسلّم لا شبهة فيه ، إلاّ
أنّ الدّلالة التبعيّة تابعة للدّلالة الأصليّة بحسب الوجود لا بحسب الاعتبار ،
والحكم من جهتها بثبوت المدلول. ومن هنا يحكم بالمسألة الفرعيّة ممّا دلّ على
المسألة الأصوليّة الاعتقاديّة أو اللّغويّة على القول بعدم حجيّة خبر الواحد
فيهما.
والحاصل
: أنّ التّفكيك
بحسب الاعتبار ممّا لا غبار فيه أصلا بعد فرض
__________________
وجود الدّلالتين
على ما أسمعناك مرارا في بحث حجيّة أخبار الآحاد ، كما أنّه قد ينعكس الأمر ويؤخذ
بالدّلالة الأصليّة ويطرح التّبعيّة كالخبر الحاكي عن المسألة الفرعيّة المتفرّعة
على المسألة الكلاميّة مثل : ما دلّ على نجاسة المجسّمة .
فإن
قلت : ما ذكر في المقام
من التّفكيك في الاعتبار بين الدّلالتين ينافي ما تقرّر في باب الإجماع المركّب
والتّواتر الإجمالي : من اعتبار كون نفي الثّالث ، أو إثبات القدر المشترك مقصودا
مستقلاّ للمجمعين والمخبرين وعدم كفاية لزومهما للإفتاء بالخصوصيّات والإخبار عنها
على ما تقدّم تفصيل القول فيه في الجزء الأوّل من التّعليقة.
قلت
: لا تنافي بين ما
ذكرنا في المقام وما ذكر هناك أصلا ؛ ضرورة توقّف تحقّق الإجماع والتّواتر على وجود
الفتوى والخبر ، ومجرّد اللّزوم لا يوجب تحقّقهما ، وليس ما ذكر في المقام مبنيّا
على تعدّد الخبر بالنّسبة إلى الملزوم واللاّزم ، بل على مجرّد الكشف والطّريقيّة
المطلقة بناء على ما أسمعناك في بحث حجيّة الأخبار ، بل مطلق الطّرق الظّنية : من
أنّ مقتضى دليل اعتبارها هو الأخذ بما لها من الكشف بقول مطلق وترتيب جميع ما
يترتّب من اللّوازم الشّرعيّة على تقدير العلم بثبوت مدلولها ولو بوسائط عديدة غير
شرعيّة.
ثمّ
إنّ هذا الّذي
ذكرنا فيما لم يعلم بثبوت مدلول أحد المتعارضين ، وإلاّ فلا حاجة إلى الكلفة
المذكورة في نفي الثّالث كما هو واضح.
__________________
ثمّ
إنّه لو علم حال
المتعارضين : من حيث الموضوعيّة والطّريقيّة وبني على إحداهما كان الحكم على كلّ
وجه ما بنى عليه شيخنا الأستاذ العلاّمة ( دام ظلّه ) وبيّن حكمه ، ولو جهل الحال
من جهة الوجهين لم يكن إشكال في عدم التّساقط أيضا وبني من حيث الحكم على
الطّريقيّة ؛ لأنّ نفي الثّالث مدلول لهما على كلّ تقدير ورفع اليد عن الأصل
المطابق لم يعلم جوازه للشّك في حجيّة المتعارضين بالنّسبة إلى مدلولهما من جهة
عدم العلم بالسّببيّة ، ومقتضى الأصل المقرّر في مطلق الشّك في الحجيّة الحكم
بعدمها بالمعنى الّذي عرفته غير مرّة وستعرفه أيضا ، وكذا البناء على التّخيير
العذري فيما لم يكن هناك أصل على طبق أحدهما لا يجوز رفع اليد عنه لما عرفت ؛
فإنّه قسم من الأصل أيضا.
ثمّ إنّه قدسسره بعد بيان لازم الوجهين بنى على الوجه الثّاني ؛ نظرا إلى
ظهور أدلّة حجيّة الأمارات سيّما الأخبار فيه ، وظهور ما ورد في علاج المتعارضين
من الأخبار بالمرجّحات المذكورة سيّما على القول بالتّسرية والتّعدّي من المرجّحات
المنصوصة كما هو المشهور والمختار على ما ستقف عليه ، بل يمكن دعوى نصوصيّة أخبار
العلاج في ذلك ، مضافا إلى الإجماع المدّعى على وجوب الأخذ بأقرب الدّليلين
وأقواهما ولا تعارض أخبار التّرجيح بأخبار التّخيير ؛ من حيث إنّ مقتضاها لازم
السّببيّة فيكشف عنها ؛ إذ لو كان مبنى حجيّة الأخبار على الطّريقيّة لوجب الحكم
في هذه الأخبار بالتّوقّف والرّجوع إلى الأصل عند فقد المرجّح كما هو لازم
الطّريقيّة.
أمّا
أوّلا ؛ فلأنّه على
السّببيّة لا بدّ من أن يحكم بالتّخيير من أوّل الأمر ؛ ضرورة منافات لزوم
التّرجيح بها مع السّببيّة ؛ إذ التّرجيح عليها لا يجوز إلاّ
بالأهميّة على ما
أسمعناك لا بالأقربيّة.
وأمّا
ثانيا : فلاحتمال كون
مبنى التّخيير في المقام على التّخيير العذري الّذي بنينا عليه على الطّريقيّة فلا
يكشف عن السّببيّة.
فإن
قلت : أخبار التّخيير
ظاهرة في السّببيّة من وجهين :
أحدهما
: أنّها ظاهرة في
كون المأخوذ والمستند المختار من المتعارضين فينافي الطّريقيّة والتّخيير العذري
الثّابت في الاحتمالين.
ثانيهما
: أنّ مدلولها
التّخيير على كلّ تقدير سواء كان هناك أصل على طبق أحدهما أولا ، وهو ينافي
الطّريقيّة أيضا ؛ فإنّ الثّابت على الطّريقيّة على ما عرفت : التّخيير عند عدم
أصل على طبق أحدهما لا مطلقا.
فإن
شئت قلت : إنّ العلاج
بالتّخيير ظاهر في التّخيير بين الحجّتين لا الاحتمالين فيحمل العلاج بالتّرجيح
الظّاهر في الطّريقيّة على كون الرّاجح أقوى مصلحة وآكدها في نظر الشارع فيكون
أهمّ فينطبق على الموضوعيّة والسّببيّة.
قلت
: لو أغمض عمّا
ذكرنا : من كون ما دلّ على التّرجيح نصّا في الطّريقيّة سيّما بملاحظة التّعليل
الوارد فيها لم يكن إشكال في كونه أظهر وأقوى دلالة على الطّريقيّة فلا بدّ من رفع
اليد عن ظهور ما دلّ على التّخيير حملا للظّاهر على الأظهر ، فلا بدّ من أن يلتزم
بكون هذا التّخيير العذري مقدّما في نظر الشّارع على الأصل.
وإلى ما ذكرنا
أشار قدسسره بقوله : ( ثمّ إنّ حكم الشّارع بالتّخيير في تلك
الأخبار ... إلى
آخره ) فالمراد من تعليل عدم الدّلالة المستندة إلى التّوهم
المذكور بقوله : ( لقوّة احتمال كون التّخيير ... إلى آخره ) هي قوّته بملاحظة مجموع أخبار العلاج بعد العلاج بينها بما عرفت لا بملاحظة
نفس أخبار التّخيير وإن كانت العبارة ربّما تأبى عن ذلك ؛ لأنّ التّرقي بقوله : (
بل الأخبار ... إلى آخره ) ربّما يشهد : بأنّ المراد الاستشهاد بنفس أخبار التّخيير
فتدبّر. هذا ما يستفاد ممّا أفاده شيخنا العلاّمة.
إحتمال السببيّة غير
متطرّق في باب التعارض
لكنّك
خبير بأنّ احتمال
السّببيّة وإدراج المقام في باب التّزاحم غير متطرّق في باب التّعارض حتّى يقع
البحث عن مقتضاه ويتمسّك لنفيه بظهور أدلّة حجيّة الأخبار أو أخبار التّرجيح حتّى
يعارض بظهور أخبار التّخيير ويقع من جهة العلاج بينهما في حيص وبيص.
لأنّ
السّببيّة المتوهّمة إن لوحظت بالنّسبة إلى الحكم الواقعي حتّى ينطبق على التّصويب الباطل عند الإماميّة
كما ربّما يتوهّم من بعض كلمات شيخنا العلاّمة قدسسره مثل قوله المتقدّم في مقام دفع توهّم دلالة حكم الشّارع
بالتّخيير على السّببيّة لقوّة احتمال أن يكون التّخيير حكما ظاهريّا عمليّا في
مورد التّوقّف لا حكما واقعيّا ناشئا عن تزاحم الواجبين.
__________________
فيتوجّه
عليه ـ مضافا إلى
بطلان التّصويب عندنا ـ : بأنّه كيف يتصوّر التزاحم بين الخبر الدّال على وجوب شيء
والخبر الدّالّ على حرمته مثلا مع امتناع اشتمال الشّيء الواحد على جهتي الوجوب والحرمة
واجتماع الحكمين مع تضادّهما ولو على القول بجواز اجتماع الأمر والنّهي ؛ لانتفاء
الحيثيّة التّقييديّة المجوّزة على القول بالجواز كما هو واضح. وقد عرفت : أنّ
التّخيير بين المتزاحمين راجع إلى التّعيين حقيقة. فإن شئت قلت : إنّ عدم إمكان الاجتماع في مورد التّعارض ليس مستندا إلى
قصور المكلّف ، بل مستند إلى المتعارضين فلا معنى لإلحاق المقام بالمتزاحمين.
وإن
لوحظت بالنّسبة إلى
الحكم الظّاهري ـ كما هو مقتضى قوله قدسسره : ( هذا كلّه على تقدير أن يكون العمل بالخبر من باب
السّببيّة ، بأن يكون قيام الخبر على وجوب شيء واقعا ، سببا شرعيّا لوجوبه ظاهرا
على المكلّف ... إلى آخر ما أفاده ) .
ـ
فيتوجّه عليها : أنّ مرجع السّببيّة بهذا المعنى ـ كما ترى ـ إلى القول بحجيّة الأخبار من باب
التّعبّد الشّرعي كالأصول العمليّة فيلحقها حكم الأصول ، ومن المعلوم الّذي قد سبق
القول فيه منّا ومن شيخنا العلاّمة قدسسره في أجزاء « الكتاب » وأجزاء التّعليقة مرارا : أنّه لا مقتضي للسّببيّة
بالمعنى المذكور مع العلم الإجمالي بالمخالفة للواقع لشيء من المتعارضين ، فلا
معنى للتّخيير الّذي عرفته في المتزاحمين كما أنّه لا معنى للتّخيير بين الأصلين
المتعارضين فيما يفرض
__________________
تعارضهما على ما
أسمعناك في تحقيق محلّ التّعارض.
فإن
شئت قلت : إنّ كلّ حكم ثبت
لموضوع سواء فرض واقعيّا أو ظاهريّا من لوازم الموضوع ومقتضياته في ظاهر القضيّة ،
وإنّما الكلام في تحقّق موضوع الدّليل والأصل مع العلم بالخلاف فلا فرق بين
السّببيّة والطّريقيّة من هذه الجهة.
وهذا بخلاف
التّزاحم في الواجبات الواقعيّة المستند إلى قصور المكلّف ؛ فإنّه لا يفرض هناك
تعارض بين الواجبين وعلم بمخالفة أحدهما للواقع هذا بعض الكلام فيما يتوجّه على
السّببيّة ، مضافا إلى أنّ الالتزام بثبوت الحكمين ولو ظاهرا لشيء واحد ولو من
جهتين تقييديّتين فضلا عن تعليليّتين كما في المقام موجب لاجتماع الضّدين وهو محال
، ولا ينافي ذلك ما عرفت : من جواز اجتماع النّقيضين بحسب الحكم الظّاهري فضلا عن
الضّدين ؛ لأنّ الاجتماع هناك بمعنى آخر وهو الحكم ببعض أحكام وجود الشّيء في
مرحلة الظّاهر والحكم ببعض أحكام عدمه كذلك ، وهذا هو المراد بالتّفكيك الّذي
عرفته. وأين هذا من اجتماع الحكمين المبحوث عنه في المقام؟ كيف! ولو لا ذلك خرج
الفرض عن التّعارض كما هو ظاهر.
وأمّا
ما أفاده على الطّريقيّة الّتي بنى عليها وفاقا للمشهور في عنوان حجيّة الأخبار وغيرها من الأمارات ، فيتوجّه عليه ـ بعد تسليم عدم انفكاك التّعارض عن العلم الإجمالي
بمخالفة أحدهما للواقع وتسليم قدحه في الطّريقيّة ولو بمعنى الظّن النّوعي ، وإلاّ
فقد يمنع عنه ؛ لاحتمال صدق المتعارضين وصدورهما من الشّارع غاية ما هناك ثبوت
العلم الإجمالي باختلال جهة من جهات أحد المتعارضين من الصّدور ، أو وجهه ، أو
الدّلالة ، اللهمّ إلاّ أن يقال بكفاية ذلك في
القدح أيضا ؛
فإنّه من الشّبهة المحصورة مع الابتلاء بجميع أطرافها ـ : أن حكم الشّارع بالتّرجيح
فضلا عن التّخيير ينافي ما ذكر من الطّريقيّة ؛ فإنّ لازمها سقوط المتعارضين عن
الحجيّة فلا يفرض ترجيح ولا تخيير بين الحجّتين كما هو ظاهر الأخبار ، فلا بدّ من
الالتزام بأحد شيئين على الطّريقيّة :
أحدهما
: رجوع حكم الشّارع
بالتّرجيح والتّخيير إلى حكمه الابتدائي التّأسيسي لحجيّة أحد المتعارضين تعيينا
أو تخييرا مع سقوطهما عن الحجيّة بالنّظر إلى دليل الحجيّة ؛ نظرا إلى عدم
قابليّته لشمول مورد التّعارض ، فحكم الشّارع بلزوم الأخذ بالرّاجح مثل حكمه بلزوم
الأخذ بخبر العادل فلا يحتاج إلى جعل التّخيير حكما عذريّا كالتّخيير بين
الاحتمالين حتّى يتوجّه إشكال رفع اليد عن الأصل المطابق لأحدهما على ما عرفت.
ثانيهما
: منع بطلان
الطّريقيّة النّوعيّة في مورد التّعارض وكون تعيين الأخذ بالرّاجح من جهة قوّة
مناط الحجيّة فيه بعد عدم إمكان الأخذ بهما ؛ لمكان التّعارض فيكون التّخيير إذن
على طبق القاعدة كما في المتزاحمين.
والوجه الأوّل وإن
كان خلاف ظاهر أخبار العلاج ، إلاّ أنّه لا مناص عنه بعد بطلان الوجه الثّاني ،
ويظهر الثّمرة بين الوجهين في تعارض غير الأخبار كما ستعرفه.
الفرق بين التزاحم
والتعارض
وحاصل
ما ذكرنا : أنّ باب التّزاحم
يغاير باب التّعارض ولا دخل لأحدهما بالآخر أصلا.
فإنّ
الأوّل : إنّما يتحقّق
ويفرض بعد الفراغ عن ثبوت حكمين لموضوعين ، ولو بالضّرورة من الدّين بحيث لا إشكال
في أصل ثبوتهما ، ثمّ اتفق ابتلاء المكلّف بهما وصيرورتهما واقعة له بحيث لا يقدر
على الجمع بينهما وامتثالهما بجهة من الجهات فيحكم في حقّ المكلّف بالتّعيين أو
التّخيير كلّ في مورد على ما عرفت ، وهو قد يكون في الواجبات ، وقد يكون في
المحرّمات ، وقد يكون في المختلفات ، والمثال لكلّ واحد كثير.
والثّاني
: إنّما يفرض فيما
ورد هناك دليلان مختلفي المفاد على ثبوت الحكم لموضوع واحد بحيث لا يمكن ثبوت
مقتضاهما من جهة التّنافي والتّعارض وعدم إمكان قيام مدلولهما بالموضوع من غير
مدخليّة لعجز المكلّف وقصوره ، ولأجل ذلك أبطلوا القول بالتّصويب بوقوع التّعارض
بين الأمارات والأدلّة ؛ فإنّ مبناه على عدم تصوّر التّزاحم بين المتعارضين ،
وإلاّ كان ما ذكروه في غير محلّه كما لا يخفى هذا. وقد أشرنا في مطاوي ما ذكرنا
إلى تحقيق ذلك.
فالكلام في باب
التّعارض : إنّما هو في أصل ثبوت أحد الحكمين بعد الفراغ عن عدم إمكان ثبوتهما
وشتّان بينهما فكيف يمكن اندراج أحدهما في الآخر واقتباس حكمه منه والحال هذه؟ ولا
يختلف الحكم المذكور كما هو ظاهر من
جهة الأقوال في
وجه حجيّة الأخبار ، بل يجري على القول بالتّصويب أيضا.
ومن
هنا ذكرنا في مسألة اجتماع
الأمر والنّهي ـ في قبال من أدرج المسألة في باب التّعارض مع قوله بجواز الاجتماع
كالمحقّق القمّي قدسسره قائلا : بأنّه على تقدير تسليم المنع لا نسلّم تعيين
التّصرّف في ظهور الأمر لم لا يتصرّف في ظهور النّهي ـ : بأنّ المسألة لا تعلّق
لها بمسألة التّعارض ؛ إذ لا شكّ في حرمة الغصب ووجوب الصّلاة وعلى تقدير التّسليم
يتعيّن التّصرّف في الأمر ؛ فإنّ الوجوب التّخييري لا يقاوم الحرمة التّعيينيّة
الّتي هي مفاد النّهي من حيث إنّ دلالة الأمر بالإطلاق ودلالة النّهي بالعموم فهو
أظهر.
نقل كلام المحقّق الرشتي
ومناقشته
ثمّ إنّ لبعض
فضلاء معاصرينا كلاما متعلّقا بالمقام فيما أملاه في المسألة في تعارض الأصلين لا
بأس بالإشارة إليه وإلى ما فيه قال عليهمالسلام ـ بعد جملة كلام له في الفرق بين الأدلّة والأصول وأنّ
مقتضى الأصل في الأوّل التّوقّف وفي الثّاني التّساقط ـ ما هذا لفظه :
« فإن قلت : إذا ثبت التّوقف والتّخيير على الطّريقيّة والسّببيّة فهذا
يقتضي البناء على التّخيير في الأصلين
المتعارضين ؛ لأنّ
الأصل ليس طريقا إلى الواقع ومرآة له ، بل مرجعه إلى الحكم التّعبدي الثابت للشّاك من حيث كونه شاكّا فينبغي أن يكون حالها كحال الأسباب
والواجبات النّفسيّة في الحكم بالتّخيير.
قلت :
أوّلا
: لقائل أن يقول
بأنّ الأصول أيضا معتبرة من حيث كونها طرقا إلى
الواقع بناء على
علم الشّارع بمطابقة الأصل المبني عليه العمل للواقع غالبا ، كعلمه بغلبة مطابقة
الظّنون النّوعيّة للواقع فيأتي هنا ما ذكرنا هناك.
وثانيا
: أنّ العبرة في
الحكم بالتّخيير ـ بعد البناء على خروج المتعارضين عن تحت الدّليل مطلقا في
الأسباب والطّرق حسبما بيّناه ـ باستقلال العقل ، أو قيام الإجماع على وجود مقتضي
الامتثال في كلّ منهما بحيث لو تمكّن المكلّف منه لوجب ، والعقل إنّما يستقلّ بذلك
في الأسباب والأحكام الواقعيّة النّفسيّة ، وأمّا ما عداها من الأحكام الظّاهريّة
العذريّة فلا استقلال فيها بوجود المقتضي عند التّعارض ، وما قام الإجماع أيضا على
ذلك ، فإذا لم يحكم العقل بوجود المقتضي في كلّ منهما والمفروض عدم شمول الخطاب
لهما معا للتّنافي والتّعارض ، فالمرجع هو الأصل القاضي بعدم الاعتبار سواء كان
ذلك الحكم الظّاهري من الطّرق أو الأصول . انتهى كلامه رفع
مقامه.
وأنت
خبير بتطرّق المناقشة إلى ما ذكره ؛ فإنّ ما ذكره أوّلا في الجواب عن السّؤال يتوجّه عليه :
أوّلا
: بأنّه ينافي
عنوان الأصل المقابل للدّليل وخروج عن الفرض ؛ ضرورة أنّ الأصل الملحوظ في اعتباره
في نظر الشّارع غلبة مطابقته للواقع يكون من الأدلّة على ما عرفت مرارا واعترف به
الفاضل المعاصر أيضا في مواضع من كلماته ، ومن هنا ذكرنا : أنّ عدّ الاستصحاب من
الأصول إنّما هو على القول به من باب التّعبّد لا الظّن ، وإلاّ خرج عن الأصول ولو
على القول بإناطته بالظّن النّوعي.
__________________
نعم ، مجرّد إفادة الظّن من دون ملاحظة الشّارع له لا يوجب
الخروج عن عنوان الأصل على ما عرفت شرح القول فيه في الجزء الثّالث من التّعليقة
وصرّح به شيخنا العلاّمة قدسسره في مواضع من « الكتاب ».
وثانيا
: بعدم إمكان ما
ذكره بالنّسبة إلى بعض الأصول كأصالة التّخيير عند دوران الأمر بين المحذورين.
وثالثا
: بمنافاته للواقع
على تقدير الإمكان ؛ فإنّ بعض الأصول يعلم بمخالفته للواقع كثيرا كأصالة الطّهارة
في الشّبهات الموضوعيّة ، وكذا أصالة الحليّة ونحوهما ، إلاّ أن يقال : بأنّ
المفروض في كلامه خصوص الأصول الحكميّة فتأمّل. هذا بعض الكلام فيما ذكره أوّلا.
وأمّا ما ذكره
ثانيا فيتوجّه عليه :
بأنّ الفرق بين
تعارض الأصول والأدلّة وإن كان ثابتا عندنا ـ بما عرفت شرح القول فيه في أوّل
التّعليقة وأنّ مقتضى القاعدة في تعارض الأدلّة التّوقف ، وفي تعارض الأصول لو
اتّفق التّساقط ؛ نظرا إلى عدم دلالة التزاميّة معتبرة للأصل ، وأنّ باب التّعارض
لا يجامع باب التّزاحم ـ إلاّ أنّ الوجه في التّخيير في التّزاحم فيما يفرض ليس
مجرّد إحراز المصلحة لكلّ من المتزاحمين ، وحكم العقل بوجوب الامتثال إحراز
للمصلحة المقتضية للتّكليف ، مع انتفاء التّكليف بل شمول الخطاب والتّكليف لهما
على نحو شموله لصورة عدم التّزاحم بحسب الحقيقة ، وإن عبّر عن صورة التّزاحم
بالتّخيير ـ حسبما عرفت شرح القول فيه ـ كما يعبّر عن الواجب المشروط بالمطلق عند
وجود الشّرط مع عدم إمكان اختلاف الحقيقة ، وعن الواجب المخيّر بالمعيّن عند تعذّر
أحد الفردين مع عدم
اختلاف الحقيقة
على ما عرفت سابقا.
ثمّ إنّ مقتضى كلمات شيخنا العلاّمة قدسسره وإن كان ظاهرا في
ابتداء النّظر في كون التّخيير عنده في المتزاحمين في حكم العقل بوجوب الامتثال ،
إلاّ أنّ المستفاد منه بعد التّأمّل وتعميق النّظر سيّما بملاحظة كلماته الأخر ما
عرفت شرح القول فيه. هذا بعض الكلام فيما يقتضيه الأصل الأوّلي في تعارض الدّليلين
من غير فرق بين الأخبار وغيرها كعدم الفرق بين وجود مزيّة لأحد المتعارضين على
صاحبه وعدمه ، ومرجعه إلى التّساقط في الجملة والأخذ بهما كذلك.
* * *
* المقام الثاني مقتضى الدليل الوارد
وأمّا
الكلام فيما يقتضيه الدّليل الوارد وهو المقام
الثّاني ، فيقع أوّلا :
في تعادل المتعارضين من الأخبار ، ثمّ يتبعه الكلام في تعادل المتعارضين من سائر
الأمارات ، أو منها ومن غيرها.
فنقول
: المشهور فتوى
وعملا هو التّخيير بين المتعارضين بحسب الدّليل الوارد ولو فيما أمكن التّوقّف
والاحتياط ، أو كان أحدهما موافقا للاحتياط ، بل في « المعالم » : أنّه لا يعلم خلاف فيه كما صرّح به بعض وهو المشهور
بين أهل الخلاف أيضا ، فلعلّ المراد من نفي الخلاف نفيه بين المجتهدين ، فما عن
« المنية » : من نسبة القول بالتّخيير إلى الجبّائيّين خاصّة كما ترى.
وعن الأخباريّين
كما في « المفاتيح » وغيره التّوقف .
وعن الأسترآبادي :
التّفصيل بين حقّ الله فالتّخيير وحقّ النّاس فالتّوقّف ، ونسبه إلى الشّيخ في «
الوسائل » أيضا.
وعن الشّيخ ابن
أبي جمهور : التّفصيل بين ما لا بدّ فيه من العمل فالتّخيير ، وبين غيره فالتّوقف . وعن بعض التّفصيل بين المحذورين فالتّخيير ، وبين غيره
__________________
فالتّوقف. وهو
راجع كما ترى إلى القول بالتّوقف مطلقا ؛ فإنّ القائل به لا يقول به إلاّ فيما
أمكن الاحتياط ؛ فإنّه راجع إلى الاحتياط حقيقة ، اللهمّ إلاّ أن يكون المراد منه
التّوقّف في الفتوى كما قيل. وعليه : لا بدّ من أن يجعل القول بالاحتياط قولا آخر
في المسألة.
ثمّ
إنّ جريان الأقوال
المذكورة على القول بالظّن الخاصّ ممّا لا شبهة فيه ، وأمّا على القول بالظّن
المطلق فقد صرّح بجريانها على هذا القول في « القوانين » و «
الفصول » وهو كما ترى ،
في كمال الوجاهة في ظاهر النّظر على القول بحجيّة الظّن بالطّريق وإن قيل بحجّيّته
في الفروع أيضا.
نعم ، على القول بالتّخصيص بالفروع مع كون النّتيجة الظّن
الشّخصي لا يجري الأقوال المذكورة ؛ لأنّ التّخيير بين المتعارضين فرع التّعارض
وحجيّة المتعارضين وهو غير معقول على هذا القول على ما عرفت توضيحه في أوّل التّعليقة.
وقال الفاضل
المعاصر ـ بعد الحكم بابتناء الأقوال على الظّن الخاصّ ونفي الوجه لما ذكره في « القوانين » و « الفصول » من حيث ارتفاع الظّن منهما بالتّعارض ، فيتعيّن الرّجوع
إلى الأصل في المسألة ـ ما هذا لفظه :
« نعم ، بناء على مذاق صاحب « القوانين » قدسسره : من عدم وجوب الاحتياط عند العلم الإجمالي بالتّكليف
وإعمال الأصل إلى أن يلزم المخالفة القطعيّة يتّجه القول بالتّخيير ؛ لأنّ
المتعارضين يفيدان الظّن بنفي الثّالث فيجب العمل به والبناء عليه عملا بالظّن
المطلق ، ولكن الظّن لا يزيد على العلم في مقتضاه ، فكما لا يجب الاحتياط مع العلم
بل له التّخيير في اختيار أحدهما ، فكذلك مع الظّن. وهذا مع
كون كلّ منهما
مخالفا للأصل ولو كان أحدهما موافقا للأصل فالتّخيير أوضح ، فينتفي المؤاخذة على
الآخر حيث نقول بوجوب الاحتياط ، فكيف يقول قضيّة دليل الانسداد التّخيير حتّى
جعله مؤيّدا لما استدلّ به عليه من الأخبار »؟ انتهى كلامه
رفع مقامه.
وهو
كما ترى ؛ حيث إنّ نفي
الثّالث بالظّن حتّى في مخالفي الأصل لا يوجب التّخيير بين الخبرين بمعنى البناء
على حجيّة المتعارضين تخييرا فضلا عمّا وافق أحدهما الأصل الّذي جعل التّخيير فيه
أولا ؛ لأنّ عدم وجوب الاحتياط لا يقتضي التّخيير بين الخبرين بالمعنى المبحوث
عنه.
نعم ، لو كان المراد من التّخيير مجرّد البناء على مفاد أحد
الخبرين من دون استناد إليه استقام الحكم بالتّخيير في مخالفي الأصل خاصّة ، لكنّه
خلاف مفاد الأخبار والأقوال ، هذا ما يقتضيه النّظر الجليّ.
والّذي يقتضيه
النّظر الدّقيق على تقدير الاستناد في التّخيير إلى الأخبار تطرّق المناقشة إلى ما
ذكرنا : من التّعميم في الجملة على القول بالظّن المطلق ؛ لأنّ مفاد أخبار العلاج
ترجيحا وتخييرا إثبات الحكم لخصوص الأخبار من حيث كونها حجّة في نظر الشّارع ، ومن
هنا جعلت دليلا على حجيّة الأخبار من حيث الخصوص.
نعم ، على القول بعدم حجيّة أخبار العلاج من حيث الخصوص
وابتناء
__________________
حجيّتها على الظّن
المطلق استقام الحكم بالتّخيير كالتّرجيح لأجلها بناء على تعميم نتيجة دليل
الانسداد للمسألة الأصوليّة ، فيصير حال أخبار العلاج حينئذ حال المتعارضين ، بل
الاستناد إليها لا معنى له إلاّ على هذا القول كما لا يخفى.
ثمّ
إنّ العمدة في
وجوه الأقوال ومستندها ـ غير القول بالتّساقط المحكي عن غير واحد مستندا إلى ما
عرفت : من الأصل ؛ لعدم شمول دليل الحجيّة للمتعارضين ـ الأخبار الواردة في العلاج
، أو مطلقا. فنذكر أوّلا : ما يدلّ على التّخيير ثمّ نشير إلى مدرك سائر الأقوال.
مدرك التخيير من الأخبار
فنقول
: إنّ ما دلّ على
التّخيير على ضربين :
أحدهما
: ما دلّ عليه
بعنوان الإطلاق مثل ما في رواية الحسن بن الجهم عن الرّضا عليهالسلام فقلت : ( يجيئنا الرّجلان وكلاهما ثقة بحديثين منافيين فلا نعلم أيّهما الحقّ؟
فقال عليهالسلام : إذا لم تعلم فموسّع عليك بأيّهما أخذت ) .
ومثل ما عن « الكافي » في الموثق عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : ( سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في خبر
أمر كلاهما يرويه : أحدهما يأمره والآخر ينهاه ، كيف يصنع؟ قال : يرجئه حتّى يلقى
من يخبره ، فهو في سعة حتّى
__________________
يلقاه. ثمّ قال
فيه : وفي رواية : بأيّهما أخذت من باب التّسليم وسعك ) .
ومثل ما في « الإحتجاج » في مكاتبة الحميري المعروفة إلى صاحب الزّمان « عجّل الله
فرجه » بعد ذكر السّؤال عن التّكبير بعد القيام عن التّشهّد الأوّل ، واختلاف
الأصحاب في ذلك : ( الجواب في ذلك حديثان : أمّا أحدهما : فإنّه إذا انتقل من حالة
إلى أخرى فعليه التّكبير ، وأمّا الحديث الآخر : فإنّه روي إذا رفع رأسه من
السّجدة الثّانية وكبّر ثمّ جلس فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير ، والتّشهّد
الأوّل يجري هذا المجرى ، وبأيّهما أخذت من باب التّسليم كان صوابا ) .
وقد تقدّم في
الجزء الثّاني من التّعليقة ما يتوجّه عليه من الإشكال ودفعه فراجع إلى غير ذلك.
ثانيهما
: ما دلّ عليه
بعنوان التّقييد مثل ما في ذيل مرفوعة زرارة وسيمرّ عليك في
باب التّرجيح ؛ فإنّه خصّ التّخيير بما لا يكون أحدهما موافقا للاحتياط.
ومثل ما في « الإحتجاج » عن الصّادق عليهالسلام قال : ( إذا سمعت من أصحابك
__________________
الحديث وكلّهم ثقة
فموسع عليك حتى ترى القائم فرد إليه ) فإنّه خصّ
التّخيير بزمان عدم لقاء القائم ( عجّل الله فرجه ) وهو زمان غيبته كما هو الظّاهر
، أو مطلق الإمام عليهالسلام على أضعف الوجهين والاحتمالين ؛ لأنّ جميع الأئمّة عليهمالسلام قائمون بالحقّ.
ومثل ما في « العيون » عن الرّضا عليهالسلام أنّه قال عليهالسلام في حديث طويل : ( فما ورد عليكم من حديثين مختلفين
فأعرضوهما على كتاب الله فما كان في كتاب الله موجودا حلالا أو حراما فاتّبعوا ما
وافق الكتاب وما لم يكن في الكتاب فأعرضوهما على بيان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فما كان في السّنة موجودا منهيّا عنه نهي حرام ، أو مأمورا به عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أمر إلزام فاتّبعوا ما وافق نهي النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأمره وما كان في السّنة نهي إعافة وكراهة وكان الخبر
الآخر خلافه فذلك رخصة فيما عافه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وكرهه ولم يحرمه فذلك الّذي يسع الأخذ بهما جميعا ، أو
بأيّهما شئت وسعك الاختيار من باب التّسليم والإتّباع والرّد إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الحديث.
هذا ما وقفت عليه
من الأخبار الدّالّة على التّخيير ومقتضى العلاج بعد حمل الطّائفتين على صورة فقد
المرجّحات المنصوصة الخاصّة أو مطلق التّرجيح ـ على ما ستقف عليه من القولين ـ إمّا
بالتّخصيص أو التّقييد أو بحملهما على فرض الرّاوي تعادل الخبرين على الوجهين
اللّذين ستقف عليهما ، وإن كان الوجه
__________________
الثّاني ؛ نظرا
إلى ورودهما في مقام العمل هذا.
مضافا إلى
التّنصيص في بعضها بتأخّر مرتبة التّخيير عن التّرجيح وإن أمكن حمل الطّائفة
الأولى على الثّانية في باديء النّظر ، فيؤخذ بمجمع القيود فيحمل جميعها عليه ،
إلاّ أنّ المتعيّن بعد التّأمّل إبقاء المطلقات على حالها ؛ فإنّ المرفوعة مضافا
إلى ضعفها معارضة بالنّصوصيّة والتّباين لرواية الحميري ؛ لورودها مورد موافقة أحد
الخبرين للاحتياط ، فلا بدّ من حمل الأمر في المرفوعة على الاستحباب وإن كان خلاف
الظّاهر لفظا وسياقا ؛ لما عرفت : من ورود المكاتبة في مورد موافقة أحد الخبرين
للاحتياط.
ورواية « الإحتجاج » ظاهرة بعد التّأمّل فيما لا ينافي الأخبار المطلقة ؛
فإنّها ظاهرة في أنّ الحكم في زمان الفرج الأعظم على نسق آخر ؛ من حيث ارتفاع
الحكم الظّاهري المبنيّ على التّحيّر ، ومن هنا ورد : أنّه عليهالسلام يحكم بالواقع وببطون القرآن ، فحال التّخيير حال التّرجيح من حيث الاختصاص
بزمان النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة عليهمالسلام وغيبة الحجّة ( عجل الله فرجه ) وهذا المقدار من التّقييد
ممّا لا بدّ منه بالنّظر إلى الأخبار الكثيرة الواردة في هذا الباب والتّعبير
بالقائم لا يخلو عن إشارة إلى هذا المعنى.
وجعل المراد
الاحتمال الثّاني ينافيه أخبار العلاج ترجيحا وتخييرا ؛ إذ حملها على صورة عدم
التّمكّن من الوصول إلى خدمتهم ( صلوات الله عليهم ) كما ترى ، بل بعضها بل كلّها
ورد في زمان التّمكن من الوصول.
نعم
، التّحديد بعدم
وضوح الحقّ والعلم به ممّا لا بدّ منه ؛ فإنّه قيد لجميع الأحكام الظّاهريّة من
غير فرق بين مفاد الأصول والأدلّة الظّنّية وعليه يحمل ما
في « الكافي » ورواية « العيون » ممّا لم يلتزم به أحد ، فتعيّن الأخذ بالمطلقات.
ولا يقاومها ما
دلّ على التّوقّف والإرجاء والاحتياط ؛ فإنّ ما ورد منه في مطلق الشّبهة قد عرفت
حاله في الجزء الثّاني من التّعليقة ، مضافا إلى أخصيّة أخبار التّخيير ، بل
حكومتها عليه إن لم نقل بورودها عليه من حيث اختصاصه بمورد الشّبهة وعدم وجود
الدّليل الزّائل حكما أو حقيقة بأخبار التّخيير الدّالة على حجيّة أحد المتعارضين
كأخبار التّرجيح من غير فرق بينهما.
وما ورد في
المتعارضين كالمقبولة ونحوها فلا مناص من حمل الطّلب فيه على ما يحمل عليه الأخبار
العامّة ؛ فإنّه وإن كان مختصّا بصورة التّمكّن من إزالة الشّبهة وأخبار التّخيير
أعمّ منها ، إلاّ أنّ تخصيصها بصورة عدم التّمكّن واليأس عن الوصول ممّا لا
يتحمّله لورودها في حقّ المتمكّنين ، فهذا التّخصيص أشبه شيء بإخراج المورد عن
العموم فهذا الحمل وإن كان خلاف الظاهر لفظا وسياقا أيضا من حيث ورود الأمر
بالتّوقّف فيه مساق الأمر بالتّرجيح المحمول على الوجوب عند المشهور ، إلاّ أنّه
متعيّن بالملاحظة المذكورة وإليه يرجع ما عن المجلسي رحمهالله : من حمل أخبار التّوقّف على الاستحباب وأخبار التّخيير
على الجواز.
ثمّ
إنّ هنا جمعين
آخرين :
أحدهما
: ما في « الكتاب » وغيره من كتب المتأخّرين من حمل أخبار التّخيير على صورة
عدم التّمكن من إزالة الشّبهة ؛ نظرا إلى اختصاص المقبولة وغيرها بصورة التّمكن.
وقد عرفت ضعفه ، وأنّ هذا الجمع ممّا لا يتحمّله أخبار التّخيير.
ثانيهما
: ما ذكره غير واحد
أيضا : من حمل التّوقّف فيها على التّوقّف من حيث الإفتاء بالحكم الواقعي لا
التّوقّف من حيث الحكم الظّاهري والعمل بأحد
الخبرين في مقام
الحيرة والجهالة.
ويتوجّه
عليه : أنّ المقبولة
وأشباهها نصّ في ترك العمل بالخبرين من حيث عدم وجود التّرجيح لأحدهما ، فالمراد
من المقبولة ونحوها اختصاص الحجيّة والعمل بصورة وجود المرجّح هذا. مع أنّ العامل
بأحد الخبرين يفتي بمضمونه كالعامل بأحدهما من جهة التّرجيح من غير فرق بينهما ؛
إذ ليس التّخيير في المسألة الأصوليّة كالتّخيير في المسألة الفرعيّة وسائر
الأصول.
وبالجملة
: هذا الجمع أيضا
لا يساعده الأخبار ، مضافا إلى ما عرفت في الجزء الثّاني من التّعليقة : من أنّ
لازم التّوقف الاحتياط بحسب العمل فيما أمكن.
نعم
، ظاهر المقبولة
ونحوها ترك العمل بالخبرين والإرجاء إلى السؤال ، لكنّه محمول على ما عرفت من
رجحان ذلك لا لزومه.
ثمّ إنّ هنا جمعا
رابعا وهو : حمل أخبار
التّخيير على ما لا يمكن فيه الاحتياط كدوران الأمر بين المحذورين ، وما دلّ على
التّوقّف على صورة إمكان الاحتياط من حيث كونه نصّا فيها ذكره غير واحد. وهو ضعيف
؛ لورود بعض أخبار التّخيير فيما أمكن فيه الاحتياط ، كضعف حمل أخبار التّوقّف على
حقوق النّاس وأخبار التّخيير على حقوق الله كما عن الأسترآبادي في « الفوائد المدنيّة » وغيره ؛ من جهة توهّم ورود المقبولة في حقوق النّاس أو
حملها على ما لا يضطرّ إلى العمل ، وحمل أخبار التّخيير على ما يضطرّ إلى العمل
كما عن ابن
__________________
أبي جمهور ؛ لإباء الأخبار عن الجمعين ، مضافا إلى منافاة الأخير لمورد بعض أخبار
التّخيير.
فتبيّن
ممّا ذكرنا كلّه : ما ينبغي سلوكه في الجمع بين الأخبار الواردة في الباب ، وعدم صلاحيّة أخبار
التّوقّف لمعارضة أخبار التّخيير ، كما أنّه تبيّن منه :
وجوه سائر الأقوال
في المسألة ؛ فإنّها مبنيّة على وجوه الجمع بينها بما عرفت الإشارة إليها فلا حاجة
إلى ذكر كلّ واحد وردّه.
وفي « الفصول » بعد اختيار أحد الوجهين الأوّلين المزيّفين عندنا في
الجمع بين الأخبار رجّح أخبار التّخيير على تقدير التّكافؤ بالشّهرة من جهة أخبار
العلاج حيث قال :
« ولو سلّم
تكافئهما من حيث الدّلالة فلا ريب أنّ أخبار التّخيير معتضدة بالشّهرة فيتعيّن
بالتّرجيح كما نطقت به الأخبار المذكورة ، مضافا إلى قضاء قاعدة انسداد باب العلم
بذلك » . انتهى كلامه رفع مقامه.
وفيه
ما سيجيء : من الكلام في
جواز علاج تعارض أخبار العلاج بأنفسها فيما لم يرجع إلى التّرجيح من حيث الدّلالة.
مضافا إلى ما سيجيء : من كون المراد من الشّهرة في الأخبار الشّهرة من حيث
الرّواية لا الفتوى ، وأمّا التّمسك بقاعدة الانسداد في المقام فسيجيء الكلام فيه
أيضا هذا بعض الكلام فيما يقتضيه الدّليل في تعادل الخبرين.
__________________
حكم تعادل الخبرين من
الأمارات
وأمّا تعادل
غيرهما سواء كانا قطعيّين من حيث الصّدور بحيث ينحصر التّصرّف في دلالتهما وظنّيين
أو مختلفين أو كان أحدهما خبرا والآخر غيره فحاصل القول فيه : أنّ حكمه بحسب الأصل
الأوّلي حكم تعادل الخبرين.
وأمّا حكمه بحسب
الدّليل الوارد فقد اختلفت فيه كلماتهم ، فعن غير واحد موافقة شيخنا العلاّمة قدسسره في الحكم
بمخالفته له وعدم ثبوت التّخيير فيه. وعن جماعة منهم : ثاني الشّهيدين قدسسره وصاحب « الوافية
» موافقته له فحكم تعارض غير الأخبار ترجيحا وتخييرا حكم تعارض الأخبار عندهم
سيّما في تعارض إجماعي المنقول ؛ فإنّه ملحق عند القائلين بحجيّته من حيث الخصوص
بنقل الخبر في حكم التّعارض كما هو المصرّح به في كلماتهم على ما أسمعناك في
محلّه.
والحقّ ما اختاره
شيخنا : من عدم إلحاق تعادل غير الأخبار بتعادلها حتّى في تعادل إجماعي المنقول ،
بل تعادل نقل الخبر والإجماع ، فضلا عن تعادل سائر الأمارات ؛ ضرورة كون الموضوع
في الأسئلة والأجوبة فيما دلّ على التّخيير تعارض الرّوايات والأحاديث والأخبار
الحسّيّة المرويّة عنهم في بيان الأحكام ولا عموم لها لفظا لغيره جزما.
وتنقيح
المناط على وجه القطع
بدعوى : كون الموضوع حقيقة تعارض الحجّتين ولو كان من مقولة الظّواهر ، أو تعارض النّقلين
وإن لم يصدق عليهما أو على أحدهما الحديث والرّواية مع صدق مطلق النّبأ والخبر كما
في نقل الإجماع
سيّما على طريقة
الدّخول فممنوع ، وعلى وجه الظّن قياس لا نقول به.
ومنه
يظهر فساد توهّم : شمول الأخبار لتعارض نقلي الإجماع : من كون الموضوع فيها تعارض الأخبار ،
وصدق النّبأ والخبر على نقل الإجماع يقينيّ فيشمله الأخبار ؛ فإنّ مجرّد صدق الخبر
لا يجدي مع كون الموضوع الخبر الخاصّ المعهود عند الرّواة.
فقد
تبيّن ممّا ذكرنا : أنّ ما تسالم عليه القائلون بحجّيّة نقل الإجماع : من لحوق تمام أحكام الخبر
له من حيث كونه من أفراده لا وجه له.
وأشكل من ذلك كلّه
إلحاق القطعيّين من حيث الصّدور ولو كانا من الأخبار ؛ لأنّ مصبّ العلاج بالتّخيير
ومفاده هو الحكم بصدور أحد المتعارضين دون الآخر تخييرا ، وهذا المعنى كيف يتصوّر
في القطعيّين؟ فإذا حكم من جهة التّعارض بإجمال الآيتين أو السّنّتين من جهة العلم
الإجمالي بإرادة خلاف الظّاهر من أحدهما فكيف يحكم بحجيّة أحدهما مخيّرا؟
بل
التّحقيق على ما عرفت
الإشارة إليه وستعرفه : عدم شمول أخبار العلاج للقطعيّين من الأخبار فضلا عن غيرها
، وإن تصوّر التّرجيح من غير جهة الصّدور في القطعيّين في الجملة ؛ لأنّ مصبّ
أخبار العلاج في تعارض الأخبار الظّنيّة فلا يشمل غير الظّنيّة كما لا يشمل تعارض
غير الأخبار.
نعم
، لو كان هناك
دليل على التّرجيح في غيرها يحكم به كالإجماع المدّعى في كلام جماعة على وجوب
الأخذ بأقوى الدّليلين وغيره ممّا ستقف عليه.
هذا بعض الكلام في
تعادل غير الأخبار من الأدلّة والأمارات القائمة على الحكم الشّرعي بالمعنى الأعمّ
من الماهيّات الشّرعيّة.
وأمّا
تعادل الأمارات القائمة على الموضوعات ـ سواء كانت من مقولة الخبر أو غيره ـ فإن قامت على
الموضوعات اللّغوية كتعادل قولي اللّغوي فيما فرض اعتبارهما وتعارضهما ، وإلاّ
فأكثر موارد الاختلاف لا يرجع إلى التّعارض حقيقة بعد ثبوت الاشتراك في اللّغة
ووقوعه ؛ لأنّه إمّا من قبيل الإثبات والنّفي الرّاجع إلى لا ندري ، أو من قبيل
الإثباتيّين الرّاجعين إلى الاشتراك وعدم التّعارض حقيقة كالإثبات والنّفي ، فلا
يحكم بالتّخيير فيه ؛ لما عرفت : من خروجه عن مورد أخبار التّخيير. ودعوى التّنقيح
فيه أوهن وإن قيل بثبوت التّخيير فيه أيضا.
وإن قامت على الموضوعات الرّجاليّة فيما لو فرض تعارضها ، وإلاّ فيخرج عن موضوع البحث كما في
أكثر موارد الاختلاف في الجرح والتّعديل الرّاجع إلى أدري ولا أدري ، فلا يحكم
بالتّخيير فيه أيضا ؛ لما عرفت وإن كان لها تعلّق بالحكم الشّرعي : من حيث كونها
في طريقه كسابقتها. ومن هنا نفى شيخنا العلاّمة قدسسره التّخيير في المسألتين بقوله : ( ثمّ إنّ التّعادل في
الأمارات المنصوبة في غير الأحكام ... إلى آخر ما أفاده ) .
وإن قامت على الموضوعات الخارجيّة
الصّرفة كالقبلة ، والوقت
، والهلال ، ونحوها فيما تعارضت حقيقة فأولى بعدم الإلحاق ، ولم يعهد من القائلين
بإلحاق مطلق الأمارات الحكميّة بالأخبار بإلحاق الأمارات الموضوعيّة بها حتّى فيما
لو كانت من قبيل الخبر والشّهادة ، هذا كلّه في حقّ المجتهد أو الأعمّ منه ومن
العامي في الموضوعات الصّرفة من جهة اعتبار الأمارات والأصول فيها للعامي أيضا.
__________________
وأمّا تعادل
المفتيين المختلفين في المسألة فلا إشكال في انعقاد الإجماع على تخيير العامي في
الرّجوع إليهما وإن لم يدلّ عليه أخبار الباب.
وأمّا إذا تعادل
النّاقلان عن مجتهد فيما إذا رجع اختلافهما إلى التّعارض ، وإلاّ فقد لا يكون
بينهما تعارض من حيث جعل أحدهما رجوعا كاختلاف الفتوى فهل يحكم بالتّخيير أم لا؟
وجهان ، أوجههما : الثّاني ؛ لعدم الدّليل بعد كون التّخيير الرّاجع إلى حجّيّة
أحد المتعارضين على خلاف الأصل.
وقد يوجّه الأوّل : بعموم المنزلة في دليل النّيابة ؛ فإنّه كما يحكم
بالتّخيير فيما تعادل النّقل المختلف عن المنوب عنه ، كذلك يحكم به فيما تعادل
النّقلان المختلفان عن النّائب ، ذكره بعض أفاضل معاصرينا.
وفيه
ما لا يخفى من الضّعف. هذا
بعض الكلام فيما يتعلّق بحكم التّعادل ، ولو لم نقل بالتّرجيح في غير تعارض
الأخبار فيدخل مورد وجود المزيّة في التّعادل حكما بل موضوعا فيعامل معه معاملة
عدمه هذا.
وقد يستظهر من
الاستدراك الّذي ذكره شيخنا قدسسره في « الكتاب » عقيب نفي التّخيير في تعادل أقوال أهل
اللّغة فيما اجتمع شرائط الحجّيّة وأهل الرّجال ، والحكم بالتّوقّف والرّجوع إلى
الأصل بقوله : ( إلاّ أنّه إن جعلنا الأصل من المرجّحات ... إلى آخره ) التّفكيك بين حكم صورتي وجود المزيّة وعدمه وسنوقفك على ما هو الحقّ والصّواب
في باب التّرجيح ، وإن كان مقتضى الأصل فيما لم يقم هناك دليل على التّرجيح إجراء
حكم التّعادل فافهم.
__________________
* تنبيهات تعادل الخبرين
وينبغي التّنبيه
على أمور :
الأوّل : أنّه قال
العلاّمة قدسسره في محكي « التّهذيب » وغيره في غيره ـ بل نسب إلى الأكثر بل إلى المشهور ـ :
إذا اتّفق تعادل الخبرين للمجتهد يفتي بما اختاره ولا يفتي بالتّخيير للعامي ،
وكذا إذا اتّفق التّعادل للقاضي في الشّبهة الحكميّة ، أو في طريق فصل الخصومة
الرّاجع إلى الحكم الشّرعي حقيقة يقتضي بما اختاره ولا يجوز له تخيير المتخاصمين
هذا ما حكي عنه وعن غيره.
أمّا ما أفاده
بالنّسبة إلى القاضي فممّا لا إشكال ، بل لا خلاف فيه ، بل لا يعقل الخلاف ؛ لأنّ
تخيير المتخاصمين نقض لغرض تشريع القضاء وفصل الخصومة بين النّاس ؛ لأنّ كلاّ من
المتداعيين يختار ما ينفعه ويطابق دعواه فإذا وقع النّزاع في منجّزات المريض ، أو
الحبوة ، أو مقدارها مثلا ، وتعادلت الأخبار الواردة في هذه في نظر المجتهد المرجع
للمتداعيين وفوّض حكمه باختيارهما ، فكلّ يختار ما يطابق دعواه فيبقى الخصومة
بحالها ، وهو من هذه الجهة نظير تخيير المجتهد في عمل نفسه ؛ فإنّه بعد مشروعيّة
التّخيير والفراغ عن ثبوته في الشّرع كان ثبوته في حقّه متيقّنا من دليل الثّبوت
فلا يعقل الإنكار ؛ لكون عدمه خلفا حقيقة.
ومن هنا قد يناقش فيما أفاده شيخنا العلاّمة في تحرير حكم المسألة وبيانه
بقوله : ( ثمّ إنّ المحكي عن جماعة ـ بل قيل : إنّه ممّا لا خلاف فيه ـ : أنّ
التّعادل إن
وقع للمجتهد كان
مخيّرا في عمل نفسه ) فإنّه يوهم كون الحكم نظريّا قابلا للخلاف.
وأمّا ما أفاده
بالنّسبة إلى المجتهد في مقام الإفتاء فيوجّه بما في « الكتاب » وغيره : بأنّ التّخيير
بين الخبرين تخيير في المسألة الأصوليّة وفي طريق الاستنباط فهو يغاير التّخيير في
المسألة الفرعيّة كالتّخيير الواقعي بين القصر والتّمام في المواطن الأربعة
والظّاهري كدوران الأمر بين الوجوب والتّحريم ، أو خصال الكفارة إذا اقتضى الجمع
بين الأخبار : التّخيير بين الكفّارات ظاهرا ، وهكذا حيث يفتي بالتّخيير في هذه.
والفرق
: أنّ الخطاب في
المسألة الأصوليّة متوجّه بالمستنبط والمجتهد كخطاب الحدود المتوجّه إلى الحكّام ،
وخطاب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر المتوجّه إلى النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والإمام عليهالسلام في زعم بعض فلا تعلّق لهذا الحكم المستنبط من أخبار العلاج
بالعامي ، وهذا بخلاف الحكم الفرعي ؛ فإنّ موضوعه فعل المكلّف الأعمّ من المجتهد
والعامي فالخطاب مشترك بينهما.
فإن
شئت قلت : إنّ الخطاب
بالتّخيير كالخطاب بالتّرجيح ، فكما أنّ الثّاني مختصّ بمن يعالج تعارض الأخبار
ولا يشمل غيره ، كذلك الأوّل مختصّ به ؛ لأنّه نوع من العلاج أيضا. ومن هنا يحكم
بتقديم نظر المجتهد فيما لو خالفه العامي في التّرجيح فزعم مرجوحيّة ما زعم
المجتهد رجحانه كأفضليّة من زعمه المفتي مفضولا من حيث صفات الرّاوي ولو كان
المقلّد من أهل الخبرة بالرّجال وهكذا
__________________
وليس هذا إلاّ من
جهة ما ذكر : من اختصاص الخطاب بالتّرجيح بالمجتهد.
لا
يقال : إنّ الخطاب
الأصولي كالفرعي متعلّق بنوع المكلّفين من غير فرق بين المجتهد والعامي. ومن هنا
يرجع العوام في إعصار النّبي المختار صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة الأطهار عليهمالسلام إلى الأخبار المرويّة عنهم عليهمالسلام ويعملون بها ويعالجون متعارضاتها بما ورد عنهم عليهمالسلام ، كما يعمل بها المجتهدون ويعالجون متعارضاتها بما ورد في باب العلاج.
ودعوى
: اختصاص ما دلّ
على العمل بأخبار الآحاد وما ورد في علاج ما تعارض منها بالمجتهد ، مصادمة للضّرورة ، بل المخاطب في كثير منها العوام بحيث لا مجال لإنكاره.
نعم ، كان لهم طريق آخر أيضا وهو التّقليد كما هو الحقّ ودلّ
عليه الأخبار ، وذلك لا ينفي جواز العمل لهم بالرّواية.
بل
قد يقال : بثبوت الطّريقين
للمجتهد أيضا ؛ فإنّ عمله بالأخبار الواضحة السّليمة ليس من حيث الاستناد إلى رأيه
ونظره العلمي وملكته الرّاسخة ، بل من حيث الاستناد إلى حسّه المشترك مع العامي في
ذلك ، فالخطاب بالعمل بالطّرق عام للعالم والعامي لا فرق بينهما من هذه الجهة
أصلا.
غاية
ما هناك : أنّ العامي لا
يقدر في زماننا هذا وأشباهه على تشخيص مدلول الخبر ، وإحراز شرائط العمل به ، ودفع
معارضاته من جهة عروض السّوانح ، واختفاء وليّ الأمر ، وطول غيبته ، وكثرة الأفكار
، واختلاف الأنظار ، وتشتّت الآراء وغير ذلك ، والمجتهد يقدر على ذلك كلّه ، فكأنّ
المجتهد نائب عن العامي في ذلك ، وإلاّ فأصل العمل بمضمون الخبر مشترك بين المجتهد
والعامي ، فهذا
الاختصاص والتّعين
عرضيّ لا يمنع من الحكم بعموم أصل الحكم بحسب الورود في الشّرع ، وهو من هذه الجهة
نظير استنباط الحكم الفرعي من الأدلّة ؛ فإنّه مختصّ بالمجتهد وإن كان الحكم
المستنبط يعمّ المجتهد والعامي.
لأنّا
نقول : ما ذكر أخيرا :
من عدم كون الاختصاص ذاتيّا بل عرضيّا من جهة طروّ العجز للعامي ، وأنّ عوام زمان
الحضور يعملون بالأخبار كما يعملون بالفتاوى أمر مسلّم ، ويكفي فارقا بين
المسألتين هذا الاختصاص العرضي ، وأمّا تنظير المقام بالحكم الفرعي المستنبط فهو
فاسد جدّا ، فإنّه إذا عرض على العامي الحكم الأصولي المستنبط من الأدلّة كوجوب
العمل بخبر العادل مثلا ، أو لزوم تقديم الرّاجح من المتعارضين ، أو التّخيير بين
المتعادلين لا يقدر على العمل به وهذا بخلاف الحكم الفرعي المستنبط من الأدلة
كالتّخيير بين الحمد والتّسبيحات في الأخيرتين مثلا ، أو كفاية تسبيحة واحدة في
الرّكوع والسّجود ، أو البناء على الأكثر في الشّك في الرّباعيّة وفعل الاحتياط
بعد الصّلاة على التّفصيل المذكور في محلّه ؛ فإنّ العمل به مشترك بين العالم
والعامي.
نعم
، بعد تشخيص معنى
الخبر الخاصّ وترجمته للعامي ودفع معارضاته بعد الفحص يجوز للمجتهد أن يأمر العامي
بالعمل به ، إلاّ أنّه في الحقيقة راجع إلى التّقليد في الفروع ؛ لأنّ الحكم
الأصولي هو الحكم الكلّي المتعلّق بخبر العادل كلّية مثلا.
والحاصل
: أنّه لا بدّ من
أن يلاحظ الحكم الشّرعي الكلّي المستنبط من الدّليل ؛ فإن انتفع به العامي فهو
فرعيّ ، وإلاّ فأصوليّ مختصّ بالمجتهد بالعرض هذا حاصل ما يقال في توجيه ما ذهب
إليه المشهور مع توضيح منّا.
وربّما يقال بلزوم
الإفتاء بالتّخيير من حيث انسداد باب الطّريق إلى الحكم الواقعي في مورد تعارض
الخبرين مع تعادلهما كما هو المفروض ، والحكم الظّاهري المستنبط من الأدلّة في
الفرض ليس إلاّ التّخيير فتعيّن الإفتاء به ، واختيار المجتهد إنما هو من جهة
الدّواعي النّفسانيّة لا الشّرعيّة ، وإلاّ خرج الفرض عن التّعادل ولا يجوز للعامي
متابعة المجتهد فيما ينبعث عن دواعيه النّفسانيّة.
فإن
شئت قلت : إنّ الإفتاء
بالحكم المعيّن مع عدم تعيّنه بالفرض إفتاء بغير حكم الله فلا يجوز للمجتهد حتّى
يقلّده العامي. ومنه يظهر : فساد قياس المقام باختلاف العامي مع المجتهد في باب
التّرجيح ؛ حيث إنّ نظر العامي ملغى في نظر الشّارع ، فكيف يمكن الاعتماد عليه
فيما خالف نظر المجتهد؟
نعم ، لو فرض قطع العامي بخطأ المجتهد فيما استند إليه لا يجوز
له تقليده في هذه المسألة ، كما لا يجوز له تقليده فيما لو علم بخطأه بالنّسبة إلى
الواقع وإن كان مصيبا في طريق الاستنباط ، وإن كان بينهما فرق وضوحا وخفاء.
ومن هنا قد يقال
بجواز تقليد من يعلم بخطأه في مقدّمات الاجتهاد مع احتمال إصابته بالنّسبة إلى
الواقع ، وإن كان الحقّ ما عرفت : من عدم الفرق فيما تحقّق الاستناد إلى ما يعلم
خلافه ، وإلاّ فمجرّد ذكره في خلال وجوه المسألة في كلامه لا يجدي في ذلك.
وبالجملة
: فرق بين ظنّ
العامي على خلاف ظنّ المجتهد بالنّسبة إلى الحكم أو طريقه وبين قطعه على خلافه
بالنّسبة إلى أحدهما ؛ فإنّ الأوّل ملغى في نظر الشّارع ، والثّاني يمنع من تقليد
هذا المجتهد المخطيء في نظره فافهم.
وقد
عرفت : أنّ التّخيير بين
المتعادلين من الأخبار المتعارضة الّذي هو حكم أصولي لا يجدي العامي أصلا ،
والطّريق إلى الحكم العرفي ما يختاره المجتهد من المتعادلين ، فكما أنّ مفاده حكم
الله في حقّه كذلك يكون حكم الله في حقّ مقلّديه سيّما على القول بكون الاختيار معيّنا
لا يجوز معه العدول إلى غير ما اختاره.
ومنه يظهر فساد قياس المقام بالتّخيير الواقعي بين الفعلين كالقصر
والتّمام والعتق والصّوم والإطعام ؛ فإنّه الحكم الفرعي المستنبط من الأدلّة في
حقّه وحقّ مقلّديه فلا يجوز له الإفتاء بغيره ، ومن هنا لا يتعيّن أحد الفردين
باختياره.
التخيير هنا بدويّ أو
إستمراري
الثّاني
: أنّ التّخيير في
المقام هل هو ابتدائي فلا يجوز العدول عمّا اختاره إلى الخبر الآخر في الواقعة
الأخرى ، أو استمراري فيجوز له العدول؟ وجهان ، بل قولان. نسب الثّاني إلى
المحقّقين بل إلى المشهور ، وفي « المفاتيح » : التّفصيل بين التّخيير في مقام الحاجة فبدويّ ، وإلاّ
فاستمراريّ . وفي « التّهذيب » عنوان المسألة في القاضي ؛ فإنّه قال : لو اختار القاضي
أحد الخبرين في واقعة جاز له العدول إلى الآخر في واقعة أخرى. واستدلّ له في محكي
« النّهاية » : بأنّه ليس في العقل ما يدلّ على خلاف ذلك ولا يستبعد وقوعه ـ كما
لو تغيّر اجتهاده ـ إلاّ أن يدل دليل شرعيّ على عدم جوازه ، كما روي أنّ النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال لأبي بكر :
__________________
( لا تقض في
الشّيء الواحد بحكمين مختلفين ) .
ولعلّ مراده قدسسره ، من هذا
الاستدلال بعدم المانع من حكم العقل بعد إحراز المقتضي في حكم الشّارع ولو
باستصحاب التّخيير ، أو حجيّة الخبر الآخر الرّاجع إلى الاستصحاب الأوّل حقيقة ،
وإلاّ فمجرّد الإمكان وعدم المانع في حكم العقل وعدم استبعاد الوقوع بالنّظر إلى
نوع العدول وإن لم يكن من سنخ المقام لا يجدي شيئا ، مع كون مقتضى الأصل الثّابت
بالأدلّة الأربعة عند الشّك في الحجيّة الحكم بعدمها ـ حسبما عرفت في مطاوي أجزاء
التّعليقة سيّما الجزء الأوّل وستعرفه ـ من غير فرق بين الشّك في الحجيّة الشأنيّة
أو الفعليّة كما في المقام.
ثمّ إنّ مقتضى
الأصل الأوّلي في المسألة على ما عرفت الإشارة إليه هو التّخيير الابتدائي ، إنّما
الكلام فيما يكون واردا عليه من الأصول أو الأدلّة ، فنقول :
قد
يقال ـ بل قيل بل هو
المعروف ـ : أنّ مقتضى الأصل الثّانوي الوارد على الأصل المذكور في وجه أو الحاكم
عليه في وجه آخر ـ عرفتهما عند الكلام في تأسيس الأصل فيما لم يعلم حجيّته في
الجزء الأوّل من « الكتاب » والتّعليقة ـ : هو التّخيير الاستمراري ؛ نظرا إلى
استصحاب التّخيير الثّابت في أوّل الأمر أو استصحاب حجيّة المطروح فإنه كان حجّة
كمعارضة قبل الأخذ قطعا ، كما هو مقتضى التّخيير بينهما والأصل بقاؤها وإن كان
الشّك فيها مسبّبا عن الشّك في بقاء التّخيير بل راجعا إليه باعتبار فتأمّل.
__________________
ولا يعارضه
استصحاب الحكم المدلول المختار ؛ فإنّ الشّك في صيرورته حكما للمكلّف بقول مطلق
وعلى كلّ تقدير مسبّب عن الشّك في جواز العدول وبقاء التّخيير ، فلا يعارض الأصل
المقتضي لبقائه.
فإن
شئت قلت : إنّ المستصحب إن
كان تعيين المأخوذ بالأخذ فالشّك في حدوثه لا بقائه ، وإن كان الحكم الفرعي
الظّاهري المترتّب على الأخذ فالشّك في بقائه مسبّب عن الشّك في بقاء التّخيير
واستصحابه حاكم على استصحابه.
نعم ، ربّما يناقش في الأصلين برجوع الشّك فيهما إلى الشّك في
المقتضي ، أو بأنّ الموضوع غير معلوم البقاء فيهما فالمرجع هو الأصل الأوّلي. ومن
هنا قال في « الكتاب » : ( واستصحاب التّخيير غير جار ؛ لأنّ الثّابت سابقا ثبوت
الاختيار لمن لم يختر ... إلى آخر ما أفاده ) .
اللهمّ إلاّ أن
نقول : بكفاية المسامحة في إحراز موضوع المستصحب ومعروضه. وقد تقدّم الكلام وشرح
القول فيه في الجزء الثّالث من التّعليقة فراجع إليه هذا حاصل ما قيل في بيان
الأصل الثّانوي.
وأمّا الكلام في
الدّليل المقتضي لأحدهما فملخّصه :
أنّه قد استدلّ
للاستمرار بإطلاق ما دلّ على التّخيير ؛ فإنّه يشمل بعد الأخذ ، وناقشه شيخنا
الأستاذ العلاّمة في « الكتاب » : بكونها مسوقة لبيان وظيفة المتحيّر في ابتداء الأمر
فلا إطلاق لها بالنّسبة إلى الأخذ ، وبعبارة أخرى : المسؤول عنه في الأخبار : حكم
من اتّفق له التّعادل وأنّ وظيفته ما هي؟ فالجواب : بأنّه مخيّر في
__________________
الأخذ بأيّهما شاء
لا تعلّق له بصورة بعد الأخذ ؛ فإنّه موضوع آخر لا تعلّق له بالموضوع المسئول عنه
كما هو ظاهر.
وهذه
المناقشة كما ترى ، في كمال الجودة والاستقامة ، والمناقشة فيها ـ بأنّ المناط والموضوع
للتّخيير هو الجهل ، والتّحيّر هو باق بعد الأخذ ؛ لأنّ الأخذ لا يوجب رفع موضوعة
ـ ناشئة عن الجهل بمراده ( دام ظلّه ) ؛ لأنّ جهل الرّاوي الموجب للسّؤال هو عدم
علمه بحكمه الظّاهري عند التّعادل ، وأنّه التّخيير أو شيء آخر ، فإذا تبيّن له
الحكم ارتفع جهله وعلم بالحكم الظّاهري لهذا الموضوع. وأمّا أنّه بعد الأخذ
بأحدهما ما ذا يكون حكمه من حيث وجوب البقاء أو جواز العدول؟ فهو حكم آخر لموضوع
مسكوت عنه.
نعم ، ما أفاده في « الكتاب » بعد الإشكال في جواز بقاء التّخيير في مورد كلام
العلاّمة قدسسره من جهة عدم الدّليل ، وكون الأصل عدم الحجّيّة ، ونفي دلالة أخبار التّخيير
بقوله : ( وأمّا العقل الحاكم ... إلى آخره ) كأنّه خروج عن
الفرض ؛ لأنّ الكلام بعد البناء على ثبوت التّخيير.
نعم
، ما أفاده في
الفرق بين التّخيير العقلي في باب التّزاحم والتّخيير الظّاهري الشّرعي بناء على
الطّريقيّة في كمال الاستقامة ؛ نظرا إلى عدم طروّ الشّك في حكم العقل وعدم الفرق
في حكمه بين الحالتين ، وإن أمر بالتّأمّل فيه ؛ نظرا
__________________
__________________
__________________
إلى احتمال تعيين
المأخوذ في حكم الشّارع كما في التّخيير الشّرعي ، فيوجب توقّف العقل عن حكمه
فيرجع إلى أصالة عدم الحجّيّة على القول بالتّخيير العقلي أيضا ، وإن كان قدحه في
حكمه محلّ تأمّل إن لم يكن محلّ منع هذا.
واستدلّ
للابتداء : بكون الاستمرار
موجبا للمخالفة القطعيّة ولو في واقعتين وهي قبيحة عقلا.
ونوقش
: بأنّ المخالفة
القطعيّة في واقعتين لا قبح فيها عقلا. والتّحقيق : التّفصيل في ذلك بما أسمعناك
مرارا : من عدم قبحها فيما إذا التزم في كلّ واقعة بحكم ظاهريّ من الشّارع كما في
المقام ، فكأن ما تقدّم عن « النّهاية » : « من أنّه ليس في العقل ما يدلّ على
خلاف ذلك ولا يستبعد وقوعه ... إلى آخره ) إشارة إلى ردّ
هذا الدّليل.
والتّمسّك بالوقوع
على هذا فيما فرضه وإن كان خارجا عن حريم البحث
__________________
في كمال الجودة
كما لا يخفى ؛ حيث إنّ الدّليل العقلي لا يقبل التّخصيص ، وإليه يرجع ما في « المفاتيح » : من الاستدلال بكون العدول موجبا لترك الواجب لا إلى بدل
، وهذا بخلاف التّخيير الواقعي في موارده ؛ فإنّ جواز العدول فيه لا يلزمه المحذور
المذكور ، والجواب عنه ظاهر ؛ لمنع الملازمة فهذا الوجه ضعيف كضعف التّوجيه : بأنّ
جواز العدول يوجب لغويّة التّخيير ؛ ضرورة منع إيجاب العدول لذلك ؛ فإنّه لازم
التّعيين لا التّخيير كما لا يخفى.
ثمّ إنّ الفرق بين
مواضع التّخيير في الحكم المذكور بما حكاه شيخنا العلاّمة قدسسره عن بعض معاصريه
لا وجه له أصلا.
نعم ، لو قيل
بالفرق بين التّخيير في المقام ، ومسألة العدول على تقدير تسليم الإطلاق لأخبار
التّخيير كان صحيحا ؛ لما عرفت : من انحصار دليل التّخيير في باب الفتوى بالإجماع
، وأمّا التّفصيل الّذي ذكره في « المفاتيح » فمبنيّ على أنّ مجرّد البناء على الأخذ بأحد الخبرين ليس
ملزما وهو خروج عن الفرض حقيقة كما ستقف عليه عن قريب إن شاء الله تعالى.
الثّالث
: أنّه ذكر في « المفاتيح » : « هل معنى التّخيير الأخذ بأحد الخبرين والعمل بجميع
مقتضياته ولوازمه ـ كما لو لم يعارضه خبر آخر ـ أو التّخيير في الحكم المستفاد
منهما؟ والثّمرة تظهر فيما لو كان لأحدهما دلالة التزاميّة خاصّة بمحلّ التّعارض »
. انتهى كلامه رفع مقامه.
وهو
كما ترى ، غير محصّل
المراد ؛ إذ معنى التّخيير ليس إلاّ العمل بأحد الخبرين على أنّه حجّة شرعا وطريق
إلى الواقع فيترتّب عليه جميع آثار الواقع
__________________
ولوازمه الشّرعيّة
، ولو بوسائط غير شرعيّة على ما هو الفرق بين الأصول والأمارات الشّرعيّة المعتبرة
بعنوان الطّريقيّة المطلقة من غير فرق بين مورد التّعارض وغيره ، إذ التّعارض لا
يوجب الفرق في معنى اعتبار أحد المتعارضين تعيينا أو تخييرا ، كما أنّه لا يوجب
الفرق في معنى اعتبار الأصل فيما لو فرض تعارض الأصلين مع العمل بأحدهما.
الرّابع
: أنّه لا إشكال في
كون المراد من الأخذ بأحد الخبرين ـ كما في أخبار الباب ـ ليس هو البناء والعزم
على العمل به كما ربّما يتوهّم بالنّظر إلى الجمود على لفظ الأخذ ، بل العمل عليه
وترتيب الآثار على مقتضاه ، وليس مثل التّقليد حتّى يتوهّم فيه ما توهّم مع كونه
فاسدا أيضا على ما حقّقناه في مسألة الاجتهاد والتّقليد : من كون المراد متابعة
المجتهد في رأيه لا مجرّد البناء على العمل به بعد تعلّمه ، والثّمرة بين الوجهين
يظهر في مسألة العدول عمّا بني على العمل عليه مع عدم العمل.
الخامس
: أنّه قد قيل : بأنّ
البحث في حكم التّعادل قليل الجدوى بل عادمها ؛ لأنّ كلّ ما حكموا فيه بالتّخيير
في موارد تعارض الأخبار كما في باب الكفّارات ، وذكر سجود السّهو ، ومنزوحات البئر
، فقد حكموا به من جهة الجمع بصرف ظهور كلّ واحد في التّعيين بنصّ الآخر فهو من
التّخيير الواقعي بين الفردين ، ولا تعلّق له بالتّخيير الظّاهري هذا.
وأنت
خبير بما فيه ؛ فإنّ مورد التّعارض قد لا ينافيه الجمع المذكور كالأخبار الواردة في مسألة
الجهر بالتّسمية وإخفاتها ، بل ظاهرهم في جملة من موارد إمكان الجمع أيضا هو
التّخيير الظّاهري ؛ فإنّ من قال بالتّخيير بين القصر
والتّمام فيما زاد
على الأربع ولم يبلغ الثّمانية مع عدم الرّجوع في يومه ، أو ليلته إذا لم يقصد
الإقامة في المقصد ظاهره التّخيير الظّاهري من جهة الأخبار المتعارضة.
* تنبيه
في لابدّيّة الفحص عن المرجّحات في المتعارضين
(٦)
قوله ( دام ظلّه العالي ) : ( بقي هنا ما يجب التّنبيه عليه خاتمة ... إلى
آخره ). ( ج ٤ / ٤٥ )
الكلام في أصل وجوب الفحص
عن المرجّح ثمّ في مقداره
أقول
: الكلام في المقام
: قد يقع في أصل وجوب الفحص ، وقد يقع في مقداره.
أمّا
الكلام من الجهة الأولى فحاصله : أنّه بعد تعلّق التّخيير بتعادل الخبرين وتكافؤهما من حيث
المزايا المعتبرة في التّرجيح من خصوص المزايا المنصوصة أو مطلق المزايا على
الخلاف ـ لا إشكال في كون مقتضى الأصل الأوّلي ـ إذا شكّ في التّعادل من الحيثيّة
المذكورة ـ : عدم جواز العمل من جهة الشّك في الحجّيّة.
وهل هنا أصل آخر
ثانويّ يقضي بوجود التّعادل أم لا؟ قد يقال بوجوده ؛ نظرا إلى كون المزيّة حادثة
فتنتفي به مزيّة كلّ واحد منهما على صاحبه وهو معنى تعادلهما.
ولكنّك
خبير بعدم اطّراد هذا
الأصل في جميع موارد الشّك ؛ إذ ربّما تكون المزيّة المحتملة صفة في الخبر لا يوجد
إلاّ معها ، فالحالة السّابقة لعدمها إنّما هي باعتبار عدم وجود الخبر ، مع أنّه
إذا فرض احتمال وجود المزيّة لكلّ منهما فهو
معنى تعادلهما
بالوجدان فلا معنى لإجراء الأصل في إثبات التّعادل كما هو الشّأن بعد الفحص أيضا.
نعم ، فيما احتمل وجوده في أحدهما خاصّة لم يحكم بالتّعادل
فعلى ما ذكر لا بدّ من إقامة الدّليل على وجوب الفحص ، اللهمّ إلاّ أن يمنع من
جريان الأصل المذكور قبل الفحص من حيث رجوع الشّك إلى الشّك في طريق الحكم الرّاجع
إلى الشّك في الحكم حقيقة الّذي قام الدّليل على عدم جريانه إلاّ بعد الفحص هذا.
مع أنّه إذا فرض
احتمال وجود المزيّة في كلّ منهما الّذي يوهم تحقّق التّعادل معه فيشكّ في حجّيّة
كلّ منهما أيضا قبل الفحص والأصل عدم حجّيّته ، أو يمنع ترتّب الحكم على مطلق
التّعادل فتدبّر.
ولا يجوز التّمسّك
بإطلاقات التّخيير بعد تقييدها بأخبار التّرجيح لرجوع الشّك إلى الشّك في الموضوع
من هذه الجهة ، كما لا يجوز التّمسّك بأخبار التّرجيح لإثبات وجوب الفحص ؛ لأنّ
وجوب التّرجيح بشيء لا يقتضي بنفسه وجوب الفحص عنه عند الشّك في وجوده ولو كان
المرجّح وجوده الواقعي لا العلمي ، فما في ظاهر « الكتاب » من الاستدلال لوجوب الفحص عن المرجّح بوجوب التّرجيح به
من حيث توقّف التّرجيح به على الفحص عنه محلّ مناقشة.
اللهمّ إلاّ أن
يقال : إنّ حصول العلم عادة بوجود المرجّح لما توقّف على الفحص عنه ، فإيجاب
التّرجيح به إذا كان واجبا مطلقا يقتضي الفحص عنه فتأمّل حتّى لا يختلط عليك الأمر
ويذهب وهمك إلى قوله قدسسره بثبوت الملازمة بين تعلّق الوجوب بالشّيء النّفس الأمري
ووجوب الفحص عنه على وجه الموجبة الكلّية. نعم ، تعلّق الوجوب بالشّيء المعلوم يمنع عن وجوب الفحص عنه
فمورد وجوب
الفحص ومحلّه على
سبيل القضيّة الكلّيّة : ما إذا تعلّق الخطاب بالشّيء الواقعي لا أنّ مجرّد تعلّقه
به يقتضي وجوب الفحص عنه.
فقد
تبيّن ممّا ذكرنا كلّه : أنّ التّعلّق في المقام بإطلاق أخبار التّخيير لا مساسة له أصلا ، وإنّما
يجوز التّعلّق به فيما شكّ في أصل وجوب التّرجيح ؛ فإنّ الكلام في وجوب الفحص عمّا
قيّد به الإطلاق بحسب الخارج فلا يجوز التّمسّك بشيء منهما نفيا وإثباتا إلاّ
بضميمة ما أشرنا إليه على تقدير تسليمه ، كما أنّه لا مساسة للتّعلّق بحكم العقل
بالتّخيير في المقام حتّى يجاب عنه بما في « الكتاب » من عدم حكمه به إلاّ بعد إحراز التّسوية ، فلا جدوى
للأصل في المقام ، مضافا إلى كونه من الأصل في الشّبهة الحكميّة وإن كان شكّا في
الموضوع ابتداء ؛ لما أسمعناك : من مغايرة باب التّزاحم لباب التّعارض الّذي يعتبر
فيه التّرجيح ، مضافا إلى ما عرفت من كون التّخيير في الأوّل راجعا إلى حكم الشّرع
حقيقة لا إلى حكم العقل كما في التّخيير بين دوران الأمر بين المحذورين.
نعم ، هنا كلام في أنّه إذا شكّ في أهميّة أحد المتزاحمين
بخصوصه هل يحكم بالتّخيير أم لا؟ أقواهما الثّاني ؛ نظرا إلى عدم العلم بوجود
الخطاب المزاحم وسيجيء شرح القول فيه ، لكنّه لا دخل له بالشّك في وجود المرجّح
لأحد المتعارضين المفروض في محلّ البحث.
وكيف
كان : يستدلّ لوجوب
الفحص كما في « الكتاب » بعد الأصل بالتّقرير الّذي عرفته بوجوه :
الأوّل
: ما دلّ على وجوب
التّرجيح بالتّقريب الّذي ذكره شيخنا العلاّمة قدسسره في « الكتاب » بانضمام المقدّمة الّتي عرفتها.
الثّاني
: الإجماع على
وجوبه على ما قرّر في « الكتاب ».
الثّالث
: لزوم الهرج
والمرج واختلال أمر الاجتهاد والاستنباط من ترك الفحص عنه والاقتصار في التّرجيح
على ما يعلم من دون فحص من جهة العلم الإجمالي بوجود مرجّحات كثيرة لما تعارض من
الأخبار بحيث لا يحصل الوقوف عليها عادة إلاّ بعد الفحص ، نظير العلم بوجود
الأدلّة في مجاري الأصول ، والمعارض للأدلّة والصّوارف والقرائن المنفصلة للظّواهر
من العمومات والإطلاقات وغيرهما من الظّواهر هذا بعض الكلام في أصل وجوب الفحص.
وأمّا الكلام في
مقداره ، فملخّصه :
أن حدّه الفحص عنه
بحيث يحصل له اليأس عن الاطّلاع عليه على تقدير زيادة الفحص من جهة اطمئنانه بعدم
وجوده فيما بأيدينا من كتاب الله والسّنة وكتب الأخبار والفتاوى من
العامّة والخاصّة ولا يعتبر تحصيل العلم بعدمه ، بل ربّما يكون ممنوعا من جهة
تأديته إلى سدّ باب استنباط غالب الأحكام كما لا يخفى.
وإن كان الأولى بل
الأحوط الاقتصار على العمل بما يحتمل رجحانه بخصوصه ، بل لو عمل على هذا الوجه من
أوّل الأمر فيما احتمل رجحان أحدهما بالخصوص سقط الفحص عنه ؛ لكونه مطلوبا بالعرض
لا بالذّات.
* * *
أحكام التعارض
المقام الثاني
في التراجيح
وفيه مقامات :
* الأوّل : وجوب الترجيح والاستدلال عليه
* الثاني : ذكر الأخبار العلاجيّة
* الثالث : عدم جواز الإقتصار على المرّجحات المنصوصة
* الرابع : بيان المرجّحات
ـ المرجحات الداخليّة
* المرجحات الدلاليّة
* إنقلاب النسبة
ـ المرجحات الخارجيّة
المقام الثاني في
التراجيح
(٧)
قوله : ( الترجيح : تقدّم إحدى الأمارتين على الأخرى ... الى آخره ). ( ج ٤ / ٤٧ )
تعريف الترجيح
أقول
: التّرجيح في
اللّغة والعرف جعل الشّيء راجحا وقد اختلفت كلماتهم في المراد منه ، فعن الأكثر هو
اقتران الأمارة بما يتقوّى على معارضها وعن بعض تبعا لشيخنا البهائي في « الزّبدة » وتلميذه الشّارح في شرحها : أنّه
تقديم
__________________
إحدى الأمارتين
على الأخرى لمزيّة من المزايا. وهذا التّعريف كما ترى ، أنسب بالنّسبة إلى المعنى
اللّغوي والعرفي ولذا اختاره شيخنا العلاّمة قدسسره.
ونوقش
في الأوّل ـ كما عن « شرح الزّبدة » وغيره ـ : بأنّ مقتضى وضع التّرجيح كونه فعل المجتهد لا
صفة الأمارة.
وأجيب
عن المناقشة : بأنّ التّعريف مبنيّ على الاصطلاح ولا مشاحة فيه ، مضافا إلى مناسبته
للتّعارض والتّعادل ؛ فإنّهما صفتان للأمارة ، والأمر في ذلك سهل إنّما المهمّ
التّكلّم فيما رتّبه من المقامات.
* * *
* المقام الأوّل : الأدلّة على وجوب الترجيح
(٨)
قوله : ( ويدلّ على المشهور مضافا إلى الإجماع المحقّق ... إلى آخره ). ( ج ٤ / ٤٨
)
الأدلّة على وجوب الترجيح
في الجملة
أقول
: قيام الإجماع
بقسميه على وجوب التّرجيح في الجملة ، وكذا دلالة الأخبار المستفيضة بل المتواترة
معنى أو إجمالا عليه ممّا لا شبهة تعتريه ولا إشكال فيه أصلا.
أمّا
قيام الإجماع : فظاهر بعد عدم الاعتناء بمخالفة من ذهب إلى القول بإيجاب التّرجيح كالسّيّد
الصّدر ، بل لو ادّعي إجماع المسلمين عليه ؛ نظرا إلى عدم قدح مخالفته مثل
الجبّائييّن كان في محلّه.
وأمّا
دلالة الأخبار : فلأنّ ظهورها غاية الظّهور بنفسها في وجوب التّرجيح ممّا لا يقبل الإنكار ،
ولا يعارضها أخبار التّخيير بعد تسليم كونها في مقام الإطلاق والبيان ، بعد كون
التّقييد أولى من المجاز. مضافا إلى شواهد وقرائن فيها من التّعليلات وغيرها يمنع
من الجمع بالحمل على الاستصحاب هذا. مضافا إلى أنّ الاستصحاب لا مناسبة له في باب
الطّريق كما هو ظاهر.
وأمّا
وهن الظّهور بما زعمه السيّد
: من تعارض أخبار التّرجيح بعضها مع بعض من وجوه فيحمل على الاستصحاب ، فموهون بما
سنوقفك عليه ( إن شاء الله
تعالى ) : من عدم
التّعارض بينها أصلا ، وإن زعمه غير واحد منهم المحقّق القمّي قدسسره وجعله دليلا على
حجّيّة مطلق الظّنّ في باب التّرجيح ، بل مطلقا كما ستقف عليه.
إنّما الإشكال
فيما أفاده من اقتضاء الأصل لذلك ، مع أنّ الثّابت عنده كما صرّح به مرارا في
أجزاء « الكتاب » ويعترف به بعد ذلك وعندهم : اقتضاء الأصل عدم التّرجيح ،
كما أنّ مقتضاه عدم الحجّيّة. وقد
أطال الكلام في تحرير المقام بما لا يخلو عن مناقشات نشير إلى بعضها ، مع أنّ تأديته كانت ممكنة بتحرير مختصر مفيد
نقيّ عن الإشكال.
فإنّه بعد البناء
على الطّريقيّة في حجّيّة الأخبار ، والغضّ عن لزوم تقييد إطلاق أخبار التّخيير ،
وتسليم دوران الأمر بين التّقييد وتصرّف آخر يبقى معه الإطلاق ، كحمل أوامر
التّرجيح على الاستصحاب من غير ترجيح بين التّصرفين ـ كما هو مبنى الرّجوع إلى
الأصل ـ أمكن تحرير المدّعى : بأنّ حجّيّة الرّاجح قطعيّته في الفرض ، وإنّما
الشّك في حجّيّة المرجوح فعلا وإن كان حجّة شأنا والأصل المقرّر في هذا الشّك
بالأدلّة الأربعة عدم الحجّيّة كما هو الأصل المقرّر عند الشّك في الحجّيّة
الشّأنيّة من`غير فرق بينهما ، إلاّ أنّه ( قدّس الله نفسه الزّكيّة ) أراد تحرير
المقام على كلّ وجه ، وبسط الكلام على كلّ قول تشريحا للمطلوب وترغيبا للطّالب فلا
بدّ من اقتفاء أثره.
فنقول
: إنّ الدّوران قد
يفرض بين موارد التّخيير العقلي في المسألة الفرعيّة كدوران الأمر بين المحذورين
كالوجوب والتّحريم مع رجحان أحدهما.
وقد
يفرض بين موارد
التّخيير العقلي في المسألة الأصوليّة على القول بالطّريقيّة في اعتبار الأمارات
المتعارضة مع عدم مطابقة أحد المتعارضين للأصل
مع فرض مزيّة لأحد
المتعارضين مع قطع النّظر عن أخبار التّخيير الواردة في علاج تعارض الأخبار أو فرض
الكلام في تعارض سائر الأمارات.
وقد
يفرض في موارد تزاحم
الواجبين ومنه تعارض الأمارتين على القول بالسّببيّة وإن تقدّم فساده بما لا مزيد
عليه.
وقد
يفرض في موارد
التّخيير الشّرعي في الواجبات الشّرعيّة الفرعيّة كالدّوران في خصال الكفّارة مثلا
، فالكلام يقع في مواضع أربعة :
الموضع
الأوّل : في دوران الأمر
في موارد التّخيير العقلي في المسألة الفرعيّة كدوران الأمر بين المحذورين حكما ،
أو موضوعا كدوران الأمر بين الواجب والحرام مع رجحان أحدهما فنقول :
إنّ لزوم الأخذ
بالرّاجح منهما إذا لم يكن مظنونا بظنّ معتبر من حيث الخصوص مبنيّ على مقدّمات
دليل الإنسداد وإن كانت النّتيجة التّبعيض في الاحتياط على ما أسمعناك في الجزء
الأوّل من التّعليقة ، وإلاّ فالرّاجح والمرجوح متساويان في حكم العقل بعد قيام
الدّليل القطعي على حرمة العمل بغير العلم ؛ فإنّ مرجع الأخذ بالرّاجح في الفرض
إلى حجّيّة الظّن مع عدم دليل عليها بالفرض.
ومنه يظهر الكلام
في الموضع الثّاني وهو : دوران الأمر في التّخيير العقلي في المسألة
الأصوليّة على القول بالطّريقيّة في الأمارات ، مع عدم أصل على طبق أحد المتعارضين
؛ حيث إنّه مع وجوده يتعيّن الرّجوع إليه ولا مورد للتّخيير حينئذ.
وممّا ذكرنا يظهر
ما في « الكتاب » من التّشويش في تحرير المقام بقوله :
( ومرجع التّوقّف
أيضا إلى التّخيير إذا لم يجعل الأصل من المرجّحات ...
__________________
إلى آخره ) .
فإنّ الكلام إنّما
هو في تأسيس الأصل في حكم التّرجيح فلا محلّ لهذا التّعليق والاشتراط.
كما أنّ ما أفاده
بقوله : ( فالحكم التّخيير على تقدير فقده ، أو كونه مرجعا ) لا يخلو عن مناقشة ظاهرة ؛ إذ على تقدير وجود الأصل وكونه مرجعا لا يبقى مجال
للتّخيير ، وإن أراد توجيه ما أفاده بإلحاق قوله : ( بناء على أنّ الحكم في
المتعادلين مطلقا التّخيير ) إذ البناء المذكور إنّما هو بملاحظة أخبار التّخيير ،
والكلام في المقام مع قطع النّظر عنها.
وإلاّ
فحقّ التّحرير أن يقال بدل ما حرّره : أنّ حكم المتعارضين التّخيير مطلقا غاية ما هناك كون
التّخيير عقليّا على السّببيّة وشرعيّا على الطّريقيّة وإن كان مقتضى القاعدة على
الطّريقيّة الحكم بالتّوقّف والرّجوع إلى الأصل إن كان على طبق أحدهما ، وإلاّ
فالتّخيير العقلي نظير التّخيير بين المحذورين في المسألة
__________________
الفرعيّة وإن كان
قوله بعد النّقل المذكور ( والتّخيير أمّا بالنّقل ... إلى آخره ) ربّما يشهد على الإلحاق المذكور ، إلاّ أنّ فيه أيضا نوع تشويش ، وإلاّ فحقّ التّعبير أن يقال : ( فالتّخيير أمّا بالنّقل ... إلى آخره ).
فإن قلت : حكم
العقل بالتّخيير في الموضعين مبنيّ على تسوية الاحتمالين وعدم ترجيح أحدهما على
الآخر ؛ ضرورة كونه مبنيّا على قاعدة بطلان التّرجيح بلا مرجّح ، ومقتضى ذلك كما
ترى ، الحكم بلزوم الأخذ بالرّاجح وترك المرجوح ولو من جهة كونه متيقّنا على كلّ
تقدير كما يقتضيه ما أفاده في « الكتاب » في طيّ الجواب عن السّؤال بقوله : ( نظير الاحتياط
بالتزام ما دلّ أمارة غير معتبرة على وجوبه مع احتمال الحرمة
أو العكس ) .
قلت
: قد عرفت : أنّ
مرجع لزوم الأخذ بالرّاجح في الموضعين حقيقة إلى حجّيّة الظّن فإذا قام البرهان
القاطع على عدم حجّيّته في حكم الشّرع ، بل العقل أيضا كان الرّاجح والمرجوح
متساويين في نظر العقل ، فيحكم بالتّخيير بينهما هذا بعض الكلام في حكم الموضعين
الأوّلين.
وأمّا
الموضع الثّالث : فقد أسمعناك أنّ المانع عن الحكم بالتّخيير فيه ليس إلاّ أهميّة أحد
المتزاحمين وأقوائيتهما بحسب المصلحة الملزمة في نظر الشّارع ، فإذا فرضنا اعتبار
المتعارضين من باب السّببيّة الموجبة لدخولهما في عنوان المتزاحمين وإن كان هذا
مجرّد فرض يمنع تحقّقه عندنا على ما أسمعناك شرح
__________________
القول فيه ، وأنّ
التّعارض لا يجامع التّزاحم وكان أحدهما مشتملا على ما يوجب أقربيّته إلى الواقع
لم يكن إشكال في عدم تأثيره في رفع الحكم بالتّخيير بالمعنى الّذي عرفته سابقا بعد
مساواتهما من حيث المصلحة وعدم أهميّة أحدهما كما هو المفروض ؛ لأنّ القرب إلى
الواقع غير ملحوظ في الأمر بالعمل بالمتعارضين ، فكيف يصلح القرب إلى الواقع
الحاصل من المزيّة لتعيين ذيها وترجيحه على غيره؟ فلا دوران هنا من جهة المزيّة
المزبورة أصلا كما لا يخفى.
نعم ، هنا كلام في
ثبوت التّخيير مع الظّن بأهميّة أحد المتزاحمين أو احتمالها. صريح شيخنا العلاّمة
في « الكتاب » وفي مجلس المذاكرة : عدم ثبوته في صورة احتمال الأهميّة
فعدم ثبوته في صورة الظّن بها أولى كما لا يخفى ؛ حيث إنّ التّخيير عنده مترتّب
على موضوع العلم بالمساواة فإذا لم يعلم بها واحتمل الأهميّة فيحكم بلزوم اختيار
ما يحتملها من الواجبين ، ولا يجدي الحكم بعدمها من جهة الأصل على تقدير تسليم
جريانه. مع أنّه ممنوع لعدم الحالة السّابقة المعلومة حتّى يحكم ببقائها ؛ لأنّ
التّرتّب عقليّ فلا يجدي حكم الشّارع بعدمه أصلا ، مضافا إلى كونه من الأصول
المثبتة الّتي لا اعتبار بها عندنا هذا.
ولكنّك
خبير بإمكان التّفصيل
في المقام بين كون التّخيير في موارد التّزاحم بحكم الشّرع على ما عرفت شرح القول
في بيانه ، أو بحكم العقل بجعل احتمال الأهميّة على الأوّل مانعا عن التّخيير ؛
نظرا إلى عدم العلم بوجود المزاحم لما احتملت أهميّته ، فلا يجوز رفع اليد عنه.
وعلى الثّاني غير مانع عنه ؛ نظرا إلى حصر المانع في حكم العقل بعد ملاحظة وجود
المصلحة الملزمة في الواجبين في علمه بوجود الأهميّة لا الأهميّة الواقعيّة فلا
ينفع احتمالها فتأمّل.
وأمّا
الموضع الرّابع : فالدّوران فيه من حيث التّخيير والتّعيين لا تعلّق له برجحان أحدهما
ومرجوحيّة الآخر من حيث الأمارات الدّاخليّة والخارجيّة ، بل مستند في الشّبهة
الحكميّة إلى أحد أسباب اشتباه الحكم. وقد تقدّم الكلام فيه في الجزء الثّاني من «
الكتاب » والتّعليقة ، وأنّ المختار
بل المشهور عدم جواز الرّجوع إلى البراءة فيه ، بل المتعيّن الرّجوع إلى قاعدة
الاشتغال فراجع ، وإن كان كلام شيخنا العلاّمة في الجزء الثّاني من « الكتاب » لا يخلو عن ميل إلى البراءة على خلاف ما صرّح به في
المقام بقوله : ( ففيه
: أنّه لا ينفع بعد
ما اخترنا في تلك المسألة وجوب الاحتياط وعدم جريان قاعدة البراءة ) .
نعم ، ربّما يجعل المقام من جزئيّاته ؛ نظرا إلى أنّ احتمال
التّرجيح بالمزيّة في معنى احتمال تعيين الأخذ بذيها ، فإذا فرض الإهمال في قضيّة
دليل التّخيير ، فيدور الأمر بين التّخيير والتّعيين في المسألة الأصوليّة. ومن
هنا قد يبتني الأصل في المسألة على الأصل في تلك المسألة.
ومن هنا أورد في «
الكتاب » على ما أفاده : من لزوم الأخذ بالرّاجح بمقتضى الأصل ،
بقوله : ( وثانيا : أنّه إذا دار الأمر بين وجوب أحدهما على التّعيين ... إلى آخره
) .
وهو كما ترى ،
صريح فيما ذكرنا : من جعل مسألتنا هذه من جزئيّات تلك
__________________
المسألة زعما من
السّائل : أنّه يوجب انقلاب الأصل وفساد ما بنى عليه شيخنا العلاّمة ، لكنّه في كمال
الوضوح من الفساد.
ومن هنا أجاب عنه
في « الكتاب » : بعدم تعلّق المقام بتلك المسألة أصلا بعد الجواب عنه : بأنّ الاعتراض المذكور
لا يفيد بعد البناء في تلك المسألة على الاشتغال على ما عرفت بقوله : ( والأولى
منع اندراجها في تلك المسألة ؛ لأنّ مرجع الشّك في المقام إلى الشّك في جواز العمل
بالمرجوح ... إلى آخره ) .
ومراده من
الأولويّة ليس ما يتراءى من ظاهرها في باديء النّظر ، بل المتعيّن كما يشهد له
قوله بعد ذلك : ( والتّحقيق : أنّا إن قلنا بأنّ العمل بأحد المتعارضين ... إلى
آخره ) من حيث إنّ الشّك في المسألة يرجع إلى الشّك
__________________
في الطّريق ومن
المعلوم ؛ ضرورة لزوم الاقتصار في حكم العقل على ما علم طريقيّته ؛ لعدم تجويزه
سلوك المشكوك في مقام الإطاعة والامتثال ، وليس الشّك في أصل متعلّق حكم الشّارع
من حيث دورانه بين شيء معيّن ، أو أحد الشّيئين حتّى يجوز في حكمه نفي التّعيين من
حيث إنّه كلفة زائدة فيتوقّف على البيان.
ثمّ إنّ ما أفاده
من تقرير الأصل في المسألة لمّا كان نظريّا توجّه عليه السّؤال بقوله : ( فإن قلت
: أوّلا إنّ كون الشّيء مرجّحا مثل كون الشّيء دليلا ... إلى آخره ) .
والتّرقّي بقوله :
( بل العمل به مع الشّك يكون تشريعا ، كالتّعبّد بما لم يعلم
__________________
حجّيّته ) مبنيّ على ما أفاده مرارا سيّما في الجزء الأوّل من « الكتاب » عند الكلام في
تأسيس الأصل في الظّن : من أنّ حرمة العمل بغير العلم تشريعيّة مترتّبة واقعا على
مجرّد عدم العلم والشّك في الحجّيّة ، فلا معنى لإجراء أصل العدم المختصّ كسائر
الاستصحابات الوجوديّة والعدميّة بما إذا ترتّب الحكم الشّرعي على مجراه واقعا وإن
تقدّم منّا كلام في ذلك في الجزء الأوّل من التّعليقة من جهة الكلام في موضوع
التّشريع فراجع إليه.
الأصل عدم الترجيح بالظنّ
كما أن مقتضاه عدم حجّيّة الظنّ
ثمّ إنّ حاصل ما
أفاده في السّؤال الأوّل يرجع إلى أنّ نتيجة الأصل المذكور يرجع إلى الحكم
بمرجّحيّة المزيّة مع الشّكّ فيها ، مع أنّ مقتضى نفس الأصل المذكور بعد تعميمه
بالنّسبة إلى الشّك في الحجّيّة والمرجّحيّة البناء على عدم مرجّحيّتها.
وحاصل الجواب عنه
بقوله : ( قلت : كون التّرجيح كالحجّيّة أمرا يجب ورود التّعبّد به من
الشّارع ... إلى آخره ) يرجع إلى أنّ الأخذ بالرّاجح ليس من حيث إنّ رجحانه أوجب
الأخذ به وبعنوان كونه راجحا حتّى يدخل في مسألة التّشريع والتّديّن بغير العلم ،
بل من حيث كونه متيقّن الاعتبار والحجّيّة على كلّ تقدير
__________________
وغيره مشكوك
الحجّيّة فالأخذ بالرّاجح وطرح المرجوح إنّما هو من حيث الاحتياط.
ومن المعلوم ضرورة
عدم صدق التّشريع على الأخذ بعنوان الاحتياط وعدم اجتماعهما موضوعا ، فإذا اقتضى
الدّليل وجوب الاحتياط من جهة حكم العقل في مورد تردّد الطّريق بين المتيقّن
والمشكوك لم يكن معنى لمنعه ، تمسّكا بما دلّ على حرمة التّشريع من العقل والنّقل
، فهو نظير حكم العقل بلزوم الاقتصار على الرّاجح من المحتملين في مسألة دوران
الأمر بين الوجوب والتّحريم في المسألة الفرعيّة احتياطا ؛ فإنّه لا يمنع منه ما
دلّ على حرمة التّشريع والتّديّن بغير العلم ، هذا حال ما دلّ على حرمة العمل
بالظّن من باب التّشريع.
وأمّا ما دلّ على
حرمته من حيث إيجابه طرح العمل بالأصل المعتبر الجاري في المسألة وإن لم يكن
بعنوان التّشريع على ما عرفته في الجزء الأوّل من التّعليقة : من كونه جهة مستقلّة لتحريم العمل بغير العلم فلا يمنع من العمل المذكور
قطعا ؛ لأنّ المفروض عدم جريان الأصل في المسألة الّتي تعارض فيها الخبران بعد
وجود الدّليل في المسألة ، وإن كان مردّدا بين الرّاجح والمرجوح وإن كان على طبق
أحدهما كما هو ظاهر. والمفروض أنّ قضيّة التّخيير أيضا قضيّة مهملة فلا يتوهّم :
أنّ الأخذ بالرّاجح موجب لطرح دليل التّخيير وإن لم يوجب طرح الأصل في المسألة
الفرعيّة.
لا
يقال : الشّك في حجّيّة
المرجوح فعلا الموجب للرّجوع إلى الأصل
__________________
بالنّسبة إليه
مسبّب عن الشّك في اعتبار المزيّة عند الشّارع ، فإذا حكم الشّارع في طيّ ما دلّ
على عدم الاعتناء بغير العلم بجعله حجّة ، أو مرجّحا ارتفع الشّك عن الحجّيّة
الفعليّة للمرجوح ، فيحكم بتسوية الرّاجح والمرجوح في نظر الشّارع فالتّرجيح
يتوقّف على قيام دليل عليه ؛ إذ الأصل على هذا يقتضيه ، ألا ترى أنّ الدّليل
القائم على حرمة القياس يمنع من جعله مرجّحا كما يمنع من جعله حجّة ـ على ما تقدّم
القول فيه في الجزء الأوّل وستقف عليه أيضا ـ؟ مع أنّ مفاده ليس إلاّ حرمة العمل
بالقياس بعنوان التّشريع ، ولا فرق عند التّحقيق بين مفاده ومفاد دليل حرمة العمل
بغير العلم إلاّ بالخصوص والعموم.
لأنّا
نقول : دليل حرمة العمل
بغير العلم إنّما يمنع من الحكم بمرجحيّة الظّن والتّديّن بمقتضاه لا من الاحتياط
في مورد قيام الظّن ، والعمل بالرّاجح مستند إلى تيقّن اعتباره ، وترك العمل
بالمرجوح مستند إلى الاحتياط في الطّريق لا إلى رجحان الرّاجح.
لا
يقال : دليل حرمة العمل
بغير العلم وإن لم يرفع حسن الاحتياط ، إلاّ أنّه يمنع من وجوبه قطعا ؛ لأنّ وجوبه
مبنيّ على احتمال الضّرر والعقاب المرتفع بدليل الحرمة جزما فهو وارد على الاحتياط
اللاّزم من حيث ارتفاع موضوعه به فهو من هذه الجهة نظير دليل حرمة القياس وأشباهه
؛ فإنّه أيضا لا يمنع من حسن الاحتياط في مورده ، إلاّ أنّه يمنع من وجوب الاحتياط
في مورده فيما جعل المقتضي له نفس قيام القياس في المسألة الفقهيّة ، والمدّعى هو
وجوب الاحتياط في المسألة لا مجرّد رجحانه.
لأنّا
نقول : دليل حرمة العمل
بغير العلم لا يمنع إلاّ من الاستناد إليه ، وقد
عرفت : أنّ
الاستناد في المسألة إلى العلم ، أي : ما يعلم اعتباره على كلّ تقدير ، والمنع عن
العمل بالمرجوح بعد إهمال قضيّة التّخيير كما هو المفروض من جهة الشّك في اعتباره
، ودليل حرمة العمل بالمشكوك لا يوجب اعتبار المشكوك.
ومنه يظهر فساد قياس المقام بموارد وجود القياس وأشباهه ؛ فإنّه بعد قيام
الدّليل الخاص على عدم حجّيّته لا يمكن الحكم بوجوب الاحتياط لأجله ، وهذا بخلاف
المقام ؛ فإنّ المفروض فيه وجود ما تيقّن اعتباره ، فإذا حكم بحرمة العمل بالمرجوح
من جهة الأصل فيؤخذ بالرّاجح من حيث كونه متيقّن الحجّيّة ، فلزوم الأخذ به إنّما
هو من هذه الجهة لا من جهة المزيّة الغير المعتبرة والأصل الجاري فيها لا ينفي حكم
الاحتمال وإنّما ينفي حكم المحتمل. وبعبارة أخرى : ينفي البناء على كونه مرجّحا لا
ما يترتّب عقلا على احتمال كونه مرجّحا.
لا
يقال : إذا كان الشّك في
اعتبار المرجوح مسبّبا عن الشّك في اعتبار المزيّة كان أصالة عدم اعتبار المزيّة
حاكمة على أصالة عدم اعتبار المرجوح ؛ إذ المفروض عدم الشّك فيه ، إلاّ من الجهة
المسطورة فالمستند للحكم باعتباره ليس دليل حرمة العمل بغير العلم حتّى يتوجّه
عليه ما ذكر ، بل نفس حكم الشّارع بحجّيّة المتعارضين.
لأنّا
نقول : إن كان المراد من
حكم الشّارع مدلول أدلّة حجّيّة الأخبار فيتوجّه عليه ما عرفت مرارا : من أنّه على
الطّريقيّة لا اقتضاء لها إلاّ بالنّسبة إلى نفي الثّالث.
وإن كان مدلول ما
قضى بالتّخيير بين المتعارضين ، فيتوجّه عليه ما عرفت : من فرض الإهمال في قضيّة
التّخيير ، وإلاّ لم يكن مورد للرّجوع إلى الأصل.
وإثبات إطلاق
الأخبار وبيانها بالأصل المذكور كما ترى ، فالحجّة الفعليّة مستندة إلى نفس الأصل
المذكور فيلزمه المحذور المزبور.
نعم
، لو بني على
الموضوعيّة والسّببيّة في اعتبار الأدلّة لم يكن معنى للأصل المذكور ؛ لعدم الإهمال
في حكم الشّارع ، أو العقل وعدم مدخليّة رجحان أحدهما فيما أوجب مزاحمة المتعارضين
، فالكلام في تأسيس الأصل مبنيّ على الطّريقيّة وقيام الدّليل على التّخيير ،
وإهمال ما دلّ عليه ، أو فرض إهماله كما يفصح عنه ما أفاده شيخنا العلاّمة قدسسره في طيّ التّحقيق الّذي
ذكره في حكم المقام.
نعم ، ما أفاده من تنظير المقام بدوران الأمر بين المحذورين في
المسألة الفقهيّة مع رجحان أحد الاحتمالين.
ربّما
يناقش فيه : بأنّ التّخيير
فيه إذا كان بحكم العقل ، فلا معنى لتردّده في موضوع حكمه حتّى يرجع إلى الاحتياط
، اللهمّ إلاّ أن يكون المراد المقايسة من حيث الحكم بوجوب الأخذ بالرّاجح لا في
عنوان الحكم وجهته ، لكنّه ينافي تصريحه بالعنوان ، مضافا إلى عدم ارتباطه بالمقام
إذا كان الحكم فيه بعنوان آخر كما هو ظاهر ، هذا كلّه فيما أوجب رجحان أحد
المتعارضين من المزايا سواء ظنّ التّرجيح به أو شكّ فيه أو احتمل ذلك موهوما.
وأمّا ما لا يوجب رجحان أحدهما مع احتمال التّرجيح به ـ كالأصل مثلا ـ فحكمه من
حيث الأصل حكم القسم الأوّل.
ومن هنا ذكر في « الكتاب » : بل الأصل فيما يحتمل كونه مرجّحا التّرجيح به ، ويمكن
حمله بعيدا على ما يوجب قلّة الاحتمال في أحد المتعارضين أو بعده بالإضافة وإن لم
يبلغ مرتبة الظّن على ما ستقف عليه : من كونه مرجّحا أيضا
حسبما يستفاد من
التّعليل الوارد في أخبار التّرجيح ، كما يقع الكلام فيه إن شاء الله تعالى.
وممّا
ذكرنا في شرح كلامه يظهر : صحّة ما أفاده من الاستدراك بقوله : ( إلاّ أن يرد عليه إطلاقات التّخيير ) وفساد ما أورد عليه : من عدم إمكان اجتماع الإهمال والإطلاق ؛ فإنّ الغرض منه
ليس التّفكيك بحسب الأصل وفرض الإهمال والإطلاق ، بل الغرض منه كما هو صريح
العبارة عند التّأمّل التّفكيك من حيث الأخبار المقيّدة المفيدة لعموم التّرجيح
بكلّ مزيّة مع الالتزام بإطلاق أخبار التّخيير بقول مطلق ، فحاصله : أنّه لا فرق بين القسمين بحسب الأصل ، وإن أمكن الفرق
بينهما بحسب دليل التّرجيح مع الالتزام بإطلاق قضيّة التّخيير بقول مطلق كما يشهد
له قوله : ( بناء على الاقتصار ... إلى آخره ) والمراد من قوله
: ( على ما علم كونه مرجّحا ) العلم بالرّجحان الوجداني لا العلم بالحكم عند الشّارع ؛
فإنّه في كمال الوضوح من الفساد بحيث لا يحتمل صدوره في حقّ من دونه بمراتب كما هو
ظاهر.
نعم
، التّعرض للفرق
بين القسمين بحسب الأدلّة بالعبارة المذكورة ربّما يوجب اشتباه الأمر على النّاظر.
هذا حاصل ما
استفدناه من « الكتاب » مع ما فيه من الاضطراب ، ومن إفاداته في مجلس البحث مع ما فيه من التّأمّل ؛ لأنّ الجمع بين كون مقتضى الأصل
__________________
عدم التّرجيح ،
وأن مقتضاه مساواة المرجّحيّة للحجّيّة وكون مقتضى الأصل لزوم التّرجيح وتسميته
بالأصل الثّانوي والأوّل بالأصل الأوّلي كما يفصح عنه قوله : ( فصار الأصل وجوب
العمل بالمرجّح ، وهو أصل ثانوي ) مع كون المراد من
الأصلين أصالة حرمة العمل بغير العلم. كما ترى ، لا يخلو عن مناقشة.
كلام المحقّق الرّشتي في
المقام
ثمّ إنّ لبعض فضلاء المعاصرين كلاما في المقام فيما أملاه في
المسألة لا بأس بنقله والإشارة إلى ما فيه قال رحمهالله في الجواب عن السّؤال ـ بأنّ الشّك في حجّيّة المرجوح
مسبّب عن الشّك في اعتبار الرّجحان في نظر الشّارع والأصل فيه حاكم على الأصل في
المرجوح ـ ما هذا لفظه :
« قلت : أوّلا : أنّا لا نقول بالحكومة في أفراد أصل واحد ولو مع التّسبّب فلا يقدّم الأصل الجاري في السّبب على الأصل الجاري في المسبّب بل نحكم
بتعارضهما.
إلى أن قال :
وثانيا
: أنّ التّسبب لا بدّ من أن يكون بين المشكوكين لا الشّكين ، والأمر هنا ليس كذلك ؛ لأنّ
سبب عدم جواز العمل بالمرجوح عند الشّارع ليس هو وجوب العمل بالرّاجح بل هما في
مرتبة واحدة ، وإلاّ لكان عدم اعتبار الظّنون
__________________
الغير المعتبرة
مسبّبا ومعلولا لحجّيّة الظّنون المعتبرة.
وهو كما ترى ، بل
الرّاجح والمرجوح ظنّان تعارضا ونحن جازمون بحجّيّة الرّاجح وشاكّون في حجّيّة
المرجوح ، فإن لم يكن حجّة فإنّما هو لعدم وجود المقتضي لها لا لوجود المانع وهو
حجّيّة الرّاجح ؛ فإنّ الشّك في وجوب العمل بالرّاجح عينا ليس شكّا في أمر زائد
على جواز العمل به بعد إحرازه كما قلنا في المتزاحمين حتّى يدفع بالأصل ، بل
العينيّة على فرض ثبوتها إنّما نشأت من عدم حجّيّة معارضه ، فالشّك في وجوب العمل
بالرّاجح عينا وجواز العمل بالمرجوح كلاهما نشئا من الشّك في أنّ الحكم الشّرعي في
المرجوح هل هو الحجّيّة أيضا مثل الرّاجح أم لا؟ فلا سببيّة ولا حكومة ولو قلنا
بها في تعارض الأصلين ».
وساق الكلام إلى
أن قال :
« إذا تحقّق ذلك فنقول : إنّ الأدلّة إن كان اعتبارها من باب السّببيّة والموضوعيّة
كان الحكم في المتعارضين منهما مثل ما في المتزاحمين ، فالأصل فيه قاض بعدم اعتبار
المرجّح حسبما مرّ تفصيلا ، إلاّ إذا قلنا بأنّ احتمال الأهميّة مانع عن التّخيير
وقاض بالتّرجيح في باب التّزاحم كما هو ظاهر الرّسالة ؛ فإنّ قضيّة الأصل حينئذ
وجوب العمل بمعلوم الرّجحان ، بل ومحتمله خلافا للرّسالة : حيث صرّح بعدم وجوب
العمل بذي المزيّة بناء على أنّ المزيّة إنّما توجب الأقربيّة إلى الواقع ولا
مدخليّة لها في مطلوبيّة العمل بالطّريق على تقدير السّببيّة قطعا ، فلا يحتمل
الأهميّة حتّى يجب مراعاتها ولو كان أقرب إلى الواقع.
وفيه
: أنّ القطع بذلك
من العجائب ؛ فإنّ الأقرب إلى الواقع لو لم ندّع الظّن بتأكّد مطلوبيّته وكون
العمل به أهمّ عند الشّارع فلا أقلّ من الاحتمال.
نعم
، على التّصويب
الباطل : من دوران الأحكام الواقعيّة مدار الطّرق والأمارات الشّرعيّة ، وأنّه ليس
للواقع حكم شرعيّ عند الله يكشف عنه الأمارة ، بل يحدث بحدوثها وينتفي بانتفائها
أمكن القطع بعدم الأهميّة ».
إلى أن قال :
« وأمّا بناء على
ثبوت الأحكام الواقعيّة وكون الأمارات كاشفة عنها فإن خالفت يتداركها بالأمارة ،
وإن صادفت يتأكّد مصلحة الواقع بمصلحة الأمارة كما هو المراد بالسّببيّة الدّائرة
على السّنة العلماء في الأصول والفقه دون الأوّل الّذي تطابق العقل والنّقل على
فساده ، فلا وجه لإنكار احتمال الأهميّة في ذي المزيّة » . انتهى كلامه رفع مقامه.
وفيه
ما لا يخفى من وجوه المناقشة والنّظر.
أمّا
أوّلا : فلأنّ منع جريان
الحكومة في أفراد أصل واحد بظاهر معنى الحكومة لا بأس به إلاّ أنّك قد عرفت
جريانها حكما فيها كيف؟ وأخبار الاستصحاب بحسب المورد ـ على ما عرفت شرح القول فيه
في تعارض الاستصحابين ـ ناطقة بتقديم الاستصحاب في الشّك السّببي على الاستصحاب في
الشّك المسبّب ، مضافا إلى ما عرفت هناك من سائر الوجوه المقتضية لذلك فراجع إليه
حتّى تقف على حقيقة الأمر.
وأمّا
ثانيا : فلأنّ ما ذكره :
من كون المدار في التّحكيم على السّببيّة والمسبّبيّة بالنّسبة إلى المشكوك لا
الشّك وإن كان مستقيما وقد اعتبرهما شيخنا العلاّمة قدسسره
__________________
بالنّسبة إليه
أيضا في الجزء الثّالث من « الكتاب » وصرّح بذلك فيه ، وإنّما اعتبر بالنّسبة إلى الشّك من
جهة انطباق موارد سببيّة الشّك غالبا في الشّرعيّات على سببيّة المشكوك ، لا أن
يكون المدار عليها من حيث هي ، إلاّ أن منع تحقّق الضّابط المذكور في المقام ؛
نظرا إلى ما ذكره في غير محلّه ؛ لأنّ الجزم بحجّيّة الرّاجح المردّدة بين
التّعيين والتّخيير والشّك في حجّيّة المرجوح إنّما هما من جهة وصفي الرّجحان
والمرجوحيّة لا من جهة ذاتي الرّاجح والمرجوح ، وإلاّ لم يعقل تردّد الحجّيّة في
الرّاجح بين التّعيين والتّخيير ، بل كان الرّاجح معلوم الحجّيّة على التّعيين.
وعلى كلّ تقدير سواء كان المرجوح معتبرا أم لا كما هو الشّأن بالنّسبة إلى الظّنون
المعتبرة والظّنون الغير المعتبرة كما ذكره ولم يكن معنى للتّعارض على التّقدير المزبور
كما هو الشّأن بالنّسبة إلى الظّنون المعتبرة والظّنون الغير المعتبرة.
ومنه
يظهر فساد قياس المقام
بهما وعدم ارتباط بينهما أصلا ، فعدم حجّيّة المرجوح في الفرض لو كان ثابتا في نفس
الأمر معلول لحجّيّة الرّاجح على سبيل التّعيين على تقدير الثّبوت في نفس الأمر ؛
إذ المفروض مساواتهما بحسب الحجّيّة الشّأنيّة ، وإلاّ لما تعارضا وهو خلف. وليس
المؤثّر في هذا التّعيين إلاّ رجحان الرّاجح جزما فينتهي الأمر بالأخرة إليه.
ويدلّ على ما
ذكرنا ـ مضافا إلى وضوحه ـ : كلماتهم في باب التّراجيح والأخبار الواردة فيه سيّما
التّعليلات المذكورة فيها ؛ فإنّها صريحة في أنّ تقديم الرّاجح على المرجوح إنّما
هو من جهة رجحانه.
وأمّا
ثالثا : فلأنّ ما ذكره :
من كون الأقربيّة إلى الواقع الحاصلة من رجحان إحدى الأمارتين موجبا للأهميّة جزما
أو ظنّا أو احتمالا على السّببيّة والتّزاحم
بالتّقريب المذكور
في كلامه الّذي يرجع عند التّأمّل إلى أنّ الظّن الحاصل بمطابقة الأمارة للواقع
يوجب الظّن بتدارك مصلحة سلوك الطّريق والواقع الملحوظ في جعل الطّريق ، فيكون
الرّاجح في نظر العقل بهذه الملاحظة أهمّ لا محصّل له أصلا ، كما لا يخفى ؛ فإنّه
كما ترى ، راجع إلى الالتزام بجعل الأمارات من باب الطّريقية لا السّببيّة المحضة
؛ فإنّ مبنى الطّريقيّة كما عرفته غير مرّة على ملاحظة الواقع في جعل الأمارة في
نظر الشّارع سواء كان هناك مصلحة في الأمر بالعمل بها أم لا ، فملاحظة الكشف
والطّريقيّة موجب لتساقط الأمارتين بالمعنى الّذي عرفته لا الطّريقيّة المحضة كما
هو ظاهر. والتّصويب وإن كان باطلا عندنا إلاّ أنّ فرض كونه حقّا لا يجدي في المقام
شيئا ؛ لأنّ التّعارض لا يجامع التّزاحم على كلّ قول إلاّ على فرض جواز الاجتماع
الأمري الّذي اتّفقت كلمتهم على بطلانه.
ومن هنا يتوجّه
على ما ذكره مناقشة أخرى ؛ فإنّه مسلّم التّزاحم بمعنى : عدم ملاحظة مصلحة الواقع أصلا ، على القول بالتّصويب إلى
غير ذلك ممّا يتوجّه عليه. هذا بعض الكلام فيما يقتضيه الأصل في المسألة.
وجوه أخر للقول بوجوب
الترجيح
ثمّ إنّ في
كلماتهم جملة من الوجوه للقول بوجوب التّرجيح غير الأخبار والإجماع والأصل ، لا
بأس بالتّعرض لها والإشارة إلى ما يتوجّه عليها.
فمنها
: ما عن « النّهاية » و « الإحكام » : من تقرير النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم معاذا لمّا بعثه
قاضيا إلى اليمن
في ترتيب الأدلّة وتقديم بعضها على بعض .
ومنها
: دلالة الكتاب على
ذلك فإنّ لازم ترك التّرجيح التّخيير والتّسوية بين خبر الفاسق ، والعادل ،
والعالم ، والجاهل وهو منفيّ بقوله تعالى : ( أَفَمَنْ كانَ
مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً ) وقوله تعالى : ( هَلْ يَسْتَوِي
الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ).
ومنها
: أنّه لو لم يجب
العمل بالرّاجح وجاز التّخيير لم يجب تخصيص عامّ بخاصّ ولا تقييد مطلق بمقيّد ولا
تأويل ظاهر بالأظهر ، وذلك هدم للدّين وتضييع لشريعة سيّد المرسلين صلىاللهعليهوآلهوسلم وإبطال لمنهاج الأئمّة المعصومين ( صلوات الله عليهم أجمعين ) لأنّ معظم
الأدلّة الشّرعيّة متعارضة فيلزم من ترك التّرجيح المحظور المذكور وبطلان التّالي
من جهة وضوحه لا يحتاج إلى البيان.
وهذا هو المراد
ممّا ذكره جماعة من لزوم الهرج والمرج والفقه الجديد من ترك التّرجيح كما في « الكتاب » وإلاّ فالقائل بعدم وجوب التّرجيح لا يعترف بثبوت
التّرجيح في الشّرع حتّى يلزم من تركه بطلان الدّين. نعم ، لمّا كان التّرجيح
بالمرجّحات المذكورة ممّا لا يقبل الإنكار استدلّ به على لزومه.
ومن هنا أجاب
شيخنا العلاّمة عن هذا الوجه في « الكتاب » : بأنّ الظّاهر خروج هذا النّحو من
المتعارضات عن محلّ الكلام ؛ فإنّ التّرجيح بينها من الجمع الّذي تقدّم تقديمه على
الطّرح ترجيحا وتخييرا عندهم فلا يلزم من ترك التّرجيح
__________________
التّخيير بين
المتعارضات المذكورة حتّى يلزمه المحظور المذكور .
ومنها
: ما في كتب جماعة
من الخاصّة منهم : العلامّة في « النّهاية » و « التّهذيب » ، والعامّة : من أنّه لو لم يجب ترجيح الرّاجح يلزم إمّا ترجيح المرجوح أو
التّسوية بينهما وهما قبيحان بضرورة العقل. ومن هنا ذكر في محكيّ « الإحكام » :
أنّه إذا كان أحد الدّليلين راجحا فالعقلاء يقدّمونه ويرجّحونه بعقولهم . وفي محكيّ « شرح
المباديء » : أنّه لو لم
يجب العمل بالرّاجح فإمّا يعمل بالمرجوح أو بهما معا أو لا يعمل بشيء منهما ،
والكلّ باطل ، فيتعيّن العمل بالرّاجح .
ومنها
: ما تمسّك به في
محكيّ « النّهاية » و « غاية
البادي » : من أنّه إذا وقع التّعارض بين الظّنين وترجّح أحدهما كان العمل به متعيّنا
عرفا فيجب شرعا ؛ لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن. وفي محكيّ «
الإحكام » الأصل : تنزيل التّصرّفات الشّرعيّة منزلة التّصرّفات
العرفيّة ، ولهذا
__________________
قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ) .
ومنها
: أنّه لو وجب
التّخيير أو التّوقف لزم ارتكاب تخصيصات كثيرة لا تحصى فيما دلّ من العمومات على
حجّيّة الظّنون كآية النّبأ وغيرها وهو مع كونه خلاف
الأصل في غاية البعد والفساد لأدائه إلى سقوط فائدة تلك العمومات.
لا
يقال : تلك العمومات كما
تدلّ على حجّيّة الرّاجح كذلك تدلّ على حجّيّة المرجوح من غير فرق ؛ فإنّ آية
النّبأ تدلّ على قبول خبر الأعدل والعادل بدلالة واحدة.
لأنّا
نقول : إذا فسد احتمال
التّخيير والتّوقّف بما بيّناه لزم التّخصيص في تلك العمومات قطعا ولا يمكن إخراج
الرّاجح ، إلاّ بتعيّن العمل بالمرجوح وهو مع قبحه عقلا مجمع على بطلانه ، فتعيّن
إخراج المرجوح وإبقاء الرّاجح فيجب العمل به إلى غير ذلك ممّا ذكره في « المفاتيح » ممّا يقرب من تلك الوجوه أو يرجع إليها.
والإنصاف
: تطرّق المناقشة
إلى جميعها حتّى قاعدة بطلان ترجيح المرجوح : من حيث قبحه في مقام وامتناعه في
مقام آخر ، وإن جمع بين القبح والامتناع بعض فقال بقبحه بل امتناعه مع عدم إمكان
اجتماعهما ؛ فإنّه في مقام
__________________
التّشريع قبيح لا
محال ، وفي مقام التّكوين محال لا قبيح كما هو ظاهر ؛ فإنّ المكلّف لا يختار
الموهوم ، ولا المظنون إلاّ لمرجّح وغرض ، وإلاّ امتنع اختياره والشّارع لا يحكم
بالموهوم إلاّ لمرجّح عنده ، فالصّغرى ممنوعة على كلّ تقدير فلو قام هناك دليل على
كون المظنون راجحا عند الشّارع فهو يغني عن القاعدة جدّا.
ومن هنا ورد في
الشّرع النّهي عن اتّباع الظّن ، وكذا لو قام هناك دليل عقلا عليه كما إذا قلنا
بتماميّة مقدّمات الانسداد المنتجة لحجّيّة مطلق الظّن حسبما عرفت شرح القول فيه
في الجزء الأوّل من التّعليقة.
والإنصاف
: أنّ صرف الوقت في
بيان فساد الوجوه المذكورة ممّا لا ينبغي ؛ فإنّ العمدة ما عرفت من الوجوه
الثّلاثة ، وفيها غنى وكفاية ؛ لأنّ الأخبار على ما ستقف عليه واضحة الدّلالة عليه
وكذا انعقاد الإجماع عليه قولا وعملا ممّا لا شبهة فيه ، ولو لم يكن إلاّ
الإجماعات المنقولة البالغة حدّ التّواتر كفت في حصول القطع منها بتحقّق الإجماع
ولا يقدح مخالفة قليل ممّن لا يعتنى به ، كما أنّه لا يقدح عدم تمسّك كثير في
المقام بالأخبار مع بلوغها حدّ التّواتر ، مع أنّ فيها الأخبار المعتبرة فيشبه
المقام من هذه الجهة بالاستصحاب ؛ فإنّه مع ورود الأخبار الكثيرة وفيها الصّحاح
وغيرها لم يتمسّكوا له بالأخبار ، فكأنّهم أرادوا في المقامين النّسج على طريقة
العامّة.
ثمّ
إنّ كلماتهم وإن
كانت مختلفة من حيث مورد الإجماع من جهة أنّه خصوص الأخبار أو مطلق الظّنين ، إلاّ
أنّه لا يقدح فيما نحن بصدده من وجوب
التّرجيح في
الجملة. قال في محكي «
المباديء » : « أنّ إجماع
الصّحابة وقع على ترجيح بعض الأخبار على بعض » . انتهى.
وفي « غاية البادي » : « أجمع الصّحابة على العمل بالتّرجيح عند التّعارض » . انتهى كلامه.
وفي محكي « النّهاية » في مقام الاستدلال : « لنا : الإجماع على التّرجيح
والمصير إلى الرّاجح من الدّليلين » . انتهى كلامه رفع
مقامه.
وفي محكيّ « غاية المأمول » : « أنّ التّرجيح متى حصل وجب العمل به ؛ لأنّ المعهود
من العلماء كالصّحابة ومن خلفهم من التّابعين : أنّه متى تعارضت الأمارات اعتمدوا
على الرّاجح ورفضوا المرجوح » . انتهى كلامه.
وفي محكي « الإحكام » : « أمّا أنّ العمل بالدّليل الرّاجح واجب ، فيدلّ عليه
:
ما نقل وعلم من إجماع
الصّحابة والسّلف في الوقائع المختلفة على وجوب تقديم الرّاجح من الظّنين » . انتهى.
وفي كلام غير واحد
قطع الصّحابة وغيرهم به وعملهم عليه في الوقائع المتكرّرة المتكثّرة بحيث لا يقبل
الإنكار. وفي محكي « النّهاية » وغيرها : أنّهم
__________________
قدّموا خبر «
التقاء الختانين » على خبر أبي هريرة : « إنّما الماء من الماء » . وخبر أبي هريرة : « من أصبح جنبا فلا صوم له ) على خبر عائشة « أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يصبح جنبا وهو صائم » ، إلى غير ذلك. هذا بعض الكلام فيما تمسّكوا به على وجوب التّرجيح.
فيما يستدلّ به للقول
بعدم وجوب الترجيح
وأمّا القول بعدم
وجوبه فقد يتمسّك له أيضا ـ مضافا إلى الأصل أي : أصالة عدم اعتبار المزيّة
بالتّقريب الّذي عرفته ، أو أصالة البراءة بناء عليها في دوران الأمر بين التّخيير
والتّعيين حسبما أسمعناك عن قريب وإطلاق أخبار التّخيير ، أو التّوقف على القول به
ـ بوجوه :
منها
: ما عن « النّهاية » من احتجاج المنكرين بقوله تعالى : (
فَاعْتَبِرُوا
__________________
يا
أُولِي الْأَبْصارِ ).
وأجاب
عنه : بأنّه دليل ظنّي
فلا يعارض الدّليل القطعي القائم على وجوب التّرجيح هذا. مع أنّ الآية لا تنفي
التّرجيح فإنّ وجوب النّظر والاعتبار لا ينافي التّرجيح.
ومنها
: ما عنها أيضا من
الإحتجاج بقوله عليهالسلام : ( نحن نحكم بالظّاهر ) فإنّ مقتضاه عدم وجوب الأخذ بالرّاجح ؛ فإنّ المرجوح أيضا ظاهر.
وأجاب
عنه : بأنّ الخبر يدلّ
على وجوب الأخذ بالظّاهر والظّاهر ما يرجّح أحد طرفيه على الآخر ومع وجود الرّاجح
لا يكون المرجوح ظاهرا فهو يدلّ على وجوب التّرجيح.
ومنها
: ما عنها أيضا
فقال : احتجّ المنكرون أيضا : بأنّه لو اعتبر التّرجيح في الأمارات اعتبر في
البيّنات المتعارضة في الحكومات والتّالي باطل لعدم تقدّم شهادة الأربعة على
الاثنين فالمقدّم مثله. بيان
الشّرطيّة : أنّ العلّة وهي
ترجيح الأظهر على الظّاهر موجودة هنا.
ثمّ
أجاب عنه بمنع نفي
التّرجيح في الشّهادات ، فإنّه يقدّم عندنا شهادة الأربعة على الاثنين سلّمنا لكن
عدم التّرجيح في الشّهادة ربما كان مذهب أكثر الصّحابة ولم يخالفوا في اعتبار
التّرجيح في تعارض الأدلّة . انتهى
__________________
ما حكي عنه.
وظاهره كما ترى ،
أنّه لو لا الاتّفاق على التّرجيح في الأدلّة وكان أمرها أمر البيّنات من وقوع
الاختلاف في التّرجيح فيها لحكمنا بعدم التّرجيح في الأدلّة أيضا ؛ نظرا إلى الأصل
هذا.
وقد استفاد شيخنا
العلاّمة قدسسره خلاف ما ذكرنا ، فقال بعد نقله في « الكتاب » : ( ومرجع الأخير إلى أنّه لو لا الإجماع لحكمنا
بالتّرجيح في البيّنات أيضا. ويظهر ما فيه ممّا ذكرنا سابقا فإنا لو بنينا على أنّ
حجّيّة البيّنة من باب الطّريقيّة فاللاّزم مع التّعارض التّوقّف ... إلى آخر ما
أفاده ) .
__________________
نعم ، لو كان مذهب أكثر الصّحابة إجماعا عندهم أو ملحقا به
حكما أمكن استظهار ما استظهره من « النّهاية » ، لكنّه لم يثبت وإن ذهب إلى اعتباره بعضهم.
اللهمّ إلاّ أن
يقال : إنّ بطلان التّالي لمّا كان موقوفا على قيام الإجماع والتّسالم عليه ،
وإلاّ كان ممنوعا فلا بدّ أن يكون مراد العلاّمة قدسسره ما استظهره.
وحاصله
: أنّ عدم التّرجيح
في الشّهادات إذا كان لقيام الدّليل فلا يقاس عليه الأدلّة إذا كان مقتضى الأصل
التّرجيح في المقامين ، اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ غرض المستدلّ نقض ما تمسّك به
المستدلّ ممّا يأبى التّخصيص ، فلا يجدي قيام الدّليل عليه بعد اتّحاد المناط ،
إلاّ أنّه كما ترى ، مضافا إلى منافاته لظاهر الاستدلال إيراد على الجواب ولا
تعلّق له بالمراد.
ثمّ إنّه لا إشكال
في توجّه ما أفاده على ما ذكره على تقدير إرادته ؛ لأنّ
__________________
التّرجيح إنّما
يكون مطابقا للأصل فيما قام هناك دليل على التّخيير وكانت قضيّة مهملة ، ومبنى
الشّهادة وإن كان على الطّريقيّة ، إلاّ أنّه لا يحتمل التّخيير في مورد تعارض
البيّنات.
ثمّ لا يخفى عليك
أنّ الوجوه المذكورة للقول بعدم التّرجيح حالها من حيث الضّعف والسّقوط حال ما
عرفت من الوجوه المذكورة للقول بوجوب التّرجيح كحال ما دعا السيّد الصّدر إلى حمل
أخبار التّرجيح على الفضل والأولويّة على ما عرفت الإشارة إليه.
وإن كان ردّه
بإباء عدم الالتفات إلى حكم غير الأفقه والأعدل في المقبولة عن الحمل المذكور كما
في « الكتاب » ربّما
يناقش فيه : بأنّ صدر
المقبولة على ما أفاده لا تعلّق له بالمقام ، وكذا ما أفاده بقوله : ( مع أنّ في
سياق تلك المرجّحات ... إلى آخره ) فإنّه لا فرق فيما يكون موافقة الكتاب والسّنة
مرجّحة بينها وبين غيرها من المرجّحات ومن هنا أمر بالتّأمّل فيما أفاده .
__________________
* المقام الثاني : ذكر الأخبار العلاجيّة
(٩)
قوله قدسسره : ( وهذه الرّواية الشّريفة وإن لم تخل عن
الإشكال ... إلى آخره ) . ( ج ٤ / ٥٩ )
__________________
__________________
__________________
__________________
رحمهالله
__________________
__________________
__________________
__________________
__________________
جملة من المناقشات في
المقبولة والذبّ عنها
أقول
: في ورود الرّواية
صدرا في الحكومة ممّا لا ينبغي الإشكال فيه أصلا ومن هنا تمسّك بها الفقهاء (
رضوان الله عليهم ) في كتاب «
القضاء » في مسائل :
منها
: عدم جواز
التّرافع إلى غير الفقيه الإمامي إلاّ فيما توقّف أخذ الحقّ بالرّجوع إليه.
ومنها
: كون المأخوذ
بحكمه سحتا وحراما وإن كان الآخذ محقّا.
ومنها
: عدم جواز التّرافع
إلى العامي بل المتجزّي ؛ نظرا إلى ظهور قوله : ( نظر في حلالنا وحرامنا وعرف
أحكامنا ) فيمن له الملكة المطلقة بمعرفة جميع الأحكام.
ومنها
: لزوم تنفيذ حكم
الحاكم وكون ردّه كفرا إلى غير ذلك.
__________________
إلا أنّه لا
يتوجّه عليه شيء من الإشكالات المذكورة في « الكتاب » وغيرها من الإشكالات ؛ حيث
إنّ المراد من المنازعة في الدّين والميراث في السّؤال هو النّزاع والاختلاف من
جهة الجهل في الحكم والشّبهة الحكميّة ، كما قد يتّفق بالنّسبة إلى الدّين
والميراث ؛ ضرورة عدم مناسبة لاختلاف الحكمين من جهة الاختلاف في الحديث مع كون
النّزاع في الشّبهة الموضوعيّة.
ومن المعلوم أنّ
رفع الجهل في الشّبهة الحكميّة بالرّجوع إلى الفقيه قد يكون بعنوان التّرافع كما
قد يتّفق بالنّسبة إلى العارفين بالحكم أيضا مع الاختلاف ؛ فإنّ رفعه منحصر في
الرّجوع إلى الفقيه بعنوان التّرافع وإن كان المتداعيان مجتهدين كما هو واضح فلا
يناسبه تعدّد المرجع ، بل لا معنى له على هذا التّقدير وإن رضي به المتداعيان وإن كانت
الحكومة بتراضيهما كما قد يتّفق في زمان الحضور قبل ورود المقبولة ؛ فإنّها دليل
نصب جميع من اجتمع فيه شرائط الحكومة فلا يفرض بعدها قاضي التّحكيم.
ومنه
يظهر : تطرّق المناقشة
إلى ما قيل في دفع الإيراد المذكور ، بل يستفاد ممّا أفاده شيخنا العلاّمة في دفع
الإشكال المذكور بعد ذلك : من جواز تعدّد المرجع في قاضي التّحكيم ، وقد يكون
بعنوان الاستفتاء وأخذ المسألة والتّقليد فيجوز التّراضي على الاستفتاء عن فقيهين
وتقليدهما في المسألة على ما فصّلنا القول فيه في باب التّقليد : من جواز الاستناد
إلى رأي أزيد من فقيه مع الاتّفاق في الرّأي ، فإذا رضيا بذلك واتّفق اختلاف
الفقيهين في الرّأي وأرادا رفع الجهل بالتّقليد فالمتعيّن الرّجوع إلى الرّاجح من
حيث الصّفات المذكورة ، أو بعضها كما فهمه السّائل وقرّره الإمام عليهالسلام ، وإن تساويا فالحكم التّخيير في غير مورد النّزاع
في أمثال زماننا
من أزمنة عدم التمكّن من العمل بالحديث للعامي.
وأمّا في أعصار
الأئمّة عليهمالسلام فيمكن رفع الجهل بالعمل بالحديث للعامي كما يمكن له
التّقليد ، فإذا فرض الاختلاف بين الفقيهين المرجعين من جهة الاختلاف فيما ركنا
إليه في المسألة من الحديث كما هو صريح الرّواية انحصر رفع الاختلاف والنّزاع في
إرجاع الجاهلين إلى الرّاجح من مدرك الفقيهين ، فالتّرجيح بالأوصاف على هذا إنّما
هو في باب التّقليد لا الحكومة والرّواية فيما جعل المستند المقبولة.
نعم
، يستفاد منها
بعنوان العموم ـ كما ستقف عليه ـ التّرجيح بكلّ مزيّة فيستفاد منها التّرجيح
بالأوصاف بهذا العنوان ، لا بعنوان الخصوص حتّى يدخل التّرجيح بها في التّرجيح
بالمرجّحات المنصوصة وإن لم يكن هناك ثمرة على القول بالتّعدّي حسبما ستقف عليه.
نعم ، التّرجيح بالأصدقيّة ربّما ينافي ما ذكرنا من حمل
التّرجيح بالأوصاف على مسألة التّقليد.
اللهمّ إلاّ أن
تدفع المنافاة بما أفاده شيخنا العلاّمة قدسسره في « الرّسالة
الّتي صنّفها في مسألة التّقليد » : من أنّ ملكة الصّدق في أعصار الأئمّة عليهمالسلام لها مدخل كثير في باب الفتوى كالعلم والعدالة من حيث رجوع الاستنباط غالبا
إلى الحديث.
ثمّ إنّه إذا بني على إناطة التّرجيح بمطلق المزيّة على ما هو
مقتضى العلّة المنصوصة في ترجيح المشهور على الشّاذ ، وترجيح المخالف للعامّة على
الموافق لهم كما في المقبولة وغيرها ، فلا مناص من حمل ما نصّ على التّرجيح به في
أخبار العلاج على التّمثيل ، وذكر بعض الخصوصيّات المتداولة الغالبة للكلّيّة
المستفادة من
التّعليل.
ضرورة منافاة
التّعليل للاقتصار على المزايا الخاصّة في اعتبار اجتماعها وتقديم ما ذكر مقدّما
على ما ذكر مؤخّرا ، وهكذا اعتبار سائر الخصوصيّات ولم يكن فرق بينها وبين غيرها
ممّا لم يذكر. كما لا يقدح ذكر أكثرها بل كلّها في بعض الأخبار وذكر واحد منها في
بعضها الآخر ، والعطف بالواو الظّاهر في الجمع ، مع أنّ في بعضها التّصريح بكفاية
الواحد مع العطف بالواو.
كما لا يقدح
الاختلاف بحسب التّقديم والتّأخير بين الأخبار في ذكرها ، بل هذه الاختلافات تؤيّد
الإناطة على الكلّيّة إن لم يكن من الأدلّة عليها ، فلا يدلّ على إرادة الاستصحاب
كما زعمه السيّد الصّدر ، ولا على حجيّة مطلق الظّن في الأحكام كما زعمه المحقّق
القمّي قدسسره فيندفع بما ذكر جميع الإشكالات المتطرّقة حتّى على زعم من جعل التّرجيح
بالأوصاف في المقبولة من التّرجيح من حيث الرّواية.
مع أنّك قد عرفت :
أنّ التّرجيح بها في المقبولة من حيث ترجيح الفتوى لا الرّواية ولا الحكومة
المتعارفة كما في «
الكتاب » في مقام الجمع
بين المقبولة والمرفوعة في موضع آخر ؛ إذ لا تعارض بين الأخبار على هذا التّقدير
حتّى يتشبّث بذيل ما أفاده مع تطرّق المناقشة إلى تمامه أو أكثره ؛ فإنّ تعارض
المستندين لا يلازم غفلة الحاكم عن معارض مستنده ؛ لإمكان وقوفه عليه وترجيح
مستنده بضرب من التّرجيح ، وكذا عدم السّؤال عن صورة وجود بعض الصّفات ، أو
تعارضها لا يلازم فهم استقلال كلّ صفة بالتّرجيح ؛ إذ مع استفادة الاجتماع على ما
يقتضيه ظاهر العطف بالواو لا معنى للسّؤال عن صورة وجود بعض الصّفات أو تعارضها ،
بل الأنسب على تقدير فهم الاستقلال السّؤال عن
صورة تعارض
الصّفات.
نعم ، على ما ذكرنا : من استفادة إناطة التّرجيح بكلّ مزيّة
ربّما لا يحتاج إلى السّؤال عن حكم تعارضها : فإنّ التّرجيح عند التّعارض منوط
بنظر العامل بالحديث كما في تعارض سائر المزايا من المنصوصة وغيرها ، وعلى تقدير
التّكافؤ يعامل معهما معاملة المتكافئين ؛ لأنّهما على التّقدير المذكور من
مصاديقهما حقيقة.
وبالجملة
: بعد إناطة
التّرجيح بمطلق المزيّة والتّعدّي عن المرجّحات المنصوصة ، وحمل قوله في المقبولة (
وإن اختار كلّ منهما رجلا ... إلى آخره ) وجوابه بالتّرجيح
من حيث الصّفات على مسألة الاستفتاء وطلب الحكم اللّغوي ـ لا على المعنى
المعروف عند الفقهاء كما يشهد له استدلالهم بالمقبولة على وجوب تقليد الأفقه
والأعدل والأوثق عند الاختلاف بالدّلالة الأصليّة المطابقيّة ، لا بفحوى دلالتها
على تعيين الأفقه والأعدل في باب القضاء كما زعمه بعض ـ لا يتوجّه إشكال على
المقبولة أصلا ، لا ما أفاده قبل قوله : ( نعم ، يرد عليه بعض الإشكالات في ترتيب
المرجّحات ... إلى آخره ) المبني على حمل المذكور ـ سؤالا وجوابا ـ على الحكومة عند
الفقهاء ، ولا ما أفاده في ذيل قوله المذكور.
مع أنّ تصديق ورود
ما ذكره مع دفعه بما ذكره بعده وعدم قدحه في ظهور
__________________
الرّواية بل
صراحتها على ما أفاده ربّما ينافي ما أفاده قبل ذلك في بيان الإشكال سيّما مع عدم
دفعه وإن جزم بعدم قدحه في ظهور الرّواية بل صراحتها في التّرجيح بما ذكر فيها ،
إلاّ أن يحمل كلاميه على النّظرة الأولى والثّانية فتأمّل.
والحاصل
: أنّ تحرير المقام
بما في « الكتاب » لا يخلو عن تشويش ، فكأنّ ما أفاده في تحريره مبني على الاقتصار
على المرجّحات المنصوصة على ما رآه الأخباريّون من أصحابنا وبعض الأقدميّين من
المجتهدين مع الجمود على ظاهر لفظ الحكومة.
ثمّ إنّ الوجه
فيما أفاده من عدم قدح الإشكالات وإن بقيت على حالها ولم تدفع في ظهور الرّواية بل
صراحتها في وجوب التّرجيح ولو باجتماع الصّفات وموافقة الكتاب والسّنة ومخالفة
العامّة ظاهر لا يخفى ؛ ضرورة أنّ المدّعى إذا كان إثبات التّرجيح في الجملة في مقابل
السّلب الكلّي لم يقدح إجمال الرّواية وعدم ظهورها في إثبات تمام المدّعى مع أنّ
منها التّرجيح بالشّهرة ونحوها المنطبق على المدّعى هذا.
مضافا إلى أنّ
التّصريح فيها بكفاية مخالفة العامّة في التّرجيح عقيب السّؤال عن موافقة الخبرين
للكتاب والسّنة ، مع عطف المخالفة على موافقتهما قبل ذلك شاهد قويّ على عدم إرادة
الجمع من العطف بالنّسبة إلى جميع الفقرات ؛ ضرورة عدم الفرق ، فبملاحظة نفس
الرّواية يدفع الإشكال المذكور.
وأمّا الإشكالات
المتعلّقة بالحكومة من جهة صدر الرّواية فعدم اندفاعها لا يقدح جزما ؛ إذ لا تعلّق
لها بما يظهر منه لزوم التّرجيح من فقرات الرّواية أصلا ،
فالرّواية من هذه
الجهة نظير حديثين يكون أحدهما مجملا والآخر مبيّنا مع عدم تعلّق أحدهما بالآخر
أصلا ، فلعلّ هذا الفرق بين هذه الإشكالات المتعلّقة بصدر الرّواية والإشكال
المذكور بعد قوله : ( نعم ... ) أوجب الفرق في التّعبير ) ، فتأمّل.
(١٠)
قوله قدسسره : ( هذا ما وقفنا عليه من الأخبار ... إلى
آخره ). ( ج ٤ / ٦٨ )
أقول
: ذكر غير واحد في
عداد ما ورد في العلاج بالتّرجيح ما عرفت نقله في الجزء الأوّل من « الكتاب » ممّا ورد في باب عرض مطلق الأخبار على الكتاب بعد حمله
على مورد تعارض الأخبار جمعا بينه وبين ما دلّ على حجّيّة أخبار الآحاد على ما
عرفت ثمّة : من أنّه أحد وجوه الجمع بينها وبين الأخبار الغير المذكورة هناك ، وفي
المقام ما عن « البحار » عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إذا حدّثتم عنّي الحديث فانحلوا في أهنأه وأسهله
وأرشده فإن وافق كتاب الله فأنا قلته وإن لم يوافق كتاب الله فلم أقله » .
وقد اختلفوا في
تفسير هذا الحديث ، وأقرب احتمالاته : جعل ميزان أسماء التّفضيل فيه موافقة الكتاب
كسائر الأخبار الواردة في هذا الباب.
__________________
(١١)
قوله قدسسره : ( فلا يخفى عليك أنّ ظواهرها متعارضة ...
إلى آخره ). ( ج ٤ / ٦٨ )
مناقشة العلاج المذكور
للمقبولة والمرفوعة
أقول
: قد عرفت : أنّ
المتعارض بين أخبار العلاج في ابتداء النّظر إنّما هو على القول بلزوم الاقتصار
على المرجّحات الخاصّة المنصوصة وعدم التّعدّي إلى مطلق المزيّة ، وإلاّ فلا تعارض
بينها أصلا.
ثمّ إنّ العلاج
بين المقبولة والمرفوعة بما أفاده من الوجوه لا يخلو عن مناقشة ؛ فإنّ تقديم
المقبولة على المرفوعة بمقتضى المرفوعة على تقدير تسليم شمول ما ورد في باب علاج
تعارض الأخبار لعلاج تعارض أنفسها ولو بتنقيح المناط ـ مع أنّه في حيّز المنع ـ كما
ترى ؛ فإنّها من حيث اقتضائها تقديم المشهور على الشّاذّ يقتضي عدم العمل بها رأسا
بالنّسبة إلى هذه الفقرة.
وهو كما ترى ، لا
يصدر عمّن دون الإمام عليهالسلام فإنّ التّعبير عن المقصود بما يقتضي ضدّه مستهجن جدّا
وقبيح إلى النّهاية ، ولو قيل بعدم قبح استغراق التّخصيص أو التّخصيص إلى الواحد.
وهذا نظير الاعتراض على من استدلّ بآية النّبأ على حجّيّة خبر العدل : بأنّها تشمل
نقل السيّد علم الهدى رحمهالله الإجماع على عدم حجّيّة خبر الواحد ، وقد تقدّم نقله في
الجزء الأوّل من « الكتاب » مع الجواب عنه بما عرفت في العلاج المذكور.
__________________
ثمّ إنّ هذا على تقدير اعتبار المرفوعة وعدم قدح انعقاد
الشّهرة على خلاف المقبولة في اعتبارها ، وإلاّ فلا يقع التّعارض بينهما كما لا
يخفى.
نعم ، ما أفاده من
عدم شمولهما للشّهرة العمليّة ممّا لا إشكال فيه على ما عرفت في الجزء الأوّل من «
الكتاب » و « التّعليقة » .
وأمّا
منع كون العمل على
طبق المرفوعة بقوله : ( مع أنّا نمنع أنّ عمل المشهور ... إلى آخره ) فيتوجّه
عليه : بأنّ ذلك على
تقدير تسليمه إنّما هو على تقدير اعتبار اجتماع الصّفات في التّرجيح وقد منعه قدسسره قبل ذلك ، فكيف
يبنى في المقام عليه؟
فما أفاده لا يخلو
عن مناقشة ، مثل الوجه الأخير الّذي ذكره في الجمع بين الحديثين بقوله : ( ويمكن
أن يقال : إنّ السّؤال ... إلى آخره ) فإنّك قد عرفت :
أنّ التّرجيح بالأوصاف في المقبولة وإن لم يكن من حيث ترجيح الرّواية إلاّ أنّه لا
تعلّق له بالتّرجيح : من حيث الحكومة المتعارفة ، بل من حيث ترجيح الفتوى.
ومنه يظهر المناقشة فيما أفاده في تقريب ما ذكره بقوله : ( ومن هنا اتّفق
الفقهاء ... إلى آخره ) لأنّ لازم ما أفاده من الحمل التّرجيح بتمام الأوصاف
__________________
المذكورة في
المقبولة في باب الحكومة ولم يعهد منهم ، كالمناقشة في التّفصّي عن الإيراد الّذي
ذكره بقوله : ( نعم ، يرد على هذا الوجه : أنّ اللاّزم ... إلى آخره ) بقوله : ( ويمكن التّفصي ... إلى آخره ) ؛ لأنّك قد عرفت
: أنّ
الرّواية لا تعلّق لها
بقاضي التّحكيم ، بل لا معنى له بعد دلالتها على نصب جميع من اجتمع فيه شرائط
الحكومة : من الإيمان ، ومعرفة الأحكام ، وغيرهما. وليس فيها ما يشعر بذلك إلاّ
قول السّائل : قلت : فإن كان كلّ رجل يختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا ناظرين
في حقّهما ... إلى آخره ) وقد عرفت المراد منه بحيث لا تعلّق له بالحكومة المتعارفة
وقاضي التّحكيم أصلا.
نعم ، فيما يفرض فيه قاضي التّحكيم لا معنى لجريان ما تسالم
عليه المشهور فيه : من وكول أمر تعيين محضر الحاكمين المتساويين إلى المدّعي ،
وعدم اعتبار رضا المنكر أصلا ؛ ضرورة منافاة جريانه في قاضي التّحكيم لمعناه ؛
فإنّ المراد من قاضي التّحكيم : ما تراضى الخصمان على الرّجوع إليه مع عدم نصبه
للقضاء من جانب الولي للقضاء لا خصوصا ولا عموما بشرط أهليّته لذلك ، واجتماع جميع
الشّروط عدا النّصب فيه.
__________________
ثمّ إنّ المقبولة والمرفوعة على تقدير اعتبارها وإن كانتا
متعارضتين من جهات أخر أيضا في ظاهر النّظر ، إلاّ أنّ تعارضهما من جهتها لما ترجع
إلى الإطلاق والتّقييد ، فقد تعرّض قدسسره لحكمه في طيّ الموضع الثّالث بالعنوان الكلّي بقوله : (
الثّالث : أنّ مقتضى القاعدة ... إلى آخره ) .
نعم
، ذيلاهما
متعارضان لا بالعنوان المذكور.
فقد
زعم بعض ـ على ما عرفت
الإشارة إليه في مطاوي كلماتنا السّابقة ـ الجمع بينهما بحمل ذيل المقبولة على ما
أمكن فيه الاحتياط ، وحمل ذيل المرفوعة على ما لا يمكن فيه الاحتياط ، فلا تعارض
بينهما أصلا.
وقد
عرفت فساده ، وأنّ عدم
موافقة أحد المتعارضين للاحتياط لا يلازم عدم إمكان الاحتياط في المسألة ؛ فإنّه
إذا تعارض الخبران في القصر والتّمام مثلا في بعض المسائل فليس شيء منهما موافقا
للاحتياط مع إمكان الاحتياط بالجمع بينهما. وهكذا الأمر في جميع موارد تعارض
الخبرين في الشّك في المكلّف به في صور المتباينين ، فالمتعيّن الجمع بينهما بما
أسمعناك سابقا : من حمل الأمر بالتّوقّف على الأولويّة والإرشاد كما يرشد إليه
التّعليل المذكور بعده.
(١٢)
قوله قدسسره : ( أنّ الحديث الثّامن ... إلى آخره ). ( ج ٤
/ ٧٠ )
أقول
: ظهور الحديث الثّامن
فيما أفاده بضميمة عدم القول بالفصل ـ مضافا إلى وحدة السّياق ـ ممّا لا ينبغي
إنكاره ، إلاّ أنّه لا يتعيّن طرحه بعد إمكان حمله على الأولويّة والإرشاد العقلي
؛ حيث إنّ العقل مستقلّ بأولويّة تحصيل الواقع علما
__________________
بالرجوع إلى الإمام عليه السلام من الرجوع إلى الطرق
المعتبرة ، وليس الحديث نصّاً في لزوم تقديم التحصيل حتّى يتعيّن طرحه من جهة
معارضة مع ما هو نصّ في جواز التّرجيح مع التّمكن من تحصيل العلم كالمقبولة.
نعم ، من ذهب إلى كون المرجّحات المنصوصة من الظّنون الخاصّة
المقيّدة كما يظهر من كلام بعضهم في أصل حجيّة الأخبار أيضاً يلزمه العمل بظاهر
الحديث وتقييد المقبولة صدراً وطرحها ذيلاً كما هو ظاهر. ولا محذور في هذا
التّبعيض عقلاً إذا ساعده الدّليل وإن كان مستبعداً جدّاً ، إلّا أنّ القول به
ضعيف قطعاً ، وخلاف ما يقتضيه قاعدة الجمع بين النّص والظّاهر ، كطرح الحديث على
ما استظهره شيخنا العلّامة قدّس سره بقوله : ( والظّاهر لزوم طرحها ؛ لمعارضتها
بالمقبولة الرّاجحة عليها ، فتبقى إطلاقات التّرجيح سليمة ) .
(١٣)
قوله : ( الثّالث : أنّ مقتضى القاعدة تقييد إطلاقات ... إلى آخره ). ( ج ٤ / ٧١
).
أقول
: مبني ما أفاده
على كون المقبولة أجمع وأشمل من غيرها في بيان المرجّحات وليس الأمر كذلك بناء على
حمل صدرها على التّرجيح من حيث الحكومة على ما بني عليه الأمر سابقاً في الجمع
بينها وبين المرفوعة. اللّهمّ إلّا أن يكون ما أفاده في المقام إغماضا عمّا ذكره
سابقاً ، ومع ذلك لابدّ من الالتزام بتقييد في المقبولة بناء على العمل بما اشتمل
على التّرجيح بالأحدثيّة.
ثمّ
إنّ الوجه فيما
أفاده ظاهر ؛ حيث إنّ حمل المطلق على المقيّد ممّا هو مركوز في الأذهان لا يحتاج
إلى بيان وتوظيف من الشّارع فلا يطالب الدّليل
__________________
عليه ، وإن لم
يبعد ما أفاده أخيرا بقوله : ( إلاّ أنّه قد يستبعد ذلك ... إلى آخره ) .
(١٤)
قوله : ( الرّابع : أنّ الحديث الثّاني عشر ... إلى آخره ). ( ج ٤ / ٧١ )
أقول
: لا يبعد شمول
الحديث للرّوايات الإماميّة بعد حمل قوله : ( فيجيء منكم خلافه ) على مجيء الخلاف من الأئمّة عليهمالسلام لا بعنوان النّقل والرّواية من النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. مضافا إلى أنّ نسخ حديث النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بحديثه كان أمرا شائعا معهودا فلا يحتاج إلى التّنبيه
والبيان فتأمّل.
وإن كان هذا
النّحو من النّسخ ، أي : كشف الحديث عن نسخ النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وإيداعه عند الإمام عليهالسلام كإيداع القرائن للظّواهر عنده عليهالسلام مع عدم بيانها في زمانه صلىاللهعليهوآلهوسلم أصلا نادرا ، إلاّ أنّه لا بأس به بعد ظهور الرّواية فيه
ولا إشكال ، بل ولا كلام في تقديم سائر التّصرّفات في الدّلالة على النّسخ عند
الدّوران كما تبيّن في محلّه ، ويبيّن في « الكتاب » عن قريب.
إنّما الكلام في
تقديم الطّرح من حيث الصّدور أو جهته لمكان التّرجيح على النّسخ ولو فيما روى المتعارضان
عن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أو تقديم النّسخ عليه ، وقد أشار إلى وجهي المسألة في « الكتاب » ، وظاهر عنوانه وإن كان مقتضيا لتخصيص محلّ الكلام بما
يرد عن الأئمّة عليهمالسلام على خلاف حديث النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، إلاّ أنّ وجهي المسألة كما ترى ، جاريان في مطلق دوران
الأمر بين التّرجيح والنّسخ.
__________________
وأولى بالكلام
والإشكال ما دار الأمر فيه بين النّسخ والتّخيير. اللهمّ إلاّ أن يلتزم بتقييد
الحديث بما دلّ على التّرجيح وتقييد إطلاق التّخيير بالحديث بناء على عدم التّلازم
بين التّرجيح والتّخيير بحسب المورد فيجوز التّفكيك بينهما فتأمّل.
ثمّ إنّ هنا أمرا
ينبغي التّنبيه عليه وهو : أنّ الحديث العاشر والحادي عشر دلاّ على التّرجيح
بالأحدثيّة : من جهة كشف اللاّحق عن ورود السّابق بعنوان التّقيّة كما هو صريح
الأخير ، وقد استشكل شيخنا قدسسره فيه في مجلس البحث من وجهين :
أحدهما
: من جهة طرح
الأصحاب لهما حتّى في مقابل التخيير وفقد جميع المرجّحات ، إلاّ ما حكي عن بعض
القدماء.
ثانيهما
: من جهة المناقشة
في الكشف المذكور ؛ إذ التّقيّة لا يلزم أن يكون في زمان ورود المتقدّم.
اللهمّ
إلاّ أن يقال : إنّ مورد الحديثين خصوص الأحاديث المسموعة عنهم عليهمالسلام فلعلّ عند معاصريهم عليهمالسلام ما يدلّهم على ذلك ، كما يكشف عن ذلك ملاحظة الحديثين ؛
لأنّ الأخذ بالأحدث كان مركوزا عندهم بمقتضى الحديثين ، وقد قرّرهم الإمام عليهالسلام على ذلك فلا يعمّان الأخبار المرويّة عنهم عليهمالسلام فتدبّر.
(١٥)
قوله قدسسره : ( والمراد بالمتشابه بقرينة قوله ... إلى
آخره ) . ( ج ٤ / ٧٢ )
__________________
أقول
: لا بأس باستظهار
ما استفاده من الحديثين ، إلاّ أنّ تعليله بما أفاده بقوله : ( ولا معنى لاتّباع
المجمل ) قد
يناقش فيه : بأنّه قد يختار
التّشخّص أحد المعاني للمجمل من جهة موافقته لأغراضه النّفسانيّة كما يدلّ عليه
قوله
__________________
تبارك وتعالى : ( فَأَمَّا
الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ ) الآية.
كما أنّه قد يناقش فيما أفاده بقوله : ( وهذا المعنى لمّا كان مركوزا في
أذهان أهل اللّسان ... إلى آخره ) : بأنّ ظاهر قوله
عليهالسلام في الحديث : ( أنتم أفقه النّاس إذا عرفتم معاني كلامنا ) يشمل كلامهم القطعي يقينا مع أنّه بعد لزوم البناء على صدور الظّني عنهم عليهمالسلام يعامل معه معاملة القطعي عند العقلاء جدّا.
فالغرض من
الحديثين الحثّ والتّأكيد على التّأمّل في أطراف ما صدر عنهم ولو بنقل الثّقات ،
والرّدع عمّا جرت عليه طريقة أهل الخلاف : من الأخذ بالظّواهر من دون تأمّل ونظر
إلى ما يصرفها عن ظاهرها. فالحديثان يعمّان المتعارضين وغيرهما فتدبّر.
__________________
* المقام الثالث :
التعدي عن المرجّحات
المنصوصة
(١٦)
قوله قدسسره : ( فنقول : اعلم أنّ [ حاصل ] ما يستفاد ...
إلى آخره ) . ( ج ٤ / ٧٣ )
__________________
__________________
أقول
: قد يناقش فيما أفاده ؛ نظرا إلى أنّ الاستدلال للتّعدّي عن المرجّحات المنصوصة بالأصدقيّة في المقبولة
فيما يأتي من كلامه ينافيه جدّا. اللهمّ إلاّ أن يحمل كلامه في إثبات التّعدي على
ملاحظة المقبولة بنفسها مع قطع النّظر عن الجمع بينها وبين المرفوعة فتأمّل.
كما أنّه قد يناقش فيما أفاده بقوله : ( وأمّا التّرجيح بموافقة الكتاب والسّنة ... إلى
آخره ) ـ المبنيّ على كون الاعتضاد عنوانا آخر غير التّرجيح وأنّ
التّقديم من جهته ممّا لا ينبغي التّأمّل فيه ـ :
أوّلا
: بأنّ الأخذ بما
يوافق عمومات الكتاب والسّنة يحتاج إلى دليل كالأخذ بما يوافق غيرهما من المزايا
الغير المعتبرة.
نعم
، الرّجوع إلى تلك
العمومات على تقدير التّوقف ، أو التّساقط ممّا لا كلام فيه ، وشتّان بين
المقامين.
وثانيا
: بأنّ عطف
التّرجيح بالأصل ينافي تصريحه في مواضع من كلامه بعدم كونه مرجّحا ، اللهمّ إلاّ
أن يحمل على القول بكونه من باب الظّن ، أو على
__________________
التّعبّد على
القول بكون الأمر التّعبّدي مرجّحا ، أو على مقتضى الأصل بناء على كون مقتضاه
التّرجيح بكلّ ما يحتمل كونه مرجّحا على ما صرّح به فيما تقدّم فتأمّل. أو على
المعنى الأعمّ من المرجعيّة على تقدير التّوقّف ، أو التّساقط على ما عرفت في
التّرجيح بموافقة الكتاب والسّنة فتأمّل.
(١٧)
قوله قدسسره : ( ولأجل ما ذكر لم يذكر ... إلى آخره ). ( ج
٤ / ٧٣ )
أقول
: الوجه في عدم ذكر
ثقة
الإسلام التّرجيح بالأوصاف إنّما هو من جهة ما عرفت تحقيقه : من كون التّرجيح بها في
المقبولة في مسألة الفتوى لا الرّواية. وأمّا المرفوعة فهي وإن كانت صريحة في
التّرجيح بها من حيث الرّواية إلاّ أنّها غير معتبرة عنده.
وأمّا
ما أفاده في وجهه : من عدم الحاجة ؛ نظرا إلى كون التّرجيح بها مركوزا في الأذهان فلا يتوقّف على
التّوقيف من الشّرع.
فربّما
يناقش فيه ـ بعد منعه ومن
هنا ورد التّرجيح بها في الأخبار ولو في باب الحكومة والفتوى ؛ ضرورة عدم الفرق ـ :
بأنّه بناء عليه كان عدم ذكر موافقة الكتاب والسّنة على ما أفاده قدسسره : من كون
التّرجيح بها من الأمور المركوزة في الأذهان بحيث لا يحتاج إلى التّوقيف أولى.
ثمّ
إنّه بناء على
الاقتصار على المرجّحات المنصوصة كما هو مبنى كلام ثقة
__________________
الإسلام وانسداد باب العلم التّفصيلي بها لم يجز التّمسك بشيء من
أخبار التّرجيح والتّخيير فيكون الشّبهة بالنّسبة إلى كليهما من الشّبهة
الموضوعيّة ، فلو تمّ التّمسك بدليل الانسداد لإثبات حجّيّة الظّن بها في أحد
الخبرين فهو ، وإلاّ كان الظّن بها كالشّك في الحكم.
نعم ، يمكن أن يقال : فيما لم يكن هناك ظنّ أو كان ولم يقم
دليل على حجّيّته يتعيّن الحكم بالتّخيير بعد العلم بعدم جواز الرّجوع إلى الأصل
مطلقا من حيث العلم بوجود الحجّة والدّليل في المسألة وعدم المعيّن لأحد
المتعارضين كما هو المفروض. والمفروض أنّ احتماله بل ظنّه لا يجدي من حيث كونه
متعلّقا بالموضوع الخارجي ، فيتخيّر بين الخبرين كما يتخيّر بين الوجوب والتّحريم
في المسألة الفرعيّة ، فليس هذا التّخيير مدلولا لأخبار التّخيير.
كما أنّه يمكن أن
يقال في الصّورتين ـ فيما إذا كان احتمال وجود المرجّح في أحد الخبرين بخصوصه ـ :
بالتّعيين من جهة دوران الحجّة الإجماليّة بينه على سبيل التّعيين وصاحبه تخييرا
فيكون متيقّن الحجّيّة على كلّ تقدير وصاحبه مشكوك الحجّيّة ، إلاّ أنّه كما ترى ،
لا تعلّق له بالتّمسك بأخبار التّرجيح.
كما أنّه لا تعلّق
لما ذكرنا كلّه في المقام بكلام ثقة
الإسلام ولا بكلام
الأخباري ، بل ولا بكلام شيخنا العلاّمة عند التّأمّل ؛ لأنّ المستفاد من كلام ثقة
الإسلام غير ما فهمه الأخباري وشيخنا العلاّمة. اللهمّ إلاّ أن يكون كلام شيخنا في
مقام الاعتراض على الأخباري إغماضا عمّا أراده ثقة الإسلام قدسسره بزعمه قدسسره فتأمّل.
(١٨)
قوله قدسسره : ( فلا بدّ للمتعدّي من المرجّحات الخاصّة
المنصوصة ... إلى آخره ) . ( ج ٤ / ٧٥ )
__________________
الاستدلال على التعدّي من
المرجّحات المنصوصة
أقول
: يستدلّ للتّعدي
عن المرجّحات المنصوصة على ما هو
__________________
المشهور بوجوه :
الأوّل
: الأصل ،
بالتّقرير الّذي عرفت الكلام فيه بعد البناء على وجوب العمل بأحد المتعارضين
وإهمال أخبار التّخيير.
الثّاني
: كون أخبار
التّخيير مسوقة لبيان حكم علاج المتعارضين المتكافئين من جميع الوجوه المتساويين
من حيث تمام المزايا من المنصوصة وغيرها.
والفرق بين
الوجهين لا يكاد أن يخفى ؛ لأنّ الثّاني نظر إلى دلالة أخبار التّخيير على لزوم
التّرجيح بكلّ مزيّة وهو الظّاهر ممّا أفاده بقوله : ( وإمّا أن يستظهر من إطلاقات
التّخيير الاختصاص ... إلى آخره ) وإن كان محلّ
مناقشة إن لم يكن محلّ منع ؛ لأنّ غاية ما يظهر منها الاختصاص بصورة التّكافؤ من
جهة جميع المزايا الّتي قد حكم الشّارع بلزوم التّرجيح بها. وأمّا أنّه حكم به على
سبيل القضيّة الكليّة أو الجزئيّة فلا يستفاد منها جدّا.
الثّالث
: الإجماع عليه
بقسميه قولا وعملا من الصّحابة ، والتّابعين ، وغيرهم من العامّة والخاصّة كما
يظهر لمن راجع إلى كلماتهم في الأصول والفروع في موارد الاستدلال والتّرجيح ، ولو
لم يكن إلاّ نقله المتواتر سيّما من العلاّمة في كتبه الأصوليّة وأضرابه ( قدّس
الله أسرارهم ) كفى في حصول القطع به ، ويرشد إليه كلامهم سيّما المحقّق في باب
التّرجيح بالقياس .
__________________
والحاصل
: أنّ تسالم
الفريقين عليه ممّا لا يكاد أن يخفى وقد مضى شطر من الكلام في ذلك فيما أسمعناك في
مسألة وجوب التّرجيح ولا يقدح فيه مخالفة الأخباريّين ، بل بعض المجتهدين كثقة
الإسلام سيّما على طريق الحدس في باب الإجماع ، والمسألة وإن
كانت أصوليّة إلاّ أنّها لمّا كانت عمليّة لا يتوهّم عدم كفاية الإجماع فيها.
ثمّ إنّ المتيقّن من هذا الإجماع وإن كان تعارض الأخبار ، إلاّ
أنّه يكفي دليلا في المقام ؛ لأنّ كلامنا ليس في التّعدّي من الأخبار ، بل في
التّعدي عن المرجّحات المنصوصة.
الرّابع
: دلالة الأخبار
العلاجيّة عليه وهي من وجوه :
منها
: التّرجيح
بالأصدقيّة في المقبولة والأوثقيّة في المرفوعة على ما في « الكتاب » من جهة عدم احتمال الموضوعيّة في التّرجيح بالأقربيّة
الحاصلة منهما سيّما الأوّل كما يحتمل في التّرجيح بالأفقهيّة والأعدليّة ؛ حيث
إنّه كما يحتمل الموضوعيّة للعدالة والفقاهة كذلك يحتمل الموضوعيّة للأعدليّة
والأفقهيّة ، فلا يمكن استفادة الكبرى الكلّية من التّرجيح بهما.
وهذا بخلاف
التّرجيح بالأصدقيّة والأوثقيّة ، فيستفاد من التّرجيح بهما
__________________
التّرجيح بكلّ ما
يوجب الأقربيّة ، وهذا الاحتمال وإن كان راجحا في التّرجيح بالأفقهيّة والأعدليّة
إلاّ أنّه لمّا لم يكن من مداليل اللّفظ لم يحكم بمقتضاه وإن كان صالحا للتّأييد ،
وأيّد ما أفاده في « الكتاب » من استفادة الكبرى الكلّيّة من التّرجيح بالوصفين بقوله
: ( ويؤيّد ما ذكرنا : أنّ الرّاوي بعد سماع التّرجيح ... إلى آخره ) .
ولا يتوجّه على ما
استفاده : أنّه بناء على استفادة الكلّيّة من التّرجيح بهما كما فهمه الرّاوي أيضا
وقرّره الإمام عليهالسلام ، كما ذكره في التّأييد لا يبقى وجه لسؤال الرّاوي عن صورة
مساواتهما من حيث الصّفات ، كما أنّه لا يبقى وجه لإرجاع الإمام عليهالسلام إلى التّرجيح بغيرها من المرجّحات ؛ لأنّه يمكن أن يكون الوجه في السّؤال :
استعلام الصّغريات مع احتمال كون الوجه حصول الاطمئنان بالكلّيّة ، وتأكيدا لاستفادتها
سؤالا وجوابا كما هو الوجه في السّؤال والجواب بعد التّرجيح بالشّهرة ، والشّذوذ ،
ومخالفة العامّة مع التّعليل في التّرجيح بهما الّذي لا إشكال في دلالته على
الكبرى الكلّيّة على ما ستقف عليه. هذا ملخّص ما يستفاد من إفادته قدسسره في « الكتاب » وفي مجلس
البحث في وجه دلالة
التّرجيح بالوصفين على الكلّيّة.
ولكنّك
خبير بعدم خلوّه عن
المناقشة ؛ إذ كما يحتمل الموضوعيّة في التّرجيح بالأفقهيّة والأعدليّة كذلك يحتمل
في التّرجيح بالوصفين أيضا ؛ لأنّ التّرجيح بخصوص القرب الحاصل من شدّة ملكة
الوصفين محتمل جدّا. ومن هنا لا يستفاد كلّيّة حجّيّة الظّن ممّا دلّ على حجّيّة
خبر الثّقة والصّادق هذا.
__________________
مضافا إلى أنّه قدسسره جعل التّرجيح
بالأوصاف في المقبولة راجعا إلى ترجيح الحكمين لا الرّوايتين ، فكيف يمكن جعله
دليلا على كلّيّة الكبرى في باب ترجيح الرّوايات مع إلقاء الكلّيّة في المورد كما
هو ظاهر؟ فتأمّل .
وأمّا ما أفاده
تأييدا لما استفاده ، فيتوجّه
عليه : أنّ استفادة
الكلّية لا تغني عن السّؤال عن حكم صورة تعارض الصّفات كما هو ظاهر.
نعم ، بعد استفادة استقلال كلّ واحد من الصّفات في التّرجيح لا
يحتاج إلى السّؤال عن صورة وجود بعضها ولو لم نقل بالكلّية هذا مع قرب احتمال كون
مراد السّائل من قوله لا يفضل أحدهما على صاحبه عدم المزيّة من جهة خصوص الصّفات
المذكورة.
ومنها
: تعليل التّرجيح
بالشّهرة بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه ) فإنّ المراد من الرّيب المنفي في المشهور رواية هو الرّيب المثبت في الشّاذّ
من حيث تفرّد بعض بروايته وعدم معروفيّته عند الرّواة لا نفي الرّيب في صدوره من
جهة قطعيّته ، فضلا عن نفي الرّيب في جميع جهاته حتّى يلزم كونه قطعيّا من جميع
الجهات ؛ لأنّ شهرة الرّواية لا تصلح للأوّل فضلا عن الثّاني ، فكيف
__________________
يمكن التّعليل به؟
ضرورة كون مقتضاه وجود العلّة بحسب الوجدان في موردها.
والوجه في عدم
صلاحيّتها ظاهر بعد الاطّلاع على المراد من الشّهرة من حيث الرّواية هذا.
مضافا إلى أنّ
إرادة غير ما ذكرنا ينافي الإرجاع إلى سائر المرجّحات قبل التّرجيح بالشّهرة في
المقبولة فتأمّل . وبعد التّرجيح بها وتثليث الأمور والاستشهاد بتثليث
النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ ضرورة كون الغرض منه بيان حكم الشّاذّ من حيث كونه داخلا
في المشكل والمشتبه لا بيان الغيّ والحرام البيّن ؛ فإنّ المكلّف مجبول على عدم
الأخذ بما كان هذا شأنه ، فلا يحتاج إلى ترتيب ما رتّبه عليهالسلام في الحديث لعدم الأخذ به.
والتّعليل بعدم
الرّيب في تقديم المشهور إنّما هو من التّعليل بالصّغرى ، ولازمه كما ترى ، كون
الكبرى وهي لزوم تقديم كلّ ما انتفى فيه الرّيب المثبت في معارضة من المتعارضين
أمرا مسلّما مفروغا عنه ، وإلاّ لم يكن معنى للتّعليل بالصّغرى كما هو ظاهر. وهذا
معنى دلالة التّعليل بنفي الرّيب الإضافي على الكبرى الكلّيّة. بل مقتضاه كما ترى
، عدم لزوم الظّن الشّخصي بخلل في الشّاذّ على ما ستقف على شرح القول فيه : من عدم
اعتبار إناطة التّرجيح بالظّن وكفاية مجرّد الأبعديّة عن الباطل.
__________________
ودعوى
: احتمال كون
العلّة عدم الرّيب الحاصل من خصوص شهرة الرّواية ، هدم لما تسالموا عليه : من عدم جواز الاقتصار على مورد العلّة المنصوصة في قبال
السيّد قدسسره : كما أنّ توهين ما ذكر : بأنّه بناء عليه لا معنى لسؤال الرّاوي بعد الاطلاع
على التّعليل المذكور ضعيف بما نبّهناك عليه ، كضعف توهينه :
باقتصار غير واحد
على المرجّحات المنصوصة مع كون الدّلالة على ما ذكر من الأمور الواضحة الظّاهرة في
أوّل النّظر إلى التّعليل.
ومنها
: تعليل تقديم
المخالف للقوم بكون الرّشد في خلافهم والتّقريب ـ كما في التّعليل السّابق ـ لعدم
إمكان حمل القضيّة على الدّوام وإن كانت ظاهرة فيه في ابتداء النّظر ؛ حيث إنّ ما
خالفهم ليس قطعيّا من جميع الجهات ، كما أنّ ما وافقهم ليس قطعيّ البطلان ، وإلاّ
خرج الفرض عن التّعارض مع كونه خلاف الإجماع ؛ حيث إنّه لم يقل أحد بعدم حجّيّة
الخبر الموافق للعامة.
مضافا إلى كونه
خلاف الواقع ؛ إذ كثير من أحكامهم موافق للواقع غاية ما يسلم غلبة الباطل في
أحكامهم ، وهذا التّعليل لمّا كان نظريّا بيّن وجهه في بعض الأخبار : بكون مبنى دينهم على مخالفة أمير المؤمنين عليهالسلام فيما يسألونه إذا جهلوا بحكم المسألة ، ولا يمكن حمل
القضيّة على خصوص مورد التّعارض كما هو ظاهر لمن له أدنى دراية ، فمخالفتهم أمارة
نوعيّة للحقّ. كما أنّ موافقتهم أمارة نوعيّة للباطل على تقدير تسليم الغلبة
المذكورة ، فهذا التّعليل أخصّ من التّعليل
__________________
السّابق لكنّه لا
ينافيه جدّا كما هو ظاهر.
نعم
، على تقدير منع
الغلبة وكون القضيّة كثيريّة لا غالبيّة ينطبق على التّعليل المذكور من حيث
الصّغرى والكبرى إلاّ من حيث مورد العلّة فيكون مدار التّرجيح على الوجهين على
مجرّد الأبعديّة ، بل يمكن الحكم بالانطباق على تقدير تسليم الغلبة أيضا ؛ إذ ما
خالفهم ليس منحصرا في الغالب بما دلّ عليه الخبر الغير الموافق فيكون من محتملات
الأقرب إلى الواقع. ولازمه كما ترى ، ما ذكرنا : من كون المخالف أبعد عن الباطل
هذا.
وقد يجعل من قبيل
ما اشتمل على التّعليل في الدّلالة على الكلّيّة كما في ظاهر الكتاب قوله عليهالسلام : ( ما سمعت عنّي يشبه قول النّاس ففيه التّقيّة ) بناء على حمله على مورد التّعارض وكون المشابه محمولا على التّقيّة : من جهة
كون المشابهة أمارة عليها ، أو كون غير المشابه أبعد عن التقيّة. وقوله عليهالسلام : ( ما جاءكم عنّا من حديثين مختلفين فأعرضوهما على كتاب الله ) الحديث ، كما في « الكتاب » أيضا.
لكنّه
كما ترى ، لا يخلو عن
مناقشة ؛ فإنّ المراد من الشّباهة في الحديث
__________________
الأوّل : هو
التّفريع على قواعدهم الباطلة وأصولهم السّخيفة ، فلا داعي لحمله على صورة تعارض
الخبرين الّتي يأبى عنها الحديث جدّا ، مضافا إلى ما في العمل على ما يقتضيه
التّعليل من التّكلّف الرّكيك. ومنه يظهر المراد من الحديث الثّاني أيضا ؛ فإنّ
المراد من المشابهة فيه أيضا : هو التّفرع على الأصول المسلّمة المدلول عليها
بالكتاب والأحاديث الصّادرة عن الأئمّة عليهمالسلام هذا.
مضافا إلى ما
يتوجّه عليهما : من منع الدّلالة على الكلّيّة. اللهمّ إلاّ أن يكون الغرض من
الاستدلال بهما مجرّد إناطة التّرجيح بالأبعديّة ؛ نظرا إلى دلالة لفظ المشابهة
ولو بالنّسبة إلى المورد الخاصّ لا الكلّيّة فتأمّل.
نعم ، أخبار الباب لا تخلو عن الإيماء إلى إناطة التّرجيح
بمطلق القرب والبعد سيّما بملاحظة اختلافها في بيان المرجّحات وتعدادها ؛ فإنّ
أقرب الوجوه في محمل الاختلاف هو رجوعها بأسرها إلى بيان الصّغرى للكبرى المفروغ
عنها وإعطاء القاعدة بالمثال على ما حكي عن المحدّث الجزائري فتدبّر.
الخامس
: قوله عليهالسلام في بعض الأخبار : ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ) حيث إنّ المستفاد منه : أنّه عند الدّوران بين الأمرين سواء كانا الخبرين
المتعارضين ، أو الاحتمالين يلزم الأخذ بما انتفى فيه الرّيب الموجود في صاحبه
فينطبق على ما استفيد من تعليل تقديم المشهور على ما عرفت ، بل دلالته من
__________________
وجه أوضح ؛ حيث
إنّ الكلّيّة مصرّح بها في الحديث.
نعم
، الفرق بينهما :
كونه أعمّ من الحديثين المتعارضين. هذا حاصل ما يستفاد من « الكتاب » واستفدناه ممّا أفاده في مجلس المذاكرة في تقريب دلالة
الحديث.
ولكنّك
خبير بما يتطرّق إلى
ما أفاده من المناقشة ؛ فإنّ حمل الرّيب المنفيّ في الحديث على الرّيب الإضافي لا
داعي له أصلا مع كونه خلاف الظّاهر جدّا هذا. مضافا إلى عدم كون العموم المذكور
معمولا به قطعا حتّى على المعنى الظّاهر منه ، غاية الأمر رجحان ذلك على ما
أسمعناك في الجزء الثّاني من التّعليقة في « مسألة وجوب الاحتياط في الشّبهة
التّحريميّة الحكميّة » فلعلّ ذكره في « الكتاب » من باب مجرّد التّأييد وتكثير الوجوه والاعتضاد لا
الاعتماد عليه مستقلاّ فتدبّر.
هذا ما قيل أو
يقال في وجه التّعدّي عمّا نصّ عليه من المرجّحات في أخبار العلاج ، والعمدة على
ما أسمعناك ك هو التّعليل المنصوص عليه فيها سيّما التّعليل المذكور في ترجيح
المشهور رواية.
وقد عرفت : أنّ
مقتضاه إناطة التّرجيح بمطلق عدم الرّيب الإضافي الشّامل لبعد أحد الاحتمالين
بالنّسبة إلى الآخر ، فشموله لقلّة الاحتمال فضلا عن الظّن الشّخصي بطريق أولى.
وهذا التّعميم وإن
لم يساعد عليه كلمات أكثر من تعدّى عن المرجّحات
__________________
المنصوصة ؛ حيث
إنّ ظاهرهم الاقتصار على الظّن ولو نوعا إلاّ أنّه يساعده التّعليل ، فالمدار عليه
في الترجيح.
ثمّ إنّ المقتصر
على المرجّحات المنصوصة لا بدّ أن يجعل مقتضى الأصل عدم التّرجيح ـ بالتّقريب
الّذي عرفت الإشارة إليه في مطاوي كلماتنا السّابقة ـ ويذهب إلى عدم تماميّة
الأدلّة المذكورة بالمنع بالنّسبة إلى بعضها كالإجماع ، والمناقشة بالنّسبة إلى
بعضها الآخر كغيره بما عرفت الإشارة إليه ، ويزعم عدم كون ما يستفاد منه التّعليل
في مقام ذكر العلّة ، بل في مقام بيان حكمة الحكم ومجرّد التّقريب ؛ فإنّ حمل
كلامه على ما زعمه السيّد علم الهدى قدسسره : من عدم التّعدّي عن العلّة المنصوصة كما ترى.
* * *
تنبيه :
الأقوى إعتبار الظن بوجود
المرجّح
تنبيه
: لا إشكال في
اعتبار الظّن بوجود المرجّحات ، بل احتماله في أحد المتعارضين بناء على ما بنينا
عليه في مناط التّرجيح ، وأمّا بناء على القول بالاقتصار على المرجّحات المنصوصة ،
فهل يكون الظّن المطلق بوجودها بعد الفحص معتبرا أم لا؟ وجهان : أقواهما الأوّل ،
إذا علم بوجودها فيما بأيدينا ولم يتمكّن من تحصيلها بالعلم التّفصيلي ولا بالظّن
الخاصّ القائم مقامه ؛ لعدم جواز نفيها بالأصل لمكان العلم الإجمالي وقيام الإجماع
ظاهرا على عدم وجوب الاحتياط في موارد احتمال وجودها في أحد المتعارضين.
نعم ، لو منع من قيام الإجماع تعيّن المصير إلى الاحتياط ؛
لأنّه مقتضى القاعدة الأوّليّة في موارد العلم الإجمالي ، فيحكم : بأنّ مجرّد
احتمال وجود المرجّح كاف في التّرجيح على هذا القول أيضا وإن افترق ما ذكرنا بحسب
عنوان التّرجيح ؛ فإنّ الاحتمال على ما ذكره مرجّح بدلالة نفس الأخبار العلاجيّة.
وعلى القول المذكور مرجّح من جهة حكم العقل لكنّهما لا يفترقان بحسب الثّمرة
العمليّة في المقام وأشباهه كما هو ظاهر. وقد مرّت الإشارة إلى بعض ما ذكرنا هنا
في مطاوي كلماتنا السّابقة.
إيقاظ
تقديم المشهور على
الشّاذّ فيما كانا متكافئين من سائر الوجوه والجهات ـ على ما هو المفروض في جميع
وجوه التّراجيح ـ إنّما يكون من باب التّرجيح فيما لم يبلغ الشّذوذ مرتبة توجب
سقوط الشّاذّ عن الحجّيّة ، وإلاّ فيخرج عن عنوان التّرجيح والتّعارض كما هو ظاهر
، وإن لم يكن هناك ثمرة عمليّة بين الأمرين فيما كانا متكافئين من سائر الجهات.
نعم ، تثمر فيما وجد هناك مرجّح آخر غير الشّهرة والشّذوذ ؛
فإنّه فيما كان التّقديم بعنوان التّرجيح لا بدّ من ملاحظة النّسبة بين ذلك
المرجّح والشّهرة من حيث القوّة والضّعف. وأمّا إذا كان من حيث الخروج عن عنوان
الحجّيّة فلا معنى لملاحظة النّسبة.
* المقام الرابع :
بيان المرجّحات تقسيم
المرجّحات إلى داخلي وخارجي
(١٩)
قوله قدسسره : ( أحدهما : ما يكون داخليّا ... إلى آخره ) .
( ج ٤ / ٧٩ )
__________________
أقول
: قد يناقش فيما أفاده في بيان المراد من الدّاخلي والخارجي بجعل مخالفة العامّة أو عمل سلطانهم :
من المرجّح الدّاخلي الرّاجع إلى مرجّح وجه الصّدور ، كما صنعه بعد ذلك في تقسيم
المرجّح الدّاخلي بناء على كشفهما عن صدور الموافق لهما بعنوان التّقيّة ـ كما هو
أحد الوجوه في التّرجيح بهما على ما
__________________
ستقف عليه ـ فإنّه
إن جعل المرجّح عنوان الموافقة والمخالفة الّذي يتقوّم بالخبر لا محالة ولا يوجد
بدونه فهو صفة في الخبر لا يتصوّر له وجود بدونه.
فيتوجّه
عليه : النّقض بجميع
المرجّحات الخارجيّة ؛ فإنّ المرجّح فيها موافقة الخبر لها لا أنفسها كموافقة
الكتاب والسّنة والأصل ونحوها. وإن جعل المرجّح نفس فتوى العامّة لا ما ذكر من
العنوان المتقوّم بالخبر. فيتوجّه عليه : عدم استقامة ما ذكره بعد ذلك : من عدّهما
من المرجّحات الدّاخليّة هذا.
ولكنّك
خبير بعدم توجّه المناقشة المذكورة ؛ فإنّ وجود الأمور الخارجيّة لا تعلّق له بالخبر وإن كان
عنوان التّرجيح بملاحظة موافقة الخبر لها ، وهذا بخلاف الأمور الدّاخليّة كصفات
الرّاوي وقوّة الدّلالة والفصاحة ونحوها ؛ فإنّ وجودها لا يتصوّر بدون الخبر.
والأمر في التّرجيح بمخالفة العامّة من هذا القبيل ؛ فإنّ فتوى العامّة لا تعلّق
لها بالخبر أصلا ، إلاّ أنّها ليست من المرجّحات ، بل من الموهنات.
وإنّما المرجّح
مخالفتهم المتقوّمة بالخبر لا محالة ، وهذا بخلاف الكتاب والأصل والشّهرة بحسب
الفتوى مثلا ؛ فإنّها أمارات للحقّ وكواشف عنه فافهم.
* * *
المرجّحات الداخليّة
(٢٠)
قوله قدسسره : ( وأمّا
الدّاخلي ، فهو على أقسام ... إلى آخره ). ( ج ٤ / ٨٠ )
أقسام المرجّح الداخلي
والكلام فيها
أقول
: تقسيم الدّاخلي
إلى الأقسام المذكورة ظاهر في عدم جريان التّقسيم المذكور بالنّسبة إلى الخارجي
والأمر كذلك ؛ فإنّ التّرجيح بالمرجّح الخارجي يرجع إلى تقوية المضمون دائما.
ثمّ إنّ الكلام في
الأقسام المذكورة للمرجّح يعني : المرجّح بحسب الصّدور وجهته والمضمون والدّلالة ،
قد يقع : في بيان موردها ؛ فإنّها تختلف بحسب المورد في الجملة ، كما أشار إليه في
« الكتاب ». وقد يقع : في بيان مرتبة بعضها مع بعض.
أمّا الكلام من
الجهة الأولى ، فحاصله :
أنّ المرجّح من
حيث الصّدور سواء كان مورده السّند ، أي : رجال الحديث ، أو المتن لا
يتحقّق إلاّ في الأخبار الظّنيّة وإن كانت نبويّة. والمرجّح من حيث وجه الصّدور
يتحقّق في الأخبار القطعيّة أيضا إن كانت من الأخبار الإماميّة ، ولا يتحقّق في
الأحاديث النّبويّة ؛ ضرورة عدم تصوّر التّقيّة في حقّ النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في بيان الأحكام وإن وجب عليه حفظ نفسه الشّريفة المباركة. والمرجّح من حيث المضمون والدّلالة يوجد في مطلق الأحاديث وإن كانت قطعيّة ومن
الأحاديث
النّبويّة كما هو
ظاهر.
نعم
، يعتبر في
المرجّح المضموني ـ سواء كان داخليّا أو خارجيّا بناء على ما أفاده شيخنا العلاّمة
قدسسره كما ستقف عليه : من رجوعه إلى تقوية إحدى جهات الخبر أعني : الصّدور وجهته
ودلالته إجمالا ـ ظنّيّة الرّاجح في الجملة كما هو واضح ، بل التّحقيق : اعتبار
ذلك مطلقا ولو لم نقل بهذه المقالة ، لعدم تصوّر التّعارض مع قطعيّة جميع الجهات
الثّلاثة.
وأمّا الكلام من
الجهة الثّانية ، فحاصله :
أنّه لا إشكال في
اختلاف مرتبة المرجّحات من حيث التّقديم والتّأخير عند اجتماعها واختلافها : من
حيث وجود بعضها في أحد المتعارضين وبعضها في الآخر إذا اختلفا جنسا ؛ فإنّ تقديم
بعضها على بعض مع الاتّحاد جنسا كما إذا كانا من المرجّحات الصّدوريّة مثلا موكول
إلى نظر الفقيه ، إلاّ أنّ شيخنا العلاّمة قدسسره يتكلّم في تعارض المرجّحات من حيث الدّلالة كما ستقف عليه
بحسب المرجّحات النّوعيّة من جهة انضباطها بخلاف غيرها من المرجّحات كما ستقف
عليه.
والكلام من الجهة
المزبورة قد يقع : في نسبة المرجّح من حيث الدّلالة مع غيره من المرجّحات
الثّلاثة. وقد يقع : في نسبة سائر المرجّحات بعضها مع آخر. فالكلام يقع في موضعين
:
في بيان تقديم الترجيح من
حيث الدّلالة
على سائر وجوه التّرجيح
أمّا
الموضع الأوّل : فملخّص القول فيه : أنّه لا إشكال بل لا خلاف عند بعض ، بل الإجماع عليه عند
آخر : في تقديم المرجّح من حيث الدّلالة على سائر المرجّحات على ما هو مقتضى
الأخبار أيضا كما عرفت الإشارة إليه ؛ فإنّ مصبّ التّرجيح بها في الأخبار
العلاجيّة المذكورة في «
الكتاب » سؤالا وجوابا ـ
كما لا يخفى على من أعطى حقّ النّظر فيها ـ فيما لم يمكن رفع التّعارض بين الخبرين
بجعل أحدهما بالخصوص قرينة على المراد من الآخر بحكم العرف حتّى يتحقّق هناك
التّحيّر المحوج إلى السّؤال بلفظة « أيّ » هذا.
مضافا إلى قوله عليهالسلام ـ فيما مرّ عليك من الأخبار ـ : ( أنتم أفقه النّاس إذا عرفتم معاني كلامنا )
الحديث ، بالتّقريب الّذي عرفت الإشارة إليه.
وقوله عليهالسلام : ( إنّ أمر النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كأمر القرآن فيه عام وخاصّ ومحكم ومتشابه وناسخ ومنسوخ ) الحديث.
__________________
وقوله عليهالسلام : ( إنّ في كلامنا محكما ومتشابها فردّوا متشابهها إلى محكمها ) الحديث ، بناء على إرادة المؤوّل من المتشابه. وهذا كما ترى ، من إقرار الجمع
الّذي عرفت تقديمه على الطّرح مطلقا وإن كان من التّرجيح بحسب الدّلالة حقيقة لعدم
التّنافي بينهما أصلا على ما أسمعناك شرح القول فيه في المراد من القاعدة.
وإن
شئت قلت : في تقريب المدّعى
: إنّ وجوه التّراجيح لا يجعل الرّاجح أعلى ممّا يقطع بصدوره إذا عارضه ما كان
أقوى منه دلالة كالخبر المتواتر اللّفظي والكتاب إذا كانا عامّين أو مطلقين ، وكان
هناك ما يوجب تخصيصهما أو تقييدهما وإن كان موافقا للعامّة إذا كان طريقه من الآحاد
الغير المحفوف بالقرينة القطعيّة على ما بنينا عليه الأمر في مسألة حمل العام على
الخاصّ : من جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد ، وإلاّ فيخرج عن مسألة التّعارض كما
هو ظاهر.
ثمّ إنّ المخالف في المسألة كالشّيخ قدسسره في « الإستبصار » و « العدّة » لمّا كانت كلماته مختلفة في باب التّعارض وبناء العام على
الخاصّ ، ككلام المحقّق القمّي قدسسره لم ينظر إلى مخالفته ، فلا يوهن الإجماع المدّعى في كلام
غير واحد على
__________________
تقديم التّرجيح من
حيث الدّلالة على سائر وجوه التّراجيح بملاحظته ، كيف؟ وكلام الشّيخ قدسسره يشمل تعارض النّص
والظّاهر ، مع أنّك قد عرفت خروجه عن مسألة التّعارض حقيقة.
ولك أن تقول في
تقريب المدّعى مرّة أخرى : أنّ الأخذ بدليل التّعبّد بالصّدور مثلا بالنّسبة إلى
الظّاهر والأظهر ليس هناك ما يزاحمه أصلا ؛ فإنّ رفع اليد عن أصالة الظّهور في
الظّاهر إذا كان مستندا إلى ما هو القرينة الصّارفة عن الظّهور بحكم العرف وهو
الأظهر ، فليس هناك طرح لأصالة الظّهور ؛ ضرورة كونها تعليقية بالنّسبة إلى
القرينة فلا دوران حقيقة بين طرح الظّهور في الظّاهر وطرح دليل الصّدور في الأظهر
كما هو الشّأن في الظّاهرين ، فحال الأظهر حال النّص الظّني بحسب الصّدور : من حيث
رجوع معنى دليل التّعبّد بصدوره إلى جعله قرينة للظّاهر وإن افترقا من حيث إمكان
التّصرّف في الأظهر بخلاف النّص.
ومن هنا حكمنا
فيما أسمعناك في شرح قاعدة « أولويّة الجمع على الطّرح » بثبوت الأولويّة فيما كان
أحد الدّليلين صالحا لصيرورته قرينة للآخر بحكم العرف وأهل اللّسان ومنعها في غيره
كما في الظّاهرين ، وإن حكمنا بعدم أولويّة للطّرح على الجمع أيضا بالنّظر إلى
دليلي التّعبّد بالصّدور والدّلالة من غير فرق بين صور تعارض الظّاهرين حتّى فيما
يحصل الجمع بالتّصرف في أحدهما ، ولو فيما كان لكلّ من المتعارضين مادّة سليمة كما
في العامّين من وجه ؛ حيث إنّ الطّرح فيه يوجب التّبعيض الظّاهري في الصّدور.
ومن هنا توهّم
تقديم الجمع فيه على الطّرح ، بل لم يستبعد أولويّة الطّرح في الظّاهرين مطلقا
فيما آل الجمع إلى الحكم بالإجمال والرّجوع إلى الأصل ؛ من
حيث إنّه يؤول إلى
طرح دليل التّعبّد بالصّدور والدّلالة معا ، فراجع إلى ما ذكرنا ثمّة حتّى تقف على
حقيقة الأمر.
وممّا
ذكرنا كلّه في المقام وفيما تقدّم في شرح « قاعدة الجمع » يظهر : تطرّق المناقشة إلى ما أفاده شيخنا قدسسره : من الإشكال
فيما يحصل الجمع بالتّصرّف في أحدهما بقوله : ( نعم ، يبقى الإشكال في الظّاهرين اللّذين ... إلى آخره ) ؛ فإنّه يظهر منه كون جريان قاعدة الجمع فيه مطلقا أولى من جريانها فيما
يتوقّف الجمع على التّصرف في المتعارضين. مع أنّك قد عرفت مساواتهما من حيث
جريانها هذا.
كلام المحقّق الرّشتي وما
يرد عليه
وقد وقفت ـ بعد ما
أسمعناك في تحقيق المقام تبعا للقوم ـ على كلام لبعض أفاضل العصر فيما أملاه في المسألة
يخالف فيه كلام القوم : من تقديم المرجّح من حيث الدّلالة على غيره من المرجّحات
مطلقا في خصوص المرجّح من حيث جهة الصّدور ، فحكم بتقدّمه على المرجّح من حيث
الدّلالة بحسب المرتبة ، بل زعم ذهاب الأكثر بل المعظم إلى ذلك في الفروع في موارد
تعارض الأخبار وعلاجه ، بل صرّح في طيّ كلامه على المعاملة المذكورة بين النّص
والظّاهر أيضا ، فضلا عن الأظهر والظّاهر ، لا بأس بنقله والإشارة إلى ما يتوجّه عليه.
قال رحمهالله ـ بعد الإشارة إلى ما اختاره سابقا في طيّ بيان « قاعدة الجمع » : من
__________________
تقديم المرجّح من
حيث الدّلالة على المرجّح من حيث الجهة ـ ما هذا لفظه :
« ولكن في النّفس
الآن منه شيء والتّحقيق : هو أنّهما إمّا قطعيّان ، أو ظنّيان ، أو مختلفان ، فإن
كانا قطعيّين قدّم ترجيح الدّلالة ، فلو تعارض العام والخاصّ وكان الثّاني موافقا
للعامّة عمل بالخاصّ كأخبار بطلان الصّلاة بزيادة الرّكعة ، وأخبار صحّتها إذا جلس
بعد الرّابعة بقدر التّشهّد ؛ فإنّها موافقة لمذهب العامّة ؛ لأنّ المدار في
التّرجيح على الظّن. ولا شكّ أنّ التّخصيص أغلب وأظهر من التّقيّة في الأخبار ،
هذا إذا قطعنا النّظر عن النّص ومشينا على موجب القاعدة.
وأمّا بعد ملاحظة
كون موافقة العامّة أمارة تعبّديّة على التّقيّة ، أو جاريا مجرى القرينة العامّة
ـ حسبما شرحنا مفصّلا فيما سبق ـ فمقتضى القاعدة : أن يكون الأمر بالعكس ، فيجب
حمل الخاصّ على التقيّة ولو كان قطعيّ السّند والدّلالة ؛ لأنّ الشّك في التّخصيص
بعد قطعيّة الخاص مسبّب عن الشّك في صدوره تقيّة ، وبعد قيام الدّليل على صدور
الخاصّ تقيّة كان حاكما على أصالة العموم. وهذا التّسبّب وإن كان موجودا مع قطع
النّظر عن الأخبار ، إلاّ أنّ أصالة عدم التقيّة لا مانع من العمل به حينئذ ، ولا
يعارضه أصالة العموم للتسبّب القاضي بالتّقديم. والحاصل : أنّ قضيّة التّسبّب
العمل بما يقتضيه الأصل السّببي ، فإن كان الأصل عدم التقيّة عمل بالخاصّ. وإن كان
هي التقيّة عمل بالعام. ففي المثال المذكور ينبغي حمل أخبار الصّحة بعد الجلوس على
التّقيّة ، كما فعله صاحب « الرّياض » وهذا هو الأصحّ وعليه عمل غير واحد في الكتب الفقهيّة كما
لا
__________________
يخفى على أهل
الخبرة.
فإن
قلت : ما ذكرت من
القاعدة من تقديم الأصل الجاري في السّبب على الأصل الجاري في المسبّب لا يتمّ على
ما أنت عليه : من إنكار هذه القاعدة في بابها.
قلت
: بناؤنا على
معارضة الأصلين دون التّحكيم إنّما هو في الأصول التّعبّدية ، وأمّا الأصول
الجارية في الألفاظ فهي طرق عقلائيّة أمضاها الشّارع وليست من الأصول الظّاهريّة
التّعبديّة كأصالة الطّهارة مثلا. وقد نبّهنا في محلّه : على أنّه لا بدّ من إجراء
قاعدة التّسبّب والعمل بالأصل الجاري في السّبب المسمّى بالمزيل في ألسنة المتقاربين
لعصرنا في الأصول اللّفظيّة وما يجري مجراها من الأصول العقلائيّة المعتبرة طريقا
إلى الواقع وتمام الكلام في محلّه هذا.
ولو تعارض الأصل
اللّفظي مع الأصل المعمول في الجهة غير التّقيّة كأصالة عدم السّهو ، وعدم المزاح
، وعدم الإكراه ، وعدم الكناية ، وعدم التّعريض ، وعدم القصد والتّصوّر ، وأشباهها
من الأصول الجارية في الألفاظ من غير أن يرجع إلى حقيقة أو مجاز في غير أدلّة
الأحكام ، قدّم الأصل اللّفظي. فلو توقّف رفع التّناقض والتّنافي في كلام متكلّم
على ارتكاب أحد الأمرين : إمّا التّخصيص ، أو حمل الخاصّ على المزاح مثلا ، تعيّن
التّخصيص ؛ لأنّه أغلب وأظهر.
فإن
قلت : مقتضى القاعدة
التّوقف والإجمال ؛ لأنّ التّرجيح على خلاف الأصل ؛ إذ الأصل في الطّرق والأصول
المتعارضة التّوقف دون الأخذ بالرّاجح
والقدر الخارج منه
العمل بالأقوى والأرجح في أدلّة الأحكام دون غيرها.
قلت
: الظّاهر أنّه لا
إشكال بل لا خلاف : في أنّ تقديم النّص على الظّاهر ، أو تقديم الأظهر على الظّاهر
في الأصول اللّفظيّة المتعارضة بعضها مع بعض الرّاجعة إلى تعارض الأحوال في كلام
أو كلامين لا اختصاص له بأدلّة الأحكام ، والظّاهر : أنّ حكم تعارض بعض الأصول
اللّفظيّة مع الأصل في جهات الكلام حكم تعارض الأصول اللّفظيّة بعضها مع بعض ،
فكما ثبت التّرجيح ووجوب العمل بالأرجح هناك فكذلك هنا » . انتهى كلامه رفع مقامه.
ويتوجّه عليه :
أوّلا
: النّقض بالمرجّح
من حيث الصّدور ؛ فإنّه إذا فرض تسبّب الشّك في التّخصيص مع صلاحيّة الخاصّ له عن
الشّك في صدوره وحكمنا بمقتضى دليل التّرجيح فيما كان الخاصّ مرجوحا كما هو
المفروض بعدم صدوره ، فيرتفع الشّك بحكم الشّارع.
وثانيا
: بالحلّ حيث إنّ
مصبّ التّرجيح بالمرجّحات على ما أسمعناك مرارا فيما لم يمكن الجمع بين الدّليلين
بصرف أحدهما عن ظاهره بحكم العرف حتّى يتحقّق هناك التّحيّر المحوج إلى السّؤال
بلفظة « أي » فإذا كان الخاصّ نصّا بحسب الدّلالة ، أو أظهر فلا يتحقّق هناك تحيّر
أصلا ، فلا يدخل الفرض في مورد الأخبار العلاجيّة لكي يجري فيه ما ذكره من « قاعدة
التّسبّب » ، فأمارة التّقيّة إنّما تجدي فيما دار الأمر بين الحكم بصدور الموافق
تقيّة أو المخالف لا فيما لم يكن هناك
__________________
دوران بحكم العرف
أصلا كما لا يخفى.
فالفرق بين أصالة
عدم التّقيّة والحكم بها من جهة الأخبار العلاجيّة لا يجدي في الفرض أصلا.
نعم ، يستثنى ممّا ذكرنا الخاصّ الّذي فهم من الخارج كون وروده
للتّقيّة كالخبر الوارد في عدم قدح زيادة الرّكعة إذا جلس في الرّابعة بقدر
التّشهّد ؛ فإنّ حملهم له على التّقيّة ليس من جهة مجرّد موافقته للعامّة وإلاّ
لسلكوا هذا المسلك في جميع موارد تعارض العامّ والخاصّ.
وثالثا
: أنّ ما ذكره من
الفرق في « قاعدة التّحكيم » بين الأصل اللّفظي وشبهه وبين الأصل التّعبدي لا
محصّل له أصلا على ما عرفت شرح القول فيه مرارا.
ورابعا
: أنّ ما ذكره
أخيرا : من تقديم التّرجيح من حيث الدّلالة على سائر الأصول الجارية في الجهة وإن
كان مسلّما في الجملة ، إلاّ أنّه غير مسلّم على إطلاقه ؛ فإنّه إذا كان العام
والخاصّ في كلام غير المعصوم ولم يكن الخاص متّصلا بالعام حمل على كونه رجوعا ،
كما في الفتاوي والوصايا إلى غير ذلك ممّا يتوجّه عليه.
ثمّ
إنّ المدار على
قوّة الدّلالة وضعفها في التّقديم من غير فرق بين أن يكونا بالخصوص والعموم أو
التّقييد والإطلاق أو غيرهما ، كما أنّ المدار في تقديم النّص على النّصوصيّة في ضمن أي
شيء حصلت ؛ ضرورة عدم اعتبار خصوصيّة في التّقديم ودورانه مدار النّصوصيّة وقوّة
الدّلالة.
ومنه يظهر جودة ما
أفاده شيخنا العلاّمة قدسسره في تضعيف ما تخيّله بعض المحدّثين من الفرق والتّفصيل ،
ويحتمل أن يكون مبنى تخيّله على اشتباه الأمر عليه في تشخيص الصّغرى.
القوّة والضّعف والضابطة
فيهما
ثمّ إنّ القوّة
والضّعف ـ كما ذكر في « الكتاب » ـ قد يكونان بحسب خصوصيّات المقامات. وهذا القسم لا يدخل
تحت ضابطة بل موكول إلى نظر الفقيه ؛ لعدم إمكان جعل ضابطة له قطعا. ومن هنا قد
يقدّم العام على الخاصّ ، والمطلق على المقيّد ، والمفهوم على المنطوق. وهكذا
الأمر في كلّ ما يكون بحسب النّوع أو الصّنف أقوى من غيره بحسب الدّلالة مع كونه
أضعف منه في خصوص المقام بنظر الفقيه ، بل ربّما لا يكون للّفظ ظهور نوعا أصلا في
معنى ، ويكون له الظّهور فيه في خصوص المقام بنظره.
ألا ترى إلى ما
أفاده المحقّق القمّي قدسسره في دلالة آية النّبأ باعتبار التّعليق على الوصف على
المفهوم في خصوص الآية؟ مع قوله بعدم دلالة التّعليق المذكور نوعا على المفهوم ،
عكس ما ذكره غير واحد : من أنّه على تقدير القول بدلالته على المفهوم نوعا لا
دلالة له في خصوص المقام على ما أسمعناك في الجزء الأوّل من التّعليقة.
وقد يكون بحسب
الصّنف كألفاظ العموم والتّعليقات الدّالة على المفهوم ؛ فإنّ لفظة « كلّ » ونحوه
أقوى دلالة على العموم من النّكرة في سياق النّفي ، وهي
أقوى دلالة عليه
من الجمع المحلّى ، وهو أقوى دلالة عليه من الجمع المضاف ، وهو أقوى دلالة عليه من
المفرد المحلّى ، وهو أقوى دلالة عليه من المفرد المضاف. ومن هنا وقع الاختلاف في
غير لفظة « كلّ » شدّة وضعفا بحسب ما عرفت. وهكذا الأمر فيما دلّ على المفهوم ؛
فإنّ ألفاظ الحصر أقوى دلالة من جميع ما دلّ عليه.
ومن هنا قيل بكون
دلالتها بالمنطوق والتّعليق بالغاية أقوى دلالة على المفهوم من التّعليق على
الشّرط ، وكذا أدوات الشّرط بعضها بالنّسبة إلى بعض ك « إن » بالنّسبة إلى « إذا »
وهكذا. والحروف بالنّسبة إلى الأسماء المتضمّنة لمعنى الشّرط. والتّعليق بالشّرط
أقوى دلالة عليه من التّعليق بالوصف ، وهو أقوى دلالة من العدد ، وهو أقوى دلالة
من اللّقب على القول بثبوت المفهوم لها ، وهكذا الأمر في المجازات قربا وبعدا ،
وكذا الأمر في الألفاظ الدّالّة على التّأبيد والعموم الزّماني هذا كلّه في
الصّنفين المختلفين.
وقد يوجد الاختلاف
في الصّنف الواحد بحسب جزئياته الكلّية كالعام الغير المخصّص بالنّسبة إلى المخصّص
مع وحدة اللّفظ الدّال على الجمع كالجمع المحلّى مثلا ، والعام الّذي ما يكون أقلّ
أفرادا بالنّسبة إلى ما يكون أكثر أفرادا وإن كان الدّال واحدا ، والعام الّذي ورد
عليه التّخصيص كثيرا بالنّسبة إلى ما ورد عليه قليلا وهكذا.
وقد
يكون بحسب النّوع وقد
عقدوا لذلك بابا وسمّوه بتعارض الأحوال ، وهذا العنوان وإن لم يكن من خصائص تعارض
الأدلّة ؛ فإنّه قد يتحقّق بالنّسبة إلى دليل واحد كما هو ظاهر ، إلاّ أنّ تحقّقه
بالنّسبة إلى الدّليلين المتعارضين أوجب
عنوانه والبحث عنه
في المقام ولو على سبيل الإجمال ، ومن هنا تعرّض له شيخنا العلاّمة قدسسره في « الكتاب ».
ثمّ إنّ قوّة
الدّلالة قد تستند إلى الوضع كالألفاظ الموضوعة للعموم بالنّسبة إلى الألفاظ
المطلقة على مذهب
السّلطان القائل : بكون لفظ المطلق موضوعا للماهيّة المهملة ، ومن هنا ذهب : إلى كون
التّقييد حقيقة إذا لم ترد الخصوصيّة من اللّفظ ؛ حيث إنّ ظهوره في الإطلاق
والانتشار مستند إلى الحكمة ، نظير دلالة المفرد المحلّى على العموم على مذهب
الشّيخ قدسسره.
وقد
تستند إلى الظّهور
الوضعي مع كون دلالة المقابل بالوضع أيضا كألفاظ العموم بالنّسبة إلى لفظ المطلق
على ما ذهب إليه المشهور من كونه موضوعا للحصّة المنتشرة بحيث يكون الانتشار قيدا
للموضوع له. ومن هنا ذهبوا : إلى كون التّقييد مجازا.
وقد
تستند إلى المطابقة
بالنّسبة إلى ما كانت دلالته بحسب الالتزام كالمنطوق بالنّسبة إلى المفهوم مع كون
الدّلالة في كلّ منهما وضعيّة.
وقد
تستند إلى قلّة إرادة
خلاف الظّاهر كاللّفظ الدّال على دوام الحكم بدوام الشّرع بالنّسبة إلى ما دلّ على
العموم الأفرادي. ومن هنا قالوا : بكون التّخصيص أولى من ارتكاب النّسخ عند
الدّوران ؛ حيث إنّ النّسخ بالنّسبة إلى كلّ شريعة قليل في الغاية وإن ورد النّسخ
على جميع الشّرائع إلاّ شريعة واحدة واللّفظ
__________________
الدّال بالوضع على
معنى مع ألفاظ العموم وإن كانت الدّلالة في كلّ منهما مستندة إلى الوضع.
ومن
هنا قالوا : بأنّ
التّخصيص أولى من المجاز ، ولو لم نقل بكون التّخصيص مجازا ؛ حيث إنّ إرادة خلاف
الظّاهر من اللّفظ كثيرا يوجب وهن الظّهور ، بل قد يوجب الإجمال في بعض مراتبه.
ومن هنا ذهب المشهور : إلى التّوقف في المجاز المشهور. كيف؟ وقد تبلغ كثرة إرادة
المعنى المجازي إلى حدّ الوضع كما في الوضع التّعيّني.
ثمّ
إنّه لا فرق فيما ذكرنا : من الالتزام بالتّخصيص عند دوران الأمر بينه وبين النّسخ كما يلتزم بارتكاب
خلاف جميع الظّواهر عند الدّوران بينه وبين النّسخ بين أن يكون احتمال النّاسخيّة
في الخاصّ كما إذا تأخّر عن العام أو في العام كما إذا تأخّر عن الخاص لاتّحاد
الوجه.
نعم ، لو كان هناك مانع عن الالتزام بالتّخصيص مثل لزوم تأخير
البيان عن وقت الحاجة كما إذا ورد الخاصّ بعد العمل بالعام في مدّة تعيّن فيه
الالتزام بالنّسخ لو لم يحتمل ورود الخاصّ وقت الحاجة واختفائه ولم نقل بجواز
تأخير البيان عن وقت الحاجة فيما كانت هناك مصلحة مجوّزة ، وإلاّ لم يتعيّن ارتكاب
النّسخ أيضا هذا في المخصّصات الواردة في كلام النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد العمل بالعمومات.
* * *
بيان حال المخصّصات
الواردة بعد العمومات النّبويّة
أو الولويّة في كلام
الأئمة المتأخرين عليهمالسلام
وأمّا المخصّصات
الواردة في كلام بعض الأئمّة عليهمالسلام بعد العمومات الواردة في كلام النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أو بعض الأئمّة المتقدّمة عليهالسلام أو الإمام الوارد في كلامه الخاصّ بعد مضي زمان العمل
بالعام ، ففيها وجوه واحتمالات مذكورة في « الكتاب ».
أحدها
: جعلها ناسخة
بالتزام إيداع النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم النّاسخ عند الإمام عليهالسلام حتّى لا ينافي تكميل الدّين في زمان النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الّذي قضى به العقل والنّقل ح حيث إنّ الوصيّ حافظ لما بلغه الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم من الله تعالى إلى الخلق.
ثانيها
: الالتزام بكونها
مخصّصة ، بمعنى كونها كاشفة عن المخصّصات المتّصلة المختفية من جهة العوارض.
ثالثها
: جعلها مخصّصة من
دون التزام بالاختفاء.
وهكذا الكلام في
المقيّدات الواردة في كلام بعض الأئمّة عليهمالسلام بعد العمل بالمطلقات الواردة في كلام النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أو الأئمّة عليهمالسلام فإنّه يجري فيها الوجوه المذكورة. وخير هذه الوجوه الأخير
منها.
فإنّ
الوجه الأوّل ، وإن كان
متصوّرا معقولا من حيث الكشف عن نسخ النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وإيداعه عند الوصيّ عليهالسلام على ما عرفت ، إلاّ أنّه يبعّده منتهى البعد كثرة هذه
التّخصيصات والتّقييدات غاية الكثرة ، مع كون أصل النّسخ قليلا غاية القلّة ،
فلا معنى لحملها
عليه.
والوجه
الثّاني ، يبعّده أيضا بل
يحيله العادة بعد ملاحظة عموم الابتلاء بها علما وعملا ، وكثرتها وانتفاء دواعي
الاختفاء ومقتضياته.
وأمّا الوجه الأخير ، فهو وإن كان منافيا لقاعدة قبح تأخير البيان عن وقت
الحاجة في ظاهر النّظر ، إلاّ أنّه بعد التّأمّل يعلم بعدم التّنافي بينهما أصلا ؛
لأنّ القاعدة كما برهن عليها في محلّه إنّما يقتضي البيان فيما لم يقتض المصلحة
تأخيره ، وإلاّ فلا قبح في تأخيره أصلا ، فيكون تكليف المخاطبين بتلك الخطابات
المشتملة على الظّواهر أو المطّلعين عليها ما يقتضيه ظواهرها ظاهرا اتّكالا على
الأصول اللّفظيّة المعتبرة عند العقلاء وأهل اللّسان ولا بعد فيه أصلا.
فإنّه كما إذا
اقتضت المصلحة بيان الأحكام تدريجا والرّجوع إلى الأصول العقليّة قبل البيان ـ حتّى
أنّه ورد عدم تكليف المكلّفين في أوائل البعثة في مدّة عشر سنين إلاّ بالتّوحيد
والاعتقاد بالرّسالة ـ كذلك اقتضت تأخير بيان الصّوارف عن زمان العمل بالظّواهر.
بل التّأمّل في
الآثار والأخبار الواردة عن النّبي المختار والأئمّة الأبرار ( سلام الله عليهم )
يوجب القطع بكون مبنى البيانات المتأخّرة على ما ذكرنا سيّما ما ورد في بيان
معاملة الحجّة المنتظر ( عجّل الله فرجه ، وسلامه عليه وعلى آبائه الطّاهرين ) في
زمان ظهوره وأنّه يحكم ببطون كلام الله تعالى وما انطوت عليه الصّحيفة الفاطميّة ( سلام الله عليها ) كما يظهر من رواية
__________________
__________________
جابر وغيرها ، وما ورد في بيان إخفاء الأمير ( سلام الله عليه ) ما جمعه من
__________________
آيات الكتاب بعد رحلة النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ ضرورة عدم نسخ الدّين في زمان ظهور الحجّة ، فليس الوجه
إلاّ أنّ الأئمّة عليهمالسلام كانوا مكلّفين بإظهار ما أمروا بإظهاره في أزمنتهم كلّ
بحسب ما يقتضيه تكليفه حسب المصلحة.
لا
يقال : ما ذكر ينافي شأن
النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم سيّما بملاحظة ما ثبت عنه في حجّة الوداع كما في « الكتاب » وغيره : من بيانه جميع ما يحتاج إليه الأمّة ، وأنّه
أكمل الدّين ، وبلّغ جميع ما أمر بتبليغه.
لأنّا
نقول : ما ذكرنا لا
ينافي كونه رسولا مبلّغا تمام الدّين إلى الأمّة ؛ فإنّ بيانه جميع الأحكام لا
ينافي إيداعه جملة من الأحكام عند الأوصياء يبيّنونها للأمّة حسب اقتضاء المصلحة
في مرور الأعصار.
فإن
قلت : ما ذكر يوجب سدّ
باب التّمسك بالظّواهر للمخاطبين وغيرهم ؛ إذ بعد تجويز تأخير البيان عن وقت
الحاجة ليس هنا ما يقضي بإرادة المتكلّم ظاهر كلامه ، فيوجب ذلك إجمال جميع
الخطابات بل الألفاظ ؛ إذ غاية ما يدفع بالأصول العقلائية هو احتمال السّهو والخطأ
والاشتباه ونحوها ، وأمّا احتمال التّعمّد في ترك
__________________
نصب القرينة
والصّارف فليس هناك ما يدفعه ، وليس مرجوحا أيضا بعد كثرة وقوعه ، وهذا ما ذكرنا
من إداء ذلك إلى إجمال الألفاظ بأسرها.
قلت
: إيجاب ما ذكرنا
لسدّ باب التّمسك بالظّواهر توهّم فاسد ؛ إذ التّعمّد في ترك نصب القرينة لرعاية
المصلحة في اختفاء المراد على خلاف ما يقتضيه الأصول ، ووضع التّخاطب والمحاورات ،
فلا يعتنى باحتماله عند أهل اللّسان ، فهو نظير التّورية فيما كان هناك ما يقتضي
إخفاء المراد. مع أنّ تجويزها لا يوجب التّوقّف والإجمال وسدّ باب التّمسّك
بالظّواهر عند احتمالها. وهذا هو المراد بما أفاده شيخنا العلاّمة في الجواب عن
السّؤال المذكور بقوله : ( قلت : المستند في إثبات أصالة الحقيقة ... إلى آخره ) .
ثمّ
إنّ ما ذكرنا لا
يختصّ بالمخصّصات والمقيّدات المتأخّرة الواردة بعد العمل بالعمومات والمطلقات ،
بل يجري في جميع الصّوارف المتأخّرة عن أزمنة العمل بالظّواهر ؛ فإنّه وإن احتمل
كونها كاشفة عن القرينة المختفية عن أهل زمان الاطّلاع على الصّوارف ، إلاّ أنّ
المتعيّن على ما عرفت جعلها قرينة بأنفسها مختفية عن أهالي أزمنة ورود الظّواهر في
حقّهم أو مخاطبتهم بها وكون تكليفهم ظاهرا العمل بتلك الظّواهر.
ثمّ
إنّا وإن أشرنا
إلى جملة من المرجّحات الصّنفيّة والنّوعيّة بحسب الدّلالة في مطاوي كلماتنا إلاّ
أنّه لا بأس في شرح القول في بعضها اقتفاء لأثر شيخنا الأستاذ العلاّمة.
__________________
فمنها
: ما إذا ورد هناك
عام ومطلق تعارضا في بعض مصاديقهما كقوله يجب إكرام العلماء ، ويستحبّ إكرام
الشّاعر ، بناء على القول بظهور الجمع المحلّى في العموم ، والمفرد المحلّى في
الإطلاق ، وقوله أكرم عالما ولا تكرم شاعرا ؛ فإنّهما كما ترى يتعارضان في مادّة
الاجتماع منهما وهو العالم الشّاعر بالعموم والإطلاق. ولا إشكال في ترجيح العموم
على الإطلاق نوعا وجعله صارفا عن الإطلاق وقرينة للتّقييد. وهذا معنى قولهم : إنّ
التّقييد أولى من التّخصيص ، فيحكم في المثال الأوّل بوجوب إكرام العالم الشّاعر ،
وفي الثّاني بحرمته.
أمّا على ما
اختاره سلطان
العلماء في حقيقة المطلق
: من كونه موضوعا للماهيّة المهملة ، وكون التّقييد حقيقة إذا لم يكن باستعمال
المطلق فيه فواضح ؛ لأنّ ظهوره على هذا القول في الإطلاق بعد اجتماع الشّرائط ليس
مستندا إلى الوضع بل إلى الحكمة وعدم بيان القيد فيما كان المقام مقام البيان ،
فأصالة الإطلاق أصل تعليقي بالنّسبة إلى ما يدلّ على التّقييد ولا تكون في مرتبته
، وهذا بخلاف العموم فإنّه مستند إلى الوضع فيكون الدّال عليه نفس اللّفظ ، فيكون
دليلا على التّقييد وبيانا له بحكم العرف والشّرع من حيث كونه دليلا تنجيزيّا
بالنّسبة إلى أصل الإطلاق ، وإن كان تعليقيّا بالنّسبة إلى الخاصّ أيضا.
فلو جعل نفس
الإطلاق مانعا عن العمل بالعموم والحال هذه لزم الدّور جزما ؛ حيث إنّ ظهور اللّفظ
في الإطلاق المعلّق على عدم العموم موقوف على عدم العموم المستندة إلى الإطلاق
بالفرض ، فيلزمه ما ذكر من الدّور. نظير جعل قاعدة لزوم دفع الضّرر المحتمل مانعا
عن العمل بقاعدة « قبح العقاب بلا بيان » في موارد البراءة العقليّة على ما
نبّهناك عليه في الجزء الثّاني من التّعليقة.
فإن
قلت : كما أنّ الحكم
بمقتضى الإطلاق موقوف على نفي ما يصلح للتّقييد كذلك الحكم بالعموم موقوف على نفي
التّخصيص ولو بالأصل ، ضرورة أنّ الوضع ليس علّة تامّة للظّهور وإنّما هو مقتض له
، فيتوقّف ظهور اللّفظ على نفي القرينة الصّارفة ، فكما أنّ الإطلاق يتوقّف على
نفي التّقييد ولو بالأصل ، كذلك العموم يتوقّف على نفي المخصّص ولو بالأصل ، فظهور
اللّفظ في المراد في كلّ منهما يتوقف على الإطلاق ، غاية ما هناك : كون عدم القيد
جزءا للمقتضي على مذهب السّلطان وعدم التّخصيص معتبرا في ظهور العام من حيث عدم المانع
وهذا المقدار لا يؤثّر في التّوقف قطعا.
فإذا أريد
التّمسّك بالعموم فيما كان هناك مطلق لا يجامع إطلاقه مع إرادة العموم ، فلا بدّ
من رفع إطلاقه فإذا استند إلى نفس العموم فيتوجّه عليه ـ لا محالة ـ : لزوم الدّور
من حيث توقّف رفع الإطلاق على العموم المتوقّف على رفعه. وهذا معنى ما يقال : من
تعاكس الدّور في المقام ، فلا بدّ من الحكم بكونهما في مرتبة واحدة ، فلا ترجيح
للعموم على الإطلاق ولا للإطلاق ترجيح عليه.
قلت
: ما ذكر من لزوم
الدّور في جانب العكس توهّم فاسد ؛ فإنّ التمسّك بالعموم في الفرض لا يتوقّف على
رفع الإطلاق ؛ حيث إنّه لا مقتضى لوجوده حتّى يتشبّث في رفعه إلى العموم ، لما
عرفت : من كون التّمسّك به دوريّا كما هو الشّأن في التّمسّك بكلّ تعليقي في مقابل
التّنجيزي ، فالإطلاق وإن كان من الظّواهر المعتبرة إلاّ أنّه بمنزلة الأصل
بالنّسبة إلى العموم ، وهو بمنزلة الدّليل بالنّسبة إليه. هذا كلّه على ما اختاره سلطان العلماء في حقيقة المطلق.
وأمّا على ما ذهب
إليه المعظم في حقيقته : من كون الانتشار والعموم البدلي
جزءا من مدلوله
ومدلولا عليه بالدّلالة اللّفظيّة الوضعيّة. ومن هنا التزموا بكون التّقييد مجازا
كالتّخصيص وإن لم يستعمل لفظ المطلق في المقيّد ، بل أريد من الخارج ؛ فلأنّ دلالة
لفظ العام على العموم أقوى من دلالة لفظ المطلق على المعنى الإطلاقي ، وإن كان كلّ
من الدّلالتين مستندا إلى الوضع.
ومن
هنا ذكرنا : أنّ ألفاظ العموم
مختلفة في الدّلالة عليه قوّة وضعفا مع استناد الدّلالة في الجميع إلى الوضع ،
وكذا دلالة اللّفظ بالمنطوق أقوى من دلالته بالمفهوم مع كونهما بالدّلالة الوضعيّة
، وكذا الحال في اختلاف مراتب المفاهيم من حيث القوّة والضّعف مع استناد الدّلالة
في الجميع إلى الوضع وهكذا.
نعم ، لو كان العموم مستندا إلى الحكمة كالمفرد المحلّى على ما
ذهب إليه الشّيخ رحمهالله كان الإطلاق على مذهب المشهور أقوى من العموم المذكور ،
كما أنّهما على مذهب السّلطان في مرتبة واحدة هذا.
وقد يستدلّ لتقديم
العموم على مذهب المشهور في المطلق : بكون التّقييد أغلب من التّخصيص وإن بلغ ما
بلغ حتّى قيل فيه : ما من عام إلاّ وقد خصّ.
ويضعّف بمنع كون
التّقييد بالمقيّدات المنفصلة كما هو محلّ الكلام أغلب وأكثر من التّخصيص. ومن هنا
تأمّل فيه في « الكتاب » وجعل الوجه فيه في حاشيته ما عرفته من منع الأغلبيّة .
__________________
ومنها
: تعارض العموم مع
غير الإطلاق من الظّواهر المعتبرة ، والمعروف بينهم تقديمها هي العموم من جهة
قوّتها ، وضعفه من جهة كثرة التّخصيص نوعا فيوجب ضعف دلالة العام جدّا ؛ ضرورة
تطرّق الوهن إلى الدّلالة الوضعيّة إذا أريد خلافها كثيرا هذا.
وقد يتأمّل في بعضها
كظهور صيغة افعل في الوجوب ؛ فإنّ استعمالها في الاستحباب أيضا شائع كما ذكره في «
المعالم » ، بل ذكر كون استعمالها في الاستحباب من المجازات المشهورة
، ولم يقل بذلك بالنّسبة إلى استعمال العام في الخاصّ وإن أمر بالتّأمّل فيه في « الكتاب » ؛ نظرا إلى ما أفاده في مجلس
__________________
__________________
__________________
المذاكرة
: من أنّ شيوع
استعمال الأمر في النّدب نوعا لا يجدي بالنّسبة إلى الأمر الّذي وقع في حيّز العام
على ما هو محلّ الكلام فتدبّر.
ثمّ إنّ تحصيل
القوّة والتّرجيح بحسب الدّلالة فيما كان التّعارض بين الدليلين بحسب المرجّحات الشّخصيّة الموكولة بنظر الفقيه أو النّوعيّة أو
الصّنفيّة ممّا يسهل للفقيه ولا يحتاج إلى إتعاب النّظر وإن كان بعض صغرياته
نظريّة بل محلاّ للاختلاف.
__________________
* « بيان انقلاب النّسبة »
تحقيق الكلام في حكم
تعارض أزيد من دليلين
وأمّا إذا كان
التّعارض بين أزيد من الدّليلين فقد يصعب تحصيلها للفقيه ؛ إذ قد يختلف النّسبة
بين دليلين منهما بملاحظة العلاج مع الثّالث ، فلا بدّ من التّعرض له وبسط القول
في قسم منه وهو : التّعارض
الثّلاثي منه لكي يعرف منه
حكم سائر الأقسام والصّور.
والمراد
من التّعارض الثّلاثي : أعمّ من أن يكون بين كلّ واحد مع غيره ، أو يكون بين اثنين مع واحد منها وإن
لم يكن بينهما تعارض أصلا. كما إذا كان هناك عامّ وخاصّان لا تعارض بينهما ، أو
كان هناك عامّ وخاصان متعارضان.
ثمّ إنّ الكلام في حكم التّعارض الثّلاثي من الجهة المبحوث
عنها في المقام لا في حكمه بقول مطلق ، فإنّه واضح لا خفاء فيه ؛ فإنّ الحكم مع
عدم التّرجيح أصلا هو التّخيير بين الأخذ بكلّ واحد من الثّلاثة وطرح الآخرين رأسا
، أو في مادّة التّعارض إن كانت لهما مادّة سليمة. كما في نسبة العموم من وجه ومع
ترجيح بعضها على الباقي مع مساواته تقديمه عليه وطرحهما ، ومع ترجيح الاثنين على
الواحد مع مساواتهما. كما إذا كان موافقا للعامّة وكانا مخالفين لهم مع مساواتهما
من سائر الجهات هو طرحه والتّخيير بينهما وإن كان الحكم نظريّا في بعض صوره على ما
سنوقفك عليه.
فنقول
: إنّ النّسبة بين
المتعارضات : إمّا أن يكون نسبة واحدة ، أو مختلفة. فإن كانت واحدة فلا يخلو :
إمّا أن يكون بالتّباين ، أو بالعموم والخصوص ، أو بالعموم من وجه.
فإن كانت
بالتّباين :
فإن لم يكن بين
الألفاظ الدّالة على المحمول تفاوت من حيث القوّة والضّعف بحيث يمكن الجمع ، فلا
إشكال في لزوم الرّجوع إلى سائر المرجّحات ، أو التّخيير بين الأخذ بكلّ واحد إن
لم يكن على ما عرفت الإشارة إليه. كما إذا ورد : « يجب إكرام العلماء » ، و «
يستحبّ إكرامهم » ، و « يحرم إكرامهم ».
وإن كان بينها
تفاوت لزم الأخذ بالأقوى دلالة وجعله صارفا لغيره ، كما إذا ورد : « أكرم العلماء
» و « يستحبّ إكرامهم » ، و « يجوز إكرامهم » ؛ فإنّ مادّة الاستحباب أقوى من ظهور
الصّيغة في الوجوب ، وظهور الجواز في الإباحة الخاصّة ـ على تقدير تسليم ظهوره
فيها ـ فيجعل صارفا عن الظّهورين ويحكم باستحباب إكرامهم.
وإن
كانت بالعموم والخصوص ولم يكن بين الخاصّين تعارض أصلا :
فإن لم يلزم من
العمل بالخاصّين محذور ، ولا من ملاحظة تقديم علاج أحدهما انقلاب النّسبة ، فيخصّص
العام بهما ، كما إذا ورد : « أكرم العلماء » ، وورد : « لا تكرم زيدا » ، و « لا
تكرم عمروا » وفيما كانا عالمين
وإن لزم محذور من
العمل بالخاصّين وهو طرح العام رأسا وبقاؤه بلا مورد من العمل بهما ، فلا يجوز
العلاج بالتّخصيص ؛ لأنّ التّخصيص بهما معا موجب
للطّرح السّندي ،
وبأحدهما موجب للتّرجيح بلا مرجّح ، كما إذا ورد : « أكرم العلماء » ، وورد أيضا :
« لا تكرم فسّاق العلماء » ، و « لا تكرم عدول العلماء » ، فلا بدّ من العلاج
بالتّرجيح بسائر المرجّحات إن وجدت ، أو التّخيير إن لم يوجد. فإن كان العام راجحا
عليهما فلا بدّ من العمل به وطرحهما ، وإن كانا راجحين عليه فلا إشكال أيضا ؛
فإنّه يجب الأخذ بهما وطرحه ، وإن كان راجحا على أحدهما ومرجوحا بالنّسبة إلى
الآخر أو كانا متكافئين ، فربّما يشكل الأمر في الصّورتين ، لكنّ الّذي يظهر في
النّظر عاجلا طرح المرجوح من الخاصّين والمعاملة مع الخاصّ الرّاجح أو المتكافئ
معاملة العام والخاص بارتكاب التّخصيص في العام والعمل بالخاصّ في الصّورتين ، وإن
كانت متكافئة فيحكم بالتّخيير بين الأخذ بالعامّ وطرح الخاصّتين وبين العكس.
وإن لم يلزم محذور
من تخصيص العام بهما ولكن لو خصّص العام بأحدهما أوّلا ثمّ لوحظت النّسبة بين
العام بعد التّخصيص به مع الآخر انقلبت النّسبة بينهما بالعموم من وجه ، كما إذا
كان أحد الخاصّين أخصّ من الآخر ، مثل : ما إذا ورد : « أمر بإكرام العلماء » ،
ثمّ ورد نهي مثلا عن إكرام فسّاق النّحويّين ، وورد نهي آخر عن إكرام مطلق فسّاق
العلماء ؛ فإنّه إذا خصّص العام بالخاصّ الأوّل أوّلا ، ثمّ لوحظت النّسبة بينه
بعد ملاحظة تخصيصه به مع الخاصّ الآخر ، فلا محالة ينقلب النّسبة إلى العموم من
وجه ؛ ضرورة صيرورة المخرج بالخاص الأوّل مادّة الافتراق للخاصّ الآخر الأعمّ كما
هو ظاهر ، فإن كان الخاصّ الأخصّ من المخصّصات المتّصلة كالوصف والغاية والشّرط
ونحوها ، فلا إشكال في لزوم رعاية ما ذكر : من تقديم العلاج ؛ من حيث كون الخاصّ
المتّصل جزء للكلام ومن
متعلّقاته ، فيكون
للمجموع من العام والخاصّ ظهور ثانويّ في كون الباقي بعد التّخصيص مرادا سواء قلنا
بكون العام المخصّص بالمخصّص المتّصل حقيقة كما هو الأقوى ـ على ما حقّقناه في
مسألة « التّخصيص » ـ أو مجازا ، ويعارضه الخاص الأعمّ ، فلا محالة يكون النّسبة
هي العموم من وجه وإن كان من المخصّصات المنفصلة.
ولو كان قطعيّا
كالإجماع والعقل فلا إشكال عندنا في عدم جواز رعاية ما ذكر ، ولزوم تخصيص العامّ
بالخاصّ الأعمّ كتخصيصه بالخاصّ الأخصّ ؛ فإنّ الخاصّ المنفصل إنّما هو قرينة محضة
لصرف العامّ عن العموم ، وليس معيّنة لإرادة تمام الباقي كالخاصّ المتّصل. فالمراد
من العام بعد التّخصيص مردّد بين بعض الباقي وتمامه ، وإنّما يحكم بإرادة التّمام
بضميمة أصالة عدم تخصيص غير المخرج بعد ملاحظة جميع ما ورد على العام من المخصّصات
، فإذا وجد هناك خاصّ آخر ولو كان أعمّ من الخاصّ الّذي خصّص به العام ، فلا معنى
للرّجوع إلى الأصل المذكور ؛ فإنّه تعليقي بالنّسبة إلى دليل التّخصيص وإن كان
مبناه على الظّهور النّوعي العرفي ، كما هو شأن مطلق أصالة الحقيقة ولعموم
بالنّسبة إلى القرينة والخاصّ.
فإن
شئت قلت : إن العامّ إمّا
أن يلاحظ بحسب وضعه مع الخاصّ الأعمّ ، وإمّا أن يلاحظ بحسب ظاهره ، وما أريد منه
بعد التّخصيص بالخاصّ الأخصّ. فعلى الأوّل ، لا إشكال في عدم مكافأته مع الخاصّ ،
وعلى الثّاني ، لا ظهور له بعد التّخصيص إلاّ بضميمة أصالة عدم تخصيص آخر ، ومن
المعلوم أنّها لا يقاوم دليل التّخصيص.
ثمّ
إنّ ما ذكرنا مع
كمال وضوحه قد أشبعنا الكلام فيه في بحث العام والخاصّ ، بل أثبتنا فيه كون
التّخصيص بالمتّصل حقيقة.
ثمّ
إنّ ما ذكرنا فيما
يتحقّق كون التّخصيص به من التّخصيص بالمتّصل ممّا لا إشكال فيه ، وقد يستشكل في
بعض الموارد : من جهة الإشكال في تميز المخصّص من حيث الاتّصال والانفصال فتحقيقه
موكول بنظر الفقيه ، كما في التّخصيص بالاستثناء سيّما بالأفعال ، وإن كان الظّاهر
كون التّخصيص به من المتّصل مطلقا سواء كان بالحروف ، أو الأسماء ، أو الأفعال ؛
فإنّ الاتّصال والانفصال إنّما يلاحظان بحسب المعنى لا بحسب اللّفظ. كما في « أكرم
العلماء » ، و « لا تكرم زيدا » ، إذا ذكر عقيبه بلا فصل ؛ فإنّه من المنفصل. وهذا
بخلاف الاستثناء ؛ فإنّه إذا لوحظ بعنوان الاستثناء يكون مربوطا بالمستثنى منه لا
محالة ، فلا يستقلّ بالتّصوّر.
ومن هنا ذكر شيخنا
الأستاذ العلاّمة قدسسره في «
الكتاب » : أنّه يصحّ أن
يقال النّسبة بين قوله : ( ليس في العارية ضمان إلاّ الدّينار والدّرهم ) و ( ما دلّ على ضمان الذّهب والفضّة ) عموم من وجه ،
كما قوّاه غير واحد من متأخّري
__________________
المتأخّرين ، فيرجّح الأوّل ؛ لأنّ دلالته بالعموم ودلالة الثّاني بالإطلاق ، أو يرجع
إلى عمومات نفي الضّمان.
توضيح
ما أفاده قدسسره : هو أنّ
التّعارض بين ما دلّ على نفي الضّمان في العارية بعد ملاحظة إخراج الدّرهم
والدّينار عنه وما أثبته في مطلق الجنسين ، أي : الذّهب والفضّة مع نفيه عن غيره ،
إنّما يلاحظ بين العقد السّلبي من الأوّل والإيجابي من الثّاني. ومن المعلوم كون
نسبة عارية غير الدّرهم والدّينار مع عارية الذّهب والفضّة هي العموم من وجه : من
حيث افتراق الأوّل في غير الجنسين ، والثّاني في الدّرهم والدّينار ، وتعارضهما في
غير المسكوك من الجنسين. فربّما قيل بكون الأوّل أقوى دلالة : من حيث إنّ دلالته
بالعموم المستفاد من النّفي فلا يقاومه ظهور الثّاني وإن كان بالعموم أيضا من جهة
الحكمة ، أو القول بظهور المفرد المحلّى في العموم وضعا فضلا عمّا إذا كان
بالإطلاق هذا.
مضافا إلى اعتضاده
بما دلّ على نفي الضّمان في العارية مطلقا ، بل في مطلق اليد المأذونة فتأمّل . ويكون الثّاني أقوى دلالة من حيث قلّة أفراده فيكون
بمنزلة الخاص المطلق هذا. مضافا إلى أنّ التّخصيص بالنّقدين يوجب
__________________
التّخصيص أو
التّقييد بالفرد النّادر هذا. مضافا إلى وهن الأوّل : بإخراج الدّرهم عن أحد
الحديثين والدّينار عن الآخر ؛ حيث إنّ استثناءهما وقع في حديثين ؛ فإنّه يوجب
الوهن في العموم المستفاد من الحصر جدّا ، وإن لم يوجبه بالنّسبة إلى تخصيص سائر
العمومات هذا. مضافا إلى اقتضاء اليد الضّمان مطلقا وإن كان منفيّا بالنّظر إلى
الأصل الأوّلي هذا بعض ما وقع في كلماتهم.
وإن
شئت شرح القول في ذلك فاستمع لما يتلى عليك فنقول :
لا إشكال في أنّ
مقتضى أصالة البراءة عدم الضّمان مطلقا ، كما أنّه لا إشكال في أنّ مقتضى قوله : (
على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي ) ـ بناء على شموله لليد المأذونة ـ الضّمان مطلقا ، غاية ما
هناك منافاة الضّمان للوديعة ، ومقتضى جملة من الصّحاح ـ كصحيحة الحلبي عن الصّادق
عليهالسلام : ( ليس على مستعير عارية ضمان ، وصاحب العارية والوديعة
مؤتمن ) وصحيحة محمّد بن مسلم هي الّتي
__________________
قريبة من صحيحة
الحلبي ـ عدم الضّمان في العارية مطلقا ، ومن المعلوم ارتفاع الأصل بالدّليل ،
كلزوم رفع اليد عن قاعدة اليد بالصّحيحتين ، وهذا معنى قولهم : إنّ الأصل في الأمانات
عدم الضّمان ، فمرادهم به
القاعدة المستفادة من الأخبار.
لكن ورد في باب
العارية ما هو أخصّ من القاعدة فيقتضي تخصيصها والحكم بالضّمان ، فلا بدّ من
الخروج عنها كما خرجنا عنها مع شرط الضّمان بما دلّ عليه. والنّصوص الواردة في هذا
الباب على أربعة أضرب ووجوه :
أحدها
: ما نفى الضّمان
عن العارية من دون استثناء.
ثانيها
: ما نفي الضّمان
عن العارية مع استثناء الذّهب والفضّة.
ثالثها
: ما نفى الضّمان
عنها مع استثناء الدّرهم.
رابعها
: ما نفى الضّمان
عنها مع استثناء الدّينار.
وهذه كما ترى ،
غير القسم الأوّل مشتملة على عقد سلبيّ وإيجابي ، ومن المعلوم ضرورة عدم التّعارض
بين العقود السّلبيّة فيها كعدم التّعارض بين العقود الإيجابيّة فيها ، وإنّما
التّعارض بين العقد السّلبي من الأوّل والإيجابي من الأخيرين ، كالتّعارض بين
العقد السّلبي من كلّ من الأخيرين مع الإيجابي من صاحبه.
والضّرب
الأوّل : جملة من
الرّوايات ، منها : ما عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان ».
وقال : « ليس على
مستعير عارية ضمان ، وصاحب العارية والوديعة مؤتمن » .
والثّاني
: أيضا جملة من
الرّوايات ، منها : ما عن ابن أبي عمير عن جميل عن زرارة قال : « قلت : لأبي عبد الله عليهالسلام : العارية مضمونة؟ فقال : جميع ما استعرته فتوى فلا يلزمك
تواه إلاّ الذّهب والفضّة فإنّهما يلزمان إلاّ أن تشرط عليه أنّه متى توى لم يلزمك
تواه وكذلك جميع ما استعرت فاشترط عليك لرحمك والذّهب والفضّة لازم لك وإن لم
يشترط عليك » .
والثّالث
: ما رواه محمّد بن
أبي عمير أيضا عن جميل بن صالح عن عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال : « ليس على صاحب العارية ضمان إلاّ أن يشترط صاحبها ،
إلاّ الدّراهم ؛ فإنّها مضمونة اشترط صاحبها أو لم يشترط » .
والرّابع
: ما عن محمّد بن
يعقوب بسنده عن عبد الله بن سنان قال : قال أبو عبد الله عليهالسلام : « لا يضمن العارية إلاّ أن يكون قد اشترط فيها ضمان ، إلاّ الدّنانير
فإنّها مضمونة وإن لم يشترط فيها ضمانا » .
__________________
والنّسبة بين هذه
الأخبار المتصلة كما ترى ، بعد جعل الاستثناء من المخصّص المتّصل وإن كانت عموما
من وجه ، إلاّ أنّ ما ذكرنا من الموهنات لارتكاب التّخصيص في الذّهب والفضّة يوجب
التّصرف في العقد السّلبي ، وجعل الحصر إضافيّا بالنّسبة إلى غير الذّهب والفضّة ،
كما يجعل إضافيّا بالنّسبة إلى حديثي الدّرهم والدّينار.
وثاني الشّهيدين (
قدس أسرارهما ) في « المسالك » وإن أجاد في شرح المقام كما يظهر من كلامه المحكيّ في « الكتاب » ، إلاّ أنّه ما أجاده في جعل النّسبة العموم والخصوص
ومعاملة الخاصّ المنفصل مع الاستثناء ، مضافا إلى بعض مناقشات أخر يتطرّق إليه كما
يظهر للمتأمّل فيه.
هذا كلّه فيما لو
كان التّعارض بين المتعارضات بنسبة واحدة بالعموم والخصوص.
وإن
كانت النّسبة بينها بالعموم من وجه كما إذا ورد مثلا : « أكرم العلماء » ، و « لا تكرم
الفسّاق » ، و « يستحبّ إكرام الشّعراء » ، فيتعارض الكلّ في العالم الفاسق
الشّاعر ، كما يتعارض الأوّلان في العالم الفاسق الغير الشّاعر ، والأوّل مع
الأخير في العالم العادل الشّاعر ، والثّاني معه في الفاسق الشّاعر الغير العالم.
فإن لم يكن هناك
مرجّح أصلا بوجه من الوجوه فيحكم بالتّخيير في مادّة التّعارض مطلقا ـ من غير فرق
بين التّعارض الثّلاثي ، أو الثّنائي على ما اخترناه
__________________
وفاقا للمشهور ـ أو
إجمال المتعارضات ، أو المتعارضين فيها في وجه ـ قد عرفت ضعفه في مطاوي كلماتنا ـ والرّجوع
إلى القواعد إن كانت ، والأصول العمليّة إن لم يكن.
فإن كان هناك
مرجّح من غير جهة الدّلالة فيؤخذ بالرّاجح فقط في مادّة التّعارض من غير فرق بين
التّعارض الثّلاثي أو الثّنائي ، وإن كان هناك مرجّح من حيث الدّلالة بقول مطلق
كما إذا كان العلماء في المثال المتقدّم أقلّ أفرادا من الفسّاق والشّعراء فيجب
تخصيص دليلهما بدليله ؛ لأنّه بمنزلة الخاص المطلق بالنّسبة إليهما فيحكم بوجوب
إكرام العالم الفاسق الشّاعر ، كما يحكم بوجوب إكرام العالم الفاسق والعالم
الشّاعر.
وإن كان هناك
مرجّح بحسب الدّلالة لبعض العمومات على غيره في الجملة لا مطلقا كما إذا كان
العلماء في المثال أقلّ أفرادا من الفسّاق ، فيجب تخصيص ما دلّ على حكم الفسّاق
بدليله ، فيحكم بعدم حرمة إكرام مادّة اجتماع الكلّ وإن تردّد بين الوجوب
والاستحباب ، كما يحكم بوجوب إكرام العالم الفاسق الغير الشّاعر.
نعم ، لو فرض كون الفسّاق أقلّ فردا من الشّعراء بعد إخراج
العلماء منه ، والشّعراء أقلّ فردا من العلماء بعد إخراج الشّاعر الفاسق منه ، حكم
بأنّ مادّة اجتماع الكلّ أعني : العالم الفاسق الشّاعر مستحبّ الإكرام ؛ نظرا إلى
لزوم إعمال قوانين العلاج وإن لزم منه انقلاب النّسبة.
وهذا هو المراد
ممّا أفاده شيخنا العلاّمة قدسسره في « الكتاب » بقوله : ( وقد ينقلب
النّسبة فيحدث
التّرجيح في المتعارضات بنسبة واحدة ... إلى آخره ) لا ما ذكرناه أوّلا : من ترجيح البعض على الباقي بقول مطلق كما لا يخفى. هذا
كلّه فيما إذا كانت النّسبة بين المتعارضات متّحدة.
وأمّا
إذا كانت مختلفة فلا بدّ من تقديم ما هو حقّه التّقديم لمكان النّصوصيّة ، أو الأظهريّة ، أو
مرجّح آخر. وإن ترتّب عليه انقلاب النّسبة بين الباقي وحدوث التّرجيح على ما عرفته
في المتعارضات بنسبة واحدة عن قريب ، كما إذا ورد : « أكرم العلماء » ، و « لا
تكرم فسّاق العلماء » ، و « يستحبّ إكرام العدول » ؛ فإنّه يجب تخصيص الأوّل
بالثّاني حملا للعام على الخاصّ ، والثّالث بالأوّل ؛ من حيث صيرورته أخصّ
بالنّسبة إليه بعد إخراج الفسّاق منه كما هو ظاهر. أو ورد : « يجب إكرام الشّعراء
» ، و « يحرم إكرامهم » ، و « يستحبّ إكرام العدول » ، إذا فرض العدول أقلّ فردا
من الشّعراء ؛ فإنّه يجب تخصيص الأوّلين بالأخير ، فيتعارضان في الشّاعر الفاسق.
وإن انعكس الحال
من حيث القلّة والكثرة انعكس الحكم أيضا فيجب تخصيص العدول بغير الشّعراء وإن
تردّد حكم العادل الشّاعر بين الوجوب والحرمة كالشّاعر الفاسق من حيث كون كلّ
منهما بمنزلة الخاصّ بالنّسبة إليه ، وإن كانت النّسبة بينه وبينهما العموم من
وجه. ولا ينافي ما ذكر تعارض الأوّلين بالنّظر إلى أنفسهما فإنّهما متوافقان على
نفي الأخير فتأمّل. هذا كلّه فيما إذا كان هناك مرجّح بحسب الدّلالة.
__________________
وأمّا إذا تكافأت
بحسبها فيقدّم الرّاجح من سائر الجهات على غيره إن كان هناك راجح فيحكم بمقتضاه
ففي المثال الأخير : يحكم باستحباب مادّة التّعارض بين الكلّ إن كان الأخير راجحا
عليهما سندا مثلا عملا عليه ، وفي الشّاعر الفاسق يحكم بالتّخيير على تقدير
تكافئهما ، أو تقديم أحد الحديثين على تقدير رجحانه ، وبمقتضى أحد الأوّلين في
مورد تعارضهما ومورد تعارض الثّلاثة إن كان راجحا ، فيحكم بالوجوب ، أو التّحريم
فيهما ، وإلاّ فيحكم بالتّخيير في مادّة تعارض الكلّ والأوّلين فقط كما هو ظاهر.
وممّا
ذكرنا كلّه ـ في حكم تعارض
الزّائد على الدّليلين ـ يعلم
: علاج ما ورد من
الأخبار في حكم الخلل الواقع سهوا في أجزاء الصّلاة زيادة ونقيصة كقوله عليهالسلام : ( تسجد سجدتي السّهو لكلّ زيادة ونقيصة تدخل عليك ) وقوله عليهالسلام : ( إذا استيقن أنّه زاد في صلاته فليستقبل ) وقوله عليهالسلام : ( لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة ) فإنّه بعد تخصيص الأوّل بالأخير من حيث كونه أخصّ منه بناء على
__________________
عدم ظهوره
بالنّسبة إلى الزّيادة السّهوية يجب تخصيص الثّاني به أيضا ، بناء على ثبوت
الملازمة بين النّقص السّهوي والزّيادة السّهويّة حكما في أجزاء الصّلاة هذا.
وقد أسمعناك شرح
القول في ذلك في الجزء الثّاني من التّعليقة عند الكلام في فروع دوران الأمر بين
الأقلّ والأكثر فراجع إليه . ومثل ذلك كثير في الأخبار المتعارضة في المسائل الفقهيّة
فلا بدّ للفقيه من سلوك ما ذكرنا على سبيل الضّابطة في علاجها.
ثمّ إنّ ما ذكرنا
في مرتبة المرجّح من حيث الدّلالة بالنّسبة إلى سائر المرجّحات وتقديمه عليها
بالنّسبة إلى غير المرجّح المضموني ممّا لا إشكال فيه ، وأمّا بالنّسبة إليه
فالأمر كذلك عند التّحقيق وإن قلنا بتقديمه على المرجّح الصّدوري وجهته ـ على ما
ستقف عليه ـ حتّى على ما بنى عليه الأمر شيخنا العلاّمة قدسسره ويقتضيه التّحقيق
: من رجوع المرجّح المضموني إلى تقوية إحدى جهات الموافق له ، أعني : الصّدور
وجهته ودلالته على سبيل الإجمال ؛ فإنّ القوّة الاحتماليّة من حيث الدّلالة لا
تزاحم القوّة المحقّقة.
نعم ، لو أثّر المرجّح الخارجي وهنا في المرجوح الأظهر دلالة
بحيث أوجب سقوطه عن الحجّيّة لو لا المعارض ـ كالخاصّ الّذي أعرض المشهور عنه
__________________
مثلا بناء على عدم
شمول دليل حجّيّة الخبر لمثله كما هو المشهور ـ خرج عن عنوان التّعارض حقيقة ، فلا
تعلّق له بالمقام. أعني : التّرجيح أصلا ؛ لأنّه يدخل في الموهن ولو لم يكن هناك
معارض. هذا بعض الكلام في بيان حكم المرجّح من حيث الدّلالة ومرتبته بالنّسبة إلى
المرجّحات الثّلاثة.
في بيان نسبة سائر
المرجّحات غير الدّلالة
وأمّا
الكلام في الموضع الثّاني أعني : بيان نسبة سائر المرجّحات من حيث التّقدّم والتّأخّر فيما وجد بعضها
في أحد الخبرين والآخر في الآخر فيقع في مقامات. والكلام ليس في تعارض بعضها مع
بعض إذا اتّحدا نوعا كما إذا وجد في أحد المتعارضين بعض المرجّحات الصّدوريّة وفي
الآخر بعض الآخر منها ، بل في بيان مرتبة بعض الثّلاثة مع غيره المغاير له ؛ فإنّ
التّرجيح في الأوّل موكول إلى نظر الفقيه بعد حمل الأخبار العلاجيّة على ما عرفت ،
وليس كالتّرجيح بحسب الدّلالة من حيث وجود نوع أو صنف مضبوط له حتّى يقع الكلام
فيه.
الأوّل
: في بيان مرتبة
المرجّح الصّدوري بالنّسبة إلى المرجّح من حيث جهة الصّدور.
الثّاني
: في بيان مرتبته
بالنّسبة إلى المرجّح المضموني سواء كان داخليّا أو خارجيّا.
الثّالث
: في بيان مرتبة
المرجّح من جهة الصّدور بالنّسبة إلى المرجّح المضموني.
أمّا الكلام في
المقام الأوّل فحاصله :
أنّ قضيّة صريح « الكتاب » بعد ذلك استظهار تقديمه على المرجّح من حيث الجهة ؛ نظرا
إلى تأخّر عنوان صدور الخبر عن صدوره مرتبة. فإذا حكم بعدم صدور المرجوح صدورا
وبنى عليه بمقتضى دليل التّرجيح من حيث الصّدور ، فليس هناك خبر صادر عن الحجّة
حتّى يحكم بأنّ صدوره لبيان الحكم الواقعي من جهة الأمارة القائمة عليه في قبال
الآخر المرجوح من حيث جهة الصّدور.
ومرجع هذا كما ترى
، إلى تحكيم التّرجيح الصّدوري على التّرجيح الجهتي. وإليه يرجع ما أفاده في « الكتاب » بعد ذلك في تقريبه بقوله : ( لأنّ هذا التّرجيح ملحوظ في
الخبرين بعد فرض صدورهما قطعا ... إلى آخره ) هذا. مضافا إلى
دلالة المقبولة على ذلك فتأمّل .
لا
يقال : مقتضى دليل
التّعبد بصدور الخبرين مهما أمكن هو الحكم بصدورهما وإن أوجب حمل أحدهما على
التّقيّة والتّصرّف في جهة صدوره لمكان المرجّح ، كما يلتزم بذلك في تعارض الظّاهر
والأظهر سيّما على القول بلزوم التّورية على الإمام عليهالسلام في مقام التّقيّة وإرادة خلاف الظّاهر وإن لم نقل بلزومها
على غيره وجواز الكذب له كما سيصرّح به في « الكتاب ».
لأنّا
نقول : معنى التّعبّد
بالصّدور هو العمل بالخبر وترتيب الآثار عليه ، وهذا
__________________
المعنى لا يمكن
تحقّقه مع حمل الخبر على التّقيّة حتّى على القول بلزوم التّورية على الإمام عليهالسلام ؛ فإنّ مجرّد الحكم
بإرادة خلاف الظّاهر من الخبر مع عدم تبيّن المراد منه لا يجدي في التّصديق ،
بمعنى : ترتيب الأثر.
ومن هنا لا يحكم
بشمول دليل التّصديق لما يتعيّن حمله على التّقيّة من الأخبار الظّنية الغير
المتعارضة.
نعم ، فيما يعلم بصدوره يتعيّن حمله على التّقيّة إذا لم يمكن
التّصرف في دلالته من جهة كونه نصّا من غير فرق بين الأخبار المتعارضة أو السّليمة
، لكنّه لا تعلّق له بالمقام ؛ من حيث إنّ الحكم بالصّدور في الفرض من جهة العلم
لا من جهة حكم الشّارع حتّى يحمل على ما ذكرنا. وليس معنى التّعبّد بالصّدور ، ترتيب
آثار القطع بالصّدور بل وترتيب آثار الواقع هذا. مع أنّ الأثر المذكور من اللّوازم
العقليّة للعلم بالصّدور ، فلا يقبل لتنزيل الشّارع كما هو ظاهر.
وممّا
ذكرنا يظهر : فساد قياس المقام
بالظّاهر والأظهر ؛ حيث إنّه يبنى فيهما على الأخذ بصدورهما وجعل الأظهر قرينة
للظّاهر ؛ فإنّ مرجع التّصديق فيهما إلى العمل بكلّ منهما في الجملة ، وهذا بخلاف
الخبر الّذي يتعيّن حمله على التّقيّة على تقدير تصديقه ؛ فإنّ الحمل على التّقيّة
ينافي دليل التّصديق حقيقة ، فكيف يجعل موجبا له؟
وإلى ما ذكرنا
يرجع ما أفاده في الفرق بينهما فيما سيجيء من كلامه بقوله :
( والفرق بين هذا
والتّرجيح في الدّلالة المتقدّم على التّرجيح بالسّند ... إلى
آخره ) وهذا الّذي أفاده قدسسره هو الحقّ الّذي لا محيص عنه ، ولازم بعض أفاضل العصر ممّا
تقدّم من كلامه في المناقشة في تقديم المرجّح من حيث الدّلالة على المرجّح من حيث
جهة الصّدور خلاف ما ذكرنا ، لكنّه بمعزل عن التّحقيق.
وأمّا
الكلام في المقام الثّاني : وهو تقديم المرجّح من حيث الصّدور على المرجّح من حيث المضمون ، أو تأخيره
عنه. فقد اختار في « الكتاب » تقديم المرجّح من حيث المضمون ؛ من حيث إنّ التّرجيح
بحسب الصّدور إنّما هو من حيث كون الرّاجح صدورا أقرب إلى حكم الله الواقعي ، كما
هو الشّأن بالنّسبة إلى العمل بالخبر الصّادر يقينا عن الحجّة ؛ فإنّه من حيث كونه
طريقا إلى الواقع حقيقة وكاشفا عنه ؛ ضرورة كون وجوب إطاعة ولي الله في أحكامه من
حيث كونها إطاعة الله تبارك وتعالى لا من حيث ذاتها.
ومن هنا لا يترتّب
ثواب آخر على إطاعته ولا عقاب آخر على معصيته ، فإذا كان الوجه في التّرجيح من حيث
الصّدور كون الرّاجح أقرب إلى الواقع نوعا من المرجوح ، فلا يزاحم القرب الشّخصي
الحاصل للمرجوح بالنّسبة إلى الواقع من جهة الأمارة الكاشفة عنه ، وإليه يرجع ما
أفاده في « الكتاب » في تقريب ذلك بقوله : ( لأنّ رجحان السّند إنّما اعتبر لتحصيل
الأقرب إلى الواقع ... إلى آخره ) .
هذا كلّه فيما لم
يوجب الأمارة الخارجيّة سقوط المرجوح عن الحجّيّة لو لا المعارض ، وإلاّ خرج الأخذ
بالرّاجح عن عنوان التّرجيح كما هو ظاهر. وهذا
__________________
الّذي ذكر وإن لم
يساعده المقبولة بل ظاهرها في باديء النّظر خلافه كما هو ظاهر ، حيث إنّه قدّم
فيها التّرجيح الصّدوري على التّرجيح المضموني ، إلاّ أنّك عرفت غير مرّة : عدم
إرادة التّرتيب منها بعد استفادة الكلّيّة منها لعدم إمكان الجمع بينهما هذا.
وأمّا
الكلام في المقام الثّالث : وهو تقدّم المرجّح من حيث جهة الصّدور على المرجّح المضموني أو تأخّره عنه ،
فحاصله :
أنّه لا إشكال في
تأخّره عنه بناء على تأخّر المرجّح الصّدوري عنه مع تقدّمه على المرجّح الجهتي
حسبما عرفت في المقام الأوّل.
ثمّ إنّه لو وجد
لمرجّح عنوانان كالتّرجيح من حيث الصّدور والمضمون كما في الأفقهيّة ، وشهرة
الرّواية فيما كشفت عن شهرة العمل ، أو المضمون ، وجهة الصّدور على تقدير إمكان
اجتماعهما كمخالفة القوم ، روعي في مقام التّعارض العنوان الأقوى الأعلى ، ووجهه
ظاهر لا يحتاج إلى البيان أصلا.
(٢١)
قوله قدسسره : ( هذه جملة من المرجّحات السّنديّة الّتي
توجب القوّة من حيث الصّدور ... إلى آخره ). ( ج ٤ / ١١٦ )
تتميم البحث عن المرجّحات
وكيفيّة ترتيبها
أقول
: لا يخفى عليك أنّ
عمدة الدّاعي على التّعرض لأقسام المرجّحات ـ مع ابتناء التّرجيح على الكلّيّة
المستفادة من أخبار العلاج وغيرها المغنية عن التّعرّض للصّغريات ـ : هو تشخيصها
وتمييزها حتّى يترتّب عليه ما أسمعناك عن
قريب : من ثمرة
التّقديم والتّأخير بحسب المرتبة ؛ فإنّه كثيرا مّا يشتبه أمر المرجّح من حيث كونه
راجعا إلى ترجيح الدّلالة ، أو الصّدور ، أو جهته ، أو المضمون ، وإن ترتّب عليه
بعض ثمرات آخر : كالتّنبيه على أصل المرجّح والصّغرى ؛ فإنّه ممّا تمسّ الحاجة
إليه.
ومن هنا وقع ذكر
جملة منها في الأخبار العلاجيّة مع التّصريح فيها بما يدلّ على إناطة التّرجيح
بمطلق الأقربيّة كتعليل التّرجيح بالشّهرة ومخالفة القوم ، لكن عمدة الثّمرة ما
عرفت.
وقد عدّ بعض أفاضل
مقاربي عصرنا بعض المرجّحات الصّدوريّة : كالفصاحة في عداد مرجّحات الدّلالة على ما حكاه عنه شيخنا العلاّمة في « الكتاب » مع كونه وهما ظاهرا.
وقد عدّ شيخنا في
جملة كلمات له الشّهرة من حيث الرّواية من المرجّحات المضمونيّة مع كونها عند
التّحقيق من المرجّحات الصّدوريّة ، إلاّ إذا كشفت عن الشّهرة العمليّة ، فيكون
لها جهتان حينئذ ؛ فإنّ تقوية الصّدور لا ينفكّ عنها أصلا ، فيراعى في مقام
التّعارض حينئذ الجهة الأعلى ، وهي التّرجيح من حيث المضمون على ما أسمعناك من
تقديمه على التّرجيح من حيث الصّدور وجهته.
ثمّ
إنّ المناط في
المرجّحات السّندية الرّاجعة إلى المرجّح الصّدوري ـ كما هو الشّأن بالنّسبة إلى
سائر المرجّحات على ما أسمعناك في مطاوي كلماتنا
__________________
السّابقة ـ هو
اشتمال السّند على ما يوجب قربه إلى الصّدور بالإضافة إلى صاحبه وإن لم يفد الظّن
بالصّدور فعلا ، بل ولا نوعا وشأنا ، كما يقتضيه تعليل تقديم المشهور على الشّاذّ
على ما عرفت : من كون مقتضاه التّرجيح بقوّة الاحتمال وضعفه ، وقلّة الاحتمال
وكثرته.
وإلى ما ذكرنا
يشير ما أفاده في « الكتاب » بقوله : ( والغرض من إطالة الكلام هنا أنّ بعضهم تخيّل
... إلى آخره ) فإنّه في كمال الجودة ، وإن أوهم منه كون المدار في
التّرجيح على الظّن ولو شأنا ، إلاّ أنّه يعلم بعد التّأمّل فيه كون مراده ما
ذكرنا كما صرّح به في غير موضع من كلماته.
نعم ، ما أفاده بقوله : ( ولو فرض شيء منها كان في نفسه موجبا
للظّن بكذب الخبر ... إلى آخره ) .
قد
يناقش فيه بعدم استقامته
على سبيل الموجبة الكلّيّة ، إلاّ بناء على القول بدوران الحجّيّة في الأخبار على
الظّن الشّأني المقيّد بعدم الظّن على الخلاف ، أو الظّن الشّخصي بالصّدور حتّى
يصحّ ما أفاده على سبيل الموجبة الكلّيّة ، وإن كان الثّاني في كمال الضّعف ،
والأوّل ضعيفا على ما عرفت شرح القول فيه منه قدسسره ومنّا في الجزء الأوّل من « الكتاب » والتّعليقة وقد وافق فيه بعض أفاضل من تأخّر وإن خالف
سيّد مشايخه في « المفاتيح » وهو المراد من البعض في كلامه المتقدّم ذكره.
__________________
« كلام المحقّق الرشتي قدسسره »
وقد وقفت بعد هذا
على كلام بعض أفاضل العصر فيما أملاه في المسألة يخالف فيه شيخنا وشيخه لا بأس
بنقله والإشارة إلى ما يتوجّه عليه :
قال رحمهالله ـ بعد نقل كلام شيخنا العلاّمة المتقدّم ذكره ـ ما هذا لفظه :
« وحاصل ما أفاده
هنا وقبل ذلك : أنّ الظّن بالواقع غير القرب منه أو البعد عن الخطأ ومعنى كون
الشّيء مرجّحا هو كونه سببا للمعنى الثّاني دون الأوّل وهذا المعنى موجود في هذه
المزيّة ».
إلى
أن قال : « ويقرب من ذلك
ما صرّح به بعض الأفاضل ».
وقال بعد نقل كلام بعض الأفاضل
:
« قلت : ويشكل ذلك بعدم الدّليل على الخروج عن أصالة التّخيير ، أو أصالة
التّساقط بمجرّد وصف تعبّدا من دون إفادته الظّن لقصور الإجماعات والأخبار عن ذلك
، وأمّا الإجماع فواضح ، لتصريح الكلّ : بأنّ الاعتماد في وجوه التّراجيح إنّما هو
لأجل إفادته الظّن فراجع كلماتهم ولاحظ ».
إلى أن قال :
« وأمّا الأخبار
فلما عرفت من المباحث الواردة عليها لو دلّت على صرف التعبّد ولم ينزل على ما
يقتضيه « قاعدة الجمع » والعمل بأقوى الدّليلين ؛ لأنّها لا تفيد سوى العمل بالظّن
في التّرجيح كما سيجيء ذلك في المقام الثّالث ؛ حيث تبيّن
فيه : أنّ
المستفاد منها قاعدة كلّية وأنّ المرجّحات المنصوصة لا خصوصيّة لها ولا ريب في
ظهورها في المعنى الأوّل القاضي باعتبار الظّن ، ففي صورة عدم الظّن لا ترجيح ،
وإن كان الرّاجح أقرب إلى الواقع وأبعد عن الخطأ عند الدّوران بين كذب أحدهما عملا
بالأصل القاضي بالاقتصار على القدر المتيقّن بعد عدم نهوض الأدلّة بالعموم.
إذ من الواضح أنّ
الغرض من إعمال المرجّحات هنا هو استكشاف الواقع دون التّعبّد الصّرف المبني على
الموضوعيّة كالمرجّحات المرعيّة في أئمّة الجماعة ، أو القاضي ، أو الشّاهد مثل
الحرّيّة ، أو الهاشميّة ، وأمثالهما وسيأتي في بعض المرجّحات الخارجيّة كمخالفة
العامّة التّصريح بعدم ابتنائه على صرف التّعبّد » . انتهى ما أردنا نقله وقد أطال في النّقض والإبرام سؤالا وجوابا بما يطول المقام
بذكره من أراده راجع إلى ما أعمله في المسألة.
ويتوجّه
عليه : بأنّ الإجماعات
المنقولة وإن لم يساعد على التّعميم ، ولم نقل : بأنّ الإجماع على وجوب الأخذ
بأقوى الدّليلين يقضي بوجوب الأخذ بكلّ ما يكون أقرب بالنّسبة إلى صاحبه وإن لم
يفد الظّن بالواقع في نفسه ، إلاّ أنّ التّعليلات المذكورة في الأخبار العلاجيّة ـ
على ما أشبعنا القول فيه ـ يقضي بالتّعميم جدّا. وأين هذا من التّعبّد الصّرف
الآبي عنه أخبار العلاج نظير مرجّحات أئمّة الجماعة والقاضي؟ فإنّ اعتبار القرب
الإضافي ينافي التّعبّد قطعا. وقد عرفت انطباق التّعليل في تقديم مخالف القوم على
الضّابط المذكور ، ولعلّنا نتكلّم فيه بعد ذلك إن شاء الله تعالى.
__________________
(٢٢)
قوله قدسسره : ( أقول : توضيح المرام في هذا المقام ، أنّ
ترجيح أحد الخبرين ... إلى آخره ). ( ج ٤ / ١٢١ )
الترجيح بمخالفة العامّة
أقول
: لا يخفى عليك أنّ
التّرجيح بمخالفة العامّة مع دلالة أكثر الأخبار العلاجيّة المتقدّمة عليه وإن
اختلفت من حيث عنوان التّرجيح بها ، قد اختلفت فيه كلماتهم. فعن غير واحد نفيه ،
ولعلّه لما عرفت الإشارة إليه من عدم تماميّة الأخبار عندهم ، أو عدم وقوفهم عليها
على أضعف الاحتمالات ، أو عدم إمكان تحصيل هذا المرجّح بحسب العادة بعد ابتنائه
على مخالفة الخبر للعامّة في زمان صدوره لا مطلقا إلى غير ذلك ممّا ذكر أو يذكر.
وعن المحقّق في « المعارج » بعد نقل القول بثبوت التّرجيح بها عن الشّيخ قدسسره كما في « الكتاب » ردّه : بأنّ مستنده ظاهرا رواية رويت عن الصّادق عليهالسلام وهو إثبات مسألة علميّة بخبر واحد ، ولا يخفى عليك ما فيه. مع أنّه قد طعن
فيه فضلاء من الشّيعة كالمفيد وغيره ... إلى آخر ما حكاه عنه في « الكتاب » .
وقوله : ( مع أنّه
قد طعن ... إلى آخره ) راجع إلى جواب آخر. وقوله بعد ذلك : ( وإن احتجّ ... إلى
آخره ) ناظر إلى منع حصول الظّن منها فلا تدخل في الكلّية
المسلّمة عنده.
__________________
ومن هنا أورد عليه
في « المعالم » بغلبة التقيّة بالنّسبة إلى التّأويل ، وإن منعها غير واحد. والمصرّح به في كلام غير واحد منهم : الشّيخ وصاحب « المعالم » ( قدس الله أسرارهما ) بل الأكثر ثبوته وهو الحقّ كما
صرّح به في « الكتاب » لدلالة أكثر الأخبار عليه وإن اختلفت من حيث بيان عنوان التّرجيح
بها ، لكنّه لا يقدح في أصل ثبوت التّرجيح في قبال السّلب الكلّي ، مضافا إلى
كفاية الكلّيّة المستفادة من الأخبار.
وأمّا ما أفاده في
« المعارج » فيتوجّه عليه :
أوّلا : عدم الفرق
في حجّيّة خبر الواحد بين المسألة الأصوليّة العمليّة والفرعيّة كما ذكر في « المعالم » وغيره.
نعم
، المسألة
العلميّة المجرّدة لا يثبت بخبر الواحد على ما أسمعناك في الجزء الأوّل من
التّعليقة.
وثانيا
: بأنّ التّرجيح
بها ممّا دلّ عليه الأخبار المستفيضة من المقبولة والصّحاح وغيرها وليس المستند
فيه مجرّد رواية عبيدة بن زرارة عن الصّادق عليهالسلام : ما سمعت منّي يشبه قول النّاس ففيه : التّقيّة . الحديث ، حتّى يتوجّه عليه : طعن فضلاء الشّيعة كالمفيد وغيره ، مع أنّ في
أصل دلالة الرّواية إشكالا قد
__________________
أشرنا إليه في
مطاوي كلماتنا السّابقة ، فلا يتوجّه ما ذكره ثانيا.
وثالثا
: بأنّ احتمال
التّأويل مشترك فلا يقدح في التّرجيح بها من جهة رعاية التّقيّة وإن لم يحصل الظّن
بها ؛ نظرا إلى ما عرفت : من الكلّيّة المستفادة من الأخبار وهي كفاية مطلق القرب
الإضافي في التّرجيح كما صرّح به في « الكتاب » وهامش «
المعالم » لسلطان العلماء ، فلا يحتاج إلى دعوى
غلبة التّقيّة كما صنعه في « المعالم
» حتّى يتوجّه
عليه : المنع.
مضافا : إلى ما
ذكر من اشتراك احتمال التّأويل فلا يصلح للمعارضة ؛ فإنّ غرض المحقّق معارضة
احتمال التقيّة في الموافق باحتمال التّأويل في المخالف. فإذا كان الاحتمال
المذكور متطرّقا في الموافق أيضا فلا يصلح للمعارضة والتّأويل سواء كان قليلا أو
كثيرا يحتمل فيهما فيبقى احتمال التّقيّة سليما فيصلح للتّرجيح لعدم مانع منه إلاّ
المعارضة على ما يظهر من هذا الكلام.
والحاصل
: أنّ الكلّيّة
المستفادة من أخبار الباب تغنينا عن التّكلّم في إثبات كون مرجّح مخصوص ممّا نصّ
عليه أم لا من غير فرق بين أقسام المرجّح صدورا أو جهة أو مضمونا.
ثمّ
لا يخفى عليك
استقامة ما أفاده في « الكتاب » من ضعف الوجه الأوّل والثّالث في عنوان التّرجيح بمخالفة
العامّة.
أمّا
الثّالث : فظاهر ؛ لأنّه ـ مضافا
إلى منافاته لمقام التّرجيح ، بل اعتبار المتعارضين من حيث الطّريقيّة كما هو ظاهر
ـ لا يدلّ عليه شيء من الأخبار ؛ فإنّ الغرض من أمثال ما حكاه في « الكتاب » الحثّ على متابعة طريقة الأئمّة الهداة ( صلوات الله
عليهم ) قولا وعملا ، والإعراض عمّا عليه المذبذبون من الميل إلى
طريقة المخالفين ،
ويشهد له مساقها عند التّأمّل ؛ فإنّه لا تعلّق لها بالمتعارضين أصلا ، فالغرض
منها الحثّ على ترك التّسنّن وطريقة العامّة ليس إلاّ.
وأمّا
الأوّل : فلأنّه يتوجّه
عليه ـ مضافا إلى بعده عن مقام التّرجيح ومساق أخبار العلاج وإن دلّ عليه أكثر ما
دلّ على التّرجيح بمخالفة العامّة في ابتداء النّظر كما في « الكتاب » بل ذكر فيه : أنّه ممّا استظهره المحقّق من الشّيخ (
قدّس أسرارهما ) مع أنّ كلامه صريح في استظهار الوجه الرّابع منه على ما عرفت منّا
ومن « الكتاب » ؛ حيث إنّ مفاد الرّواية المرويّة عن الصّادق عليهالسلام هو الوجه الرّابع ـ : كون دليله محكوما بما دلّ على كون عنوان التّرجيح
بمخالفة القوم الطّريقيّة ؛ حيث إنّ سكوت كثير من الأخبار عن عنوان التّرجيح لا
ينافي ما بيّن فيه عنوانه ، فلا تعارض بينهما حقيقة.
فيبقى الوجهان
الآخران المبنيّان على الطّريقيّة ويضعّف الوجه الرّابع أيضا ؛ من حيث استفادته من
الأخبار لعدم دليل عليه منها إلاّ رواية عبيدة بن زرارة
المضعّفة ، وإن قيل بعدم قدح ضعفها : من حيث انجبارها بالعمل ، والظّاهر منها بعد
التّأمّل ما احتمله شيخنا بقوله : ( لاحتمال أن يكون المراد من شباهة أحد الخبرين
... إلى آخره ) فلا تعلّق لها بمسألة التّعارض.
إذ على هذا المعنى
الظّاهر منها يحكم بالتقيّة في الخبر الجاري على أصولهم الباطلة وعدم حجّيّته ،
فلا معنى لما قيل : من أنّه لا بدّ من حمل الخبر على صورة
__________________
التّعارض لكون
إطلاقها على خلاف الإجماع ، ولا لما قيل فيما يتوجّه على الاستدلال بها من
اختصاصها بالأخبار المسموعة : من أنّ مقتضى دليل حجّيّة الخبر الظّني تنزيله منزلة
المسموع ، مضافا إلى عدم القول بالفصل ، حتّى يتوجّه عليه : بقصور دليل التّنزيل
عن ذلك من حيث إنّ الأثر المزبور مترتّب على المعلوم بعنوان السّماع وإن كان محلاّ
للتّأمّل.
نعم
، لا ريب في
إثباته من حيث الكلّية المستفادة من أخبار العلاج على ما أسمعناك غير مرّة وليس
بين التّنصيص والاستفادة من العموم ثمرة عمليّة حتّى يتعب النّظر في إثبات
التّنصيص.
ومن هنا قال شيخنا
في « الكتاب » ـ بعد تضعيف الوجه المذكور ـ : ( ويمكن توجيه الوجه
الرّابع بعدم انحصار دليله في الرّواية المذكورة ... إلى آخره ) .
فيتعيّن إذن الوجه
الثّاني من الوجوه المذكورة في « الكتاب » بالنّظر إلى التّنصيص ، وإن استشكل فيه أيضا في « الكتاب » : ( بأنّ التّعليل المذكور في الأخبار بظاهره غير مستقيم
... إلى آخر ما أفاده بقوله : فيرجع الأمر بالأخرة إلى التّعبّد بعلّة الحكم وهو
أبعد من التّعبّد بنفس الحكم ) .
__________________
ولكنّك
خبير بما يتوجّه على
الإشكال المذكور واندفاعه بعد تسليم غلبة البطلان في أحكامهم ، كما يشهد به
الوجدان والأخبار الكثيرة وإن رماه في « الكتاب » بكونه خلاف الوجدان في تقريب
الإشكال ، مع رجوعه بعد ذلك لما أفاده في دفعه بقوله : ( ويمكن دفع الإشكال في
الوجه الثّاني ) وفاقا للسيّد الكاظمي في « شرح الوافية » ، بل لأنّ غلبة البطلان توجب صيرورة المخالف أقرب إلى
الحقّ وأبعد عن الباطل كما اعترف قدسسره به بقوله : ( نعم ، ينفع في الأبعديّة عن الباطل ) وهذا المقدار يكفي في التّرجيح كما عرفت استفادته عن تعليل ترجيح المشهور على
الشّاذّ ، فينطبق التّعليل المذكور على ذلك التّعليل هذا.
وقد
دفع بعض أفاضل
معاصرينا الإشكال بعد تسليم الغلبة : « بأنّ الخبر المخالف في الفرض وإن لم
يظنّ مطابقته للواقع بعد منع الغلبة المدّعاة في كلام
__________________
شيخنا العلاّمة
وفاقا للسيّد المحقّق الكاظمي ( قدس أسرارهما ) في دفع الإشكال ، إلاّ أنّ الخبر
الموافق لهم يصير موهونا من جهة الظّن بكونه على خلاف الواقع فيسقط عن الحجّيّة » . هذا حاصل كلامه بعد طوله.
لكنّه
كما ترى ؛ إذ مقتضاه طرح
الخبر الموافق لهم وإن كان سليما عن المعارض وهو كما ترى ، خلاف الإجماع هذا.
مضافا إلى أنّ المستفاد من أخبار الباب : وجوب الأخذ بالمخالف من حيث كونه راجحا
لا من حيث كون الموافق مرجوحا.
نعم
، هنا كلام لا في
جواز جعل المخالفة من المرجّحات وإن لم يحمل التّعليل الوارد في الأخبار على
الغلبة : بأن يكون المراد من كون الرّشد في خلافهم كون خلافهم في معرض الحقّ من
حيث كثرة البطلان في أحكامهم ، وإن لم تبلغ مبلغ الأكثريّة فضلا عن الغلبة فلا
يحمل التّعليل على التّعبد حتّى يكون أسوأ من التعبّد في أصل الحكم بالتّقديم
والتّرجيح ؛ لأنّ فيه نوعا من الطّريقيّة أيضا فينطبق على التّعليل المستفاد من
الأخبار في تقديم المشهور على الشّاذّ.
وهذا الكلام كما
ترى ، يفيد في دفع الإشكال أيضا بالتّقريب الّذي عرفته على تقدير حمل القضيّة على
الغلبة.
فقد
تحصل ممّا ذكرنا كلّه : أنّ مخالفة القوم يجتمع فيها عنوانان من المرجّح ، أحدهما : مرجّح الجهة
وإن لم يقع التّصريح به في الأخبار بناء على منع دلالة خبر
__________________
عبيدة بن زرارة عليه على ما عرفت. ثانيهما : مرجّح المضمون كما نصّ عليه في الأخبار
فيجوز التّرجيح بها في الأخبار النّبويّة القطعيّة ؛ نظرا إلى الجهة الثّانية وإن
لم يجز بالنّظر إلى الجهة الأولى كما أنّ التّرجيح بها مقدّم على المرجّحات
الصّدوريّة ؛ نظرا إلى الجهة الثّانية وإن لم يتقدّم عليها بالنّظر إلى الأولى على
ما عرفت : من تقديم المرجّح المضموني على الصّدوري وتأخير الجهتي عنه.
(٢٣)
قوله قدسسره : ( ومن هنا يظهر أنّ ما ذكرنا من الوجه ...
إلى آخره ) . ( ج ٤ / ١٢٦ )
أقول
: قد أسمعناك مرارا
: عدم الفرق في جريان المرجّحات بين أقسام المتعارضين فيما لم يكن هناك قوّة
لأحدهما بحسب الدّلالة ، فالمتباينان والعامّان
__________________
من وجه متساويان
من حيث الرّجوع فيهما إلى المرجّحات من غير فرق بين المرجّح الصّدوري والجهتي
والمضموني.
فكما أنّ ما أفاده
في « المعالم » لا يستقيم بالنّسبة إلى العامّين من وجه ، كذلك لا
يستقيم بالنّسبة إلى المتباينين. والوجه القاضي بوجوب الأخذ بمخالف القوم وطرح ما
يوافقهم لا يفرّق فيه بين القسمين.
نعم ، الحكم بصدور الموافق تقيّة بالنّسبة إلى خصوص مورد
التّعارض في العامّين من وجه مستبعد جدّا ، كالحكم بطرح أصل صدور المرجوح منهما في
مادّة التّعارض ، لكنّه استبعاد قد يقال بالفرق من جهة بقول مطلق من غير فرق بين
أقسام المرجّحات على ما عرفت شرح القول فيه.
(٢٤)
قوله قدسسره : ( الأوّل : أنّ الخبر الصّادر تقيّة ... إلى
آخره ). ( ج ٤ / ١٢٨ )
حمل موارد التقيّة على
التورية
أقول
: لمّا كان المراد
من حمل الخبر على التقيّة في المقام هو حمله على التّقيّة من حيث القول لا العمل ؛
لأنّه يرجع إلى بيان الحكم الواقعي الاضطراري ولا تعلّق له بمسألة التّعارض ـ على
ما أشرنا إليه في أوائل المسألة عند البحث عن حقيقة التّعارض ـ فلا محالة يرجع
التّقيّة إلى الكذب لمصلحة إن لم يقصد التّورية من القول الصّادر تقيّة ، فلمّا
كان الكذب قبيحا عقلا وحراما شرعا جوّز في حقّ غير الإمام عليهالسلام من جهة الاضطرار من جهة عدم إمكان التّورية في حقّه غالبا من جهة الغفلة
وإدّاء التّورية في حقّه غالبا إلى العلم بالحال.
ومن هنا جوّز
الشّارع له ذلك مطلقا من جهة الوقوع في محذور خلاف المقصود والحرج ، وهذا بخلاف
الإمام عليهالسلام ؛ فإنّه لا محذور لاختيار التّورية في حقّه فيلزم عليه في
مقام التّقيّة كما يظهر ممّا رواه في « الكتاب » من الأخبار وغيره ، إلاّ أنّه لا
يخرج عن المرجّح الجهتي على ما أشرنا إليه سابقا.
(٢٥)
قوله قدسسره : ( وربّما يستفاد من قول السّائل في المقبولة
... إلى آخره ). ( ج ٤ / ١٣٤ )
أقول
: وجه الاستفادة
ظاهر من حيث إنّ مخالفة المتعارضين لهم وكذا موافقتهما لهم لا يمكن إلاّ بإرادة
البعض ، اللهمّ إلاّ أن يكون مراد السّائل من التّعبير المذكور عدم وجود هذا
المرجّح رأسا كما يحمل على هذا المعنى قوله بعد ذلك ( قلت : جعلت فداك كلاهما موافقان للاحتياط ، أو مخالفان له ) فإنّه لا معنى لهذا السّؤال إلاّ بإرادة المعنى المذكور ؛ ضرورة عدم إمكان
موافقة الخبرين للاحتياط. ومن هنا أورد عليه في « الكتاب » بقوله : ( ويردّه : أن ظهور الفقرة الأولى ... إلى آخره )
.
نعم
، لا إشكال في كون
موافقة البعض في الفرض من المرجّحات بالنّظر إلى الكلّيّة المستفادة من أخبار الباب
، وقد أسمعناك مرارا : عدم الثّمرة بين التّنصيص والاستفادة من الكلّيّة في مسألة
التّرجيح.
ثمّ
إنّه يتقوّى
التّرجيح الجهتي فيما كان البعض من المعروفين منهم سيّما إذا كان مرجعا لهم في عصر
الإمام عليهالسلام المحكي عنه الحديث.
ثمّ إنّ الظّاهر من وصفي المخالفة والموافقة المضافتين
الظّاهرين فيما أفاده
__________________
من اعتبار الإضافة
إلى الجميع أو الجمع العرفيّ المتحقّق بذهاب المعظم ، أو الأكثر ، أو الكثير لا
يختصّ بعصر الإمام عليهالسلام بل يعمّه وغيره من الأعصار. ومن هنا يشكل تحصيله إلاّ في
المسائل الإجماعيّة عندهم في الجملة ؛ إذ لا يعتبر في الإجماع اتّفاق أهالي جميع
الأعصار.
ومن هنا قيل بكون
المراد من الوصفين المضافين أعمّ من البعض من حيث لزوم اعتبار الجميع سدّ باب هذا
التّرجيح مع مزيد الاهتمام بشأنه من بين المرجّحات المنصوصة من حيث ذكره في أكثر
أخبار الباب كما جزم به بعض أفاضل عصرنا.
نعم
، فيما لم يعلم به
يمكن الحكم بحجّيّة الظّن المطلق القائم عليه بإجراء دليل الانسداد في خصوص هذه
المسألة الشّخصيّة أو كثير من المرجّحات على ما أسمعناك سابقا ، هذا على تقدير
اعتبار المرجّحات المنصوصة.
وأمّا بناء على
اعتبار الكلّيّة المستفادة من الأخبار فيتسرّى الحكم إلى الظّن بوجود المرجّح ، بل
شكّه بمقتضى نفس الأخبار العلاجيّة فينتفي مورد الرّجوع إلى دليل الانسداد ؛ ضرورة
كون المظنون مخالفته للقوم أقرب إلى الواقع بالنّسبة إلى ما ظنّ موافقته لهم ،
وهكذا الأمر بالنّسبة إلى المشكوك والمحتمل منهما. وليس مبنى ما ذكر كما عرفت على
التّمسّك بالنّص على التّرجيح بالوصفين حتّى يمنع منه ؛ نظرا إلى الشّك في الموضوع
، بل على التّمسّك بالكلّيّة الصّادقة مع العلم والظّن بهما ، بل مع احتمالهما
فافهم. وقد أشرنا إلى ما ذكرنا في مطاوي كلماتنا السّابقة.
المرجّحات الخارجيّة
(٢٦)
قوله : ( فمن الأوّل : شهرة أحد الخبرين : أمّا من حيث الرّواية ... إلى آخره ). (
ج ٤ / ١٣٩ )
شهرة أحد الخبرين
أقول
: قد أسمعناك : أنّ
الشّهرة من حيث الرّواية من المرجّحات الدّاخليّة الموجبة لرجحان صدور المشهور ،
غاية ما هناك ترجيحها للمظنون أيضا إذا اتّفق عمل المشهور به ، فيكون لها جهتان من
التّرجيح : التّرجيح من حيث الصّدور ، والتّرجيح من حيث المضمون. كما أنّا أسمعناك
: أنّ مخالفة العامّة من المرجّحات الدّاخليّة سواء كانت من المرجّحات المضمونيّة
، أو الجهتيّة ، أو منهما معا كما هو الصّواب.
فالتّفكيك في جعل
مخالفة العامّة من المرجّح الدّاخلي بين كونها من المرجّح المضموني ، أو الجهتي ـ كما
يظهر من كلامه في المقام وبعد ذلك ـ كما ترى. وكذا حال الأفقهيّة ؛ فإنّها من
المرجّحات الدّاخليّة الصّدوريّة كالأعدليّة ، وإن ترجّح المضمون بها إذا قارنت
فتوى الأفقه بالخبر ، فما أفاده من الأمثلة للمرجّح الخارجي محلّ مناقشة وإن كانت
المناقشة في المثال هيّنة.
ثمّ
إنّ ما أفاده قدسسره في الاستدلال على
لزوم التّرجيح بالمرجّح الخارجي من
الكلّيّة
المستفادة من أخبار العلاج ممّا لا شبهة فيه أصلا ـ على ما نبّهناك عليه مرارا ـ كما
أنّ ما أفاده في تقريب الاستدلال بالإجماع المدّعى في كلام جماعة على وجوب العمل
بأقوى الدّليلين : من حيث رجوع المرجّح الخارجي إلى المرجّح الدّاخلي وعدم الفرق
بينهما إلاّ بالإجمال والتّفصيل ممّا لا يعتريه ريب ، وإن كان تخصيص المردّد في كلامه
بالصّدور وجهته ، محلّ نظر.
لأنّ التّحقيق
تردّد الأمر بين ثلاثة جهات الصّدور وجهته والدّلالة ، كالاستدلال للمدّعى بترجيح
الأوثق في أخبار الباب لمنع كون المراد من الأوثق مجرّد الأقرب إلى الواقع على ما
عرفت في مطاوي كلماتنا السّابقة. وهذا نظير الاستدلال للمدّعى في الجواب عن
السّؤال فيما سيذكره بعموم قوله : ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ) فإنّك قد عرفت فيما قدّمناه لك : عدم تعلّق الرّواية بباب التّرجيح أصلا ،
مضافا إلى عدم دلالتها وإن كان مستقيما على تقدير عمومها للمقام.
نعم ، الاستدلال على المدّعى بعموم كلمات العلماء ومعاقد
الإجماعات لمطلق الأمارة المطابقة لمضمون أحد الخبرين وإن لم ترجع إلى المرجّح
الخارجي ممّا لا شبهة في استقامته كالاستدلال بالأصل بالتّقريب المتقدّم في كلام
شيخنا العلاّمة قدسسره في مسألة وجوب التّرجيح ، فلعلّ عدم ذكره في عداد الوجوه
في المقام من جهة ابتناء كلامه قدسسره على ذكر الأدلّة لا مطلق الوجه.
نعم
، قد مرّ منّا
فيما تقدّم التّأمّل في الأصل المذكور في مطلق التّرجيح.
__________________
(٢٧)
قوله : ( مع أنّه يمكن دعوى حكم العقل ... إلى آخره ). ( ج ٤ / ١٤٣ )
أقول
: دعوى حكم العقل
بوجوب العمل بالأقرب إلى الواقع ، إنّما يستقيم على القول بحجّيّة الأمارات : من
باب الظّن المطلق ، والقول به لا يجامع التّعارض على ما أسمعناك عن قريب. وأمّا على
القول باعتبارها : من باب الظّن الخاصّ فمقتضاه ـ على ما عرفت في صدر المسألة ـ هو
التّوقّف والرّجوع إلى الأصل المطابق لأحدهما إن كان ، وإلاّ فالتّخيير العقلي.
ومن هنا أمر قدسسره بالتّأمّل فيما أفاده .
__________________
نعم ، مقتضى الأصل بعد البناء على التّخيير في المتعارضين
وإهمال ما دلّ عليه من أخباره وجوب التّرجيح بكلّ مزيّة سواء كانت داخليّة أو
خارجيّة على ما بنى عليه الأمر سابقا ، لكنّه لا تعلّق له بحكم العقل بوجوب العمل
بالأقرب إلى الواقع كما هو ظاهر.
(٢٨)
قوله قدسسره : ( ومال إلى ذلك بعض سادة مشايخنا المعاصرين
... إلى آخره ). ( ج ٤ / ١٤٤ )
كلام سيّد المفاتيح في
الترجيح بالقياس ومناقشته
أقول
: مراده قدسسره السيّد ( طيّب
الله رمسه الشّريف ) في « المفاتيح » حيث قال بعد نقل كلام « المعارج » ما هذا لفظه :
__________________
« والتّحقيق : أن يقال : إن كان القياس الموافق لأحد الخبرين من القياس
بالطّريق الأولى ، أو المنصوص العلّة فلا إشكال في صحّة التّرجيح به ؛ لأنّ هذين
القياسين من الأدلّة الشّرعيّة المعتبرة. وقد بيّنا : أنّ أحد الخبرين المتعارضين
إذا اعتضد بدليل شرعيّ كان اللاّزم ترجيحه.
وإن كان من القياس
المستنبط العلّة الّذي ليس بحجّة شرعا فلا يخلو : إمّا أن لا يقتضي الظّن بصدق
مضمون الخبر الّذي يوافقه أو يقتضيه ، فإن كان الأوّل : فلا إشكال في عدم صحّة
التّرجيح به للأصل السّليم عن المعارض وما سيأتي إليه الإشارة. وإن كان الثّاني :
ففي صحّة التّرجيح به إشكال : من الأصل وعموم كثير من الأخبار الواردة في المنع من
العمل بالقياس ؛ فإنّ التّرجيح به عمل به ، وعموم الأخبار الدّالة على التّخيير
بين الخبرين المتعارضين إمّا مطلقا أو بعد فقد مرجّحات ليس منها محلّ البحث ، وأنّ
القياس لو كان مرجّحا لاشتهر بل تواتر لتوفّر الدّواعي ، وأنّه لو كان مرجّحا للزم
معرفة مسائل القياس وتنقيحها وضبطها كما لا يخفى. وذلك قد يكون منافيا لحكمة حرمة
القياس كما لا يخفى ، ومن أصالة حجّيّة الظّن خصوصا في مقام التّرجيح ، وفحوى ما
دلّ على اعتبار كثير من المرجّحات المنصوصة ، وغلبة حجّيّة مرجّحات ظنّية غير
منصوصة ، فيلحق بها محلّ الشّك وهو محلّ البحث.
ولا يعارض ما ذكر
عموم الأخبار المانعة عن العمل بالقياس لإمكان دعوى انصرافه إلى المنع من التّمسّك
به على حكم شرعي ، ولو سلّم شمول بعضها لمحلّ البحث فيتوقّف على اعتبار سنده ، ولو
سلّم فغايته إفادة الظّن : بأنّ هذا الظّن لا يكون حجّة في هذا المقام.
وفي صلاحيّة هذا
لمعارضة أصالة حجّيّة الظّن إشكال فتأمّل. وكذلك لا يصلح لمعارضة ذلك عموم الأخبار
الدّالة على التّخيير للمنع عن ظهورها في المنع عن التّرجيح بالمفروض. سلّمنا ولكن
لم يعلم اعتبار سندها ، ولو سلّم اعتبار سند بعضها ففي صلاحيّته لمعارضة أصالة
حجّيّة الظّن إشكال. ومع ذلك فبعضها معارض مع بعض ، فيبقى الرّجوع هنا إلى المرجّح
الظّني ولا يمكن التّمسّك بها كما لا يخفى ، فتأمّل.
وأمّا دعوى : ظهور اتّفاق الأصحاب على المنع من التّرجيح به ، فمحلّ
إشكال ؛ إذ ليس بناء معظمهم على ضبط جميع المرجّحات والإشارة إليها ولو سلّم ذلك :
فغايته الظّن ؛ وفي صلاحيّته لمعارضة الأصل المذكور إشكال وكيف كان فالأحوط الأخذ
بالخبر الموافق له حيث يدور الأمر بينه وبين التّخيير وبينه وبين معارضه. وأمّا
إذا وجد للمعارض مرجّح معتبر فإن كان القياس أضعف منه فلا إشكال ، وكذا إذا كان
مساويا فتأمّل.
وأمّا إذا كان
القياس أقوى ففيه : إشكال عظيم ، فتأمّل » . انتهى كلامه رفع مقامه.
وفيه
أنظار غير مخفيّة سيّما في تكرّر ذكر أصالة حجّيّة الظّن.
فإنّه إن كان المراد من الأصل المذكور : أصالة حجّيّة الظّن في أحكام
الله تعالى الّتي بين الأمر عليها جمع من المتأخّرين.
فيتوجّه
عليه ـ ما أسمعناك في
بيان محلّ التّعارض ـ أنّ القول بحجّيّة مطلق
__________________
الظّن ينافي باب
التّعارض في الجملة. مضافا إلى رجوع الإشكال على تقديره إلى إشكال خروج القياس عن
الدّليل العقلي القاضي بحجّيّة الظّن مطلقا هذا. مضافا إلى أنّ الإشكال مع تسليم
اعتبار سند الأخبار المانعة بقول مطلق لا معنى له أصلا ؛ لأنّه من تعارض الظّن
الخاصّ والمطلق إلى غير ذلك ممّا يتوجّه عليه على هذا التّقدير.
وإن
كان المراد : أصالة اعتبار
الظّن في خصوص باب التّرجيح في قبال التّخيير ـ على ما بنى عليه شيخنا العلاّمة قدسسره فيما تقدّم من
كلامه ـ ففيه : أنّ الأصل المذكور ربما نقول به عند الشّك ، فكيف يصلح
لمعارضة ما دلّ على حرمة إعمال القياس في الدّين مطلقا كما قضى به صريح كلامه؟
(٢٩)
قوله قدسسره : ( إذا عرفت ما ذكرنا علمت توجّه الإشكال ...
إلى آخره ). ( ج ٤ / ١٥٠ )
أقول
: تقديم التّرجيح
بموافقة الكتاب بأقسامها وكذا السّنة على التّرجيح بسائر المرجّحات الرّاجعة إلى
غير الدّلالة في غير ما يوجب سقوط المخالف عن الحجّيّة ممّا لا إشكال فيه أصلا ،
ولا يتوجّه الإشكال القطعيّة من جهته فيما دلّ من الأخبار العلاجيّة على تقديم بعض
المرجّحات عليهما بعد البناء على كون ذكرها من باب مجرّد التّمثيل وعدم إرادة
التّرتيب منها ، وإلاّ لم يجامع إناطة التّرجيح بالكلّيّة المستفادة منها.
فلا داعي لدفع
الإشكال إلى التّكلف الّذي ارتكبه بقوله : ( وأمّا الإشكال المختصّ بالمقبولة ...
إلى آخره ) مع أنّ الالتزام بتقديم التّرجيح بالشّهرة على
__________________
التّرجيح بموافقة
الكتاب والسّنة كما ترى ، هذا. مضافا إلى أنّ الالتزام بالتّرتيب المستفاد من
الأخبار لا يجامع البناء على الكلّيّة على ما عرفت ، فلو كان هناك ترتيب بين
المرجّحات كما في بين جملة منها فلا تعلّق له بالأخبار أصلا.
(٣٠)
قوله قدسسره : ( ويمكن التزام دخول الصّورة الأولى ... إلى
آخره ). ( ج ٤ / ١٥٠ )
أقول
: لا ينبغي
التّأمّل في شمول الأخبار للصّورة الأولى من الموافقة للكتاب والسّنة ، لا من جهة
كون الاختصاص بالصّورة الأخيرة موجبا لقلّة مورد الأخبار ، بل من جهة عموم الأخبار
بأنفسها لها من غير تأمّل في ذلك سواء فرض هناك مرجّح للخبر المخالف للكتاب
والسّنة القطعيّة أم لا ؛ لأنّ تقديم الخبر المخالف لو لا المعارض لا يجدي فيما لو
كان له معارض قد قضى الدّليل بتقديم ما وافق الكتاب والسّنة بعنوان العموم هذا
كلّه.
مضافا إلى اقتضاء
الكلّيّة المستفادة من أخبار العلاج للتّرجيح في الصّورة الأولى ؛ ضرورة كونها
أولى من الأمارة الغير المعتبرة. وقد عرفت : أنّه بناء على الكلّيّة ليس هنا ثمرة
عمليّة بين المرجّحات المنصوصة وغيرها.
(٣١)
قوله قدسسره : ( ثمّ إن حكم الدّليل المستقلّ المعاضد ...
إلى آخره ). ( ج ٤ / ١٥١ )
حكم الدليل المستقل
المعاضد لأحد المتعارضين
أقول
: بعد ابتناء باب
التّعارض والتّرجيح على اعتبار الظّنون الخاصّة ليس هنا ـ عند التّحقيق ـ ما يعاضد
أحد المتعارضين غير الكتاب والسّنة القطعيّة النّبويّة ، اللهمّ إلاّ أن يكون
المراد خصوص الأخبار ، لكنّه غير مراد ظاهرا وإن
جرى الحكم المذكور
بالنّسبة إلى الأخبار أيضا ؛ فإنّ ما يمكن من غير الأخبار أن يقع موردا للكلام
المذكور ليس إلاّ نقل الإجماع.
وقد عرفت الكلام
على حجّيّته من حيث الخصوص ، أو الإجماع المحقّق فيما لو انكشف عن وجود حديث معتبر
عند الكلّ ، أو الإجماع على القاعدة بحيث يكشف قطعا عن صدور لفظ عامّ عن المعصوم عليهالسلام.
نعم ، على القول بحجّيّة الشّهرة أو الأولويّة الاعتباريّة من
حيث الخصوص جرى فيهما ما أفاده في الجملة ، لكن القول باعتبارهما من حيث الخصوص
ضعيف.
وأمّا الحكم
العقلي القطعي في المسألة الفرعيّة وكذا الإجماع القائم عليها ونحوهما ممّا يفيد
القطع بالواقع فلا يصحّ جعله معاضدا ومرجّحا لما يوافقه من المتعارضين ؛ ضرورة
انتفاء موضوع الدّليل الظّني مع القطع بالواقع وإن كانا متوافقين.
فما يظهر من غير
واحد ممّن قارب عصرنا : من ذكر الدّليل القطعي المطابق لأحد المتعارضين من المعاضد
والمرجّح ، لا بدّ من أن يحمل على المسامحة في التّعبير.
قال في « الفصول » في عداد المرجّحات :
« الخامس : التّرجيح باعتبار معاضد خارجي فيرجّح ما يوافقه دليل معتبر
من كتاب ، أو سنّة ، أو إجماع أو عقل على ما لا يوافقه. لا يقال : فالحجّة إذن في الدّليل المعتبر لا في الخبر المعتضد به.
لأنّا نقول : تعدّد الدّليل ممّا لا غبار عليه ،
والاعتضاد موجب
للوثوق بصحّة أحد المتعارضين فيضعف معارضه » . انتهى كلامه رفع
مقامه.
وهو كما ترى ، لا
يخلو عن إجمال.
ثمّ
إنّ الدّليل على
اعتبار التّرجيح بالتّعاضد في غير موافقة الكتاب والسّنة هو ما عرفت من الكلّيّة
المستفادة من أخبار العلاج ، وإلاّ فمجرّد عنوان التّعاضد لا يصلح علّة لتقديم
المتعاضدين على الخبر المجرّد كما هو ظاهر. كما أنّه يعلم ممّا ذكرنا في حكم تعارض
المرجّحات ـ من سنخ أو سنخين ـ حكم تعارض المعاضدات أيضا ، حتّى فيما كان أحدهما
موافقا للكتاب والآخر موافقا للسّنة ، وحكم تعارض المعاضدات والمرجّحات فلا حاجة
إلى بسط القول في ذلك كلّه.
(٣٢)
قوله قدسسره : ( لكن يشكل التّرجيح بها ؛ من حيث إنّ مورد
الأصول ... إلى آخره ).
( ج ٤ / ١٥١ )
أقول
: قد يناقش فيما أفاده : بأنّ الأصل سواء كان شرعيّا محضا ، أو عقليّا كذلك ، أو له جهتان ، تعليقي
بالنّسبة إلى الدّليل الاجتهادي ، وإن قيل باعتبار الأصل من باب الظّن ؛ فإنّه لم
يعهد على هذا القول أيضا توهّم معارضة الأصل للدّليل الاجتهادي ، فالأولى استناد
منع التّرجيح بالأصل إلى عدم شمول الكلّيّة المستفادة من أخبار الباب لما لا يوجب
نفي الرّيب بالإضافة ، فلا يشمل التّرجيح بالأصل ولا بغيره من الأمور التّعبّديّة
هذا.
مضافا إلى أنّ
تخصيص أخبار التّخيير بما إذا كان مقتضى الأصل العملي هو
__________________
التّخيير في معنى
طرح أخبار التّخيير رأسا هذا. مضافا إلى ورود جملة منها في مورد جريان الأصل مثل
المكاتبتين المرويّتين في « الكتاب » هذا كلّه. مضافا إلى أنّ الدّليل القاضي بالتّخيير في
المقام الّذي يرجع إلى التّخيير في المسألة الأصوليّة يقتضي حجّيّة الخبر المخالف
للأصل ، فكيف يزاحمه الأصل؟
وأمّا
توهّم : اقتضاء الأصل
التّرجيح بموافقة الأصل من حيث كون الموافق له متيقّن الحجّيّة ، ففاسد جدّا من حيث ذهاب غير واحد إلى تقديم المخالف للأصل. ألا ترى
إلى عنوانهم لمسألة المقرّر والنّاقل والاختلاف فيها؟ فتأمّل هذا. مضافا إلى ما عرفت من استلزام التّرجيح به لطرح أخبار التّخيير مع ورود جملة منها في مورد جريان الأصل.
وممّا
ذكرنا يظهر : ضعف ما حكاه
شيخنا العلاّمة قدسسره في «
الكتاب » عن بعض معاصريه
في تقريب التّرجيح بالأصل سيّما ما حكم به أخيرا من تساقط
المتعارضين والرّجوع إلى الأصل المنافي للتّرجيح به.
__________________
كلام صاحب الفصول
ومناقشته
كما أنّه يظهر منه
ضعف ما أفاده الشّيخ الفاضل في « الفصول » بعد جملة كلام له في ترجيح ما وافق الأصل أو خالفه حيث
قال :
« ولا يذهب عليك
أنّ الخبر المعتضد بالأصل يخرج عن كونه دليلا اجتهاديّا على الحكم ويصير من
الأدلّة الظّاهريّة الّتي يعبّر عنها بالأدلّة الفقاهيّة كالأصل ومثله الخبر
المعتضد بالاحتياط لو قلنا بتقديمه على غيره ، وهذا بخلاف ما لو اعتضد أحد الخبرين
بسائر المرجّحات كالشّهرة وموافقة الكتاب ومخالفة العامّة ونحو ذلك ، وذلك لأنّ
هذه المرجّحات تفيد في أنفسها الظّن بصحّة الصّدور ، أو المراد ، أو المطابقة
للواقع بخلاف المعتضد بالأصل والاحتياط ، فوزان هذين المرجّحين وزان أخبار العمل
بأحد المتكافئين ».
إلى أن قال :
« ويمكن أن يقال : حينئذ بأنّا نطرح الخبرين ونعمل بالأصل المطابق لأحدهما
وفيه بعد » . انتهى كلامه رفع مقامه.
وأنت
خبير بأنّ حقيقة
الدّليل لا يختلف من جهة موافقته للأصل ، بل الأمر في التّخيير أيضا كذلك ؛ فإنّه
بعد الاختيار يكون المختار دليلا اجتهاديّا ، فلعلّ غرضه من هذا الكلام : بيان
تأخّر مرتبة هذا المرجّح من غيره ، وأنّ تقديم الخبر
__________________
الموافق له ليس من
جهة تفاوت حال الموافق بملاحظته من حيث العنوان المأخوذ في حجّيّته ، فيكون الأخذ
به نظير الأخذ بأحد الخبرين عند التّخيير.
فكيف
كان : لا ينبغي الإشكال
في عدم مرجّحيّة الأصل على القول بالتّعبد ، كما لا ينبغي الإشكال في عدم مرجّحية
مخالفه ، وإن ذكر هنا وجوه بل أقوال في المسألة في كتب الخاصّة والعامّة ، لكن صرف
الوقت في تحقيق ما هو أهمّ أولى.
نعم ، لا ينبغي الإشكال في التّرجيح بالأصل على القول باعتباره
: من باب الظّن على ما يستفاد من الأخبار وكلماتهم من الكلّيّة وإن كان منافيا
لبعض أخبار التّخيير موردا ، بل جميع أخبار التّخيير من حيث لزوم تخصيصها بما لم
يكن هناك أصل على طبق أحدهما وهو إخراج لأكثر موارد الأخبار.
(٣٣)
قوله قدسسره : ( فالمتّجه : ما ذكره الشيخ قدسسره
في « العدّة » ... إلى آخره ). ( ج ٤ / ١٥٥ )
أقول
: لا يخفى عليك أنّ
ما أفاده من اتّجاه ما ذكره الشّيخ قدسسره مبنيّ على القول بالتّرجيح بالأصل ؛ حيث إنّه على هذا
القول يقدّم الحاظر على المبيح بناء على أصالة الحظر في الأشياء قبل الاطلاع على
الشّرع.
وأمّا ما أفاده في
الاستدلال على تقديم الحاظر بقوله : ( ويمكن الاستدلال لترجيح الحظر بما دلّ على
وجوب الأخذ ... إلى آخره ) فيتوجّه عليه ـ مضافا إلى ما ناقشه فيه في طيّ كلماته
السّابقة وسيصرّح به عن قريب : من اختصاص الرّواية بصورة التّمكّن من تحصيل العلم
ـ : بأنّ الأخذ بما وافق الاحتياط من الخبرين مطلوب استحبابا ، تحكيما لأخبار
التّخيير عليه من حيث كونه نصّا
__________________
بالنّسبة إليه على
ما أسمعناك في الجمع بينها وبينه وإن لم يكن هذا الجمع مرضيّا عند شيخنا قدسسره بل عند الأكثر.
(٣٤)
قوله قدسسره : ( والحقّ هنا التّخيير ... إلى آخره ). ( ج
٤ / ١٥٨ )
أقول
: مقتضى المرفوعة
الّتي هي أخصّ من جميع أخبار التّخيير ثبوت التّخيير في الفرض هذا. مضافا إلى أنّ
مورد بعض أخبار التّخيير سؤالا : ما إذا ورد هناك أمر ونهي وليس في الفرض أصل في
المسألة الفرعيّة يرجّح به أحد المتعارضين ، فالحكم بالتّخيير في المقام ممّا لا
مناص عنه ، وإن قيل بتقديم احتمال التّحريم على الوجوب عند فقد النّص ، أو إجماله
، أو قيل بلزوم التّوقّف والاحتياط في تكافؤ النّصّين مطلقا ؛ ضرورة عدم إمكان
الاحتياط في الفرض.
ومن هنا ذهب غير
واحد ممّن اختار الاحتياط في غير الفرض من صور تعارض النّصّين المتكافئين إلى
التّخيير في المقام ، وإن كان المختار ثبوت التّخيير مطلقا وفاقا للمحقّقين على ما
أسمعناك في مسألة التّعادل.
والحاصل
: أنّه كما إذا
تعادل الخبران من حيث المرجّحات الأربعة لا ينظر إلى موافقة أحدهما للأصول
العمليّة ويحكم بالتّخيير بينهما ، كذلك لا ينظر إلى مضمونهما من حيث الوجوب
والتّحريم أو غيرهما من الأحكام الثّلاثة ، أو أحدهما مع واحد من الأحكام الثّلاثة
، فيحكم بالتّخيير مطلقا ، وإن خالف فيما ذكرنا غير واحد من الخاصّة والعامّة ؛
فإنّ من يقدّم الخبر الدّال على الحظر على ما يدلّ على الوجوب يقدّمه على ما يدلّ
على غيره من الأحكام بطريق أولى ، إلاّ بالنّسبة إلى ما يدلّ على الإباحة من حيث
كونه موافقا للأصل.
ومن هنا أفرد غير
واحد من الأصوليّين لكلّ واحد من الصّور المذكورة عنوانا كما في « المفاتيح » وغيره قال في محكيّ « الإحكام » ـ في عداد مرجّحات المدلولي ـ :
« الثّالث : أن
يكون حكم أحدهما الحرمة والآخر الكراهة فالحاظر أولى لمساواته للكراهة في طلب
التّرك وزيادته عليه ... إلى آخر ما ذكره من الوجوه » .
وقال في محكيّ « النّهاية » وغيره : « الآمر مقدّم على المبيح ؛ للاحتياط ولانتفاء
الضّرر بمخالفة المبيح ... إلى آخر ما ذكره من الوجوه » .
وقال في محكيّ شرح
« المختصر » و «
الإحكام » : « يقدّم
الحظر على النّدب ؛ لأنّ الحظر لدفع المفسدة والنّدب طلب المنفعة. وقال في محكيّة
أيضا : يقدّم الوجوب على النّدب ؛ لأنّه أحوط » . انتهى.
بل عن غير واحد
منهم : الحكم بالتّرجيح من حيث المدلول من غير جهة ما عرفت من الأحكام ، كالحكم
التّكليفي بالنّسبة إلى الوضعي ، وما دلّ على الأخفّ بالنّسبة إلى ما دلّ على
الأثقل لدليل نفي الحرج. وهذا كلّه منحرف عن الصّواب وإن أشير إلى الأخير في بعض
ما تقدّم من الأخبار العلاجيّة.
__________________
(٣٥)
قوله قدسسره : ( نعم ، يجب الرّجوع إليها في تعارض غير
الخبرين ... إلى آخره ).
( ج ٤ / ١٥٨ )
أقول
: قد أسمعناك فيما
قدّمناه لك في تعارض ما كان مبناه على الطّريقيّة : أنّ قضيّة القاعدة فيه هو
الحكم بالتّوقّف الّذي يرجع إلى التّساقط في الجملة والرّجوع إلى الأصل العملي
المطابق لأحدهما إن كان ، وإلاّ فالتّخيير العقلي نظير التّخيير بين المحظورين من
غير فرق بين أن يكون هناك مرجّح أم لا.
فما
أفاده : من الرّجوع إلى
المرجّحات المذكورة في غير تعارض الخبرين ؛ نظرا إلى حكومة أخبار التّخيير عليها
في تعارض الخبرين مبنيّ على القول بصلاحيّة تلك المرجّحات للتّرجيح ، وإلاّ فقد
عرفت عدم صلاحيّتها له. ومن هنا قال : ( لكن ليس هذا من التّرجيح في شيء ) .
وبالجملة
: لا فرق بين تلك
المرجّحات والمرجّحات الجارية في الأخبار في عدم الالتفات إليها في غير تعارض
الأخبار.
نعم
، ما كان منها
مرجعا كالأصل يرجع إليه في تعارض غير الأخبار على الطّريقيّة على القول بعدم إجراء
التّخيير فيه بملاحظة تنقيح المناط ، وإلاّ فيحكم
__________________
بالتّخيير أيضا
كما في تعارض الأخبار كما أشار إليه في « الكتاب » ، لكن التّنقيح على وجه القطع
غير مسلّم ، والاتّفاق على اتّحاد الحكم في باب التّعارض غير معلوم ، بل الأمر
كذلك بالنّسبة إلى التّرجيح أيضا ، وإن كان أمره أظهر ؛ لاستفاضة الإجماع على وجوب
الأخذ بأقوى الدّليلين وأرجحهما من غير فرق بين الخبرين وغيرهما.
مضافا إلى وجوه
أخر قاضية بالتّعميم على ما عرفت الإشارة إليها وإلى ما يتوجّه عليها. ودعوى : عدم الفصل بين التّخيير والتّرجيح ، كما ترى.
قال في « المفاتيح » : « إذا وقع التّعارض بين أقسام الأدلّة الظّنّية غير
الخبر وجب أيضا الرّجوع إلى المرجّحات ، والظّاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه » . انتهى كلامه رفع مقامه.
وهو المراد بالبعض
في كلام شيخنا قدسسره الّذي استظهر عدم الخلاف في جريان التّرجيح في تعارض غير
الأخبار.
(٣٦)
قوله قدسسره : ( ولكن التّكلم في ذلك قليل الفائدة ... إلى
آخره ). ( ج ٤ / ١٥٩ )
إشارة إلى حكم تعارض غير
الأخبار من الأدلّة
أقول
: توضيح المقام : وما أفاده في تنقيحه : هو أنّه لا إشكال ـ على ما نبّهناك عليه مرارا وعن
قريب ـ في أنّ كلاّ من التّرجيح والتّخيير الثّابتين في
__________________
تعارض الأخبار على
خلاف الأصل والقاعدة ، وإنّما خرجنا عنهما لمكان الأخبار العلاجيّة الواردة في
تعارض خصوص الأحاديث والرّوايات الظّنية ، فلا يشمل تعارض غير الأخبار ، كما لا
يشمل تعارض الأخبار وغيرها ، ولا يشمل تعارض ما علم صدوره من الأخبار أيضا عند
التّحقيق في الجملة.
فلو تعارضت آيتان
، أو سنّتان ، أو إحداهما مع الأخرى ، أو إحداهما مع الخبر الظّنّي ، فلا يشملها
الأخبار العلاجيّة وإن جرى التّرجيح من حيث الدّلالة في جميعها ؛ فإنّ التّرجيح من
الحيثيّة المذكورة ليس لمكان التّعبّد. وكذا الحكم فيما لو تعارض الإجماعان
المنقولان ، أو أحدهما مع الخبر الظّنّي على القول بحجّيّة نقل الإجماع من حيث
الخصوص من جهة آية النّبأ وغيرها لعدم ظهوره من الأخبار العلاجيّة.
ودعوى
: تسرية الحكم إليه
من جهة العلّة المنصوصة في الأخبار العلاجيّة كما في « الكتاب » كما
ترى ؛ فإنّ الكلّيّة
الكبرى المستفادة من التّعليل هو تقديم ما ليس فيه الرّيب الموجود في صاحبه من
الأخبار لا مطلقا ، وهو أمر ظاهر لا ريب فيه عند التّأمّل أصلا. فقوله قدسسره : ( وأمّا
التّرجيح من حيث الصّدور فالظّاهر أنّه كذلك ... إلى آخره ) منظور فيه.
ومن هنا لم يستدلّ
أحد فيما أعلم على حجّيّة نقل الإجماع بالأخبار العلاجيّة ، مع أنّهم استدلّوا على
حجّيّة الأخبار في الجملة بالأخبار العلاجيّة.
نعم ، من قال
بحجّيّة نقل الإجماع من حيث الخصوص ـ كما يظهر من
__________________
« المعالم » وغيره ـ أجرى حكم تعارض الأخبار في تعارض نقلي الإجماع ،
فإن كان هناك إجماع فهو ، وإلاّ فللنّظر فيه مجال واسع ، هذا كلّه على القول
بحجّيّة من حيث الخصوص.
وأمّا على القول
بحجّيّته من حيث العموم : من جهة اندراجه تحت مطلق الظّن فسيجيء حكمه هذا في نقل
الإجماع ، وأمّا غيره كالشّهرة والأولويّة الاعتبارية وغيرهما لو قيل بحجّيّتها من
حيث الخصوص كما عن الشّهيد قدسسره بالنّسبة إلى الأوّل ، وثاني الشّهيدين وصاحب « المعالم » ( قدس الله أسرارهما ) بالنّسبة إلى الثّاني كما يظهر من
الأوّل في « المسالك » في مسألة الشّياع الظّني ، ومن الثّاني : في مسألة استحالة النّجاسات فتأمّل ، فلا يجري حكم تعارض الأخبار بالنّسبة إليها قطعا ، كما
لا يجري في تعارض الأخبار معها وإن كان ظاهر نقل الإجماع وغيره في لزوم الأخذ
بأقوى الدّليلين تسرية الحكم بالنّسبة إليها أيضا. هذا فيما قيل بحجّيّته من
الأمارات من حيث الخصوص.
وأمّا على القول
بحجّيتها من باب الظّن المطلق فلا إشكال في عدم تصوّر التّعارض بينها على القول
باختصاص النّتيجة بالفروع على ما يقتضيه التّحقيق : من كون النّتيجة حجّيّة الظّن
الشّخصي.
نعم
، على القول
بالتّخصيص بالأصول ، أو التّعميم يتصوّر التّعارض جدّا ، إلاّ أنّ في جريان حكم
تعارض الأخبار في تعارضها منعا ظاهرا.
__________________
نعم ، لا يبعد القول بلزوم متابعة الأقوى لا لمكان التّرجيح ،
بل لمكان وجود مناط الحجّيّة فيه ليس إلاّ نظير ما أسمعناك في الجزء الأوّل من
التّعليقة في الظّن المانع والممنوع ، فهو خارج عن حقيقة التّرجيح أيضا فتأمّل
هذا.
وإن شئت شرح القول
في ذلك فارجع إلى ما ذكرنا من القول في ذلك في مطاوي كلماتنا السّابقة ، وإنّما
تكلّمنا في ذلك في المقام اقتفاء لأثر شيخنا العلاّمة قدسسره.
وبما
ذكرنا كلّه يظهر : حكم تعارض الظّن الخاص والمطلق ؛ فإنّ الأوّل بمنزلة الدّليل بالنّسبة إلى
الثّاني ، فلا يقع التّعارض بينهما.
نعم
، لو فرض في مقام
ورد حكم الشّارع فيه بحجّيّة مطلق الظّن لا من جهة الانسداد وقع التّعارض بينه
وبين الظّن الخاصّ ، لكن الحكم فيه بالتّرجيح والتّخيير يظهر ممّا ذكرنا في حكم
غيره من الصّور فتدبّر.
ولنختم الكلام في
المسألة بذكر أمور :
الأوّل
: أنّا ذكرنا في
مطاوي كلماتنا : أنّ المدار في التّرجيح على مطلق المزيّة الدّاخليّة أو الخارجيّة
الرّاجعة إليها : وأنّ ما ذكر في الأخبار وكلمات العلماء من المرجّحات الأربعة
راجعة إلى تشخيص جملة من مصاديقها. وأكثر اشتمالا من الكتب عليها سيّما المرجّحات
السّنديّة الرّاجعة إلى الصّدور « كتاب المفاتيح » لسيّد مشايخ شيخنا العلاّمة ( قدس الله أسرارهما ) ، لكن
لا بدّ للفقيه من الرّجوع إلى الكتب الرّجاليّة لتحصيل المصاديق وتشخيصها كتشخيص
العادل وغيره ، والعادل والأعدل ، والفقيه والأفقه ، والضّابط والأضبط ، والورع
والأورع ، إلى غير ذلك.
كما أنّه لا بدّ
له من الرّجوع إليها لتحصيل ما هو مناط أصل الحجّيّة وإن كان هذا العلم كأكثر ما له دخل في
الاستنباط من العلوم متروكا عند كثير من محصّلي أهل عصرنا ، وقد اتّخذوا الاجتهاد
أسهل الأمور مع أنّه أشقّها ، ونسأل الله تعالى التّوفيق لتحصيله كما وفّق له علماءنا الماضين رضوان الله عليهم أجمعين.
الثّاني
: أنّا قد ذكرنا لك
في مطاوي كلماتنا الكلام في إلحاق غير الأخبار من الظّنون الخاصّة بالأخبار في
أحكام التّعارض ترجيحا وتخييرا. وعلى القول بعدم الإلحاق لا بدّ أن يراعي الفقيه
ما يقتضيه القاعدة في تعارض الطّرق ؛ فإنّ الحكم المذكور ترجيحا وتخييرا على خلاف
الأصول والقواعد.
فإذا تعارض من غير
الأخبار أمارتان وكان إحداهما موافقة للكتاب أو السّنة ، فلا بدّ من الأخذ بهما من
حيث كونهما مرجعا لا مرجّحا ، فلا يرجع إلى الأصل المطابق لإحداهما إلاّ فيما لم
يكن هناك أحدهما. وكذا الحكم فيما إذا وقع التّعارض بين الأخبار وغيرها على القول
المذكور ؛ ضرورة عدم جواز الرّجوع إلى الأصل العملي مع وجود الدّليل في المسألة
ولو كانا متوافقين.
الثّالث
: أنّا قد أشرنا في
أوّل المسألة عند التّكلّم في بيان حقيقة التّعارض : إلى أنّه لا يقع التّعارض
غالبا بين الأصول فيما حكموا بوقوع التّعارض بينها ، وإذا فرض وقوعه بينها في مورد
فلا معنى للحكم بالتّرجيح أو التّخيير بينها ، بل لا بدّ من الرّجوع إلى أصل ليس
في مرتبة المتعارضين ؛ لما أسمعناك : من كونهما على خلاف الأصول ، وإن قلنا بكون
الأصل التّرجيح فيما قام هناك دليل على حجّيّة المتعارضين في الجملة مع إهماله ،
فإذا وقع التّعارض بين الاستصحابين في الماء النّجس المتمّم كرّا بطاهر فيحكم
بالرّجوع إلى أصالة طهارة الماء.
كما أنّا قد أشرنا
مرارا في طيّ أجزاء التّعليقة : إلى عدم وقوع التّعارض بين الأصول والظّواهر
المعتبرة ، فما في كلام ثاني الشّهيدين ( قدس الله أسرارهما ) في « التّمهيد » وغيره في غيره : من بيان صور تعارض الأصل والظّاهر ،
وأنّه قد يقدّم الأصل وقد يقدّم الظّاهر ، وقد يظهر الإشكال في صور ، وذكر أمثلة
لكلّ قسم من الأقسام الثّلاثة ليس الغرض منه ما يتراءى منه في ابتداء النّظر ، بل
الغرض مجرّد التّعارض الصّوري.
كما أنّ الغرض من
التّقديم ليس هو التّقديم لمكان التّرجيح بعد فرض التّعارض ، بل الغرض من تقديم
الأصل هو العمل به دون الظّاهر المقابل له فيما لم يكن معتبرا. كما أنّ الغرض من
تقديم الظّاهر هو تعيّن الأخذ به إذا كان معتبرا في مقابل الأصل ، فموارد الإشكال
ترجع حقيقة إلى الإشكال في اعتبار الظّاهر ، وإن كان مقتضى القاعدة عند اشتباه
الأمر الرّجوع إلى الأصل من دون تأمّل كما هو ظاهر.
الرّابع
: أنّه إذا وجد
لأحد المتعارضين ما يوجب تقديمه على صاحبه ، فإن احتمل انقلاب الأمر ، أو حصول
التّعادل بالفحص وجب عليه النّظر والفحص ، وإلاّ لم يجب ، وإن احتمل الوقوف على ما
يوجب مزيد الرّجحان بعد الفحص والوجه فيما ذكرنا واضح.
هذا آخر ما وفّقنا
لإيراده في المقام بتوفيق الله الملك العلاّم ودلالة أهل الذّكر عليهم ألف الصّلاة
والسّلام ، وكان الفراغ منه : في اليوم التّاسع من شعبان من سنة ألف وثلاثمائة
وخمسة عشر من الهجرة النّبويّة على هاجرها ألف السّلام
والتّحيّة مع
تشتّت البال وتجرّع الغصص وتراكم الغموم .
والحمد لله أوّلا
وآخرا وله الشّكر الدّائم سرمدا وصلّى الله على خاتم النّبيّين وآله الطّيبين
الطّاهرين صلاة لا تنقطع أبدا .
وأرجوا من إخواني
المؤمنين النّاظرين إلى ما كتبت في هذه الأوراق مع ما فيه من الخلل والقصور : أن
يذكروني بطلب المغفرة والدّعاء وأن يعفوا عمّا يجدوا فيه من السّهو والخطأ
والاشتباه ؛ فإنّ العصمة مختصّة بأهلها ، مع أنّي قد أتعبت فيه كثيرا فإنّي قد
عملته بعد فقد كثير من أجزاءه ممّا عملته في سالف الزّمان ، وأعترف
__________________
بأنّي
ما أتيت بشيء عجيب ، فإن كان ، فهي رشحة من رشحات بحر إفادات شيخنا الأستاذ
العلاّمة ( قدّس الله نفسه الزّكيّة [ و ] جزاه الله وجميع علمائنا
عنّا وعن الإسلام خيرا ورضوانه بل سلامه عليهم أجمعين أبد الآبدين ودهر الدّاهرين
، وحشرنا وإيّاهم مع الأئمّة الطّاهرين صلوات الله عليهم أجمعين. وقد جرى القلم
بما جرى في بلدة طهران المشحونة بالهموم والأحزان.
قد فرغ من مقابلة
تمام الأجزاء وتصحيحها إلاّ بعض أجزاء حجّيّة القطع وقد فرغت من تحرير هذا الجزء
والأجزاء المتقدّمة عليه سوى أصل البراءة ؛ فإنه بخطّ غيري في سلخ شعبان من السنة
الخمس عشرة بعد الألف وثلاثمائة من الهجرة ، وأنا العبد أحمد التفرشي عفي عنه ،
وطبع في قاعدة الطهران بسعي السيّد السند المعتمد السيّد محمّد علي الشيرازي دام
توفيقه .
* * *
__________________
ثبت مصادر التحقيق
١ ـ أجود
التقريرات : تقريرا لأبحاث الميرزا النائيني ، بقلم آية الله المحقق السيد الخوئي
، تحقيق ونشر : مؤسسة صاحب الأمر ـ قم ١٤٢٠ الطبعة الاولى.
٢ ـ إختيار معرفة
الرجال : للشيخ الطائفة ، أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، تحقيق : السيد مهدي
الرجائي. مؤسسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث ـ قم ١٤٠٤ ه.
وطبعة ثانئ :
بتحقيق : العلاّمة المصطفوي ، طبع دانشگاه مشهد ١٣٤٨ ه.
٣ ـ الاحتياج :
للشيخ الطبرسي ، أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب ، تحقيق : السيد محمد باقر
الخرسان ، دار النعمان للطباعة والنشر ـ النجف الأشرف ١٣٨٦ ـ ١٩٦٦ م.
وطبعة ثانئ :
بتحقيق : الشيخ إبراهيم البهادري والشيخ محمد هادي به ، دار الأسوة ـ إيران ١٤٢٥ ه.
٤ ـ الإحكام في
أصول الاحكام : لعلي بن محمد الآمدي ، تحقيق :
عبد الرزاق عفيفي
، نشر المكتب الإسلامي ، الطبعة الأولى ١٣٨٧ ـ الرياض.
٥ ـ إرشاد الأذهان
إلى أحكام الإيمان : للعلاّمة الحلي ، أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي ،
تحقيق : فارس الحسون ، مؤسسة النشر
الإسلامي ـ قم
المشرفة ١٤١٠ ه.
٦ ـ الاستبصار
فيما اختلف من الأخبار : للشيخ الطائفة ، أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، تحقيق :
السيد حسن الموسوي الخرسان ، دار الكتب الإسلامية ـ طهران ١٣٦٣ ش ، الطبعة
الرابعة.
٧ ـ إشارات
الكلباسي : للفاضل الكلباسي ، محمد إبراهيم بن محمد حسن الكاخكي الأصبهاني ،
مخطوط.
٨ ـ الأصفى في
تفسير القرآن : لمحمد محسن الفيض الكاشاني ، تحقيق :
مركز الأبحاث
والدراسات الاسلامية ـ نشر مكتب الاعلام الاسلامي ـ قم ١٤١٨ ـ ١٣٧٦ ش.
٩ ـ أعيان الشيعة
: للسيد محسن الأمين ، تحقيق : حسن الأمين ، دار التعارف للمطبوعات ـ بيروت.
١٠ ـ آلاء الرحمن
: للعلاّمة البلاغي ، الشيخ محمد جواد البلاغي ، مركز العلوم والثقافة اللاسلامية.
١١ ـ الأمالي :
للشيخ الصدوق ، أبي جعفر محمد بن علي ابن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ، مؤسسة
البعثة ـ قم ١٤١٧.
١٢ ـ الأمالي :
للشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، مؤسسة البعثة ، دار الثقافة ـ قم
١٤١٤ ه ، الطبعة الأولى.
١٣ ـ أوائل
المقالات : للشيخ المفيد ، أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان ابن المعلم ،
تحقيق : الشيخ إبراهيم الأنصاري ، دالار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع ـ بيروت
١٤١٤ ـ ١٩٩٣ م.
١٤ ـ أوثق الوسائل
: للمحقق موسى بن جعفر بن أحمد التبريزي ، نشر : الكتبي النجفي ١٣٦٩ ش.
١٥ ـ الانتصار :
الشريف المرتضى ، علي بن الحسين الموسوي البغدادي ، مؤسسة النشر الاسلامي ـ قم
المشرفة ١٤١٥ ه.
١٦ ـ الأنوار
النعمانية في معرفة النشأة الانسانية : للمحدث الجزائري ، السيد نعمة الله بن عبد
الله بن محمد بن حسين بن أحمد بن محمود الموسوي التستري ، مطبعة شركة الطبع ـ تبريز
١٣٧٨ ه.
١٧ ـ إيضاح
الفوائد في شرح إشكالات القواعد : لابن العلاّمة ، فخر المحققين أبي طالب محمد بن
الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي ، تحقيق وتعليق : السيد حسين الموسوي الكرماني ،
الشيخ علي پناه الإشتهاردي ، الشيخ عبد الرحيم البروجردي ، المطبعة العلمية ـ قم
١٣٨٧ ه.
( ب )
١٨ ـ بحار الأنوار
الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار : للعلاّمة المجلسي ، الشيخ محمد باقر ، مؤسسة
الوفاء ـ بيروت ١٤٠٣ ه ، الطبعة الثانية.
١٩ ـ بحوث في علم
الأصول : للسيد محمد باقر صدر ، مؤسسة دائرة المعارف الفقه الإسلامي ١٤١٧ ه.
٢٠ ـ بدائع
الأفكار : ميرزا حبيب الله بن ميرزا محمد على الرشتي ، مؤسسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث ١٣١٣ ه.
٢١ ـ بصائر
الدرجات في فضائل آل محمد عليهمالسلام : لأبي جعفر محمد بن الحسن بن فروخ الصفار ، تحقيق : الحاج
ميرزا حسن كوچه باغي ، منشورات
الأعلمي ـ طهران :
١٤٠٤ ه ـ ١٣٦٢ ش ، مطبعة الأحمدي ـ طهران.
٢٢ ـ البيان (
طبعة حجرية ) : للشهيد الأول ، محمد بن جمال الدين مكي العاملي ، مجمع الذخائر
الإسلامية ـ قم.
٢٣ ـ البيان في
تفسير القرآن : للسيد أبو القاسم الموسوي الخوئي ، دار الزهراء ـ بيروت ١٣٩٥ ه ـ ١٩٧٥
م ، الطبعة الرابعة.
( ت )
٢٤ ـ تاريخ بغداد
: للخطيب البغدادي ، أبي بكر أحمد بن علي ، تحقيق : مصطفى عبد القادر عطاء دار
الكتب العلمية ـ بيروت ١٤١٧ ه ـ ١٩٩٧ م.
٢٥ ـ التبيان في
تفسير القرآن : للشيخ الطائفة ، أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، تحقيق : الشيخ
أحمد حبيب قصير العاملي ، طبع ونشر مكتب الإعلام الإسلامي ١٤٠٩ ه.
٢٦ ـ تجريد الاصول
: للمحقق النراقي ، مهدي بن أبي ذر النراقي الكاشاني ، مخطوط.
٢٧ ـ تجريد
الاعتقاد : للشيخ نصير الدين الطوسي ، تحقيق : محمد جواد الحسيني الجلالي ، مكتب
الإعلام الإسلامي ١٤٠٧ ه.
٢٨ ـ تحرير
الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية : للعلاّمة الحلي ، أبي منصور الحسن بن يوسف بن
المطهر تحقيق : الشيخ إبراهيم البهادري ، مؤسسة الإمام الصادق عليهالسلام ١٤٢٠ ه.
٢٩ ـ التحقيق في
نفي التحريف عن القرآن الشريف : للسيد علي الميلاني ، نشر دار القرآن الكريم ـ قم.
٣٠ ـ تذكرة
الفقهاء : للعلاّمة الحلي ، أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهر ، مؤسسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث.
٣١ ـ تفسير الإمام
العسكري ـ ( المنسوب إليه عليهالسلام ) : مدرسة الإمام المهدي ـ قم المقدسة ١٤٠٩ ه ، الطبعة
الأولى.
٣٢ ـ تفسير جوامع
الجامع : لأبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي ، مؤسسة النشر الاسلامي ـ قم المشرفة
١٤١٨.
٣٣ ـ تفسير
العياشي : لمحمد بن مسعود بن عياش السلمي ، تحقيق : السيد هاشم الرسولي المحلاتي ،
المكتبة العلمية الإسلامية ـ طهران.
٣٤ ـ تفسير القمي
: لأبي الحسن علي بن إبراهيم القمي ، تحقيق : السيد طيب الموسوي الجزائري ، دار
الكتاب ـ قم ١٤٠٤ ه.
٣٥ ـ تفسير نور
الثقلين : للشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي ، تحقيق : السيد هاشم الرسولي
المحلاتي ، طبع ونشر : مؤسسة إسماعيليان ١٤١٢ ه ـ ١٣٧٠ ش.
٣٦ ـ التعليقة على
فرائد الأصول : للسيد عبد الحسين الموسوي اللاري ، مؤسسة المعارف الإسلامية ١٤١٨ ه
، الطبعة الاولى.
٣٧ ـ تعليقة على
معالم الأصول : للسيد علي القزويني ، تحقيق : حفيده السيد علي العلوي القزويني ،
مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم المشرفة ١٤٢٢ ه ، الطبعة الاولى.
٣٨ ـ تفصيل وسائل
الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة : للحر العاملي ،
الشيخ محمد بن
الحسن ، مؤسسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث ـ قم ١٤١٤ ه ، الطبعة الثانية.
٣٩ ـ تقريرات آية
الله المجدد الشيرازي : للمحقق علي الروزدري ، مؤسسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث ، الطبعة الأولى.
٤٠ ـ التمهيد في
علوم القرآن : للشيخ محمد هادي المعرفة ، منشورات ذوي القربى ـ قم المقدسة ١٤٢٨ ه.
٤١ ـ تمهيد
القواعد : للشهيد الثاني ، زين الدين الجبعي العاملي ، مكتب الاعلام الإسلامي ـ قم.
٤٢ ـ تنقيح الأصول
( تقريرا لأبحاث آية الله العظمى الإمام الخميني ) :
حسين التقوي
الاشتهاردي ، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني ١٤١٨ ه.
٤٣ ـ التنقيح
الرائع في شرح مختصر الشرائع : للفاضل المقداد ، جمال الدين المقداد بن عبد الله
السيوري الحلي ، تحقيق : السيد عبد اللطيف الحسيني الكوه كمري ، مكتبة السيد
المرعشي ـ قم ١٤٠٤ ه.
٤٤ ـ التوحيد :
للشيخ الصدوق ، أبي جعفر محمد علي بن الحسين بن بابويه القمي ، تحقيق : السيد هاشم
الحسيني الطهراني ، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم المقدسة.
٤٥ ـ تهذيب
الأسماء واللغات : لأبي زكريا ، محي الدين بن شرف النووي ، دار الكتب العلمية ،
بيروت.
٤٦ ـ تهذيب الأصول
( تقريرا لبحث آية الله العظمى السيد روح الله الموسوي الخميني ) : للشيخ جعفر
السّبحاني التبريزي ، دار الفكر ـ قم ١٣٦٧ ش.
٤٧ ـ تهذيب المقال
في تنقيح كتاب الرجال : للفقيه المحقق آية الله العظمى السيد محمد علي الموحد
الأبطحي.
٤٨ ـ تهذيب
الأحكام : للشيخ الطائفة ، أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي تحقيق : السيد حسن
الموسوي الخرسان ، دار الكتب الإسلامية ، طهران ١٣٦٤ ه ش ، الطبعة الثالثة.
( ج )
٤٩ ـ جامع الشتات
: للميرزا أبي القاسم القمي ، منشورات شركة الرضوان ـ طهران.
وطبعة أخرى :
تحقيق : مرتضى رضوي ، مؤسسة كيهان ـ طهران ١٣٧٥ ش.
٥٠ ـ الجامع
الصغير في أحاديث البشير النذير : لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ،
دار الفكر ـ بيروت.
٥١ ـ جامع المقاصد
في شرح القواعد : للمحقق الثاني ، علي بن الحسين الكركي ، مؤسسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث ١٤٠٨ ه.
٥٢ ـ جواهر الكلام
في شرح شرائع الإسلام : لمحمد حسن النجفي ، تحقيق :
الشيخ عباس
القوچاني ، دار الكتب الإسلامية ـ طهران ١٣٦٥ ش.
( ح )
٥٣ ـ حاشية
السلطان على المعالم : سلطان العلماء ، السيد حسين بن رفيع الدين محمد بن شجاع
الدين محمود بن السيد علي الحسيني المرعشي ، نشر الداوري.
٥٤ ـ حاشية آقا
جمال على الروضة : لآغا جمال الخوانساري ، محمد بن
الآغا حسين
الخوانساري ، طبعة حجرية ، انتشارات زاهدي.
٥٥ ـ حاشية رحمت
الله على فرائد الأصول : لرحمت الله الكرماني ، طبعة حجرية.
٥٦ ـ حاشية
السبزواري على الحكمة المتعالية : لملا هادي السبزواري ، ضمن الحكمة المتعالية.
٥٧ ـ حاشية فرائد
الأصول ( تقريرا لأبحاث المحقق آية الله العظمى السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي
) : للشيخ محمد إبراهيم اليزدي النجفي ، دار الهدى ١٤٢٦ ه ، الطبعة الاولى.
٥٨ ـ الحبل المتين
( طبعة حجرية ) : للشيخ البهائي ، محمد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي ،
انتشارات بصيرتي ـ قم.
٥٩ ـ الحدائق
الناضرة في أحكام العترة الطاهرة : للمحدث الشيخ يوسف البحراني ، مؤسسة النشر
الإسلامي ـ قم المشرفة.
٦٠ ـ الحكمة
المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة : لصدر الدين محمد الشيرازي ، دار إحياء
التراث العربي ـ بيروت ١٩٨١ م.
( خ )
٦١ ـ خزائن الأصول
: آقا بن عابد الدربندي ، طبعة حجرية.
٦٢ ـ الخصال :
للشيخ الصدوق ، أبي جعفر محمد علي بن الحسين بن بابويه القمي ، تحقيق : الشيخ علي
أكبر الغفاري ، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم المقدسة ١٤٠٣ ه ، الطبعة الاولى.
٦٣ ـ الخلاف :
للشيخ الطائفة ، أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، مؤسسة النشر الاسلامي ـ قم
المشرفة ١٤٠٧ ه.
( د )
٦٤ ـ درر الفوائد
في الحاشية على الفرائد : للآخوند الشيخ محمد كاظم الخراساني ، تحقيق : السيد مهدي
شمس الدين ، مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ١٤١٠ ه
، الطبعة الاولى.
٦٥ ـ الدروس
الشرعية في فقه الإمامية : للشهيد الأول ، محمد بن مكي العاملي ، مؤسسة النشر
الإسلامي ـ قم المقدسة.
( ذ )
٦٦ ـ ذخيرة المعاد
في شرح الإرشاد : للمحقق السبزواري ، الشيخ محمد باقر بن محمد مؤمن الخراساني ،
مؤسسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث.
٦٧ ـ الذريعة إلى
أصول الشريعة : للسيد مرتضى علم الهدى ، تحقيق :
أبو القاسم الگرجي
، المطبعة : دانشگاه طهران ١٣٤٦ ش.
٦٨ ـ الذريعة إلى
تصانيف الشيعة : للشيخ آغا بزرگ الطهراني ، دار الأضواء ـ بيروت ١٤٠٣ ه ، الطبعة
الثالثة.
٦٩ ـ ذكرى الشيعة
في أحكام الشريعة : للشهيد الأول ، محمد بن جمال الدين مكي العاملي ، مؤسسة آل
البيت عليهمالسلام لإحياء التراث ١٤١٩ ه.
( ر )
٧٠ ـ رجال النجاشي
: للشيخ أبي العباس أحمد بن علي بن أحمد بن العباس النجاشي ، تحقيق : السيد موسى
الشبيري الزنجاني ، مؤسسة النشر
الإسلامي ـ قم
المشرفة ١٤١٦.
٧١ ـ الرسائل
التسع : للمحقق الحلي ، أبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن ، تحقيق : الشيخ رضا
الاستادي ، مكتبة آية الله العظمى المرعشي ـ قم ١٤١٣ ـ ١٣٧١ ش.
٧٢ ـ رسائل الشهيد
الثاني : زين الدين علي الجبعي العاملي ، منشورات مكتبة بصيرتي ـ قم.
٧٣ ـ رسائل المحقق
الكركي : للمحقق الثاني ، علي بن الحسين الكركي ، تحقيق : الشيخ محمد الحسون ،
مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي ـ قم ١٤٠٩ ه.
٧٤ ـ رسائل
المرتضى : للشريف المرتضى ، أبي القاسم علي بن الحسين بن موسى ، تحقيق : السيد
أحمد الحسيني ، دار القرآن الكريم ـ قم ١٤٠٥ ه.
٧٥ ـ روض الجنان
في شرح إرشاد الأذهان ( طبعة حجرية ) : للشهيد الثاني ، زين الدين الجبعي العاملي
، مؤسسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث.
٧٦ ـ رياض المسائل
في بيان أحكام الشرع بالدلائل : للفقيه السيد علي الطباطبائي ، مؤسسة النشر
الإسلامي ـ قم المقدسة ١٤١٢ ه.
وطبعة ثانية : مؤسسة
آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث.
( ز )
٧٧ ـ ت زبدة
الأصول : للشيخ بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد العاملي ، تحقيق : الشيخ
فارس حسون كريم.
٧٨ ـ زبدة البيان
في أحكام القرآن : للمقدس الأردبيلي ، أحمد بن محمد ،
تحقيق : الشيخ
محمد الباقر البهبودي ، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية.
( س )
٧٩ ـ السرائر :
أبي جعفر محمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلي ، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم
المشرفة ١٤١٠ ه ، الطبعة الثانية.
٨٠ ـ سعد السعود :
للسيد بن طاووس ، أبي القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد الحسني الحسيني ،
منشورات الرضي ١٣٦٣ ش.
٨١ ـ سنن ابن ماجة
: لأبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني ، تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي ، دار
الفكر.
٨٢ ـ سنن أبي داود
: لأبي داود السجستاني ، سليمان بن الأشعث الأزدي ، تحقيق : سعيد محمد اللحام ،
دار الفكر ـ بيروت ١٤١٠ ه ـ ١٩٩٠ م ، الطبعة الأولى.
٨٣ ـ سنن الدارمي
: لأبي محمد عبد الله بن الرحمن بن الفضل بن بهرام الدارمي ، مطبعة الاعتدال ـ دمشق
١٣٤٩ ه.
٨٤ ـ السنن الكبرى
: للبيهقي ، أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى ، دار الفكر.
٨٥ ـ سنن الترمذي
: لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي السلمي ، تحقيق : عبد الوهاب عبد اللطيف
، دار الفكر ـ بيروت ١٤٠٣ ه ـ ١٩٨٣ م.
٨٦ ـ سنن النسائي
: لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن بحر النسائي ، دار الفكر ـ بيروت ١٣٤٨ ه
ـ ١٩٣٠ م.
٨٧ ـ سير أعلام
النبلاء : لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ، تحقيق : شعيب الأنؤوط ،
مؤسسة الرسالة ـ بيروت ١٤١٣ ه ـ ١٩٩٣ م.
( ش )
٨٨ ـ شرائع
الإسلام في مسائل الحلال والحرام : للمحقق الحلي ، أبي القاسم نجم الدين جعفر بن
الحسن ، تحقيق وتعليق : السيد صاد الشيرازي ، انتشارات استقلال ـ طهران ١٤٠٩ ه ،
الطبعة الثانية.
٨٩ ـ شرح التهذيب
: للمحدث الجزائري ، السيد نعمة الله بن عبد الله بن محمد بن حسين بن أحمد بن
محمود الموسوي التستري ، مخطوط.
٩٠ ـ شرح العدة :
للفاضل المولى خليل بن غازي القزويني ، مخطوط.
٩١ ـ شرح القواعد
: للشيخ الأكبر ، جعفر كاشف الغطاء ، تحقيق السيد محمد حسين الرضوي الكشميري ،
انتشارات سعيد بن جبير ـ مكتبة الصفا ـ قم.
٩٢ ـ الشرح الكبير
: لأبي البركات سيدي أحمد الدردير ، دار احياء الكتب العربية.
٩٣ ـ شرح الوافية
: للسيد صدر الدين الرضوي القمي ، مخطوط.
٩٤ ـ شرح الوافية
: للسيد مهدي بحر العلوم. مخطوط.
٩٥ ـ شرح المقاصد
في علم الكلام : للتفاتازاني ، سعد الدين مسعود بن عمر بن عبد الله ، دار المعارف
النعمانية ، باكستان ١٤٠١ ه ـ ١٩٨١ م ، الطبعة الاولى.
٩٦ ـ شرح المواقف (
للقاضي عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الإيجي ) : لعلي بن محمد الجرجاني ، مطبعة
السعادة ـ مصر ١٣٢٥ ه ـ ١٩٠٧ م.
( ص )
٩٧ ـ صحيح البخاري
: لأبي عبد الله البخاري ، محمد بن إسماعيل الجعفي ،
دار الفكر ١٤٠١ ه
ـ ١٩٨١ م ( طبعة بالأوفست عن طبعة دار الطباعة العامرة بإستانبول ).
٩٨ ـ صحيح مسلم :
لأبي الحسين القشيري النيسابوري ، مسلم بن الحجاج ، دار الفكر ـ بيروت.
٩٩ ـ الصراط
المستقيم إلى مستحقي التقديم : لزين الدين أبي محمد علي بن يونس العاملي النباطي
البياضي ، تحقيق : الشيخ محمد الباقر البهبودي ، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار
الجعفرية ـ إيران ١٣٨٤ ه ، الطبعة الأولى.
( ض )
١٠٠ ـ ضوابط
الأصول : للسيد إبراهيم القزويني ، تقريرات دروس شريف العلماء ، طبعة حجرية ١٢٧٥ ه.
( ط )
١٠١ ـ موسوعة
طبقات الفقهاء : لجنة تحقيق مؤسسة الإمام الصادق عليهالسلام ، بإشراف الشيخ جعفر السبحاني.
( ع )
١٠٢ ـ عدة الأصول
: للشيخ الطائفة ، أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، تحقيق : الشيخ محمد مهدي نجف ،
مؤسسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث.
١٠٣ ـ علل الشرائع
: للشيخ الصدوق ، أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ، تحقيق
: السيد محمد صادق بحر العلوم ، منشورات المكتبة الحيدرية ـ النجف ١٣٨٥ ه ـ ١٩٦٦
م.
١٠٤ ـ عمدة الوسائل
في الحاشية على الرسائل : للسيد عبد الله بن محمد
طاهر بن محمد علي
الشيرازي ، طبع النجف ، ١٣٦٥ ه.
١٠٥ ـ العناوين
الفقهية : للسيد مير عبد الفتاح الحسيني المراغي ، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم ١٤١٧
ه.
١٠٦ ـ عوائد
الأيام : لأحمد بن محمد مهدي النراقي ، التحقيق : مركز الأبحاث والدراسات
الإسلامية ، نشر : مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي ١٤١٧ ه ، ١٣٧٥ ش ،
الطبعة الأولى.
١٠٧ ـ عوالي
اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية : لابن أبي جمهور ، محمد بن علي بن إبراهيم
الأحسائي ، تحقيق : الشيخ مجتبى العراقي ، مطبعة سيد الشهداء ـ قم ١٤٠٣ ه ـ ١٩٨٣
م ، الطبعة الأولى.
١٠٨ ـ عيون أخبار
الرضا عليهالسلام : للشيخ الصدوق ، أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن
بابويه القمي تحقيق : الشيخ حسين الأعلمي ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت ١٤٠٤
ه ـ ١٩٨٤ م.
( غ )
١٠٩ ـ غنية النزوع
إلى علمي الأصول والفروع : لابن زهرة الحلبي ، حمزة بن علي ، تحقيق الشيخ إبراهيم
البهادري ، مؤسسة الإمام الصادق عليهالسلام ـ ١٤١٧ ه ، الطبعة الأولى.
١١٠ ـ الغيبة :
للشيخ الطائفة ، أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، تحقيق :
الشيخ عباد الله
الطهراني ، الشيخ علي أحمد ناصح ، مؤسسة المعارف الإسلامية ـ قم المقدسة ١٤١١ ه.
١١١ ـ الغيبة :
لابن أبي زينب النعماني ، أبي عبد الله محمد بن ابن إبراهيم بن
جعفر الكاتب ،
تحقيق : فارس حسون كريم ، نشر : أنوار الهدى ، مطبعة مهر ـ قم ١٤٢٢ ه ، الطبعة
الأولى.
( ف )
١١٢ ـ فرائد الأصول
: للشيخ الأعظم ، مرتضى الأنصاري ، لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم أنصاري ، مجمع
الفكر الإسلامي ١٤١٩ ه.
١١٣ ـ فرج المهموم
: للسيد بن طاووس ، أبي القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد الحسني الحسيني ،
منشورات الرضي ـ قم ١٣٦٣ ش.
١١٤ ـ الفصول
الغروية في الأصول الفقهية : للشيخ محمد حسين الحائري ، دار أحياء العلوم
الإسلامية ـ قم.
١١٥ ـ فوائد
الأصول ( تقريرات لأبحاث الميرزا محمد حسين الغروي النائيني ) : للشيخ محمد علي
الكاظمي الخراساني ، تحقيق : آغا ضياء الدين العراقي ، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم
، ١٤٠٤ ه.
١١٦ ـ الفوائد
الاصولية : للعلاّمة السيد محمد مهدي بحر العلوم الطباطبائي ، طهران ، الطبعة
الحجرية.
١١٧ ـ الفوائد
الحائرية : للوحيد البهبهاني ، مجمع الفكر الإسلامي ، الطبعة الأولى ١٤١٥ ه.
١١٨ ـ الفوائد
الرضوية على الفرائد المرتضويّة : للمحقق آغا رضا الهمداني ، تحقيق : الشيخ محمد
رضا الأنصاري ، نشر : مهدي موعود.
١١٩ ـ الفوائد
المدنية : لمحمد أمين الأسترآبادي ، تحقيق : الشيخ رحمة الله الرحمتي الأراكي ،
مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم المشرفة ١٤٢٤ ه.
١٢٠ ـ الفهرست :
للشيخ الطائفة ، أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، تحقيق : جواد القيومي ، مؤسسة
نشر الفقاهة ـ قم ١٤١٧ ه ، الطبعة الاولى.
( ق )
١٢١ ـ القاموس
المحيط : للفيروزآبادي.
١٢٢ ـ القانون في
الطب : لشيخ الرئيسن أبي علي بن سيناء دار صادر ـ بيروت.
١٢٣ ـ القرآن
الكريم وروايات المدرستين : للعلاّمة السيد مرتضى العسكري ، نشر دانشگده أصول
الدين ١٣٧٨ ش ، الطبعة الاولى.
١٢٤ ـ قرب الإسناد
: للحميري ، أبي العباس عبد الله بن جعفر القمي ، مؤسسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث ـ قم ١٤١٣ ه.
١٢٥ ـ قلائد
الفرائد : للشيخ غلام رضا القمي ، تحقيق : الشيخ محمد حسن الشفيعي الشاهرودي ،
مؤسسة ميراث النبوة ـ قم ١٤٢٩ ه ، الطبعة الاولى.
١٢٦ ـ القواعد
الفقهية : للسيد محمد حسن البجنوردي ، تحقيق : الشيخ مهدي المهريزي ـ الشيخ محمد
حسين الدرايتي ، نشر الهادي ـ قم ١٤١٩ ه ـ ١٣٧٧ ش.
١٢٧ ـ القواعد
الفقهية : للشيخ ناصر مكارم الشيرازي ، مدرسة الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام ١٤١١ ه ، الطبعة الثالثة.
١٢٨ ـ القواعد
الفقهية : للشيخ محمد الفاضل اللنكراني ، مطبعة مهر ١٤١٦ ه ، الطبعة الاولى.
١٢٩ ـ القواعد
والفوائد : للشهيد الأول ، محمد بن جمال الدين مكي العاملي ، تحقيق : السيد عبد
الهادي الحكيم ، منشورات مكتبة المفيد ـ قم.
١٣٠ ـ قواعد
المرام في علم الكلام : لكمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني ، تحقيق : السيد
أحمد الحسيني ، مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي ١٤٠٦ ه ، الطبعة الثانية.
١٣١ ـ قوانين
الأصول : للميرزا أبي القاسم القمي ، طبعة حجرية.
( ك )
١٣٢ ـ الكافي :
للكليني ، أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق ، تحقيق :
الشيخ علي أكبر
الغفاري ، دار الكتب الإسلامية ـ طهران ١٣٦٣ ش ، الطبعة الخامسة.
١٣٣ ـ كتاب
المكاسب : للشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري ، اعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم.
١٣٤ ـ كتاب سليم
بن قيس : لسليم بن قيس الهلالي ، تحقيق : محمد باقر الأنصاري.
١٣٥ ـ كتاب القضاء
: للميرزا محمد حسن الآشتياني ، منشورات دار الهجرة ـ قم ١٤٠٤ ه.
وطبعة ثانية :
مؤتمر تكريم الشيخ الآشتياني.
١٣٦ ـ كشف الغطاء
عن مبهمات شريعة الغراء ( طبعة حجرية ) : للشيخ جعفر
كاشف الغطاء ، نشر
مهدوي ـ اصفهان.
وطبعة ثانية :
مكتب الإعلام الإسلامي.
١٣٧ ـ كفاية
الأصول : للآخوند الشيخ محمد كاظم الخراساني ، مؤسسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث ، الطبعة الأولى ١٤٠٩ ه.
١٣٨ ـ كشف اللثام
عن قواعد الأحكام : للفاضل الهندي ، بهاء الدين محمد بن الحسن الأصفهاني ، مؤسسة
النشر الإسلامي ١٤١٦ ه.
١٣٩ ـ كشف القناع
عن وجوه حجية الاجماع : لأسد الله التستري ، أوفست على الطبعة الحجرية ، مؤسسة آل
البيت عليهمالسلام لإحياء التراث.
١٤٠ ـ كشف المراد
في شرح تجريد الاعتقاد : للعلاّمة الحلي ، أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهر
الأسدي ، تحقيق : الشيخ حسن حسن زاده الآملي ، مؤسسة النشر الإسلامي ١٤١٧ ه ،
الطبعة السابعة.
١٤١ ـ كمال الدين
وتمام النعمة : للشيخ الصدوق ، أبي جعفر محمد علي بن الحسين بن بابويه القمي ،
مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم المشرفة ١٤٠٥ ه.
١٤٢ ـ كنز العمال
في سنن الأقوال والأفعال : للمتقي الهندي ، علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين
الهندي ، تحقيق : بكري حياني ـ صفوة السقا ، مؤسسة الرسالة ـ بيروت ١٤٠٩ ه ـ ١٩٨٩
م.
١٤٣ ـ الكنى
والألقاب : للشيخ عباس القمي ، مكتبة الصدر ـ طهران.
( ل )
١٤٤ ـ اللمعة
الدمشقية : للشهيد الأول ، محمد بن جمال الدين مكي
العاملي ، دار
الفكر ـ قم ١٤١١ ه.
١٤٥ ـ لوامع
الأنوار العرشية في شرح الصحيفة الكاملة السجادية : للسيد الحاج ميرزا محمد باقر
بن محمد الموسوي الحسيني الشيرازي ، تحقيق : مجيد هادي زاده ، مؤسسة الزهراء
الثقافية الدراسية ١٤٢٥ ه الطبعة الاولى.
( م )
١٤٦ ـ مبادئ
الوصول : للعلاّمة الحلي ، أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي ، تحقيق :
الشيخ عبد الحسين محمد علي البقال ، مكتب الإعلام الإسلامي ١٤٠٤ ه ، الطبعة
الثالثة.
١٤٧ ـ المبسوط في
فقه الإمامية : للشيخ الطائفة ، أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، تحقيق : السيد
محمد تقي الكشفي ، المكتبة المرتضوية لإحياء آثار الجعفرية ـ طهران ١٣٨٧ ش.
وطبعة ثانية :
مؤسسة النشر الإسلامي.
١٤٨ ـ مثنوي معنوي
: لمولوي جلال الدين محمد بن الشيخ بهاء الدين محمد بن حسين البلخي ، سازمان
انتشارات جاويدان ، ١٣٧١ ش.
١٤٩ ـ مجمع
البحرين : لفخر الدين الطريحي ، تحقيق : السيد أحمد الحسيني ، مكتب النشر الثقافة
الإسلامية ١٤٠٨ ـ ١٣٦٧ ش.
١٥٠ ـ مجمع البيان
في تفسير القرآن : لأبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي ، تحقيق : لجنة من العلماء
والمحققين الأخصائيين ، مؤسسة الأعلمي ـ بيروت ، ١٤١٥ ـ ١٩٩٥ م.
١٥١ ـ المجازات
النبوية : للشريف الرضي ، محمد بن الحسين بن موسى ، تحقيق : طه محمد الزيني ،
مكتبة بصيرتي.
١٥٢ ـ مجمع
الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان : المحقق الأردبيلي ، أحمد بن محمد ، تحقيق
: الشيخ مجتبى العراقي ـ الشيخ علي پناه الاشتهاردي ، الشيخ حسين اليزدي ، منشورات
جماعة المدرسين ـ قم المقدسة.
١٥٣ ـ المحاسن :
لأحمد بن محمد بن خالد البرقي ، تحقيق : السيد جلال الدين الحسيني ( المحدث ) ،
دار الكتب الإسلامية ـ طهران ١٣٧٠ ـ ١٣٣٠ ش.
١٥٤ ـ محجة
العلماء : للفقيه الأصولي المحقق الشيخ محمد هادي الطهراني ، طبعة حجرية ـ تبريز.
١٥٥ ـ المحصول في
علم أصول الفقه : لفخر الدين محمد بن عمر بن الحسين الرازي ، تحقيق : طه جابر فياض
العلواني ، مؤسسة الرسالة ـ بيروت ١٤١٢ ه ـ ١٩٩٢ م ، الطبعة الثانية.
١٥٦ ـ مختلف
الشيعة في أحكام الشريعة : للعلاّمة الحلي ، أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهر
الأسدي ، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم المقدسة ١٤١٣ ه.
١٥٧ ـ مدارك
الأحكام في شرح شرائع الإسلام : للمحقق السيد محمد بن علي الموسوي العاملي ، مؤسسة
آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث ١٤١٠ ه.
١٥٨ ـ مسائل علي
بن جعفر : لأبي الحسن العريضي ، علي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن
أبي طالب عليهمالسلام ، مؤسسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء
التراث ، نشر :
المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليهالسلام ١٤٠٩ ه.
١٥٩ ـ مسالك
الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام : للشهيد الثاني ، زين الدين ابن علي العاملي ،
مؤسسة المعارف الإسلامية.
١٦٠ ـ المستدرك
على الصحيحين : لحاكم النيسابوري ، أبي عبد الله محمد بن عبد الله ، تحقيق : يوسف
عبد الرحمن المرعشلي ، دار المعرفة ـ بيروت.
١٦١ ـ مستدرك الوسائل
ومستنبط المسائل : للميرزا حسين النوري الطبرسي ، مؤسسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث ١٤٠٨ ه ، الطبعة المحققة الأولى.
١٦٢ ـ المستصفى في
علم الأصول : لأبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي تحقيق : محمد عبد السلام عبد
الشافي ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ١٤١٧ ه ـ ١٩٩٦ م.
١٦٣ ـ مستند
الشيعة في أحكام الشريعة : للمولى أحمد بن محمد مهدي النراقي ، مؤسسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث ، ١٤١٥ ه.
١٦٤ ـ مسند أبي
يعلى : لأبي يعلى الموصلي ، أحمد بن علي بن المثنى التميمي ، تحقيق : حسين سليم
أسد ، دار المأمون للتراث ـ دمشق.
١٦٥ ـ مسند
الشافعي : للشافعي ، أبي عبد الله محمد بن إدريس ، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
١٦٦ ـ مسند أحمد :
لأحمد بن حنبل ، أبي عبد الله الشيباني ، دار صادر ـ بيروت.
١٦٧ ـ مصباح
الأصول ( تقريرا لأبحاث آية الله العظمى السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي ) :
للسيد محمد سرور الواعظ الحسيني البهسودي ، مكتبة الداوري ـ قم ١٤١٧ ه.
١٦٨ ـ مصباح
الشريعة ( المنسوب للإمام جعفر الصادق عليهالسلام ) : مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت ١٤٠٠ ه ـ ١٩٨٠ م.
١٦٩ ـ المصباح
المنير : للفيومي ، دار الهجرة.
١٧٠ ـ مطارح
الأنظار ( تقريرا لأبحاث الشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري ) :
للميرزا أبي
القاسم بن محمد علي النوري الطهراني ، مؤسسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث ـ قم.
وطبعة ثانية :
مجمع الفكر الإسلامي ـ قم.
١٧١ ـ معارج
الأصول : للمحقق الحلي ، نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن الهذلي ، تحقيق :
محمد حسين الرضوي ، مؤسسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث ١٤٠٣ ، الطبعة الأولى.
١٧٢ ـ معارف
الرجال في تراجم العلماء والأدباء : للشيخ محمد حرز الدين ، أفسيت مكتبة آية الله
المرعشي النجفي ـ قم.
١٧٣ ـ معالم الدين
( الأصول ) : لجمال الدين الحسن نجل الشهيد الثاني زين الدين العاملي ، مؤسسة
النشر الإسلامي ـ قم المقدسة.
١٧٤ ـ معالم الدين
وملاذ المجتهدين ( الفقه ) : تحقيق : السيد منذر الحكيم ، مؤسسة الفقه للطباعة
والنشر ـ قم المشرفة.
١٧٥ ـ معاني
الأخبار : للشيخ الصدوق ، أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ، تحقيق
: علي أكبر الغفاري ، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم ١٣٦١ ش.
١٧٦ ـ المعتبر في
شرح المختصر : للمحقق الحلي ، نجم الدين أبي القاسم جعفر بن الحسن ، نشر : مؤسسة
سيد الشهداء ، مطبعة : مدرسة الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام ١٣٦٤ ش.
١٧٧ ـ المعجم
الأوسط : للطبراني ، أبى القاسم سليمان بن أحمد ، تحقيق : طارق بن عوض الله بن
محمد ـ عبد الحسن بن إبراهيم الحسيني ، دار الحرمين ـ القاهرة ١٤١٥ ه ـ ١٩٩٥ م.
١٧٨ ـ المغني :
لعبد الله بن قدامة الحنبلي ، دار الكتاب العربي ـ بيروت.
١٧٩ ـ مفاتيح الأصول
: للسيد محمد المجاهد بن سيد علي صاحب الرياض ، مؤسسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث ـ قم.
١٨٠ ـ مفتاح
الكرامة في شرح قواعد العلاّمة : للفقيه السيد محمد جواد الحسيني العاملي ، تحقيق
: محمد باقر الخالصي ، مؤسسة النشر الإسلامي ١٤١٩ ه.
١٨١ ـ مقالات الأصول
: للمحقق الشيخ ضياء الدين العراقي ، تحقيق :
الشيخ محسن
العراقي ـ السيد منذر الحكيم ، مؤسسة مجمع الفكر الإسلامي ١٤١٤ ه ، الطبعة
المحققة الأولى.
١٨٢ ـ المقنعة :
للشيخ المفيد ، أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي ، مؤسسة
النشر الإسلامي ـ قم المشرفة ١٤١٠ ه.
١٨٣ ـ مناهج
الأحكام : للفقيه الميرزا أبي القاسم القمي ، مؤسسة النشر الاسلامي ١٤٢٠ ه.
١٨٤ ـ المناهج
السوية في شرح الرّوضة البهيّة : للفاضل الهندي ، بهاء الدين محمد بن تاج الدين
الحسن الإصفهاني ، مخطوط.
١٨٥ ـ مناهج
الوصول إلى علم الأصول : للإمام الخميني ، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخمسني
١٤١٥ ه.
١٨٦ ـ المناهل :
للسيد محمد الطباطبائي المجاهد ، مؤسسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث ـ قم.
١٨٧ ـ منبع الحياة
في حجية قول المجتهدين من الأموات : للمحدث الجزائري ، السيد نعمة الله بن عبد
الله بن محمد بن حسين بن أحمد بن محمود الموسوي التستري.
١٨٨ ـ منتقى
الأصول ( تقريرا لأبحاث آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الروحاني ) : للشهيد
السيد عبد الصاحب الحكيم ، مطبعة الهادي ، الطبعة الثانية ١٤١٦ ه.
١٨٩ ـ منتهى
المطلب في تحقيق المذهب : للعلاّمة الحلي ، الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر ،
تحقيق مجمع البحوث الإسلامية ، مؤسسة الطبع والنشر في الآستانة الرضوية المقدسة
١٤١٢ ه.
١٩٠ ـ المنخول :
لأبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي ، تحقيق :
محمد حسن هيتو ،
دار الفكر ـ بيروت ١٤١٩ ه ـ ١٩٩٨ م ، الطبعة الثالثة.
١٩١ ـ المنطق :
للشيخ محمد رضا المظفر ، مؤسسة النشر الإسلامي.
١٩٢ ـ من لا يحضره
الفقيه : للشيخ الصدوق ، أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ، تحقيق
: علي أكبر الغفاري ، مؤسسة النشر الإسلامي.
وأيضا طبعة أخرى :
بتحقيق : السيد حسن الخرسان ، دار الأضواء ـ بيروت.
١٩٣ ـ مهج الدعوات
ومنهج العبادات : للسيد بن طاووس ، أبي القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد الحسني
الحسيني ، دار الذخائر ـ قم ١٤١١ ه ، مؤسسة الأعلمي ـ بيروت ، الطبعة الأولى.
١٩٤ ـ مهذب
الأحكام في بيان الحلال والحرام : للسيد عبد الأعلى الموسوي السبزواري ، مطبعة
الآداب ـ النجف الأشرف ١٤١٤ ه.
١٩٥ ـ الميزان في
تفسير القرآن : للسيد محمد حسين الطباطبائي ، مؤسسة النشر الإسلامي.
( ن )
١٩٦ ـ نتائج
الأفكار في الأصول : ( تقريرا لأبحاث آية الله العظمى السيد محمود الشاهرودي ) :
١٩٧ ـ للسيد محمد
جعفر الجزائري المروج ، تحقيق : آل المرتضى ، مؤسسة آل المرتضى ١٣٨١ ش ، الطبعة
الاولى.
١٩٨ ـ تضد القواعد
الفقهية : للمقداد بن عبد الله السيوري الحلي ، مكتبة آية الله العظمى المرعشي ـ قم.
١٩٩ ـ نفحات
الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار ( للسيد حامد حسين اللكهنوي ) : للسيد علي الحسيني
الميلاني ١٤١٤ ه.
٢٠٠ ـ نفي التحريف
عن الكتاب الشريف : لآية الله العظمى السيد محمد
علي الموحد
الأبطحي ، ( مخطوط ).
٢٠١ ـ نهج البلاغة
: جمعه السيد الشريف الرضي من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام ، تحقيق : الشيخ محمد عبده ، دار الذخائر ـ قم ١٤١ ذ ٢ ـ ١٣٧٠ ش.
٢٠٢ ـ نهاية
الدراية في شرح الكفاية : للشيخ محمد حسين الغروي الأصفهاني تحقيق : القائمي ،
مؤسسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث.
٢٠٣ ـ نهاية
الأصول ( تقريرا لأبحاث آية الله العظمى السيد حسين البروجردي الطباطبائي ) : للشيخ
حسين علي المنتظري النجف آبادي ، مطبعة الحكمة ـ قم ١٣٧٥.
٢٠٤ ـ نهاية
الأفكار ( تقريرا لأبحاث آية الله العظمى الشيخ آغا ضياء الدين العراقي ) : للشيخ
محمد تقي البروجردي النجفي ، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم المشرفة ١٤٠٥.
٢٠٥ ـ نهاية
الحكمة : للسيد محمد حسين الطباطبائي ، تحقيق : عباس علي الزارعي السبزواري ،
مؤسسة النشر الإسلامي ١٤١٧ ه.
٢٠٦ ـ النهاية في
غريب الحديث : لابن الأثير ، أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري ، تحقيق : طاهر
أحمد الزاوي ـ محمود محمد الطناحي ، مؤسسة إسماعيليان ـ قم ١٣٦٤ ش.
( ه )
٢٠٧ ـ هداية
المسترشدين : للشيخ محمد تقي الرازي النجفي الأصفهاني ، مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم
المشرفة.
( و)
٢٠٨ ـ الوافي في
شرح الكافي : للمحدث المولى محسن الفيض الكاشاني ، مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي
عليهالسلام العامة ـ اصفهان.
٢٠٩ ـ الوافي في
شرح الوافية : للسيد محسن بن الحسن الأعرجي الكاظمي ، مخطوط ، مكتبة آية الله
المرعشي.
٢١٠ ـ الوافية في
أصول الفقه : للفاضل التوني ، عبد الله بن محمد البشروي الخراساني ، تحقيق : السيد
محمد حسين الرضوي الكشميري ، مؤسسة مجمع الفكر الإسلامي ـ قم ١٤١٢ ه.
٢١١ ـ الوسيلة :
لابن حمزة ، أبي جعفر محمد بن علي الطوسي ، تحقيق :
الشيخ محمد الحسون
، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي ١٤٠٨ ه.
٢١٢ ـ وقاية
الأذهان : للشيخ أبي محمد رضا النجفي الأصفهاني ، تحقيق ونشر : مؤسسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث ـ قم ١٤١٣ ه ، الطبعة الأولى.
( ي )
٢١٣ ـ اليقين :
للسيد بن طاووس ، أبي القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد الحسني الحسيني ، تحقيق
: الأنصاري ، مؤسسة دار الكتاب ( الجزائري ) ١٤١٣ ه.
« قبسة العجلان
من
تراجم الأعيان »
« ملحق في
تراجم الأعيان الذين مرّ ذكرهم في بحر الفوائد »
السيّد
محمّد حسن الموسوي
بسم الله
الرحمن الرحيم
الحمد لله رب
العالمين وصلى الله على محمد سيّد العلماء بالله وعلى آله خزّان علم الله واللعن
الدائم على أعداءهم معادن الجهل والعدوان على الله.
وبعد :
فقد منّ الله عزّ
وجلّ عليّ بحبّ العلم وأهله ، وضعني في أحضان رحمته وأنا وليد ، وساقني إلى عشّ آل
محمّد صلوات الله عليهم بعد ردح من الزّمن غير بعيد ، وضاعف علىّ النّعم وغمرني
بالجود والكرم ، ولا يزال سبحانه يعظّم النّعمة عليّ فلا أجازيه ، فربّي أحمد شيء
عندي وأحقّ بحمدي.
ثمّ ان مودّتي
للعلماء جعلتني أتقرّب اليهم وأتطلّع على سيرتهم وأتعرّف على الماضين ـ كالمعاصرين
ـ منهم ، فتصفّحت من أجل ذلك الكتب الكثيرة ، وقرأت عنهم الشيء الكثير فمن الفهارس
إلى الرجال ، ثم التراجم ، ومن الرّياض إلى الروضات والتواريخ والكنى والألقاب
والأعيان إلى الأمل وتكملته والطبقات وذريعته ، ومعارف الرجال ومراقده إلى مجاميع
ومفردات ومعاجم من كتب الجمهور وغيرهم حتى حصل لي بذلك إلمام لا بأس به ، وحتى طلب
منّي بعض الأحبّة أن أكتب الصحيح من سيرة العلماء لما في كثير من الصحف من غثّ
وسمين ، وخلط للحابل بالنّابل ، واليانع بالذّابل ، فأقررت بالعجز ، وأذعنت بالقصور
، فألحّ وأصرّ وأكّد ، فاشتغلت بعيون الشيعة وحملة الشريعة وكتبت شطرا
منه فرءآه عاجز
ثبّطني عن الإنجاز ما استطاع ، ولم أكن يومئذ ممن استعان بالكتمان فأطاع ، بل باع
وضيّع وأضاع ، إلى أن شاء الله عزّ وجلّ أن التقي مع هؤلاء الصّفوة في « بحر
الفوائد » فاخترت أن أترجم لكلّ واحد منهم باختصار يطلّ القاريء من خلالها على
نبذة من أخلاقه وسلوكه وما اتّفق له من أثر مع شيء من العبر ، إلاّ أن الناشر لمّا
عاجلني ـ والإستعجال لا يبقي ولا يذر ـ قنعت بالإقتطاف واكتفيت في هذا المطاف
بقبسة العجلان من تراجم الأعيان وعلّقت على ما لا بدّ منه تعليقا عابرا حيثما
أمكن.
اقتبست هذه
التراجم حرفيّا من المصادر التالية :
١ ـ موسوعة طبقات
الفقهاء لجنة مؤسّسة الإمام الصادق عليهالسلام.
٢ ـ تكملة أمل
الآمل للسيّد حسن الصدر الكاظمي ( م ١٣٥٤ ه ).
٣ ـ معارف الرّجال
للشيخ محمد حرز الدين النجفي ( م ١٣٦٥ ه ).
٤ ـ الكنى
والألقاب للمحدّث القمّي ( م ١٣٥٩ ه ).
والحمد لله ربّ
العالمين
|
السيّد محمد حسن
الموسوي
الخميس ٥ شهر
الله الأكبر ١٤٣٠ هـ
قم المقدّسة
|
القرن الثالث
١ ـ يونس بن عبد
الرحمن ( م ٢٨٠ ه )
٢ ـ صفوان بن يحيى
( م ٢١٠ ه )
٣ ـ ابن أبي عمير (
م ٢١٧ ه )
٤ ـ الفضل بن
شاذان ( م ٢٦٠ ه )
٥ ـ أحمد بن محمد
بن خالد البرقي ( م ٢٧٤ ه )
٦ ـ أحمد بن محمد
بن عيسى الأشعري ( حدود ٢٧٤ ه )
٧ ـ محمد بن الحسن
الصفّار ( م ٢٩٠ ه )
٨ ـ سعد بن عبد
الله الأشعري ( م ٣٠٠ ه )
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٣ / ٦٣٤
١٢٢٦
يونس بن عبد الرحمن
( قبل ١٢٥
ه ـ ٢٠٨ ه )
مولى علي بن يقطين
بن موسى ، مولى بني أسد ، أبو محمد.
ولد في أيام هشام
بن عبد الملك ، ورأى الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهماالسلام بين الصفا والمروة ، ولم يرو عنه.
روى عن : أبي
أيّوب إبراهيم بن عثمان الخزاز ، وعبد الله بن مسكان ، وأبان ابن عثمان الأحمر ،
وأبي بكر الحضرمي ، وأحمد بن عمر الحلبي ، وإسحاق بن عمّار ، والحارث بن المغيرة
النصري ، وإسماعيل بن سعد الأشعري القمّي ، وأبي الوليد الحسن بن زياد الصيقل ،
والحسن بن السّريّ ، وسماعة بن مهران ، وسنان بن طريف ، وصالح بن سهل ، وعبد
الرحمن بن الحجاج البجلي ، والعلاء بن
__________________
رزين ، وعاصم بن
حميد الحنّاط ، وعمر بن أذينة ، وعبد الله بن بكير ، وأبي ضريس عبد الملك بن أعين
، وهشام بن الحكم ، وحبيب الخزاعي ، وهشام بن سالم ، وآخرين.
روى عنه : محمد بن
أبي عمير ، وإسماعيل بن مرّار ، وأبو عبد الله البرقي ، وشاذان بن خليل النيسابوري
، والعباس بن معروف ، وعبد الجبار بن المبارك ، وعبد الله بن الصلت ، ومحمد بن
أسلم الجبلي ، ومحمد بن عيسى بن عبيد ، والعباس بن موسى البغدادي ، ومحمد بن الخطاب
الواسطي ، وغيرهم.
وكان فقيها ،
محدّثا ، مفسّرا ، جليل الشأن ، عظيم المنزلة عند أهل البيت عليهمالسلام ، وقد وردت عنهم أخبار كثيرة تشيد بفضله وسمو منزلته.
وقد تربى يونس في
مدرسة الإمام موسى الكاظم عليهالسلام ، وأخذ عنه العلوم والمعارف ، ثم اختصّ من بعده بولده
الإمام علي بن موسى الرضا عليهالسلام ، فكان يشير إليه بالفتيا والعلم ، وشبّهه عليهالسلام بسلمان الفارسي.
وهو أحد الأعلام
الذين أجمعت الشيعة على تصديقهم والإقرار لهم بالفقه ، وقد وقع في اسناد كثير من
الروايات عن الأئمّة عليهمالسلام تبلغ أكثر من مائتين وثلاثة وستين موردا بكثير .
روي عن الفضل بن
شاذان ، قال : حدّثني عبد العزيز بن المهتدي وكان خير قميّ رأيته ، وكان وكيل
الرضا عليهالسلام وخاصّته ، قال : سألت الرضا عليهالسلام فقلت : إنّي
__________________
لا ألقاك في كل
وقت فممّن آخذ معالم ديني؟ فقال : خذ عن يونس بن عبد الرحمن.
وكان يونس على
جانب عظيم من التقوى والورع ، وقد حجّ إحدى وخمسين حجة وله مؤلفات كثيرة تربو على
ثلاثين كتابا ، دلت على غزارة علمه ، وعلى إحاطته بمختلف العلوم والفنون .
ومن كتبه : يوم
وليلة ، الصلاة ، الصيام ، الزكاة ، الفرائض ، تفسير القرآن ،
المكاسب ، الرد على الغلاة ، الطلاق ، اللؤلؤة في الزهد ، المثالب ، الجامع الكبير
في الفقه ، الحدود ، النكاح ، فضل القرآن ، علل الحديث ، الأدب والدلالة على الخير
، الإمامة ، السهو ، علل النكاح وتحليل المتعة.
توفّي سنة ثمان
ومائتين.
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٣ / ٢٩٠
٩٤٧
صفوان بن يحيى
( ... ـ ٢١٠
ه )
البجليّ ، الفقيه
الورع أبو محمد الكوفيّ ، بيّاع السابريّ.
روى أبوه عن
الإمام الصادق عليهالسلام ، وكان هو من أصحاب الإمام الكاظم عليهالسلام ، ولازم بعد وفاته الإمامين : أبا الحسن الرضا وأبا جعفر الجواد عليهماالسلام ، فأخذ عنهم العلم ، وروى عنهم وعن طائفة من المحدّثين ، منهم أربعون رجلا من
تلامذة أبي عبد الله الصادق عليهالسلام.
فروى عن : أبان بن
عثمان الأحمر ، وإسحاق بن عمار الصيرفيّ ، وإسماعيل
__________________
ابن جابر الجعفيّ
، وأبي أيوب الخزاز ، وحريز بن عبد الله ، وجميل بن درّاج النخعيّ ، وحمّاد بن
عثمان ، وحمّاد بن عيسى الجهنيّ ، وشعيب العقرقوفيّ ، وعبد الله بن جندب ، وعبد
الله بن سنان ، وعبد الله بن مسكان ، وعبد الله بن المغيرة البجليّ ، والعلاء بن
رزين القلاء ، ومعاوية بن عمار الدّهنيّ ، وعيص بن القاسم ، ومنصور ابن حازم
البجليّ ، وعمر بن حنظلة ، وعبد الرحمن بن الحجّاج البجليّ ، وغيرهم كثير.
روى عنه : إبراهيم
بن هاشم ، وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطيّ ، وأيّوب ابن نوح بن درّاج النخعيّ ،
والحسن بن عليّ الوشاء ، والحسن بن محمد بن سماعة ، والحسين بن سعيد الأهوازيّ ،
وعبد الرحمن بن أبي نجران ، والفضل بن شاذان ، وموسى بن القاسم البجليّ ، ومحمد بن
خالد البرقيّ ، ومحمد بن عيسى بن عبيد ، ومحمد بن إسماعيل بن بزيع ، ومحمد بن
جمهور ، وآخرون.
وكان أحد كبار
الفقهاء ، وعيون المحدثين ، غزير العلم ، واسع الرواية ، كثير التصانيف ، ذا منزلة
شريفة عند الإمام الرضا ، وقد توكّل له وللإمام الجواد عليهماالسلام.
روي عن الإمام
الرضا أنّه قال : ما ذئبان ضاريان في غنم قد غاب عنها رعاتها بأضر في دين مسلم من
حب الرئاسة ثم قال : لكن صفوان لا يحب الرئاسة.
وقد عدّ صفوان من
الستة أصحاب الإمامين الكاظم والرضا الذين أجمعت الشيعة على تصديقهم والاقرار لهم
بالفقه ، وقيل : إنّه هو ويونس بن عبد الرحمن أفقه الستة.
وكان صفوان أوثق
أهل زمانه عند أهل الحديث ، زاهدا ، عابدا ، ورعا ،
مواليا للأئمّة عليهمالسلام معتصما بحبلهم ، لم تغرّه الأموال ، ولم تصرعه المطامع ، فقد بذل له مال كثير
لكي يحيد عن مذهبه فلم يقبل.
روي أنّ صفوان
وعبد الله بن جندب وعليّ بن النعمان تعاقدوا في بيت الله الحرام أنّه من مات منهم
صلّى من بقي صلاته وصام عنه صيامه وزكى عنه زكاته فماتا وبقي صفوان ، فكان يصلّي
في كل يوم مائة وخمسين ركعة ويصوم في السنة ثلاثة أشهر ويزكي زكاته ثلاث دفعات ،
وكل شيء من البرّ والصلاح يفعله لنفسه كذلك يفعل عن صاحبيه.
ولصفوان روايات
كثيرة شملت مختلف مجالات الفقه وغيره ، فقد وقع في اسناد ما يقرب من ألفين
وثمانمائة وواحد وعشرين موردا عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام في الكتب الأربعة ، وله مسائل.
وصنّف من آثار
الأئمّة عليهمالسلام ثلاثين كتابا ( وصفت بأنّها مثل كتب الحسين ابن سعيد )
يعرف منها :
الوضوء ، الصلاة ،
الصوم ، الحجّ ، الزكاة ، النكاح ، الطلاق ، الفرائض ، الوصايا ، الشراء والبيع ،
العتق والتدبير ، البشارات ، والنوادر.
وذكر ابن النديم
من كتبه أيضا : كتاب المحبة والوظائف ، وكتاب الآداب.
توفّي بالمدينة
سنة عشر ومائتين ، وروي أنّ أبا جعفر الجواد عليهالسلام بعث إليه بحنوطه وكفنه ، وأمر إسماعيل بن موسى الكاظم عليهالسلام بالصلاة عليه.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٣ / ٥٠٣
١١١٥
ابن أبي عمير
( ... ـ ٢١٧
ه )
محمد بن أبي عمير
زياد بن عيسى الأزديّ بالولاء ، الفقيه الربّانيّ أبو أحمد البغداديّ ، أحد الستة
أصحاب الكاظم والرضا عليهماالسلام الذين أجمعت الشيعة على تصديقهم والإقرار لهم بالفقه.
لقي الإمام أبا
الحسن موسى الكاظم وسمع منه أحاديث ، كنّاه في بعضها فقال : يا أبا أحمد ، وروى عن
الإمام أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا.
وروى أيضا عن :
أبان بن عثمان الأحمر ، وأبي أيوب الخزاز ، وأبي المعزاء ، وإسحاق بن عمار
الصيرفيّ ، وجميل بن درّاج النخعي ، وحماد بن عثمان ،
__________________
وحمزة بن حمران بن
أعين ، وحنان بن سدير ، وذريح بن يزيد المحاربي ، ورفاعة بن موسى النخاس ، وسيف بن
عميرة النخعي ، وعبد الله بن بكير بن أعين الشيباني ، ومعاوية بن وهب البجلي ،
ومعاوية بن عمار الدهني ، وهشام بن الحكم ، وهشام بن سالم الجواليقي ، ويونس بن
يعقوب ، وطائفة.
وهو من المكثرين
في الحديث ، وفي الفقه ، فقد وقع في اسناد كثير من الروايات عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام في الكتب الأربعة ، تبلغ أكثر من خمسة آلاف وثلاثمائة وستين موردا .
روى عنه : إبراهيم
بن هاشم ، وإبراهيم بن مهزيار ، وأحمد بن محمد بن عيسى ، وأيوب بن نوح بن درّاج ،
والحسن بن محبوب السراد ، والحسن بن عليّ بن فضّال ، والحسين بن سعيد الأهوازي ،
والسندي بن ربيع ، وعبد الرحمن بن أبي نجران ، وعلي بن مهزيار ، والفضل بن شاذان ،
ومحمد بن عيسى بن عبيد ، ومحمد ابن خالد البرقي ، وغيرهم كثير.
وله تصانيف كثيرة
، قيل إنّها أربعة وتسعين كتابا ، وقد تلف معظمها أيّام حبسه ، قيل : إنّ أخته
دفنتها فتلفت ، وقيل : بل تركتها في غرفة فسال عليها المطر فتلفت ، فحدّث من حفظه
، وممّا كان سلف له في أيدي الناس ، فلهذا كان المشايخ يسكنون إلى مراسيله.
وكان ابن أبي عمير
أحد وجوه الشيعة ، وعلما من أعلامها ، جليل القدر ،
__________________
بعيد الصيت ، عظيم
المنزلة عند الفريقين الشيعة والسنّة ، وكان واحد أهل زمانه في الأشياء كلها ، وهو
أفقه من يونس بن عبد الرحمن كما في رواية عن الحسن بن عليّ بن فضّال.
وكان جلدا في
عقيدته ، صابرا على الأذى في دينه ، حبس في أيام هارون الرشيد ليدلّ على مواضع
الشيعة وأصحاب الإمام الكاظم عليهالسلام ، وضرب مائة سوط ، فلما بلغت منه وكاد أن يقرّ لعظيم الألم
، سمع نداء يونس بن عبد الرحمن ، يقول : يا محمد بن أبي عمير ، اذكر موقفك بين يدي الله
تعالى ، فتقوّى بقوله وصبر ، ولم يخبر ولبث في السجن أربع سنين.
وروي أنّ المأمون
العباسي حبسه حتى ولاّه قضاء بعض البلاد.
وكان موصوفا
بالعبادة والورع وطول السجود ، وله جلالة في النفوس ، ومقام علمي رفيع ، وكانت
داره مقصدا للمشايخ ، يجتمعون حوله ، ويعظّمونه ويبجّلونه ، وقد اختار المتكلم
الكبير هشام بن سالم الجواليقي أن يتكلم عند ابن أبي عمير حين طلب منه الفقيه الجليل
المتكلم هشام بن الحكم المناظرة في التوحيد وصفات الله عزّ وجلّ.
ولابن أبي عمير ـ كما
ذكرنا ـ كتب كثيرة ، تلف معظمها ، ومما بقي له منها : المغازي ، الكفر والإيمان ،
البداء ، الاحتجاج في الإمامة ، الحجّ ، فضائل الحجّ ، المتعة ، الاستطاعة ،
الملاحم ، الصلاة ، مناسك الحجّ ، الصيام ، اختلاف الحديث ،
__________________
المعارف ، التوحيد
، النكاح ، الطلاق ، الرضاع ، يوم وليلة ، ومسائله عن الرضا عليهالسلام .
قال النجاشي :
فأما نوادره فهي كثيرة لأنّ الرواة لها كثيرة ، فهي تختلف باختلافهم.
توفّي ابن أبي
عمير سنة سبع عشرة ومائتين.
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٣ / ٤٢٩
١٠٥٧
الفضل بن شاذان
( ... ـ ٢٦٠
ه )
ابن الخليل
الأزديّ ، الفقيه المتكلّم أبو محمد النيشابوري.
كان أبوه من رواة
الحديث من أصحاب يونس بن عبد الرحمن ، ويروي عن الأئمّة عليهمالسلام.
ونشأ الفضل على
عين أبيه ، فتزوّد من علمه ، والتقى كبار المشايخ من رفاق أبيه.
فقرأ القرآن وهو
غلام في قطيعة الربيع ببغداد على إسماعيل بن عباد ، ورأى
__________________
في ذلك المكان
الفقيه العابد الحسن بن علي بن فضّال ، ثم سمع منه بعد ذلك كتاب ابن بكير وغيره من
الأحاديث ، وكان ذا اهتمام بعلم الكلام فكان ابن فضّال يغري بينه وبين المتكلّم
أبي محمد الحجّال في الكلام في المعرفة.
ودخل الفضل بصحبة
أبيه على المحدّث الكبير محمد بن أبي عمير ، ثم اختصّ به وروى عنه حديثا كثيرا ،
وروى أيضا عن صفوان بن يحيى ، وحمّاد بن عيسى الجهنيّ ، وجلّ روايته عن هؤلاء
المشايخ الثلاثة ، وروايته عن غيرهم نادرة ، كروايته عن عبد الله بن جبلة
الكناني ، وعبد الله بن الوليد العدني ، ومحمد بن سنان.
روى عن الفضل :
علي بن محمد بن قتيبة النيشابوري ، ومحمد بن إسماعيل.
وكان أحد كبار
فقهاء الإمامية ، والمتكلمين العظام ، وقد أثنى عليه الإمام الحسن العسكري عليهالسلام ، حيث عرضت عليه إحدى مؤلفاته فترحّم عليه وقال :
« أغبط أهل خراسان
بمكان الفضل بن شاذان وكونه بين أظهرهم » .
وقد عدّ الفضل من
أصحاب الإمامين علي الهادي والحسن العسكري عليهماالسلام ، وله روايات عن الإمام عليّ بن موسى الرضا عليهالسلام ذكرها الشيخ الصدوق .
وكان محدثا ، ثقة
، عدلا ، ذا جلالة وقدر كبير في الطائفة ، حتى قال فيه أبو
__________________
العباس النجاشي :
وهو في قدره أشهر من أن نصفه.
وكان غزير العلم ،
واسع الرواية ، كثير التصانيف ، صنّف في علوم مختلفة كالفقه والكلام والتفسير
واللغة وغيرها. وقد تصدى في كثير من كتبه للدفاع عن عقائد الإسلام ، وعن مبادئ
أئمّة أهل البيت عليهمالسلام ، فردّ على الآراء والفرق المختلفة ، وفنّد شبه الفلاسفة
والمتكلمين ، وأبطال ضلالات أعداء الدين.
ذكر الكنجي : أنّه
صنّف مائة وثمانين كتابا.
فمن كتبه : الردّ
على الفلاسفة ، الردّ على أهل التعطيل ، الرّدّ على الغلاة ، الرّدّ على الأصمّ ،
الرّدّ على القرامطة ، الرّدّ على الحشوية ، الرّدّ على الحسن البصري في التفضيل ،
محنة الإسلام ، الرّدّ على الثنوية ، الفرائض الكبير ، الفرائض الأوسط ، الفرائض
الصغير ، السنن ، الطلاق ، المتعتين : متعة النساء ومتعة الحجّ ، فضل أمير
المؤمنين عليهالسلام ، الإمامة الكبير ، القائم عليهالسلام ، معرفة الهدى والضلالة ، التفسير ، العروس وهو كتاب العين
، العلل ، كتاب جمع فيه مسائل متفرقة للشافعي وأبي ثور والاصفهاني وغيرهم سماها
تلميذه علي بن محمد بن قتيبة كتاب الديباج .
كما وقع المترجم
في اسناد كثير من الروايات عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام فى الكتب الأربعة ، تبلغ سبعمائة وسبعين موردا.
توفّي سنة ستين
ومائتين.
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٣ / ٩١
٧٨٨
أحمد بن محمد بن خالد
( ... ـ ٢٧٤
، ٢٨٠ ه )
ابن عبد الرحمن بن
محمّد بن عليّ البرقي ، أبو جعفر. أصله كوفي ، وكان جدّه محمد بن عليّ حبسه يوسف
بن عمر الثقفي بعد قتل زيد بن عليّ عليهماالسلام ، ثم قتله ، وكان خالد صغير السن ، فهرب مع أبيه عبد
الرحمن إلى برقة قم ، فأقاموا بها ونسبوا إليها.
روى أحمد عن :
أبيه محمّد بن خالد البرقي ، وأحمد بن محمد بن أبي نصر
__________________
البزنطيّ ، وعبد
الرحمن بن أبي نجران ، والحسن بن عليّ بن فضّال ، والحسن بن علي بن يقطين ، والحسن
بن محبوب ، وإسماعيل بن مهران ، والحسن بن علي الوشاء ، والحسين بن سعيد الأهوازي
، ويحيى بن إبراهيم بن أبي البلاد ، وعليّ بن الحكم ، وعليّ بن أسباط ، وعبد
العظيم بن عبد الله الحسني ، وصفوان بن يحيى ، وموسى بن القاسم ، وآخرين.
وعدّ من أصحاب
الإمامين الجواد والهادي عليهماالسلام.
روى عنه : سعد بن
عبد الله الأشعري ، ومحمد بن الحسن الصفار ، ومحمد بن أحمد بن يحيى ، وعليّ بن
إبراهيم ، وعلي بن الحسين السعد آبادي ، والحسن بن متيل الدقاق ، وأحمد بن عبد
الله حفيده ، ومحمد بن علي بن محبوب ، وعلي ماجيلويه ، وآخرون.
وكان أحد كبار
الفقهاء والمحدّثين ، واسع الرواية ، ثقة في الحديث ، عارفا بالسير والأخبار ، وله
باع في علم الرجال.
وكان مضطلعا بعلوم
جمّة ، وله تصانيف كثيرة تدل على تبحّره وسعة روايته واطّلاعه.
قال ياقوت الحموي
: له تصانيف على مذهب الإمامية وكتاب في السير ، تقارب تصانيفه أن تبلغ المائة.
وقال ابن حجر : له
تصانيف جمّة أدبية منها كتاب « اختلاف الحديث » و « العيافة والقيافة » وأشياء ،
كان في زمن المعتصم.
ومن كتبه :
المحاسن ( مطبوع ) ويشتمل على كتب كثيرة منها : التبليغ
والرسالة ،
التراحم والتعاطف ، التبصرة ، الإخوان ، والمحبوبات ، المكروهات ، المعيشة ،
النساء ، الشعر ، أدب النفس ، الطبّ ، التهذيب ، أدب المعاشرة ، مكارم الأخلاق ،
علل الحديث ، معاني الحديث والتحريف ، تفسير الحديث ، الاحتجاج ، الدواجن والرواجن
، الشعر والشعراء ، صوم الأيام ، البلدان والمساحة ، الدعاء ، ذكر الكعبة ،
الأجناس والحيوان ، فضل القرآن ، أحكام الأنبياء والرسل ، التاريخ ، الأنساب ،
النحو ، والمغازي.
وقد وقع أحمد
البرقي في اسناد روايات كثيرة عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام في الكتب الأربعة تبلغ ألفا وخمسمائة وعشرين موردا.
توفي سنة أربع
وسبعين ومائتين ، وقيل : سنة ثمانين.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٣ / ١٠٠
٧٩٣
أحمد بن محمد بن عيسى
( ... ـ كان
حيا ٢٧٤ ه )
ابن عبد الله بن
سعد بن مالك الأشعريّ ، أبو جعفر القمّيّ ، شيخ القميين ، ووجيههم ، وفقيههم ، بلا
مدافعة.
كان جدّه سعد أول
من سكن من آبائه بقم.
ولقى أحمد الإمام
الرضا عليهالسلام ، وروى عن الإمامين أبي جعفر الجواد ، وأبي الحسن الهادي عليهماالسلام ، وعن خلق كثير من تلامذة مدرسة أهل البيت عليهمالسلام.
فروى عن : أبيه ،
وأبي هاشم الجعفري ، ومحمد بن أبي عمير ، والحسن بن
__________________
محبوب ، وإبراهيم
بن أبي محمود ، وأحمد بن محمد بن أبي نصر ، وإسماعيل بن همام الكندي ، والحسن بن الجهم
، والحسن بن علي الوشاء ، والحسين بن سعيد الأهوازي كثيرا ، وحماد بن عيسى الجهني
، وشاذان بن الخليل ، وعبد الرحمن بن أبي نجران ، وعلي بن أسباط ، وعليّ بن الحكم
كثيرا ، وعلي بن سيف بن عميرة ، ومحمد بن إسماعيل بن بزيع ، ومحمد بن سنان ، وموسى
بن القاسم البجلي ، ويحيى بن سليم الطائفي ، وغيرهم.
وذكر الشيخ الطوسي
أنّه روى عن محمد بن أبي عمير كتب مائة رجل من رجال الصادق عليهالسلام .
روى عنه : أحمد بن
إدريس ، وأحمد بن علي بن أبان القميّ ، وسعد بن عبد الله ، وسهل بن زياد ، وعبد
الله بن جعفر الحميري ، وعلي بن موسى الكمنداني ، ومحمد بن أحمد بن يحيى ، ومحمد
بن الحسن الصفار ، ومحمد بن علي بن محبوب ، ومحمد بن يحيى العطار ، وآخرون.
وقد بلغت رواياته
في الكتب الأربعة نحو ألفين وثلاثمائة وثلاثة موارد.
وكان من أجلاء
الفقهاء والمحدثين ، كبير الشأن ، كثير الفضل ، وافر الهيبة والجلالة.
وكان واسع العلم ،
كثير الرواية ، متشدّدا في قبولها ، حتى أنّه كان يخرج من قم كلّ من يروي عن
الضعفاء ويعتمد المراسيل.
__________________
شهد جنازة أحمد بن محمد بن خالد البرقي ومشى فيها حافيا ، حاسرا.
ولأحمد بن محمد بن
عيسى مؤلفات كثيرة قيّمة منها : التوحيد ، فضل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، المتعة ، النوادر ( وكان غير مبّوب فبّوبه داود بن كورة
) ، الناسخ والمنسوخ ، الأطعمة ، فضائل العرب ، الحجّ ، الطب الصغير ، الطب الكبير
، والمكاسب.
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٣ / ٤٩٢
١١٠٨
محمد بن الحسن الصّفّار
( ... ـ ٢٩٠
ه )
محمد بن الحسن بن
فروخ الصفار ، الأشعري بالولاء المحدّث الكبير أبو جعفر القمّيّ ، صاحب « بصائر
الدرجات ».
روى عن : إبراهيم
بن هاشم ، وأحمد بن محمد بن خالد البرقيّ ، وأحمد بن محمد بن عيسى الأشعريّ ،
وأيّوب بن نوح بن درّاج النخعيّ ، والحسن بن موسى الخشّاب ، والسندي بن الربيع ،
ومحمد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، ومحمد بن عيسى بن عبيد ، ومعاوية بن حكيم البجلي
، والهيثم بن أبي مسروق النهديّ ،
__________________
ومحمد بن عبد
الحميد الطائيّ ، وطائفة.
روى عنه : محمد بن
جعفر المؤدب ، وأحمد بن داود القمّي ، ومحمد بن يحيى ، ومحمد بن الحسن بن الوليد ،
وغيرهم.
وكان أحد وجوه
المحدّثين والفقهاء ، ثقة ، عظيم القدر ، كثير التصانيف.
عدّ من أصحاب
الإمام أبي محمد الحسن العسكري عليهالسلام وروى عنه ، وله عنه مسائل كان قد كاتبه بها ، كما وقع في إسناد كثير من الروايات عن أهل البيت عليهمالسلام ، تبلغ سبعمائة وخمسة وأربعين موردا .
وللصفّار كتب
كثيرة منها : الصلاة ، الوضوء ، الجنائز ، الصيام ، الحجّ ، النكاح ، الطلاق ،
العتق والتدبير والمكاتبة ، التجارات ، المكاسب ، الصيد والذبائح ، الحدود ،
الديات ، الفرائض ، المواريث ، الدعاء ، المزار ، الردّ على الغلاة ، الأشربة ،
المروّة ، الزهد ، الخمس ، الزكاة ، الشهادات ، الملاحم ، التقيّة ، المؤمن ،
الأيمان والنذور والكفارات ، المناقب ، المثالب ، بصائر الدرجات ، الجهاد ، فضل
القرآن ، كتاب ما روي في شعبان ، وكتاب ما روي في أولاد الأئمّة عليهمالسلام.
توفّي بقم سنة
تسعين ومائتين.
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٣ / ٢٦٣
٩٢٤
سعد بن
عبد الله
( ... ـ ٢٩٩
، ٣٠٠ ه )
ابن أبي خلف ، أبو
القاسم الأشعري ، القمّي.
فقيه من فقهاء
الطائفة ، وأحد شيوخها ووجهائها الأجلاّء ، شد رحاله وسافر في طلب العلم من الفقه
والحديث وغيرهما ، وسمع من أحاديث الطائفة السنّية شيئا كثيرا ، ولقي من وجوههم :
الحسن بن عرفة ، ومحمد بن عبد الملك الدقيقي ، وأبا حاتم الرازيّ ، وعباس الترقفي.
روى عن : أبي
الجوزاء المنبّه بن عبد الله ، وإبراهيم بن إسحاق ، وإبراهيم بن
__________________
مهزيار ، وأحمد بن
أبي عبد الله البرقي ، وأحمد بن الحسن بن علي بن فضّال ، وأحمد ابن سعيد ، وأبي
جعفر أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري ، وأيّوب بن نوح النخعي ، والحسن بن ظريف ،
والحسن بن موسى الخشاب ، والسندي بن محمد البزّاز ، وعبد الله بن جعفر الحميري ،
وعلي بن مهزيار ، ومحمد بن أبي الصهبان ، وعمران بن موسى ، ومحمد بن الحسين بن أبي
الخطّاب ، ومحمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ، وهارون بن مسلم ، وآخرين.
روى عنه : محمد بن
قولويه ، وأحمد بن محمد بن يحيى العطّار ، وعلي بن بابويه ، وعلي بن عبد الله الوّراق ، ومحمد بن عبد الله ، ومحمد بن الحسن بن الوليد
، ومحمد بن موسى بن المتوكل ، وآخرون.
وقد عدّ من أصحاب
الإمام أبي محمد العسكري عليهالسلام .
وكان محدّثا ثقة ،
واسع الأخبار ، غزير العلم ، كثير التصانيف ، وقع في إسناد كثير من روايات أهل
البيت عليهمالسلام ، تبلغ ألفا ومائة واثنين وأربعين موردا.
وله كتب كثيرة
منها : كتاب الرحمة ، كتاب الوضوء ، كتاب الصلاة ، كتاب الزكاة ، كتاب الصيام
، كتاب الحج ، كتاب بصائر الدرجات ، كتاب الرد على الغلاة ، وكتاب ناسخ القرآن
ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ، كتاب مناقب رواة الحديث ،
__________________
كتاب مثالب رواة
الحديث ، كتاب قيام الليل ، كتاب الردّ على المجبرة ، كتاب فضل العرب ، كتاب
الإمامة ، كتاب فضل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، كتاب النوادر ، كتاب المنتخبات ، وغيرها ، رواها جعفر بن محمد بن قولويه عن أبيه وأخيه عن سعد ابن عبد الله.
توفّي سعد بن عبد
الله سنة تسع وتسعين ومائتين ، وقيل : سنة ثلاثمائة ، وقيل سنة إحدى وثلاثمائة.
__________________
القرن الرّابع
١ ـ علي بن
ابراهيم القمي ( م بعد سنة ٣٠٧ )
٢ ـ محمد بن مسعود
العيّاشي ( م سنة ٣٢٠ ه )
٣ ـ محمد بن عبد
الرّحمن بن قبة ( م قبل سنة ٣٢٩ ه )
٤ ـ محمد بن يعقوب
الكليني ( م سنة ٣٢٨ ه ـ ٣٢٩ ه )
٥ ـ علي بن الحسين
بن موسى بن بابويه القمي ( م سنة ٣٢٩ ه )
٦ ـ محمد بن عمر
بن عبد العزيز الكشّي ( م حدود ٣٤٠ ه )
٧ ـ محمد بن الحسن
بن أحمد بن الوليد ( م سنة ٣٤٣ ه )
٨ ـ محمد بن
ابراهيم بن جعفر النعماني ( م سنة ٣٦٠ ه )
٩ ـ جعفر بن محمد
بن قولويه ( م سنة ٣٦٨ ه )
١٠ ـ محمد بن علي
بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي الصدوق ( م سنة ٣٦٨ ه )
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٤ / ٢٦٥
١٤٧٢
عليّ بن إبراهيم القمّي
( ... ـ كان
حيا ٣٠٧ ه )
عليّ بن إبراهيم
بن هاشم ، أبو الحسن القمّي ، صاحب التفسير المعروف بتفسير القمّي ، وشيخ ثقة
الإسلام الكليني.
سمع فأكثر ، وصنّف
كتبا.
أخذ العلم عن أبيه
، وروى عنه كثيرا.
وروى أيضا عن :
أحمد بن محمد بن خالد البرقيّ ( المتوفى ٢٧٤ ه ) ، ومحمد بن عيسى بن عبيد كثيرا ،
وأخيه إسحاق بن إبراهيم ، وصالح بن السندي ،
__________________
والحسن بن موسى
الخشّاب ، وسلمة بن الخطاب ، والمختار بن محمد الهمداني ، وآخرين.
روى عنه : محمد بن
يعقوب الكليني كثيرا ، ومحمد بن موسى بن المتوكل ، وأحمد بن زياد بن جعفر الهمداني
، والحسن بن حمزة العلوي.
وكان من أعلام
الفقهاء والمحدّثين ، مفسّرا ، مؤرخا ، كثير الحديث ، ثبتا فيه.
صنّف كتبا منها :
التفسير ، الناسخ والمنسوخ ، أخبار القرآن ورواياته ، قرب الإسناد ، المغازي ،
الأنبياء ، فضائل أمير المؤمنين عليهالسلام ، الشرائع ، الحيض ، التوحيد والشرك ، وجوابات مسائل سأله
عنها محمد بن بلال.
وله في الكتب
الأربعة روايات كثيرة بلغت سبعة آلاف ومائة وأربعين موردا ، روى منها ستة آلاف
ومائتين وأربعة عشر موردا عن أبيه إبراهيم بن هاشم.
ولعليّ بن إبراهيم
ثلاثة بنين : إبراهيم وأحمد ومحمد ، كلّهم من أصحاب الحديث.
لم نظفر بتاريخ
وفاة المترجم ، إلاّ أنّه كان حيا في سنة سبع وثلاثمائة.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٤ / ٤٦٢
١٦٤٤
العيّاشي
( ... ـ حدود
٣٢٠ ه )
محمد بن مسعود بن
محمد بن عيّاش السّلمي ، أبو النضر السمرقندي ، المعروف بالعياشي ، من كبار فقهاء
الشيعة الإمامية ، وجهابذة الفكر الإسلامي. كان أوحد دهره في غزارة العلم ، وأكثر
أهل الشرق علما وفضلا وأدبا وفهما.
__________________
وكانت داره مرتعا
لطلاب علوم أئمّة أهل البيت عليهمالسلام ، وتخرّج عليه فطاحل العلماء كالكشّي وغيره ، وأنتشرت كتبه
في نواحي خراسان ، وكان لها شأن من الشأن ، وهذا يكشف عن وجود مدرسة فقهية وحديثية
هناك بالإضافة إلى مدرستي الكوفة وبغداد .
روى عن : جعفر بن
أحمد ، وحمدويه ، ومحمد بن نصير ، وعبد الله بن محمد ابن خالد الطيالسي ، وجماعة
من شيوخ الكوفيّين والبغداديّين والقميّين.
وروى له الشيخ
الطوسي في كتابيه « التهذيب » و « الاستبصار » خمسة وعشرين موردا من الروايات .
وكان واسع الأخبار
، بصيرا بالروايات ، مضطلعا بها ، جليل القدر ، كريم النفس. روي أنّه أنفق على
العلم والحديث تركة أبيه كلّها ، وكانت ثلاثمائة ألف دينار.
وقد صنّف العياشي
كتبا كثيرة تزيد على مائتي كتاب ، في شتّى العلوم ،
__________________
كالفقه والحديث
والتفسير والكلام والسير وغير ذلك ، منها :
الطهارات الكبير ،
الصلاة ، الصوم ، الزكاة ، المناسك ، النكاح ، الطلاق ، التجارة والكسب ، الذبائح
، القضاء وآداب الحكم ، المواريث ، المسح على القدمين ، التفسير المشهور ، سيرة
أبي بكر ، سيرة عمر ، سيرة عثمان ، البشارات ، التوحيد والصفة ، الإيمان ، فرض
طاعة العلماء ، البداء ، ودلائل الأئمّة ، وغيرها.
توفّي في حدود سنة
عشرين وثلاثمائة.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٤ / ٤٠٨
١٥٩٥
ابن قبة
( ... ـ قبل
٣٢٩ ه )
محمد بن عبد
الرحمن بن قبة ، أبو جعفر الرازيّ ، من متكلّمي الشيعة وحذّاقهم.
كان أولا من
المعتزلة ، ثمّ انتقل إلى مذهب الإمامية ، وسمع الحديث.
__________________
أخذ عنه ابن بطّة .
وكان فقيها ،
متكلّما ، حسن العقيدة ، قويّا في الكلام.
له كتب في الكلام
، منها : الإنصاف في الإمامة ، المستثبت ، الردّ على الزيدية ، الردّ على أبي علي
الجبائي ، والمسألة المفردة في الإمامة.
وله أجوبة في
الردّ على الشبهات ، كشبهة أبي الحسن علي بن أحمد بن بشار ، وشبهة المعتزلة.
قال أبو الحسين
السوسنجردي : مضيت إلى أبي القاسم البلخي إلى بلخ ، بعد زيارتي الرضا عليهالسلام بطوس ، ومعي كتاب أبي جعفر بن قبة في الإمامة المعروف
بالانصاف ، فوقف عليه ونقضه بالمسترشد في الامامة ، فعدت إلى الريّ ، فدفعت الكتاب
إلى ابن قبة ، فنقضه بالمستثبت في الإمامة ، فحملته إلى أبي القاسم فنقضه بنقض
المستثبت ، فعدت إلى الريّ ، فوجدت أبا جعفر قد مات.
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٤ / ٤٧٨
١٦٦٠
الكليني
( ... ـ ٣٢٩
ه )
محمد بن يعقوب بن
إسحاق ، ثقة الإسلام ، وشيخ المحدثين ، أبو جعفر الكليني ، الرازي ، البغدادي ، صاحب كتاب « الكافي » أحد الكتب الأربعة عند الشيعة
الإمامية.
عاش في عصر
السفراء الأربعة للإمام المهدي ـ عجّل الله تعالى فرجه
__________________
الشريف ـ ، وعني
بطلب الحديث ، وروى عن طائفة من علماء مدرسة أهل البيت عليهمالسلام ، ثمّ علا شأنه ، ولمع نجمه ، فصار شيخ الشيعة بالري ، ثمّ نزل بغداد في
أواخر عمره ، وحدّث بها.
روى عن : علي بن
إبراهيم بن هاشم القمّي ، ومحمد بن يحيى العطار الأشعري ، وأبي العباس محمد بن
جعفر الرزّاز ، وأبي علي أحمد بن إدريس الأشعري ، وحميد بن زياد ، وأبي سليمان
داود بن كورة القمّي ، وأحمد بن محمد العاصمي ، والحسين بن محمد الأشعري ، وآخرين.
وأكثر رواياته عن
علي بن إبراهيم ، ومحمد بن يحيى العطار.
روى عنه : أبو
القاسم جعفر بن محمد بن قولويه ، وأبو غالب الزراري أحمد ابن محمد بن محمد بن سليمان
، وعلي بن أحمد بن موسى الدقّاق ، وأبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر النعماني
، وأبو المفضل الشيباني ، ومحمد بن محمد بن عاصم الكليني ، ومحمد بن علي ماجيلويه
، وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله الصفواني ، وغيرهم.
وكان من شيوخ
الفقهاء وكبار العلماء ، عارفا بالأخبار والتواريخ والطبقات ، ذا زهد وعبادة
وتألّه.
وقد انتهت إليه
رئاسة فقهاء الإمامية في أيام المقتدر .
__________________
قال فيه أبو
العباس النجاشي : شيخ أصحابنا في وقته بالري ، ووجههم ، وكان أوثق الناس في الحديث
وأثبتهم.
وقال ابن الأثير ـ
وقد عدّه من مجدّدي الإمامية على رأس المائة الثالثة ـ :
الإمام على مذهب
أهل البيت ، عالم في مذهبهم ، كبير ، فاضل عندهم مشهور .
وقال الذهبي : شيخ
الشيعة ، وعالم الإمامية ، صاحب التصانيف .
صنّف أبو جعفر
الكليني « الكافي » في عشرين سنة ، وعدّة أحاديثه (١٦١٩٩) حديثا ، ويشتمل على
ثلاثين كتابا في الشرائع والأحكام والأوامر والنواهي والسنن والآداب والآثار ، ما
انفكّ العلماء وحملة الحديث يستندون إليه في الفتيا والإستنباط.
قال النجاشي (
المتوفى ٤٥٠ ه ) : كنت أتردد إلى المسجد المعروف بمسجد اللؤلؤي ، وهو مسجد نفطويه
النحوي ، أقرأ القرآن على صاحب المسجد ، وجماعة من أصحابنا يقرأون كتاب « الكافي »
على أبي الحسين أحمد بن أحمد الكوفي الكاتب.
وللكليني أيضا :
كتاب الردّ على القرامطة ، وكتاب الرجال ، وكتاب رسائل الأئمّة عليهمالسلام ، وكتاب تعبير الرؤيا ، وكتاب ما قيل في الأئمّة عليهمالسلام من الشعر.
__________________
توفّي ببغداد سنة
تسع وعشرين وثلاثمائة ، وقيل : ثمان وعشرين ، وصلّى عليه أبو قيراط محمد بن جعفر
الحسيني ، ودفن في مقبرة باب الكوفة.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٤ / ٢٨٣
عليّ بن الحسين بن بابويه
( ... ـ ٣٢٩
ه )
علي بن الحسين بن
موسى بن بابويه ، أبو الحسن القمّي ، والد الشيخ الصّدوق.
كان شيخ القميين
في عصره ومتقدّمهم وفقيههم وثقتهم ، وأحد أعاظم الظائفة الإمامية وكبار محدّثيها.
قيل : وكان فقهاء
الإمامية يأخذون الفتاوى من رسالته إذا أعوزهم النص ثقة واعتمادا عليه .
روى عن : أحمد بن
إدريس الأشعري ، وعلي بن إبراهيم القمّي ، وسعد بن
__________________
عبد الله القمّي
كثيرا ، وعبد الله بن جعفر الحميري ، وعلي بن الحسن بن علي الكوفي ، وعلي بن
الحسين السعد آبادي ، وعلي بن موسى الكمنداني ، ومحمد بن يحيى العطّار ، ومحمد بن
أحمد بن علي بن الصلت ، وعلي بن سليمان الزراري ، وغيرهم.
روى عنه : ابنه
أبو جعفر الصدوق ، وأحمد بن داود القمّي.
وقال التلعكبري :
سمعت منه في السنة التي تهافتت فيها الكواكب ، دخل بغداد فيها
، وذكر أنّ له منه إجازة بجميع ما يرويه.
وكان المترجم قدم
العراق واجتمع مع أبي القاسم الحسين بن روح السفير الثالث ، وسأله مسائل ، ثمّ
كاتبه بعد ذلك على يد أبي جعفر محمد بن علي الأسود ، يسأله أن يوصل رقعة إلى
الإمام المهدي ـ عجّل الله تعالى فرجه الشريف ـ يسأله فيها الدعاء بالولد ، فولد
له أبو جعفر وأبو عبد الله الحسين.
وصنّف كتبا كثيرة
، منها : الشرائع وهي الرسالة إلى ابنه ، الوضوء ، الصلاة ، الجنائز ، التوحيد ،
الإمامة ، الإمامة والتبصرة من الحيرة ، المنطق ، الطبّ ، النساء والولدان ، قرب
الإسناد ، المعراج ، والتفسير.
توفّي بقم سنة تسع
وعشرين وثلاثمائة ، وقبره بها إلى الآن يزار وعليه قبّة خضراء.
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٤ / ٤٤٣
١٦٢٥
الكشّي
( ... ـ حدود
٣٤٠ ه )
محمد بن عمر بن
عبد العزيز ، أبو عمرو الكشّي ، صاحب أحد الأصول الرجالية.
صحب العياشي ،
وكان من غلمانه ، وتخرّج عليه في داره التي كانت مرتعا لأهل العلم.
روى في كتابه عن
جمع كثير ، منهم : حمدويه بن نصير ، وإبراهيم بن نصير ، وعلي بن محمد بن قتيبة
النيسابوري ، ويوسف بن السخت ، ومحمد بن موسى الهمداني ، وآدم بن محمد القلانسي ،
ومحمد بن بحر الرهني ، وطاهر بن عيسى
__________________
الورّاق ، وحمدان
الفلانسي ، ومحمد بن قولويه ، ونصر بن الصباح البلخي ، وغيرهم.
يروي عنه : جعفر
بن محمد بن قولويه ، وهارون بن موسى التلّعكبري.
وكان فقيها ،
عارفا بالأخبار والرجال ، عينا ، جليل القدر.
له كتاب في الرجال
، كثير العلم .
ويتّسم هذا الكتاب
بأنّه يحتوي على الأحاديث الواردة في أحوال الرجال عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام وليس فيه آراء للمصنّف .
توفّي في حدود سنة
أربعين وثلاثمائة .
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٤ / ٣٩٠
١٥٧٧
ابن الوليد
( ... ـ ٣٤٣
ه )
محمد بن الحسن بن
أحمد بن الوليد ، أبو جعفر القمّي ، شيخ القميّين
وفقيههم ومتقدّمهم ووجههم.
روى عن : محمد بن
الحسن الصفّار ، وسعد بن عبد الله القمّي ، وعبد الله بن جعفر الحميري ، والحسن بن
متيل الذقاق ، ومحمد بن يحيى العطّار ، وأحمد بن إدريس الأشعريّ ، وغيرهم.
روى عنه : علي بن
أحمد بن محمد المعروف بابن أبي جيد جميع كتبه ورواياته بالإجازة ، وابنه أحمد ،
والصدوق ، وابن قولويه ، ومحمد بن علي بن
__________________
المفضّل بن تمام ،
وآخرون.
وروى عنه أيضا
التلّعكبري إجازة ( وصلت إليه على يد صاحبه جعفر بن الحسن المؤمن ) ولم يلقه.
وكان ابن الوليد
بصيرا بالفقه ، عارفا بالرجال ، مفسّرا ، جليل القدر.
وهو من أعاظم شيوخ
الصدوق . روى عنه في كتبه كثيرا ، وكان يعتمد عليه ، ويتبعه فيما
يذهب إليه.
قال الصدوق : كلّ
ما لم يصححه ذلك الشيخ ـ يعني ابن الوليد ـ قدّس الله روحه ، ولم يحكم بصحته من
الأخبار ، فهو عندنا متروك غير صحيح .
له كتب ، منها :
تفسير القرآن ، الجامع ، والفهرست في الرجال .
توفّي سنة ثلاث
وأربعين وثلاثمائة.
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٤ / ٣٣٥
١٥٣٣
ابن أبي زينب النعماني
( ... ـ حدود
٣٦٠ ه )
محمد بن إبراهيم
بن جعفر ، أبو عبد الله الكاتب النعماني البغدادي ، المعروف بابن أبي زينب ، من
كبار علماء الإمامية ومحدّثيهم.
قرأ على ثقة
الإسلام الكليني وأخذ عنه.
وسافر في طلب
العلم ، وقدم بغداد ، ثمّ خرج إلى الشام ، ومات بها.
سمع من جمع من
المشايخ ، منهم : ابن عقدة ، والمسعودي ، ومحمد بن همّام ،
__________________
وسلامة بن محمد
الارزني ، ومحمد بن عبد الله بن جعفر الحميري ، وموسى بن محمد الأشعري ، وغيرهم.
روى عنه أبو
الحسين محمد بن علي الشجاعي ، وله منه إجازة برواية كتبه.
وكان عظيم القدر ،
شريف المنزلة ، كثير الحديث.
صنّف كتبا ، منها
: الغيبة وهو كتاب معتمد مشهور ، الفرائض ، الردّ على الإسماعيلية ، تفسير القرآن ،
التسلّي ، ونثر اللئالي في الحديث.
توفّي حدود سنة
ستّين وثلاثمائة .
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٤ / ١٢٢
١٣٤٢
ابن قولويه
( حدود
٢٩٠ ـ ٣٦٨ ه )
جعفر بن محمد بن
جعفر بن موسى بن قولويه ، أبو القاسم القمّي ، صاحب كتاب « كامل الزيارات ».
كان أحد رجالات
الشيعة وأجلاّئهم في الفقه والحديث ، كثير التصنيف ، جميل الذكر.
__________________
قرأ عليه الشيخ
المفيد الفقه ، ومنه حمل.
وكان كثير الرواية
، فقد روى بإسناده عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام نحو خمسمائة وسبعة موارد ، رواها عن جمع من الشيوخ ، منهم :
أبوه ، والكليني
كثيرا ، ومحمد بن عبد الله بن جعفر الحميري ، ومحمّد بن همّام ابن سهيل ، وعلي بن
الحسين بن بابويه والد الصدوق ، ومحمّد بن الحسن بن الوليد القمّي ، ومحمّد بن
جعفر الرزاز ، ومحمد بن الحسن بن علي بن مهزيار ، وغيرهم.
وصنّف كتاب « كامل
الزيارات » ، وهو كتاب معروف ، ذكر فيه المصنّف زيارات النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة الطاهرين عليهمالسلام ، وثوابها وفضلها. وصرّح فيه بأنّه لا يخرج فيه حديثا عن
غير أئمة أهل البيت عليهمالسلام ، ولا حديثا عن شذوذ أصحابهم ، ويروي فيه عن الحميري
والكليني ، ووالد الصدوق ، وأبيه ، وغيرهم.
وله أيضا : كتاب
الصلاة ، الجمعة والجماعة ، الرّضاع ، الصّداق ، الصّرف ، العدد في شهر رمضان الحج
، بيان حلّ الحيوان من محرّمه ، القضاء وآداب الحكّام ، النوادر ، وكتاب النساء
ولم يتمه وغيرها.
توفي « رضوان الله
تعالى عليه » سنة ثمان وستين وثلاثمائة.
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٤ / ٤٣٣
١٦١٦
الصّدوق
( حوالي
٣٠٦ ـ ٣٨١ ه )
محمد بن عليّ بن
الحسين بن موسى بن بابويه ، شيخ المشايخ ، ورئيس المحدّثين أبو جعفر القمّي ، نزيل
الرّيّ ، المعروف بالصّدوق ، مصنّف كتاب « من لا يحضره الفقيه » أحد الأصول
الأربعة التي يرجع إليها علماء الشيعة.
ولد هو وأخوه
بدعوة الإمام المهدي عليهالسلام على يد السفير الحسين بن
__________________
روح ، وأحبّ العلم من الصّبا وطلب الحديث ، فنشأ برعاية والده وتتلمذ عليه وعلى
شيوخ بلدته ، ثمّ انتقل إلى الريّ وأقام بها ، ثمّ قام برحلة واسعة ، وقطع
المسافات البعيدة في سبيل خدمة الدين وإعلاء كلمته ، وذاع صيته ، وعظم شأنه ، وعقد
المجالس وصنّف التصانيف الكثيرة.
سمع بقم من : أبيه
( وكان شيخ القميين في عصره وفقيههم ) ، ومحمد بن الحسن بن
أحمد بن الوليد ، وأحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم القمي ، وأحمد بن محمد بن يحيى
العطار الأشعري ، وغيرهم.
وبالري من : محمد
بن أحمد بن عليّ الأسدي المعروف بابن جرادة البروعي ، ومن أحمد بن محمد بن الصغر
الصائغ العدل ، وأحمد بن محمد بن الحسن القطان ، وآخرين.
وبنيسابور من :
الحسين بن أحمد البيهقي ، وأحمد بن إبراهيم بن بكر الخوزي ، وغيرهما.
وببلخ من : الحسين
بن محمد الاشناني الرازي ، ومحمد بن سعيد بن عزيز السمرقندي.
وببغداد من : علي
بن ثابت الدواليبي ، والحسن بن محمد بن يحيى العلوي المعروف بابن أبي طاهر ،
وغيرهما.
__________________
وبالكوفة من :
محمد بن بكران النقاش ، وأحمد بن إبراهيم بن هارون الفامي ، والحسين بن محمد بن
الحسن بن إسماعيل السكوني ، وآخرين.
وبإيلاق من : الحسن بن محمد بن عمرو البصري ، ومحمد بن الحسن بن إبراهيم الكرخي
الكاتب ، وبكر بن علي بن محمد بن الفضل الحنفي الشاشي الحاكم.
وفي إيلاق كانت
فكرة تصنيفه « من لا يحضره الفقيه » وذلك بطلب من محمد بن الحسن العلوي المعروف بـ
« نعمة » الذي اقترح عليه تصنيف هذا الكتاب على نسق كتاب « من لا يحضره الطبيب »
للرازي.
وسمع أيضا بسمرقند
وفرغانه وسرخس وفيد وقد بلغ عدد مشايخه ممن ظفر بهم في كتبه المطبوعة (٢٥٢)
شيخا.
حدّث عنه : أخوه
الحسين بن علي بن موسى ، وابن أخيه الحسن بن الحسين بن علي ، وعلي بن أحمد بن
العباس والد النجاشي ، وأبو القاسم علي بن محمد بن علي الخزاز ، والحسين بن عبيد
الله الغضائري ، والمفيد محمد بن محمد بن النعمان ، وهارون بن موسى التلعكبري ،
ومحمد بن طلحة النعالي البغدادي ( من شيوخ الخطيب البغدادي ذكره في تاريخه ) ،
وأبو بكر محمد بن
__________________
أحمد بن علي ،
وآخرون.
وكان من كبار
الفقهاء والمحدّثين ، متكلما ، مؤرخا ، جليل القدر ، بصيرا بالرجال ناقدا للأخبار
، لم ير في القميين مثله في حفظه وكثرة علمه.
وقد وصفه الذهبي
برأس الإمامية ، وقال : يضرب بحفظه المثل.
وكان ورد بغداد
سنة ( ٣٥٢ ه ) ، وسمع منه شيوخ الطائفة وهو حدث السن ، ثمّ زار الكوفة سنة ( ٣٥٤ ه ) ، ثمّ حجّ إلى مكّة ، ثمّ جاء همّدان ، ثمّ
رحل إلى ما وراء النهر.
وكان مكرّما
مبجّلا عند ركن الدولة البويهي ، وقد جرت له مجالس ومناظرات بحضوره.
وكان له في كلّ
أسبوع مجلسان ، يلاملي فيهما أحاديث في مواضيع مختلفة ، وكتابه « الأمالي » فيه (٩٧)
مجلسا ، أوّله في رجب سنة ( ٣٦٧ ه ) ، وآخره في شعبان ( ٣٦٨ ه ).
وكان يرجع إليه
كثير من البلدان في أخذ الأحكام ، كأهل الكوفة والبصرة وبغداد وواسط ، وأهل مصر ،
وأهل قم ونيسابور وقزوين.
__________________
وصنّف نحوا من
ثلاثمائة مصنّف منها : المقنع في الفقه ، مدينة العلم ، علل الشرائع ، المياه ،
الوضوء ، فرائض الصلاة ، مسائل الرضا عليهالسلام ، جامع الحجّ ، الخمس ، الحدود ، تفسير القرآن ، الناسخ
والمنسوخ ، مختصر تفسير القرآن ، فضل المساجد ، الجمعة والجماعة ، المدينة وزيارة
قبر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة عليهمالسلام ، صفات الشيعة ، التاريخ ، جامع أخبار عبد العظيم بن عبد
الله الحسني ، كتاب في زيد بن علي ، المختار بن أبي عبيد ، معاني الأخبار ، عيون
أخبار الرضا ، الخصال ، ذكر المجلس الذي جرى له بين يدي ركن الدولة ، جوابات
المسائل الواردة عليه من البصرة ، جوابات المسائل الواردة عليه من مصر ، جوابات
المسائل الواردة عليه من قزوين ، والتوحيد ، إكمال الدين وإتمام النعمة ، الهداية
في الأصول والفقه ، وكتاب الاعتقادات.
توفّي سنة إحدى
وثمانين وثلاثمائة ، ودفن بالقرب من مرقد عبد العظيم الحسني في ضواحي طهران ،
وقبره معروف يقصده الناس للزيارة والتبرّك.
القرن الخامس
١ ـ الشريف الرّضي
قدسسره ( م سنة ٤٠٦ ه )
٢ ـ الشيخ المفيد (
م سنة ٤١٣ ه )
٣ ـ السيّد
المرتضى ( م سنة ٤٣٦ ه )
٤ ـ ابو الصّلاح
الحلبي ( م سنة ٤٤٧ ه )
٥ ـ سلاّر الديلمي
( م سنة ٤٤٨ ه )
٦ ـ النجاشي ( م
سنة ٤٥٠ ه )
٧ ـ شيخ الطائفة
الطوسي ( م سنة ٤٦٠ ه )
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٥ / ٢٣٤
١٩٧١
الشّريف الرّضيّ
( ٣٥٦ ـ ٤٠٦
ه )
محمد بن الحسين بن
موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق عليهماالسلام ، أبو الحسن العلوي الموسوي ، البغدادي الملقب بالشريف الرضي ، جامع « نهج
البلاغة ».
__________________
ولد ببغداد سنة
تسع وخمسين وثلاثمائة ، وطلب العلم في صغره ، فظهرت عليه أمارات الذكاء ، وابتدأ
بقول الشعر بعد أن جاوز عشر سنين بقليل.
قرأ على الشيخ
المفيد محمد بن محمد بن النعمان ، هو وأخوه المرتضى.
وأخذ النحو والفقه
والحديث وغيرها ، عن جمع من المشايخ ، منهم : أبو سعيد السيرافي النحوي ( المتوفى
٣٦٨ ه ) ، وأبو علي الفارسي النحوي ( المتوفى ٣٧٧ ه ) ، وأبو الفتح عثمان بن
جنّي ، والقاضي عبد الجبار المعتزلي ، والفقيه أبو بكر محمد بن موسى الخوارزمي ،
وأبو القاسم عيسى بن عليّ بن عيسى بن داود الجراح ، وأبو محمد هارون بن موسى
التلعكبري ، وعليّ بن عيسى الرّبعي ، وآخرون.
روى عنه : أحمد بن
الحسين الخزاعي النيسابوري ، وجعفر بن محمد الدوريستي ، والقاضي أحمد بن علي بن
قدامة ، ومحمد بن علي الحلواني ، وآخرون.
وكان من كبار
العلماء والشعراء المفلقين ، متبحّرا في علوم القرآن فقيها ، عارفا بالنحو واللغة
، ذا هيبة وجلالة ، وإباء وشمم.
قال أبو الفرج ابن
الجوزي : كان عالما فاضلا ، وشاعرا مترسّلا ، عفيفا ، عالي الهمّة ، متديّنا ، عرف
من الفقه والفرائض طرفا قويا. وكان سخيّا جوادا.
وقال ابن أبي
الحديد : كان عفيفا ، شريف النفس ، عالي الهمّة ، ملتزما بالدين وقوانينه ، ولم
يقبل من أحد صلة ولا جائزة ، حتى إنّه ردّ صلات أبيه ، وكان لعلوّ همّته تنازعه
نفسه إلى أمور عظيمة ، يجيش بها خاطره ، وينظمها في شعره.
وكان أبو أحمد
الحسين بن موسى والد الرّضي يتولّى نقابة الطالبيين ،
والنظر في المظالم
والحجّ بالناس ، فردّت هذه الأعمال كلّها إلى ولده الرضي في سنة ( ٣٨٨ ه ) وأبوه
حيّ.
وصنّف الرضيّ كتبا
، منها : تعليق خلاف الفقهاء ، مجازات الآثار النبوية ، خصائص الأئمّة ، معاني
القرآن ( قال فيه الذهبي : ممتع ، يدل على سعة علمه ) ، حقائق التنزيل ، الزيادات
في شعر أبي تمام ، الحسن من شعر الحسين ـ يعني ابن الحجاج البغدادي ـ ، أخبار قضاة
بغداد ، وديوان شعره.
وجمع خطب ورسائل
وحكم أمير المؤمنين عليهالسلام في كتاب سمّاه « نهج البلاغة » .
ومن شعر الرضي :
قال يرثي الإمام الحسين عليهالسلام في قصيدة مطلعها :
هذي المنازل
بالغميم ، فنادها
|
|
واسكب سخيّ
العين بعد جمادها
|
ومنها :
ما راقبت غضب
النبي وقد غدا
|
|
زرع النبيّ
مظنّة لحصادها
|
باعت بصائر
دينها بضلالها
|
|
وشرت معاطب
غيّها برشادها
|
جعلت رسول الله
من خصمائها
|
|
فلبئس ما ذخرت
ليوم معادها
|
نسل النبيّ على
صعاب مطيّها
|
|
ودم النبيّ على
رؤوس صعادها
|
__________________
وله :
رمت المعالي
فامتنعن ولم يزل
|
|
أبدا يمانع
عاشقا معشوق
|
فصبرت حتى
نلتهنّ ولم أقل
|
|
ضجرا دواء
الفارك التطليق
|
وله :
دع المرء مطويّا
على ما ذممته
|
|
ولا تنشر الداء
العضال فتندما
|
إذا العضو لم
يؤلمك إلاّ قطعته
|
|
على مض لم تبق
لحما ولا دما
|
ومن لم يوطّن
للصغير من الأذى
|
|
تعرّض أن يلقى
أجلّ وأعظما
|
توفّي أبو الحسن
الرضي ببغداد سنة ست وأربعمائة ، وحضر جنازته الوزير فخر الملك وجميع الأشرف
والقضاة ، ومضى أخوه الشريف المرتضى إلى مشهد الإمام الكاظم عليهالسلام ، لأنّه لم يستطع أن ينظر إلى تابوته ، وكان الرضي قد دفن في داره ، ثم نقل
إلى مشهد الإمام الحسين عليهالسلام.
ورثاه المرتضى
بمراث كثيرة ، منها قوله :
يا للرجل لفجعة
جذمت يدي
|
|
ووددت لو ذهبت
عليّ برأسي
|
ما زلت آبي
وردها حتى أتت
|
|
فحسوتها في بعض
ما أنا حاس
|
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٥ / ٣٣٤
٢٠١٢
الشيخ المفيد
( ٣٣٦ ـ ٤١٣
ه )
محمّد بن محمّد بن
النّعمان بن عبد السّلام الحارثي ، أبو عبد الله العكبري ، البغدادي ، المعروف
بابن المعلّم ، ثم اشتهر بالمفيد.
ولد في سنة ٣٣٦ ،
وقيل : ٣٣٨ ه ، فى قرية « سويقة ابن البصري » ، التابعة لعكبرا على مقربة من
بغداد ، ثم انتقل به أبوه ـ وهو صبي ـ إلى بغداد للتحصيل ،
__________________
فاشتغل بالقراءة
على أبي عبد الله الحسين بن علي المعروف بالجعل ، ثم على أبى ياسر غلام أبي الجيش
، الذي اقترح عليه أن يحضر درس المتكلم الشهير علي بن عيسى الرّمّاني المعتزلي ،
ففعل .
روى المفيد عن
طائفة من كبار المشايخ منهم : القاضي أبو بكر محمد بن عمر الجعابي ، وابو غالب
أحمد بن محمد الزراري ، وأحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد ، وجعفر بن محمد بن
قولويه ، وأبو الحسن علي بن بلال المهلبي ، والشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه ،
ومحمد بن أحمد بن الجنيد الكاتب المعروف بالاسكافي.
وكان شيخ الفقهاء
والمحدّثين في عصره ، مقدّما في علم الكلام ، ماهرا في المناظرة والجدل ، عارفا
بالأخبار والآثار ، كثير الرواية والتصنيف.
وكان له مجلس
بداره بدرب رباح يحضره خلق كثير من العلماء من سائر الطوائف ، فتخرّج به جماعة وبرع في المقالة الإمامية حتى كان يقال : له على كل إمامي
منّة .
قال فيه أبو
العباس النجاشي : استاذنا وشيخنا ، فضله أشهر من أن يوصف ، في الفقه والكلام
والرواية والثقة والعلم.
وقال ابن النديم :
كان دقيق الفطنة ، ماضي الخاطر ، شاهدته فرأيته بارعا.
__________________
وقال اليافعي :
البارع في الكلام والجدل والفقه ، وكان يناظر أهل كل عقيدة مع الجلالة والعظمة في
الدولة البويهية.
وقد برز المفيد من
بين أعلام عصره بفن « المناظرة » التي تعتمد الموضوعية والمنهج والدليل المتفق
عليه سبيلا للاقناع ، ووضوح النتائج ، فخاض ميادين
المناظرة في الإلهيات والمسائل الفقهية ، إلاّ أنّ مناظراته كانت تنصب في الدرجة
الأولى في المسائل الاعتقادية للإمامية ، فكان له الدور البارز في الذبّ عنها
وترويجها ، ولهذا نال منه بعض المنساقين وراء عواطفهم مع إذعانهم لقدراته وقابلياته الفكرية والعلمية.
ويعدّ المفيد أوّل
مّن ألّف ـ من الإمامية ـ في أصول الفقه بشكل موسّع ، وله في هذا المجال رسالة
نقلها تلميذه الكراجكي في كتابه « كنز الفوائد » ، فقد كان الطابع العام للكتب
التي ألفت قبل عصره لا يتعدى أن يكون دراسة لبعض المسائل الأصولية .
وصنّف كتبا كثيرة
ذكر منها النجاشي أسماء (١٧٤) كتابا ، منها : المقنعة في الفقه ، مناسك الحجّ ،
الفرائض الشرعية ، أحكام النساء ، جوابات أهل الدينور ،
__________________
جوابات أبي جعفر
القمي ، جوابات أهل طبرستان ، الرسالة الكافية في الفقه ، الإيضاح في الإمامة ،
الإرشاد ، العيون والمحاسن ، النقض على علي بن عيسى الرماني ، النقض على أبي عبد
الله البصري ، الرد على ابن الأخشيد في الإمامة ، إيمان أبي طالب ، الكلام في وجوه
إعجاز القرآن ، الجمل.
وتفقّه به ، وروى
عنه جماعة ، منهم : الشريفان الرضي والمرتضى ، أبو العباس النجاشي ، أبو جعفر
الطوسي ، أبو يعلى محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري وهو صهره ، القاضي أبو الفتح الكراجكي ، أحمد بن علي بن قدامة ، أبو الفرج المظفر بن
علي بن الحسين الحمداني ، وأبو الحسن علي بن محمد بن عبد الرحمن الفارسي.
وقد جمع المفيد
بالاضافة إلى علمه الجمّ ، فضائل نفسيّة رفيعة ، فكان قويّ النفس ، كثير البرّ ،
عظيم الخشوع عند الصلاة والصوم ، ما كان ينام من الليل إلاّ هجعة ، ثم يقوم يصلي أو يطالع
أو يدرس أو يتلو القرآن .
توفي ببغداد سنة
ثلاث عشرة وأربعمائة ، وكان يوم وفاته يوما مشهودا ، ودفن في داره ، ثم نقل إلى الكاظمية ، فدفن بمقابر قريش ، بالقرب من رجلي
الإمام الجواد عليهالسلام.
ورثاه الشعراء
بمراث كثيرة ، منهم : الشريف المرتضى ، ومهيار الديلمي ،
__________________
وعبد المحسن
الصوري.
وفي عصرنا نظم فيه
الشاعر العراقي الكبير الدكتور السيد مصطفى جمال الدين قصيدة رائعة ، ألقاها في المؤتمر العالمي الذي عقد في قم المقدسة في الذكرى
الألفية لوفاته ، ومطلعها :
جذورك في بغداد
ظامئة سغبى
|
|
وظلك في طهران
يحتضن العربا
|
ومنها :
تمرّ بك الأفهام
غرثى ، فتنثني
|
|
وقد بشمت حتى
دخائلها الغضبى
|
تبادرك «
النظّار » بالرأي ناضجا
|
|
فتجعله فجّا
بأفواههم جشبا
|
وتفجؤهم منك
البديهة بالضحى
|
|
وضوحا ،
وبالسلسال من رقّة شربا
|
وتستافك الدنيا
عبيرا وبيننا
|
|
وبينك ( ألف )
ما سهى العطر ، أو أكبى
|
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٥ / ٢٣٤
١٩١٦
الشريف المرتضى
( ٣٥٥ ـ ٤٣٦
ه )
عليّ بن الحسين بن
موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق عليهماالسلام ، الفقيه الإمامي الكبير ، أبو القاسم العلوي الموسوي ، البغدادي ، الملقّب
بالشريف المرتضى ، وبعلم الهدى.
ولد ببغداد سنة
خمس وخمسين وثلاثمائة.
__________________
وتلمّذ هو وأخوه الشريف
الرضي على الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان.
وروى عن : هارون
بن موسى التلعكبري ، وأبي الحسن علي بن محمد الكاتب ، وأبي القاسم عبيد الله بن
عثمان بن يحيى ، وأحمد بن سهل الديباجي ، وغيرهم.
وكان كثير السّماع
والرواية.
تفقّه به وحمل عنه
العلم والرواية جمع من المشايخ ، منهم : أبو جعفر الطوسي ، وأبو الصلاح تقي بن نجم
الحلبي ، وجعفر بن محمد الدّوريستي ، وأبو الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي ،
وأبو يعلى محمد بن الحسن الجعفري ، وأبو الصمصام ذو الفقار بن معبد الحسني ، وأحمد
بن الحسين الخزاعي ، وأبو الحسن محمد بن محمد البصروي.
وكتب عنه الخطيب
البغدادي.
وكان ثاقب الرأي ،
حاضر الجواب ، غزير العلم ، قديرا في المناظرة والحجاج ، ذا هيبة وجلالة ، وجاه
عريض ، تولّى نقابة الطالبيين وإمارة الحاجّ والنظر في المظالم لأكثر من ثلاثين
سنة.
درّس كثيرا ،
وأفتى ، وناظر ، وصنّف الكثير ، وكانت داره منتجعا لروّاد العلم ، وكان يجري على
تلامذته رزقا.
قال أبو العباس
النجاشي : حاز من العلوم ما لم يدانه فيه أحد في زمانه ،
وسمع من الحديث
فأكثر ، وكان متكلما ، أديبا ، عظيم المنزلة في العلم والدين والدنيا.
وقال ابن خلكان :
كان إماما في علم الكلام والأدب والشعر.
وقال الدكتور عبد
الرزاق محيي الدين : كان من سابقيهم ـ يعني الشيعة ـ دعوة إلى فتح باب الإجتهاد في
الفقه ، وأسبقهم تأليفا في الفقه المقارن ، وأنّه كان واضع الأسس لأصول الفقه
لديهم ، ومجلي الفروق بينها وبين أصول العقائد لدى الشيعة
وسواهم. وأنّه في علم الكلام كان قرن القاضي عبد الجبار رأس المعتزلة ، وإنّه في
جماع ذلك كان يعتبر مجدّد المذهب الشيعي الإمامي.
صنّف الشريف
المرتضى كتبا كثيرة بلغت ـ كما في أعيان الشيعة ـ تسعة وثمانين كتابا ، منها :
الانتصار في الفقه ، الخلاف في أصول الفقه ، جمل العلم والعمل في الفقه والعقائد ،
المسائل الطرابلسية ، المسائل التبانيات ، المسائل المحمديات ، المسائل الجرجانية
، المسائل الطوسية ، المسائل السلارية ، المسائل الدمشقية ، المسائل المصرية ،
الفقه المكي ، تنزيه الأنبياء والأئمّة ، تفسير سورة الحمد وقطعة من سورة البقرة ،
تفسير سورة ( هَلْ أَتى ، ) الشافي في
الإمامة ، الطيف والخيال ، تتبع ابن جنّي ، وغرر الفوائد ودرر القلائد المعروف
بأمالي السيد المرتضى ، قال فيه ابن خلكان : وهو كتاب ممتع يدل على فضل كثير وتوسع
في الإطّلاع على
__________________
العلوم ، وديوان
شعره يزيد على عشرين ألف بيت.
ومن شعره :
قال من قصيدة يرثي
بها الإمام الحسين عليهالسلام :
يا يوم عاشور كم
طأطأت من بصر
|
|
بعد السموّ وكم
أذللت من جيد
|
يا يوم عاشور كم
أطردت لي أملا
|
|
قد كان قبلك
عندي غير مطرود
|
أنت المرنّق
عيشي بعد صفوته
|
|
ومولج البيض من
شيبي على السود
|
جز بالطفوف فكم
فيهن من جبل
|
|
خرّ القضاء به
بين الجلاميد
|
وكم جريح بلا آس
تمزّقه
|
|
إمّا النسور
وإمّا أضبع البيد
|
يا آل أحمد كم
تلوى حقوقكم
|
|
ليّ الغرائب عن
نبت القراديد
|
وكم أراكم
بأجواز الفلا جزرا
|
|
مبدّدين ولكن
أيّ تبديد
|
حسدتم الفضل لم
يحرزه غيركم
|
|
والناس ما بين
محروم ومحسود
|
توفّي سنة ست
وثلاثين وأربعمائة ، ودفن في داره ببغداد ، ثم نقل إلى جوار مشهد الإمام الحسين عليهالسلام.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٥ / ٧٥
١٧٥٨
أبو الصلاح الحلبي
( ٣٧٤ ـ ٤٤٧
ه )
تقيّ بن نجم بن
عبيد الله ، شيخ الإمامية أبو الصلاح الحلبي ، تلميذ الشريف المرتضى.
كان علاّمة في فقه
أهل البيت عليهمالسلام ، متكلما ، جليل القدر ، مصنّفا ، وله فتاوى تبعه عليها
كبار الفقهاء.
ولد سنة أربع
وسبعين وثلاثمائة ، ورحل إلى العراق ثلاث مرات ، وقرأ على الشريف المرتضى ، وعلى
الشيخ الطوسي ، وهو أكبر منه.
__________________
قال يحيى بن أبي
طيء : هو عين علماء الشام ، المشار إليه بالعلم والبيان ، والجمع بين علوم الأديان
وعلوم الأبدان.
وقال الذهبي : ذكر
عنه صلاح وزهد وتقشّف زائد وقناعة مع الحرمة العظيمة والجلالة. وكان من أذكياء
الناس وأفقههم وأكثرهم تفننا.
قرأ على أبي
الصلاح جماعة من الفقهاء ، منهم : القاضي ابن البرّاج الطرابلسي ، والمفيد عبد
الرحمن بن أحمد الخزاعي ، والتواب بن الحسن بن أبي ربيعة الخشاب البصري ، وثابت بن
أسلم بن عبد الوهاب الحلبي ، وآخرون.
وصنّف في الفقه
كتاب البداية ، وكتاب الكافي وبدأه بالمباحث الكلامية وختمه بها ، وهو كتاب مشهور نقل
عنه ابن إدريس في « السرائر » والعلامة الحلي في « المختلف » موارد من فتاواه.
وله تصانيف في
الكلام ، منها : تقريب المعارف ، العمدة المسألة الشافية ، المسألة الكافية ، شرح الذخيرة
للمرتضى ، وشبه الملاحدة ، وغيرها.
توفي بالرملة بعد
رجوعه من الحجّ في المحرم سنة سبع وأربعين وأربعمائة.
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٥ / ١٢٢
١٨٠٢
سلاّر
( ... ـ ٤٤٨
)
حمزة بن عبد
العزيز ، ابو يعلي الدليمي الملّقب بسلاّر وقيل سالار.
وقد اشتهر بلقبه
هذا حتى عرف به.
سكن بغداد ، وتلمذ
على الشيخ المفيد ، ثم على الشريف المرتضى ، واختص به ، وبرع في الفقه ، وغيره.
وكان فقيها ،
أصوليا ، متكلما ، أديبا ، نحويا ، معظّما عند استاذه المرتضى ، وربّما ناب عنه في
تدريس الفقه ببغداد.
وكانا ذا شهرة
واسعة بين الفقهاء.
__________________
قال فيه العلاّمة
الحلي ( المتوفي ٧٢٦ ه ) : شيخنا المقدّم في الفقه والأدب وغيرهما. كان ثقة وجها.
أخذ عن سلاّر
جماعة من الفقهاء والعلماء ، منهم : الحسن بن الحسين بن بابويه جدّ منتجب الدين ،
وعبد الرحمن بن أحمد الخزاعي المعروف بالمفيد النيسابوري ، وعبد الجبار بن عبد
الله بن علي المقرئ الرازي ،
وأبو علي الطوسي
ابن الشيخ أبي جعفر الطوسي ، وأبو الكرم المبارك بن فاخر النحوي ، وغيرهم .
وصنّف عدّة كتب ،
منها : المقنع في المذهب ، التقريب في أصول الفقه ، المسائل السلارية التي سأل
عنها الشريف المرتضى ، الردّ على أبي الحسين البصري في نقض « الشافي » للمرتضى ،
التذكرة في حقيقة الجوهر والعرض ، والمراسم العلوية في الأحكام النبوية.
والكتاب الأخير هو
الكتاب الوحيد الذي وصل إلينا من سائر كتبه ، ويتضمن دورة فقهية كاملة مختصرة ،
وقد يعبّر عنه بالرسالة اختصارا ، وقد طبع عدة مرّات.
توفّي سلاّر سنة
ثمان وأربعين وأربعمائة ، وقيل : ثلاث وستين وأربعمائة.
وذكر عبد الله
أفندي التبريزي أنّ قبره في خسرو شاه من نواحي بريز يزار ، وقد بقي إلى الآن يزوره
العلماء.
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٥ / ٣٥
١٧١٧
النجاشي
( ٣٧٢ ـ ٤٥٠
ه )
أحمد بن علي بن
أحمد بن العباس الأسدي ، العالم الرجالي الكبير أبو العباس النجاشي ، البغدادي ،
قيل : ويعرف بابن الكوفي .
مولده في سنة
اثنتين وسبعين وثلاثمائة.
قرأ القرآن ـ وهو
صغير ـ في مسجد اللؤلؤي ببغداد ، وهو مسجد نفطويه النحوي.
__________________
وطلب العلم في
صباه ، فحضر مجلس التلعكبري ( المتوفى ٣٨٥ ه ) في داره مع إبنه ( أبي جعفر )
والناس يقرؤون عليه.
وسمع أبا المفضل
الشيباني ( المتوفى ٣٨٧ ه ).
وكان بصيرا بعلم
الرجال ، خبيرا به ، ضابطا له.
قال العلامة محمد
مهدي بحر العلوم : هو أحد المشايخ الثقات العدول الأثبات ، من أعظم أركان الجرح
والتعديل وأعلم علماء هذا السبيل.
وقال فيه العلامة
جعفر السبحاني : نقّاد هذا الفنّ ، ومن أجلاّئه وأعيانه ، ومن حاز قصب السبق في
ميدانه.
صنّف كتابا في
الرجال ، روى فيه كتب وأصول طائفة من أعلام الشيعة عن جملة من
المشايخ ، منهم : الشيخ المفيد ، وأحمد بن عبد الواحد البزاز ، وأسد بن إبراهيم بن
كليب الحراني ، وعلي بن شبل بن أسد ، ومحمد بن علي بن شاذان ، وأحمد بن محمد بن
عمر المعروف بابن الجندي ، وابن نوح الشيرافي.
__________________
وقرأ كتبا في
الفقه والحديث والأدب ، منها : كتاب الصلاة الكبير لحريز بن عبد الله ، قرأه على
القاضي محمد بن عثمان النصيبي ، وكتاب الحج لعلي بن عبد الله ابن عمران القرشي ،
قرأه على مصنّفه ، وبعض كتب الشيخ الصدوق ، قرأها على أبيه علي بن أحمد النجاشي ،
وكتاب الصيام لعلي بن الحسن بن فضال ، قرأه على أحمد بن عبد الواحد.
وروى عن الحسين بن
عبيد الله الغضائري ، وله منه إجازة بجميع رواياته ومصنفاته.
وكان متحرّزا في
الرواية عن الضعفاء والمتهمين ، ذا مكانة عند شيوخ عصره.
وهو الذي تولّى ـ مع
الفقيهين أبي يعلى الجعفري وسلاّر ـ غسل الشريف المرتضى.
صنّف كتاب الكوفة
وما فيها من الآثار والفضائل ، وكتاب أنساب بني نصر بن قعين ـ وهم أجداده ـ وأيامهم
وأشعارهم ، وكتاب مختصر الأنوار ومواضع النجوم التي سمّتها العرب ، وكتاب الجمعة
وما ورد فيه من الأعمال.
وروى له الشهيد
الأوّل في « الأربعون حديثا » عدّة أحاديث ( منها الحديث الأربعون وهو حديث طويل )
رواها النجاشي عن الشيخ المفيد ، والحسين الغضائري ، وابن نوح السيرافي ، وأبي
الفرج القناني ، وابن عبدون ، ورواها عنه أبو الصمصام ذو الفقار بن محمد بن معبد
الحسني.
توفي سنة خمسين
وأربعمائة.
وهو من بيت معروف
، فأبوه علي بن أحمد كان من العلماء والمحدّثين ، وكذا جدّه أحمد بن العباس.
أمّا جدّه الأعلى
عبد الله النجاشي ، فكان واليا على الأهواز في زمن المنصور العباسي ، وكتب إلى
الإمام الصادق عليهالسلام يسأله عن كيفية العمل والسيرة مع الرعيّة ، فكتب إليه
رسالة عبد الله النجاشي المعروفة.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٥ / ٢٧٩
١٩٦٢
الشيخ الطوسي
( ٣٨٥ ـ ٤٦٠
ه )
محمد بن الحسن بن
علي ، الشيخ أبو جعفر الطوسي ، المعروف بـ ( شيخ الطائفة ) ، مصنّف « تهذيب
الأحكام » و « الاستبصار » ، وهما من الكتب الأربعة
__________________
عند الإمامية التي
عليها مدار استنباط الأحكام.
ولد في طوس سنة
خمس وثمانين وثلاثمائة ، وارتحل إلى بغداد سنة ثمان وأربعمائة ، واستوطنها ، وأخذ
عن الشيخ المفيد ، ولازمه ، واستفاد منه كثيرا ، ثم لازم ـ بعد وفاة المفيد ( سنة
٤١٣ ه ) ـ الشريف المرتضى ، وحظي بعنايته وتوجيهه لما ظهر عليه من النبوغ والتفوق
، وعيّن له استاذه المرتضى اثني عشر دينارا في كل شهر ، ولما توفي المرتضى ( سنة
٤٣٦ ه ) استقل الطوسي بالزعامة الدينية ، وارتفع شأنه ، وذاع صيته.
روى المترجم عن
طائفة من المشايخ ، منهم : أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله الغضائري ، وأبو عبد
الله أحمد بن عبد الواحد البزار المعروف بابن عبدون ، وأحمد بن محمد بن موسى
المعروف بابن الصلت الأهوازي ، وأبو الحسين علي بن أحمد بن محمد بن أبي جيد القمي
، وأبو القاسم علي بن شبل بن أسد الوكيل ، وأبو الفتح هلال بن محمد الحفار ، وأبو
محمد الحسن بن محمد بن يحيى الفحام السامرائي ، وجعفر بن الحسين بن حسكة القمي.
روى عنه : آدم بن
يونس بن أبي المهاجر النسفي ، وأحمد بن الحسين الخزاعي النيسابوري ، وابنه عبد
الرحمن بن أحمد الخزاعي ، وأبو الخير بركة بن محمد بن بركة الأسدي ، وعبد الجبار
بن عبد الله المقرئ الرازي ، وأبو عبد الله الحسين بن المظفر ابن علي الحمداني ،
والقاضي ابن البرّاج الطرابلسي ، وطائفة.
__________________
وكان الطوسي من
بحور العلم ، متوقّد الذكاء ، عالي الهمّة ، واسع الرواية ، كثير التصنيف ، ازدحم
عليه العلماء والفضلاء ، وحصل له من التلامذة ما لا يحصى كثرة.
قال فيه العلاّمة
الحلي ( المتوفى ٧٢٦ ه ) : شيخ الإمامية ووجههم ورئيس الطائفة ، جليل القدر عظيم
المنزلة ، ثقة ، صدوق ، عارف بالأخبار والرجال والفقه والأصول والكلام والأدب ،
وجميع الفضائل تنسب إليه ، صنّف في كلّ فنون الإسلام ، وهو المهذّب للعقائد في
الأصول والفروع.
وقال الشيخ محمد
أبو زهرة المصري ( أحد كبار علماء السنة ) : كان شيخ الطائفة في عصره غير منازع
وكتبه موسوعات فقهية وعلمية ، وكان مع علمه بفقه الإمامية ، وكونه أكبر رواته على
علم بفقه السنّة ، وله في هذا دراسات مقارنة ، وكان عالما في الأصول على المنهاجين
الإمامي والسنّي.
وقال : لا بدّ أن
نذكر تقديرنا العلمي لذلك العالم العظيم ، ولا يحول بيننا وبين تقديره نزعته
الطائفية أو المذهبية ، فإنّ العالم يقدّر لمزاياه العلمية لا لآرائه ونحلته .
أقول
: شتان بين قول (
أبو زهرة ) هذا في الطوسي وبين قول الذهبي فيه ـ والذي أساء به إلى نفسه : ـ كان
يعدّ من الأذكياء ، لا الأزكياء ( وكل إناء بالذي فيه ينضح ).
وكان الشيخ الطوسي
ـ كما أسلفنا ـ مقيما ببغداد ، وكانت داره منتجعا لروّاد
__________________
العلم ، وبلغ
الأمر من الإكبار له أن جعل له القائم بأمر الله العباسي كرسي الكلام والإفادة.
ولما أورى
السلجوقيون نار الفتنة المذهبية ، وأغروا العوام بالشر ، أحرقت في سنة ( ٤٤٧ ه )
مكتبة الشيعة التي أنشأها أبو نصر سابور بن أردشير وزير بهاء الدولة البويهي ، ثم
توسّعت الفتنة ، فشملت الطوسي نفسه ، فاضطر إلى مغادرة بغداد والهجرة إلى النجف
الأشرف.
قال ابن الأثير (
في حوادث سنة ٤٤٩ ه ) : فيها نهبت دار أبي جعفر الطوسي بالكرخ وهو فقيه الإمامية
، وأخذ ما فيها ، وكان قد فارقها إلى المشهد الغروي.
وفي النجف الأشرف
اشتغل شيخ الطائفة بالتدريس والتأليف والهداية والإرشاد ، ونشر علمه بها ، فصارت
النجف منذ ذلك الوقت وحتى هذا اليوم مركزا للعلم وجامعة كبرى للإمامية ، وقد تخرّج
منها خلال هذه السنين المتطاولة الآلاف من العلماء في الفقه والتفسير والفلسفة
واللغة وغير ذلك.
وللطوسي تصانيف
كثيرة ، منها : المبسوط في فروع الفقه كلها ويشتمل على ثمانين كتابا ، النهاية في
الفقه ، العدّة في أصول الفقه ، الإيجاز في الفرائض ، مسائل ابن البرّاج ، المسائل
الجلية ، المسائل الرازية ، المسائل الدمشقية ، المسائل الحائرية ، تلخيص الشافي
للمرتضى ، الرجال ، فهرست كتب الشيعة وأسماء المصنفين ،
__________________
المفصح في الإمامة
، والخلاف في الأحكام ويسمى ( مسائل الخلاف ) .
وله التبيان في
تفسير القرآن ، وهو لا يزال مفخرء علماء الإمامية .
توفي في النجف
الأشرف في الثاني والعشرين من المحرم سنة ستين وأربعمائة ، ودفن في داره ثم تحوّلت
الدار بعده مسجدا في موضعه اليوم حسب وصيته ، وهو مزار يتبرك به الناس ، ومن أشهر
مساجد النجف.
__________________
القرن السادس
١ ـ أمين الاسلام
الطبرسي ( م سنة ٥٤٨ ه )
٢ ـ ولده صاحب
مكارم الاخلاق ( م سنة ... هـ )
٣ ـ عماد الدين
الطبري ( م سنة ٥٥٤ ه )
٤ ـ الطبرسي صاحب
الإحتجاج ( م سنة ٥٦٠ ـ هـ )
٥ ـ ابن حمزة
الطوسي ( م سنة ٥٦٠ ه )
٦ ـ قطب الدين
الرّاوندي ( م سنة ٥٧٣ ه )
٧ ـ شاذان بن
جبرئيل القمي ( م سنة ٥٨٤ ه )
٨ ـ ابن زهرة
الحلبي ( م سنة ٥٨٥ ه )
٩ ـ سديد الدين
محمود الحمّصي ( م سنة ٥٨٥ ه )
١٠ ـ ابن شهرآشوب
المازندراني ( م سنة ٥٨٨ ه )
١١ ـ محمد بن
إدريس الحلّي ( م سنة ٥٩٨ ه )
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٦ / ٢٢٥
٢٢٦٤
[ أمين الإسلام ]
الطّبرسي
( قبل ٤٧٠
ـ ٥٤٨ ه )
المفسّر الكبير ،
العلاّمة ، الفضل بن الحسن بن الفضل ، أبو علي الطبرسي ، الملقّب بأمين الدين ،
مصنّف « مجمع البيان في تفسير القرآن » المشهور.
مولده في عشر
السبعين وأربعمائة.
روى عن : أبي علي
بن أبي جعفر الطوسي ، وأبي الوفاء عبد الجبار بن عبد الله المقرئ الرازي ، ومحمد
بن الحسين القصبي الجرجاني ، وعبيد الله بن محمد بن الحسين البيهقي ، وعبيد الله
بن الحسن ابن بابويه المعروف بحسكا ، والسيد أبي الحمد مهدي بن نزار الحسيني
القايني ، وآخرين.
__________________
وكان من أجلاّء
علماء الإمامية ، فقيها ، محدّثا ، متبحّرا في التفسير ، عمدة فيه ، محققا ، لغويا
، ذا معرفة بعلوم أخرى.
صنّف في التفسير
كتبا ثلاثة ، هي : مجمع البيان ( طبع في كل من إيران ولبنان في عشرة أجزاء ) ،
الكاف الشاف من كتاب الكشاف ، وجوامع الجامع ( طبع في لبنان في جزءين كبيرين ) ويعبّر
عنه بالوسيط.
وله أيضا ؛
الاختيار في « المقتصد » في النحو لعبد القاهر الجرجاني ، غنية العابد ومنية
الزاهد ، الفائق ، إعلام الورى بأعلام الهدى ( مطبوع ) ، تاج المواليد ، والآداب
الدينية للخزانة المعينة ، وغيرها.
قال أبو الحسن
البيهقي في « تاريخ بيهق » : وتصانيفه ـ يعني تصانيف الطبرسي ـ كثيرة ، والغالب
على تصانيفه الاختيار ، والاختيار أعلى مرتبة من الكتب ، فإنّ اختيار الرجل يدلّ
على عقله ... ثم قال : وفي علوم الحساب والجبر والمقابلة ، كان المشار إليه. وله
أشعار كثيرة أنشأها أيام الصّبا .
وكان أبو علي
الطبرسي قد انتقل من مدينة مشهد إلى بيهق سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة ، ففوّضت إليه
مدرسة باب العراق ، وأقام بيهق إلى حين وفاته.
روى عنه جماعة من
العلماء ، منهم : ولده أبو نصر الحسن ، ومحمد بن علي
__________________
ابن شهر آشوب ،
والسيد شرف شاه بن محمد الحسيني الأفطسي ، وقطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي ،
والسيد فضل الله بن علي الحسني الراوندي ، وشاذان ابن جبرئيل القمي ، وغيرهم.
وقرأ عليه منتجب
الدين ابن بابويه الرازي بعض كتبه ، وقال عنه : ثقة ، فاضل ، ديّن ، عين.
توفّي الطبرسي في
ذي الحجة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة ، وحمل تابوته إلى مشهد فدفن عند مغتسل علي بن
موسى الرضا عليهماالسلام ، وقبره مزار معروف.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٦ / ٧٦
٢١٢٧
الحسن بن الفضل الطبرسي [ صاحب مكارم الأخلاق ]
( ... ـ
... )
الحسن بن المفسّر
الكبير أبي علي الفضل بن الحسن بن الفضل ، رضي الدين أبو نصر الطبرسي ، أحد علماء
الإماميّة.
__________________
أثنى عليه جماعة
من العلماء ووصفه عبد الله أفندي التبريزي في الرّياض بالفقيه المحدّث الجليل.
روى المترجم عن
أبيه الفضل ( المتوفي ٥٤٨ ه ) وروى عنه مهذّب الدين الحسين بن أبي الفرج بن ردّة
النيلي ، وصنّف كتاب « مكارم الاخلاق » المشهور ، ونسب اليه بعضهم كتاب « جامع
الأخبار » وهو باطل وللمترجم إبن محدّث هو أبو الفضل علي بن الحسن له كتاب « مشكاة
الأنوار ».
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٦ / ٢٩١
٢٣٢٤
عماد الدين الطبري
( ... ـ حدود
٥٥٤ ه )
محمد بن أبي
القاسم علي بن محمد بن علي ، أبو جعفر الطبري الآملي الكجي ، المجاور بالمشهد
الغروي ، مصنّف « بشارة المصطفى » المشهور ، ويعرف
__________________
بعماد الدين
الطبري ، وبمحمد بن أبي القاسم.
أختص بالفقيه
المحدث أبي علي الحسن بن أبي جعفر الطوسي ، وأخذ عنه ، وروى عنه كثيرا.
وروى أيضا عن
طائفة من المشايخ ، منهم : الحسن بن الحسين ابن بابويه المعروف بحسكا ، ومحمد بن
أحمد بن شهريار الخازن ، ووالده أبو القاسم علي ، والسيد عمر بن إبراهيم بن حمزة
العلوي الزيدي في سنة ( ٥١٠ ه ) ، وسعيد بن محمد الثقفي ، ومحمد بن علي بن عبد
الصمد التميمي ، والجبار بن علي بن جعفر الرازي المعروف بحدقة ، والحسين بن أحمد
بن خيران البغدادي ، وأبو طالب يحيى بن الحسن الجواني في سنة ( ٥٠٩ ه ) ، وغيرهم.
وكان فقيها إماميا
، محدّثا ، واسع الرواية ، جليل القدر.
روى عنه : عربي بن
مسافر العبادي الحلي ، وقطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي ، وشاذان بن جبرئيل
القمي.
وصنّف كتبا ، منها
: بشارة المصطفى لشيعة المرتضى ، الزهد والتقوى ، الفرج في الأوقات والمخرج بالبينات ،
وشرح مسائل « الذريعة » في أصول الفقه للشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي (
المتوفّى ٤٣٦ ه ).
أقول
: توفّي في حدود
سنة أربع وخمسين وخمسمائة عن سنّ عالية ، لأنّ آخر ما وصلنا من أخباره أنّه حدّث
محمد بن جعفر المشهدي في سنة ثلاث وخمسين.
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٦ / ٢٦
٢٠٧٦
أبو منصور الطبرسي « صاحب الاحتجاج »
( ... ـ نحو
٥٦٠ ه )
أحمد بن علي بن
أبي طالب أبو منصور الطبرسي أحد أجلّة علماء الإماميّة ومصنّف كتاب الإحتجاج
المشهور.
قال الحرّ العاملي
في « أمل الآمال » : عالم فاضل فقيه محدّث ثقة.
روى عن السيد مهدي
أبي حرب نزار الحسيني المرعشي.
وأخذ عنه رشيد
الدين ابن شهر آشوب.
وصنّف عدّة كتب
منها : الإحتجاج على أهل اللّجاج ( مطبوع في جزءين ) الكافي في الفقه ، تاريخ
الأئمة عليهمالسلام ، فضائل الزهراء عليهاالسلام ، مفاخر الطالبيّة ، والصلاة.
وله فتاوى وأقوال
نقلها الفقهاء في كتبهم .
قال الزركلي :
توفّي نحو سنة ستين وخمسمائة.
__________________
موسوعة طبقات الفقهاء
: ٦ / ٢٨٤
٢٣١٨
ابن حمزة [ الطوسي ]
( ... ـ حيا
٥٦٠ ه )
محمد بن علي بن
حمزة ، عماد الدين أبو جعفر الطوسي المشهدي ، المعروف بابن حمزة ، وبأبي جعفر
المتأخر ، لتأخّره عن الشيخ الطوسي ( المتوفّى ٤٦٠ ه ) والمشارك في الاسم والكنية
والنسبة.
كان ابن حمزة من
كبار الفقهاء ، متكلّما ، واعظا.
حدّث عن : محمد بن
الحسين بن جعفر الشوهاني ، نزيل مشهد الرضا عليهالسلام.
وصنّف كتبا ، منها
: الوسيلة إلى نيل الفضيلة ( مطبوع ) ، ثاقب المناقب (
مطبوع ) ، الواسطة ، الرائع في الشرائع ، ومسائل في الفقه.
__________________
وكتابه « الوسيلة
إلى نيل الفضيلة » كتاب فقهي فتوائي ، يشتمل على جميع أبواب الفقه ، وهو على غرار
الرسائل العملية المعروفة في عصرنا ، وقد اعتمد عليه علماء الإمامية ، ونقل عنه
كلّ من تأخّر عن عصر مؤلّفه.
لم تعلم سنة وفاة
ابن حمزة ، لكنّه كان حيا في سنة ستين وخمسمائة وهي سنة تأليفه « ثاقب المناقب ».
ومرقده بكربلاء خارج باب النجف يزار.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٦ / ١١١
٢١٥٩
قطب الدين الراوندي
( ... ـ ٥٧٣
ه )
سعيد بن هبة الله
بن الحسن ، قطب الدين أبو الحسين الراوندي ، أحد أعيان العلماء ومشاهيرهم.
__________________
روى عن طائفة من
العلماء ، منهم : السيد أبو السعادات هبة الله بن علي الشجري ، والمفسر الفضل بن
الحسن الطبرسي ، وعماد الدين محمد بن أبي القاسم علي الطبري ، والحسن بن محمد
الحديقي ، وأبو الفضل عبد الرحيم بن أحمد الشيباني المعروف بابن الاخوة البغدادي ،
والسيدان المرتضى والمجتبى ابنا الداعي ابن القاسم الحسني الرازي ، والسيد أبو
البركات محمد بن إسماعيل الحسين المشهدي ، وأبو جعفر محمد بن علي بن المحسّن
الحلبي ، وأبو جعفر محمد بن المرزبان.
روى عنه : القاضي
أحمد بن علي بن عبد الجبار الطوسي ، وابن شهر آشوب محمد بن علي السروي المازندراني
، وأبو جعفر محمد بن عبد الحميد بن محمود الدعويدار ، ومنتجب الدين علي بن عبيد
الله ابن بابويه الرازي ، وناصر الدين راشد بن إبراهيم البحراني ، وبابويه بن سعد
بن محمد ابن بابويه ، والخليل بن خمرتكين الحلبي ، وأولاده الثلاثة : عماد الدين
علي ، ونصير الدين حسين ، وظهير الدين محمد ، وآخرون.
وكان من أجلّه
فقهاء الإمامية ، محدّثا ، مفسّرا ، متكلّما ، مشاركا في فنون أخرى من العلم ، له
مصنفات كثيرة تبلغ أكثر من خمسين كتابا ، وله أشعار .
فمن كتبه المطبوعة
: فقه القرآن في جزءين ، منهاج البراعة في شرح نهج
__________________
البلاغة ، الخرائج
والجرائح في ثلاثة أجزاء ، سلوة الحزين المعروف بالدعوات ، وقصص الأنبياء.
وله أيضا : المغني
في شرح « النهاية » للطوسي ، تفسير القرآن ، الرائع في الشرائع ، إحكام الأحكام ،
الإغراب في الإعراب ، تهافت الفلاسفة ، مسألة في الخمس ، النيات في جميع العبادات
، ونفثة المصدور وهي منظوماته ، وغير ذلك.
توفي في شوال سنة
ثلاث وسبعين وخمسمائة ، وقبره في صحن السيد فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم عليهالسلام بمدينة قمّ.
موسوعة طبقات الفقهاء
: ٦ / ١١٦
٢١٦٤
شاذان بن جبرئيل
( ... كان
حيّا ٥٨٤ ه )
ابن إسماعيل ،
العالم الإمامي أبو الفضل القمّي نزيل المدينة المنوّرة.
قرأ على ابن شهر
آشوب كتابه « معالم العلماء » وعلى الفقيه السيد محمد بن
__________________
سرايا الحسني
كتابه « كفاية الأثر » للخزّاز.
قرأ عليه : محمد
بن عبد ربه بن علي بن زهرة الحلبي ووالده عبد ربه علي ، ولهما مئة إجازة في سنة (
٥٨٤ ه ) أربع وثمانين وخمسمائة.
وقرأ عليه : محمد
بن جعفر المشهدي كتاب « المفيد في التكليف » للبصروي.
وكان أبو الفضل
فقيها محدّثا جليل القدر.
صنّف كتاب إزاحة
العلّة في معرفة القبلة ، وكتاب تحفة المؤلف الناظم وعمدة المكلّف الصائم ، وكتاب
الفضائل المعروف بالمناقب.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٦ / ٩٥
٢١٤٦
ابن زهرة الحلبي
( ٥١١ ـ ٥٨٥
ه )
حمزة بن علي بن
زهرة بن علي بن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن
__________________
الحسين بن إسحاق
المؤتمن بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد بن
علي أمير المؤمنين ، فقيه حلب وعالمها ونقيبها السيد أبو المكارم الحسيني ، الحلبي
، المعروف بالشريف الطاهر ، مؤلّف « غنية النزوع ».
ولد سنة إحدى عشرة
وخمسمائة في بيت العلم والفقه والسيادة ، وسمع الحديث ،
وتفقّه قبل بلوغه العشرين ، وولي النقابة ، وبرع في الفقه والكلام ، وصنّف فيهما ،
وبعد صيته ، وردّ على المسائل الواردة عليه من بلدان عدّة.
قال ابن العديم :
كان ( أبو المكارم ) شريفا فاضلا ، فقيها من فقهاء الشيعة ومتكلميهم.
وأثنى عليه الطباخ
الحلبي ، وقال : المدرّس المصنّف المجتهد ، صاحب التصانيف الحسنة والأقوال
المشهورة.
سمع من : أبيه علي
، والحسن بن طاهر بن الحسين الصوري ، والحسن بن طارق بن الحسن الحلبي المعروف بابن
وحش ، وأبي الحسن علي بن عبد الله بن أبي جرادة.
وقرأ كتاب «
المقنعة » للشيخ المفيد على أبي منصور الحسن بن منصور النقاش الموصلي ، وكتاب « النهاية
» للشيخ الطوسي على الحسن بن الحسين المعروف بابن الحاجب الحلبي.
__________________
وكان مع تضلّعه في
فقه الإمامية ، عارفا بفقه أهل السنّة.
روى عنه : شاذان
بن جبرئيل القمّي ، وابن أخيه أبو حامد محمد بن عبد الله ابن علي ، ومعين الدين
سالم بن بدران بن علي المازني المصري ، ومحمد بن جعفر المشهدي ، وغيرهم.
وناظر الشريف
إدريس بن الحسن الإدريسي.
وصنّف كتبا منها :
غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع ، مسألة فى تحريم الفقّاع ، مسألة في الرد
على من قال في الدين بالقياس ، جواب الكتاب الوارد من حمص ، الجواب على الكلام
الوارد من ناحية الجبل ، جواب المسائل الواردة من بغداد ، الجواب عمّا ذكره مطران
نصيبين ، نقض شبه الفلاسفة ، قبس الأنوار في نصرة العترة الأخيار ، والنكت في النحو.
توفّي بحلب في رجب
سنة خمس وثمانين وخمسمائة.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٦ / ٣٢٤
٢٣٥٣
سديد الدين الحمّصي
( حدود
٤٨٥ ـ حدود ٥٨٥ ه )
محمود بن علي بن الحسن ، الشيخ المعمّر ، سديد الدين أبو الثناء الرازي ، المعروف
بالحمّصي ، أحد أعلام الإمامية وفقهائها.
أثنى عليه معاصره
الفقيه الكبير ابن إدريس الحلّي في كتابه « السرائر » ، واستشهد بكلامه.
وقال تلميذه منتجب
الدين ابن بابويه الرازي : علاّمة زمانه في الأصولين ، ورع ، ثقة.
أخذ الحمّصي الفقه
عن الحسين بن الفتح الواعظ البكر آبادي.
__________________
وتبحّر في
الأصولين والنظر ، واشتهر وذاع صيته.
ولمّا ورد العراق
عائدا من الحرمين الشريفين في طريقه إلى الرّيّ ، لقيه جماعة من علماء الحلّة منهم
: ورّام بن أبي فراس ، وطلبوا إليه البقاء بين أظهرهم ، وألحّوا في ذلك ، فدخل
مدينتهم ، ولبث فيهم أشهرا ، منشغلا بالمذاكرة والمدارسة ، وأملى عليهم « المنقذ
من التقليد والمرشد إلى التوحيد » المسمّى بالتعليق
العراقي.
قال ابن أبي طيّ :
كان درسه يبلغ ألف سطر ، وما يتروّى ولا يستريح ، كأنّما يقرأ من كتاب .
وقد حضر منتجب
الدين ابن بابويه مجلس درسه سنين ، وسمع أكثر كتبه بقراءة من قرأ عليه.
وأخذ عنه : فخر
الدين الرازي المفسّر ، وورّام بن أبي فراس الحلّي ( المتوفّى ٦٠٥ ه ) ، والسيد
أبو المظفر محمد بن علي بن محمد الحسني الخجندي ، وقرأ عليه كتابه « المنقذ من
التقليد » سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة.
ونقل الفخر الرازي
( المتوفّى ٦٠٦ ه ) كلاما لسديد الدين عند تفسيره لآية المباهلة ، ووصفه بمعلّم
الإثني عشرية.
ولسديد الدين
تصانيف ، منها : التعليق العراقي المذكور ، تعليق أهل الرّيّ ،
__________________
المصادر في أصول
الفقه ، التبيين والتنقيح في التحسين والتقبيح ، بداية الهداية ،
ونقض « الموجز » للنجيب أبي المكارم.
وكان بصيرا باللغة
العربية ، والشعر ، والأخبار ، وأيّام الناس.
لم تؤرّخ وفاته ،
وقد نقل عن « البهجة » لابن طاووس أنّ سديد الدين نزل في أواخر عمره همدان ، فبنى
له الحاجب جمال الدين مدرسة تسمّى بالجمالية في جمادى الأولى سنة ستمائة.
كما أنّ الذهبي
ترجم له في حوادث ووفيات سنة ( ٥٩١ ـ ٦٠٠ ه ) وقال : ورد العراق في هذه الحدود .
أقول
: لكن ابن إدريس في
كتابه « السرائر » الذي فرغ من تأليفه سنة ( ٥٨٩ ه ) يترحّم على المترجم في
المواضع التي ينقل فيها عنه ، ممّا يدلّ على أنّ وفاته كانت قبل هذا التاريخ.
وقد عاش نحوا من
مائة سنة.
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٦ / ٢٨٥
٢٣١٩
ابن شهر آشوب
( ٤٨٨ ـ ٥٨٨
ه )
محمد بن علي بن
شهر آشوب بن أبي نصر بن أبي الجيش ، العالم الربّاني ، أبو جعفر السّروي
المازندراني ، الحافظ ، يلقّب رشيد الدين ، ويعرف بابن شهر آشوب.
ولد في جمادى
الآخرة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة.
وعني بطلب العلم ،
فحفظ القرآن وهو ابن ثماني سنين ، وسمع في صغره من جدّه شهرآشوب ، وروى عن طائفة
من مشايخ الفريقين ، وتفقّه ، وبرع في علوم القرآن والحديث والعربية ، وغيرها ،
وصنّف فيها.
__________________
أخذ عن المتكلّم
أبي سعيد عبد الجليل بن أبي الفتح الرازي.
وروى عن : أبي
الفتاح أحمد بن علي الرازي ، والحسين بن أحمد ابن طحال المقدادي ، والسيد مهدي بن
أبي حرب الحسيني المرعشي ، وعلي بن علي بن عبد الصمد التميمي ، ومحمد بن الحسن
المعروف بالفتال النيسابوري ، وأبي المحاسن مسعود بن علي بن أحمد الصوابي ، والسيد
المنتهى بن أبي زيد عبد الله بن علي الحسيني الكيايكي ، ووالده علي ، والسيد أبي
الرضا فضل الله بن علي الحسني الراوندي ، والمفسر جار الله الزمخشري المعتزلي ،
وأبي عبد الله محمد بن أحمد النطنزي ، وغيرهم.
وكان قد اشتهر
ببلده ( مازندران ) فخافه واليها ، فأمره بالخروج منها ، فهاجر إلى بغداد ، فوعظ
بها ، ولقي قبولا ، وذاع صيته ، ثم انتقل إلى حلب فسكنها ، واشتغل بالتأليف
والتدريس والوعظ إلى أن توفي بها في شعبان سنة ثمان وثمانين وخمسمائة.
قال الصّفدي في
حقّ المترجم : أحد شيوخ الشيعة ، حفظ القرآن وله ثمان سنين ، وبلغ النهاية في أصول
الشيعة ، كان يرحل إليه من البلاد ، ثم تقدّم في علم القرآن والغريب والنحو ، ووعظ
على المنبر أيام المقتفي ببغداد ، فأعجبه ، وخلع عليه.
وقال شمس الدين
محمد بن علي الداوودي المالكي : كان إمام عصره ، وواحد دهره ، والغالب عليه علم
القرآن والحديث. وهو عند الشيعة كالخطيب البغدادي لأهل السنّة في تصانيفه ، في
تعليقات الحديث ورجاله ومراسيله ، ومتّفقه ومفترقه ، إلى غير ذلك من أنواعه ، واسع
العلم ، كثير الفنون.
صنّف ابن شهر آشوب
كتبا ، منها : معالم العلماء ( مطبوع ) ، مائدة القائدة ،
مناقب آل أبي طالب
( مطبوع ) ، الفصول في النحو ، الأسباب والنزول على مذهب آل الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، متشابهات القرآن ومختلفه ( مطبوع ) ، المخزون المكنون في عيون الفنون ،
وغيرها.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٦ / ٢٤٨
٢٢٨٥
محمد بن إدريس الحلّي [ الفاضل العجلي ]
( حدود
٥٤٣ ـ ٥٩٨ ه )
هو محمد بن إدريس
بن أحمد بن إدريس ، وقيل : محمد بن منصور بن
__________________
أحمد بن إدريس ، الفقيه الإمامي أبو عبد الله العجلي ، الحلّي ، مصنّف « السرائر » ويعرف بابن إدريس .
مولده في حدود سنة
ثلاث وأربعين وخمسمائة.
أخذ عن : الفقيه
راشد بن إبراهيم بن إسحاق البحراني ، والسيد شرف شاه ابن محمد الحسيني الأفطسي.
وروى عن : عبد
الله بن جعفر الدرويستي كتب الشيخ المفيد ( المتوفّى ٤١٣ ه ) ، وعن السيد علي بن
إبراهيم العلوي العريضي ، وعربي بن مسافر العبادي الحلي ، والحسين بن هبة الله بن
رطبة السوراوي ، وآخرين.
وكان متبحّرا في
الفقه ، محقّقا ، ناقدا ، متّقد الذهن ، ذا باع طويل في الاستدلال الفقهي والبحث
الأصولي ، باعثا لحركة التجديد فيهما.
وكان يقول : لا
أقلد إلاّ الدليل الواضح ، والبرهان اللائح .
وصفه الذهبي في «
سيره » بالعلاّمة ، رأس الشيعة ، وقال : له بالحلة شهرة كبيرة وتلامذة. وقال في «
تاريخ الإسلام » : كان عديم النظير في علم الفقه ... ، ولم يكن للشيعة في وقته
مثله.
__________________
وقال الفوطي : كان
من فضلاء الشيعة ، والعارف بأصول الشريعة.
وقد تجاوزت شهرة
ابن إدريس حدود مدينته ، وعرف بين علماء الفريقين في عصره ، وتبادل معهم الرسائل
بشأن بحث بعض مسائل الفقه ومناقشتها .
كما تلمّذ عليه
جماعة من العلماء ، منهم : السيد فخار بن معد الموسوي ، ومحمد بن جعفر بن محمد بن
نما الحلي ، وعلي بن يحيى الخيّاط ، والسيد محمد بن عبد الله بن علي بن زهرة
الحسيني الحلبي ، وجعفر بن أحمد بن الحسين بن قمرويه.
وصنّف كتبا ، منها
: السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي ، خلاصة الاستدلال ، مناسك الحجّ ، مختصر تفسير
التبيان للشيخ الطوسي ، وغير ذلك.
توفّي بالحلة سنة
ثمان وتسعين وخمسمائة ، وله بها مرقد كبير معروف.
__________________
القرن السابع
١ ـ رضي الدين ابن
طاوس ( سنة ٦٦٤ ه )
٢ ـ الخواجة نصير
الدين الطوسي ( سنة ٦٧٢ ه )
٣ ـ المحقّق
الحلّي ( سنة ٦٧٦ ه )
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٧ / ١٨٠
٢٥٣٧
ابن طاووس
( ٥٨٩ ـ ٦٦٤
ه )
علي بن موسى بن
جعفر بن محمد الحسني ، العالم الربّاني ، الفقيه الإمامي الزاهد ، السيد رضي الدين
الحلّي ، أشهر أعلام أسرة آل طاووس على كثرة من نبغ فيهم من العلماء والفقهاء.
ولد بالحلّة في
منتصف المحرم سنة تسع وثمانين وخمسمائة ، ونشأ وتعلّم بها باعتناء جدّه لأمّه
ورّام بن أبي فراس ، ووالده موسى ، وأقبل على طلب العلم ، وبذل فيه وسعه ، واشتغل
بالفقه وقرأ فيه وفي أصول الدين كتبا كثيرة ، وسمع وحفظ الكثير ، وبرع حتى بذّ
أقرانه ، وجمع ، وصنّف كثيرا.
روى عن جماعة من
العلماء والفقهاء ، منهم : والده ، وقرأ عليه « المقنعة »
__________________
للشيخ المفيد ، والحسين
بن أحمد السوراوي ، وتاج الدين الحسن بن علي الدربي ، وعلي بن يحيى بن علي الخياط
، وسالم بن محفوظ السوراوي ، وقرأ عليه « التبصرة » وبعض « المنهاج » ، وحيدر بن
محمد بن زيد الحسيني ، ونجيب الدين محمد بن جعفر بن هبة الله بن نما الحلي ، وابن
النجّار البغدادي الشافعي ، وأسعد بن عبد القاهر الأصفهاني ، وغيرهم.
قال فيه الحرّ
العاملي : حاله في العلم والفضل والزهد والعبادة والثقة والفقه والجلالة والورع
أشهر من أن يذكر ، وكان أيضا شاعرا ، أديبا ، منشئا ، بليغا له مصنّفات كثيرة.
وكان ابن طاووس قد
انتقل إلى بغداد في حدود سنة ( ٦٢٥ ه ) ، وأقام بها نحوا من خمس عشرة سنة ، واتصل
بالمستنصر العباسي ، فقرّبه ، وحظي عنده بمنزلة عالية ، وطلبه للفتوى فلم يقبل
تورّعا ، ثم دعاه لتولّي النقابة ، ثم للدخول في الوزارة ، فامتنع وأبى ، وتوثقت
صلاته خلال ذلك بالوزير مؤيد الدين ابن العلقمي ، وأخيه وولده صاحب المخزن.
ثم رجع إلى الحلة
، وكان ذلك ـ كما رجّح بعضهم ـ في أواخر عهد المستنصر ( المتوفّى ٦٤٠ ه ) ، ثم
انتقل إلى النجف الأشرف ، فأقام بها ثلاث سنين.
ثم عاد إلى بغداد
سنة ( ٦٥٢ ه ) ، وتولّى النقابة بها سنة ( ٦٦١ ه ) ، فاستمر إلى أن مات سنة أربع
وستين وستمائة.
روى عنه : يوسف
ابن المطهر الحلّي ، وولده الحسن بن يوسف المعروف بالعلاّمة الحلّي ، والحسن بن
علي بن داود الحلّي ، ويوسف بن حاتم الشامي ، وابن أخيه عبد الكريم بن أحمد ابن
طاووس ، وعلي بن عيسى الإربلي ، وأحمد بن
محمد بن علي العلوي
، ومحمد بن أحمد بن صالح القسّيني ، وآخرون.
وصنّف كتبا كثيرة
في فنون مختلفة ، بلغت حسب إحصاء بعضهم (٤٨) كتابا ، منها :
الأمان من أخطار
الأسفار والأزمان ( مطبوع ) ، الملهوف على قتلى الطفوف ( مطبوع ) ، كشف المحجة
لثمرة المهجة ( مطبوع ) ، الإصطفاء في تواريخ الملوك والخلفاء ، مصباح الزائر
وجناح المسافر ( مطبوع ) ، غياث سلطان الورى لسكان الثرى في قضاء الصلاة عن
الأموات ، مهج الدعوات ومنهج العنايات ( مطبوع ) ، الإقبال بالأعمال الحسنة فيما
يعمل مرة في السنة ( مطبوع ) ، جمال الأسبوع بكمال العمل المشروع ( مطبوع ) ، فرحة
الناظر وبهجة الخواطر ، اليقين ( مطبوع ) ، مسلك المحتاج إلى مناسك الحاج ،
والطرائف في مذهب الطوائف ( مطبوع ) أسمى المؤلف نفسه في هذا الكتاب عبد المحمود
بن داود وافترض أنّه رجل من أهل الذمة يريد البحث في المذاهب الإسلامية بحرّيّة
رأي وتجرّد.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٧ / ٢٤٣
٢٥٨٩
نصير الدين الطوسي
( ٥٩٧ ـ ٦٧٢
ه )
محمد بن محمد بن
الحسن ، الفيلسوف ، المحقّق الخواجة نصير الدين الطوسي ، صاحب التصانيف.
قال تلميذه
العلاّمة الحلّي : كان أفضل أهل زمانه في العلوم العقلية والنقلية ، وله مصنّفات
كثيرة في العلوم الحكمية والأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة ، وكان أشرف من
شاهدناه في الأخلاق.
وقال الصفدي : كان
رأسا في علم الأوائل ، لا سيّما في الأرصاد والمجسطي ، ووصفه بالجود والحلم وحسن
العشرة والدهاء.
__________________
وقال بروكلمان
الألماني : هو أشهر علماء القرن السابع ، واشهر مؤلفيه إطلاقا.
ولد نصير الدين
بطوس سنة سبع وتسعين وخمسمائة.
ودرس علوم اللغة ،
وتفقّه وسمع الحديث ، وشغف بعلم المقالات ، ثم بعلم الكلام وأتقن علوم الرياضيات
وهو في روق شبابه.
وارتحل إلى
نيسابور بعد وفاة والده ، وحضر حلقة كلّ من سراج الدين القمري ، وقطب الدين
السرخسي ، وأبي السعادات الأصبهاني ، وفريد الدين النيسابوري ، وظهر تفوّقه ونبوغه
، وذاع صيته.
سمع من أبيه ،
وأخذ الفقه عنه ، وعن معين الدين سالم بن بدران المصري ، وله منه إجازة برواية «
غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع » لأبي المكارم ابن زهرة ، تاريخها سنة ( ٦٢٩
ه ).
وأخذ عن كمال
الدين موسى بن يونس بن محمد الموصلي الشافعي ( المتوفي ٦٣٩ ه ).
وسمع أيضا من محمد
بن محمد الحمداني القزويني.
وكان نصير الدين
قد سار من نيسابور إلى قهستان ـ عند زحف المغول الأوّل ـ بدعوة من متولّى قهستان ناصر الدين عبد الرحيم بن أبي منصور ،
__________________
فأقام بها معزّزا
، متفرّغا للمطالعة والتأليف.
وبلغ علاء الدين
محمد زعيم الإسماعيلين نزول نصير الدين عند واليه ناصر الدين ، فطلبه منه ، فمضى
به إليه في قلعة ( مبمون در ) ، فاحتفى به الزعيم الإسماعيلي ، واستبقاه لديه
معزّزا مكرّما.
ولما ولي ركن
الدين خورشاه الأمر بعد مقتل أبيه علاء الدين ظلّ الطوسي معه إلى حين استسلام ركن
الدين لهولاكو.
وبحكم حنكة ودهاء
نصير الدين ومقدراته العلمية ، قرّبه هولاكو وعظم محلّه عنده ، فكان يطيعه فيما
يشير به عليه ، فحاول جهده أن يحفظ للإسلام تراثه وعلماءه ، وأن يدفع عنهما ـ ما
استطاع ـ عادية المغول الذين عاثوا في بلاد المسلمين فسادا. ( فكان للمسلمين به
نفع خصوصا الشيعة والعلويين والحكماء وغيرهم ، وكان يبرّهم ويقضي أشغالهم ، ويحمي
أوقافهم ) .
وابتنى بمراغة
قبّة ورصدا عظيما ، واتخذ في ذلك خزانة عظيمة للكتب ، احتوت على أربعمائة ألف
مجلد ، فوفد إليها العلماء من النواحي ، حتى انّ ابن الفوطي صنّف في ذلك كتابا
سمّاه « من صعد الرصد ».
وقد أخذ عن نصير
الدين جماعة من العلماء ، منهم : السيد عبد الكريم بن
__________________
أحمد ابن طاووس
الحلي ، وقطب الدين محمد بن مسعود الشيرازي ، وشهاب الدين أبو بكر الكازروني ،
وأبو الحسن علي بن عمر القزويني الكاتبي ، والحسن بن يوسف المعروف بالعلاّمة
الحلّي ، والحسن بن علي بن داود الحلّي صاحب « الرجال » ، وعبد الرزاق ابن الفوطي
، وغيرهم.
وورد العراق بصحبة
هولاكو ، وزار مدينة الحلّة ، وحضر درس المحقّق جعفر بن الحسن الحلّي ، وناقشه في
مسألة من مسائل القبلة.
وقد صنّف نصير
الدين ما يناهز مائة وأربعة وثمانين مؤلّفا ما بين كتب ورسائل وأجوبة مسائل في
فنون شتى ، منها :
شكل القطاع (
مطبوع ) يقال له تربيع الدائرة ، تحرير أصول اقليدس ، تجريد العقائد ( مطبوع ) يعرف بتجريد الكلام ، التحصيل في النجوم ، المخروطات ، بقاء النفس
بعد بوار البدن ( مطبوع ) ، المقالات الست ( مطبوع ) ، جواهر الفرائد في الفقه ،
الفرائض النصيرية ، آداب المتعلمين ( مطبوع ) ، رسالة في الإمامة ، رسالة في
العصمة ، حل مشكلات الإشارات والتنبيهات لابن سينا ( مطبوع ) ، والتذكرة في علم
الهيئة ( مطبوع ) ، وله شعر كثير بالفارسية.
توفّي ببغداد في
يوم الغدير ثامن عشر ذي الحجة سنة اثنتين وسبعين
__________________
وستمائة ، ودفن في
جوار مرقد الإمامين الكاظمين عليهماالسلام.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٧ / ٥٥
٢٤٢٩
المحقّق الحلّي
( ٦٠٢ ـ ٦٧٦
ه )
جعفر بن الحسن بن
يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي ، شيخ الإمامية ، الفقيه المجتهد ، نجم الدين أبو
القاسم الحلّي ، المشهور بالمحقّق الحلّي ، مؤلّف « شرائع الإسلام » .
ولد بالحلّة سنة
اثنتين وستمائة.
وأخذ العلم عن :
والده الحسن ، ونجيب الدين محمد بن جعفر بن هبة الله بن نما ، والسيد فخار بن معدّ
الموسوي ، ومحمد بن عبد الله بن زهرة الحسيني الحلبي ،
__________________
وسالم بن محفوظ بن
عزيزة بن وشاح ، ومجد الدين علي بن الحسين بن إبراهيم العريضي.
وكان من أعاظم
العلماء فقها ، وأصولا ، وتحقيقا ، وتصنيفا ، ومعرفة بأقوال الفقهاء من الإمامية
ومن المذاهب السنّيّة ، ذا باع طويل في الآداب والبلاغة.
درّس ، وأفتى ،
وإليه انتهت رئاسة الشيعة الإمامية في عصره.
واعتبر رائدا
لحركة التجديد في مناهج البحث الفقهي والأصولي في مدرسة الحلة.
تخرّج به خلق
أبرزهم ابن أخته الحسن بن يوسف ابن المطهر المعروف بالعلاّمة الحلّي ( المتوفّى
٧٢٦ ه ).
قال فيه تلميذه
الفقيه الرجالي ابن داود الحلّي : المحقّق المدقّق الإمام العلاّمة ، واحد عصره ،
كان ألسن أهل زمانه وأقومهم بالحجّة وأسرعهم استحضارا ، قرأت عليه وربّاني صغيرا.
وأخذ عن المحقّق :
عبد الكريم بن أحمد بن موسى ابن طاووس ، وعز الدين الحسن بن أبي طالب اليوسفي
الآبي ، ويحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن ابن سعيد الهذلي ، ومحمد بن أحمد بن صالح
القسّيني ، وابن أخته رضي الدين علي بن يوسف ابن المطهر ، وطومان بن أحمد العاملي
، وأبو جعفر محمد بن علي القاشي ، ومحفوظ بن وشاح بن محمد ، ويوسف بن حاتم العاملي
، والشاعر صفي الدين عبد العزيز بن سرايا الحلّي ، والوزير أبو القاسم بن الوزير
مؤيد الدين ابن العلقمي ، وغيرهم.
وصنّف من الكتب :
١ ـ شرائع الإسلام
في مسائل الحلال والحرام ( مطبوع ) وهو أشهرها ، وقد أصبح محورا للإفادة
والإستفادة والتحقيق والشرح والتعليق منذ أن ألّفه المحقّق إلى اليوم الحاضر .
٢ ـ النافع في
مختصر الشرائع ( مطبوع ) ويقال له أيضا المختصر النافع في مختصر الشرائع
، وقد طبع هذا الكتاب في مصر ، وأقرّ للتدريس في جامعة الأزهر بأمر من وزير
الأوقاف الاستاذ أحمد حسن الباقوري.
٣ ـ المعتبر في
شرح المختصر ( مطبوع ) وهو كتاب فقهي استدلالي مقارن.
٤ ـ نكت النهاية (
مطبوع ) ـ أي النهاية في مجرد الفقه والفتاوى للطوسي ـ.
٥ ـ المسلك في
أصول الدين.
__________________
٦ ـ المعارج في
أصول الفقه ( مطبوع ).
٧ ـ مختصر «
المراسم » لسلاّر بن عبد العزيز الديلمي في الفقه.
٨ ـ نهج الوصول
إلى معرفة الأصول.
٩ ـ رسالة التياسر
في القبلة.
١٠ ـ المسائل
المصرية ( مطبوعة ضمن النهاية ونكتها الذي حقّقته ونشرته مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقمّ ).
١١ ـ المسائل
العزّيّة ، وهي عشرة مسائل كتبها المحقق لعز الدين عبد العزيز.
١٢ ـ اللهنة في
المنطق.
ومن وصايا المحقّق
، وهو يدعو إلى استفراغ الوسع في البحث ، والتثبّت عند إصدار الفتوى ، قال : وأكثر
من التطلّع على الأقوال لتظفر بمزايا الإحتمال ، واستنفض البحث عن مستند المسائل
لتكون على بصيرة في ما تتخيّره.
وقال : إنّك في
حال فتواك مخبر عن ربك ، وناطق بلسان شرعه ، فما أسعدك إن أخذت بالحزم ، وما أخيبك
إن بنيت على الوهم ، فاجعل فهمك تلقاء قوله تعالى : ( وَأَنْ تَقُولُوا
عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ ) وانظر إلى قوله تعالى : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما
أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ
آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ ) وتفطّن كيف قسم الله مستند الحكم إلى القسمين ، فما لم
يتحقّق الإذن
__________________
فانّه مفتر .
وكان المحقّق قد
نظم الشعر في أوائل شبابه ، ثم تركه ، إلاّ ما جاء منه بين الحين والحين مما
تقتضيه المناسبة.
فمن شعره :
يا راقدا
والمنايا غير راقدة
|
|
وغافلا وسهام
اللّيل ترميه
|
بم اغترارك
والأيام مرصدة
|
|
والدهر قد ملأ
الأسماع داعيه
|
أما رأتك الليالي
قبح دخلتها
|
|
وغدرها بالذي
كانت تصافيه
|
رفقا بنفسك يا
مغرور إنّ لها
|
|
يوما تشيب
النواصي من دواهيه
|
توفّي بالحلّة في
ربيع الآخر سنة ست وسبعين وستمائة ، واجتمع لجنازته خلق كثير.
__________________
القرن الثامن
١ ـ العلاّمة
الحلّي ( م سنة ٧٢٦ ه )
٢ ـ ركن الدين
الجرجاني ( م بعد سنة ٧٢٠ ه )
٣ ـ ضياء الدين
الحلي ( م بعد سنة ٧٤٠ ه )
٤ ـ عميد الدين
عبد المطلب ( م سنة ٧٥٤ ه )
٥ ـ فخر المحقّقين
( م سنة ٧٧١ ه )
٦ ـ الشهيد الأوّل
( م سنة ٧٨٦ ه )
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٨ / ٧٧
٢٧١٢
العلاّمة الحلّي
( ٦٤٨ ـ ٧٢٦
ه )
الحسن بن يوسف بن
علي بن المطهر الأسدي ، شيخ الإسلام ، المجتهد الإمامي الكبير ، جمال الدين أبو
منصور المعروف بالعلاّمة الحلّي ، وبآية الله ، وبابن المطهّر.
ولد في شهر رمضان
سنة ثمان وأربعين وستمائة.
__________________
وأخذ عن والده
الفقيه المتكلّم سديد الدين يوسف ، وعن خاله شيخ الإمامية المحقق الحلّي الذي كان
له بمنزلة الأب الشفيق ، فحظي باهتمامه ورعايته ، وأخذ عنه الفقه والأصول وسائر
علوم الشريعة.
ولازم الفيلسوف
نصير الدين الطوسي مدة ، واشتغل عليه في العلوم العقلية ، ومهر فيها.
وقرأ ، وروى عن
جمع من العلماء ، منهم : كمال الدين ابن ميثم البحراني ، وعلي بن موسى ابن طاووس
الحسني ، وأخوه أحمد بن موسى ، ونجيب الدين يحيى ابن أحمد بن يحيى بن الحسن بن
سعيد الهذلي ابن عم المحقق ، ومفيد الدين محمد بن علي بن جهيم الأسدي ، والحسن بن
علي بن سليمان البحراني ، ونجم الدين جعفر بن نجيب الدين محمد بن جعفر ابن نما
الحلّي ، وغيرهم.
كما أخذ عن جماعة
من علماء السنة ، منهم : نجم الدين عمر بن علي الكاتبي القزويني الشافعي المنطقي ،
ومحمد بن محمد بن أحمد الكشي ، الفقيه
__________________
المتكلم ، وجمال
الدين الحسين بن أبان النحوي ، وعز الدين الفاروقي الوسطي ، وتفي الدين عبد الله
بن جعفر بن علي الصباغ الحنفي الكوفي ، وآخرون.
وبرع ، وتقدم وهو
لا يزال في مقتبل عمره على العلماء الفحول ، وفرغ من تصنيفاته الحكمية والكلامية ،
وأخذ في تحرير الفقه قبل أن يكمل له (٢٦) سنة.
ودرّس ، وأفتى ،
وتفرّد بالزعامة ، وأحدثت تصانيفه ومناظراته هزّة ، كان من آثارها تشيّع السلطان
محمد خدابنده أو لجايتو وعدد من الأمراء والعلماء ، وتداول كتبه في المحافل
العلمية تدريسا وشرحا وتعليقا ونقدا ، وازدهار الحركة العلمية في الحلّة
واستقطابها للعلماء من شتى النواحي.
قال فيه معاصره
ابن داود الحلّي : شيخ الطائفة ، وعلاّمة وقته ، وصاحب التحقيق والتدقيق ، كثير
التصانيف ، انتهت رئاسة الإمامية إليه في المعقول والمنقول.
وقال الصفدي :
الإمام العلاّمة ذو الفنون المعتزلي ( كذا قال ) .. عالم الشيعة وفقيههم ، صاحب
التصانيف التي اشتهرت في حياته ... وكان يصنّف وهو راكب ... وكان ريّض الأخلاق ،
مشتهر الذكر ... وكان إماما في الكلام والمعقولات.
وقال ابن حجر في «
لسان الميزان » : عالم الشيعة وإمامهم ومصنّفهم ، وكان آية في الذكاء ... وكان
مشتهر الذكر ، حسن الأخلاق.
روى عن العلاّمة
طائفة ، وقصده العلماء من البلدان للأخذ عنه ، ومن هؤلاء : ولده محمد المعروف بفخر
المحققين ، وزوج اخته مجد الدين أبو الفوارس محمد بن علي ابن الأعرج الحسيني ،
وولدا أبي الفوارس ، عميد الدين عبد المطلب ، وضياء الدين عبد الله ، ومهنا بن
سنان بن عبد الوهّاب الحسيني المدني ، وتاج
الدين محمد بن القاسم
ابن معيّة الحسني ، وركن الدين محمد بن علي بن محمد الجرجاني ، والحسن بن الحسين
السرابشنوي ، وقطب الدين أبو عبد الله محمد بن محمد الرازي المعروف بالقطب
التحتاني ، والحسين بن إبراهيم بن يحيى الأسترآبادي ، والحسين بن علي بن إبراهيم
بن زهرة الحسيني الحلبي ، وأبو المحاسن يوسف بن ناصر الحسيني الغروي المشهدي ،
وعلي بن محمد الرشيدي الآوي.
وكان السلطان
خدابنده قد أمر له ولتلاميذه بمدرسة سيارة تجوب البلدان لنشر العلم.
وللعلاّمة تآليف
كثيرة ، غزيرة بمادتها ، عدّ منها السيد الأمين في « أعيان الشيعة » أكثر من مائة
كتاب ، منها : تذكرة الفقهاء ( مطبوع ) ، إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان ( مطبوع
) ، نهاية الإحكام في معرفة الأحكام ( مطبوع ) ، مختلف الشيعة في أحكام الشريعة (
مطبوع ) ، منتهى المطلب في تحقيق المذهب ( مطبوع ) ذكر فيه جميع مذاهب المسلمين في
الفقه ورجّح ما يعتقده ، تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية ( مطبوع ) ،
مبادئ الوصول إلى علم الأصول ( مطبوع ) ، تهذيب طريق الوصول إلى علم الأصول (
مطبوع ) ، تبصرة المتعلمين في أحكام الدين ( مطبوع ) ، كشف اليقين في فضائل أمير
المؤمنين ( مطبوع ) ، نهج الإيمان في تفسير القرآن ، القول الوجيز في تفسير الكتاب
العزيز ، الأبحاث المفيدة في تحصيل العقيدة ، القواعد والمقاصد في المنطق والطبيعي
والإلهي ، إيضاح التلبيس من كلام الرئيس باحث فيه ابن سينا ، المطالب العلية في
معرفة العربية ، نهاية المرام في علم الكلام ، الدرّ والمرجان في الأحاديث الصحاح
والحسان ، خلاصة
الأقوال في معرفة الرجال ( مطبوع ) ، وشرح « مختصر » ابن الحاجب في أصول الفقه ،
وصفه ابن حجر في « الدرر الكامنة » بأنّه في غاية الحسن في حل ألفاظه وتقريب
معانيه.
وذكر السيد محسن
الأمين العاملي أنّ أوّل من قسم الحديث إلى أقسامه المشهورة من علماء الإمامية هو
العلاّمة الحلّي.
أقول
: بل ذكر أنّ أوّل
من قسّمه هو السيد أحمد بن موسى ابن طاووس ( المتوفى ٦٧٣ ه ) استاذ المترجم له.
وكان تقي الدين
ابن تيمية ( المتوفّى ٧٢٨ ه ) من أشد المتحاملين على العلاّمة ، وصنّف في الردّ
عليه كتابا سمّاه « منهاج السنّة » تورّط فيه بإنكار المسلّمات من فضائل أهل البيت
عليهمالسلام ، وردّ الأحاديث الصحيحة الواردة في حقّهم ، وملأه
بالسّباب والتقوّلات التي يبرأ منها شيعة أهل البيت عليهمالسلام .
__________________
توفي العلاّمة في
مدينة الحلّة في شهر محرّم الحرام سنة ست وعشرين وسبعمائة ، ونقل إلى النجف الأشرف
، فدفن في حجرة عن يمين الداخل إلى حرم أمير المؤمنين عليهالسلام من جهة الشمال ، وقبره ظاهر مزور.
وله وصيّة إلى
ولده محمد أوردها في آخر كتابه « القواعد » نقتطف منها هذه الشّذرات :
عليك باتباع أوامر
الله تعالى ، وفعل ما يرضيه ، واجتناب ما يكرهه ، والإنزجار عن نواهيه ، وقطع
زمانك في تحصيل الكمالات النفسانية ، وصرف أوقاتك في اقتناء الفضائل العلمية ،
والإرتقاء عن حضيض النقصان إلى ذروة الكمال ، والإرتفاع إلى أوج العرفان عن مهبط
الجهّال ، وبذلك المعروف ، ومساعدة الإخوان ، ومقابلة المسيء بالإحسان ، والمحسن
بالإمتنان ... وعليك بحسن الخلق ، فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « إنّكم لن تسعوا الناس بأموالكم ، فسعوهم بأخلاقكم
» ... وعليك بكثرة الإجتهاد في ازدياد العلم والفقه في الدين ، فإنّ أمير المؤمنين
عليهالسلام قال لولده : « تفقّه في الدين ، فإنّ الفقهاء ورثة
الأنبياء ، وإنّ طالب العلم يستغفر له من في السماوات ومن في الأرض ، حتى الطير في
جوّ السماء ، والحوت في البحر ، وإنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضىّ به »
... وعليك بتلاوة القرآن العزيز ، والتفكّر في معانية ، وامتثال أوامره ونواهيه ،
وتتبّع الأخبار النبوية ، والآثار المحمدية ، والبحث عن معانيها ، واستقصاء النظر
فيها.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٨ / ٢١٣
٢٨٢٣
ركن الدين الجرجاني
( ... ـ كان
حيّا ٧٢٠ ه )
محمد بن علي بن
محمد ، ركن الدين الجرجاني الأصل ، الأسترآبادي المولد والمنشأ ثم الحلّي ، ثم
الغروي ، الفقيه الإمامي ، المفسّر.
أخذ عن العلاّمة
الحسن بن يوسف ابن المطهّر الحلّي.
وبرع في علوم
الكلام والمنطق والنحو ، وشارك في علوم أخرى.
وصنّف كتبا كثيرة
، بلغت ـ كما في فهرست تصانيفه الذي كتبه هو بمشهد الإمام علي عليهالسلام ـ ثلاثين كتابا ، منها : روضة المحققين في تفسير القرآن المبين ، الشافي في
الفقه ، الرافع في شرح النافع في الفقه ، غاية البادي في شرح المبادي في أصول الفقه ، اشراق اللاهوت في شرح الياقوت في علم الكلام ،
__________________
الدعامة في
الإمامة ، الدرة البهية في شرح الرسالة الشمسية في المنطق ، المباحث العربية في شرح الكافية الحاجبيّة ، البديع في النحو ،
الرفيع في شرح البديع ، وسيلة النفس إلى حظيرة القدس ، والتبر المسبوك في وصف
الملوك.
وترجم من الفارسية
إلى العربية أكثر رسائل الفيلسوف نصير الدين الطوسي ، ومن ذلك : الفصول الإعتقادية
، الأخلاق الناصرية ، أوصاف الأشراف ، ورسالة الجبر والقدر.
لم نظفر بوفاته ،
لكنه فرغ من كتابة فهرست تصانيفه في المحرم سنة عشرين وسبعمائة ، وكان قد ألّف
كتابه غاية البادي في سنة ( ٦٩٧ ه ) باسم النقيب عميد الدين عبد المطلب بن علي ابن المختار الحسيني.
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٨ / ١١٧
٢٧٤٤
ضياء الدين ابن الأعرج
( بعد ٦٨١
ـ كان حيا ٧٤٠ ه )
عبد الله بن
الفقيه محمد بن علي بن محمد ابن الأعرج الحسيني ، السيد
ضياء الدين الحلّي ، أخو الفقيه المجتهد عميد الدين عبد المطلب ، وهما ابنا أخت
العلاّمة الحلّي.
ولد بعد سنة إحدى
وثمانين وستمائة ، في أسرة علمية جليلة.
وروى عن خاله
العلاّمة الحسن بن يوسف ابن المطهّر الحلّي ( المتوفّى ٧٢٦ ه ) ، وعن ابن خاله
فخر الدين محمد بن العلاّمة الحلّي.
وكان فقيها إماميا
، أصوليا ، متكلّما ، مشهورا.
روى عنه : تاج الدين
محمد بن القاسم ابن معيّة الحسني ( المتوفّى ٧٧٦ ه ) ،
__________________
والشهيد الأوّل
محمد بن مكي العلمي ( المتوفّى ٧٨٦ ه ) ، والحسن بن أيوب الشهير بابن نجم الدين
الأطراوي العاملي.
وصنّف كتاب التحفة
الشمسية في المباحث الكلامية ، وشرح « تهذيب الوصول إلى علم الأصول » للعلاّمة في
أصول الفقه في كتاب سمّاه منية اللبيب في شرح التهذيب ،
فرغ من تأليفه في (١٥) رجب سنة ( ٧٤٠ ه ) بمشهد أمير المؤمنين عليهالسلام بالنجف الأشرف.
لم نظفر بوفاته ، وهو
أصغر من أخيه عبد المطلب ( المتوفّى ٧٥٤ ه ).
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٨ / ١١٨
٢٧٤٥
عميد الدين ابن الأعرج
( ٦٨١ ـ ٧٥٤
ه )
عبد المطلب بن
محمد بن علي بن محمد ابن الأعرج الحسيني ، العالم الربانى ، الإمامي السيد عميد
الدين أبو عبد الله الحلّي ، البغدادي ، ابن أخت العلاّمة الحلّي وتلميذه.
ولد ليلة النصف من
شعبان سنة إحدى وثمانين وستمائة.
وتلمّذ على خاله
العلاّمة الحسن ابن المطهّر ( المتوفّى ٧٢٦ ه ) ، وتفقّه به ، وروى عنه مصنّفاته
، وشرح بعضها.
وروى عن : جدّه
فخر الدين علي ( المتوفّى ٧٠٢ ه ) ، وأبيه مجد الدين أبي الفوارس محمد ، وابن
خاله فخر الدين محمد بن العلاّمة.
وبرع ، وتميّز عن
أقرانه ، وصار من كبار العلماء في الفقه والأصول والكلام ،
__________________
وبلغ درجة
الاجتهاد .
روى عنه : الشهيد
الأوّل محمد بن مكي العاملي ، وتاج الدين محمد بن القاسم ابن معيّة الحسني وانتفع
به كثيرا ، والحسن بن أيوب الشهير بابن نجم الدين الأطراوي العاملي ، وشمس الدين
محمد بن مكي بن محمد بن بزيع كتاب « الفهرست » لمنتجب الدين.
وصنّف كتاب
المباحث العليّة في القواعد المنطقية ، ورسالة المسألة النافعة للمباحث الجامعة
لأقسام الورّاث ( مطبوعة ).
وله شروح على بعض
كتب استاذه العلاّمة ، منها : كنز الفوائد في حل مشكلات « القواعد » في الفقه ،
غاية السؤول في شرح « مبادئ الأصول » في أصول الفقه ، النقول في شرح « تهذيب الوصول إلى علم الأصول » في أصول الفقه ، تبصرة الطالبين في
شرح « نهج المسترشدين » في أصول الدين ، وشرح « أنوار الملكوت في شرح كتاب الياقوت
» في الكلام وكتاب « الياقوت » هو من
__________________
تأليف أبي إسحاق
إبراهيم النوبختي.
توفّي عميد الدين
ببغداد في عاشر شعبان سنة أربع وخمسين وسبعمائة.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٨ / ١٩١
٢٨٠٤
فخر المحقّقين
( ٦٨٢ ـ ٧٧١
ه )
محمد بن العلاّمة
الكبير الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الأسدي ، الفقيه المجتهد فخر الدين أبو
طالب الحلّي ، المشهور بفخر المحقّقين.
ولد بالحلّة في
جمادى الأولى سنة اثنتين وثمانين وستمائة.
وعني به أبوه الذي
ملأ الدنيا ذكره ، واهتمّ بتعليمه ، وأحضره مجالس درسه ، فسمع عليه كتابه « نهاية
الإحكام في معرفة الأحكام » وقرأ عليه كتبا كثيرة.
__________________
ولاحت عليه أمارات
الذكاء ، ونبغ ، وتبحّر في الفقيه وعرف غوامضه ، وبرع في سائر علوم الشريعة ، حتى
نال رتبة الاجتهاد ، وهو لا يزال في مقتبل عمره.
وأقرأ في حياة
أبيه ، وأجاز لجماعة ، ثم تصدّر للتدريس بعد وفاته في سنة ( ٧٢٦ ه ) وخلفه في
مجلسه ببلدته الحلّة ، وتخرّج به جماعة.
روى عنه
الفيروزآبادي اللغوي وقال فيه : علامة الدنيا ، بحر العلوم وطود العلى.
وقال السيد مصطفى
التفريشي : وجه من وجوه هذه الطائفة وثقاتها وفقهائها ، جليل القدر ... حاله في
علو قدره وسمو مرتبته وكثرة علومه أشهر من أن يذكر.
أخذ عنه : الشهيد
الأوّل محمد بن مكي العاملي وقرأ عليه كتابه « إيضاح الفوائد » ، وفخر الدين أحمد
بن عبد الله بن سعيد بن المتوّج البحراني ، ونظام الدين علي بن عبد الحميد النيلي
، والسيد بهاء الدين علي بن عبد الكريم بن عبد الحميد النيلي النجفي ، وزين الدين
علي بن الحسن بن أحمد بن مظاهر ، وقرأ عليه « قواعد الأحكام » و « نهاية الإحكام
في معرفة الأحكام » وهما من تأليف والده العلاّمة.
وقرأ عليه عبد
الكريم بن محمد بن علي ابن الأعرج الحسيني كتابه
__________________
« تحصيل النجاة »
وقرأ عليه تاج أبو سعيد بن الحسين بن محمد الكاشي كتاب « التبصرة » للعلاّمة.
وصنّف كتبا ، منها
: الكافية الوافية في الكلام ، تحصيل النجاة ، مناسك الحجّ ، أجوبة المسائل
الحيدرية ، رسالة الفخرية في النيّة ، ورسالة إرشاد المسترشدين وهداية الطالبين في أصول الدين .
وله شروح على كتب
والده ، منها : إيضاح الفوائد في شرح القواعد ( مطبوع في أربعة أجزاء ) ، حاشية
الإرشاد ، وغاية السؤول في شرح تهذيب الأصول ، وغيرها.
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٨ / ٢٣١
٢٨٣٥
الشهيد الأوّل
( ٧٣٤ ـ ٧٨٦
ه )
محمد بن مكي بن
محمد بن حامد بن أحمد المطلبي ، المجتهد الإمامي العلم ، شمس الدين أبو عبد الله
العاملي الجزّيني النبطي الأصل ، المعروف بالشهيد الأوّل.
ولد في جزّين ( من
قرى جبل عامل بلبنان ) سنة أربع وثلاثين وسبعمائة على المشهور ، وورّخ شمس الدين
الجزري مولده بعد العشرين وسبعمائة.
__________________
ونشأ ، وتعلّم
ببلدته.
وارتحل إلى العراق
، فكان في مدينة الحلة ـ وهي من مراكز العلم المشهورة يومذاك ـ سنة ( ٧٥١ ه ) ،
وأخذ الفقه والأصول والحديث عن كبار المشائخ ، كان من أجلّهم : فخر المحققين محمد
بن العلاّمة الحسن ابن المطهّر الحلّي ، ولازمه وانتفع به كثيرا ، وعميد الدين عبد
المطلب بن محمد ابن الأعرج الحسيني ، وأخوه ضياء الدين عبد الله ابن الأعرج ، وتاج
الدين محمد بن القاسم ابن معيّة الحسني.
كما أخذ وروى عن
طائفة ، منهم : جلال الدين أبو محمد الحسن بن أحمد ابن نجيب الدين محمد ابن نما
الحلّي ، وشمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد ابن أبي المعالي الموسوي ، وأبو
الحسن علي بن أحمد بن طراد المطارآبادي ، ورضي الدين أبو الحسن علي بن أحمد
المزيدي ، وأحمد بن محمد بن إبراهيم ابن زهرة الحلبي ، وعلي بن محمد بن الحسن ابن
زهرة الحلبي ، ومهنا بن سنان بن عبد الوهاب الحسيني المدني.
ويظهر أنّه أقام
بالحلّة إلى سنة ( ٧٥٧ ه ) ، وأتقن الفقه وغيره ، وأقرأ ، وصنّف فيها بعض تصانيفه ،
وسمع ببغداد سنة ( ٧٥٨ ه ) ، وقد زار خلال تواجده بالحلّة كربلاء والمدينة
المنورة.
وعاد إلى بلدته
جزّين ، وأسس بها مدرسة ونشر علمه بها.
واستفاد بدمشق من
قطب الدين محمد بن محمد الرازي ، المتكلّم تلميذ العلاّمة الحلّي ، وحصل منه على
إجازة في سنة ( ٧٦٦ ه ).
__________________
وجاب عدة بلدان
مثل مكة والمدينة وبغداد ودمشق وفلسطين ، وأخذ بها عن نحو أربعين شيخا من علماء
السنّة ، وروى عنهم صحاحهم وكثيرا من مصنفاتهم ، ومن هؤلاء : شمس الدين محمد بن
يوسف القرشي الكرماني البغدادي الشافعي ، وشهاب الدين أبو العباس أحمد بن الحسن
الحنفي النحوي ، وشرف الدين محمد بن بكتاش التستري البغدادي الشافعي ، وقاضي
القضاة عز الدين عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم ابن جماعة الدمشقي المصري ، وشمس
الدين محمد بن عبد الله البغدادي الحنبلي القارئ الحافظ ، والقاضي إبراهيم بن عبد
الرحيم ابن جماعة الشافعي ، وشمس الدين أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن
البغدادي المالكي ، وعبد الصمد بن إبراهيم بن الخليل شيخ دار الحديث ببغداد.
وكان الشهيد
علاّمة في الفقه ، محيطا بدقائقه ، عالما بالأصول ، محدّثا ، أديبا ، شاعرا ، ذا
ذهن سيّال ، وعقلية متفتحة ، ونظر ثاقب.
ولا يجدب
الأفكار مثل تعسّف
|
|
ولا يخصب
الأفكار مثل التفتّح
|
وهو ممن ترك آثارا
واضحة على الفقه الشيعي تجديدا وتطويرا وتنقيحا.
قال فخر المحققين
في حق تلميذه المترجم : الإمام العلاّمة الأعظم ، أفضل علماء العالم.
وقال شمس الدين
الكرماني الشافعي في إجازته له : إمام الأئمّة ،
__________________
صاحب الفضلين ،
مجمع المناقب والكمالات الفاخرة ، جامع علوم الدنيا والآخرة.
وقال شمس الدين
أبو الخير الجزري الشافعي في وصفه : شيخ الشيعة والمجتهد في مذهبهم ، وهو إمام في
الفقه والنحو والقراءة ، صحبني مدة مديدة ، فلم اسمع منه ما يخالف السنّة.
وقال عنه نور
الدين الكركي : شيخنا الإمام ، شيخ الإسلام ، علاّمة المتقدمين ، ورئيس
المتأخرين ، حلاّل المشكلات ، وكشّاف المعضلات ، صاحب التحقيقات الفائقة ،
والتدقيقات الرائقة ، حبر العلماء ، وعلم الفقهاء.
وكان الشهيد يقيم
مددا غير قصيرة في دمشق ، فاتسعت شهرته ، وعظمت مكانته في النفوس ، فالتفوا حوله ،
وأخذوا عنه وتفقّهوا به ، وحضر مجدلسه العلماء من مختلف المذاهب ، وسعى في نشر
التشيّع في جو من التآلف ، ونبذ الخلافات ، وجدّ في التحريض والردّ على أهل البدع (
أمثال محمد اليالوش وأتباعه ).
وكانت له علاقات
وثيقة ومراسلات مع ملك خراسان علي بن المؤيد ،
__________________
يرجع تاريخها إلى
أيام إقامته في العراق. وفي السنوات الأخيرة من عمر الشهيد كتب إليه الملك المذكور
رسالة التمس فيها منه التوجه إلى بلاده ليكون مرجعا للخراسانيين ، فأبى واعتذر له
، ثم صنّف له في مدة سبعة أيام كتاب « اللمعة الدمشقية في فقه الإمامية » وبعث بها
إليه.
وثقل أمر الشهيد
على خصومه ( من المتعصّبين والمبتدعين والنفعيّين ) فتقرّر حبسه في قلعة دمشق ،
فلبث فيها سنة كاملة ، ثم عمل محضر نسبت فيه إليه أقاويل منكرة ، ورفع إلى القاضي
برهان الدين إبراهيم بن عبد الرحيم ابن جماعة ـ وكان ممن يضمر العداوة له ـ فأنفذه
إلى القاضي المالكي ، فعقد مجلسا حضره القضاة وغيرهم ، وأنكر الشهيد التهم الموجهة
إليه ، لكن القاضي أفتى بإباحة دمه.
وقد تفقّه بالشهيد
وروى عنه جماعة ، منهم : أولاده جمال الدين أبو منصور الحسن ، وضياء الدين أبو
القاسم علي ، ورضي الدين أبو طالب محمد ، وابنته الفقيهة أم الحسن فاطمة المعروفة
بست المشائخ ، وزوجته الفقيهة أم علي ، والسيد بدر الدين الحسن بن أيوب الشهير
بابن الأعرج الأطراوي العاملي ، وعبد الرحمن العتائقي ، وأبو عبد الله المقداد بن
عبد الله السيوري الحلي ، وأبو جعفر محمد بن تاج الدين عبد العلي بن نجدة الكركي ،
وشمس الدين محمد بن علي بن موسى ابن الضحاك الشامي ، وشمس الدين أبو عبد الله محمد
بن محمد بن زهرة الحسيني الحلبي ، وعز الدين الحسن بن سليمان بن محمد الحلّي ،
وزين الدين أبو الحسن
__________________
علي بن الحسن بن
محمد الخازن الحائري ، وعز الدين الحسين بن محمد بن هلال الكركي ، وآخرون.
وصنّف كتبا كثيرة
، معظمها في الفقه ، منها : اللمعة الدمشقية ( مطبوع مع شرحه
الروضة البهية في عشرة أجزاء ) ، الدروس الشرعية في فقه الإمامية ( مطبوع ) ، ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة ( مطبوع ) ، البيان في الفقه ( مطبوع ) ،
الرسالة الألفية ( مطبوعة ) في فقه الصلاة ، الرسالة النفلية ( مطبوعة ) ، غاية
المراد في شرح « الإرشاد » للعلاّمة الحلّي ( مطبوع ) ، القواعد والفوائد ( مطبوع ) في الفقه ، تفسير الباقيات الصالحات ( مطبوع ) ، جامع البين من
فوائد الشرحين
__________________
في أصول الفقه (
مخطوط ) ، الأربعون حديثا ( مطبوع ) ، أجوبة مسائل الفاضل المقداد ( مطبوع ) ،
أجوبة مسائل الأطراوي ، والمزار ( مطبوع ).
وقد اعتنى العلماء
بكثير من كتبه الفقهية شرحا وتعليقا وتدريسا.
قتل شهيدا بدمشق
في تاسع جمادى الأولى سنة ست وثمانين وسبعمائة ، ثم صلب ثم أحرق ، وذلك في عهد
السلطان برقوق ونائبه بالشام بيدمر .
__________________
القرن التاسع
١ ـ الفاضل مقداد
السّيوري ( م سنة ٨٢٦ ه )
٢ ـ ابن فهد
الحلّي ( م سنة ٨٤١ ه )
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٩ / ٢٨٤
٣٠٥٦
الفاضل المقداد
( ... ـ ٨٢٦
ه )
المقداد بن عبد
الله بن محمد بن الحسين بن محمد الأسدي ، شرف الدين أبو عبد الله السيوري ، الحلّي ثم النجفي ، المعروف بالفاضل المقداد ،
وبالفاضل السيوري ، أحد أعيان الإمامية.
كان متكلّما
متبحّرا ، وفقيها كبيرا ، ذا معرفة بفنون شتى.
تلمّذ على الفقيه
المتضلّع الشهيد الأوّل محمد بن مكي العاملي ( المتوفّى ٧٨٦ ه ) ، واختص به ،
وأخذ عنه العلم ، وروى عنه ، وسأله عن مسائل
__________________
في الفقه ، فأجاب
عنها شيخه ، فسمّيت تلك المسائل مع أجوبتها بـ « المسائل المقدادية ».
قال الحسن بن راشد
الحلّي في وصف استاذه صاحب الترجمة : كان جهوري الصوت ، ذرب اللسان ، مفوّها في
المقال ، متقنا لعلوم كثيرة ، فقيها ، متكلّما ، أصوليا ، نحويا ، منطقيا ، صنّف
وأجاد.
وقال الحرّ
العاملي : كان عالما ، فاضلا ، متكلّما محقّقا ، مدقّقا.
وكان الفاضل
السيوري قد سكن النجف الأشرف ، وأنشأ بها مدرسة ، وحدّث وأقرأ ، والتفّ حوله الطلبة وتخرّج به جمع من الفقهاء ، وسمع منه
كثير من العلماء ، ومن هؤلاء : أحمد بن محمد بن فهد الحلّي ، وظهير الدين محمد بن
علي بن الحسام العاملي العيناثي ، وزين الدين علي التوليني النحاريري العاملي ،
ومحمد ابن شجاع الأنصاري الحلّي القطّان ، والحسن بن راشد الحلّي ، ورضي الدين عبد
الملك بن إسحاق الفتحاني القمّي ، وعلي بن الحسن بن علاله ،
__________________
والحسن بن علاء
الدين مظفر بن فخر الدين بن نصر الله القمي ، ومحمود بن أمير الحاج المجاور ، وغيرهم.
وللمترجم كتب
كثيرة ، حظي عدد منها باهتمام واعتناء العلماء ، لما يحمله من فوائد وتحقيقات في
المسائل الفقهية ، والمباحث العلمية الكلامية.
فمن كتبه : كنز
العرفان في فقه القرآن ( مطبوع في جزءين ) ، التنقيح الرائع لمختصر الشرائع ( مطبوع في أربعة أجزاء ) ، اللوامع الإلهية في المباحث الكلامية ( مطبوع ) ،
النافع يوم الحشر في شرح « الباب الحادي عشر » للعلاّمة الحلّي ( مطبوع ) ، « نضد القواعد الفقهية على مذهب الإمامية » للشهيد الأوّل ، (
مطبوع ) ، جامع الفوائد في تلخيص « القواعد » المذكور ، نهاية المأمول في شرح «
مبادئ الأصول » في أصول الفقه للعلاّمة الحلّي ، آداب الحجّ ، الأدعية الثلاثون من
أدعية النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة عليهمالسلام ، الأربعون حديثا ، الإعتماد في شرح « واجب الإعتقاد »
للعلاّمة الحلّي ، إرشاد الطالبين في شرح « نهج المسترشدين في أصول الدين »
للعلاّمة الحلّي ( مطبوع ) ، تفسير مغمضات القرآن ، والأنوار الجلالية في شرح «
الفصول النصيرية » في الكلام لنصير الدين الطوسي .
__________________
توفّي الفاضل
المقداد بالمشهد المقدس الغروي ( النجف الأشرف ) في جمادى الآخرة سنة ست وعشرين
وثمانمائة ، ودفن بمقابر المشهد المذكور.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ٩ / ٦٣
٢٨٨٨
ابن فهد الحلّي
( ٧٥٧ ـ ٨٤١
ه )
أحمد بن محمد بن
فهد الأسدي ، جمال الدين أبو العباس الحلّي ، مؤلف « المهذّب البارع ».
كان من أكابر
مجتهدي الإمامية ، متكلّما ، مناظرا ، عالما بالخلاف ، وكان من العلماء الربّانيين
الذين زهدوا في العاجلة ولم يغترّوا بزينتها ، وآثروا الآجلة واطمأنوا لدوام
نعيمها ، فرتعوا في رياض القرب والعرفان ، وكأنّ نصب أعينهم تلك الجنان.
ولد ابن فهد في
مدينة الحلّة سنة سبع وخمسين وسبعمائة.
__________________
وجدّ في طلب العلم
، وسعى سعيا حثيثا في تحصيله ، فأخذ الفقه والحديث وسائر العلوم الشرعية عن جمع من
العلماء ، وقرأ عليهم ، وروى عنهم سماعا وإجازة.
ومن هؤلاء : زين
الدين علي بن الحسن بن الخازن الحائري ، ونظام الدين علي بن محمد بن عبد الحميد
النيلي ، وظهير الدين علي بن يوسف بن عبد الجليل النيلي ، وبهاء الدين علي بن عبد
الكريم بن عبد الحميد الحسيني النيلي النجفي ، والمقداد بن عبد الله السيوري
الحلّي ، وجلال الدين عبد الله بن شرف شاه ، وضياء الدين علي بن الشهيد الأول
محمّد بن مكي العاملي ، وقرأ عليه في ( جزّين ) كتاب « الأربعون حديثا » لوالده
الشهيد ، وجمال الدين محمد بن عبد المطلب ابن الأعرج الحسيني .
وتميّز في الفقه ،
ومهر في علم الكلام وغيره ، ودرّس بالمدرسة الزينية بالحلّة ، والتفّ حوله الطلبة.
وصنّف ، وأفتى ،
وأفاد ، وناظر ، حتى اشتهر اسمه ، وصار فقيه الإمامية في زمانه.
قال ابن الخازن في
حق تلميذه المترجم : الفقيه العالم الورع المخلص الكامل جامع الفضائل.
وقال عبد الله
أفندي التبريزي : العالم الفاضل العلاّمة الفهّامة الثقة الجليل
__________________
الزاهد العابد
الورع العظيم القدر.
وقد تفقّه بابن
فهد وروى عنه طائفة ، منهم : زين الدين علي بن هلال الجزائري ، وأبو القاسم علي بن
علي بن محمد بن طي العاملي ، وعبد السميع بن فياض الأسدي ، والحسن ابن العشرة
الكسرواني الكركي ، ومفلح بن الحسن الصيمري ، والحسين بن راشد القطيفي ، وعلي بن
فضل بن هيكل الحلي ، ومحمد ابن محمد بن الحسن الحولاني العاملي ، والسيد محمد نور
بخش ، وفخر الدين أحمد بن محمد السبعي الذي جمع فتاوى شيخه ، وجمال الدين الحسن بن
الحسين بن مطر الجزائري ، ورضي الدين عبد الملك بن إسحاق القميّ.
وكان قد ناظر
جماعة من علماء أهل السنة بحضور والي العراق اسبند التركماني ، فتغلّب عليهم فصار
ذلك سببا لتشيّع الوالي المذكور ، وجعل السكّة والخطبة باسم أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب والأئمّة الأحد عشر عليهمالسلام.
وللمترجم تصانيف
كثيرة ، أغلبها في الفقه ، أودع فيها أقواله وآراءه التي أصبحت مرجعا علميا
ومستندا للفقهاء.
فمن كتبه : المهذب
البارع في شرح « المختصر النافع » للمحقّق الحلّي ـ ( مطبوع في خمسة أجزاء ) ،
المقتصر من شرح المختصر ( مطبوع ) ـ أي المختصر النافع المذكور ـ ،
التحصين في صفات العارفين من العزلة والخمول
__________________
( مطبوع ) ،
التحرير ، عدة الداعي ونجاح الساعي ( مطبوع ) في آداب الدعاء ، الأدعية والختوم ،
شرح « الألفية » في فقه الصلاة للشهيد الأوّل ، التواريخ الشرعية عن الأئمّة
المهدية.
وله رسائل كثيرة
طبع منها عشر رسائل في كتاب سمّي « الرسائل العشر » ويضمّ : الموجز الحاوي لتحرير الفتاوى ، المحرر في الفتوى ، اللمعة الجلية في
معرفة النية ، مصباح المبتدي وهداية المقتدي ، غاية الإيجاز لخائف الأعواز ،
كفاية.
* * *
__________________
القرن العاشر
١ ـ إبن أبي جمهور
الأحسائي ( م بعد سنة ٩٠١ ه )
٢ ـ المحقّق
الكركي ( م بعد سنة ٩٤٠ ه )
٣ ـ الشهيد الثاني
( م سنة ٩٦٦ ه )
٤ ـ الحسين بن عبد
الصمد الحارثي ( م سنة ٩٨٦ ه )
٥ ـ المقدّس
الأردبيلي ( م سنة ٩٩٣ ه )
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٠ / ٢٤٤
٣٢٥٤
ابن أبي جمهور
( ... ـ حيا
٩٠١ ه )
محمد بن علي بن
إبراهيم بن حسن بن أبي جمهور ، الفقيه الإمامي ، المحدّث ، العارف ، أبو جعفر
الأحسائي ، المعروف بابن أبي جمهور ، مؤلف « غوالي اللآلي ».
قال يوسف البحراني
: كان فاضلا ، مجتهدا ، متكلما.
أخذ عن جماعة من
الفقهاء والعلماء ، وهم : والده زين الدين علي ، وشمس الدين محمد بن كمال الدين
موسى الموسوي الحسيني ، وحرز الدين الأوالي ، وشمس الدين محمد بن أحمد الموسوي
الحسيني ، والحسن بن عبد الكريم الفتال ،
__________________
وزين الدين علي بن
هلال الجزائري ، ووجيه الدين عبد الله بن فتح الله بن عبد الملك بن الفتحان
الكاشاني القمي الواعظ.
وكان قد حجّ في
سنة ( ٨٧٧ ه ) ، وعرّج على بلاد جبل عامل ، فدرس عند زين الدين الجزائري المذكور
شهرا كاملا ، وعاد إلى وطنه ، ثم ارتحل إلى العراق ، فزار مراقد أئمّة أهل البيت عليهمالسلام ، ومنه توجّه إلى خراسان لزيارة مشهد الرضا عليهالسلام ، وفي الطريق صنّف رسالة « زاد المسافرين » ، ثم أقام هناك
في مدينة مشهد المقدسة ، ولم يزل يدأب ويجتهد ، ويتباحث مع السيد محسن الرضوي
وغيره من العلماء في علمي الكلام والفقه ، حتى مهر في العلوم ، وامتلك زمام الجدل
، وانتشر صيته ، وسمع به أهل هراة فقصده أحد كبار علمائها من السنّة ، للمناظرة في
مسألة الإمامة ، فاجتمع به المترجم وناظره في مجالس ثلاثة ، حضرها جمع من الطلبة
والأشراف.
وقصد المترجم مكة
حاجا ، ودخل النجف الأشرف ، وصنّف عند مقامه بها بين سنتي ( ٨٩٤ ـ ٨٩٥ ه ) كتابه
« المنجي » ، ثم عاد إلى مدينة مشهد ، وورد استراباد في سنة ( ٨٩٨ ه ).
وهو في جميع تلك
الأوقات مشتغل بالتدريس والبحث والتصنيف.
قرأ عليه جماعة الفقه
والأصول والحديث وغيرها ، منهم : السيد كمال الدين محسن بن محمد بن علي الرضوي
المشهدي ( المتوفّى ٩٣١ ه ) ، وله منه إجازة ، والسيد شرف الدين محمود بن علاء
الدين الطالقاني ، وله منه إجازة ، ومحمد بن صالح الغروي الحلّي ، وله منه ثلاث
إجازات.
وصنّف نيفا وعشرين
كتابا ، منها : غوالي اللآلي العزيزية في الأحاديث
الدينية ( مطبوع )
في أربعة أجزاء ، درر اللآلي العمادية في الأحاديث الفقهية ، الأقطاب الفقهية على
مذهب الإمامية ( مطبوع ) ، المسالك الجامعية في شرح الرسالة الألفية الشهيدية ،
زاد المسافرين في أصول الدين ، رسالة كاشفة الحال عن أحوال الاستدلال في أصول
الفقه ، مسالك الأفهام في علم الكلام ، المجلي لمرآة المنجي ( مطبوع ) وهو شرح لـ
« مسالك الأفهام » ، كشف البراهين في شرح « زاد المسافرين » ، أسرار الحج ( مطبوع
ضمن كتابه المجلي ) ، مفتاح الفكر لفتح « الباب الحادي عشر » في أصول الدين
للعلاّمة الحلّي ، معين الفكر في شرح « الباب الحادي عشر » ، معين المعين ، رسالة
في مناظرة الملا الهروي ، قبس الاقتداء ( الاهتداء ) في شرائط الإفتاء والاستفتاء.
ثم لم نظفر بتاريخ
وفاته ، لكنّه فرغ من تبييض بعض كتبه في سنة إحدى وتسعمائة ، فما ذكره بعضهم من
أنّه توفّي في سنة ( ٨٧٨ ه ) أو بعدها ليس بصحيح ، كما أنّنا نستبعد جدا أن يكون
المترجم قد مات في سنة ( ٩٤٠ ه ) كما قاله بعض كبار العلماء.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٠ / ١٦٣
٣١٨٧
المحقّق الكركي
( ٨٦٨ ـ ٩٤٠
ه )
علي بن الحسين بن
علي بن محمد بن عبد العالي ، زعيم الإمامية ومفتيها ومروّج مذهبها في عصره ، نور
الدين أبو الحسن الكركي العاملي ، المعروف بالمحقّق الكركي وبالمحقق الثاني ،
ويقال له علي بن عبد العالي اختصارا.
ولد في كرك نوح
سنة ثمان وستين وثمانمائة.
واختصّ بفقيه عصره
زين الدين علي بن هلال الجزائري ، ولازمه أتمّ ملازمة ، وقرأ عليه في
الفقه والأصول والمنطق ، وحمل عنه كثيرا ، وتخرّج به.
وقد أخذ أيضا عن :
شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن داود ابن المؤذن الجزّيني ، وشمس الدين محمد بن
علي بن محمد بن خاتون العاملي ، ومحمد ابن أحمد بن محمد الصهيوني العاملي.
__________________
وقالوا : إنّه روى
عن جعفر بن الحسام ، وأحمد بن الحاج علي العينائيّين العامليّين.
أقول
: لا تصحّ روايته
عن الأوّل ، وفي روايته عن الثاني محلّ نظر ، وذلك لتأخّر طبقته عن طبقتهما ، فابن
المؤذن الجزّيني ( وهو استاذ المترجم ) يروي عن ابن الحاج علي ، وهذا يروي عن ابن
الحسام ، فكيف يروي المترجم عنهما؟
وسافر المحقق إلى
مصر ، وأخذ بها فقه وحديث مذاهب أهل السنّة ، وحضر على كبار علمائهم وحصل منهم على
إجازات ، ومن هؤلاء : أبو يحيى زكريا ابن محمد بن أحمد
الأنصاري ، وعبد الرحمن بن الأبانة الأنصاري وقد قرأ عليه في سنة ( ٩٠٥ ه ).
وسمع على علاء
الدين علي بن يوسف بن أحمد بصروي ( المتوفّى ٩٠٥ ه ) بدمشق معظم مسند الشافعي ،
وصحيح مسلم إلاّ مواضع.
وقصد العراق في
نحو سنة ( ٩٠٩ ه ) ، وأقام بالنجف الأشرف يفيد ويستفيد.
وارتحل إلى إيران
، واتصل بالسلطان إسماعيل الصفوي ، ودخل معه هراة في سنة ( ٩١٦ ه ) فأكرمه
السلطان وعرف قدره ، وعيّن له وظائف كثيرة بالعراق ، فأقام بالنجف ، ودرّس بها
وصنّف.
ثم توجه إلى
أصفهان وقزوين في عهد السلطان طهماسب بن إسماعيل الصفوي ( الذي ولي سنة ٩٣٠ ه ) ،
فعظّمه السلطان غاية التعظيم ، وعيّنه حاكما في الأمور الشرعية لجميع بلاد إيران ،
فشمّر المحقق عن ساعد الجدّ ، وأحسن التدبير
__________________
في القيام بوظائف
المرجعية الدينية ، فأسّس المدارس ، وأفاض العلم ، وأفتى كثيرا ، ونشر الفكر
الإمامي ، وأحيا شعائر الإسلام ، وعيّن وكلاء له لإقامتها في المدن والقرى ، ووضع
الأسس الشرعية الدستورية للدولة الصفوية ، وأصبح صاحب الكلمة المسموعة في إيران.
قال الشهيد الثاني
في حقّ المترجم : الشيخ الإمام المحقّق المنقّح ، نادرة الزمان.
وقال السيد مصطفى
التفريشي : شيخ الطائفة ، وعلاّمة وقته ، وصاحب التحقيق والتدقيق ، كثير العلم
نقيّ الكلام ، جيّد التصانيف ، من أجلاّء هذه الطائفة.
وقد دأب المحقق
على التدريس في حلّه وترحاله ، فأخذ عنه ، وتفقّه به وروى عنه سماعا وإجازة طائفة
من العلماء ، منهم : كمال الدين درويش محمد بن حسن العاملي النّطنزي ، وأحمد بن
محمد بن أبي جامع ، وعلي بن عبد العالي الميسي وولده إبراهيم الميسي ، وزين الدين
الفقعاني ، ونور الدين علي بن عبد الصمد العاملي ، والأمير نعمة الله الحلّي ،
والحسن بن غياث الدين عبد الحميد الأسترابادي ، وبرهان الدين إبراهيم بن علي
الخانيساري الأصفهاني ، وشمس الدين محمد المهدي بن السيد كمال الدين محسن الرضوي
المشهدي ، والقاضي صفي الدين عيسى ، وبابا شيخ علي بن حبيب الله بن
سلطان محمد
__________________
الجوزداني ،
والحسين بن محمد الحر بن محمد بن مكي العاملي.
وله مؤلفات كثيرة
، جلّها رسائل وحواشي ، منها : جامع المقاصد في شرح القواعد ( مطبوع في
١٣ جزءا ) وقد اشتهر هذا الشرح اشتهارا كثيرا واعتمد عليه الفقهاء في أبحاثهم
ومؤلفاتهم ، رسالة في المنع عن تقليد الميت ، رسالة في العصير العنبي ، رسالة
أحكام السلام والتحية ، رسالة في العدالة ، رسالة في صلاة وصوم المسافر ، رسالة في
السهو والشك في الصلاة ، رسالة في الحجّ ، رسالة الأرض المندرسة ، الرسالة
الجعفرية في فقه الصلاة ، رسالة في صيغ العقود والإيقاعات ، رسالة في أقسام
الأرضين ، حاشية على « شرائع الإسلام » للمحقق الحلّي ، حواشي على « إرشاد الأذهان
إلى أحكام الإيمان » للعلاّمة الحلّي ، حاشية على « ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة
» للشهيد الأوّل ، حاشية على « الدروس الشرعية في فقه الإمامية » للشهيد الأوّل ،
ونفحات اللاهوت ، وغير ذلك.
وله فتاوى وأجوبة
مسائل كثيرة.
توفّي بالنجف
الأشرف في شهر ذي الحجة سنة أربعين وتسعمائة.
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٠ / ١٠٤
٣١٤٥
الشهيد الثاني
( ٩١١ ـ ٩٦٦
ه )
زين الدين بن علي
بن أحمد بن جمال الدين الجبعي العاملي ، المعروف بالشهيد الثاني ، أحد أعيان الإمامية وكبار مجتهديهم.
ولد في جبع (
بلبنان ) في شهر شوال سنة إحدى عشرة وتسعمائة.
وقرأ في الفقه
والعربية على والده نور الدين علي إلى أن توفّي ( سنة ٩٢٥ ه ).
وانتقل إلى ميس ،
ولازم زوج خالته علي بن عبد العالي الميسي ما يربو
__________________
على سبع سنوات ،
وقرأ عليه في الفقه ، وانتفع به كثيرا.
ثم ارتحل إلى كرك
نوح ، فقرأ على السيد بدر الدين الحسن بن جعفر الأعرجي الكركي في الأصولين والنحو.
وزار دمشق مرتين ،
وقرأ بها على الفيلسوف محمد بن مكي الدمشقي في الطب والهيئة والفلسفة ، وعلى شمس
الدين محمد بن علي بن محمد بن طولون الحنفي جملة من الصحيحين.
وورد مصر سنة (
٩٤٢ ه ) وقرأ بها على كثير من شيوخ أهل السنّة ، منهم :
شهاب الدين أحمد الرملي
المنوفي الشافعي ( المتوفّى ٩٥٧ ه ) ، وأبو الحسن محمد ابن محمد بن عبد الرحمن
البكري الشافعي ( المتوفّى ٩٥٢ ه ) ، وزين الدين الجرمي المالكي ، وشمس الدين
محمد بن أبي النحاس ، وشمس الدين الديروطي ، وغيرهم.
وأحاط إحاطة واسعة
بمختلف المذاهب الإسلامية في الفقه والحديث والتفسير.
وحجّ ( بعد ان
أقام بمصر ثمانية عشر شهرا ) ، ورجع إلى بلدته جبع ( سنة ٩٤٤ ه ) ، فازدحم عليه
أولو العلم والفضل وظهر من فوائده ما لم يطرق الأسماع ، وفي هذه السنة آنس من نفسه الاجتهاد ، والقدرة على استنباط الأحكام الشرعية
، إلاّ أنّه لم يظهر ذلك حتى عام ( ٩٤٨ ه ).
وسافر إلى بلاد
الروم ، فدخل استانبول ( سنة ٩٥٢ ه ) ، وأقام بها ثلاثة أشهر
__________________
ونصفا ، وجعل
مدرسا للمدرسة النورية ببعلبك ، وقد صنّف هناك رسالة في عشرة فنون ، وجال في البلاد الرومية ، واجتمع بالعلماء.
ثم توجه إلى
العراق لزيارة المراقد الشريفة ، وعاد إلى بلاده ( سنة ٩٥٣ ه ) ، فأقام ببعلبك ،
ودرّس فيها مدّة في المذاهب الخمسة وكثير من الفنون ، وأفتى كل فرقة بما يوافق
مذهبها ، وأظهر براعة لما كان يتمتع به من علم غزير ، ونظر دقيق ، وعقلية منفتحة ،
فانثال عليه العلماء ، وانقادت له النفوس.
وعاد الشهيد
الثاني إلى جبع ، وعكف على التدريس والتأليف ، والحكم بين المتخاصمين ، واشتهرت
فتاواه وآراؤه الفقهية.
قال ابن العودي
الجزّيني في حق شيخه المترجم : بلغ من كل فنّ منتهاه ... وأمّا الفقه فكان قطب
مداره وفلك شموسه وأقماره وكأنّه هوى نجم سعوده في داره ، وأما الحديث فقد مدّ فيه
باعا طويلا ، وذلّل صعاب معانيه تذليلا ، أدأب نفسه في تصحيحه وإبرازه للناس حتى
فشا ... وأما علوم القرآن العزيز وتفاسيره من البسيط والوجيز فقد حصل على فوائدها
وعرف حقائقها ومجازها ، وعلم إطالتها وإيجازها.
وقال السيد مصطفى
التفريشي : وجه من وجوه هذه الطائفة وثقاتها ، كثير الحفظ ، نقيّ الكلام ، له
تلاميذ أجلاّء ، وله كتب نفيسة جيدة.
__________________
تلمّذ عليه جماعة
، وقرأوا عليه في الفقه والأصول والحديث والمنطق والأدب ، منهم : السيد نور الدين
علي بن الحسين جزّيني الشهير بالصائغ ( المتوفّى ٩٨٠ ه ) ، ونور الدين علي بن
الحسين بن محمد بن أبي الحسن الموسوي الجبعي ، وعز الدين الحسين بن عبد الصمد بن
محمد الحارثي الجبعي ( المتوفّى ٩٨٤ ه ) ، ومحمد بن الحسن المشغري العاملي ، ونور
الدين علي بن عبد الصمد بن محمد الحارثي الجبعي ، وبهاء الدين محمد بن علي بن
الحسن العودي الجزّيني ، وأجاز لنصير الدين إبراهيم بن علي بن عبد العالي الميسي ،
والحسن بن نور محمد بن علي الحسيني الشقطي ، وتاج الدين بن هلال الجزائري ، ومحمود
بن محمد بن علي اللاهيجي ، وعز الدين الحسين بن زمعة المدني.
وصنّف كتبا ورسائل
كثيرة ، وشرح بعض الكتب شرحا مزجيا ( ولم يسبقه إلى ذلك أحد من علماء الإمامية ) ، وتفرّد بالتأليف في مواضيع لم يطرقها غيره أو طرقها ولم يستوف الكلام فيها ، وقد عدّ له السيد الأمين العاملي (٧٩) مؤلّفا ، منها : الروضة البهية في
شرح « اللمعة الدمشقية » في الفقه ( مطبوع ) وقد عكف العلماء على شرحه والتعليق
عليه وتدريسه من حين تأليفه إلى هذا الوقت ، روض الجنان في شرح « إرشاد الأذهان » في الفقه ( مطبوع ) ، المقاصد العلية في شرح
__________________
« الرسالة الألفية
» في فقه الصلاة ( مطبوع ) ، مسالك الأفهام إلى « شرائع
الإسلام » في الفقه ( مطبوع ) ، تمهيد القواعد الأصولية والعربية
وصفه مؤلفه بأنّه كتاب واحد في فنه ، البداية في علم الدراية وشرحه ( مطبوعان ) ،
منية المريد في آداب المفيد والمستفيد ( مطبوع ) ، كفاية المحتاج في مناسك الحاج ،
مسكّن الفؤاد عند فقد الأحبة والأولاد ( مطبوع ) ، غنية القاصدين في اصطلاحات
المحدّثين ، رسالة في ميراث الزوجة ( مطبوعة ) ، رسالة في عدم جواز تقليد الأموات
من المجتهدين ، رسالة في حكم صلاة الجمعة حال الغيبة ( مطبوعة ) ، حاشية على «
قواعد الأحكام » في الفقه للعلاّمة الحلّي ، رسالة في تفسير قوله تعالى : (
وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ ، ) رسالة في شرح البسملة ، منظومة في النحو وشرحها ، جوابات
المسائل الهندية ، وجوابات المسائل الشامية ، وله شعر.
قتل المترجم شهيدا
سنة ست وستين وتسعمائة ، وكان قد أمضى السنوات العشر الأخيرة من عمره في خوف
وترقّب ، فقد نشط أعداؤه وحسّاده في مراقبته ورصد تحركاته ، بسبب المكانة المرموقة
التي كان يحتلّها الشهيد في أوساط الأمّة ودوره المتميّز في توعيتها وتعريفها
بمذهب أهل البيت عليهمالسلام.
فتى كان فيه ما
يسرّ صديقه
|
|
على أنّ فيه ما
يسوء الأعاديا
|
قالوا : كتب قاضي
صيدا إلى سلطان الروم أنّه وجد ببلاد الشام مبدع خارج عن المذاهب الأربعة ، فأرسل
السلطان رجلا يطلبه ، فوجده في طريق الحجّ ، وبعد
__________________
أداء الحجّ أخذه
إلى الروم ولكنّه بعد الوصول إلى ساحل البحر قتله ، وأخذ برأسه إلى السلطان فأنكر
عليه ذلك وقتل القاتل.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٠ / ٨٦
٣١٣٤
[ الحسين بن عبد الصمد ]
الحارثي
( ٩١٨ ـ ٩٨٤
ه )
الحسين بن عبد
الصمد بن محمد بن علي الحارثي الهمداني ، عز الدين الجبعي العاملي ، والد العالم
المشهور بهاء الدين العاملي.
ولد في أوّل
المحرم سنة ثمان عشرة وتسعمائة.
وعني بطلب العلم ،
وجدّ في تحصيله حتى بذّ أقرانه ، ومهر في الفقه وفي الحديث وعلومه ، وصارت له يد طولى
في علم الكلام ، واللغة والعلوم الأدبية.
روى عن الفقيه
السيد بدر الدين الحسن بن جعفر الأعرجي الحسيني الكركي.
__________________
وتلمّذ على الشهيد
الثاني زين الدين بن علي العاملي ، ولزمه لزوما شديدا ، وقرأ عليه في الفقه وأصوله
والمنطق وغير ذلك ، وتخرّج به ، وحصل منه على إجازة تاريخها سنة ( ٩٤١ ه ) .
قال الحرّ العاملي
: كان عالما ماهرا محققا مدققا متبحرا جامعا أديبا منشئا شاعرا ، عظيم الشأن جليل
القدر ...
وقال الأفندي
التبريزي : كان فاضلا عالما جليلا أصوليا متكلما فقيها محدثا شاعرا ....
وقد رافق المترجم
أستاذه الشهيد في سفره إلى إسلامبول ( سنة ٩٥٢ ه ) ، فأقاما بها ثلاثة أشهر ونصف
، وتوجها إلى اسكدار ، ثم عادا إلى بعلبك في ١٥ صفر سنة ( ٩٥٣ ه ) بعد أن زارا مشاهد أئمّة أهل البيت عليهمالسلام بالعراق ، وأقاما في بعلبك مدة ، ثم فارقاها إلى بلدتهما (
جبع ).
ثم ارتحل المترجم
بعد شهادة استاذه المذكور ( سنة ٩٦٦ أو ٩٦٥ ه )
__________________
وتشديد الضغوط على
علماء الشيعة إلى أصفهان ، فسمع به السلطان طهماسب
الصفوي ، فأرسل في طلبه ، فلما حضر بين يديه في مقر سلطنته بقزوين ، بجّله غاية
التبجيل ، وفوّض إليه منصب شيخ الإسلام بقزوين ، فأقام بها صلاة الجمعة ، ووعظ ،
ودرّس ، واستمر على ذلك سبع سنين ، ثم نقل إلى مدينة مشهد المقدسة ، فأقام فيها
مدة ، ثم أمره السلطان المذكور بالتوجه إلى هراة ، وكان أكثر أهلها من غير الشيعة
، وأمر حاكم خراسان بأن ينتهي إلى رأي المترجم ولا يخالفه ، فعظمت حرمته ، وتصدى
للوعظ والإرشاد والتدريس ، واشتهر ، فقصده العلماء من الأطراف ، وانتشر به مذهب
أهل البيت عليهمالسلام ، وأقام هناك ثماني سنوات.
ثم حجّ في سنة
ثلاث وثمانين وتسعمائة ، وزار المدينة المنورة ، ثم توجه إلى البحرين ، فسكنها إلى
أن مات بها في الثامن من ربيع الأوّل سنة أربع وثمانين وتسعمائة ، وقبره بها مشهور
مزور.
وكان قد أخذ عن
المترجم جماعة ، وروى عنه آخرون سماعا وإجازة ، منهم : ولده بهاء الدين محمد وقرأ
عليه جملة من الكتب في المعقول والمنقول ، وولده أبو تراب عبد الصمد بن الحسين ،
والحسن بن الشهيد الثاني ، والسيد حسن بن علي ابن شدقم الحسيني المدني ، وشرف
الدين بن إبراهيم الأصفهاني ، وملك علي ، وأبو محمد الشهير ببايزيد البسطامي ،
ومعاني التبريزي ، والسيد محمد باقر ابن محمد الأسترابادي الشهير بالداماد.
__________________
وصنّف عدة كتب ،
منها : شرح « قواعد الأحكام » للعلاّمة الحلّي ، شرح « الألفية » في فقه الصلاة للشهيد الأوّل ، شرح آخر على الألفيه ، فيه
مناقشات مع الشهيدين والمحقق الكركي ، العقد الطهماسبي في الفقه ، حاشية على «
إرشاد الأذهان » في الفقه للعلاّمة الحلّي لم تتم ، الغرر والدرر ، رسالة في
الدراية ( مطبوعة ) ، وصول الأخيار إلى أصول الأخبار في علم الدراية ( مطبوع ) ،
رسالة في عينية صلاة الجمعة ، الرسالة الرضاعية ، رسالة في الاعتقادات الحقّة ،
رسالة في مناظرته مع بعض علماء حلب في مسألة الإمامة ، شرح الأربعين حديثا في
الأخلاق ، تعليقات على « خلاصة الأقوال في معرفة الرجال » للعلاّمة الحلّي ،
وتعليقات على الصحيفة السجادية.
وله فتاوى كثيرة ،
وديوان شعر كبير.
فمن شعره :
ما شممت الورد
إلاّ
|
|
زادني شوقا إليك
|
وإذا ما مال غصن
|
|
خلته يحنو عليك
|
لست تدري ما
الذي قد
|
|
حلّ بي من
مقلتيك
|
إن يكن جسمي
تناءى
|
|
فالحشى باق لديك
|
كل حسن في
البرايا
|
|
فهو منسوب إليك
|
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٠ / ٥٧
٣١١٢
[ المقدّس ] المحقق
الأردبيلي
( ... ـ ٩٩٣
ه )
أحمد بن محمد
الأردبيلي ثم النجفي ، الشهير بالمحقّق وبالمقدّس الأردبيلي ، أحد كبار مجتهدي
علماء الإمامية وربّانييهم.
ولد في أردبيل ،
ونشأ بها.
واستفاد من خاله
الذي كان من كبار العلماء في الفلك والرياضيات .
__________________
وأخذ بشيراز
العلوم العقلية عن جمال الدين محمود تلميذ جلال الدين الدواني.
وارتحل إلى النجف
الأشرف ، وأقام بها ، وأكمل دراسته في الفقه والأصول وغيرهما ، وبرع في العلوم لا
سيما فى الفقه ، حتى بلغ درجة الاجتهاد ، وقد أجازه به السيد علي بن الحسين
الحسيني الصائغ.
قال السيد مصطفى
الحسيني التفريشي في حق المترجم : كان متكلما ، فقيها ، عظيم الشأن ، جليل القدر ،
رفيع المنزلة ، أورع أهل زمانه وأعبدهم وأتقاهم.
وامتاز المترجم
بدقة النظر والتحقيق ، وبأسلوبه الفقهي الخاص ، واستقلاليته في استنباط الأحكام ،
وأصالته الكاملة في التفكير والاجتهاد .
درّس شتى العلوم ،
فأخذ عنه جماعة من العلماء ، منهم : السيد محمد بن علي العاملي صاحب « المدارك » ،
والحسن بن الشهيد الثاني زين الدين العاملي صاحب « المعالم » وكانا من أبرز
تلامذته ، ومحمد بن محمد البلاغي ، وعبد الله بن الحسين التستري ، وعلاّم التفريشي
، وفيض الله بن عبد القاهر التفريشي ، والسيد فضل الله ، ومحمد بن علي بن إبراهيم
الأسترابادي ، وغيرهم.
__________________
وصنّف كتبا ، قال
عنها المجلسي : إنّها في غاية التدقيق والتحقيق ، منها : زبدة البيان في أحكام
القرآن ( مطبوع ) وهو تفسير لآيات الأحكام ، مجمع الفائدة والبرهان في شرح « إرشاد
الأذهان » للعلاّمة الحلّي ( مطبوع ) في اثني عشر جزءا ( وقد شمل معظم أبواب الفقه ) ، حديقة الشيعة ( مطبوع ) ، تعليقات على « قواعد الأحكام في مسائل الحلال والحرام » للعلاّمة
الحلّي ، تعليقات على « تذكرة الفقهاء » للعلاّمة الحلّي ، حاشية على إلهيات « شرح
تجريد العقائد » للقوشجي ( مطبوع ).
وله رسائل
وتعليقات ، منها ( وهي مطبوعة ) : رسالة الخراجية الأولى ، رسالة الخراجية الثانية
، رسالة في أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده الخاص ، رسالة في أصول الدين
بالفارسية ، تعليقة على ما قال الزمخشري من تفسير سورة الكافرون ، تعليقة على ما
قال البيضاوي من تفسير الآية (٧٧) من سورة الحج ، وتعليقة على بحث الإجماع من شرح
العضدي.
توفي بالنجف
الأشرف في صفر سنة ثلاث وتسعين وتسعمائة ودفن في إحدى حجرات الصحن المبارك لمرقد
الإمام علي عليهالسلام.
__________________
القرن الحادي عشر
١ ـ السيد محمد
العاملي صاحب المدارك ( م سنة ١٠٠٩ ه )
٢ ـ حسن بن زين
الدين صاحب المعالم ( م سنة ١٠١١ ه )
٣ ـ عبد الله
التستري ( م سنة ١٠٢١ ه )
٤ ـ الشيخ البهائي
( م سنة ١٠٣١ ه )
٥ ـ محمد أمين
الأسترآبادي ( م ١٠٣٦ ه )
٦ ـ السيد الداماد
( م سنة ١٠٤٠ ه )
٧ ـ سلطان العلماء
( م سنة ١٠٦٤ ه )
٨ ـ الفاضل الجواد
( م سنة ١٠٦٥ ه )
٩ ـ محمد تقي
المجلسي ( م سنة ١٠٧٠ ه )
١٠ ـ الفاضل
التوني ( م سنة ١٠٧١ ه )
١١ ـ ملا محمد
صالح المازندراني ( م سنة ١٠٨٦ ه )
١٢ ـ فخر الدين
الطريحي ( م سنة ١٠٨٧ ه )
١٣ ـ خليل بن
الغازي القزويني ( م سنة ١٠٨٩ ه )
١٤ ـ محمّد مؤمن
السبزواري ( م سنة ١٠٩٠ ه )
١٥ ـ فيض الكاشاني
( م سنة ١٠٩١ ه )
١٦ ـ آغا رضي
القزويني ( م سنة ١٠٩٦ ه )
١٧ ـ آغا حسين
الخوانساري ( م سنة ١٠٩٨ ه )
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١١ / ٢٨٧
٣٥٠٩
صاحب المدارك
( ٩٤٦ ـ ١٠٠٩
ه )
محمد بن علي بن
الحسين بن محمد أبي الحسن الموسوي ، السيد شمس الدين العاملي الجبعي ، صاحب «
مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام » ، أحد أعلام الإمامية.
كان فقيها ، محدثا
، محققا ، جامعا للفنون والعلوم ، زاهدا ، جليل القدر ، وكان شريك خاله الحسن بن الشهيد الثاني في الدرس والأساتذة والمسلك في الأصول والمهاجرة إلى تحصيل
العلم.
ولد سنة ست
وأربعين وتسعمائة.
وتلمّذ على
الفقيهين الكبيرين : والده السيد نور الدين علي ، والسيد علي بن
__________________
الحسين الصائغ
الحسيني الجزيني ، وقرأ عليهما في الفقه والأصول والعربية والمنطق وغيرها ، وتخرّج
بهما.
وارتحل ـ بعد أن
نال قسطا وافرا من العلوم ـ إلى النجف الأشرف للأخذ عن فقيه عصره المحقّق أحمد
الأردبيلي ، ولجودة ذهن المترجم واتساع مداركه ، قرأ على المحقق المذكور من متون
الكتب ماله ارتباط وثيق بالاجتهاد ، ويحتاج إلى البحث والتقرير.
وقرأ أيضا على عبد
الله بن الحسين اليزدي في المعقول ، وقرأ هو عليه في الفقه والحديث.
وعاد إلى بلاده ـ بعد
نحو سنتين أو أكثر بقليل ـ وقد امتلأ وطابه ، وحاز على مرتبة الاجتهاد.
وتصدر للتدريس
والإفادة ، وصنّف في حياة أستاذه المحقّق.
واشتهر ، وصار من
الفقهاء المبرّزين ، المشهورين بالتحقيق وقوة الاستدلال ، ومناقشة الآراء في الفقه
والأصول.
أخذ عنه وتخرّج به
كثيرون ، منهم : السيد إسماعيل بن علي الكفرحوني ، والحسن بن علي الحانيني ، وعبد
السلام بن محمد المشغري جدّ مؤلف « أمل الآمل » لأمّه ، وعبد اللطيف بن علي بن
أحمد بن أبي جامع العاملي ، وعلي بن أحمد بن موسى النباطي النجفي ، وأخوه السيد
علي بن علي بن أبي الحسن ، ومحمد أمين الأسترابادي ، وعلي بن محمد الحرّ المشغري
جدّ مؤلف « أمل الآمل » ، ونجيب الدين علي بن محمد بن مكي الجبيلي الجبعي ، ومحمد
بن الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني ، وعبد النبي بن سعد الجزائري ، ومحمد بن
محمد بن
الحسين الحرّ
العاملي المشغري ، وبهاء الدين علي بن يونس الحسيني التفريشي النجفي ، وغيرهم من
كبار الفقهاء والعلماء.
وصنّف كتبا ، منها
: مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام ( مطبوع في ثمانية أجزاء ) وهو من الكتب
المعتمدة عند الفقهاء ، ويمتاز بمتانة الاستدلال ، نهاية المرام في شرح مختصر
شرائع الإسلام ( مطبوع في جزءين ) ، حاشية على الرسالة « الألفية » في فقه الصلاة
للشهيد الأوّل ، حاشية على « الاستبصار » للطوسي ، حاشية على « تهذيب الأحكام »
للطوسي ، حاشية على « الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية » في الفقه للشهيد
الثاني.
وله جوابات محمد
بن الحسن بن شدقم المدني ثم الهندي ، ومقالة في عدّ الموثقين بتصريح الطوسي في
رجاله.
توفي في شهر ربيع
الأوّل سنة تسع وألف ، ورثاه تلميذه محمد بن الحسن بن الشهيد الثاني بقصيدة طويلة
، منها قوله :
صحبت الشجى ما
دمت في العمر باقيا
|
|
وطلّقت أيام
الهنا واللياليا
|
ورثاه آخرون.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١١ / ٦٨
٣٣٥٥
صاحب المعالم
( ٩٥٩ ـ ١٠١١
ه )
الحسن بن زين
الدين ( الشهيد الثاني ) بن علي بن أحمد ، جمال الدين أبو منصور العاملي الجبعي ،
صاحب « معالم الدين » ، أحد أعلام الإمامية.
ولد بجبع في شهر
رمضان سنة تسع وخمسين وتسعمائة.
وعاش ـ بعد
استشهاد أبيه سنة ( ٩٦٦ ه ) ـ في كنف السيد علي بن الحسين ابن أبي الحسن الموسوي
العاملي ، وأشترك مع ولده السيد محمد في الأخذ
__________________
عنه ، وعن السيد
علي بن الحسين الصائغ الحسيني ، وقرأ عليهما في الفقه والأصول والعربية والمنطق
وغيرها ، وتخرّج بهما.
وأخذ عن أحمد بن
سليمان العاملي النباطي ، وروى عنه.
ثم ارتحل ـ هو
والسيد محمد المذكور ـ إلى النجف الأشرف ، وقصد المحقق أحمد الأردبيلي زعيم
الطائفة الإمامية في عصره ، وقرأ عليه في الفقه وأصوله المباحث والمسائل التي
تتعلق بالاجتهاد ، والتي لأستاذه فيها نظر.
ومكث في النجف نحو
سنتين أو أكثر بقليل ، وعاد إلى بلاده بعد أن برع في العلوم ، وتمكّن من الفقه
وامتلك ناصية الاجتهاد.
وتصدى للتدريس
والإفادة والإفتاء والتصنيف ، وحقق الفقه والأصول والحديث والرجال ، واشتهر وصار
من أعيان علماء عصره.
وقد امتاز بقوة
تحقيقه ، ودقة نظره ، وبمنهجه المعروف في استنباط الأحكام القائم على رؤيته في عدم
حجّية غير الحديث الصحيح والحسن.
وكان أديبا ،
شاعرا.
تلمّذ عليه وروى
عنه كثيرون ، منهم : الحسن بن عبد النبي بن علي النباطي ، والسيد بدر الدين بن
محمد بن محمد بن ناصر الدين الكركي ، والحسن بن علي الحانيني ، وزين العابدين بن
محمد بن أحمد بن سليمان النباطي ، وعبد السلام بن
محمد الحر المشغري
، وعبد اللطيف بن علي بن أبي جامع العاملي ، والسيد نور الدين علي بن علي بن
الحسين بن أبي الحسن الموسوي وهو أخوه لأمّه ، وأحمد بن علي بن سيف الدين
الكفرحوني ، والسيد إسماعيل بن علي الكفرحوني.
وأجاز للسيد نجم
الدين بن محمد الحسيني العاملي ولولديه محمد وعلي إجازة مبسوطة وصفت بأنّها تشتمل
على تحقيقات لا توجد في غيرها.
وصنّف كتاب معالم
الدين وملاذ المجتهدين ، ظهر منه جزءان أحدهما معالم الأصول ( مطبوع ) والثاني
معالم الفقه ( مطبوع ) ، وقد اشتهر كتابه معالم الأصول وعلّقت عليه حواش وشروح
كثيرة ، وصار المعوّل عليه في التدريس لزمن طويل.
وله أيضا : منتقى
الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان ( مطبوع ) في جزءين ، مشكاة القول السديد في
تحقيق معنى الاجتهاد والتقليد ، رسالة الاثنا عشرية في الطهارة والصلاة ، مناسك
الحجّ ، كتاب الإجازات ، التحرير الطاووسي في الرجال ( مطبوع ) ، حاشية على «
مختلف الشيعة على أحكام الشريعة » للعلاّمة الحلّي ، رسالة في المنع من تقليد
الميت ، جواب المسائل المدنيات الأولى والثانية والثالثة ، سأل عنها السيد محمد بن
جويبر المدني ، مجموع جمعه بخطه يحتوي على نفائس الشعر والفوائد له ولغيره ،
وديوان شعره ، وغير ذلك.
توفّي مفتتح
المحرم سنة إحدى عشرة وألف في جبع ، وقبره به معروف.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١١ / ١٦٧
٣٤٢٨
التّستري
( ... ـ ١٠٢١
ه )
عبد الله بن
الحسين التستري ثم النجفي ثم الأصفهاني ، أحد أعيان الإمامية.
أقام في النجف
الأشرف وكربلاء سنوات طويلة ، وتتلمذ على فقيه عصره المقدس أحمد الأردبيلي (
المتوفّى ٩٩٣ ه ) ، وقرأ عليه كثيرا ، وأجيز عنه في إقامة الجمعة والجماعة ونشر
الأحكام الشرعية.
وتميّز ، وصار من
العلماء المعروفين.
ثم توجّه إلى
الحجاز ، فأدى فريضة الحج وزار قبر الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وعرّج على الشام ، فدخل عيناثا ، واستجاز بها الفقيهين :
نعمة الله علي بن أحمد بن
__________________
محمد بن خاتون
العاملي ، وولده أحمد بن نعمة الله ، فأجازا له في شهر محرم سنة ( ٩٨٨ ه ) ،
وأثنيا عليه كثيرا.
وارتحل إلى أصفهان
، ثم نزح عنها إلى مشهد الرضا عليهالسلام ، فأقام به برهة من الزمان ، ولقي هناك السلطان عباس
الأوّل الصفوي ، فأكرمه وبجّله.
وعاد إلى أصفهان
في سنة ( ١٠٠٦ ه ) ، بعد أن أمر السلطان المذكور ببناء مدرسة له فيها ، وفوّض
إليه تدريسها.
فتصدى المترجم
للتدريس ونشر العلم والإفادة ، وعكف على التصنيف والتحقيق في الفقه والأصول
والحديث والرجال ، مع المواظبة على إقامة الجمعة والجماعة ، فنشطت الحركة العلمية
في أصفهان ، وازدانت بكثرة الطالبين لحديث وفقه أهل البيت عليهمالسلام .
ولم يزل أمره في
ارتفاع حتى صار من أكابر علماء الطائفة في عصره ، بل شيخها كما يقول المجلسي
الأوّل.
وكان صواما قوّاما
، زاهدا في الدنيا ، قانعا منها بما يسدّ الرمق.
تلمّذ عليه ، وروى
عنه طائفة ، منهم : ولده حسن علي قرأ عليه في الحديث والفروع والأصول ، ومحمد تقي
المجلسي قرأ عليه كتبا كثيرة في أنواع من الفنون ، والسيد مصطفى التفريشي وانتفع
به كثيرا في الرجال ، والسيد محمد قاسم القهبائي ، والسيد رفيع الدين محمد
النائينى ، وشريف الدين محمد الرويدشتي ،
__________________
وعناية الله
القهبائي ، وخداوردي بن القاسم الأفشاري ، وتاج الدين الحسن بن محمد الأصفاني والد
بهاء الدين محمد المعروف بالفاضل الهندي ، وعلي بن حجة الله الشولستاني النجفي ،
وعماد الدين بن يونس الجزائري ، وغيرهم.
وصنّف كتبا ورسائل
، منها : جامع الفوائد في شرح القواعد لم يتم ، شرح «
إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان » للعلاّمة الحلي لم يتم ، رسالة في تعيين الكعب
، رسالة في الجهر والإخفات في الأوّلين ، رسالة في كفاية مسمّى الجبهة في السجدة ،
رسالة في أنّ الأجير يملك الأجرة بنفس العقد ، رسالة في غسل الجمعة ، رسالة في
تطوع الصوم لمن عليه فرضه ، رسالة في بعض فروع الطلاق الرجعي ، رسالة في العبادات
بالفارسية ، خواص القرآن ، تعليقات على « تهذيب الأحكام » للطوسي ، وتعليقات على «
الاستبصار » للطوسي ، وغير ذلك.
توفّي بأصفهان في
السادس والعشرين من شهر محرم سنة إحدى وعشرين وألف ، وحضر جنازته جمع حافل ، ودفن
إلى جوار السيد إسماعيل بن زيد ، ثم نقل جثمانه بعد مدة إلى كربلاء المقدسة.
والمترجم هو الذي
وقف على كتاب « حل الإشكال في معرفة الرجال » للسيد أحمد بن طاووس الحلي ، ثم جرّد
ما نقله السيد في ذلك الكتاب عن كتاب الضعفاء المنسوب إلى ابن الغضائري وجعله في
رسالة ، والطريق الوحيد إلى كلّ ما ينقل عن ابن الغضائري هي تلك الرّسالة المجرّدة
عن كتاب « حل الإشكال في معرفة الرجال ».
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١١ / ٢٦٢
٣٤٩٤
بهاء الدين العاملي
( ٩٥٣ ـ ١٠٣٠
ه )
محمد بن الحسين بن
عبد الصمد بن محمد بن علي الحارثي الهمداني ، علاّمة البشر ومجدّد دين الأمّة على
رأس القرن الحادي عشر ، بهاء الدين العاملي الجبعي ، نزيل أصفهان.
قال المحبّي
الحنفي : كان أمة مستقلة في الأخذ بأطراف العلوم والتضلّع بدقائق الفنون ، وما أظن
الزمان سمح بمثله ولا جاد بندّه ، وبالجملة فلم تتشنّف الأسماع بأعجب من أخباره.
ولد في شهر ذي
الحجّة سنة ثلاثة وخمسين وتسعمائة ببعلبك.
__________________
وانتقل به أبوه
إلى إيران بعد استشهاد زين الدين العاملي ( سنة ٩٦٦ ه ) فأقام معه في قزوين ،
وتلمّذ عليه في علوم العربية والفقه والأصول والحديث والتفسير إلى أن غادرها أبوه
إلى هراة ، فواصل هو دراسته فيها.
وقد أخذ عن : عبد
العالي بن علي بن عبد العالي الكركي ، وعبد الله بن الحسين اليزدي ، وعلي بن
المذهّب في الرياضيات ، وعماد الدين محمود بن مسعود الشيرازي في الطب ، والقاضي
أفضل القايني ، وأحمد الكجائي الكهدمي.
ومهر في العلوم
الشرعية ، وبرع في الرياضيات والهندسة والفلك ، وصنّف بعض الكتب في عنفوان شبابه ،
ونظم الشعر.
وتقلّد منصب شيخ
الإسلام بأصفهان بعد وفاة والد زوجته علي بن هلال الكركي (
سنة ٩٨٤ ه ) واشتهر ، وذاع صيته.
ثم استعفى عنه ،
فقصد حجّ بيت الله الحرام وزيارة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأهل بيته عليهمالسلام بالمدينة ، ثم رحل رحلة واسعة استغرقت شطرا من عمره ، زار
خلالها بغداد والكاظمية والنجف وكربلاء وسامراء ، ودخل مصر مستخفيا واجتمع مدّة
إقامته بها مع محمد بن محمد بن أبي الحسن علي البكري الشافعي ( المتوفّى ١٠٠٧ ه )
فعرف قدر المترجم.
ثم ارتحل إلى
القدس ولزم فناء المسجد الأقصى ، فألقي في روع رضي الدين يوسف بن أبي اللطف
المقدسي الحنفي أنّه من كبار العلماء ، فتقرّب إليه ،
__________________
وسأله القراءة
عليه ، فقيل بشرط أن يكون ذلك مكتوما ، فقرأ عليه شيئا من الهيئة والهندسة.
ثم سار إلى دمشق ،
ومنها إلى حلب في عهد السلطان مراد بن سليم العثماني ( المتوفّى ١٠٠٣ ه ) ، ولقي
أكابر علماء المذاهب الأخرى ، وجرت له معهم مباحثات ومناظرات أذعنوا له فيها ، فلما سمع بقدومه أهل جبل عامل تواردوا عليه أفواجا ، فخاف أن يظهر أمره ،
فخرج من حلب ميمّما وجهه شطر بلاد إيران ، فقطن أصفهان ، فلما سمع به السلطان عباس
الأوّل الصفوي أكرمه وأدناه ، وحلّ عنده بالمحلّ الرفيع.
وهناك شمّر عن
ساعد الجدّ ، فبحث وصنّف ، وأفاد ودرّس في شتى الفنون ، وانثال عليه العلماء
والمتعلمون ، لما امتاز به من غزارة في العلم ، وعمق في النظر ، وإنصاف في البحث ،
وانفتاح على الرؤى والأفكار المختلفة ، ورفض للجمود والتقليد.
ولم يزل أمره في
ارتفاع ، حتى انتهت إليه رئاسة الإمامية في عصره.
وقد تلمذ عليه
وروى عنه سماعا وإجازة طائفة ، منهم : مراد بن علي خان التفريشي القمي ، وحسام
الدين محمود بن درويش علي الحلي النجفي ، ومحمد بن علي العاملي التبنيني ، وعبد
اللطيف بن علي بن أحمد الجامعي ، وعبد الوحيد بن نعمة الله الجيلاني ، والسيد محمد
قاسم بن محمد الحسني الطباطبائي القهبائي ، وجواد بن سعد البغدادي الكاظمي ، ونجيب
الدين علي بن محمد بن
__________________
مكي العاملي
الجبيلي الجبعي ، وشريف الدين محمد الرويدشتي ، وحسن علي بن عبد الله التستري ،
ومحمد صالح بن أحمد المازندراني ، وزين الدين علي بن سليمان بن درويش القدمي
البحراني ، وإبراهيم بن إبراهيم العاملي البازوري ، والسيد الحسين بن حيد الكركي
ولازمه نحو أربعين سنة وقرأ عليه في الحديث والنحو والرجال ، ومحمد تقي المجلسي ،
وعلي نقي بن محمد هاشم الكمره ئي ، وعناية الله بن شرف الدين علي القهبائي النجفي
، والحسين بن الحسن العاملي المشغري ، ونور الدين علي بن عبد العزيز بن عبد الله
البحراني ، وغيرهم كثير.
وصنّف ما يزيد على
سبعين كتابا ورسالة اشتهر عدد منها وانتشر انتشارا واسعا ، وإليك أسماء جملة منها
: الحبل المتين في إحكام أحكام الدين ( مطبوع ) ، الجامع العباسي ( مطبوع ) في
الفقه ، رسالة في المواريث ( مطبوعة ) ، رسالة في ذبائح أهل الكتاب ( مطبوعة ) ،
رسالة في الصلاة ، رسالة في الحج ، رسالة في القصر والتخيير في السفر ، رسالتان
كرّيتان ( مطبوعتان ) ، حاشية على « مختلف الشيعة إلى أحكام الشريعة » للعلاّمة
الحلي ، الاثنى عشريات الخمس في الطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج ، مشرق
الشمسين وإكسير السعادتين لم يتم ( مطبوع ) جمع فيه آيات الأحكام وشرحها والأحاديث
الصحاح وشرحها ، زبدة الأصول ( مطبوع ) ، حاشية على شرح العضدي على مختصر الأصول ،
الفوائد الصمدية ( مطبوع ) في النحو ، خلاصة الحساب ( مطبوع ) ، رسالة في حل إشكال عطارد
__________________
والقمر ، العروة
الوثقى ( مطبوع ) في التفسير ، حاشية على « أنوار التنزيل » للبيضاوي ( مطبوع ) ،
حاشية على رجال النجاشي ، الكشكول ( مطبوع ) ، حاشية
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١١ / ٣١٣
٣٥٢٩
الأسترابادي
( ... ـ ١٠٣٦
ه )
محمد أمين بن محمد
شريف الأسترابادي ، المدني ثم المكي ، أحد كبار علماء الإمامية ، ورأس الأخبارية في عصره ، مؤلف كتاب « الفوائد المدنية ».
__________________
قرأ على السيد تقي
الدين محمد النسابة شرح العضدي ، وحضر دروسه.
ودرس في عنفوان شبابه
عند السيد محمد بن علي بن أبي الحسن الموسوي العاملي صاحب « المدارك » بالنجف
الأشرف ، وقرأ عليه في الحديث والرجال ، واستفاد منه ، وروى عنه.
وقرأ الحديث أيضا
على الميرزا محمد الأسترابادي ثم المكي الرجالي المشهور الذي زوّج كريمته للمترجم.
وأخذ الفقه والأصولين
عن كبار العلماء.
وشغف بأحاديث
وأخبار أئمّة أهل البيت عليهمالسلام ، وعكف ـ لما لبث بالمدينة سنين طوالا ـ على دراستها
وتنقيحها وتحقيقها وشرحها ، داعيا إلى العمل بمتونها واعتمادها في طريقة الاستنباط
، رافضا طريقة الأصوليين ، مناديا ببطلان الاجتهاد والتقليد.
قال الحر العاملي
في حق المترجم : فاضل محقق ماهر متكلم فقيه محدث ، ثقة ، جليل.
قرأ عليه جماعة من
العلماء ، ورووا عنه إجازة ، ومن هؤلاء : إبراهيم بن عبد الله الخطيب المازندراني
، والسيد زين العابدين بن نور الدين علي بن مراد بن علي الحسيني ، وزين الدين بن
محمد بن الحسن بن الشهيد الثاني العاملي أستاذ الحرّ العاملي ، والسيد عبد الهادي
الحسيني التستري ، وقد قرأ عليه « من
__________________
لا يحضره الفقيه »
للصدوق وله منه إجازة.
وصنّف كتابه
المعروف الفوائد المدنية في الرد على القائل بالاجتهاد والتقليد في الأحكام
الإلهية ( مطبوع ) ، وقد ردّ عليه معاصره السيد نور الدين علي بن علي بن أبي الحسن
الموسوي أخو صاحب « المدارك » بكتاب سمّاه الشواهد المكية في مداحض حجج الخيالات
المدنية ( مطبوع ).
وله أيضا :
الفوائد المكية ، شرح أصول « الكافي » للكليني ، شرح « تهذيب الأحكام » للطوسي لم
يتم ، رسالة في البداء ، رسالة في طهارة الخمر ونجاستها ، أجوبة مسائل حسين
الظهيري العاملي ، حاشية على « مدارك الأحكام » لأستاذه السيد محمد الموسوي
العاملي ، فوائد دقائق العلوم العربية وحقائقها الخفية ، كتاب في رد ما أحدثه
الفاضلان في حواشي شرح التجريد ـ يعني جلال الدين الدواني وصدر الدين الشيرازي ـ ،
ورسالة بالفارسية سمّاها دانشنامه شاهي.
توفّي بمكة
المكرمة ـ وكان قد جاور بها ـ سنة ست وثلاثين وألف.
وقال جماعة : إنّه
توفي سنة ثلاث وثلاثين وألف.
أقول : لا يصحّ
ذلك ، لأنّه ألف رسالته في طهارة الخمر ونجاستها للسلطان صفي الدين الصفوي في مكة
المكرمة وأرسلها إليه سنة أربع وثلاثين وألف .
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١١ / ٣١٥
٣٥٣٠
الداماد
( ٩٧٠ ـ ١٠٤١
ه )
محمد باقر بن محمد
بن محمود بن عبد الكريم الحسيني ، الأسترابادي الأصل ، الأصفهاني ، الشهير
بالداماد ، أحد كبار علماء الإمامية في الحكمة والفلسفة والكلام.
ولد في سنة سبعين
وتسعمائة.
وحرص على طلب
العلم وأكبّ عليه ، واطّلع وهو لا يزال غضّ الإهاب على كثير من المباحث في فنون
العلم.
__________________
أجاز له خاله عبد
العالي بن علي بن عبد العالي الكركي ( المتوفّى ٩٩٣ ه ) ، والحسين بن عبد الصمد
الحارثي العاملي في سنة ( ٩٨٣ ه ).
وأخذ عن : الفقيه
عبد العلي بن محمود الجابلقي ، والسيد علي بن الحسين بن أبي الحسن الموسوي العاملي
بمشهد الرضا عليهالسلام.
وتبحّر في جميع
العلوم لا سيما في العقليات ، ونظم الشعر بالعربية والفارسية.
وتصدى للتدريس
والإفتاء والتصنيف والتحقيق ، ونال حظوة كبيرة عند ملوك إيران الصفويين ، واشتهر
بين العلماء ، وانتهت إليه رئاستهم بعد وفاة صديقه الحميم بهاء الدين العاملي (
سنة ١٠٣٠ ه ).
أخذ عنه في فنون
العلوم وأفانين المعارف جماعة ، منهم : الفيلسوف صدر الدين محمد بن إبراهيم
الشيرازي المعروف بصدر المتألهين ، والسيد الحسين بن حيدر الحسيني الكركي ، والسيد
محمد محسن بن علي أكبر الحسيني الرضوي.
وصنّف كتبا ـ أكثرها
في الحكمة والفلسفة ـ منها : شارع النجاة في الفقه ، رسالة ضوابط الرضاع ، رسالة
في اختلاف الزوجين قبل الدخول ، حاشية على « مختلف الشيعة إلى أحكام الشريعة »
للعلاّمة الحلّي ، أجوبة المسائل ، عيون المسائل لم يتم ، شرح « الاستبصار »
للطوسي ، شرح « الكافي » للكليني سمّاه الرواشح السماوية في شرح أحاديث الإمامية ،
السبع الشداد ( مطبوع ) في علوم مختلفة ، القبسات ( مطبوع ) في الفلسفة ، سدرة
المنتهى في تفسير القرآن الكريم ، تقويم الإيمان في الكلام ، الإيقاظات ( مطبوع )
في خلق الأعمال وأفعال العباد ، الأفق المبين في الحكمة الإلهية ، نبراس الضياء
فيى تحقيق معنى البداء ، رسالة في
المنطق ، رسالة في
جيب الزاوية ، حاشية على رجال النجاشي ، حاشية على رجال الطوسي ، وديوان شعر.
توفي سنة إحدى
وأربعين وألف بالعراق لما جاء لزيارة العتبات المقدسة مع الملك صفي الصفوي ، وحمل
إلى النجف الأشرف ، ودفن إلى جوار أمير المؤمنين عليهالسلام.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١١ / ٩٤
٣٣٧١
سلطان العلماء
( ١٠٠١ ـ ١٠٦٤
ه )
الحسين بن رفيع
الدين محمد بن محمود بن علي المرعشي الحسيني ، السيد علاء الدين أبو طالب الآملي
الأصل ، الأصفهاني ، الوزير ، المعروف بسلطان العلماء وبخليفة السلطان ، أحد أعيان
الإمامية.
__________________
كان فقيها ،
أصوليا ، محدثا ، مفسرا ، متكلما ، جامعا لأصناف العلوم.
ولد سنة إحدى
وألف.
وتلمذ على والده
الصدر الكبير رفيع الدين ، وأخذ عنه ، وعن : بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد
العاملي ، وله منه إجازة ، وحسين اليزدي الندوشني ، ومحمود الرناني.
وصاهر السلطان
عباس الأوّل الصفوي على ابنته ، وقلّده أعباء الوزارة في أيام صدارة والده ( سنة
١٠٣٣ ه ) ، وأقرّه السلطان صفي الدين ثم عزله في سنة ( ١٠٤١ ه ) ، وأمره
بالإقامة في بلدة قم ، فأكبّ هناك على المطالعة والمراجعة ، ثم أعاده إلى أصفهان ،
فأقام بها إلى أن ولاّه السلطان عباس الثاني الوزارة في سنة ( ١٠٥٥ ه ) فاستمر
إلى أن مات ببلدة أشرف من بلاد مازندران ، وهو راجع مع السلطان المذكور في فتح
قندهار سنة أربع وستين وألف ، ونقل نعشه إلى النجف الأشرف ، فدفن إلى جوار مرقد
أمير المؤمنين عليهالسلام.
وكان قد سافر إلى
مصر ، واجتمع بعلماء القاهرة وغيرها وأفاد واستفاد ، ودخل اليمن ، وسافر إلى
القسطنطينية مرتين للسفارة بين الدولتين ، وناظر هناك أبا السعود المفتي ، وكان
يقيم صلاة الجمعة في بلدته أصفهان ، وبنى فيها المدارس والمستشفيات ، وتصدى
للتدريس ، ومهر فيه حتى صار من أشهر مدرسي عصره ، وكان يحضر مجلس درسه نحو
الألفين.
أخذ عنه : الحسين
بن محمد الخوانساري ، وخليل القزويني ـ وهو أيضا
__________________
شريكه في الدرس
عند بهاء الدين العاملي ـ ، وعبد الرزاق الكاشاني ، وعيسى والد صاحب « رياض
العلماء » ، وأولاده الأربعة : إبراهيم وحسن وعلي ومحمد المرعشيون.
وله مؤلفات أكثرها
حواش ، منها : حاشية على « مختلف الشيعة في أحكام الشريعة » للعلاّمة الحلي ،
حاشية على « قواعد الأحكام في مسائل الحلال والحرام » للعلاّمة الحلّي ، حاشية على
كتاب الطهارة من « الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية » في الفقه للشهيد الثاني
( مطبوعة مع الشرح ) ، حاشية على « شرائع الإسلام » للمحقّق الحلي ، حاشية على «
معالم الأصول » في أصول الفقه للحسن بن الشهيد الثاني ـ ( مطبوعة ) وقد صارت مرجع
العلماء ومحل اعتنائهم ـ ، حاشية على « زبدة الأصول » لشيخه بهاء الدين العاملي ،
حاشية على « شرح المختصر » للعضد ، حاشية على « حاشية إلهيات تجريد العقائد »
للخفري ، حاشية على « الكافي » في الحديث للكليني ، حاشية على « تهذيب الأحكام »
للطوسي ، حاشية على « الكشاف » للزمخشري ، حاشية على « أنوار التنزيل » للبيضاوي ،
رسالة في آداب الحج بالفارسية ، رسالة أنموذج العلوم فيها مباحث في عدة علوم ،
رسالة مناظرته مع أبي السعود المفتي ، جمعها ولده السيد علي ، حاشية على « شرح
الشمسية » في المنطق ، وديوان شعره بالفارسية.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١١ / ٦٣
٣٣٥٢
الفاضل الجواد
( ... ـ ١٠٦٥
ه )
جواد بن سعد بن جواد البغدادي الكاظمي ، المعروف بالفاضل الجواد.
كان فقيها إماميا
مجتهدا ، صاحب تحقيقات في الفقه والأصول والكلام وغيرها.
ولد في الكاظمية
ببغداد.
وارتحل إلى أصفهان
، وتلمّذ بها على بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد العاملي ، ولازمه إلى أن
صار من أخصّ خواصه.
وتبحّر في العلوم
، وحفظ الكثير.
وولي منصب شيخوخة
الإسلام بأستراباد في عهد السلطان عباس الأوّل
__________________
الصفوي ( المتوفّى
١٠٣٨ ه ) ، ثم عزل فعاد إلى الكاظمية سنة بضع وعشرين وألف ، ودرّس بها وصنّف ،
وعظّمه حكام بغداد لا سيما بكتاش خان.
ثم رجع إلى بلاد
إيران قبل احتلال بغداد من قبل السلطان مراد العثماني ( سنة ١٠٤٨ ه ) ، فأقام
بالحويزة ، ثم انتقل إلى تستر ، وولي بها منصب شيخوخة الإسلام بعد وفاة عبد اللطيف
الجامعي ( سنة ١٠٥٠ ه ).
وقد أخذ عن
المترجم جماعة ، منهم : السيد محمود بن فتح الله الحسيني الكاظمي ثم النجفي ،
والشيخ شاهين ، حين قرأ عليه كتابه « مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام » ، وحصل منه
على إجازة بروايته تاريخها سنة ( ١٠٤٤ ه ).
وصنّف عدة كتب ،
منها : شرح « الدروس الشرعية في فقه الإمامية » للشهيد الأوّل لم يتم ، أحوال
الدين في شرح « نهج المسترشدين في أصول الدين » للعلاّمة الحلّي ألّفه بالكاظمية
سنة ( ١٠٢٩ ه ) ، غاية المأمول في شرح « زبدة الأصول » في أصول الفقه لأستاذه
بهاء الدين ، الفوائد العلية في شرح « الجعفرية » في فقه الصلاة للمحقق الكركي ،
مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام ، شرح « تشريح الأفلاك » لبهاء الدين العاملي ،
رسالة في واجبات الصلاة شرح على « خلاصة الحساب » لبهاء الدين العاملي ( مطبوع ) ،
ورسالة مختصرة في أصول الدين.
توفّي ببغداد سنة
خمس وستين وألف ، قاله صاحب « أعيان الشيعة ».
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١١ / ٣٢١
٣٥٣٣
المجلسي الأوّل
( ١٠٠٣ ـ ١٠٧٠
ه )
محمد تقي بن مقصود
علي النطنزي الأصفهاني ، العاملي الأصل ، المعروف بالمجلسي الأوّل.
كان فقيها إماميا
، عارفا بالتفسير والرجال ، من كبار المحدّثين.
ولد في أصفهان سنة
ثلاث وألف.
وأجاز له في الصغر
أبو البركات الواعظ الأصفهاني.
__________________
وصرف عنفوان شبابه
في تحصيل العلوم.
درس عند بهاء
الدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد العاملي ، وعبد الله ابن الحسين التستري
الأصفهاني ، وروى عنهما.
وقرأ في الفقه
والحديث والأصول على حسن علي بن عبد الله بن الحسين التستري.
وروى سماعا أو
إجازة عن الجمّ الغفير من العلماء ، منهم : السيد إسحاق الموسوي الأسترابادي
الكربلائي ، والقاضي أبو الشرف الأصفهاني ، وعبد الله بن جابر العاملي ، ويونس
الجزائري ، وخاله محمد قاسم بن درويش محمد العاملي الأصفهاني ، وظهير الدين
إبراهيم بن الحسين بن عطاء الحسني الهمداني ، ومحمد ابن علي العاملي التبنيني ،
وجابر بن عباس النجفي ، وشرف الدين علي بن حجة الله الشولستاني النجفي ، وقد أجاز
له في مشهد الحسين الشهيد عليهالسلام بكربلاء سنة ( ١٠٣٦ ه ).
وتصدى لأحاديث
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وآثار أئمّة أهل البيت عليهمالسلام جمعا وضبطا وشرحا وإفادة وتدريسا ، واعتمدها في طريقة
الاستنباط ، وهو ممن استحسن كتاب « الفوائد المدنية » لمحمد أمين الأسترابادي ،
وقال فيه : الحق أنّ أكثر ما أفاده مولانا محمد أمين حق لا مرية فيه .
وتولّى المترجم
إمامة الجمعة في أصفهان.
واعتنى بأدعية
الصحيفة السجادية ، وسعى سعيا حثيثا في نشرها.
أخذ عنه قراءة أو
سماعا أو إجازة جماعة ، منهم : أولاده : عزيز الله وعبد الله
__________________
ومحمد باقر ، وأبو
القاسم الجرفادقاني ، والحسين بن جمال الدين محمد الخوانساري ، وإبراهيم بن كاشف
الدين محمد اليزدي ، ومحمد صادق الكرباسي الأصفهاني ثم الهمداني ، وغيرهم.
وصنّف كتبا ، منها
: شرحان على « من لا يحضره الفقيه » للصدوق أحدهما بالعربية سمّاه روضة المتقين (
مطبوع في ١٤ جزءا ) والآخر بالفارسية سمّاه اللوامع القدسية ( مطبوع ) ، رسالة بالفارسية في عمل المقلّدين سمّاها حديقة المتقين في معرفة
أحكام الدين لارتقاء معارج اليقين ، شرح « تهذيب الأحكام » للطوسي لم يتم ، رسالة
في الرضاع ، رسالة في مناسك الحجّ ، تفسير القرآن الكريم بالفارسية ، رسالة في
وجوب صلاة الجمعة ، رسالة في آداب صلاة الليل ، شرح « الصحيفة السجادية » ، رسالة
في حقوق الوالدين بالفارسية ، وشرح حديث همّام في وصف المتقين
بالفارسية.
توفّي بأصفهان سنة
سبعين وألف.
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١١ / ١٧٥
٣٤٣٣
الفاضل التّوني
( ... ـ ١٠٧١
ه )
عبد الله بن محمد
التوني البشروي الخراساني ، الساكن بالمشهد الرضوي ، أحد أكابر الإمامية ، ويعرف
بالفاضل التوني.
لا نعلم عن تاريخ
مولده ، ولا عن أساتذته الذين تلقى عنهم العلم شيئا ، وكل ما تيسّر لنا أنّه أمضى
فترة من حياته في المدرسة المعروفة بمدرسة عبد الله التستري بأصفهان.
ثم استوطن مشهد
الرضا عليهالسلام.
وأراد التوجه إلى
العراق ( ومعه أخوه أحمد ) لزيارة مراقد الأئمّة عليهمالسلام ،
__________________
فمرّ بقزوين وأقام
بها مدة ، ثم دعاه ربّه وهو بكرمانشاه ، فلبّى نداءه في السادس عشر من شهر ربيع
الأوّل سنة إحدى وسبعين وألف ، ودفن هناك عند القنطرة المشهورة بـ ( پل شاه ).
وكان فقيها ،
أصوليا ، ماهرا ، شبيه المقدّس الأردبيلي في الزهد والعبادة.
صنّف رسالة
الوافية ( مطبوعة ) في أصول الفقه ، أتمّها سنة ( ١٠٥٩ ه ) واعتنى بها العلماء
شرحا وتعليقا وتدريسا ، لما فيها من منهجية جديدة ، وتحقيقات ، وآراء لم يسبقه
إليها أحد .
وله أيضا : رسالة
في صلاة الجمعة ، شرح « إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان » للعلاّمة الحلي ، حاشية
على « معالم الأصول » للحسن بن الشهيد الثاني العاملي ، فهرست « تهذيب الأحكام »
للطوسي ، وتعليقات على « مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام » للسيد محمد بن علي
بن أبي الحسن الموسوي العاملي.
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١١ / ٣٣٠
٣٥٣٩
[ ملا محمد صالح ]
المازندراني
( ... ـ ١٠٨٦
ه )
محمد صالح بن أحمد
بن شمس الدين ، حسام الدين أبو الفضائل المازندراني ثم الأصفهاني ، العالم الإمامي
الربّاني.
ورد أصفهان ، وسكن
إحدى مدارسها طالبا للعلم ، وكابد شظف العيش ، إلاّ أنّ ذلك لم يعقه عن التفرّغ
للدراسة وإحياء الليالي بالمطالعة ، فتقدّم في مدة قليلة.
ثم اختلف إلى دروس
المحدّث محمد تقي المجلسي ، وتلمّذ عليه ، وعظم محلّه عنده ، فزوّجه ابنته العالمة
آمنة بيكم.
وأخذ أيضا عن حسن
علي بن عبد الله التستري ، وغيره.
__________________
ومهر في العلوم
العقلية والنقلية ، وحاز الرتبة العليا في العلم والفقه ، وصار من مشاهير العلماء
وحملة الحديث.
أثنى عليه مؤلف «
جامع الرواة » كثيرا وقال في وصفه : العلاّمة المحقق المدقق ، ... جليل القدر ،
رفيع الشأن ، عظيم المنزلة ، دقيق الفطنة ... متبحر في العلوم العقلية والنقلية.
قرأ عليه الأفندي
التبريزي صاحب « رياض العلماء » ، وروى عنه محمد محسن بن المرتضى الشهير بالفيض
الكاشاني.
وصنّف كتبا ، منها
: شرح « الكافي » للكليني ( طبع شرح الأصول منه ) ، شرح « من لا يحضره الفقيه » للصدوق ، شرح « معالم الأصول » في أصول الفقه
للحسن بن الشهيد الثاني ، شرح « زبدة الأصول » في أصول الفقه لبهاء الدين العاملي
، حاشية « الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية » في الفقه للشهيد الثاني ، وشرح
القصيدة الدريدية.
توفّي بأصفهان سنة
ست وثمانين وألف.
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١١ / ٢٢١
٣٤٦٦
الطّريحي
( ... ـ ١٠٨٥
، ١٠٨٧ ه )
فخر الدين بن محمد
علي بن أحمد بن علي الأسدي ، النجفي ، الرمّاحي الأصل ، العالم الربّاني ، الإمامي ، المتفنّن ، الشهير بالطّريحي .
ولد في النجف
الأشرف.
وتلقى العلم بها
عن جماعة من الفقهاء والعلماء ، منهم : والده محمد علي ، وعمّه محمد حسين ، والسيد
شرف الدين علي بن حجة الله الشولستاني النجفي ، ومحمد بن جابر بن عباس النجفي ،
ومحمود بن حسان المشرفي.
__________________
وأحرز الفنون فقها
وحديثا ولغة وتفسيرا ، وبرع فيها وشارك في غيرها ، ونظم الشعر.
وعكف على التصنيف
في شتى العلوم وشغف به ، ولم يتخلّ عنه حتى في أسفاره.
وكان قد سافر إلى
الكوفة وكربلاء والكاظمية ، وأدّى فريضة الحجّ سنة ( ١٠٦٢ ه ) ، وتوجّه من مكة
إلى زيارة الإمام الرضا عليهالسلام فأقام في طوس مدّة ، وعرّج منها إلى أصفهان فمكث فيها بعض
الوقت.
وعاد إلى النجف ،
واشتهر بها ، وصار من أعيان العلماء ، الموصوفين بالزهد والعبادة.
تلمّذ عليه وروى
عنه : ولده صفي الدين ، وابن أخيه حسام الدين بن جمال الدين بن محمد علي ، ومحمد
تقي المجلسي ، والسيد هاشم بن سليمان الحسيني البحراني الكتكاني وروى عنه كثيرا في
مؤلفاته ، ومحمد أمين بن محمد علي الكاظمي ، وعناية الله بن محمد حسين المشهدي ،
ومحمد بن عبد الرحمن الحلي ، وغيرهم.
وصنّف ما يربو على
أربعين كتابا ، منها : الفخرية الكبرى في الفقه ، الفخرية الصغرى مختصرة منها ،
الضياء اللامع في شرح مختصر الشرائع ، النكت الفخرية في شرح الرسالة « الاثني
عشرية » في الفقه للحسن بن الشهيد الثاني ، حاشية على « المعتبر في شرح المختصر »
في الفقه للمحقّق الحلي ، اللمعة الوافية في أصول الفقه ، جامعة الفوائد في الرد
على محمد أمين الأسترابادي الأخباري ، تفسير غريب القرآن ( مطبوع ) ، مجمع البحرين
ومطلع النيّرين ( مطبوع ) في تفسير غريب
القرآن والحديث ،
كشف غوامض القرآن ، المنتخب في جمع المراثي والخطب ( مطبوع ) ، مشارق النور في
تفسير القرآن ، تحفة الوارد وعقال الشارد في اللغة ، الأربعون حديثا ، جواهر
المطالب في فضائل علي بن أبي طالب ، وجامع المقال فيما يتعلق بأحوال الحديث
والرجال ( مطبوع ).
توفي بعد أن طعن
في السنّ بالرمّاحية سنة خمس وثمانين وألف على المشهور ، وقيل : سنة سبع وثمانين
اعتمادا على بعض التواريخ الشعرية ، ونقل إلى النجف الأشرف ودفن في ظهر الغزي.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١١ / ١٠١
٣٣٧٥
خليل بن الغازي
( ١٠٠١ ـ ١٠٨٩
ه )
القزويني ، احد
مشاهير علماء الإمامية.
ولد بقزوين في شهر
رمضان سنة إحدى وألف.
وقرأ على جماعة من
العلماء ، منهم : بهاء الدين محد بن الحسين بن عبد الصمد العاملي ، والسيد محمد
باقر بم محمد الحسيني الأسترابادي الأصفهاني المعروف بالداماد ، ومحمد الزناني ،
وحسين اليزدي ، وأبو الحسن القايني المشهدي.
وظهر تفوقّه في
وقت مبكّر ، وصار وهو في أوائل الثلاثين من عمره متولّيا
__________________
لمشهد السيد عبد
العظيم الحسني ببلدة الري ومدرسا به في عهد الوزير السيد الحسين بن رفيع الدين
محمد المعروف بسلطان العلماء ، وكان الوزير المذكور شريكا للمترجم في الأخذ عن
حسين اليزدي بمشهد الرضا عليهالسلام.
ثم عزل ، فتوجه
إلى مكة المكرّمة ، وجاور بها برهة من الزمان مقبلا على الجمع والتصنيف ، ثم عاد
إلى بلدته قزوين ، فسكنها وشرع في التصنيف والتأليف ونشر العلوم.
وكان فقيها ،
أصوليّا ، محدثا ، متكلما ، دقيق النظر ، غزير للعلم ، مبجّلا عند سلاطين الصفوية
والوزراء والناس.
عدّ من علماء
الأخباريّة ، لكن اهتمامه بالأصول والفلسفة أثار الشكوك في كونه منهم.
هذا ، وقد أخذ عن
المترجم طائفة من العلماء ، منهم : أولاده : أحمد وأبو ذر وماتا في حياته ، وسلمان
، وأخوه محمد باقر بن الغازي ، وبابا بن محمد صالح القزويني ، ورضي الدين محمد بن
الحسن القزويني ، ومحمد التبريزي المعروف بالمجذوب ، ومحمد كاظم الطالقاني ، ومحمد
يوسف بن بهلوان صفر القزويني ، ومحمد صالح القزويني المعروف بالروغني ، وعلي أصغر
بن محمد يوسف القزويني ، ومعصوم القزويني ، والسيد محمد مؤمن بن محمد زمان
الطالقاني القزويني ، ومحمد تقي الدهخوارقاني ثم القزويني ، ورفيع الدين محمد بن
فتح الله القزويني.
وصنّف ثلاث رسائل
في الجمعة.
وله أيضا : الصافي
في شرح « الكافي » للكليني ألّفه بالفارسية في مدة
عشرين سنة ،
الشافي في شرح « الكافي » لم يتم ، شرح « عدة الأصول » في أصول الفقه للطوسي ،
حاشية على « مجمع البيان في تفسير القرآن » للطبرسي ، الرسالة النجفية في مسائل
الحكمة ، الرسالة القمّية في مسائل الحكمة ، تعليقات على توحيد الصدوق والمجمل في
النحو وغير ذلك.
توفي بقزوين سنة
تسع وثمانين وألف.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١١ / ٣١٧
٣٥٣١
السّبزواري
( ١٠١٧ ـ ١٠٩٠
ه )
محمد باقر بن محمد
مؤمن الخراساني السبزواري ثم الأصفهاني ، أحد أعيان الإمامية.
__________________
قال الحر العاملي
في وصفه : عالم فاضل محقق متكلم حكيم فقيه محدث ، جليل القدر.
ولد في سنة سبع
عشرة وألف.
وارتحل إلى العراق
بعد وفاة والده.
وسكن أصفهان ،
وتلمّذ على جماعة ، منهم : السيد أبو القاسم الفندرسكي ( المتوفّى ١٠٥٠ ه ) ،
والقاضي معز الدين الأصفهاني ، قرأ عليهما في المعقول ، وحيدر علي الأصفهاني ،
وحسن علي بن عبد الله التستري ، قرأ عليهما في المنقول.
وروى عن : محمد
تقي المجلسي ( المتوفّى ١٠٧٠ ه ) ، والسيد نور الدين علي بن علي بن أبي الحسن
الموسوي العاملي ثم المكي ( المتوفّى ١٠٦٨ ه ) ، وشرف الدين علي بن حجة الله
الشولستاني النجفي ، والحسين المشغري العاملي ، والسيد الحسين بن حيدر بن قمر
الكركي ، ويحيى بن الحسن اليزدي ، ومقصود بن زين العابدين الأسترابادي.
ومهر في غالب
الفنون ، وحقّق وصنّف ، وارتفع شأنه عند السلطان عباس الثاني الصفوي ، فأسند إليه
منصب شيخوخة الإسلام ـ يعني أقضى القضاة ـ وقلّده إمامة الجمعة والجماعة.
وفوّض إليه الوزير
الكبير السيد الحسين بن رفيع الدين محمد المرعشي التدريس في مدرسة عبد الله
التستري بأصفهان ، واشتهر ، وصار من كبار مجتهدي عصره.
تلمّذ عليه وروى
عنه جماعة ، منهم : عبد الله الأفندي التبريزي ، ومحمد شفيع بن فرج الجيلاني ،
وزوج أخته المحقّق الحسين بن جمال الدين محمد
الخوانساري ،
ومحمد بن عبد الفتاح السراب التنكابني ، وعبد الله الأردبيلي ، وغيرهم.
وصنّف كتبا ، منها
: ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد لم يتم ( مطبوع ) ، الكفاية ( مطبوع ) في الفقه ، المناسك
بالفارسية ، الرسالة الخلافية في الفقه بالفارسية ، رسالة في الأغسال ، رسالتان في
صلاة الجمعة إحداهما عربية والأخرى فارسية ، رسالة في تحريم الغناء ، رسالة في سمت القبلة ، رسالة في الصلاة والصوم بالفارسية ، شرح « زبدة
الأصول » في أصول الفقه لبهاء الدين العاملي ، رسالة شبهة الاستلزام ، روضة
الأنوار ( مطبوع ) في آداب الملوك بالفارسية ، مفاتيح النجاة بالفارسية في الأدعية
المأثورة ، حاشية على « شرح الإشارات » لنصير الدين الطوسي ، حاشية على إلهيات «
الشفاء » لابن سينا ، وشرح على المجسطي لم يتم.
وله شعر
بالفارسية.
توفّي بأصفهان سنة
تسعين وألف ، ونقل نعشه إلى المشهد الرضوي ودفن في مدرسة الميرزا جعفر.
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١١ / ٣٣٩
٣٥٤٥
الفيض الكاشاني
( ١٠٠٧ ـ ١٠٩١
ه )
محمد محسن بن
المرتضى بن محمود بن علي ، العلاّمة الإمامي ، المتفنّن ، المدعو بمحسن ، والشهير
بالفيض الكاشاني.
قال الحر العاملي
: كان فاضلا عالما ماهرا حكيما متكلما محدثا فقيها محققا شاعرا أديبا ، حسن
التصنيف.
ولد في كاشان في
الرابع عشر من شهر صفر سنة سبع وألف.
ودرس الفقه
والحديث والتفسير والعربية وغيرها عند والده المرتضى ، وخاله نور الدين الكاشاني.
__________________
وارتحل ـ بعد أن
بلغ العشرين من عمره ـ إلى أصفهان لإكمال دراسته ، فأخذ هناك عن جمع من العلماء ،
واستفاد منهم شيئا من العلوم الرياضية ، وغيرها.
وقد أخذ عن حسين
الأردكاني اليزدي ، وروى عن محمد صالح المازندراني ثم الأصفهاني.
وتوجه إلى شيراز ،
فتلمذ على السيد ماجد بن هاشم البحراني ، وانتفع به في الحديث.
ونال حظا من العلم
بالأحكام ، استغنى به عن التقليد.
ثم رجع إلى أصفهان
، ولقي بها بهاء الدين محمد بن الحسين العاملي ( المتوفّى ١٠٣٠ ه ) ، وأخذ منه
إجازة رواية الحديث.
وحجّ ، واستفاد
هناك من محمد بن الحسن بن الشهيد الثاني ، وحصل منه على إجازة.
وعاد في سنة تسع
وعشرين وألف إلى بلاده ، وتنقل فيها طلبا للعلم ، ثم ألقى عصاه في قمّ ، فأقام بها
أكثر من ثماني سنوات ، ملازما للفيلسوف الكبير صدر الدين محمد بن إبراهيم الشيرازي
( المتوفّى ١٠٥٠ ه ) ، فدرس عنده العلوم العقلية ، وتزوّج ابنته ، وتأثر بآرائه
الفلسفية ، وشغف بعلم الأخلاق والعرفان والمعارف الإلهية.
ثم صحب أستاذه
المذكور إلى شيراز ـ حينما استدعي إليها ـ وانتفع به هناك نحوا من سنتين.
ورجع إلى مسقط
رأسه كاشان بعلم جمّ فأكبّ على التدريس والتأليف في
شتى العلوم ،
واشتهر ، وصار من أعيان المحدثين والفقهاء ، وأكابر الحكماء ، ومن أهل النظر.
تلمّذ عليه ، وروى
عنه قراءة وإجازة ثلّة من العلماء ، منهم : محمد باقر بن محمد تقي المجلسي ،
والسيد نعمة الله بن عبد الله الجزائري ، ومحمد سعيد بن محمد مفيد القمي المعروف بقاضي
سعيد ، وولده أحمد علي بن محمد بن المرتضى ، وأخوه عبد الغفور بن المرتضى ، وأولاد
أخيه المرتضى بن محمد مؤمن بن المرتضى ، وشاه أفضل بن محمد مؤمن بن المرتضى ،
ومحمد مؤمن بن عبد الغفور بن المرتضى ، وحفيدا أخيه محمد الهادي ونور الدين محمد
الشهير بالأخباري ابنا المرتضى بن محمد مؤمن ، وولده علم الهدى محمد بن الفيض مؤلف
« معادن الحكمة في مكاتيب الأئمّة » .
وصنّف كتبا ورسائل
كثيرة ـ عدّ منها بعضهم (١٢٦) مؤلفا ـ منها : مفاتيح
الشرائع ( مطبوع في ٣ أجزاء ) في الفقه ، معتصم الشيعة في أحكام الشريعة ، نقد
الأصول الفقهية ، الوافي ( مطبوع ) في الحديث ، الشافي ( مطبوع ) في اختصار الوافي
، الشهاب الثاقب ( مطبوع ) في تحقيق عينية وجوب صلاة الجمعة في زمن الغيبة ،
الصافي ( مطبوع ) ، المصفى ، الأصفى ( مطبوع ) وكلها في التفسير ، عين اليقين (
مطبوع ) في أصول الدين ، علم اليقين ( مطبوع ) في أصول الدين ، بشارة الشيعة (
مطبوع ) ، الكلمات الطريفة في ذكر منشأ اختلاف آراء الأمة المرحومة ( مطبوع ) ،
__________________
النخبة ( مطبوع )
في الفقه ، أبواب الجنان بالفارسية في بيان وجوب صلاة الجمعة وفضيلة الجماعة ،
الضوابط الخمس في أحكام الشك والسهو والنسيان ، المحجة البيضاء في إحياء « الإحياء
» للغزالي ( مطبوع ) ، ترجمة الشريعة ( مطبوع ) ، ترجمة الصلاة ( مطبوع ) ، شوق
المهدي ( مطبوع ) ، المحاكمة بين العلماء الصوفية بالفارسية ، مرآة الآخرة ( مطبوع
) ، نوادر الأخبار فيما يتعلق بأصول الدين ( مطبوع ) ، وديوان شعر ( مطبوع )
بالفارسية.
توفّي في الثاني
والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة إحدى وتسعين وألف.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١١ / ٢٦١
٣٤٩٣
رضي الدين القزويني
( ... ـ ١٠٩٦
ه )
محمد بن الحسن ،
الفقيه الإمامي ، المتفنن ، رضي الدين القزويني.
قال الحر العاملي
: فاضل عالم محقق مدقق ماهر متكلم.
تلمّذ على خليل
القزويني وأخذ عنه في الفقه والحديث.
وبرع في مختلف
العلوم والمعارف ، ونظم الشعر بالفارسية ، وله ديوان كبير.
تلمّذ عليه السيد
صدر الدين محمد بن محمد صادق الحسيني القزويني.
وصنّف كتاب ضيافة
الأخوان وهداية الخلان ( مطبوع ) في تراجم علماء قزوين ، قال محقق الكتاب السيد
أحمد الحسيني : تطرّق فيه إلى مباحث جليلة في التفسير والعقائد والفقه والتاريخ
وغيرها.
__________________
وله أيضا :
الرسالة الوقتية في تعيين أوقات الصلاة ، رسالة في القبلة وانحرافاتها ، المسائل
غير المنصوصة ، رسالة التهجّد ، رسالة الفراسة ، رسالة المقادير ، شير وشكر
بالفارسية أي حليب وسكّر ، كحل الأبصار ونور الأنظار ، وهو حاشية على حاشية الخفري
على شرح إلهيات التجريد ، ولسان الخواص في ذكر معاني الألفاظ الاصطلاحية للعلماء ،
قال الطهراني : هو من أبدع الكتب وألطفها ، جمّ الفوائد ، مشتمل على تحقيقات كثيرة
في العلوم العقلية والنقلية .
أقول
: وهم كحّالة في «
معجم المؤلفين » فعدّ للمترجم من الكتب : مصباح الهداية ، وتنقيح المقاصد الأصولية
، وكشف الغطاء ، وإنّما هي لمحمد حسن بن معصوم القزويني
الحائري ( المتوفّى ١٢٤٠ ه ).
توفّي المترجم في
الثلاثين من شهر صفر سنة ست وتسعين وألف.
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١١ / ٩٠
٣٣٦٩
[ السيّد حسين ]
الخوانساري
( ١٠١٦ ـ ١٠٩٨
ه )
الحسين بن جمال
الدين محمد بن الحسين الخوانساري ، أحد مشاهير علماء الإمامية بالفقه والفلسفة
والكلام.
ولد في خوانسار في
شهر ذي القعدة سنة ست عشرة وألف.
وارتحل في أيام
صباه إلى أصفهان لطلب العلم ، فسكن مدرسة خواجه ملك.
وأخذ عن طائفة من
المشايخ أبرزهم : محمد تقي المجلسي ، ومحمد باقر بن
__________________
محمد مؤمن
السبزواري ، قرأ عليهما في المنقول ، وأبو القاسم الفندرسكي ، وحيدر ابن محمد
الخوانساري ، قرأ عليهما في المعقول.
وكان قليل
المطالعة في أوائل تحصيله ، لكنّه لحدّة ذكائه وسيلان ذهنه تقدّم في العلوم لا
سيما العقلية منها في مدة يسيرة ، وتمكّن من المعارف الأدبية ، ونظم الشعر
بالعربية والفارسية.
ثم تصدى للتدريس ،
فبرع فيه ، والتف حوله روّاد العلم يأخذون عنه في العلوم العقلية والأصولية
والفقهية ، ونبغ عدد منهم في حياته.
وعكف على البحث
والتحقيق والتأليف.
ووضع بجهوده إحدى
البذور الأساسية للاتجاه الفلسفي للتفكير الذي فتح مجالا أرحب للإبداع الأمر الذي
مهّد ( وبتأثير عوامل أخرى ) لظهور مدرسة جديدة في الفقه والأصول اعتبرت الوارثة
لهذا الاتجاه ، كان رائدها المجدد الكبير محمد باقر البهبهاني ( المتوفّى ١٢٠٦ ه
) .
وذاع صيت المترجم
، واحتل منزلة رفيعة بين العلماء ، ونعتوه بأستاذ الأساتيذ ، وسلطان الحكماء
والمتكلمين ، وعلاّمة العلماء وغير ذلك.
وقد تلمّذ عليه
وأخذ عنه ثلّة من العلماء ، منهم : ولداه جمال الدين محمد
__________________
( المتوفّى ١١٢١ ه
) ورضي الدين محمد ( المتوفّى ١١١٣ ه ) ، وعلي رضا بن
الحسين الأردكاني المعروف بالتجلّي ( المتوفّى ١٠٨٥ ه ) ، والميرزا عبد الله
الأفندي التبريزي ، والسيد محمد صالح بن عبد الواسع الخاتون آبادي ( المتوفّى ١١٢٦
ه ) ، ومحمد جعفر بن عبد الله الحويزاوي الأصفهاني المعروف بالقاضي ( المتوفّى
١١١٥ ه ) ، والفقيه الفيلسوف محمد بن عبد الفتاح التنكابني المعروف بالسراب (
المتوفّى ١١٢٤ ه ) ، والمدقق محمد بن الحسن الشرواني ( المتوفّى ١٠٩٨ أو ١٠٩٩ ه
) ، ورفيع الدين محمد بن حكيم اليزدي ، والسيد معز
الدين محمد بن فخر الدين المشهدي ، ومحمد بن إسماعيل الشيرازي الفسائي المعروف
بمسيحا ( المتوفّى ١١٢٧ ه ).
وأجاز لمحمد بن
الحسن الحر العاملي ( المتوفّى ١١٠٤ ه ) ، ولمحمد حسين المازندراني.
وصنّف كتبا ، منها
: مشارق الشموس في شرح الدروس ( مطبوع ) في الفقه لم يتم ، المائدة السليمانية في
الأطعمة والأشربة وما يناسبها ، ألّفه للسلطان سليمان الصفوي ، رسالة في نفي وجوب
مقدمة الواجب في أصول الفقه ، حاشية
__________________
على « الشفاء »
لابن سينا ( مطبوع ) ، رسالة في الجبر والاختيار ، حاشية على « حاشية شرح
المطالع » لجلال الدين الدواني ، رسالة في التشكيك ، رسالة في شبهة الطفرة ، رسالة
في شبهة الاستلزام ، تفسير سورة الفاتحة ، وترجمة الصحيفة السجادية ، إلى
الفارسية.
توفي في غرة رجب
سنة ثمان وتسعين وألف.
__________________
القرن الثاني عشر
١ ـ الحرّ العاملي
( م سنة ١١٠٤ ه )
٢ ـ السيد هاشم
البحراني ( م سنة ١١٠٧ ه )
٣ ـ المجلسي
الثاني ( العلاّمة ) ( م سنة ١١١١ ه )
٤ ـ المحدّث
الجزائري ( م سنة ١١١٢ ه )
٥ ـ آغا جمال
الخوانساري ( م سنة ١١٢٢ ه )
٦ ـ الفاضل الهندي
( م سنة ١١٣٧ ه )
٧ ـ صدر الدين
الرّضوي ( م سنة ١١٦٠ ه )
٨ ـ صاحب الحدائق (
م سنة ١١٨٦ ه )
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٢ / ٢٦٧
٣٧٨٥
الحرّ العاملي
( ١٠٣٣ ـ ١١٠٤
ه )
محمد بن الحسن بن
علي بن محمد بن الحسين الحرّ ، المحدّث الإمامي الشهير ، أبو جعفر المشغري العاملي
ثمّ المشهدي الخراساني ، صاحب كتاب « وسائل الشيعة » ، وأحد كبار علماء الأخبارية.
قال الشيخ أسد
الله الدزفولي الكاظمي في حقّه : الأديب الفقيه ، المحدّث الكامل ... الجامع لشتات
الأخبار والآثار.
ولد في قرية مشغرى
( من جبل عامل بلبنان ) في شهر رجب سنة ثلاث وثلاثين وألف.
__________________
وقرأ بها على :
أبيه الحسن ، وعمّه محمد بن علي الحرّ ، وجدّه لأمّه عبد السلام بن محمد الحرّ ،
وخال أبيه علي بن محمود المشغري العاملي.
وانتقل إلى جبع ،
فأخذ في الفقه والحديث والعربية وغيرها عن : عمّه محمد المذكور ، وزين الدين بن
محمد بن الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني العاملي ( المتوفّى ١١٦٤ ه ) ، والحسين
بن الحسن بن يونس الظهيري العيناثي العاملي.
وحجّ في سنتي (
١٠٥٧ ه ) و ( ١٠٦٢ ه ).
وزار مشاهد
الأئمّة عليهمالسلام بالعراق ، ثمّ ارتحل في سنة ( ١٠٧٣ ه ) إلى مشهد خراسان ،
فاتخذه موطنا.
وجدّ في تتبّع
الأحاديث المروية عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام وتبحّر فيها ، وصرف همّته إلى جمعها وترتيبها وترويجها ،
واستنباط الأحكام الفقهية منها.
وقد أعطي منصب
التدريس في الحضرة الشريفة لمشهد الإمام الرضا عليهالسلام فكان مجلس درسه يغص بالعلماء وروّاد العلم ، وتقلّد منصب
شيخوخة الإسلام ، وفوّض إليه القضاء فلم يقبل.
وذاع صيته ، وعلا
شأنه في الأوساط العلمية والاجتماعية.
تتلمذ عليه وروى
عنه طائفة ، منهم : ابناه : محمد رضا ، والحسن ، ومحمد فاضل بن محمد مهدي المشهدي
، والسيد محمد بن محمد باقر الحسيني المختاري النائيني ، ومحمد تقي بن عبد الوهاب
الأسترابادي المشهدي ، والسيد محمد بن محمد بديع الرضوي المشهدي ، ومحمد صالح بن
محمد باقر القزويني الروغني ، والسيد محمد بن علي بن محي الدين الموسوي العاملي ،
ومحسن بن محمد ظاهر
القزويني
الطالقاني ، ومحمود بن علي الميمندي ، والسيد نور الدين بن نعمة الله الجزائري ،
ومحمود بن عبد السلام المعني البحراني ، وإبراهيم بن جعفر بن عبد الصمد بن الحسين
الكركي ثمّ الفراهي الخراساني ، ومحمد جعفر بن محمد طاهر الكرماني ثمّ الأصفهاني ،
وعلم الهدى محمد بن محمد محسن الكاشاني ، وابن أخته أحمد بن الحسن بن محمد بن علي
الحرّ العاملي ، وأبو الحسن الشريف بن محمد طاهر الفتوني النجفي.
واجتمع بالمحدّث
محمّد باقر المجلسي ـ عند زيارته لأصفهان سنة ١٠٨٥ ه ـ وأجاز كلّ منهما الآخر.
وصنف ما يربو على
ستين مؤلّفا ، منها : تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة المشهور بوسائل
الشيعة والوسائل ( مطبوع في عشرين جزءا ) ، رسالة بداية الهداية ( مطبوعة )
في الواجبات والمحرمات المنصوصة من أوّل الفقه إلى آخره في نهاية الاختصار ، هداية
الأمّة إلى أحكام الأئمّة عليهمالسلام وهو منتخب من الوسائل ، رسالة في الجمعة ، رسالة نزهة
الأسماع في حكم الإجماع ، رسالة أحوال الصحابة ، الفصول المهمة في أحوال الأئمّة عليهمالسلام ( مطبوع ) يشتمل على
القواعد الكلية المنصوصة في أصول الدين وأصول الفقه وفروع الفقه وفي الطب ونوادر
الكليات ، رسالة الرجال ( مطبوعة مع الوسائل ) ، رسالة تواتر القرآن ، الفوائد
الطوسية في فوائد متفرقة ، الصحيفة الثانية من أدعية الإمام زين العابدين
__________________
علي بن الحسين عليهماالسلام ( مطبوعة ) ، إثبات
الهداة بالنصوص والمعجزات ( مطبوع مع ترجمته إلى الفارسية في سبعة أجزاء ) ، أمل
الآمل ( مطبوع ) في التراجم ، الجواهر السنية في الأحاديث القدسية ( مطبوع ) ،
تفسير بعض الآيات الشريفة ، ديوان الإمام زين العابدين عليهالسلام ( مطبوع ) ، حاشية على «
الكافي » للكليني ، حاشية على « من لا يحضره الفقيه » للصدوق ، حاشية على « تهذيب
الأحكام » للطوسي ، حاشية على « الاستبصار » للطوسي أيضا ، تحرير وسائل الشيعة
وتحبير مسائل الشريعة لم يتم ، وديوان شعر يقارب عشرين ألف بيت أكثره في مدح النبي
صلىاللهعليهوآلهوسلم وفيه منظومات في الفقه والهندسة والتاريخ وغير ذلك ، وقد
طبعت منظومته في الهندسة.
توفّي في مدينة
مشهد بطوس في اليوم الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك سنة أربع ومائة وألف ،
ودفن في إيوان بعض حجر الصحن الشريف لمرقد الإمام الرضا عليهالسلام ، وقبره مشهور يزار.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٢ / ٤٢٤
٣٨٩٩
[ السيّد ] هاشم البحراني
( ... ـ ١١٠٧
ه )
هاشم بن سليمان بن
إسماعيل بن عبد الجواد بن علي الحسيني الموسوي ، البحراني التّوبلي الكّتكاني ، المفسّر الإمامي ، المعروف بالعلاّمة.
روى عن : السيد
عبد العظيم بن عباس الأسترابادي ، وفخر الدين بن محمّد علي الطريحي النجفي.
وتتبع كتب الأخبار
والروايات بما لم يسبقه إليه أحد سوى العلاّمة المجلسي ، وجمع ، وصنّف ، وصار من
كبار المحدّثين.
__________________
ثمّ انتهت إليه
الرئاسة ببلاد البحرين بعد وفاة محمد بن ماجد الماحوزي البحراني ، وولي القضاء
والأمور الحسبية في تلك البلاد ، وحاز شهرة كبيرة.
روى عنه المحدث
محمد بن الحسن الحرّ العاملي ، وقال في وصفه : عالم ماهر مدقّق فقيه ، عارف
بالتفسير والعربية والرجال.
وتتلمذ عليه وروى
عنه عدّة ، منهم : محمود بن عبد السلام المعني ، وسليمان ابن عبد الله الماحوزي ،
وحسن البحراني ، والسيد محمد بن علي العطّار البغدادي ، وعلي بن عبد الله بن راشد
المقابي البحراني ، وهيكل بن عبد علي الأسدي الجزائري.
وصنّف أكثر من
سبعين كتابا ، منها : التنبيهات في الفقه الاستدلالي ، البرهان في تفسير القرآن (
مطبوع ) ، الهادي ومصباح ( ضياء ) النادي في تفسير القرآن ، غاية المرام في معرفة
الإمام ، كشف المهمّ في طريق خبر غدير خمّ ( مطبوع ) ، مدينة المعاجز ( مطبوع ) في
النصّ على الأئمّة الهداة ، نهاية الإكمال فيما تتم به الأعمال ( مطبوع ) في أصول
الدين ، الهداية القرآنية إلى الولاية الإمامية ، تبصرة الولي فيمن رأى القائم
المهدي ، مصباح الأنوار وأنوار الأبصار في بيان معجزات النبي المختار ، نزهة
الأبرار ومنار الأنظار في خلق الجنة والنار ، الدر النضيد في خصائص الإمام الشهيد
، معالم الزلفى في النشأة الأخرى ، التحفة البهية في إثبات الوصية ، وفاة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ووفاة الزهراء عليهاالسلام.
توفّي سنة سبع
ومائة وألف في قرية نعيم ، ونقل نعشه إلى توبلي ، ودفن بها ، وقبره مزار معروف.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٢ / ٣٥٠
٣٨٤٩
المجلسي الثاني
( ١٠٣٧ ـ ١١١٠
ه )
محمد باقر بن محمد
تقي بن مقصود علي الأصفهاني ، العاملي الأصل ، المعروف بالمجلسي الثاني وبالعلاّمة
المجلسي ، أحد أئمّة الحديث ، وصاحب كتاب « بحار الأنوار » الذي يعدّ أكبر دائرة
معارف شيعية .
ولد في أصفهان سنة
سبع وثلاثين وألف.
وأكبّ في عنفوان
شبابه على طلب العلوم بأنواعها ، ثمّ صرف همّته إلى تتبع
__________________
كتب الحديث ،
والبحث عن أخبار وآثار أئمّة أهل البيت عليهمالسلام وجمعها وتدوينها ودراستها ، وقد جال في داخل البلاد للحصول
على الكتب القديمة غير المتداولة ، كما استعان ببعض تلامذته وأصحابه الذين ارتحلوا
إلى الآفاق في سبيل ذلك .
تتلمذ المترجم على
جمع من العلماء ، واستجاز عدّة منهم ، ومن هؤلاء : والده المحدّث محمد تقي وانتفع
به كثيرا ، وحسن علي بن عبد الله التستري ، ومحمد محسن المعروف بالفيض الكاشاني ،
والسيد رفيع الدين محمد بن حيدر النائيني ، والسيد محمد قاسم بن محمد الطباطبائي
القهبائي ، ومحمد شريف بن شمس الدين محمد الرويدشتي ، والسيد محمد مؤمن بن دوست
محمد الأسترابادي ، ومحمد محسن بن محمد مؤمن الأسترابادي ، والسيد محمد بن شرف
الدين علي بن نعمة الله الموسوي الشهير بسيد ميرزا ، والسيد شرف الدين علي بن حجّة
الله الشولستاني النجفي ، وعبد الله بن جابر العاملي ، والمتكلّم الفقيه الحسين بن
جمال الدين محمد الخوانساري.
وتضلّع من فنون
العلم ، وتصدى لتدريسها ، وكانت عنايته بتدريس الحديث أكثر من غيره ، واهتم
اهتماما بالغا بنشر عقائد الشيعة وثقافتهم.
وولي إمامة الجمعة
والجماعة ، ثمّ تقلّد منصب شيخوخة الإسلام ، وقصده
__________________
طلاب العلوم ،
وازدحم عليه المستفيدون ، وحاز شهرة واسعة في الأوساط العلمية والاجتماعية ، وأصبح
ذا مكانة مرموقة في البلاط الصفوي ، نافذ الكلمة فيه .
تتلمذ عليه وروى
عنه طائفة ، منهم : السيد نعمة الله بن عبد الله الجزائري ، وعبد الله بن عيسى
التبريزي المعروف بالأفندي ، والسيد محمد صالح بن عبد الواسع الخاتون آبادي ، ومحمد
حسين بن الحسن الديلماني ثمّ اللنباني ، والسيد أبو القاسم جعفر بن الحسين
الأصفهاني الخوانساري ، وابنا أخيه زين العابدين ومحمد نصير ابنا عبد الله بن محمد
تقي المجلسيان ، وسليمان بن عبد الله الماحوزي البحراني ، والسيد عبد المطلب
الموسوي الجزائري ، وبهاء الدين محمد بن الحسن الأصفهاني المعروف بالفاضل الهندي ،
وبهاء الدين محمد بن محمد باقر المختاري السبزواري النائيني ، ومحمد صالح بن عبد
الرحيم اليزدي ، وعبد الله بن نور الله البحراني ، ومحمد قاسم بن محمد رضا الهزار
جريبي ، ومحمد رفيع بن فرج ( فرّخ ) الجيلاني ، وأحمد بن محمد المقابي البحراني ،
ومحمد بن علي الأردبيلي الحائري الذي قال في وصف أستاذه المترجم : خاتم المجتهدين
... كثير العلم ، جيد التصانيف ، وأمره في علو قدره وعظم شأنه وسمو رتبته وتبحّره
في العلوم العقلية والنقلية ودقة نظره ... أشهر من أن يذكر.
وقد صنف كتبا
ورسائل كثيرة ، منها : بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار
__________________
الأئمّة الأطهار (
مطبوع في ١١٠ أجزاء ) ، شرح على « تهذيب الأحكام » للطوسي سمّاه ملاذ الأخيار في
فهم تهذيب الأخبار ( مطبوع في ١٦ جزءا ) ، شرح على « الكافي » للكليني سمّاه مرآة
العقول في شرح أخبار آل الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ( مطبوع في ٢٦
جزءا ) ، رسالة الأوزان ، رسالة في الشكوك ، الوجيزة في الرجال ( مطبوعة ) ، رسالة
الاعتقاد ، رسالة تشتمل على أجوبة رسائل متفرقة تسمى المسائل الهندية ، عين الحياة
بالفارسية في الوعظ والزهد ، حلية المتقين ( مطبوع ) بالفارسية في الآداب والسنن ،
رسالة في النكاح ( مطبوعة ) بالفارسية ، رسالة مناسك الحجّ ( مطبوعة ) بالفارسية ،
رسالة صواعق اليهود ( مطبوعة ) ، رسالة في الجزية وأحكام الذمة بالفارسية ، رسالة
في الكفّارات بالفارسية ، ترجمة عهد أمير المؤمنين عليهالسلام إلى مالك الأشتر ، ترجمة « فرحة الغري » للسيد عبد الكريم
بن أحمد بن طاووس ، وترجمة قصيدة دعبل ( مطبوعة ) ، رسالة في تحقيق حال محمد بن
سنان ، رسالة في تحقيق حال عبد الحميد بن سالم العطار.
توفي بأصفهان في
شهر رمضان سنة عشر ومائة وألف ، ومرقده بها مشهور يزار.
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٢ / ٤١٩
٣٨٩٧
المحدّث [ السيّد نعمة
الله ] الجزائري
( ١٠٥٠ ـ ١١١٢
ه )
نعمة الله بن عبد
الله بن محمد بن الحسين الموسوي ، الجزائري ثمّ التستري ، أحد أعيان محدثي
الإمامية ومشاهيرهم.
قال معاصره عبد
الله الأفندي في حقّه : فقيه ، محدّث ، أديب ، متكلّم ، مدرّس.
ولد سنة خمسين
وألف في قرية الصباغية ( من قرى الجزائر بالبصرة ).
ودرس المقدمات في
الجزائر عند القاضي يوسف بن محمد البناء
__________________
الجزائري ، ومحمد
بن سليمان الجزائري ، وفرج الله بن سلمان بن الحارث الجزائري.
وانتهل إلى
الحويزة ، وأخذ بها عن الأديب الحسين بن سبتي الحويزي ، وغيره.
ثمّ ارتحل إلى
شيراز ـ وهي يومئذ من مراكز العلم الشهيرة ـ فلبث بها تسع سنين مكبّا على التحصيل
، فأخذ في المعقول عن : شاه أبو الولي بن شاه تقي الدين محمد الشيرازي ، والفيلسوف
إبراهيم بن صدر الدين محمد بن إبراهيم الشيرازي ، وفي المنقول عن : صالح بن عبد
الكريم الكرزكّاني البحراني ثم الشيرازي ( المتوفّى ١٠٩٨ ه ) ، وعبد علي بن جمعة
العروسي الحويزي ثمّ الشيرازي ، وجعفر بن كمال الدين بن محمد البحراني الشيرازي.
ثمّ توجّه إلى
أصفهان ، فأقام بها ثماني سنين ، متابعا دراسته فيها على كبار العلماء مثل الحسين
بن جمال الدين محمد الخوانساري ، ومحمد باقر بن محمد مؤمن السبزواري ، ومحمد محسن
المعروف بالفيض الكاشاني ، والسيد رفيع الدين محمد بن حيدر الطباطبائي النائيني (
المتوفّى ١٠٨٢ ه ).
وصحب المحدّث
الكبير محمد باقر المجلسي الأصفهاني ، ولازمه أعواما ، وقرأ عليه شطرا وافيا من
العلوم العقلية والنقلية والأدبية ، ثمّ أجيز منه في سنة ( ١٠٩٦ ه ).
وكان على مشرب
الأخبارية ، وقد اهتم اهتماما بالغا بكتب الحديث ، وشرح كثيرا منها ، وأفاد ،
ودرّس في مدرسة الميرزا تقي دولت آبادي.
وكان المجلسي يثني
عليه في المحافل ، ويصوّب تحقيقاته ، ويستعين به في تأليف كتابه « بحار الأنوار ».
وسافر المترجم إلى
العراق ، فزار مشاهد الأئمّة عليهمالسلام ، وعاد إلى بلدته الجزائر ، فاتفق هجوم الجيش التركي على
البصرة في سنة ( ١٠٧٨ ه ) ، فلجأ إلى الحويزة ، ثمّ توجّه إلى تستر فاتخذها موطنا
، ولقي من أهلها وحاكمها فتح علي خان بن واخشنو خان كرامة موفورة.
ولما سمع السلطان
سليمان الصفوي بذلك سرّ بقدومه ، وفوّض إليه القضاء ومنصب شيخ الإسلام والتدريس
ونيابة الصدر وإمامة الجمعة والجماعة ، فباشر كلّ ذلك ، وأخذ في بثّ العلوم
الشرعية ، وترويج الأحكام الشرعية حتى صارت تستر من البلاد التي تقصد لتحصيل
العلم.
تتلمذ عليه وروى
عنه قراءة وسماعا وإجازة طائفة ، منهم : ولده السيد نور الدين ، ومحمد باقر بن
محمد حسين التستري ( المتوفّى ١١٣٥ ه ) ، ويعقوب بن إبراهيم البختياري الحويزي ،
وعناية الله بن محمد زمان التستري ، وعليّ بن الحسين بن محي الدين الجامعي العاملي
، ومحمد زمان بن محمد رضا التستري ، وشمس الدين بن صفر البصري الجزائري ، وعبد
الغفار بن تقي بن طالب التستري ، وفتح الله بن علوان الكعبي الدورقي ، وعلم الهدى
محمد بن محمد محسن الكاشاني ، والسيد أبو القاسم بن محمد بن عيسى المرعشي التستري
، وأبو الحسن الشريف بن محمد طاهر الفتوني النجفي ، والقاضي محمد تقي بن عناية
الله التستري ، ونجم الدين بن محمد الجزائري.
وصنّف أكثر من
خمسين كتابا ورسالة منها : هدية المؤمنين في الفقه ، رسالة
منبع الحياة في
حجيّة قول المجتهدين من الأموات ، مقصود الأنام في شرح « تهذيب الأحكام » للطوسي
في اثني عشر مجلدا ، غاية المرام في شرح « تهذيب الأحكام » في ثماني مجلدات ،
الأنوار النعمانية في معرفة النشأة الإنسانية ( مطبوع في جزءين ) ، كتاب في حلّ
المشكلات من المسائل الحكمية والكلامية والفقهية وغيرها ، أنس الوحيد في شرح «
التوحيد » للصدوق ، عقود المرجان في تفسير القرآن ، كشف الأسرار في شرح « الاستبصار » للطوسي في ثلاث مجلدات ، رسالة مسكن
الشجون في حكم الفرار من الطاعون ، رياض الأبرار في مناقب الأئمّة الأطهار في ثلاث
مجلدات ، البحور الزاخرة في شرح أخبار العترة الطاهرة ، زهر الربيع ( مطبوع ) في
الأدب ، رسالة منتهى المطلب في النحو ، مقامات النجاة في الوعظ والتذكير ، حاشية
على شرح الجامي على « الكافية » في النحو لابن الحاجب لم تتمّ ، حاشية على « مغني
اللبيب » في النحو لابن هشام ، حاشية على « نقد الرجال » للسيد مصطفى التفريشي ،
وحاشية على « أمل الآمل » في الرجال للحرّ العاملي.
توفّي في ( جايدر
) من أعمال ( فيلي ) بعد رجوعه من زيارة الإمام الرضا عليهالسلام ، وذلك في شهر شوال سنة اثنتي عشرة ومائة وألف.
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٢ / ٢٧٣
٣٧٨٨
جمال الدين الخوانساري
( ... ـ ١١٢٢
ه )
[ السيّد ] محمد
بن الحسين بن جمال الدين محمد بن الحسين ، جمال الدين الخوانساري الأصل ،
الأصفهاني ، الفقيه الإمامي المحقّق ، والعالم المتضلّع ، صاحب التصانيف.
قال معاصره محمد
بن علي الأردبيلي في حقّه : جليل القدر ، عظيم المنزلة ، رفيع الشأن ... عارف
بالأخبار والفقه والأصول والكلام والحكمة.
تتلمذ على العلمين
المحقّقين : والده الحسين ( المتوفّى ١٠٩٨ ه ) ، وخاله محمد باقر بن محمد مؤمن
السبزواري ( المتوفّى ١٠٩٠ ه ).
وروى عن محمد باقر
بن محمد تقي المجلسي.
وبرع ـ كأبيه ـ في
كثير من العلوم ، لكنّه ـ على عكس أبيه ـ اهتم بالتأليف
__________________
في العلوم النقلية
أكثر منه في العلوم العقلية .
وتصدى للإجابة عن
المسائل ، وللتدريس حتى انتهت إليه رئاسته في أصفهان.
تتلمذ عليه ثلّة
من العلماء ، منهم : محمد رفيع بن فرج الجيلاني ، والسيد محمد إبراهيم بن محمد
معصوم التبريزي القزويني ، والسيد أبو القاسم جعفر بن الحسين الأصفهاني الخوانساري
، والمتكلّم علي أصغر المشهدي الرضوي ، والسيد محمد حسين بن محمد صالح بن عبد
الواسع الخاتون آبادي ، ومحمد حسين بن الحسن بن علي الديلماني ثمّ اللنباني.
وألّف رسائل جمّة
وكتبا ، منها : حاشية على « الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية » للشهيد الثاني
( مطبوعة مع المتن ) ، حاشية على « شرائع الإسلام » للمحقّق جعفر بن الحسن الحلّي
، رسالة في النية ( مطبوعة ) بالفارسية ، رسالة في الجمعة ( مطبوعة ) بالفارسية ،
رسالة في الخمس ( مطبوعة ) بالفارسية ، رسالة في النذر ( مطبوعة ) ، رسالة في معنى
الكراهية في العبادة ( مطبوعة ) ، حاشية على شرح عضد الدين الإيجي على « المختصر »
في أصول الفقه لابن الحاجب المالكي ، حاشية على « تهذيب الأحكام » للطوسي ، حاشية
على « من لا يحضره الفقيه » للصدوق ، حاشية على حاشية الخفري على شرح القوشجي على
« تجريد الكلام » لنصير الدين الطوسي ( مطبوع ) ، حاشية على طبيعيات ( الشفاء )
لابن سينا
__________________
( مطبوع ). وترجمة
وشرح « غرر الحكم ودرر الكلم » من كلمات أمير المؤمنين عليهالسلام لعبد الواحد الآمدي ( مطبوع ).
توفّي في شهر
رمضان سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف ، وقيل إحدى وعشرين ، وقيل خمس وعشرين وله
ابنان عالمان ، هما : حسن علي ، ومحمد رفيع .
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٢ / ٢٧١
٣٧٨٧
الفاضل الهندي
( ١٠٦٣ ـ ١١٣٧
ه )
محمد بن تاج الدين
الحسن بن محمد ، بهاء الدين أبو الفضل الأصفهاني ،
__________________
المعروف بالفاضل
الهندي ، أحد أبرز فقهاء الإمامية المجتهدين.
ولد سنة اثنتين
وستين وألف.
ودرس عند والده ،
وروى عنه ، وسافر معه ـ وهو صغير السن ـ إلى بلاد الهند ( ولذلك اشتهر بالفاضل
الهندي ) ، ورجع إلى أصفهان ، وواصل دراسته بها ، وأكبّ على المطالعة.
ونبغ في عهد مبكر
، وشرع في البحث والتصنيف قبل أوان البلوغ ، وأحرز ملكة الاجتهاد في ذلك الوقت.
ولم يزل شأنه في
ارتفاع حتى صار عمدة المجتهدين في أصفهان والمعوّل عليه في الفتيا فيها وفي سائر
البلدان.
وكان إلى جانب
براعته في الفقه والأصول ، ذا يد باسطة في علم الكلام والحكمة والنحو والمعاني
والبيان.
وقد درّس ، فتتلمذ
عليه جمع ، وانتفعوا به في الفقه والحديث والتفسير ، ومن هؤلاء : السيد محمد علي
الكشميري ، وأحمد بن الحسين الحلّي ، والسيد ناصر الدين أحمد بن محمد المختاري
السبزواري ، وبهاء الدين محمد بن باقر المختاري النائيني ، وعبد الكريم بن محمد
هادي الطبسي ، ومحمد بن علي بن محمود الجزائري التستري ، وعلي أكبر بن محمد صالح
الحسني اللاريجاني ، والسيد صدر الدين محمد الحسني ، ومحمد صالح بن عبد الله
الكزازي القمي ، ومحمد تقي الأصفهاني المعروف بتقيا ، وعبد الحسن بن عبد الرحمن
البغدادي.
وصنّف كتابه
المعروف كشف اللثام عن قواعد الأحكام ( مطبوع في ستة
أجزاء ) الذي يعدّ من الآثار الفقهية الموسوعية ، وقد حكي عن الفقيه الشهير محمد
حسن بن باقر النجفي أنّه كان لا يكتب شيئا من « جواهر الأحكام في شرح شرائع
الإسلام » إلاّ بعد أن يكون « كشف اللثام » حاضرا بين يديه.
وللمترجم تآليف كثيرة
، منها : الزهرة في مناسك الحجّ والعمرة ، المناهج السوية في شرح « الروضة البهية
في شرح اللمعة الدمشقية » في الفقه للشهيد الثاني ، الاحتياطات اللازمة ، تفسير
القرآن الكريم ، إجالة النظر في القضاء والقدر ، الزبدة في أصول الدين ، خلاصة
المنطق ، رسالة التمحيص في البلاغة لخص بها « تلخيص المفتاح » للخطيب القزويني ،
التنصيص على معاني التمحيص » ( مطبوعة ) ، عون إخوان الصفا في تلخيص « الشفا »
لابن سينا ، حاشية على « شرح المواقف » للجرجاني ، اللآلي العبقرية في شرح العينية
الحميرية ، موضح أسرار النحو ، زبدة العربية في تلخيص وترجمة كتاب المطوّل
للتفتازاني ، الحور البريعة في أصول الشريعة ، چهار آئينه ، حاشية على « شرح
الهداية الأثيرية » للميبدي ، رسالة في صلاة الجمعة ، الكوكب الدرّي في تفسير
الآيات المنتخبة من « غرر الفوائد » للسيد المرتضى ، وتحفة الصالح وهي أجوبة مسائل
سأله عنها محمد صالح الكزازي وجمعها سنة ( ١١٢٦ ه ).
توفّي المترجم
بأصفهان في شهر رمضان سنة سبع وثلاثين ومائة وألف.
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٢ / ٣٢٠
٣٨٢٧
صدر الدين الرضوي
( حدود
١٠٩٠ ه ـ قبل ١١٦٠ ه )
محمد بن محمد باقر
بن محمد علي بن محمد مهدي الحسيني الرضوي ، السيد صدر الدين الأصفهاني ثمّ القمي
ثمّ النجفي ، أحد محقّقي الإمامية ، ومراجع الدين.
تتلمذ في أوّل
أمره في المعقول والعلوم الأدبية ونبذ من الفقه والأصول في أصفهان على : جمال
الدين محمد بن الحسين الخوانساري ، والقاضي جعفر بن عبد الله الكمرئي [ الحويزي ]
الأصفهاني ، وغيرهما.
وارتحل إلى قم
للإرشاد والتدريس ، فلما نشبت فتنة الأفعان انتقل منها إلى همدان موطن أخيه
إبراهيم ثمّ إلى النجف الأشرف ، فسكنها ، وأخذ بها عن
__________________
جماعة ، منهم :
الشريف أبو الحسن بن محمد طاهر الفتوني العاملي النجفي ، وأحمد بن إسماعيل
الجزائري النجفي.
وتبحّر في الفقه
والأصول ، وأحاط علما بسائر الفنون.
وتصدى للتدريس
والتأليف ، وعظم موقعه في النفوس ، وقصده الوافدون لزيارة مرقد أمير المؤمنين عليهالسلام ، للتبرّك بلقائه واستفتائه في المسائل.
وتتلمذ عليه
الفقيه الشهير محمد باقر المعروف بالوحيد البهبهاني وغيره.
وروى عنه : أخوه
السيد إبراهيم ، والسيد شبّر بن محمد بن ثنوان المشعشعي ، والسيد عبد الله بن نور
الدين الجزائري التستري إجازة ، وقال في حقّه : هو أفضل من رأيتهم بالعراق ،
وأعمّهم نفعا ، وأجمعهم للمعقول والمنقول.
وقد صنف المترجم
كتبا ورسائل ، منها : شرح « الوافية » في أصول الفقه لعبد الله التوني ، كتاب في
الطهارات استقصى فيه المسائل ، حاشية على « مختلف الشيعة إلى أحكام الشريعة »
للعلاّمة الحلي ، منتهى المرام في صلاة القصر والإتمام ، البرهان المتين في
النبوّة ، الدرة البيضاء في البداء ، رسالة في المعراج الجسماني ، ورسالة في حديث
الثقلين.
وله مقالات ، منها
: مقالة في تفسير ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ ، ) وأخرى في تفسير ( إِنَّ فِي
خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) ومقالة في ترتيب التسبيحات الأربع ووجه اختلاف تسبيح
الزهراء عليهاالسلام بعد الصلاة وقبل النوم.
توفّي بالنجف
الأشرف في عشر الستين بعد المائة والألف عن خمس وستين عاما.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٢ / ٤٣٦
٣٩٠٨
صاحب الحدائق
( ١١٠٧ ـ ١١٨٦
ه )
يوسف بن أحمد بن
إبراهيم بن أحمد بن صالح بن عصفور البحراني الدّرازي ، العالم الكبير ، المحدّث
الإمامي المتتبّع ، صاحب « الحدائق الناضرة » ، نزيل الحائر الشريف.
ولد في قرية
الماحوز ( بالبحرين ) سنة سبع ومائة وألف.
ودرس وهو صبّي على
والده في النحو والصرف.
ولجأ والده مع
عائلته ـ بعد تغلّب الخوارج على وطنه ـ إلى القطيف ، وخلّف ولده الأكبر ( المترجم
له ) في قرية الشاخورة ( بالبحرين ).
وبعد سنوات عديدة
قام بزيارة والده وبقي هناك إلى ما بعد وفاة والده
__________________
( سنة ١١٣١ ه )
بنحو سنتين ، مشتغلا بالتحصيل على الحسين بن محمد جعفر الماحوزي البحراني.
وعاد إلى البحرين
، وتابع فيها دراسته على أحمد بن عبد الله بن الحسن ، وعبد الله بن علي بن أحمد
البلاديين البحرانيين.
ثمّ سافر إلى
القطيف لتدقيق الحديث على أستاذه الماحوزي.
وعاد إلى بلاده ،
فاتّفق وقوع اضطرابات فيها بعد مقتل السلطان حسين الصفوي ( سنة ١١٣٥ ه ) ،
فبارحها إلى بلاد إيران ، وحلّ برهة في كرمان ، ثمّ رحل إلى شيراز ، فأكرمه حاكمها
محمد تقي خان ، ومكث فيها مدّة متصديا للبحث والتصنيف والتدريس ، وإقامة الجمعة
والجماعة ، والإجابة عن شتى المسائل.
وقد أجاز له رفيع
الدين محمد بن فرج ( فرّخ ) الجيلاني المشهدي والسيد عبد الله بن علوي البحراني
ثمّ البهبهاني الذي أجاز له المترجم أيضا.
ثمّ عصفت في تلك
البلاد عواصف الأيام ، فخرج منها إلى بعض القرى ، واستوطن قصبة ( فسا ) فلبث فيها
مدّة مشتغلا بالمطالعة والتصنيف. ثمّ نالته محن ، ألجأته إلى مغادرتها ، فانتقل
إلى الاصطهبانات ، ثمّ ارتحل إلى العراق قبل سنة ( ١١٦٩ ه ) فجاور في كربلاء ـ وكانت
يومذاك من المراكز العلمية الكبيرة ـ وأكبّ على التدريس والتصنيف والإفتاء ، ودارت
بينه وبين المحقّق الأصولي الوحيد البهبهاني ( المتوفّى ١٢٠٦ ه ) مناظرات كثيرة ،
وقد ذكر أبو علي الحائري في « منتهى المقال » أنّ أستاذه ( صاحب الترجمة ) كان
أوّلا أخباريا صرفا ثمّ رجع إلى الطريقة الوسطى وكان يقول : إنّها طريقة العلاّمة
المجلسي.
واشتهر المترجم له
، وصار من أعلام عصره المعروفين بغزارة العلم والتضلع
في العلوم
والتبحّر في الفقه والحديث.
وقد تتلمذ عليه
وروى عنه قراءة وسماعا وإجازة طائفة ، منهم : السيد أحمد الطالقاني النجفي (
المتوفّى ١٢٠٨ ه ) والسيد عبد الباقي بن محمد حسين الخاتون آبادي ، والسيد أحمد
العطار البغدادي الشاعر ، والحاج معصوم ، والسيد شمس الدين المرعشي الحسيني
النسّابة ( المتوفّى ١٢٠٠ ه ) ، والسيد محمد مهدي بحر العلوم النجفي ، ومحمد بن
علي التستري الحائري ، ومحمد مهدي النراقي ، والميرزا محمد مهدي الشهرستاني ،
والسيد الميرزا محمد مهدي بن هداية الله الأصفهاني الخراساني ( الشهيد سنة ١٢١٨ ه
) ، والمحقّق الميرزا أبو القاسم القمي ، وموسى بن علي البحراني ، وسليمان بن
معتوق العامليى ، ومحمد مهدي الفتوني ، وأبو علي محمد بن إسماعيل الحائري ، وابنا
أخويه خلف بن عبد علي بن أحمد والحسين بن محمد بن أحمد ، والسيد عبد العزيز بن
أحمد الصافي النجفي ، ومحمد علي المعروف بابن سلطان ، وزين العابدين بن محمد كاظم.
وصنّف كتبا كثيرة
، منها : الحدائق الناضرة إلى أحكام العترة الطاهرة ( مطبوع في ٢٥ جزءا ) في الفقه ،
الدرر النجفية من الملتقطات اليوسفية ( مطبوع ) في الفقه ، الرسالة المحمدية في
أحكام الميراث الأبدية ، رسالة مناسك الحجّ ، عقد الجواهر النورانية في أجوبة
المسائل البحرانية ، رسالة اللآلي الزواهر في تتمة عقد الجواهر ، حاشية على «
مدارك الأحكام » للسيد محمد بن علي العاملي سمّاها تدارك المدارك فيما هو غافل عنه
وتارك لم تتم ، رسالة قاطعة القال والقيل في
__________________
نجاسة الماء
القليل ، رسالة الكنوز المودعة في إتمام الصلاة في الحرم الأربعة ، الرسالة
الصلواتية متنا وشرحا ، الرسالة الصلواتية المنتخبة منها ، معراج النبيه في شرح «
من لا يحضره الفقيه » للصدوق ، لؤلؤة البحرين ( مطبوع ) في الإجازات وتراجم رجال
الحديث ، أنيس المسافر وجليس الحاضر ( مطبوع ) ويقال له الكشكول ، أجوبة المسائل
البهبهانية ، أجوبة المسائل الشيرازية ، أجوبة المسائل الكازرونية ، أجوبة أحمد الدمستاني
، أجوبة المسائل الشاخورية ، أجوبة المسائل النعيمية ، الأربعون حديثا ، إعلام
القاصدين إلى أصول الدين ، وكتاب الخطب للجمع والأعياد.
توفّي بكربلاء في
رابع ربيع الأوّل سنة ست وثمانين ومائة وألف ، وصلّى عليه الوحيد البهبهاني ،
وشيّعه جمع غفير ، ودفن في الرواق عند رجلي سيد الشهداء الحسين عليهالسلام.
ومن نظمه ، قصيدة
بعث بها إلى إخوته من الاصطهبانات ، يصف فيها ما حلّ به من ملمّات ، مطلعها :
ألا من مبلغ عصر
الشباب
|
|
وشبانا به كانوا
صحابي
|
ومنها :
وأعظم حسرة أضنت
فؤادي
|
|
تفرّق ما بملكي
من كتاب
|
لقد ضاقت عليّ
الأرض طرّا
|
|
وسدّ عليّ منها
كلّ باب
|
طوتني النائبات
وكنت نارا
|
|
على علم بها طيّ
الكتاب
|
* * *
القرن الثالث عشر
١ ـ الوحيد
البهبهاني ( م ١٢٠٥ ه )
٢ ـ حسين القزويني
( م ١٢٠٨ ه )
٣ ـ مهدي النراقي (
م ١٢٠٩ ه )
٤ ـ بحر العلوم (
م ١٢١٢ ه )
٥ ـ محمد جواد
العاملي ( م ١٢٢٦ ه )
٦ ـ المقدس
الأعرجي ( م ١٢٢٧ ه )
٧ ـ جعفر كاشف
الغطاء ( م ١٢٢٨ ه )
٨ ـ الميرزا
القمّي ( م ١٢٣١ ه )
٩ ـ السيد علي
الطباطبائي ( م ١٢٣١ ه )
١٠ ـ اسد الله
التستري ( م ١٢٣٤ ه )
١١ ـ موسى كاشف
الغطاء ( م ١٢٤١ ه )
١٢ ـ السيد محمد
المجاهد ( م ١٢٤٢ ه )
١٣ ـ أحمد النراقي
( م ١٢٤٥ ه )
١٤ ـ شريف العلماء
( م ١٢٤٦ ه )
١٥ ـ ملا علي
النوري ( م ١٢٤٧ ه )
١٦ ـ محمد تقى
الايوان كيفي ( م ١٢٤٨ ه )
١٧ ـ علي كاشف
الغطاء ( م ١٢٥٣ ه )
١٨ ـ صاحب الفصول (
م ١٢٥٥ ه )
١٩ ـ خضر شلال ( م
١٢٥٥ ه )
٢٠ ـ حجة الاسلام
الشفتي ( م ١٢٦٠ ه )
٢١ ـ الشيخ محمد
ابراهيم الكلباسي ( م ١٢٦١ ه )
٢٢ ـ حسن كاشف
الغطاء ( م ١٢٦٢ ه )
٢٣ ـ سيّد ابراهيم
القزويني سنة ١٢٦٢ ه )
٢٤ ـ صاحب الجواهر
( م ١٢٦٦ ه )
٢٥ ـ محسن خنفر (
م ١٢٧٠ ه )
٢٦ ـ الشيخ الأعظم
الأنصاري ( م ١٢٨١ ه )
٢٧ ـ شيخ العراقين
الطهراني ( م ١٢٨٦ ه )
٢٨ ـ ملا آقا بن
عابد الدربندي ( م ١٢٨٦ ه )
٢٩ ـ مهدي كاشف
الغطاء ( م ١٢٨٩ ه )
٣٠ ـ فقيه العراق
الشيخ راضي ( م ١٢٩٠ ه )
٣١ ـ ابو القاسم
الكلانتري ( م ١٢٩٢ ه )
٣٢ ـ السيد علي
القزويني ( م ١٢٩٨ ه )
٣٣ ـ السيد حسين
الترك ( م ١٢٩٩ ه )
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٣ / ٥٢٩
٤٢٩١
الوحيد البهبهاني
( ١١١٧ ـ ١٢٠٦
، ١٢٠٥ ه )
محمد باقر بن محمد
أكمل بن محمد صالح الأصفهاني ، البهبهاني ، الحائري ، المعروف بالوحيد البهبهاني ،
وبالأستاذ الأكبر.
كان من أعلام
الإسلام وأفذاذ المحقّقين ، ورائد حركة التجديد في أصول الفقه ، وزعيم الإمامية في
عصره.
ولد في أصفهان سنة
سبع عشرة ومائة وألف ، ونشأ بها.
وانتقل مع أبيه
إلى بهبهان ، فأقام بها ردحا من الزمن.
تتلمذ على جماعة
منهم : والده محمد أكمل ، والسيد صدر الدين محمد بن
__________________
محمد باقر
الهمداني القمي النجفي ، والسيد محمد بن عبد الكريم الطباطبائي ( جدّ السيد محمد
مهدي بحر العلوم ).
وبرع في الفقه
والأصول ، وباشر التعليم والتأليف ، وصار من العلماء البارزين في بهبهان.
وارتحل إلى الحائر
( كربلاء ) ـ التي كانت يومذاك من أهمّ مراكز الأخباريين فاستقرّ بها ، وتصدّى
للتدريس والمناظرة والتأليف والإفتاء ، وبثّ آرائه وأفكاره الأصولية الجديدة حتّى
أصبح المرجع الأعلى للطائفة ، ورائدا لمدرسة أصولية ( استطاعت أن تقفز بعلم الأصول
قفزة كبيرة وتعطيه ملامح عصر جديد ، وأن تنمّي حركة الفكر العلمي ) ، ممّا أدى إلى تقلّص نفوذ الاتجاه الأخباري وانحسار ظلّه .
وقد تتلمذ على
الأستاذ الوحيد وتخرج به جمع من العلماء تبوّأ عدد كبير منهم منازل علمية رفيعة
مثل السيد محمد مهدي بحر العلوم الطباطبائي ، وجعفر بن خضر الجناجي النجفي صاحب «
كشف الغطاء » ، والسيد محمد جواد العاملي
__________________
النجفي صاحب «
مفتاح الكرامة » ، ومحمد مهدي بن أبي ذر النراقي الكاشاني ، والسيد محمد مهدي بن
أبي القاسم الشهرستاني الحائري ، والسيد علي بن محمد علي الطباطبائي الحائري صاحب
« رياض المسائل » وأبو علي محمد بن إسماعيل الحائري صاحب « منتهى المقال »
والميرزا أبو القاسم الجيلاني القمي صاحب « قوانين الأصول » والسيد دلدار علي بن
محمد معين النقوي الهندي ، وأسد الله التستري الكاظمي صاحب « المقابس » ، والسيد
محمد باقر بن محمد تقي الرشتي الأصفهاني الشهير بحجّة الإسلام ، ومحمد حسن بن محمد
معصوم القزويني الحائري ، والسيد أحمد بن حسين الطالقاني النجفي ، وابنه محمد علي
بن محمد باقر البهبهاني ، وغيرهم كثير .
وألّف كتبا ورسائل
كثيرة ، منها : شرح « مفاتيح الشرائع » في الفقه للفيض محمد محسن الكاشاني ، حاشية
على « مدارك الأحكام » في الفقه للسيد محمد بن علي بن أبي الحسن العاملي ، حاشية
على « شرح إرشاد الأذهان » في الفقه للمقدس أحمد الأردبيلي ، الفوائد الحائرية الأصولية القديمة ( مطبوعة ) ، الفوائد الحائرية الأصولية
الجديدة ( مطبوعة ) ، الاجتهاد والأخبار ( مطبوع ) ، رسالة أصالة
__________________
البراءة ، رسالة
في إبطال القياس ، حاشية على « معالم الأصول » للحسن بن الشهيد الثاني ، ثلاث
رسائل في حجّية الإجماع ، رسالة في أصالة الطهارة ، رسالة في استحباب صلاة الجمعة
، كتاب في الإمامة بالفارسية ، أصول الإسلام والإيمان ، ورسالة في أصول الدين ،
وغير ذلك.
توفّي في كربلاء
سنة ست ومائتين وألف ، وقيل : سنة خمس.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٣ / ٢٣٣
٤٠٧٥
[ السيّد حسين ] القزويني
( حدود
١١٢٦ ـ ١٢٠٨ ه )
حسين بن محمد
إبراهيم بن محمد معصوم بن فصيح الحسيني ، التبريزي الأصل ، القزويني ، أحد أعيان
مجتهدي الإمامية.
ولد حدود سنة ست
وعشرين ومائة وألف.
__________________
وأخذ العلم عن
والده الفقيه محمد إبراهيم ، وعن أخيه محمد مهدي بن محمد إبراهيم وقرأ عليه في الفروع
والأصول والمعقول والمنقول ، وانتفع به كثيرا.
وروى بالإجازة عن
: السيد نصر الله بن الحسين الفائزي الحائري المدرّس ، والحسين بن محمد بن جعفر
الماحوزي ، ومحمد علي الجزيني تلميذ الحرّ العاملي ، ومحمد قاسم بن محمد صادق بن
محمد الشهير بـ ( سراب ) بن عبد الفتاح التنكابني ، وغيرهم.
وبرع في الفقه ،
وغاص على أسراره ، وجمع الأقوال والأدلة وحقّقها ، وتضلّع في فنون أخرى ، وعكف على
التأليف فيها.
روى عنه بالإجازة
الفقيه الكبير السيد محمد مهدي بحر العلوم الطباطبائي النجفي.
وصنّف كتبا ورسائل
كثيرة ، منها : معارج الأحكام في شرح « مسالك الأفهام إلى شرائع الإسلام » في
الفقه للشهيد الثاني في اثني عشر مجلدا ، مستقصى الاجتهاد في شرح « ذخيرة المعاد »
في الفقه للمحقّق محمد باقر السبزواري ، براهين السداد في شرح الإرشاد ـ أي « إرشاد
الأذهان إلى أحكام الإيمان » للعلاّمة الحلي ـ في عدّة مجلدات ، مواهب الوداد ،
قصد السلوك ، اللآلئ الثمينة والدراري الرزينة في التراجم ، مختصر « جامع الرواة »
للأردبيلي ، تذكرة العقول في أصول الدين ، كتاب الأخلاق بالفارسية ، رسالة في نكاح
الكوافر ، رسالة في بيع الوقف ، رسالة في حكم النبش ، ورسالة في إرث الأحفاد مع
وجود الأجداد ، وغير ذلك.
__________________
توفّي بقزوين سنة
ثمان ومائتين وألف ، وقبره فيها مزور معروف.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٣ / ٦٢٥
٤٣٥٥
النّراقي
( ... ـ ١٢٠٩
ه )
محمد مهدي بن أبي
ذر النّراقي الكاشاني ، أحد أكابر الإمامية.
كان عالما بالفقه
وأصوله والفلسفة ، مشاركا في العلوم الرياضية وغيرها ، كثير التصانيف.
ولد في نراق ( من
قرى كاشان ) ونشأ وتعلّم بها.
وتتلمذ في أصفهان
على : إسماعيل بن محمد حسين الخاجوئي ولازمه سنين طويلة ، ومحمد مهدي بن رضي الدين
محمد الهرندي الأصفهاني ، ومحمد بن محمد زمان الكاشاني الأصفهاني.
__________________
وارتحل إلى العراق
، فأقام في كربلاء ـ وكانت يومذاك من ألمع المراكز العلمية ـ فحضر على فقيه عصره
محمد باقر بن محمد أكمل البهبهاني المعروف بالأستاذ الوحيد ، وتخرّج على يديه.
وله مشايخ آخرون ،
منهم : يوسف البحراني الحائري صاحب « الحدائق الناضرة » ، ومحمد مهدي بن محمد صالح
الفتوني النجفي.
وجدّ في طلب العلم
، مستهينا في سبيله بجميع شؤون الحياة.
وعاد إلى بلاده ،
فاستقرّ بكاشان ، وانتصب بها للتدريس والتأليف ، وتوافد عليه طلاب العلم ، حتّى
انتعشت الحياة العلمية بالمدينة ، وحفلت بالعلماء.
تتلمذ عليه وانتفع
به كثير من العلماء ، منهم : ابنه الفقيه الشهير أحمد ( المتوفّى ١٢٤٥ ه ) ،
والسيد محمد باقر بن محمد تقي الرشتي الأصفهاني الشهير بحجّة الإسلام ، والسيد
محمد تقي بن عبد الحي الكاشاني ، ومحمد إبراهيم بن محمد حسن الكلباسي ، ومحمد جعفر
بن صفر خان بن عبد الله الهمداني ( المتوفّى ١٢٣٩ ه ) ، وغيرهم.
وصنّف كتبا ورسائل
في فنون شتى ، منها : معتمد الشيعة في أحكام الشريعة ، لوامع الأحكام في فقه شريعة
الإسلام ، التحفة الرضوية في المسائل الدينية بالفارسية في الطهارة والصلاة ، أنيس
الحجاج بالفارسية في مسائل الحجّ والزيارات ، المناسك المكية في مسائل الحجّ ،
رسالة في صلاة الجمعة ، أنيس التجار بالفارسية في فروع التجارة لعمل المقلّدين ،
التجريد ( مطبوع ) في أصول الفقه ، أنيس المجتهدين في أصول الفقه ، رسالة جامعة
الأصول ، أنيس الموحدين ( مطبوع مع « كنز الرموز » ) بالفارسية في أصول الدين ،
كنز الرموز ( مطبوع ) في
بعض الآداب
الشرعية ، قرة العيون في معنى الوجود والماهية ، رسالة اللمعة الإلهية ( مطبوعة )
في الحكمة المتعالية ، شرح إلهيات « الشفاء » لابن سينا ، جامع السعادات ( مطبوع )
في الأخلاق ، المستقصى في علوم الهيئة ، توضيح الإشكال بالفارسية في شرح تحرير
اقليدس الصوري في الهندسة ، رسالة في الحساب ، نخبة البيان ( مطبوع ) بالفارسية في
التشبيه والاستعارة ، ومحرق القلوب ( مطبوع ) بالفارسية في مقتل الحسين الشهيد عليهالسلام ، وغير ذلك.
توفّيّ بالنجف
الأشرف ـ وكان قد قدمها في أواخر عمره ـ سنة تسع ومائتين وألف.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٣ / ٦٣٦
٤٣٦٢
بحر العلوم
( ١١٥٥ ـ ١٢١٢
ه )
محمد مهدي بن
مرتضى بن محمد بن عبد الكريم بن مراد الطباطبائي الحسني ، النجفي ، الملقّب ببحر
العلوم ، العلاّمة المتفنّن ، الأديب ، الشاعر.
كان زعيم الطائفة
الإمامية في عصره ، ومن الشخصيات الإسلامية البارزة.
ولد في كربلاء في
غرة شوال سنة خمس وخمسين ومائة وألف.
ودرس العلوم
العربية والمنطق وغيرها.
ثمّ حضر على والده
السيد مرتضى ، وعلى يوسف البحراني صاحب الحدائق ، ومحمد باقر البهبهاني المعروف
بالأستاذ الوحيد.
وانتقل إلى النجف
الأشرف ، فحضر على محمد مهدي الفتوني
__________________
( المتوفّى ١١٨٣ ه
) ، ومحمد تقي الدورقي ( المتوفّى ١١٨٦ ه ) ، ومحمد باقر بن محمد باقر
الهزارجريبي ( المتوفّى ١٢٠٥ ه ) ، وغيرهم.
ومهر في الفقه
والأصول ، وتضلّع من الأخبار والحديث والرجال والتفسير.
وارتحل إلى إيران
سنة ( ١١٨٦ ه ) ، فاختصّ بالسيد محمد مهدي بن هداية الله الخراساني الشهيد ،
وأكمل عليه علوم الفلسفة والكلام ، فأعجب الأستاذ بغزارة علمه وسعة أفقه ، فلقّبه
بـ ( بحر العلوم ).
وعاد إلى النجف
سنة ( ١١٩٣ ه ) ، ثمّ قصد الحجّ في نفس العام ، وفي العام الذي تلاه ، وبقي هناك
مدّة ، قام في أثنائها بتعيين وتثبيت مشاعر الحجّ ومواقيت الإحرام ، وإلقاء
المحاضرات التي كان يحضرها أرباب المذاهب كلّها ، ومناظرة العلماء.
وكان مناظرا قديرا
، ذا اطلاع واسع على المذاهب الإسلامية وعلى التوراة ، وقد تصدى لمناظرة علماء
اليهود في بلدة ذي الكفل ( القريبة من النجف ) حتى اعترفوا بالعجز وطلبوا الإمهال.
واشتهر أمر السيد
بحر العلوم ، وذاع صيته ، وانتهت إليه الرئاسة بعد وفاة أستاذه البهبهاني.
وامتاز بحسن
التنظيم ، حيث وزع الوظائف الدينية كالإفتاء ، وإمامة الجماعة ، وفصل الخصومات
والقضاء بين الناس على علماء بلده ، وتصدّر هو للتدريس والاضطلاع بأعباء الزعامة
الكبرى وإدارة شؤونها ، وازدهرت النجف في عصره علميا وأدبيا ، وحفلت بالفقهاء
والأدباء.
وقد حضر عليه ،
وتخرّج به وروى عنه الجماء الغفير ، منهم : ابنه السيد محمد رضا ، وجعفر بن خضر
الجناجي النجفي صاحب « كشف الغطاء » ، وحسين نجف ( المتوفّى ١٢٥١ ه ) ، وزين
العابدين السلماسي ، وسليمان بن أحمد القطيفي ، والسيد صدر الدين محمد بن صالح
العاملي ، والسيد عبد الله بن محمد رضا شبّر الكاظمي ، والسيد محمد جواد العاملي
النجفي صاحب « مفتاح الكرامة » ، وقاسم بن محمد محي الدين ( المتوفّى ١٢٣٧ ه ) ،
والسيد محسن بن حسن الأعرجي الكاظمي ، والسيد محمد رضا شبّر ، والسيد صادق الفحام
، وشمس الدين بن جمال الدين البهبهاني ، وأسد الله بن إسماعيل التستري الكاظمي (
المتوفّى ١٢٣٤ ه ) ، وإسماعيل العقدائي اليزدي ، والسيد دلدار علي بن محمد معين
الهندي ( المتوفّى ١٢٣٥ ه ) ، وأحمد بن محمد مهدي النراقي الكاشاني .
وصنّف كتبا ورسائل
، منها : المصابيح في الفقه في ثلاث مجلدات ، والدرة النجفية ( مطبوعة ) وهي
أرجوزة في بابي الطهارة والصلاة يتجاوز عدد أبياتها الألفين ، مشكاة الهداية وهي
منثور « الدرة » لم يبرز منها إلاّ كتاب الطهارة ، رسالة في مناسك الحجّ والعمرة ،
رسالة في انفعال الماء القليل ، رسالة في الأطعمة والأشربة ، رسالة في العمرة ،
رسالة في انفعال الماء القليل ، رسالة في الأطعمة والأشربة ، رسالة في العصير
العنبي ، مدرجة في كتابه « المصابيح » ، حاشية على « ذخيرة المعاد » في الفقه
لمحمد باقر بن محمد مؤمن السبزواري ( المتوفّى ١٠٩٠ ه ) ، رسالة في قواعد أحكام
الشكوك ، رسالة في حكم قاصد
__________________
الأربعة في السفر
، الفوائد الأصولية ( مطبوع ) ، الدرة البهية في نظم بعض المسائل الأصولية ،
الفوائد الرجالية ( مطبوع ) ويعرف برجال السيد بحر العلوم وهي مشحونة بالتحقيق ،
تحفة الكرام في تاريخ مكة والبيت الحرام ، وديوان معشر ، وغير ذلك.
توفي في النجف في
شهر رجب سنة اثنتي عشرة ومائتين والف.
ومن شعره قوله في
أهل البيت عليهمالسلام :
« ودائع المصطفى أوصى بحفظهم
|
|
فضيّعوها فلم
تحفظ ودائعه
|
صنائع الله بدء
والأنام لهم
|
|
صنائع ، شدّ ما
لاقت صنائعه
|
أزال أوّل أهل
البغي أوّلهم
|
|
عن موضع فيه ربّ
العرش واضعه
|
كلّ الرّزايا
وإن جلّت وقائعها
|
|
تنسى ، سوى
الطّفّ لا تنسى وقائعه »
|
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٣ / ٥٦٠
٤٣١٠
[ السيّد ] محمّد جواد
العاملي
( حدود
١١٦٠ ـ ١٢٢٦ ه )
محمد جواد بن محمد
بن محمد بن حيدر بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد الحسيني ، العاملي الشقرائي ثمّ
النجفي ، صاحب « مفتاح الكرامة » ، أحد أعلام الفقهاء ومشاهير علماء الإمامية.
ولد بشقراء ( من
قرى جيل عامل ) في حدود سنة ستين ومائة وألف.
ودرس على السيد
أبي الحسن موسى بن حيدر بن أحمد بن إبراهيم الشقرائي.
وارتحل إلى العراق
، فحضر في كربلاء على السيد علي بن محمد علي
__________________
الطباطبائي ، ثمّ على محمد باقر بن محمد أكمل البهبهاني المعروف بالأستاذ الوحيد ،
ولازمهما مدّة.
ثمّ انتقل إلى
النجف ، فحضر على السيد محمد مهدي بحر العلوم الطباطبائي ، وجعفر بن خضر الجناجي
النجفي صاحب « كشف الغطاء » ، وحسين بن نجف ، وظلّ ملازما لبحوثهم زمنا طويلا.
وحصل على إجازات
من مشايخه المذكورين ، ومن الميرزا أبو القاسم بن محمد حسن الجيلاني القمي صاحب
القوانين.
وتبحّر في الفقه
والأصول ، وتتبّع أقوال وآراء فقهاء الإمامية ، واطّلع على أقوال فقهاء السنّة.
واشتهر في الأوساط
العلمية ، وعرف بغزارة الاطلاع والضبط والاتقان ، وبشدة تثبته وخبرته بعلم الرجال.
وتصدى للتدريس ،
وأكب على التأليف ، ولم يتخلّ عنه حتى في الظروف الاستثنائية التي مرّت بها النجف
أيّام محاصرة الوهابيين لها.
وقد تتلمذ عليه
وروى عنه طائفة ، منهم : محمد حسن بن باقر النجفي صاحب الجواهر ، ومحمد جواد بن
محمد تقي البياتي النجفي المعروف بملا كتاب ، ومهدي بن محمد حسين ملا كتاب ،
والسيد علي بن محمد الأمين العاملي ، والسيد صدر الدين بن صالح بن محمد العاملي ،
ومحمد علي بن محمد باقر الهزار جريبي النجفي ، وأحمد بن لطف علي بن محمد صادق
التبريزي الشهير بالمجتهد ، والسيد أحمد بن محمد الأمين بن أبي الحسن موسى
الشقرائي العاملي ، والسيد حبيب بن
__________________
أحمد بن مهدي زوين
، ومحمد رضا بن زين العابدين بن محمد الأسدي سبط المترجم ، والسيد إبراهيم النواب
بن عبد الفتاح المرعشي اليزدي ، وغيرهم.
وصنّف كتبا ورسائل
، منها : مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلاّمة ( مطبوع في ٢١ مجلدا ) في الفقه وهو من أكبر تصانيفه وأحسنها وأشهرها ، حاشية على كتاب الطهارة من «
مدارك الأحكام » للسيد محمد بن علي بن أبي الحسن الموسوي العاملي ، شرح كتاب
الطهارة من « الوافي » للفيض الكاشاني ، حاشية على كتاب الدين والرهن من « قواعد
الأحكام » للعلاّمة الحلّي ، حواش على « الروضة البهية » في الفقه للشهيد الثاني
لم تتم ، حاشية على كتاب التجارة من « قواعد الأحكام » للعلاّمة الحلي ، شرح «
الوافية » في أصول الفقه للفاضل التوني في مجلدين ، رسالة في العصيرين العنبي والتمري
، رسالة في مسألة الشك في الشرطية والجزئية من العبادات ، رسالة في أصل البراءة ،
رسالة الرحمة الواسعة في المضايقة والمواسعة ، رسالة في علم التجويد ( مطبوعة ) ،
منظومة في الرضاع ، منظومة في الزكاة ، ومنظومة في الخمس ، وغير ذلك.
توفّي بالنجف
الأشرف سنة ست وعشرين ومائتين وألف ، ودفن في إحدى حجرات الصحن العلويّ المطهّر.
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٣ / ٤٣٨
٤٢٢٦
المحقّق الأعرجي
( حدود
١١٣٠ ـ ١٢٢٧ ه )
محسن بن حسن بن
مرتضى بن شرف الدين بن نصر الله الحسيني الأعرجي ، السيد أبو الفضائل الكاظمي
البغدادي ، أحد أعلام العلماء في عصره.
كان فقيها إماميا
مجتهدا ، أصوليا ، محقّقّا ، أديبا ، شاعرا ، زاهدا ، ناسكا.
ولد ببغداد في
حدود سنة ثلاثين ومائة وألف.
واشتغل بالتجارة
والكسب ، وكان في أثناء ذلك يدرس علوم العربية.
ثمّ حبّب إليه طلب
العلم والتفرّغ له ، فانتقل إلى النجف الأشرف بعد أن جاوز الثلاثين من عمره ،
وتتلمذ على كبار الفقهاء كمحمد باقر بن محمد أكمل
__________________
المعروف بالوحيد
البهبهاني ، والسيد محمد مهدي بحر العلوم الطباطبائي ، وغيرهما.
وروى عن سليمان بن
معتوق العاملي الكاظمي وعن جعفر كاشف الغطاء إجازة.
وتبحّر في الفقه
والأصول ، ونظم الشعر.
سكن الكاظمية (
ببغداد ) وتصدى للتدريس والتأليف ، وطار صيته.
وكانت عباراته في
غاية الفصاحة والبلاغة ، وإذا كتب فكأنّه خطيب على منبر.
تتلمذ عليه وأخذ
عنه لفيف من العلماء ، منهم : ابناه الفقيهان حسن وكاظم ، وعبد الحسين بن محمد علي الأعسم النجفي ، والسيد صدر الدين محمد ابن صالح
بن محمد الموسوي العاملي ، ومحمد إبراهيم بن محمد حسن الكلباسي ، والسيد عبد الله
بن محمد رضا شبرّ الكاظمي ، والسيد أحمد البصري الكاظمي ، وطالب بن حسن بن هادي
الأسدي الكاظمي ، والسيد محمد باقر بن محمد تقي الشفتي المعروف بحجة الإسلام ،
والسيد إبراهيم بن محمد علي بن راضي الأعرجي ، وعلي بن صالح بن منصور الكوثراني ،
وغيرهم.
__________________
وصنّف كتبا منها :
وسائل الشيعة إلى أحكام الشريعة ( مطبوع ) في الفقه ، سلالة الاجتهاد في الفقه ،
الوافي في شرح « الوافية » في أصول الفقه لعبد الله التوني ، المحصول في شرح «
وافية الأصول » المذكورة ، كتاب في الصلاة ، شرح مقدمات « الحدائق الناضرة » ليوسف
البحراني ، أصالة البراءة ، منظومة في الأشباه والنظائر ، تلخيص « الاستبصار »
للشيخ الطوسي ، حاشية على « المصباح المنير » في اللغة للفيّومي ، عدة الرجال (
مطبوع ) أنجز منه الفوائد الرجالية ، وديوان شعر.
توفّي سنة سبع
وعشرين ومائتين وألف ، وقد ذرّف على التسعين ، وقيل في تاريخ وفاته ( بموتك محسن
مات الصلاح ) ، ودفن في الكاظمية ، وقبره مزور وعليه قبّة.
ومن شعره ، قوله
في رثاء الحسين عليهالسلام.
فؤاد لا يزال به
اكتئاب
|
|
ودمع لا يزال له
انصباب
|
على من أورث
المختار حزنا
|
|
تذوب لوقعه
الصمّ الصلاب
|
ومات لموته
الإسلام شجوا
|
|
وذلّت يوم مصرعه
الرّقاب
|
يقبّل نحره
المختار شوقا
|
|
وتدميه الأسنّة
والحراب
|
فيا لله من رزء
جليل
|
|
وهت منه الشوامخ
والهضاب
|
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٣ / ١٦٠
٤٠٢٢
[ الشيخ الأكبر جعفر ]
كاشف الغطاء
( ١١٥٦ ـ ١٢٢٧
، ١٢٢٨ ه )
جعفر بن خضر بن
محمد يحيى بن سيف الدين المالكي ، الجناجي الأصل ، النجفي ، زعيم الطائفة الإمامية
في عصره ، صاحب « كشف الغطاء » ، ويعرف بالشيخ الأكبر.
ولد في النجف
الأشرف سنة ست وخمسين ومائة وألف .
وأخذ بها عن :
والده ، ومحمد تقي الدورقي النجفي ، والسيد صادق بن علي الفحام ، ومحمد مهدي
الفتوني العاملي النجفي وانتفع به كثيرا.
وتوجّه إلى كربلاء
، فحضر بحوث الفقيه الشهير محمد باقر بن محمد
__________________
أكمل البهبهاني.
وعاد إلى النجف ،
فحضر مدة يسيرة على السيد محمد مهدي بحر العلوم ، وكان شريكه في الدرس عند
البهبهاني.
وتبحّر في الفقه
وأحاط بمسائله ، وعرف بغزارة علمه وقوّة استنباطه.
واشتهر في عهد
مرجعية السيد محمد مهدي بحر العلوم الذي كان يرشد الناس إلى
تقليده والأخذ بفتاواه.
ثمّ استقل المترجم
بالأمر ونهض بأعباء المرجعية بعد وفاة السيد بحر العلوم في سنة ( ١٢١٢ ه ) ،
وأبدى نشاطا واسعا في ترويج الدين ، ونشر علوم أهل البيت عليهمالسلام ، وإقامة الأحكام ، ورعاية المصالح العامة ، ومناهضة البدع.
وسمت مكانته ،
وصار من الشخصيات البارزة في عصره ، محترما لدى الدولتين العثمانية والإيرانية ،
مرجوعا إليه في الملمّات.
وكان خطيبا مفوّها
، أديبا ، شاعرا ، من أكابر أساتذة الفقه والأصول.
وأخذ عنه وتخرج به
الجماء الغفير ، منهم : أولاده موسى وعلي وحسن ، وأسد الله بن إسماعيل التستري ، والسيد صدر الدين محمد بن صالح العاملي ، ومحمد إبراهيم بن محمد حسن الكلباسي ، والسيد حبيب بن أحمد بن
__________________
مهدي زوين ،
والسيد سليمان الطباطبائي النائيني اليزدي ، وخضر بن شلال العفكاوي النجفي ،
والسيد علي بن محمد الأمين العاملي ، وعلاء الدين بن أمين الدين الطريحي ، والسيد
علي بن إسماعيل الغريفي البحراني ، ومحسن بن محمد بن خنفر الباهلي ، وراضي بن نصار
العبسي النجفي .
وصنّف كتبا ورسائل
، منها : كشف الغطاء عن خفيات مبهمات الشريعة الغراء ( مطبوع ) ، القواعد الجعفرية في شرح بعض أبواب المكاسب من « قواعد الأحكام »
للعلاّمة الحلي ويشتمل على أكثر القواعد الفقهية ، رسالة فتوائية في الطهارة
والصلاة سمّاها بغية الطالب في معرفة المفروض والواجب ، شرح كتاب الطهارة من «
شرائع الإسلام » للمحقّق الحلي ، شرح « الهداية » في الفقه للسيد محمد مهدي بحر
العلوم ، مختصر « كشف الغطاء » ، غاية المأمول في علم الأصول ، رسالة منهج الرشاد
لمن أراد السداد ( مطبوعة ) في الرد على الوهابيين وهي جواب كتاب ورد إليه من
الأمير سعود بن عبد العزيز ، ورسالة الحقّ المبين في تصويب المجتهدين وتخطئة
الأخباريين ( مطبوعة ) ، وغير ذلك من المؤلّفات وأجوبة المسائل والإجازات.
توفّي في شهر رجب
سنة سبع وعشرين ومائتين وألف ، وقيل ثمان وعشرين ، ويؤيد الأوّل ما قيل في تاريخ
وفاته : « العلم مات يوم فقدك جعفر ».
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٣ / ٥١
٣٩٤٤
الميرزا القمي
( ١١٥١ ـ ١٢٣١
ه )
أبو القاسم بن
محمد حسن ( حسن ) بن نظر علي الجيلاني الشفتي الرشتي الأصل ، القمّي ، المعروف
بالميرزا القمي وبالمحقّق القمي ، صاحب « القوانين المحكمة ».
كان فقيها مجتهدا
، أصوليّا ، محقّقا كثير الاطّلاع ، من أعلام الإمامية.
ولد في جاپلق ( من
أعمال بروجرد ) سنة إحدى وخمسين ومائة وألف.
ودرس على أبيه
العلوم الأدبية.
وسافر إلى خوانسار
، فأقام بها عدّة سنين تتلمذ خلالها على السيّد الحسين بن جعفر بن الحسين الخوانساري ( المتوفّى ١١٩١ ه ) ، وصاهره على
__________________
شقيقه ، وأجيز
منه.
وارتحل إلى العراق
، فحضر في كربلاء على زعيم عصره محمد باقر بن محمّد أكمل البهبهاني ، ولازم بحوثه
في الفقه والأصول مدّة طويلة ، وحصل منه على إجازة.
وروي أيضا عن :
محمد مهدي بن محمد الفتوني العاملي ثمّ النجفي ، ومحمّد باقر بن محمد باقر
الهزارجريبي ثمّ النجفي.
وعاد إلى إيران ،
وتنقّل في بعض قراها ومدنها كأصفهان وشيراز ، وزاول التدريس فيها ، ثمّ استقرّ في
قم ، وعكف على التدريس والبحث والتأليف ، وتصدى لإمامة الجمعة والجماعة ، ولإرشاد
الخلق.
وطار ذكره ، وقصده
العلماء ورجعت إليه العامة في تقليدها.
وقد تخرّج من
حوزته وانتفع به وروي عنه الجمّ الغفير ، منهم : السيد محمد باقر بن محمد تقي
الرشتي الأصفهاني ، والسيد عبد الله بن محمد رضا شبّر الكاظمي ، ومحمد إبراهيم بن
محمد حسن الكلباسي ، وأسد الله بن إسماعيل التستري الكاظمي ، والسيّد محسن الأعرجي
الكاظمي ، ومحمد على بن محمد باقر ابن محمد باقر الهزار جريبي ، وأحمد بن محمد علي
بن محمد باقر البهبهاني الكرمانشاهي ، وأسد الله بن عبد الله البروجردي ، وصهره
الميرزا أبو طالب بن أبي المحسن الحسيني القمي.
وصنّف رسائل جمّة
وكتبا ، منها : القوانين المحكمة ( مطبوع ) في
أصول الفقه ، حاشية على « القوانين المحكمة » ( مطبوعة على هامش القوانين ) ، غنائم
الأيّام ( مطبوع ) في الفقه ، مناهج الأحكام ( مطبوع ) في الفقه ، معين الخواص في
الفقه ، مرشد العوام بالفارسية في الفقه ، جامع الشتات ( مطبوع ) في أجوبة المسائل
أكثره بالفارسية ، رسالة في عموم حرمة الربا لسائر عقود المعاوضات ، رسالة في
الجزية ( مطبوعة آخر « غنائم الأيّام » ) ، رسالة في جواز الحكومة الشرعية والقضاء
والتحليف بتقليد المجتهد ، رسالة في الحجّ ، رسالة في حكم الطلاق بدعوى الوكالة (
مطبوعة ضمن « جامع الشتات » ) ، رسالة في الزكاة والخمس. رسالة في الزكاة
بالفارسية ، رسالة في صلاة الجمعة ، رسالة عملية في الطهارة والصلاة مع أحكام
الجنائز ، رسالة في ميراث الزوجة ، رسالة في البيع ، رسالة في مسائل الاحتياط (
مطبوعة ضمن « جامع الشتات » ، رسالة في الصوم بالفارسية ، رسالة في دعوى فسق
الحاكم أو الشهود ( مطبوعة ضمن « جامع الشتات » ) ، حاشية على « زبدة الأصول »
لبهاء الدين العاملي ، حاشية على « شرح مختصر ابن الحاجب » في أصول الفقه لعضد
الدين عبد الرحمان الإيجي ، شرح الرسالة « الألفية » في فقه الصلاة للشهيد الأوّل
، رسالة في المنطق ، رسالة في العقل ، رسالة في الرد على ( هنري مارتن ) ، رسالة في الرد على الصوفية بالفارسية ، منظومة
__________________
في التجويد سماها
نظم اللآلي ( مطبوعة ) ، منظومة في البديع ، منظومة في علم البيان ، وديوان شعر
بالعربية والفارسية ، وغير ذلك كثير.
توفّى سنة إحدى
وثلاثين ومائتين وألف بقمّ.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٣ / ٤١٣
٤٢٠٥
[ السيّد علي ]
الطباطبائي
( ١١٦١ ـ ١٢٣١
ه )
علي بن محمد علي
بن أبي المعالي الصغير بن أبي المعالي الكبير الطباطبائي الحسني ، الحائري ، صاحب
« رياض المسائل ».
كان فقيها مجتهدا
إماميا ، أصوليّا ، محقّقا ، مدرّسا ، من الأعلام.
ولد في الكاظمية (
ببغداد ) سنة إحدى وستين ومائة وألف.
ونشأ في الحائر (
كربلاء ) ، وتتلمذ على ابن خاله محمد على بن محمد باقر البهبهاني.
__________________
وفاق في مدة
يسيره.
ثمّ حضر على خاله
فقيه عصره محمد باقر محمد أكمل البهبهاني الحائري وتخرّج به ، وصاهره على ابنته ،
وروى عنه وعن السيد عبد الباقي بن محمد حسين الخاتونه آبادي.
وقيل إنّه حضر على
الشيخ يوسف البحراني صاحب « الحدائق الناضرة » وتضلّع من الفقه وأصوله ، وتصدّر
للتدريس والفتيا ، واشتهر وصار من أبرز علماء عصره.
حضر عليه ، وتخرّج
به جمع من العلماء ، منهم : ابنه السيد محمد المجاهد صاحب « المناهل » ، والسيد
محمد جواد العاملي النجفي صاحب « مفتاح الكرامة » ، والسيّد محمد باقر بن محمد تقي
الرشتي الأصفهاني الشهير بحجّة الإسلام ، وأسد الله بن إسماعيل التستري الكاظمي
صاحب « مقابس الأنوار » ، والعالم الرجالي أبو علي الحائري صاحب « منتهى المقال »
، وعلي أشرف بن أحمد الطسوجي الحائري ، ومحمد تقي ومحمد صالح البرغانيان » ، وشمس
الدين بن جمال الدين البهبهاني الخراساني ، وحسين بن محمد علي الأعسم النجفي ،
ومحمد إسماعيل بن محمد على بن محمد باقر البهبهاني الكرمانشاهي ، والسيّد صدر
الدين محمد بن صالح العاملي ، والسيّد محمد تقي بن عبد الحي الكاشاني المعروف بپشت
مشهدي ، وأحمد بن لطف علي القرجة داغي المجتهد ، وخلف بن عسكر الكربلائي .
__________________
وصنّف شرحا على «
المختصر النافع » في الفقه للمحقّق الحلي سمّاه رياض المسائل في بيان الأحكام
بالدلائل ( مطبوع في عشرة أجزاء ) ويعرف بالشرح
الكبير ، وهو شرح دقيق متين متداول بين العلماء.
وله أيضا : الشرح
الصغير ( مطبوع في ثلاثة أجزاء ) في شرح « المختصر
النافع » ، شرح كتاب الصلاة من « مفاتيح الشرائع » للفيض الكاشاني ، وحاشية على «
مدارك الأحكام » للسيد محمد بن علي بن أبي الحسن العاملي ، حاشية على « الحدائق
الناضرة » في الفقه ليوسف البحراني ، رسالة في منجزات المريض ، شرح « مباديء
الأصول » للعلامة الحلي ، رسالة في حجّيّة الإجماع والإستصحاب ، رسالة في حجّيّة
الشهرة ، ورسالة في أصول الدين وغير ذلك من الرسائل والتعليقات وأجوبة المسائل.
توفي بالحائر سنة
إحدى وثلاثين ومائتين والف.
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٣ / ١٢٨
٣٩٩٧
[ أسد الله ] الكاظمي
( ١١٨٦
تقريبا ـ ١٢٣٤ ه )
أسد الله بن
إسماعيل بن محسن التستري ، الكاظمي ، صاحب « مقابس الأنوار ».
كان فقيها إماميا
مجتهدا ، أصوليا ، محقّقا ، من مشاهير علماء عصره.
ولد سنة ست
وثمانين ومائة وألف تقريبا.
ونشأ على أبيه ،
وقرأ مبادئ العلوم.
ثمّ حضر على
الفقيه محمد باقر بن محمد أكمل البهبهاني الحائري ، وعلى السيد علي بن محمد علي
الطباطبائي الحائري.
__________________
وتتلمذ على الشيخ جعفر كاشف الغطاء النجفي ، وقرأ عليه جملة من المصنفات ، وصاهره
على ابنته.
وأجاز له أساتذته
، كما أجاز له آخرون ، منهم : السيد محمد مهدي الشهرستاني الحائري ، وأحمد بن زين
الدين الأحسائي ، والميرزا أبو القاسم الجيلاني القمي.
وجدّ في تحصيل
العلوم حتّى نال قسطا وافرا منها ، ونبغ في وقت مبكر ، ونال درجة الاجتهاد ولمّا
يبلغ الخامسة والعشرين من عمره.
وتصدى للتدريس
والبحث والتأليف ، واشتهر اسمه ، وعرف بالتحقيق ، ثمّ صار المرجع العام للأحكام
والفتيا بعد وفاة أستاذه كاشف الغطاء ( سنة ١٢٢٨ ه ).
وكان شديد
الاحتياط في الفتاوى.
وهو أوّل من كشف
القناع عن عدم حجّية الإجماع المنقول بخبر الواحد ، وصنّف في ذلك كتابا أشتهر.
تتلمذ عليه وأخذ
عنه جملة من العلماء ، منهم : ولده إسماعيل ، وعبد الله ابن
محمد رضا شبّر الكاظمي ، وموسى بن جعفر كاشف الغطاء ، وعبد الوهاب بن محمد علي بن
عبد الكريم القزويني ، والسيد علي بن محمد الأمين العاملي وغيرهم.
__________________
وصنّف كتبا ورسائل
، منها : مقابس الأنوار ونفائس الأسرار في أحكام النبي المختار وعترته الأطهار (
مطبوع ) في العبادات والمعاملات وفي مفتتحه أحوال جملة من العلماء ، كشف القناع عن
وجوه حجّية الإجماع ( مطبوع ) ، منهج التحقيق في حكمي التوسعة والتضييق ـ أي في
المواسعة والمضايقة في قضاء الصلوات الفائتة ـ الوسائل في الفقه ( مطبوع ) ، البحر
المسجور في معنى لفظ الطهور ، مناهج الأعمال في الأصول ، نظم « زبدة الأصول »
لبهاء الدين العاملي ، حاشية على « بغية الطالب » في أصول الدين وفروع الأحكام
لشيخه كاشف الغطاء ، رسالة في الظن الطريقي ، رسالة في تحقيق الأحكام الظاهرية
والواقعية ، تعليقة على « الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية » في الفقه للشهيد
الثاني ، رسالة في تكليف الكفّار بالفروع ، ورسالة في الأدعية والأحراز ، وغير
ذلك.
توفّي سنة أربع
وثلاثين ومائتين وألف ، ودفن في النجف الأشرف.
وقد أرّخ وفاته السيد
باقر بن إبراهيم الكاظمي بقوله من قصيدة :
ومذحلّ أقصى
السوء قلت مؤرخا
|
|
بكت أسد الله
التقيّ المساجد
|
__________________
موسوعة طبقات الفقهاء
: ١٣ / ٦٦٧
٤٣٨٢
[ موسى ] كاشف الغطاء
( حدود
١١٨٠ ـ ١٢٤١ ه )
موسى بن جعفر بن
خضر بن محمد يحيى المالكيّ ، الجناجيّ الأصل ، النجفي ، أحد مراجع الدين للطائفة
الإمامية.
كان فقيها متبحّرا
، أصوليا ، من أكابر أساتذة الفقه.
ولد في النجف
الأشرف في حدود سنة ثمانين ومائة وألف.
ودرس على أسد الله
بن إسماعيل التستري الكاظمي .
ثمّ حضر على فقيه
عصره والده جعفر صاحب « كشف الغطاء » ولازمه ،
__________________
وتخرّج به ، ونبغ
، ونال درجة الاجتهاد ، واستقلّ بالتدريس في حياته.
ثمّ انتهت إليه
المرجعية بعد والده ، وعلا صيته.
وكان خبيرا
بالسياسة ، عارفا بمواقع الأمور ، ذا مكانة سامية عند الحكام والوزراء ، وله معهم
حكايات .
ورد هو وأخوه
الشيخ علي إلى الحائر ( كربلاء ) ـ لوقوع بعض الحوادث في النجف ـ فشرعا في التدريس
، وأكبّ عليهما أهل العلم ، وكانت كربلاء يومئذ تزخر بهم ، ثمّ عادا إلى النجف بعد
أن أقاما هناك ستة أشهر.
ولم تمض إلاّ مدّة
يسيرة حتى توفّي مدرّس كربلاء الشهير محمد شريف المازندراني الحائري المعروف بشريف
العلماء ، فالتحق جمع غفير من تلامذته بحوزتهما .
وقد أخذ عن
المترجم وتخرّج به ثلّة من العلماء ، منهم : أخوه حسن ( المتوفّى ١٢٦٢ ه ) ، وابن
أخيه محمد بن علي بن جعفر كاشف الغطاء ( المتوفّى ١٢٦٨ ه ) ، ومحمد حسن بن باقر
النجفي صاحب الجواهر ، وعلي بن عبد الله
__________________
ابن حرز الدين
النجفي ( المتوفّى ١٢٧٧ ه ) ، ومحسن بن محمد بن خنفر العفكاوي النجفي ، والسيد عبد الفتاح بن علي المراغي ، والسيّد محمد مهدي بن حسن القزويني
النجفي ( المتوفّى ١٣٠٠ ه ) ، وعبد الوهاب بن محمد علي القزويني النجفي الشريف ،
ومحمد صالح بن محمد محسن المازندراني الأصفهاني الجوبارئي ، وغيرهم.
وصنّف كتاب منية
الراغب في شرح « بغية الطالب » في الفقه لوالده في مجلدين ولم يتمّه ، ورسالة في
الدماء الثلاثة.
توفّي بالنجف سنة
إحدى وأربعين ومائتين وألف.
ورثاه جماعة من
الأدباء منهم الحاج محمود الموصلي ، والسيد حسن الأصم البغدادي ، رثاه بقصيدة ،
أرّخ فيها عام وفاته بقوله :
وناد حيث العلى
نادت مؤرخة
|
|
في جانب الطور
ألقيت العصا موسى
|
__________________
( تكملة أمل الآمل
٥ : ٥٣ ـ ٥٥ )
٢٠٧٢
ـ السيد محمد المجاهد بن
المير سيد علي صاحب
الرياض بن السيد محمد علي
الطباطبائي
علاّمة العلماء
الأعلام ، وسيد الفقهاء العظام ، وأعلم أهل العلم بالأصول والكلام. تخرّج على
السيد الأجلّ بحر العلوم ، وهو صهره على ابنته الوحيدة أمّ أولاده الأفاضل ، وعلى
والده العلاّمة ، وكدّ وجدّ في تحقيق حقائق علمي الفقه والأصول حتّى جزم والده
العلاّمة بأعلميّته منه وصار لا يفتي وابنه موجود في كربلاء ، فعلم بذلك ابنه ورحل
إلى أصفهان وسكنها ثلاث عشرة سنة ، وهو المدرّس فيها والمرجع في علمي الأصول
والفقه لكلّ علمائها ، وصنّف فيها المفاتيح وغيره حتى توفّي والده ، فرجع إلى
كربلاء فكان المرجع العام لكلّ الإماميّة في أطراف الدنيا ، وقام سوق العلم في
كربلاء وصارت الرحلة إليه في طلب العلم من كلّ البلاد.
وصنّف في الأصول
بعد :
__________________
١ ـ المفاتيح.
٢ ـ الوسائل.
٣ ـ رسائل حجيّة
الظنّ.
وفي الفقه :
٤ ـ المناهل ،
يقرب من مائتي ألف بيت ، لم يكتب مثله.
٥ ـ كتاب المصابيح
في شرح المفاتيح.
٦ ـ كتاب إصلاح
العمل في العبادات ، وهو لعمل المقلّدين.
قال تلميذه في
الروضة البهيّة : سمعت منه رحمهالله تعالى : إن مؤلّفاتي قريب من سبعمائة ألف بيت وأكثر .
وسكن بلد الكاظمين
لمّا كثرت مهاجمات الوهابيّة على كربلاء. وكانت البلدة بوجوده ربيع الشيعة. ولمّا
تغلّبت الروسيّة على دربند وقبه وكنجه وشيروان وغيرها من بلاد قفقاز ، استغاث
أهلها إلى السيد ، وكرّروا الرسل والشكاية إليه وكتبوا له : إنهم غلبوا علينا
وأمرونا بإرسال الأطفال إلى معلّمهم لتعليم رسوم دينهم وشريعتهم ويجترئون بالنسبة
إلى القرآن والمساجد وسائر شعائر الإسلام.
قال صاحب نجوم
السماء : فأمر السيد بالجهاد ، وكتب بذلك إلى السلطان فتح علي شاه ، فلم يحصل منه
جواب ، فكتب له السيد : إن لم تقم للجهاد قمت أنا بذلك.
فجمع السلطان
العساكر وتهيّأ للجهاد ، وتوجّه السيد مع جماعة من العلماء
__________________
والطلاب وأهل
الصلاح. ولمّا دخل إيران قام أهلها لامتثال أمره ، واجتمع خلق كثير لا يحصون ،
وكان توضّأ يوما على حوض كبير ، فأخذ الناس ماءه للتبرّك حتى فرغ الحوض.
ولمّا قرب من ورود
طهران استقبله السلطان وكلّ أهل طهران وأجلسه السلطان معه على التخت ونهض إلى
الجهاد ، ونهض السلطان معه ، ورأّس السلطان ابنه عبّاس ميرزا على الجيش ، وكان ولي
عهده ، ولمّا التقى المسلمون مع الروسيّة في تفليس قامت الحرب على ساق.
ولمّا ظهرت آثار
غلبة جيش الإسلام ، أرسل قائد جيش الروس إلى عباس ميرزا أن إذا صالحتم يكون لك
ولعقبك عندنا عهد السلطنة دون سائر القاجارية بإيران.
وجاءه بعض وزراء
أبيه في أثناء وصول رسالة القائد فقال له : قد ظهر آثار فتح للسيد وإذا فتح فاعلم
أن السلطنة تخرج من يدكم وتكون للسيد ، فإن أهل إيران قد بلغوا في إرادة السيد
مرتبة لا يمكن وصفها ولا تقدرون بعد ذلك على سلطنة ، فقال له : فما الرأي؟ فقال :
اقطع الحرب وصالح ، فأرسل إلى القائد الروسي بالخفية وأوعده بالصلح وأمر قوّاده من
حيث يخفى أن يلقوا الأعلام من أيديهم ويتجنّبوا عن الحرب كالمعتزل منه ، فغلب
الروسيّون وأنكسر عسكر الإسلام ، فرجع السيد وقد اسودّت الدنيا بعينه حتى أنه لمّا
وصل إلى أردبيل لم يتكلّم سبعة أيام. ولمّا وصل إلى قزوين توفّي ، قدّس الله روحه
، وكانت وفاته سنة ١٢٤٢
__________________
( اثنتين وأربعين
ومائتين بعد الألف ) ، وحمل نعشه الشريف إلى كربلاء ودفن بين الحرمين. وقبره مزار
معروف عليه قبّة معظّمة في المدرسة المعروفة بمدرسة البقعة .
قيل إنّ تولّده
كان في حدود ثمانين بعد المائة والألف ، فيكون عمره ٦٢ ( اثنتين وستين ) سنة
تقريبا ، والله العالم.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٣ / ١١٥
٣٩٨٨
[ أحمد ] النّراقي
( ١١٨٥ ـ ١٢٤٥
ه )
أحمد بن محمد مهدي
بن أبي ذر النراقي الكاشاني ، أحد أجلاّء الإمامية.
كان فقيها مجتهدا
، أصوليا ، شاعرا بليغا بالفارسية ، مصنّفا ، جامعا لأكثر العلوم.
__________________
ولد في نراق ( من
قرى كاشان ) سنة خمس وثمانين ومائة وألف .
وقرأ النحو والصرف
وغيرهما.
ثمّ درس المنطق
والرياضيات والفلك على أساتذة الفن ، ومهر فيها.
وقرأ الفقه
والأصول والكلام والفلسفة على والده ( المتوفّى ١٢٠٩ ه ) ، وانتفع به كثيرا.
وارتحل إلى العراق
سنة ( ١٢٠٥ ه ) لغرض زيارة العتبات المقدسة ، ومواصلة الدراسة ، فحضر في النجف
على السيد محمد مهدي بحر العلوم الطباطبائي ، وجعفر كاشف الغطاء ، وفي كربلاء على
السيد محمد مهدي الشهرستاني الحائري.
وعاد إلى كاشان ،
وزاول وظائفه الدينية ، ثمّ انتهت إليه الرئاسة بعد وفاة والده في سنة ( ١٢٠٩ ه )
وصار من أجلّة العلماء ومشاهير الفقهاء.
وكان ذا همّة
عالية ، ينهض بأعباء الفقراء والضعفاء ويسدّ حاجاتهم.
تلمذ له العديد من
طلبة العلم ، منهم : ابناه محمد ( المتوفّى ١٢٩٧ ه ) ، ومحمد جواد ( المتوفّى
١٢٧٨ ه ) ، وأخوه الفقيه أبو القاسم بن محمد مهدي ( المتوفّى ١٢٥٦ ه ) والفقيه
الكبير مرتضى بن محمد أمين الإنصاري وله منه إجازة ، والسيد حبيب الله بن رفيع
الدين محمد الحسيني الكاشاني ، ومحمد حسن الجاسبي الكاشاني ، وغيرهم.
وروى عنه بالإجازة
محمد علي بن محمد باقر بن محمد باقر الهزار جريبي
__________________
النجفي ثمّ
الأصفهاني.
وصنّف كتبا ورسائل
كثيرة ، منها : مستند الشيعة إلى أحكام الشريعة ( مطبوع في ١٧ مجلدا ) ، أسرار الحجّ ( مطبوع ) بالفارسية ، رسالة عملية في الطهارة والصلاة
بالفارسية سمّاها خلاصة المسائل ، رسالتان فتوائيتان عمليتان بالفارسية إحداهما
كبيرة والأخرى صغيرة سمّاهما وسيلة النجاة ، الرسائل والمسائل بالفارسية في مجلدين
أوّلهما في الفروع وثانيهما في بعض المسائل الأصولية وحلّ المشكلات ، عين الأصول
في أصول الفقه ، مناهج الأصول ( مطبوع ) في أصول الفقه ، مفتاح الأحكام في أصول
الفقه ، أساس الأحكام في تنقيح عمدة مسائل الأصول بالأحكام ، شرح « تجريد الأصول »
لوالده في (٧) مجلدات ، عوائد الأيّام في مهمات أدلّة الأحكام ( مطبوع ) ، معراج
السعادة ( مطبوع ) في الأخلاق بالفارسية ، كتاب في التفسير ، تذكرة الأحباب ،
الخزائن ( مطبوع ) بالفارسية بمنزلة الكشكول ، سيف الأمة وبرهان الملة ( مطبوع )
بالفارسية وهو ردّ على شبهات البادري النصراني على الإسلام. ديوان شعره الكبير
بالفارسية ، ومنظومة بالفارسية سمّاها لسان الغيب ( مطبوعة ).
توفّي في ربيع الثاني
سنة خمس وأربعين ومائتين وألف ، وحمل جثمانه إلى النجف الأشرف ، فدفن مع والده إلى
جانب الصحن المطهر لمرقد أمير المؤمنين عليهالسلام ورثاه تلميذه الجاسبي بقصيدة ، مطلعها :
__________________
أضحى فؤادي رهين
الكرب والألم
|
|
أضحى فؤادي أسير
الداء والسقم
|
وأرّخ وفاته بقوله
:
إن شئت تدري متى
هذا المصاب جرى
|
|
وقد تحقّق هذا
الحادث الصمم
|
عام مضى قبل عام
الحزن يظهر من
|
|
قولي ( له غرف )
تخلو من الألم
|
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٣ / ٥٩٢
٤٣٣١
شريف العلماء
( ... ـ ١٢٤٦
ه )
محمد شريف بن حسن
علي المازندراني الأصل ، الحائري ، الشهير بشريف العلماء.
كان فقيها إماميا
مجتهدا ، من كبار الأصوليين ومشاهير المدرّسين ، له يد طولى في علم الجدل.
ولد في الحائر (
كربلاء ) .
__________________
وتتلمذ أوّلا على
السيد محمد المجاهد بن علي بن محمد علي الطباطبائي الحائري.
ثمّ حضر في الفقه
والأصول على والده السيد علي الطباطبائي صاحب الرياض ولازمه مدّة تسع سنوات.
وسافر إلى إيران ،
وتنقّل في مدنها.
ورجع إلى كربلاء ،
فحضر برهة على أستاذه صاحب الرياض ، ثمّ ترك ذلك ، وأكبّ على المباحثة والمطالعة.
وبرع في أصول
الفقه .
وتصدّر للتدريس ،
فمهر فيه ، واتجهت إليه الأنظار ، وتهافت عليه أهل العلم لغزارة علمه وحسن تقريره
، حتى بلغ عدد من يحضر درسة ألف شخص أو أكثر.
وكان لا يفتر عن
التدريس والمذاكرة ، ولذا قلّ نتاجه العلمي ، ومصنفاته على قلّتها لم تخرج إلى
البياض.
تتلمذ عليه وتخرّج
به الجمّ الغفير ، منهم : السيد إبراهيم بن محمد باقر القزويني الحائري صاحب
الضوابط ، ومرتضى بن محمد أمين الأنصاري وقد أشار إلى آرائه في كتابه « المكاسب »
، وإسماعيل اليزدي ، والسيد محمد شفيع بن علي أكبر الجاپلقي ، والسيد عبد الغفور
بن محمد إسماعيل اليزدي الغروي ، وعبد الخالق بن عبد الرحيم اليزدي ، ومحمد شفيع
بن محمد علي الدابوقي البارفروشي ، ومحمد سعيد البارفروشي المازندراني المعروف
بسعيد العلماء ، وعبد الرحيم بن
__________________
علي الأصفهاني
النجم آبادي ، ومحمد صالح المازندراني الأصفهاني الجوبارئي ، وآقا بن عابد بن
رمضان الدربندي ، ومحمد بن محمد علي الترك آبادي.
توفّي بالحائر سنة
ست وأربعين ومائتين وألف
.
ملا علي النوري
١١٣٧ ه ـ
١٢٤٧ هـ
أحد أكابر
الفلاسفة المتأخرين وأعاظم الحكماء المتألمين ، قدوة أرباب التحقيق وسند أعلام
التدقيق محيي معالم الفلسفة الصدرائيّة ومروّج الحكمة المتعالية.
ولد رضوان الله
تعالى عليه سنة ١١٣٧ ه ولما ان أشتدّ ساعده اشتغل بطلب العلوم العقليّة وبعد ان
انتهى من مقدّماتها حضر على شيخ الفلاسفة في عصره آقا محمّد البيد آبادي حتى برع
في هذا الفن وفاق أقرانه ، بل تقدم على السابقين عليه حتى قيل : انه أقدر من
الملاّ صدرا على بيان الحكمة الصدرائيّة.
واستطاع بفضل بركة
العمر الطويل أن يربّي عدّة أجيال في هذه المدرسة
__________________
وأن يعيد حياة
الحكمة المتعالية التي لولاه لاندرست معالمها بالمرّة وانطمست آثارها أو كادت ،
درّس أكثر الكتب التي خطّتها يراعة الملاّ صدر الدّين كرارا ومرارا لمدّة سبعين
سنة حضر عليه عدد لا يقلّ عن الخمسمائة من طلبة العلوم العقليّة وتخرّجوا عليه
وكان منهم : الملا إسماعيل الدرب كوشكي المعروف بواحد العين والسيد رضي اللاريجاني
المازندراني والميرزا حسن النوري ومحمد جعفر اللاهيجي وعبد الله الزنوزي المدّرس
والملا هادي السبزواري صاحب المنظومة المعروفة في الحكمة والمنطق.
خلّف الآخوند
النوري آثارا جليلة كلها في شرح وتفسير الحكمة المتعالية والدفاع عنها ، نذكر منها
: حاشية على تفسير الملا صدرا ، تعليقات على أسرار الآيات ، حاشية على الرسالة
العرشية ، حاشية على الشواهد الربوبيّة ، حاشية على مشكلات الأسفار ورسائل أخرى مستقلة.
والذي يلفت النظر
في حياة هذا الفيلسوف الكبير زهده وورعه وتقواه وتعبّده بظواهر الشرع المقدّس إلى
حدّ كبير جدّا وكانت بينه وبين كبار فقهاء عصره مراودات كما يحكي عن ذلك الرسالة
التي كتبها الفقيه الاصولي الشهير الميرزا القمي المتوفي سنة ١٢٣١ ه جوابا لإستفتاء
بعثه إليه المترجم ( تجده في المجلّد الثاني من جامع الشتات للميرزا القمي ).
توفي رضوان الله
تعالى عليه سنة ١٢٤٧ ه أو ١٢٤٦ ه على خلاف بينهم.
تكملة أمل الآمل :
٥ / ٢٨٧ ـ ٢٩٠
٢٢٣٦ ـ الشيخ محمد تقي
صاحب الحاشية بن عبد الرحيم [ الأيوان كيفي ]
من ولد ميرزا مهدي
الذي أرسله نادر شاه وعمّر بالكاشي صحن الحرم الحيدري ، واسمه موجود على الكاشي.
وكان الميرزا عبد
الرحيم في إيوان كيف ، إحدى قرى طهران من جهة خراسان ، وكان فيها حاكما من قبل
السلطان ، ثمّ أدركته السعادة فتركها وجاور بالأهل والأولاد كربلاء ، ومدّة في
النجف الأشرف ، واشتغل بالعبادة والطاعات ، وأخذ في تربية أولاده الشيخ صاحب
الترجمة ، والشيخ صاحب الفصول ، حتّى صار الشيخ محمد تقي يحضر عالي مجلس المحقّق
البهبهاني ، وبعده هاجر إلى النجف ، ولازم درس السيد بحر العلوم الطباطبائي ،
وبعدها اختصّ بدرس شيخ الطائفة الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء ، وانتفع كثيرا من
عديله صاحب المقابيس ، وزوّجه الشيخ الفقيه الأكبر الشيخ جعفر بنته من غير أن
يخطبها ، بل ابتداء بذلك ، لأنه الكفء الكريم والأهل لهذا التكريم.
__________________
ولمّا هاجم النجف
الوهابيّة حضر الشيخ مع شيخ الطائفة صهره لدفاعهم ، وكان قد عرض له مرض ضعف القلب
، ومع ذلك لم يترك الدفاع ، ولم يزل قاطنا في العتبات حتّى قصد زيارة أبي الحسن
الرضا عليهالسلام بخراسان وعلاج مرضه ، فزمت ركائبه إلى إيران ، فلمّا وصل
إلى أصفهان ، وكانت من أعظم مراكز العلم ، فكان وروده لأهل العلم أعظم نعمة ،
فأصرّوا على إقامته عندهم ، فأجابهم وشرع في التدريس وتهافت عليه أهل العلم تهافت
الفراش على الشمع ، وتلقّت تحقيقاته بالعين والسمع ، فعادت أصفهان مجمعا للعلماء
يشدّون إليه الرحال وهو يدرّس في المسجد الأعظم مسجد الشاه عباس ، ويقيم فيه صلاة
الجماعة ، وقد سمعت من والدي أن تلامذته بلغوا ما يقرب من أربعمائة.
قال : واتفق أن
فتح علي شاه كان في القصر المتّصل بمسجد الشاه ، فلمّا فرغ الشيخ من الدرس خرج
الطلاّب فنظر الشاه وإذا بميدان الشاه مملوء من العمائم ، فقال : ما هذا الاجتماع
من أهل العلم؟ فقيل له : قد فرغ الشيخ محمد تقي من الدرس ، وهؤلاء أهل مجلس درسه.
فقال الشاه : لا بدّ من زيارة الشيخ في داره.
ولم يزل الشيخ
ناشرا لأعلام العلم ومروّجا لأهل الفضل ، ومربّيا للعلماء حتّى برز من تلامذته
عدّة من الأعلام المحقّقين كأخيه صاحب الفصول ، والسيد العلاّمة المحقّق المير سيد
حسن المدرّس أستاذ سيدنا الأستاذ الميرزا ، والمولى
المحقّق حسين علي التوسركاني ، والشيخ الفاضل الفقيه الشيخ مهدي الكجوري.
__________________
وحدّثني سيدنا
الأستاذ العلاّمة الميرزا حجّة الإسلام الشيرازي : أنه كان يحضر درس الشيخ في
الدرس العمومي ، قال : ومن كثرة الاجتماع لم أتمكّن من التكلّم مع الشيخ في
مشتبهاتي ، فاجتمعت بثلاثة من إخواني أهل الفهم وقلت لهم : الحال هذه ، أفلا
توافقونني على أن نروح إلى الشيخ ونلتمس منه أن يعيّن لنا وقتا لتقرير بحثه العام
حتى نتمكّن من التكلّم معه.
فوافقوني وذهبنا
إلى حضرة الشيخ والتمسنا منه ذلك ، وذكرنا وجه ذلك ، فأجابنا وصرنا نحضر الدرسين ،
وانتفعت حينئذ كثيرا ، غير أن القضاء الإلهي لم يساعد على امتداد ذلك فتوفّي الشيخ
قدّس الله روحه بعد مدّة قليلة.
قلت : توفّي في
يوم الجمعة عند زوال منتصف شوال سنة ١٢٤٨ ( ثمان وأربعين ومائتين بعد الألف ) في
أصفهان ، وصلّى عليه صاحب الإشارات الحاج محمد إبراهيم الكرباسي على ما حدّثني به والدي ، كان يروي بالإجازة وغيرها عن شيخه وأستاذه وجدّ أولاده
وأحفاده الشيخ الأكبر شيخ الطائفة الشيخ جعفر كاشف الغطاء. ويروي عنه جماعات من
تلامذته.
وله من الآثار :
١ ـ هداية
المسترشدين في شرح أصول معالم الدين ، وهو المعروف بالحاشية ، أخرج هو منه إلى
البياض من أوله إلى مبحث المرّة والتكرار في مجلّد ،
__________________
وآخر إلى مسألة
مفهوم الوصف يبلغان خمسة وعشرين ألف بيت.
وأتمّ ولده حجّة
الإسلام المفاهيم ، وبعض مسائل الأوامر.
وجمع ابن أخته
الشيخ محمد من مسوّداته من مسألة الأمر بالشيء إلى مباحث الاجتهاد والتقليد في
مجلّد يقرب من عشرين ألف بيت.
وقال حفيده
العلاّمة الربّاني الشيخ محمد حسين ( قدّس الله سرّه
) يمكن أن يجمع من بقيّة مسوداته جلدا آخر نحو المجلّد الذي جمعه الشيخ محمد.
قلت : ليته تمّ ،
فإنه لم ينسج ناسج على منواله حتّى اليوم ، قد شحنه بأفكاره التي أبهرت العلماء
المحقّقين حتّى كاد أن يكون آية للعالمين ، ومن تأمّل كنوز عباراته الجامعة ،
ورموز إشاراته اللامعة ، علم أنه قانون في أصول الفقه ودستور لمن حاول ذلك الفن ،
وأن في معناه معنى عن الرجوع إلى ما سواه ، ولذا ذكر شيخنا العلاّمة المرتضى رحمهالله أن الشيخ صاحب الحاشية قد أغنانا عن كتابة مباحث الألفاظ.
__________________
وله :
٢ ـ كتاب في الفقه
، رأيت كتاب الطهارة منه في غاية المتانة والتحقيق على نهج حسن يبلغ قدر طهارة
المعالم.
٣ ـ شرح على طهارة
الوافي للمحدّث القاساني ، ذكر فيه تقريرات درس أستاذه السيد بحر العلوم.
٤ ـ رسالة في فساد
الشرط الشائع ، درجه في صكوك المبايعات من ضمان البائع لو ظهر المبيع مستحقا للغير
لردّ الثمن للترديد والتعليق.
٥ ـ رسالة فارسيّة
لعمل المقلّدين.
٦ ـ رسالة في عدم
مفطّرية التتن ، فارسيّة ، ردّ فيها على بعض معاصريه .
ولم يعقّب من
الذكور إلاّ ولده حجّة الإسلام محمد باقر المتقدّم ذكره آنفا ، قد جعل الله البركة
في عقبه وذراريه ، زادهم الله فضلا وعلما.
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٣ / ٣٩٢
٤١٩١
[ علي ] كاشف الغطاء
( ١١٩٧ ـ ١٢٥٣
ه )
علي بن جعفر بن
خضر بن محمد يحيى المالكي ، الجناجي المحتد ، النجفي ، زعيم الطائفة الإمامية في
عصره.
كان فقيها ،
أصوليا ، مجتهدا ، محقّقا ، شاعرا ، جليل القدر.
ولد في النجف
الأشرف سنة سبع وتسعين ومائة وألف.
وتتلمذ على فقيه
عصره والده جعفر صاحب « كشف الغطاء » وتخرّج به في الفقه والأصول ، وأخذ عنه سائر
العلوم العقلية والنقلية.
وبرع في الفقه
وغيره.
وشرع في التدريس
في النجف وكربلاء ـ التي كان يتردّد إليها كثيرا ـ ثمّ
__________________
انتهت إليه
الرئاسة الدينية والمرجعية العامة بعد وفاة أخيه موسى سنة ( ١٢٤١ ه ).
وحاز شهرة واسعة ،
وأقبل على حضور بحثه المئات من أهل العلم بينهم عدد من وجوه العلماء.
وممن أخذ عنه
وتخرّج عليه من المشاهير : مرتضى بن محمد أمين الأنصاري ، وأحمد بن عبد الله
الدجيلي ، وزين العابدين الگلپايگاني ، والسيد عبد الفتاح المراغي الذي جمع
تقريرات شيخه وسماها « العناوين » وهي مشحونة بالتحقيق والتدقيق ، والسيد حسين
الكوهكمري ، ومشكور بن محمد الحولاوي ، وابن اخته راضي بن محمد بن محسن المالكي ،
وابنه مهدي كاشف الغطاء ، والسيد إبراهيم القزويني صاحب الضوابط ، وطالب البلاغي ،
وعلي بن خليل الخليلي ، وجعفر التستري ، وغيرهم.
وللمترجم من
المؤلفات : شرح قطعة من « اللمعة الدمشقية » للشهيد الأوّل في مجلدين الأوّل في
بعض مباحث البيع ، والثاني في الخيارات ( مطبوع ) ، حاشية على « حاشية بغية الطالب
» في الفقه لأخيه موسى ، الرسالة الصومية ، وحجية الظن والقطع والبراءة والاحتياط.
توفّي بكربلاء سنة
ثلاث وخمسين ومائتين وألف ، وحمل إلى النجف ، فدفن في مقبرتهم.
ومن شعره ، قصيدة
في رثاء الإمام الحسين عليهالسلام ، منها :
سعى للحرب يهتزّ
ارتياحا
|
|
ونار الحرب
موقودة الضّرام
|
تقارعه الهموم
فيلتقيها
|
|
بقلب مثل حامله
همام
|
إلى أن خرّ فوق
الترب ملقى
|
|
على الرمضاء
عزّله المحامي
|
ألا يا كربلا كم
فيك بدر
|
|
علاه الخسف من
بعد التمام
|
وكم من آل أحمد
من أبيّ
|
|
قضى ظمأ ولجّ
الماء طامي
|
وله من قصيدة ،
قوله :
سهام المنايا
للأنام قواصد
|
|
وليس لها إلاّ
النفوس مصائد
|
أتأمل أن يصفو
لنا العيش ، والرّدى
|
|
له سائق لم يلو
عنا وقائد
|
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٣ / ٥٧٦
صاحب الفصول
( ... ـ ١٢٥٥
ه )
محمد حسين بن محمد
رحيم الايوانكيفي الطهراني ، الأصفهاني ، الحائري ، صاحب « الفصول ».
كان فقيها مجتهدا
، ماهرا في الأصول ، مدرسا ، من كبار علماء الإمامية.
ولد ونشأ في ايوان
كيف ( على بعد ثمانية فراسخ من طهران ).
__________________
ودرس المقدمات في
طهران .
وحضر في أصفهان
على أخيه محمد تقي ، ولازمه مدة طويلة ، واستفاد منه كثيرا.
وارتحل إلى العراق
، فاتخذ كربلاء موطنا له ، وكانت يومذاك من مراكز العلم الشهيرة.
وشرع في التدريس ،
فبرع وقصده الطلاب ، وسعى في نشر العلم وإحياء
__________________
الشريعة ، حتى
اشتهر ، وأصبح مرجعا في التدريس ، ومن الفقهاء البارزين.
تتلمذ له وتخرّج
به فريق من العلماء ، منهم : ابنه عبد الحسين ، والسيد علي نقي بن حسن بن محمد
المجاهد بن علي الطباطبائي ، وزين العابدين الگلپايگاني ( المتوفّى ١٢٨٩ ه ) ،
والسيد حسين بن محمد الكوهكمري التبريزي ثمّ النجفي ، وعلي بن خليل بن علي الخليلي
الطهراني النجفي ، والسيد حسن بن علي بن محمد باقر الأصفهاني الشهير بالمدرس (
المتوفّى ١٢٧٣ ه ) ، وعبد الرحيم البروجردي ( المتوفّى ١٢٧٧ ه ) ، والسيد صادق
بن مهدي البصروي الشهير بسنگلجي ، والسيد عبد الوهاب الرضوي الهمداني ، وغيرهم.
وصنّف كتاب الفقه
الاستدلالي ، وكتاب الفصول الغروية في الأصول الفقهية ( مطبوع ) قال عنه الطهراني : إنّه شاهد على جلالة مؤلفه وكونه من الفحول
الجامعين للمعقول والمنقول. وقد اختصره السيد صدر الدين محمد علي بن إسماعيل الصدر
وأسماه « خلاصة الفصول ».
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٣ / ٢٥٢
٤٠٩٠
خضر بن شلال
( حدود
١١٨٠ ـ ١٢٥٥ ه )
ابن حطّاب
الشيباني الباهلي ، العفكاوي ثمّ النجفي ، من آل خدّام .
كان من أعيان
الإمامية ، فقيها ، أصوليا ، موصوفا بالزهد والورع.
ولد حدود سنة
ثمانين ومائة وألف في عفك.
وانتقل إلى النجف
الأشرف ، فأتقن مبادئ العلوم.
وجدّ في تحصيل
العلم ، فحضر على جعفر كاشف الغطاء وعلى نجله موسى ، وغيرهما.
__________________
وصحب فقيه الطائفة
السيد محمد مهدي بحر العلوم الطباطبائي ، وسافر معه إلى سامراء للزيارة ، ويقال
إنّه كان صاحب سرّه.
وبرّز صاحب
الترجمة في العلوم ، وأصبح في طليعة فقهاء عصره.
وتصدّى للتدريس ،
فتتلمذ عليه جماعة منهم عبد الكريم بن محمد رحيم الكرماني النجفي ، وأجازه أن يروي
عنه بتاريخ ( ١٢٤٧ ه ).
وصنّف كتبا ، منها
: التحفة الغروية في شرح « اللمعة الدمشقية » في الفقه للشهيد الأوّل في عدة
مجلدات ، مصباح الحجيج ، مصباح المتمتع ، مختصر « شرح اللمعة الدمشقية » ، جنة
الخلد وهي رسالة لعمل المقلدين مرتبة على مطلبين الأوّل في أصول الدين والثاني في
فروعه من الطهارة إلى آخر الصلاة ، أبواب الجنان وبشائر الرضوان في الزيارات
وأعمال السنة ويعرف بمزار الشيخ خضر ، هداية المسترشدين ، وشرحه المسمّى نجم
الهداية.
توفّي سنة خمس
وخمسين ومائتين وألف في النجف ، ودفن بها ، وقد تجاوز السبعين ، وقبره في محلة
العمارة مشهور مزور ، وقد هدمته سلطات نظام صدام المجرم بحجة توسيع البلد.
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٣ / ٥٣٣
٤٢٩٣
حجّة الإسلام [ الشفتي ]
( ١١٧٥ ـ ١٢٦٠
ه )
محمد باقر بن محمد
تقي بن محمد زكي بن محمد تقي بن شاه قاسم الموسوي ، الرشتي ،
الأصفهاني ، الشهير بحجّة الإسلام.
كان فقيها مجتهدا
، أصوليا ، رجاليا ، من أعلام الإمامية وزعماء الدين.
ولد في قرية چزره (
التابعة لمدينة رشت مركز محافظ جيلان ) سنة خمس وسبعين ومائة وألف.
__________________
وانتقل إلى شفت (
بينها وبين قريته نحو خمسين كيلو مترا ).
ثمّ ارتحل في سنة (
١١٩٢ ه ) إلى العراق ، فحضر في كربلاء والنجف والكاظمية على : محمد باقر بن محمد
أكمل البهبهاني الحائري ، والسيد علي بن محمد علي الطباطبائي الحائري ، والسيد
محمد مهدي بحر العلوم الطباطبائي النجفي ، وجعفر بن خضر الجناجي النجفي صاحب « كشف
الغطاء » ، والسيد محسن بن حسن الأعرجي الكاظمي ، وسليمان بن معتوق العاملي
الكاظمي.
وعاد إلى إيران ،
فحضر في قم على الميرزا أبو القاسم القمي صاحب القوانين ، وفي كاشان على محمد مهدي
بن أبي ذر النراقي.
ثمّ استوطن أصفهان
، وتصدّى بها للتدريس ونشر العلوم والأحكام الإسلامية ، وأخذ اسمه يزداد ذيوعا
يوما بعد آخر ، حتى انتهت إليه وإلى صديقه الحميم محمد إبراهيم الكلباسي الرئاسة
هناك.
وكان مبسوط اليد
في أصفهان وسائر بلاد إيران ، يقيم الحدود الشرعية ، وله آثار فخمة مثل مسجده في
أصفهان.
وقد تخرّج به وروى
عنه لفيف من العلماء ، منهم : ابنه الفقيه السيد أسد الله ، ومحمد إبراهيم الأصفهاني القزويني ، ومحمد علي المحلاتي ، والسيد فضل الله
الأسترابادي ، والسيد محمد هاشم بن زين العابدين الخوانساري الچهارسوقي ، والسيد
محمد تقي الزنجاني ، وعبد الباقي الكاشاني ، وعلي النخجواني.
__________________
وألّف كتبا ورسائل
، منها : مطالع الأنوار في شرح « شرائع الإسلام » في الفقه للمحقّق الحلي ، جوابات
المسائل في مجلدين ( طبع أحدهما ) ، رسالة لعمل المقلدين بالفارسية سماها تحفة
الأبرار ، بالفارسية في آداب صلاة الليل ، رسالة في شكوك الصلاة ، رسالة في العقد
على أخت الزوجة المطلقة ، رسالة في وجوب إقامة المجتهدين الحدود في زمن الغيبة (
أي غيبة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ) ، الزهرة المباهرة في أصول
الفقه ، اثنتان وعشرون رسالة في تحقيق حال اثنين وعشرين راويا ( مطبوعة ) ، حاشية
على شرح السيوطي على « الألفية » في النحو لابن مالك لم تتم ، ورسالة في المجاز
والحقيقة ، وغير ذلك.
توفّي بأصفهان في
شهر ربيع الثاني سنة ستين ومائتين وألف.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٣ / ٥١٨
٤٢٨٣
الكلباسي
( ١١٨٠ ـ ١٢٦١
ه )
محمد إبراهيم بن
محمد حسن الخراساني الكاخي ، الأصفهاني ، المعروف بالكلباسي ، ويقال الكرباسي.
كان فقيها إماميا
، زاهدا ، قانعا ، متورّعا في الفتوى ، يضرب بشدة احتياطه المثل.
ولد بأصفهان في
شهر ربيع الثاني سنة ثمانين ومائة وألف.
وأخذ عن والده (
المتوفّى حدود ١١٩٠ ه ) ، ثمّ عن : محمد علي بن محمد رفيع الجيلاني ، والميرزا
محمد علي بن مظفر الأصفهاني ، ومحراب ( المتوفّى ١٢١٧ ه ) ، وغيرهم.
وارتحل إلى العراق
، فتتلمذ على مشاهير العلماء في كربلاء والنجف
__________________
والكاظمية مثل
محمد باقر بن محمد أكمل البهبهاني قرأ عليه مدّة يسيرة ، والسيد علي بن محمد علي
الطباطبائي ، والسيد محمد مهدي بحر العلوم الطباطبائي النجفي ، وجعفر كاشف الغطاء
، والسيد محسن الأعرجي الكاظمي.
وعاد إلى إيران ،
فحلّ في قم ، ودرس بها على الميرزا أبو القاسم القمي ، وأذن له بالفتوى لبلوغه
درجة الاجتهاد.
وسافر إلى كاشان ،
وحضر على عالمها الشهير محمد مهدي النراقي.
وقد روى بالإجازة
عن جملة من المشايخ ، منهم : جعفر كاشف الغطاء ، وأحمد بن زين الدين الأحسائي ،
وعبد علي بن محمد بن عبد الله الخطّي البحراني النجفي ، ويحيى بن محمد العوامي.
واستقرّ بأصفهان ،
وتصدر للتدريس في مسجد الحكيم ، وللوعظ والإرشاد والتأليف ، واشتهر حتى انتهت إليه
وإلى السيد محمد باقر بن محمد تقي الشهير بحجّة الإسلام المرجعية الدينية والزعامة
الروحية في أصفهان ، وكانت بينهما مودة أكيدة وصلة متينة.
أخذ عنه : ابناه
محمد مهدي ومحمد جعفر ، والسيد محمد باقر الخوانساري الأصفهاني مؤلف « روضات
الجنات » ، والميرزا محمد بن سليمان التنكابني مؤلف « قصص العلماء » ، والسيد أبو
الحسن بن علي بن عبد الباقي القزويني ، والسيد محمد بن عبد الصمد الشهشهاني ،
والسيد أبو طالب بن أبي تراب القائني ، وحمزة ابن أسد الله القائني البيرجندي.
وصنّف كتبا ، منها
: إشارات الأصول ( مطبوع ) ، الإيقاظات في أصول الفقه أيضا ، منهاج الهداية إلى
أحكام الشريعة في مجلدين كثير الفروع ، الإرشاد في
الفقه بالفارسية ،
النخبة في العبادات بالفارسية ، مناسك الحجّ بالفارسية ، شوارع الهداية في شرح «
الكفاية » في الفقه لمحمد باقر السبزواري لم يتم وبعضهم يسمّيه شوارع الأحكام.
وله عدّة رسائل ،
منها : رسالة في تقليد الميت ، ورسالة في الصحيح والأعمّ من علم الأصول ، ورسالة
في تفطير دخان التتن للصائم ، وغير ذلك من الرسائل والحواشي وأجوبة المسائل.
توفّي بأصفهان في
جمادى الأولى سنة إحدى وستين ومائتين وألف .
وله أحفاد علماء
في أصفهان.
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٣ / ١٧٧
٤٠٣٤
[ حسن ] كاشف الغطاء
( ١٢٠١ ـ ١٢٦٢
ه )
حسن بن جعفر بن
خضر بن محمد يحيى المالكي ، الجناجي الأصل ، النجفي ، صاحب « أنوار الفقاهة » أحد
أجلاّء الإمامية.
كان فقيها مجتهدا
، أصوليا ، ماهرا في الفقه مستحضرا لمسائله ، من مشاهير المدرّسين.
ولد سنة إحدى
ومائتين وألف بالنجف.
ونشأ على والده
فقيه عصره جعفر كاشف الغطاء ، وحضر عليه قليلا.
وأخذ وروى
بالإجازة عن أكابر العلماء كأخيه موسى ( المتوفّى ١٢٤١ ه ) ، وأخيه علي (
المتوفّى ١٢٥٣ ه ) ، والسيد محمد جواد العاملي النجفي صاحب
__________________
« مفتاح الكرامة »
وأسد الله بن إسماعيل التستري الكاظمي ، وسليمان بن أحمد البحراني القطيفي (
المتوفّى ١٢٦٦ ه ) ، والسيد عبد الله بن محمد رضا شبر الكاظمي ، وعلي البحراني ،
وقاسم بن محمد بن أحمد آل محيي الدين الحارثي الهمداني.
وتبحّر في الفقه ،
وامتلك قدرة واسعة على التفريع ، وعرف بسرعة الإجابة عن المسائل لسعة إحاطته وقوة
استحضاره.
أقام في مدينة
الحلّة مدّة ، ثمّ عاد إلى النجف بعد وفاة أخيه الشيخ علي سنة ( ١٢٥٣ ه ) ،
وتصدّى بها للتدريس والإفتاء وإمامة الجماعة ، وحصل على نصيب من الرئاسة الدينية
في أيّام الرئاسة العامة لصاحب الجواهر.
تتلمذ عليه وروى
عنه بالإجازة فريق من العلماء ، منهم : محمد ومهدي ابنا أخيه علي ، والسيد محمد
مهدي القزويني ( المتوفّى ١٣٠٠ ه ) ، ومشكور بن محمد الحولاوي ، وجواد بن حسين
نجف ، وأحمد بن عبد الله الدجيلي ( المتوفّى ١٢٦٥ ه ) ، وعبد الحسين بن علي
الطهراني الملقّب بشيخ العراقين ، والسيد علي نقي بن حسن بن محمد المجاهد
الطباطبائي الحائري ، ونعمة بن علاء الدين بن أمين الدين الطريحي ، والسيد حسين بن
محمد رضا بن محمد مهدي بحر العلوم الطباطبائي ( المتوفّى ١٣٠٦ ه ) ، والسيد
إسماعيل بن نصر الله البحراني البهبهاني ( المتوفّى ١٢٩٥ ه ) ، ومحمد حسين بن علي
بن محمد حسين الأعسم النجفي ( المتوفّى ١٢٨٨ ه ) ، وغيرهم.
وصنّف كتبا ورسائل
، منها : أنوار الفقاهة قيل إنّه جمع فيه بين الإيجاز
والأدلّة والتفريع
، شرح مقدمات « كشف الغطاء » لوالده في أصول الفقه ، تكملة
« بغية الطالب في معرفة المفروض والواجب » لوالده ، تكملة « القواعد الجعفرية »
لوالده في شرح « قواعد الأحكام » في الفقه للعلاّمة الحلي ، رسالة عملية في
العبادات ، رسالة في البيع اقتصر فيها على الفتوى ، السلاح الماضي في آداب.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٣ / ٣٢
٣٩٣١
[ السيّد ابراهيم ]
القزويني
( ١٢١٤ ـ ١٢٦٤
، ١٢٦٢ ه )
إبراهيم بن محمد
باقر الموسوي ، القزويني ، الحائري ، صاحب « ضوابط الأصول ».
كان فقيها إماميا
مجتهدا ، أصوليا ، من أكابر المحقّقين ومساهير المدرّسين.
ولد [ في ١٢١٤ ه
وتوفي ] في ذي الحجّة سنة أربع وستين ومائتين وألف.
__________________
وانتقل ـ مع أبيه
ـ من قزوين إلى كرمانشاه ، وقرأ بها مبادئ العلوم.
ثمّ ارتحل إلى
العراق ، فأخذ في الحائر ( كربلاء ) عن السيد محمد المجاهد ابن علي الطباطبائي
الحائري وغيره ولازم درس محمد شريف بن حسن علي المازندراني الحائري الشهير بشريف
العلماء ، وتخرّج به في أصول الفقه.
وتوجّه إلى النجف
الأشرف ، فحضر في الفقه على موسى بن جعفر كاشف الغطاء ، وانتفع به كثيرا.
وعاد إلى كربلاء
بعد أن نال قسطا وافرا من العلوم ، وشرع في التدريس في حياة أستاذه شريف العلماء (
المتوفّى ١٢٤٥ ه ).
واشتهر في الأوساط
العلمية ، وعرف بالتحقيق ودقّة النظر.
ثمّ تفرّد آخر
أيّامه بالتدريس في كربلاء ، وكان يدرّس درسين أحدهما في الأصول والآخر في الفقه ،
فيحضر حلقة درسه المئات وفيهم عدد من فحول العلماء ، أشهرهم : زين العابدين
البارفروشي المازندراني ، والسيد أسد الله بن حجّة الإسلام محمد باقر الأصفهاني ،
وعبد الحسين بن علي الطهراني الحائري ، وملا علي الكني ، والسيد محمد باقر
الخوانساري صاحب « روضات الجنات » ، ومحمد صالح بن محمد مهدي بن محمد جعفر النوري
الحائري ( المتوفّى ١٢٨٨ ه ) ، ومهدي الكجوري ، وحسين الأردكاني ، ومحمد
التنكابني صاحب « قصص
__________________
العلماء » ،
والسيد أبو الحسن بن علي بن عبد الباقي التنكابني القزويني ، وغيرهم.
وقد صنّف كتبا
ورسائل منها : ضوابط الأصول ( مطبوع ) في أصول الفقه في مجلدين ، نتائج الأفكار في
اختصار « ضوابط الأصول » ، رسالة في حجّية الظن ، دلائل الأحكام في شرح « شرائع
الإسلام » للمحقّق الحلّي في عدّة مجلدات ولم يتمّه ، مناسك الحجّ ، رسالة في الغيبة ، رسالة في صلاة الجمعة ، رسالة في الطهارة
والصلاة ، رسالة في الطهارة والصلاة والصوم بالفارسية ، ورسالة في القواعد الفقهية
جمع فيها خمسمائة قاعدة.
توفّي بكربلاء سنة
أربعة وستين ومائتين وألف ، وقيل : اثنتين وستين.
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٣٠ / ٥٦٥
٦٣١٣
صاحب الجواهر
( ... ـ ١٢٦٦
ه )
محمد حسن بن باقر
بن عبد الرحيم بن محمد ( الصغير ) بن عبد الرحيم النجفي ، صاحب الموسوعة الفقهية «
جواهر الكلام ».
كان من أكابر
فقهاء الإمامية ، ونوابغ علماء عصره.
ولد في النجف
الأشرف ، وأخذ المقدمات وغيرها عن : حسن محيي الدين الحارثي الجامعي ، وقاسم بن
محمد بن أحمد محيي الدين الحارثي الجامعي ( المتوفّى ١٢٣٧ ه ) ، والسيد حسين بن
أبي الحسن موسى الشقرائي النجفي.
__________________
وحضر على أعلام
عصره : السيد محمد جواد العاملي النجفي صاحب « مفتاح الكرامة » ، وجعفر بن خضر
الجناجي النجفي صاحب « كشف الغطاء » ، وابنه موسى كاشف الغطاء .
وروى عن بعض
أساتذته المذكورين ، وعن أحمد بن زين الدين الأحسائي الحائري ، وغيره.
وتبحّر في الفقه
وأكبّ على التأليف والتدريس.
وسمعت مكانته في
الأوساط العلمية ، وصار ممن يشار إليه بالرسوخ في العلم وسعة الاطلاع وبراعة
البيان وجودة التقرير.
ثمّ آلت إليه
رئاسة الطائفة والمرجعية في التقليد في منتصف القرن الثالث عشر ، وتفرّد بالزعامة
مع وفرة الفقهاء الكبار في عصره وعلا صيته ، وقصده رواد العلم من أماكن شتى.
__________________
وقد تتلمذ عليه
وتخرّج به طائفة ، منهم : عبد الحسين الطهراني المعروف بشيخ العراقين ، ومحمد حسن
آل ياسين الكاظمي ، ومحمد حسين الكاظمي ، وحبيب الله
الرشتي ، والسيد أسد الله الأصفهاني ، وعيسى بن الحسين الربعي الزاهد ، والسيد
حسين بن محمد رضا بن محمد مهدي بحر العلوم الطباطبائي النجفي ، والسيد حسين بن
محمد الكوهكمري ، والسيد حسن بن محمد علي الطباطبائي اليزدي المدرسي ، وحسين
الخليلي ، وعلي الكني ، وعبد الله نعمة العاملي .
وصنف كتابه الشهير
جواهر الكلام في شرح « شرائع الإسلام » للمحقّق الحلي ( مطبوع في ٤٣ جزءا ) ، وهو
كتاب جامع لأمهات المسائل وفروعها ، حاو لأقوال الفقهاء وأدلتهم مع ما فيه من بعد
نظر وتحقيق ، وقد أصبح مرجعا للفقهاء على طول الزمن.
وللمترجم مؤلفات
أخرى ، منها : رسالة فتوائية سماها نجاة العباد في يوم المعاد ، هداية الناسكين في
مناسك الحجّ ، رسالة في المواريث ، وكتاب في « أصول
__________________
الفقه » ، تلف في
حياته.
توفّي في النجف في
غرة شعبان سنة ست وستين ومائتين وألف.
ورثاه جملة من
شعراء عصره ، منهم تلميذه السيد حسين بحر العلوم ، حيث رثاه بقصيدة أرّخ فيها عام
وفاته ، مطلعها :
عين البرية
باديها وحاضرها
|
|
تذري الدموع
لناهيها وآمرها
|
زان الشرائع مذ
حلّى مقالدها
|
|
جواهرا ، ما
الدراري من نظائرها
|
فاليوم تسكب من
وجد ومن أسف
|
|
عليه تلك اللآلي
من نواظرها
|
تبكيه شجوا
وتنعاه مؤرخة
|
|
( أبكى
الجواهر همّا فقد ناثرهها )
|
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٣ / ٤٤٢
٤٢٢٨
محسن خنفر
( ... ـ ١٢٧١
، ١٢٧٠ ه )
محسن بن محمّد بن
خنفر بن حمزة بن عقاب الباهلي ، العفكاوي ، النجفي ، أحد كبار
فقهاء الإمامية المجتهدين.
تتلمذ في النجف
الأشرف على الفقهاء : جعفر كاشف الغطاء ، وولده موسى كاشف الغطاء ، ومحمد رضا بن
محمد بن نجف التبريزي النجفي.
وبرع في الفقه
والأصول والحديث ، وتبحّر في علم الرجال.
__________________
وتصدى لتدريس شتى
الفنون مثل الطب اليوناني والعلوم الرياضية والحكمة والأدب العربي وغير ذلك.
وكان غزير العلم ،
بحاثة ، كثير الحفظ . يضرب به المثل في الزهد والتقوى ، وتروى له كرامات.
قيل : وكان لا
يحبّ إظهار نفسه وعلمه بالرغم من أنّ كثيرا من أهل الدين والبصيرة يرجعون إليه في
التقليد في ذلك العصر الحافل بفطاحل العلماء.
أخذ عنه كثيرون ،
منهم : السيد محمد بن هاشم الهندي ، وأخوه السيد
علي الهندي ، والحسين بن عباس الخاقاني ، وعلي بن خليل الخليلي ،
وأخوه حسين الخليلي ، وأحمد المشهدي ، ومحمد طه نجف ، وعبد الرضا الطفيلي ، ومحسن
عليوي آل الشيخ خضر ، والسيد أبو طالب بن أبي تراب القائني ولازمه
__________________
مدة وأجيز منه
بالاجتهاد ، والسيد رضا بن أحمد حسين الطالقاني النجفي ، وغيرهم .
ولم يعتن بالتأليف
، فلم يوجد له غير رسالة عملية في العبادات لعمل مقلديه سمّاها مقاصد النجاة ،
وكتابات في الفقه والأصول والكلام.
توفّي بالنجف سنة
إحدى وسبعين ومائتين وألف ، وقيل سنة سبعين.
وكان يرى الولاية
العامة للمجتهد العادل .
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٣ / ٦٥٤
٤٣٧٤
[ الشيخ الأعظم ] الشيخ الأنصاري
( ١٢١٤ ـ ١٢٨١
ه )
مرتضى بن محمد
أمين بن مرتضى بن شمس الدين الأنصاري ، الدزفولي ، النجفي.
__________________
كان من عباقرة
الإسلام ، وروّاد التجديد في الفقه والأصول ، وزعيم الإمامية ومرجعها الأعلى في
عصره.
ولد في مدينة
دزفول الإيرانية في يوم الغدير الثامن عشر من ذي الحجة من سنة أربعة عشرة ومائتين
وألف.
وتلقى مبادئ
العلوم وغيرها عن : والده محمد أمين ، وعمّه حسين الأنصاري ، وآخرين.
وارتحل إلى العراق
مرّتين ، فأقام به نحو سبع سنين ملازما لحلقات دروس : السيد محمد المجاهد بن علي
الطباطبائي الحائري ، وشريف العلماء محمد شريف المازندراني الحائري ، وهو أبرز
مشايخه ، وموسى بن جعفر كاشف الغطاء النجفي.
وعاد إلى دزفول ،
ثمّ زار مدينتي بروجرد وأصفهان ، والتقى فيهما رجالات العلم والفقه ، ثمّ توجّه
إلى كاشان ، فمكث فيها نحو أربع سنوات ، حضر خلالها دروس أحمد بن محمد مهدي
النراقي الكاشاني ، ورجع إلى بلدته ، فأقام بها مدّة يسيرة.
ثمّ ارتحل إلى
النجف عام ( ١٢٤٦ ه ) ، فاستوطنها وحضر بحوث علي بن جعفر كاشف الغطاء ( المتوفّى
١٢٥٣ ه ).
وتبحر في الفقه
والأصول ، وتصدّى لتدريسهما ، فأظهر كفاءة ومقدرة عالية لما كان يتمتع به من ذوق
رفيع ، ودقة نظر ، وغزارة علم ، ولما كانت تتسم به بحوثه من عمق وابتكار وروح
علمية.
__________________
وذاع صيته في
الأوساط العلمية ، وأقبل عليه العلماء.
ثمّ انتهت إليه
رئاسة الطائفة بعد وفاة محمد حسن صاحب الجواهر في سنة ( ١٢٦٦ ه ) ، فنهض بأعبائها
، وكرّس جهوده للتدريس والتأليف والإفتاء وإقامة دعائم النهضة العلمية الحديثة ،
حتّى صار رائدا لأرقى مرحلة من مراحلها ، وهي المرحلة التي يتمثل فيها الفكر
العلمي منذ أكثر من مائة سنة حتى اليوم على حدّ تعبير المفكّر الإسلامي الكبير
السيد الشهيد محمد باقر الصدر ( المتوفّى ١٤٠٠ ه ).
وعاش المترجم ـ قبل
تسنمه المرجعية العامة وبعدها ـ متواضعا زاهدا ، يأكل الجشب ، ويلبس الخشن ، محبّا
للفقراء محسنا إليهم ، محتاطا في الأمور كلّها إلى أن وافاه أجله في الليلة
الثامنة عشرة من شهر جمادي الثانية لسنة إحدى وثمانين ومائتين وألف.
وكان يدرّس في
مسجد الهندي في النجف الأشرف ، فيحضر مجلس درسه أكثر من أربعمائة عالم وطالب ، وقد
أخذ عنه وتخرج به عدد كبير من المشاهير ، منهم : السيد حسين بن محمد الكوهكمري ،
والسيد محمد حسين الشيرازي ، وحبيب الله بن محمد علي الرشتي ، وأبو القاسم بن محمد
علي النوري الكلانتري ، وعبد الحسين بن نعمة الأسدي الطريحي ، ومحمد حسن بن جعفر
الآشتياني ، ومحمد رضا بن محمد هادي الهمداني النجفي .
__________________
وترك آثارا جليلة
، أشهرها كتاب فرائد الأصول ( مطبوع ) المعروف بالرسائل ، وكتاب المكاسب ( مطبوع ) ، ولا يزال هذان الكتابان مدارا للدرس والتدريس
والبحث في الحوزات العلمية لما أودع فيهما من مباحث عميقة وآراء جديدة ، حتّى قال
الدكتور السنهوري ـ وهو يتحدث عن كتاب « المكاسب » ـ :
لو وقفت عليه قبل
تأليفي لكتاب « الوسيط » لغيّرت كثيرا من الأسس التي بنيت عليها.
وللأنصاري مؤلفات
أخرى مطبوعة ، منها : كتاب الطهارة ، كتاب الصلاة ، كتاب الصوم ، كتاب الخمس ،
أحكام الخلل في الصلاة ، الوصايا والمواريث ، القضاء والشهادات ، رسالة فتوائية
بالفارسية سماها صراط النجاة ، رسالة في الرضاع ، حاشية على موضوع الاستصحاب من «
القوانين » للمحقّق أبو القاسم القمي ، رسالة في الاجتهاد والتقليد ، ورسالة في
العدالة ، وغير ذلك.
__________________
هذا ، وقد قامت
منظمة الإعلام الإسلامي بعقد مؤتمر عالمي في مدينتي قم المشرفة ، ودزفول بمناسبة
الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري ، وتصدّت لطبع ونشر آثاره .
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٣ / ٣٢٦
٤١٤٣
[ الشيخ عبد الحسين شيخ
العراقين ] الطهراني
( ... ـ ١٢٨٦
ه )
عبد الحسين بن علي
الطهراني ، الحائري ، الملقّب شيخ العراقين ، أحد أكابر مجتهدي الإمامية.
__________________
كان فقيها ،
أصوليا ، رجاليا ، أديبا ، حافظا للشعر العربي ، حاويا لجملة من الفنون .
ارتحل لطلب العلم
من طهران إلى النجف الأشرف ، وحضر على عدّة مشايخ ، منهم : حسن بن جعفر كاشف
الغطاء ، ومشكور بن محمد بن صقر الحولاوي وحصل منه على إجازة ، وعيسى بن حسين
المعروف بالزاهد ، ومحمد حسن بن باقر النجفي صاحب الجواهر.
وروى عن السيد
محمد شفيع بن السيد علي أكبر الجاپلقي ، وأجاز له رفيع ابن علي الرشتي.
ولما أتم تحصيله
بالنجف ، وأجيز بالاجتهاد من شيخه صاحب الجواهر ، عاد إلى بلدته طهران ، فرأس
وتصدّر فيها ، وبنى مدرسة كبيرة عرفت باسمه وإلى جانبها مسجدا ضخما يعرف بمسجد شيخ
العراقين.
وتقدّم عند
السلطان ناصر الدين شاه القاجاري ، وعظمت منزلته في النفوس.
ثمّ فوّض إليه
السلطان المذكور عمارة المشاهد في العراق ، فانتقل بأهله إليه ، وأقام على تذهيب
قبة الإمامين العسكريين عليهماالسلام في سامرّاء ، وتوسعة الحرم الحسيني ، وتوطّن كربلاء وأشتهر
بها ، ورجع إليه في التقليد كثير من أهلها.
أخذ عنه : الميرزا حسين النوري ، ولازمه زمنا طويلا ، ونوح بن قاسم
__________________
القرشي الجعفري
النجفي ، ومحسن بن محمد الحائري الشاعر المعروف بأبي الحبّ ( المتوفّى ١٣٠٥ ه ).
وأجاز لأبي المحاسن
محمد بن عبد الوهاب الهمداني الحائري.
وكان جمّاعا للكتب
خصوصا المخطوطة منها ، وله من ذلك مكتبة نفيسة بكربلاء ، ذكرها عدد من المؤرخين
منهم جرجي زيدان في كتابه « تاريخ آداب اللغة العربية » ، وقد تلف جملة من كتبها ،
وتفرّق باقيها أيدي سبأ.
وللمترجم مؤلفات ،
منها : رسالة فتوائية ( مطبوعة ) لعمل مقلّديه ، طبقات الرواة لم يتم ، كتاب
الإجازات ، ترجمة « نجاة العباد في يوم المعاد » ـ ( مطبوعة ) ، وهي رسالة عملية
فتوائية لأستاذه صاحب الجواهر ، وغير ذلك من الحواشي والتعليقات والرسائل .
توفّي ببلدة
الكاظمية في شهر رمضان سنة ست وثمانين ومائتين وألف ، ونقل إلى كربلاء المقدسة ،
فدفن في بعض حجرات الصحن الشريف للحسين السبط عليهالسلام.
__________________
موسوعة طبقات الفقهاء
: ١٣ / ٩
٣٩١٦
[ الفاضل ] الدربندي
( ... ـ ١٢٨٦
، ١٢٨٥ ه )
آقا بن عابد بن
رمضان بن زاهد الشيرواني الأصل ، الحائري ، الشهير بالدربندي .
كان فقيها إماميا
، أصوليا ، متكلّما ، خطيبا.
تتلمذ في العراق
على عليّ بن جعفر كاشف الغطاء في الفقه ، وعلى محمد شريف بن حسن علي المازندراني
الحائري في أصول الفقه.
وشارك في علوم
متنوعة ، وبرع في أكثرها.
ولبث في كربلاء
مدة طويلة.
__________________
وتوجّه إلى إيران
، فأقام في طهران ، ووعظ ودرّس ، وكان يرقى المنبر في عاشوراء ويذكر مقتل الحسين عليهالسلام ، ويبكي ويظهر أشدّ الحزن.
أخذ عنه جماعة ،
منهم : محمد بن سليمان التنكابني وقد حضر بحثه في شرح ابن أبي الحديد لنهج البلاغة
، والسيّد محمد رضا الهندي وأجيز منه.
وصنّف كتبا ورسائل
منها : شرح منظومة « الدرّة النجفيّة » في الفقه للسيّد محمد مهدي بحر العلوم
سمّاها خزائن الأحكام ، رسالة عمليّة بالفارسيّة في التقليد والطهارة والصّلاة ،
خزائن الأصول ( مطبوع ) في جزئين : الأوّل في أصول الفقه والثاني في أصول العقائد
والدراية والرجال ، حجّيّة الأصول المثبتة بأقسامها في أصول الفقه ، قواميس
القواعد في دراية الحديث والرّجال وطبقات الرّواة ، المسائل التمرينيّة ( مطبوع مع
خزائن الأصول ) جواهر الإيقان ( مطبوع ) بالفارسيّة في مقتل الإمام الحسين عليهالسلام ، إكسير العبادات في أسرار الشهادات ( مطبوع ) ويقال له : أسرار الشهادة ،
الجوهرة ( مطبوع مع أساس الأصول ، ورسالة الغيبة للسيّد دلدار علي ) في الفلك ،
رسالة في علم الإكسير ، سعادات ناصري ( مطبوع ) بالفارسيّة وهو ترجمة لبعض « إكسير
العبادات » والفنّ الأعلى في الإعتقادات ، وغير ذلك.
توفي بطهران سنة
ست أو خمسين وثمانين ومائتين وألف.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٣ / ٦٧٢
٤٣٨٥
ج ١٣ /
٦٧٢
[ مهدي ] كاشف الغطاء
( ١٢٢٦ ـ ١٢٨٩
ه )
مهدي بن علي بن
جعفر بن خضر بن محمد يحيى المالكي ، النجفي ، أحد مشاهير أسرة ( آل كاشف الغطاء )
، ومن أعيان فقهاء الإمامية.
ولد في النجف
الأشرف سنة ست وعشرين ومائتين وألف.
ودرس في أوائل
أمره على أحمد بن عبد الله الدّجيلي النجفي.
وحضر على والده
علي ( المتوفّى ١٢٥٣ ه ) ، وعمّه حسن ( المتوفّى ١٢٦٢ ه ) ، وأخيه محمد بن علي (
المتوفّى ١٢٦٨ ه ).
وروى بالإجازة عن
أبيه وعمّه وعن محمد حسن صاحب الجواهر.
ونال درجة عالية
في الفقه.
ودرّس ، وأشتهر
أمره ، ورأى جماعة من وجوه العلماء أهليّته لتقلّد منصب
__________________
زعامة الطائفة بعد
وفاة الشيخ مرتضى الأنصاري سنة ( ١٢٨١ ه ) ، ودعوا الناس إلى الرجوع إليه في
التقليد ، فاستجاب منهم طائفة في بعض مدن إيران والعراق وقفقاسية.
وكان المترجم طلق
اللسان ، جيّد التقرير في البحث ، قويّ الحافظة ، شاعرا.
حضر عليه الكثير ،
منهم : السيد إسماعيل بن صدر الدين الصدر ، ومحمد حسن بن عبد الله المامقاني ،
وفضل الله النوري الشهيد ، وعبد الله المازندراني ، والسيد محمد كاظم الطباطبائي
اليزدي ، وإسماعيل ( محمد إسماعيل ) التنكابني ، وجواد الرشتي .
وروى عنه بالإجازة
: علي العلياري التبريزي ، والسيد محمد رضا بن محمد علي الكاشاني ، والسيد محمد
هاشم بن زين العابدين الخوانساري الچهارسوقي ، وعلي القرجه داغي ، وآخرون.
وألّف كتبا ورسائل
، منها : كتاب الخيارات في شرح خيارات « شرائع الإسلام » للمحقّق الحلي ، كتاب في
البيع ، رسالة فتوائية في العبادات لعمل مقلديه ،
كتاب في الصوم ، ورسالة في المكاسب المحرّمة.
توفّي في النجف
سنة تسع وثمانين ومائتين وألف.
ومن شعره ، ما
كتبه إلى أحمد قفطان ، وكان وعده بشيء فتأخّر.
أبشر ببرّ وافر
|
|
يأتيك منّي عجلا
|
إن منّ غيري
بالعطا
|
|
فإنّه منّي بلا
|
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٣ / ٢٦٩
٤١٠٠
[ فقيه العراق ] راضي بن
محمد
( ... ـ ١٢٩٠
ه )
ابن محسن بن خضر
بن محمد يحيى المالكي ، الجناجي الأصل ، النجفي ، سبط الشيخ جعفر كاشف الغطاء ،
وجدّ الطائفة المعروفة في النجف بآل الشيخ راضي.
كان من أفقه أهل
زمانه وأعلمهم ، ليس له في عصره نظير في تمهيد قواعد الفقه والتفريع عليها حتّى
ضرب بفقاهته المثل في عصره ، كما ضرب المثل بفقاهة جدّه لأمّه وعمّ أبيه الشيخ
جعفر.
تتلمذ على خاليه :
حسن وعلي ابني جعفر بن خضر ، وعلى محمد حسن بن باقر النجفي المعروف بصاحب الجواهر
، وغيرهم من الأعلام.
وتبحّر في الفقه ،
وكشف عن غوامضه ، وعقد لتدريسه مجلسين أحدهما في داره صباحا ، والثاني في مسجد
الحاج عيسى كبّة ليلا ، والتفّ حوله أهل العلم ،
__________________
وتهافت عليه
الطلاب من كلّ جهة ، وتخرج عليه العشرات نال أكثرهم الزعامة الدينية.
ثمّ انتهت إليه
الزعامة بعد وفاة شيخ الطائفة مرتضى الأنصاري في سنة ( ١٢٨١ ه ) ،
وحملت إليه الأموال من الزكوات والأخماس وغيرها ، فكان يقسمها على الفقراء وطلاب
العلم.
تتلمذ عليه وأخذ
عنه كثيرون ، منهم : ابنه الفقيه عبد الحسن ( المتوفّى ١٣٣٨ ه ) ، والمحقّق محمد
كاظم الآخوند الخراساني ، والسيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي النجفي ، وإبراهيم
الغراوي ، والسيد إسماعيل بن صدر الدين العاملي ، وفضل الله النوري ، وسعد
الحسّاني النجفي ، وعلي بن الحسين الخاقاني ، وحسين بن الحاج ثامر ، والملاّ علي
الرشتي ، ومحمد مظفر النجفي ، والميرزا محمد بن عبد الوهاب الهمداني الكاظمي.
وأجاز لعلي بن عبد
الله العلياري ، ومحمد علي بن حسن الخوانساري النجفي ، وغيرهما.
وكتب حاشية على « نجاة العباد في يوم المعاد » وهي رسالة عملية فتوائية لأستاذه
صاحب الجواهر.
توفّي في شعبان
سنة تسعين ومائتين وألف ، وأرّخ وفاته الشيخ جواد
__________________
الشبيبي بقوله في
آخر المرثية :
علت به قبة
الإسلام وارتفعت
|
|
وشوكة الكفر
عادت منه منكسره
|
حتى أتى الأمر
من باريه راح له
|
|
وانّه أرّخوا (
راض بما أمره)
|
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٣ / ٥٣
٣٩٤٥
[ ابو القاسم ] كلانتري [ الطهراني ]
( ١٢٣٦ ـ ١٢٩٢
ه )
أبو القاسم بن
محمد علي بن هادي النوري المازندراني ، الطهراني ، الشهير بكلانتري ، الفقيه الإمامي المجتهد ، الأصولي ، صاحب تقريرات
__________________
الشيخ مرتضى
الأنصاري.
ولد في الثالث من
ربيع الثاني سنة ست وثلاثين ومائتين وألف بطهران.
ودرس المبادئ
ومقدّمات العلوم وسافر إلى أصفهان ، فأقام بها سنينا طالبا للعلم.
وعاد إلى طهران ،
وجدّ واجتهد ، فأخذ العلوم العقلية عن عبد الله الزنوزي ، والفقه والأصول عن عدد
من الأساتذة ، منهم جعفر بن محمد الكرمانشاهي.
ونال قسطا من
العلم ، وعرف عند علماء وقته ، وزيّنوا له السفر إلى العراق ، فيمّم وجهه شطره ،
وأقام في كربلاء مدة متتلمذا على السيد إبراهيم بن محمد باقر القزويني الحائري.
ثمّ قصد الحوزة
العلمية الكبرى في النجف ، فحضر بحوث الفقيه الشهير مرتضى الأنصاري نحو عشرين سنة
، ومنحه إجازة الاجتهاد مشيدا بمنزلته العلمية .
__________________
وعاد إلى طهران
سنة ( ١٢٧٧ ه ) ، فتصدى للتدريس والإفتاء ، وأشتهر ، وصار من مراجع الدين
البارزين.
ثمّ فوّض إليه أمر
التدريس في مدرسة المروي بطهران ، فدرّس الفقه والأصول مدّة سبع سنين إلى أن أدركه
أجله في الثالث من ربيع الثاني سنة أثنتين وتسعين ومائتين وألف ، ودفن في الري في
مشهد السيد عبد العظيم الحسني.
وقد حضر عليه
العديد من الفقهاء والعلماء ، منهم : ابنه الفقيه الشاعر أبو الفضل ( المتوفّى ١٣١٦ ه ) ، والسيد حسين بن صدر الحفاظ القمي.
وترك من الآثار :
رسائل في أصول الفقه ، وهي تقريرات بحوث أستاذه الأنصاري ، جمع بعضها ابنه أبو
الفضل وطبعت في كتاب اسمه مطارح الأنظار ، ويحتوي على : رسالة في الصحيح الأعم ،
رسالة في اجتماع الأمر والنهي ، رسالة في الأجزاء ، رسالة في مقدمة الواجب ، رسالة
في مسألة الضد العام والخاص والمجمل والمبين ، رسالة في المطلق والمقيد ، رسالة في
المفهوم والمنطوق ، رسالة في أصل البراءة ، رسالة في الحسن والقبح العقليين
والشرعيين ، ورسالة في الاجتهاد والتقليد.
وله رسالة في
المشتق ، رسالة في الاستصحاب ، رسالة في حجّية القطع ، رسالة في حجّية الظن ،
رسالة في التعادل والتراجيح ، وتقريرات في أصول الفقه ،
__________________
وهي بحوث أستاذه
الكرمانشاهي ، دوّنها سنة ( ١٢٧٦ ه ).
وله أيضا رسالة في
الإرث ، وتقريرات في الفقه ، وهي بحوث أصتاذه الأنصاري في أبواب الطهارة ، الصلاة
، الخلل ، صلاة المسافر ، الزكاة ، الغصب ، الوقف ، اللقطة ، الرهن ، إحياء الموات
، الإجارة ، والقضاء والشهادات .
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٣ / ٣٩٠
٤١٩٠
[ السيّد علي ] القزويني
( ١٢٣٧ ـ ١٢٩٨
ه )
علي بن إسماعيل
الموسوي ، القزويني ، أحد فقهاء الإمامية المتبحّرين.
ولد في قزوين سنة
سبع وثلاثين ومائتين وألف.
وقرأ مقدمات
العلوم وغيرها على خاله السيد رضي الدين القزويني ، وجماعة.
ثمّ حضر في الفقه
والأصول والحديث والتفسير على الشهيد محمد تقي بن محمد البرغاني ، وأخيه محمد صالح
البرغاني ، ومحمد بن سليمان التنكابني صاحب « قصص العلماء ».
وأخذ الحكمة
والفلسفة عن حوزة آغا الحكيم ، وعبد الوهاب بن محمد صالح البرغاني في المدرسة
الصالحية بقزوين.
وارتحل إلى العراق
سنة ( ١٢٦٢ ه ) ، فحضر في كربلاء على السيد إبراهيم
__________________
ابن محمد باقر
القزويني الحائري ، ولكن لم تطل أيامه ، حيث توفّي السيد إبراهيم في نفس العام ،
فتوجه المترجم إلى النجف الأشرف ، واختلف إلى بحوث محمّد حسن صاحب الجواهر ، وحسن
بن محمد صالح الرغاني ، ومرتضى بن محمد أمين الأنصاري.
ونال مرتبة سامية
في الفقه والأصول.
ورجع إلى قزوين ،
فتصدى للتدريس والتأليف والإفتاء ، وصار من العلماء البارزين بها.
له جملة من
المؤلفات ، منها : حاشية على « القوانين » في أصول الفقه للميرزا أبو القاسم القمي
ـ ( مطبوعة ) ، شرح على « معالم الأصول » للحسن بن الشهيد الثاني ، رسالة في أقسام الواجب وأحكامها ، شرح كتاب الرضاع
للأنصاري ، ينابيع الأحكام في معرفة الحلال والحرام في خمس مجلدات ، شرح قطعة من « شرائع الإسلام » في الفقه للمحقّق الحلي ، كتاب البيع ، كتاب
الصيد
__________________
والذباحة ، رسالة
في الاجتهاد والتقليد بالفارسيّة ، رسالة في أصول الدين بالفارسية ، وتعليقة على
تفسير البيضاوي ، وغير ذلك .
توفّي بقزوين في
شهر محرم سنة ثمان وتسعين ومائتين وألف.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٣ / ٢٢٨
٤٠٧٢
الكوهكمري
( ... ـ ١٢٩٩
ه )
حسين بن محمد بن
حسن بن حيدر بن شمس الدين الحسيني ، الكوهكمري التبريزي ثمّ النجفي ، المعروف
بالكوهكمري ، ويقال له أيضا السيد حسين الترك.
كان فقيها إماميا
مجتهدا ، متبحرا في أصول الفقه ، محققا فيه ، مدرّسا قديرا ،
__________________
من مراجع الدين.
ولد في كوه كمر (
من قرى مرند ) ، ونشأ بها ، وتعلّم مقدمات العلوم.
وانتقل إلى تبريز
، وأخذ بها عن أحمد بن لطف علي التبريزي المجتهد ، وغن ولده لطف علي بن أحمد.
وتوجّه إلى العراق
لاستكمال دراسته ، فحضر في كربلاء على محمد شريف ابن حسن علي المازندراني المعروف
بشريف العلماء ، والسيد إبراهيم بن محمد باقر القزويني صاحب الضوابط ، ومحمد حسين
بن محمد رحيم الإيوانكيفي الأصفهاني الحائري.
وحضر في النجف
الأشرف على علي بن جعفر كاشف الغطاء ، ومحمد حسن بن باقر النجفي صاحب الجواهر ،
ومرتضى بن محمد أمين الأنصاري ، واختصّ به وواظب على الحضور عنده.
ومهر في العلوم ،
وتصدى للتدريس في حياة أستاذه الأنصاري ، وأشتهر بجودة تقريره ، وحسن بيانه ، وسعة
اطّلاعه.
ثمّ انتهى إليه
وإلى الميرزا حبيب الله الرشتي النجفي ( المتوفّى ١٣١٢ ه ) أمر التدريس في النجف
بعد وفاة الأنصاري سنة ( ١٢٨١ ه ) ، ونهض بأعباء
__________________
المرجعية ، حيث
رجع إليه في التقليد أهل قفقاسيا وتركستان وأذربيجان وبعض مدن إيران .
وقد تتلمذ عليه
وأخذ عنه الجمّ الغفير ، منهم : محمد حسن بن عبد الله المامقاني ، وأحمد الشبستري
، ومحمد بن فضل علي الشرابياني ، والسيد عزيز الله الطهراني ، وعلي الدماوندي ،
والسيد حسن الطالقاني النجفي ، والسيد حسن بن أحمد الكاشاني ، والسيد محمد الهندي
النجفي ، وعلي بن محمد علي بن حيدر المنتفقي ، وعلي العلياري التبريزي ، والسيد
عبد المجيد الگروسي ، وعبد الهادي المازندراني ، ومحمد تقي البيرجندي.
وألف تآليف ، منها
: رسالة في الاستصحاب ، رسالة في مقدمة الواجب ، الصلاة ، أحكام الخلل ، المتاجر ،
الإجارة ، المواريث ، رسالة في الفتاوى لعمل مقلّديه ( مطبوعة ) ، وتقريرات بحث
أستاذه الأنصاري في الفقه والأصول.
توفّي بالنجف في
شهر رجب سنة تسع وتسعين ومائتين وألف.
__________________
القرن الرّابع عشر
١ ـ الفاضل
الإيرواني ( م ١٣٠٦ ه )
٢ ـ الملاّ علي
الكني ١ ( م ١٣٠٦ ه )
٣ ـ موسى بن جعفر
التبريزي ( م ١٣٠٧ ه )
٤ ـ محمد حسين
الكاظمي ( م ١٣٠٨ ه )
٥ ـ حبيب الله
الرّشتي ( م ١٣١٢ ه )
٦ ـ محمد حسن
المجدّد الشيرازي ( م ١٣١٢ ه )
٧ ـ محمد حسن
الآشتياني ( م ١٣١٩ ه )
٨ ـ محمد هادي
الطهراني ( م ١٣٢١ ه )
٩ ـ آغا رضا
الهمداني ( م ١٣٢٢ ه )
١٠ ـ محمد حسن
المامقاني ( م ١٣٢٣ ه )
١١ ـ محمد كاظم
الخراساني ( م ١٣٢٩ ه )
١٢ ـ غلام رضا
القمي ( م ١٣٣٢ ه )
١٣ ـ محمّد كاظم
الطباطبائي اليزدي ( م ١٣٣٧ ه )
١٤ ـ عبد الحسين
اللاّري ( م ١٣٤٢ ه )
١٥ ـ رحمت الله الكرماني
( م ... )
١٦ ـ محمّد حسين
النائيني ( م ١٣٥٥ ه )
١٧ ـ الميرزا أبو
الحسن المشكيني ( م ١٣٥٩ ه )
١٨ ـ ضياء الدين
علي العراقي ( م ١٣٦١ ه )
١٩ ـ محمد حسين
الإصفهاني ( م ١٣٦١ ه )
٢٠ ـ محمد رضا
الإصفهاني ( م ١٣٦٢ ه )
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٤ / ٥٧٤
٤٧٧٢
الفاضل الإيرواني
( ... ـ ١٣٠٦
ه )
محمد بن محمد باقر
الإيرواني ، النجفي ، الشهير بالفاضل الإيرواني .
كان من مراجع
الإمامية في التقليد والفتيا ، ومن أساتذة الفقه والأصول.
ارتحل في شبابه
الباكر من إيروان إلى العراق ، وأقام في كربلاء ، فأدرك بحث السيد إبراهيم بن محمد
باقر القزويني الحائري صاحب « الضوابط » ، وحضر عليه نحو أربع سنوات.
ثم انتقل إلى
النجف الأشرف ، فحضر بحوث الأعلام : محمد حسن بن باقر النجفي مؤلف « جواهر الأحكام
» ، وحسن بن جعفر كاشف الغطاء المالكي ، ومرتضى بن محمد أمين الأنصاري.
__________________
وتبحّر في الفقه
والأصول ، وفي جملة من العلوم العقلية ، وحصل على إجازة اجتهاد من أستاذيه صاحب
الجواهر ، والأنصاري .
وتصدى لتدريس
الفقه والأصول ، وطار صيته بعد وفاة المرجع السيد حسين الكوهكمري التبريزي سنة (
١٢٩٩ ه ) ، حيث رجع إليه في التقليد والفتيا كثير من مسلمي أذربيجان وجماعة من
العراق وإيران.
وعرف بالفضل
الغزير ، والعلم الجمّ.
حضر بحثه جمع من
العلماء ، منهم : السيد أبو الحسن بن محمد الأنگجي التبريزي ( المتوفّى ١٣٥٧ ه )
، وعبد الرحيم بن محمد الفقاهتي الطارمي الزنجاني ( المتوفّى ١٣٦٥ ه ) ، ومحمد
باقر بن محمد حسن القائني البيرجندي ( المتوفّى ١٣٥٢ ه ) ، وجواد بن محرم علي
الطارمي الزنجاني ( المتوفّى ١٣٢٥ ه ) ، ومحمد بن علي حرز الدين النجفي مؤلف «
معارف الرجال » ، ومحمد حسن بن عبد الكريم الزنوزي التبريزي ( المتوفّى ١٣١٠ ه )
، والسيد أحمد بن حسين التفريشي النجفي .
__________________
وأجاز للسيد جعفر
بن علي نقي الطباطبائي الحائري ، وللسيد محمد بن هاشم الشرموطي النجفي.
وألّف كتبا ورسائل
، منها : المكاسب المحرّمة ، أحكام الخلل في الصلاة ، كتاب البيع في مجلد ، رسالة
عملية بالفارسية في العبادات ، وأخرى في المعاملات ، حاشية على « قواعد الأحكام »
في الفقه للعلاّمة الحلي ، حاشية على « القواعد والفوائد » للشهيد الأول ، حاشية
على « الرسائل » في أصول الفقه لأستاذه الأنصاري ، رسالة في الاستصحاب ، رسالة في
أصالة البراءة ، رسالة في الاجتهاد والتقليد ، رسالة في اجتماع الأمر والنهي ،
رسالة في التعادل والتراجيح ، رسالة في مقدمة الواجب ومسألة الضدّ ، رسالة في
الحسن والقبح العقليّين ، وحاشية على « أنوار التنزيل » للبيضاوي ، وغير ذلك.
توفّي في النجف
سنة ست وثلاثمائة وألف.
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٤ / ٤٣٢
٤٦٧٩
الكني
( ١٢٢٠ ـ ١٣٠٦
ه )
علي بن قربان علي
بن قاسم بن محمد علي الآملي الأصل ، الكني الطهراني كان من أكابر مجتهدي الإمامية
، ومن مراجع الدين.
ولد في كن ( من
قرى طهران ) سنة عشرين ومائتين وألف.
ودرس المقدمات
وغيرها وارتحل إلى النجف الأشرف ، فأكمل دروسه بالحضور على النابهين من أهل العلم
، وحضر على حسن بن جعفر كاشف الغطاء المالكي الجناجي النجفي ، ومشكور بن محمد
الحولاوي النجفي ، وغيرهما من كبار الفقهاء.
واختصّ بفقيه عصره
محمد حسن بن باقر النجفي مؤلف الجواهر ، وواظب
__________________
على الحضور عليه
في بحوث الفقه والأصول ، حتّى برع فيهما وفي غيرهما من العلوم.
وهو أحد الأعلام
الأربعة الذين شهد أستاذهم مؤلف الجواهر باجتهادهم ، وهو على منبر التدريس .
وعاد المترجم إلى
طهران ، فتصدى لمسؤولياته الشرعية وسمت مكانته ، ورجع إليه أهلها في التقليد
والإفتاء ، ثمّ امتدت مرجعيته إلى سائر المدن الإيرانية ، وصار نافذ الحكم ، مهابا
عند السلطان ناصر الدين شاه القاجاري.
وقد عرف الكني
بسداد الرأي ، وبعد الغور ، وسعة الاطلاع ، والإحاطة بالآراء والأقوال.
له مؤلّفات ، منها
: تلخيص المسائل في الفقه ، تحقيق الدلائل في شرح « تلخيص
المسائل » في عدّة مجلدات ( طبع بعضها ) شحنها بالتحقيقات والتدقيقات البكر ،
رسالة فتوائية سمّاها إرشاد الأمة ( مطبوعة ) بالفارسية ، توضيح المقال في علم
الدراية والرجال ، ( مطبوع مع « منتهى المقال » ) ، الاستصحاب ، الأوامر ، وإيضاح
المشتبهات في تفسير الكلمات المشكلة القرآنية.
توفّي في طهران
سنة ست وثلاثمائة وألف.
__________________
ورثاه الشاعر المعروف
السيد جعفر الحلي بقصيدة منشورة في ديوانه « سحر بابل وسجع البلابل ».
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٤ / ٨٥٦
٤٩٣٨
[ موسى بن جعفر ]
التبريزي [ صاحب الأوثق ]
( ... ـ ١٣٠٧
ه )
موسى بن جعفر بن أحمد بن لطف علي بن محمد صادق القرجه داغي التبريزي ، صاحب «
أوثق الوسائل ».
كان فقيها إماميا
، من العلماء المحققين والأصوليين المدققين.
تتلمذ على بعض
أساتذة عصره.
وحضر في النجف
الأشرف على الفقيه الشهير مرتضى بن محمد أمين
__________________
الأنصاري (
المتوفّى ١٢٨١ ه ) ، وعلى الفقيه الكبير السيد حسين بن محمد الكوهكمري ( المتوفّى
١٢٩٩ ه ) ، وكتب تقريرات مباحثه.
وبرع في أصول
الفقه.
وعاد إلى بلدته
تبريز ، وتصدى بها للتدريس والإفتاء وبثّ الأحكام الإسلامية.
وألّف شرحا على «
الرسائل » في أصول الفقه لأستاذه الأنصاري سمّاه أوثق الوسائل في شرح الرسائل (
مطبوع في مجلد ضخم ) وهو من الشروح الهامة التي يرجع إليها العلماء في بحوثهم.
وله أيضا : حاشية
على « القوانين » في أصول الفقه لأبو القاسم القمي ( مطبوعة ) ، وكتاب غاية
المأمول في كشف معضلات الأصول .
توفّي سنة سبع
وثلاثمائة وألف .
__________________
تكملة أمل الآمل :
٥ / ٣٨٤
٢٣٢١ ـ الشيخ محمد حسين
بن الشيخ هاشم الفقيه الكاظمي النجفي
( ١٢٢٤ ه
ـ ١٣٠٨ ه )
شيخنا الفقيه
الثقة الورع الناسك ، المستقيم على العلم والعمل ، كان وحيد عصره في الاستقامة على
الطاعات والعبادات ، والكتابة في الفقه والتدريس ، وصلاة الأموات ، وجميع أوقات الصلاة اليوميّة بالجماعة مع النوافل المرتّبة
على أطول ما يكون ، ومع ذلك لا تفوته عيادة مريض ، وزيارة قادم.
وكان يدخل إلى
الحرم المطهّر قبل الفجر لا يخرج إلاّ بعد طلوع الشمس ، ويدخله عند الزوال ولا
يخرج إلاّ عند العصر ، ويدخله أول الليل ولا يخرج إلاّ بعد ساعتين ، لم يفته من
ذلك مرّة مدّة أربعين سنة.
وانتهت إليه
الرئاسة ، وهو على ذلك كلّه ، شرح الشرائع بقال أقول في عدّة
__________________
مجلّدات تزيد على الجواهر ، وصل في شرحه إلى ما بعد القضاء والشهادات ، لا يترك فيه
قولا لقائل إلاّ نقله ونقل دليله وتكلّم فيه ، واستقصى كلمات الفقهاء من أصل
مصنّفاتهم ولم يعتمد على النقل عنهم.
وبالجملة : كتابه
كتاب حسن مفيد ، واستخرج منه متنا في الفروع في غاية الجودة ، وقد حضرت عليه مدّة
يسيرة ، كان يقرأ كراريسه ، وكان يدرّس فيها بحثين الأوّل ما يكتبه ليلا والثاني
ما قد كتبه سابقا من أوّل الكتاب على الترتيب.
وكان من تلامذة
الشيخ صاحب الجواهر ، ويروي بالإجازة عن الشيخ الفقيه الشيخ حسن بن شيخ الطائفة
الشيخ جعفر صاحب أنوار الفقاهة.
وتوفّي في الثاني
والعشرين من محرّم الحرام سنة ١٣٠٨ ( ثمان وثلاثمائة بعد الألف ).
وكان أكبر أولاده
الشيخ جواد توفّي بعد أبيه بسنتين ، له شرح على رسالة أبيه العمليّة بغية الخاص
والعام.
وأفضل أولاده
الشيخ أحمد صهر الشيخ علي رفيش ، كان عالما فاضلا ، خبيرا بالكلام. وله بعض المصنّفات فيه
، توفّي [ سنة ] نيف وعشرين وثلاثمائة.
ومات في حياته
جملة من أولاده المشتغلين منهم الشيخ محمد حسن من بنت صاحب الجواهر ، رحمة الله
عليهم أجمعين.
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٤ / ١٧٤
٤٥١٧
[ حبيب الله ] الرّشتي
( ١٢٣٤ ـ ١٣١٢
ه )
حبيب الله بن محمد
علي خان بن إسماعيل خان الجيلاني الرشتي ، النجفي.
كان من أكابر
الفقهاء والأصوليين المحققين ، ومن أشهر المدرسين في عصره.
ولد سنة أربع
وثلاثين ومائتين وألف.
وقرأ مبادئ العلوم
في رشت ، وتوجه إلى قزوين ، فأخذ عن : علي بن گل محمد القارپوزآبادي القزويني ( المتوفّى ١٢٩٠ ه ) ، وعبد الكريم بن أبي القاسم الإيرواني القزويني ،
وأجيز منه وهو ابن (٢٥) سنة.
__________________
وارتحل إلى النجف
الأشرف ، فحضر في الفقه على محمد حسن بن باقر النجفي مؤلف الجواهر ( المتوفّى ١٢٦٦
ه ).
ثم انضمّ إلى حلقة
درس مرتضى بن محمد أمين الأنصاري ، ولم يتخلف عنها طيلة حياة أستاذه ، وقد كتب
تقريرات بحثه فقها وأصولا في عدة مجلدات.
واستقل بالتدريس
بعد وفاة أستاذه ( سنة ١٢٨١ ه ) ، فأبدى كفاءة عالية وبراعة فائقة ، وحازت دروسه
شهرة واسعة ، ممّا دعا روّاد العلم إلى الإقبال على حوزته ، وقد تخرّج على يديه
المئات ، وأكثر العلماء والفقهاء المشهورين بعده في العراق وإيران أخذوا عنه ،
واستفادوا منه ، ومن هؤلاء : عبد الله بن علي بن محمد بن قدير الأصفهاني (
المتوفّى ١٣١٧ ه ) ، وعبد الله بن محمد نصير المازندراني النجفي ، والميرزا محمد
حسين بن عبد الرحيم النائيني النجفي ( المتوفّى ١٣٥٥ ه ) ، والسيد حسين بن عباس
الإشكوري ( المتوفّى ١٣٤٩ ه ) ، وعبد الحسن بن راضي بن محمد بن محسن المالكي
النجفي ، والسيد محمد باقر بن أبي القاسم بن حسين بن محمد المجاهد الطباطبائي
المعروف بالحجة ، والسيد أحمد بن محمد الخسروشاهي التبريزي ، والسيد محمد تقي بن
رضا القزويني الشهير بالسيد آقا ( المتوفّى ١٣٣٣ ه ) ، ومحمد باقر بن جعفر
البهاري الهمداني ( المتوفّى ١٣٣٣ ه ).
وكان المترجم شديد
الاحتياط في الفتوى ، دائبا في العبادة ، على جانب كبير من الزهد.
صنّف شرحا على «
شرائع الإسلام » للمحقق الحلي ، ويشتمل على : الطهارة في مجلدين ، الصلاة في
مجلدين ، الزكاة ، الإجارة ( مطبوع ) ، القضاء والشهادات
( مطبوع ) ، الغصب
( مطبوع ) ، والوقوف والصدقات ، وغير ذلك.
وله أيضا : حاشية
على « المكاسب » لأستاذه الأنصاري ، بدائع الأفكار ( مطبوع ) في أصول الفقه ،
رسالة في مقدمة الواجب ، رسالة في التعادل والتراجيح ( مطبوعة في آخر بدائعه ) ،
رسالة في الإجزاء ، رسالة في المفهوم والمنطوق ، رسالة في اجتماع الأمر والنهي ،
حاشية على « تفسير الجلالين » ، وكاشف الظلام في حلّ معضلات الكلام بالفارسية.
توفّي في النجف
سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة وألف.
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٤ / ٦٧٠
٤٨٢٩ المجدّد الشيرازي
( ١٢٣٠ ـ ١٣١٢
ه )
محمد حسن بن محمود
بن إسماعيل بن فتح الله بن عابد الحسيني ، السيد معز الدين أبو محمد الشيرازي ، النجفي ثم
السامرائي ، المعروف بالمجدد وبالميرزا الشيرازي.
كان المرجع الأعلى
للطائفة الإمامية في عصره ، فقيها ، أصوليا ، جامعا للفنون ، من مشاهير الرجال.
ولد في شيراز سنة
ثلاثين ومائتين وألف.
وشرع بدراسة
العلوم العربية والفقه والأصول.
__________________
وتوجه إلى أصفهان
سنة ( ١٢٤٨ ه ) ، فقرأ على محمد تقي بن محمد رحيم الإيوانكيفي صاحب حاشية المعالم
مدة قليلة ، وبعد وفاة المذكور في هذه السنة اختص بالسيد حسن بن علي البيد آبادي
الأصفهاني المدرّس ، وحضر درس محمد إبراهيم الكلباسي.
ثم ارتحل إلى
العراق ، فورد النجف سنة ( ١٢٥٩ ه ) ، واختلف إلى حلقات درس الأعلام : محمد حسن
بن باقر النجفي صاحب الجواهر ( المتوفّى ١٢٦٦ ه ) ، وحسن بن جعفر كاشف الغطاء ،
ومشكور بن محمد الحولاوي.
ولازم بحث مرجع
عصره مرتضى بن محمد أمين الأنصاري ، وانتفع به كثيرا.
ونبغ في حياة
أستاذه الأنصاري ، وحظي باحترامه وتقديره ، وصار يشار إليه بين تلاميذه.
ولما توفّي
الأنصاري سنة ( ١٢٨١ ه ) ، أجمع زملاؤه على تقديمه للدرس
والصلاة ، وأرشدوا الناس إلى الرجوع إليه في التقليد.
وأخذت مرجعيته
وحلقة درسه تتسع يوما فيوما على الرغم من توافر أكابر المجتهدين في عصره .
__________________
وسافر في سنة (
١٢٩١ ه ) إلى سامراء ، فعزم على الإقامة فيها ، ولحق به جمع من العلماء والطلاب ،
وشرع في البحث والتدريس.
وبذل جهودا كبيرة
في عمران سامراء ، فبنى بها مدرسة فخمة ، وجسرا ، وسوقا كبيرا ، وعدة بيوت
للمجاورين ، وغير ذلك.
وأخذت الوفود
العلمية والبعثات من سائر الأقطار الإسلامية تترى عليه ، وازدهرت الحياة الأدبية
في أيامه ، حيث اشتهر بحبّه للشعر وإنشاده ، وبإكرامه للشعراء.
وذاع أمر المترجم
، وطار صيته ، حتى نال الزعامة الكبرى ، وانتهت إليه رئاسة أكثر الإمامية في عصره.
وكان قويّ الحافظة
، فكورا ، بعيد النظر ، حسن التدبير ، واسع الصدر ، مهتما بشؤون الأمة الإسلامية ،
متتبعا لأخبارها ، وقد أقام في كل بلد ممثّلا عنه.
وكان يباشر الأمور
بنفسه ، ويستشير أعلام تلامذته وأهل التدبير في القضايا السياسية.
ولما أعطى شاه
إيران ناصر الدين القاجاري امتياز التنباك لشركة انجليزية ، شاع بين الناس أن
المترجم أفتى بتحريم التدخين ، فترك جميع أهل إيران
__________________
التدخين ، الأمر
الذي اضطر الشاه إلى فسخ الامتياز.
وقد تخرّج
بالمترجم عدد كبير من العلماء ، يعسر عدّهم ، منهم : المحدث الشهير حسين النوري ،
والسيد إسماعيل الصدر ، وحسن بن محمد مهدي الشاه عبد العظيمي ، وفضل الله النوري
الطهراني ، والسيد محمد الفشاركي الأصفهاني ، ومحمد حسن بن محمد صالح كبة البغدادي
، والسيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي ، والميرزا محمد تقي الشيرازي ، وهادي
المازندراني الحائري ، والسيد حسن الصدر ، وأبو الفضل بن أبو القاسم الطهراني
الكلانتري ، وفتح علي السلطان آبادي ، والسيد إبراهيم الدامغاني .
وألّف كتبا ورسائل
، منها : كتاب في الطهارة إلى الوضوء ، كتاب من أول المكاسب إلى آخر المعاملات ،
حاشية على « نجاة العباد » لأستاذه صاحب الجواهر ، وهي رسالة فتوائية ، حاشية على
« النخبة » لمحمد إبراهيم الكلباسي ( مطبوعة معها ) ، وهي رسالة فتوائية أيضا ،
رسالة في الرضاع ، رسالة في اجتماع الأمر والنهي ، رسالة في المشتق ( مطبوعة ) ،
وتلخيص إفادات أستاذه الأنصاري.
توفي بسامرّاء في
٢٤ شعبان سنة إثنتي عشرة وثلاثمائة وألف ورثاه الشعراء بكثير من المراثي.
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٤ / ٦٥٥
٤٨٢٢
[ الميرزا محمد حسن ]
الآشتياني [ صاحب بحر الفوائد ]
( حدود
١٢٤٨ ـ ١٣١٩ ه )
محمد حسن بن جعفر
بن محمد الآشتياني ، الطهراني.
كان فقيها إماميا
، أصوليا ، من وجوه العلماء المحققين في طهران.
ولد في قصبة
آشتيان ( بين قم وسلطان آباد ) حدود سنة ثمان وأربعين ومائتين وألف ، ونشأ بها.
وانتقل في صباه
إلى بروجرد ، فمكث فيها أربع سنوات ، أتقن خلالها العلوم العربية والبلاغة ، وحضر
على السيد محمد شفيع بن علي أكبر الجاپلقي البروجردي ( المتوفّى ١٢٨٠ ه ).
وارتحل إلى النجف
الأشرف لاستكمال دراسته ، فحضر على الفقيه الكبير
__________________
محسن بن محمد بن
خنفر الباهلي ( المتوفّى ١٢٧١ ه ) ، ثم حضر على فقيه عصره مرتضى بن محمد أمين
الأنصاري ( المتوفّى ١٢٨١ ه ) ، واختصّ به ، وصار مقرّر بحثه.
وعاد إلى بلاده ، فسكن طهران ، وتصدى بها للتدريس والتأليف ، ونشر تحقيقات أستاذه الأنصاري (
وهو أوّل من نشرها في إيران ) ، فتوافد عليه طلبة العلم من كل ناحية ، وسمت مكانته.
ثم ازداد شأنه
سمّوا لمّا عارض السلطان ناصر الدين شاه القاجاري في منح امتياز الدخانيات
لانجلترا.
وحجّ سنة ( ١٣١١ ه
) ، وعرّج على دمشق ، فجرت مباحثات بينه وبين بعض علمائنا ، ثم زار النجف ،
فاستقبل بحفاوة .
ورجع إلى طهران ،
وواصل بها نشاطاته الدينية إلى أن توفّي سنة تسع عشرة وثلاثمائة وألف.
وقد تلمذ له طائفة
، منهم : الميرزا إبراهيم بن أبي الفتح الزنجاني ( المتوفّى ١٣٥١ ه ) ، ومحمد
إبراهيم بن علي أكبر الساوجي ، والسيد إسحاق بن رحيم بن كاظم المستوفي الهمداني (
المتوفّى ١٣٢٢ ه ) ، وأسد الله الطهراني ، وباقر بن محمد رفيع الطهراني ، والسيد
عبد الغفار اللاريجاني الطهراني ، وأبو القاسم بن محمد تقي
__________________
القمي ، وعبد
الرسول الفيروزكوهي الطهراني ، ومحمد تقي بن عباس النهاوندي النجفي الطهراني .
وألّف كتبا ورسائل
( طبع جلّها ) ، منها : الزكاة ، الوقف وإحياء الموات والإجارة ، القضاء والشهادات
، إزاحة الشكوك في اللباس المشكوك ، الخلل في الصلاة ، الرهن ، الخمس ، رسالة في
نكاح المريض ، رسالة في قضاء الأعلم ، رسالة في أحكام الأواني من الذهب والفضة ،
الغصب ، رسالة في قاعدة الحرج ، رسالة في مقدمة الواجب ، رسالة في اجتماع الأمر
والنهي ، وحاشية مبسوطة على « الرسائل » في أصول الفقه لأستاذه الأنصاري ، سمّاها
بحر الفوائد ( مطبوعة ) ، وهي ـ كما يقول الطهراني ـ أغزر الحواشي مادة
وأكثرها نفعا.
معارف الرجال : ٣
/ ٢٢٥
٥١٥ ـ الشيخ [ محمد ]
هادي الطهراني
( ١٢٥٣ ـ ١٣٢١
)
الشيخ هادي بن ملا
محمد أمين الطهراني النجفي المعاصر المعروف
__________________
بالمدرس الطهراني ، ولد في طهران في العشرين من رمضان سنة ١٢٥٣ ه هاجر شابا إلى أصفهان لتحصيل
مبادئ العلوم وكان فطنا ألمعيا ، قرأ فيها الفقه والأصول على مدرّسين بارزين منهم
السيد محمد الشاهشهاني والسيد حسن المدرس ولما أشتد ساعده
رجع إلى طهران ، ثم صمم على الهجرة إلى العراق لتحصيل العلم من منبعه الأولي في
بلد العلم والهجرة النجف الأشرف ، وأقام في كربلا أوّلا حضر فيها على الشيخ عبد
الحسين الطهراني دروسا ، ثم انتقل إلى النجف في حياة الشيخ الأنصاري وكان
طلبه للعلم حثيثا لأنه يروم الفضل الواسع والاجتهاد وبقى سنين غير يسيرة حتى استقل
بالتدريس لغزارة علمه على حداثة سنه ، وصارت حلقة درسه واسعة خصوصا درسه الأوّلي
طرف الصبح ، ودرس العصر لا يستهان بعدد من يحضر عليه من أهل العلم ، فحسده بعض
القوم من المهاجرين ونسبوا له أشياء لا تليق بأوطأ
رجل فرضا عن مثله ، والحق انه
__________________
بريء منها ، ثم
رموه بأنه يحسّن طريقة « الشيخية » فخذلوه ، وأيّده الأستاذ المرجع الأكبر في
العراق الشيخ محمد حسين الكاظمي ونفى عنه تلك التهم ، وانتصر له أيضا الأستاذ
الفاضل الملا محمّد الايرواني المرجع يومئذ في إيران ، ومن جملة تأييدات الأساتذة
للمترجم له أنه لما توفي والده في طهران ونقل جثمانه إلى النجف لدفنه قدّمه
الأساتذة مع جمع من فضلاء العرب وأفراد من
الايرانيين للصلاة على أبيه وائتمّوا به توثيقا له ، فعندئذ خمدت
أصوات المهرّجين ، وكان وجها من وجوه العلماء وركنا من أركانهم فقيها أصوليا
متكلما بارعا تقيا ثقة عدلا ، وحدثونا عنه في طهران أنه كان مدرّسا أوحديّا فيها يحضر
بحثه جماهير أهل الفضل وكان يدرّس كتاب الفصول في علم الاصول خارجا ويدرس الفقه
أيضا .
__________________
أساتذته :
تتلمذ في كربلاء
على الشيخ عبد الحسين الطهراني كما تقدم ، وفي النجف على الشيخ المرتضى الأنصاري قليلا
وبعد وفاته سنة ١٢٨١ ه حضر درس السيد الميرزا محمد حسن الشيرازي في النجف ، وحضر
الفقه على العالم الشيخ علي بن الشيخ حسين آل عبد الرسول العبسي الحكيمي المتوفى
سنة ١٣٠٠ هـ
تلامذته :
تتلمذ عليه الكثير
في النجف وإيران وممن تتلمذ عليه في النجف الشيخ محمود بن الشيخ محمد ذهب الظالمي المتوفى سنة ١٣٢٤ ه وقد أكثر في تلمذته عليه الفقه والأصول ، والشيخ آغا
صادق التبريزي المتوفى سنة ١٣٥١ ه والشيخ شريف بن الشيخ عبد الحسين بن
صاحب الجواهر المتوفى سنة ١٣١٤ ه والشيخ علي بن الشيخ محمد
رضا حفيد كاشف الغطاء النجفي المتوفى سنة ١٣٥٠ ه والشيخ عبد الرضا بن الشيخ مهدي
بن فقيه العراق الشيخ راضي النجفي المتوفى سنة ١٣٥٦ ه ، والشيخ فياض الزنجاني
صاحب كتاب
__________________
الاجارة المطبوع
سنة ١٣٤٣ ه ، والسيد ناصر بن السيد هاشم المبرزي الأحسائي المتوفى سنة ١٣٥٨ ه
وغيرهم .
مؤلفاته :
ألف كتاب الحق
اليقين في علم الكلام ، وكتاب محجة العلماء في الأصول المطبوع سنة ١٣١٨ ه ، وكتاب الحق والحكم ، ورسالة في
مباحث الألفاظ موسومة بالإتقان ، وكتاب ودائع النبوة في الطهارة ، وكتاب في الصلاة
، ورسالة في صلاة المسافر ، ورسالة في الصوم ، ورسالة في الزكاة ، ورسالة في الرضاع ، ورسالة في اعتصام الماء ، وكتاب الإرث ، ورسالة في
الفرق بين البيع والصلح ، وكتاب في البيع مطبوع ، وكتاب ذخائر النبوة في الخيارات ، ورسالة في منجزات المريض ، ومنظومة في الصلح ، ومنظومة في النحو ، ورسالة في الوقف ، وكتاب التوحيد عربي وفارسي ، ورسالة
في إبطال التنجيم ، ورسالة في
__________________
الفرق بين الوجود
والماهية ، ورسالة في رد الشيخية ، ورسالة في الامامة ، ورسالة في علمه تعالى ،
ورسالة في تفسير آية النور ، ورسالة في حرمة الغناء ، ومناسك حج ، ورسالة لعمل مقلديه ، وحاشية على رسائل الشيخ الأنصاري في
الأصول.
[ إلى غير ذلك. ]
وفاته :
توفي في طهران في
اليوم العاشر من شهر شوّال سنة ١٣٢١ ه ونقل جثمانه إلى النجف ودفن في الحجرة الثالثة عن يسار الداخل إلى الصحن الغروي من الباب القبلي .
__________________
معارف الرّجال : ١
/ ٣٢٣
١٥٨ ـ الشيخ آغا رضا
الهمداني
( ١٢٥٠ ـ ١٣٢٢
)
الشيخ آغا رضا بن
الشيخ محمد الهادي الهمداني النجفي المولود في همدان سنة ١٢٥٠ ه قرأ مقدماته في
همدان ، وهاجر إلى بلد العلم والهجرة النجف الأشرف شابا فاضلا وأقام فيه مجدا في
تحصيله حتى نال مرتبة عالية من العلم وأصبح من المدرسين في عصر استاذه الميرزا
السيد الشيرازي وكان من خيرة تلاميذه في النجف وسامراء ، وكان جماعة من أفاضل
المحصلين من طلبة العرب والعجم يبالغون في فضله وسمو منزلته العلمية ، وحضرت بحثه
أياما لاختبار فضيلته فوجدته فوق ما قيل في حقه وأكثر ما يقال في فضله ، ألا وهو
المحقق ذو النظر الدقيق والفكر الصائب ، الفقيه الأصولي الكلامي الثبت أقول وفنّه
في الكتابة والتصنيف أحسن من تدريسه وأمتن ، يعرف ذلك من حضر بحثه وحكم بالعدل.
أساتيذه :
حضر أوّل أمره على
الشيخ المرتضى الأنصاري في النجف وعلى
__________________
الميرزا السيد
محمد حسن الشيرازي في النجف وسامراء.
مؤلفاته :
أهمها كتاب (
مصباح الفقيه ) شرحا على الشرائع في عدة أجزاء طبع منها كتاب الطهارة والصلاة وهو
خير مصنف ينتفع به متين جدا بحسن أسلوب وقوة استدلال ، وبقي كتاب الخمس والزكاة
والصوم وله حاشية على رسائل استاذه الأنصاري طبعت في إيران سنة
١٣١٨ ه ، وحاشية على مكاسبه لم تتم ، ورسالة في اللباس المشكوك وحاشية على الرياض
غير كاملة ، وكتاب البيع مما حضره على الميرزا الشيرازي ، وكتابة دروسه على
الميرزا أيضا ، وله أجوبة مسائل مختلفة ، وله رسالة لعمل مقلديه. ومرض آخر أيامه
بمرض الصدر وأقام في سر من رأى لطيب هوائها.
وفاته :
توفي فيها يوم
الأحد ٢٨ من شهر صفر سنة ١٣٢٢ ه وأقبر برواق الإمامين العسكريين عليهماالسلام مقابل قبر الطاهرة النقية حليمة خاتون وأعقب ولدا فاضلا الشيخ محمد .
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٤ / ٦٥٩
٤٨٢٤ [ محمد حسن ]
المامقاني
( ١٢٣٨ ـ ١٣٢٣
ه )
__________________
محمد حسن بن عبد
الله بن محمد باقر بن علي أكبر بن رضا المامقاني ، الحائري ثم النجفي.
كان من أكابر
أساتذة الفقه والأصول ، ومن مراجع التقليد ، ومشاهير علماء الإمامية.
ولد في بلدة
مامقان ( جنوب تبريز ) سنة ثمان وثلاثين ومائتين وألف.
وارتحل به أبوه
إلى الحائر ( كربلاء ) وهو ابن شهرين ، وتوفّي أبوه سنة ( ١٢٤٧ ه ) ، فكفّله
الأصولي الشهير محمد حسين مؤلف الفصول ، وعيّن له المدرّسين.
وانتقل المترجم
بعد وفاة صاحب الفصول ( سنة ١٢٥٥ ه ) إلى النجف الأشرف ، فواصل دراسته فيها.
وعاد إلى إيران
سنة ( ١٢٥٨ ه ) ، فأقام في تبريز ، وسكن مدرسة صفر علي ، مكبّا على تحصيل العلوم
والمعارف عند أساتذتها كعبد الرحيم البروجردي ، وغيره.
ثم رجع إلى النجف
سنة ( ١٢٧٠ ه ) ، فحضر الدروس العالية في الفقه على مهدي بن علي بن جعفر كاشف
الغطاء ، وراضي بن محمد بن محسن المالكي ، وفي الأصول على : مرتضى بن محمد أمين
الأنصاري ، والسيد حسين بن محمد الكوهكمري التبريزي ، واختصّ به وانتفع به كثيرا.
وأخذ في علم
الرجال عن علي بن خليل الخليلي.
وبرع في الفقه
والأصول ، وتصدى لتدريسهما ، وأبدى كفاءة عالية في تدريس الأصول.
ولم يزل أمره يترقّى
حتى حصل على نصيب من الزعامة الدينية في عهد المرجعية الكبرى للسيد المجدّد محمد
حسن الشيرازي ، ثم ازداد عدد مقلّديه بعد وفاة السيد المجدّد ، وجبيت إليه
الأموال.
وكان يكره الظهور
، زاهدا في حطام الدنيا وزخارفها ، خشنا في ذات الله.
تتلمذ عليه ، وحضر
بحوثه طائفة ، منهم : السيد حسين بن رضا بن موسى البادكوبي ، وحسين بن عبد علي بن
آقا يار بن مراد التبريزي النجفي ، والسيد أبو الحسن بن محمد الأنگجي التبريزي ،
والسيد مصطفى النخجواني ، ومحمد حسين ابن حمد بن شهيب الحليّ الجباوي ، والسيد
حسين بن عباس بن عبد الله الأشكوري ، والسيد عطاء الله الأرومي ، وأبو القاسم بن
محمد تقي الأوردبادي ، والسيد علي النخجواني ، وولداه أبو القاسم المامقاني (
المتوفّى ١٣٥١ ه ) ، وعبد الله المامقاني ( المتوفّى ١٣٥١ ه ) مؤلف « تنقيح
المقال في أحوال الرجال ».
وألّف كتبا ورسائل
، منها : غاية الآمال ( مطبوع ) في شرح « المكاسب » لأستاذه الأنصاري ، ذرائع
الأحلام إلى أسرار « شرائع الإسلام » في الفقه للمحقق الحلي في عدة مجلدات ( طبع
بعضها ) ، رسالة فتوائية ( مطبوعة ) في العبادات لعمل مقلّديه ، بشرى الوصول إلى
أسرار علم الأصول في ثمان مجلدات ، أصالة البراءة
، وكراريس في علم الرجال ، وغير ذلك.
توفي في النجف سنة
ثلاث وعشرين وثلاثمائة وألف.
__________________
وكان قد توجه إلى
إيران سنة ( ١٣٢٢ ه ) لزيارة الإمام الرضا عليهالسلام ، فبعث الفاضل الشرابياني ( وهو من كبار المراجع يومذاك )
ببرقية إلى السلطان مظفر الدين شاه القاجاري ، يعلمه فيها بسمو مكانة المترجم في
العلم والتقوى ، فلمّا حلّ المترجم ببلدة الريّ ، جاء السلطان لزيارته وبالغ في
إجلاله ، وأبرز له برقية الشرابياني المذكورة ، وفيها : أنه جاء لزيارتكم رجل ليس
له في الشرق ولا في الغرب نظير ، هذه الحكاية التي رواها لنا سماحة العلاّمة جعفر
السبحاني ، تعكس عمق العلاقة بين أعلام فقهائنا ، واستحكام المودة
بينهم أعلى الله تعالى مقاماتهم.
__________________
معارف الرّجال : ٢
/ ٣٢٣
٣٧٣ ـ ملا محمد كاظم
الخراساني
( ١٢٥٥ ـ ١٣٢٩
ه )
الشيخ ملا محمد
كاظم بن ملا حسين الهروي الخراساني النجفي المعاصر المعروف بالشيخ الآخوند ، كما
عرف أيضا بين المعاصرين ان أباه وجده من أهل ( هراة ).
ولد المترجم له في
طوس سنة ١٢٥٥ ه ونشأ فيها وقرأ مقدماته العلمية في بلدة خراسان ، هاجر إلى العراق
شابا وكان عمره حدود ٢٤ سنة وكان ذلك في سنة ١٢٧٩ ه قبل وفاة الشيخ الأنصاري
بسنتين ، وأقام في بلد العلم والهجرة للمجتهدين النجف الأشرف.
وكان دخوله النجف
في أوائل ذي الحجة الحرام ، وجدّ في تحصيله وتخرّج على مشاهير علماء عصره ثم استقل
بالتدريس في الفقه والأصول وتخصّص بعلم الأصول ، وقصدت بحثه الأفاضل من الطلاب من
إيران والهند والأقطار الاسلامية والبلدان العراقية ، وتخرّج عليه عدد كبير لا
يحصى من العلماء وأهل التحقيق
__________________
ووفق جلّ تلامذته
للرئاسة العلمية ، وأجاز جملة منهم السيد مهدي القزويني المتوفى سنة ١٣٠٠ ونظراءه ، وكان له مسلك خاص بتدريس علم الأصول افترق به عن
معاصريه وسابقيه وكتب فيه كتابة ملؤها التحقيق إلاّ أنه قدسسره أختار تعقيد
عبارتها ويراه فنا امتاز به ، وأصبحت كفايته في الأصول عليها مدار تدريس الطلاب
حيث ان جل تلامذته كتبوها ودرّسوا تلاميذهم بكتابتهم وهكذا ، ودراستها أتعبت طلاب
العلوم خصوصا إذا كان مدرّسها فارسيّا.
أساتذته :
تتلمذ في الفقه
على فقيه العراق الشيخ راضي النجفي ، وفي الأصول
حدود السنتين على الشيخ المرتضى الأنصاري ، وعلى السيد ميرزا محمد حسن
__________________
الشيرازي قبل
هجرته إلى سر من رأى ثم بعد لم يحضر على أستاذ وأشغل نفسه بالتدريس .
مؤلفاته :
ألف كتبا كثيرة
وأشهرها : كفاية الأصول فرغ من تأليفها سنة ١٢٩١ ه ، وكتاب
الاجارة ، وحاشية على رسائل أستاذه الأنصاري ، وحاشية على مكاسبه ، وشرح التبصرة ،
وكتابا في القضاء والشهادات لم يتم ، وله رسائل عديدة منها رسالة في الاجارة ناقصة
، ورسالة في الدماء الثلاثة ، ورسالة في الطلاق ناقصة ، وتعليقة على أسفار ملا
صدرا الشيرازي ، وتعليقة على منظومة السبزواري ، ورسالة في العدالة ، وكتاب في
الوقف ، ورسالة موسومة « بروح الحياة » لعمل مقلديه طبعت سنة ١٣٢٧ ه وفي أخريات
أيامه صادف احتلال الروس لبعض مناطق إيران فقام قدسسره يأمر بالجهاد مع
جماعة من علماء عصره لحرب الروس على
__________________
أن يخرجوا إلى
إيران ويمارسوا الحرب بأنفسهم مع المجاهدين ففاجأه الموت فانحل ما أبرموه ولله في
ذلك إرادة وتقدير.
وفاته :
توفي في النجف
فجأة فجر الثلاثاء ٢٠ ذي الحجة سنة ١٣٢٩ ه وصار لوفاته انقلاب في النجف والأوساط
العلمية وتكاثرت الأقوال في وفاته ودفن في حجرة من الصحن الغروي تقع على يسار
الداخل إليه من الباب الكبيرة الشرقية ، وأقيمت له الفواتح في أنحاء العراق ورثته
الشعراء قال في رثائه وتاريخ وفاته الشيخ حسن رحيم :
وفريد قد حظى
التّرب به
|
|
ليتنا كنّا له
نمضي فدا
|
أيتم العلم بل
الدين معا
|
|
كاظم للغيظ
ينعاه النّدى
|
ونعى جبرئيل
أرّخ ( هاتفا
|
|
هدّمت والله
أركان الهدى)
|
سنة ١٣٢٩
هـ
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٤ / ٤٧٧
٤٧١١
[ غلام رضا ] القمّي [ صاحب القلائد ]
( حدود
١٢٥٥ ـ ١٣٣٢ ه )
غلام رضا بن رجب
علي القمّي ، المعروف بالحاج آخوند.
كان فقيها إماميا
، أصوليا ، من كبار علماء قمّ.
ولد ـ كما يبدو ـ سنة
خمس وخمسين ومائتين وألف .
واجتاز بعض
المراحل الدراسية.
وقصد النجف الأشرف
سنة ( ١٢٧٩ ه ) ، فاختلف إلى حلقة درس مرتضى الأنصاري ، وحضر قليلا على المجدّد
السيد محمد حسن الشيرازي ، ولازم الميرزا حبيب الله الرشتي ، وكتب تقريرات أبحاثه ، وصار من أجلّ تلامذته.
__________________
ومهر في الفقه
والأصول ، وبلغ مرتبة عالية من الاجتهاد والفقاهة.
وعاد إلى قمّ سنة (
١٢٩٨ ه ) ، فتصدى بها للبحث والتدريس والإمامة والإرشاد ، وأصبح من مراجع الشؤون
الدينية فيها.
وألّف كتبا ورسائل
، منها : حاشية على « فرائد الأصول » في أصول الفقه لأستاذه الأنصاري سمّاها قلائد
الفرائد ( مطبوعة ) ، قواعد الأصول ، كتاب القضاء ، صلاة المسافر ،
كتاب الصلاة ، وكنوز الجواهر.
توفّي في قمّ سنة
اثنتين وثلاثين وثلاثمائة وألف.
« معارف الرّجال :
٢٩ / ٣٢٦ »
٣٧٤ ـ السيّد محمّد كاظم
اليزدي
( ١٢٤٧ ـ ١٣٣٧
)
السيد محمد كاظم
بن السيد عبد العظيم الطباطبائي اليزدي النجفي المعاصر
__________________
ولد في قرية (
كسنو ) من قرى يزد حدود سنة ١٢٤٧ ه ، قرأ مقدماته في يزد ثم مضى إلى أصفهان وحضر
على أبحاث علمائها نحو الشيخ محمد باقر نجل صاحب ( هداية المسترشدين ) والشيخ محمد
جعفر الآبادي وغيرهما ، ثم رغب في تحصيل الاجتهاد فعزم على المهاجرة إلى بلد
الفقاهة والعلم النجف الأشرف وكانت هجرته إليها في السنة التي توفي فيها الشيخ
المرتضى الأنصاري سنة ١٢٨١ ه ، ونال المترجم له رئاسة واسعة النطاق خصوصا في
أيامه الأخيرة ، بل أصبح الفقيه الأعظم والزعيم المطلق الذي لا يدانيه أحد ، وكان
بحرا متلاطما علما وتحقيقا ومتانة ، مستحضرا للفروع الفقهية ومتون الأخبار ، وحضرت
بحثه أوائل أمره لأجل الاختبار أياما قلائل ، ولما حدث بينه وبين بعض مقدّمي العصر
من علماء إيران الشيء الكثير ابتعدت عن الجانبين جميعا
إلاّ في الموارد الضرورية وكنت أنظر إليهم وإلى صنع أصحابهم وحواريهم من مرتفع
وكنت أنكر عليهم مما يفعله حواشيهم وبعض المقربين عندهم من حوادث المشروطة
والمستبدة فانا لله وإنا إليه راجعون.
__________________
أساتذته :
تتلمذ في النجف في
الفقه على الفقيه الشيخ مهدي بن الشيخ علي نجل كاشف الغطاء المتوفى سنة ١٢٨٩ ه ،
وعلى فقيه العراق الشيخ راضي المتوفى سنة ١٢٩٠ ه ، وحضر على المجدد السيد ميرزا
محمد حسن الشيرازي الفقه والأصول.
مؤلفاته :
حاشية على مكاسب
الشيخ الأنصاري مطبوعة ، وكتاب في اجتماع الأمر والنهي فرغ منه سنة ١٣٠٠ ه طبع
بطهران سنة ١٣١٧ ه ، وبستان نياز فارسي في المناجات طبع سنة ١٣٣٧ ه ، ورسالة
عملية كبرى كثيرة الفروع أسماها العروة الوثقى ، وحاشية على تبصرة العلاّمة. وكان قدسسره مرجعا عاما تأتي
إليه الاستفتاءآت من جميع الأقطار الاسلامية ، وكان ملحوظا عند السلطة الحاكمة
المتأخرة في العراق ، لما له في نفوس المسلمين من الاطاعة والنفوذ ، هذا وقد أشرف
عمره الشريف على ٩٥ سنة.
__________________
من يروون عنه :
يروي عنه جمهرة من
العلماء والأفاضل ، منهم النسابة الجليل السيد محمود بن شرف الدين علي التبريزي
المرعشي ، والمؤلف محمد بن علي حرز الدين النجفي ، والشيخ موسى بن الشيخ عبد الله
الأحسائي الهجري المتوفى حدود ١٣٥٣ ه ، وغيرهم.
وفاته :
توفي في داره
بمحلة الحويش من النجف قبيل الفجر من ليلة الثلاثاء ٢٨ رجب سنة ١٣٣٧ ه بذات الجنب
بقى أياما وجمعت له المتطببة من النجف وكربلاء وقد قدمت حكومة الوقت المحتلة طبيبا
عسكريا من بغداد فاظهر اليأس ؛ حيث أن السيد رغب في الوفود على ربه الكريم وأعطاه
بارئه رغبته ، وبكت عليه
__________________
الفقراء وذوى
الحاجات عامة وأهل الدين خاصة وغسل على نهر السنية وحضر تشييع جنازته الزائرون
لزيارة أمير المؤمنين عليهالسلام في المبعث النبوي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وخرج أهالي النجف برمتهم إلى خارج البلد لتشييع جثمانه
وصلى عليه نجله الحجة السيد علي ودفن في الايوان الكبير من الصحن الغروي مما يلي
مسجد عمران علي المعروف ، وأعقب من الأولاد ستة : العلاّمة السيد محمد وهو أكبر
أنجاله ، والسيد حسن ، والسيد أحمد ، والسيد محمود توفوا في حياة السيد والدهم ،
والحجة السيد علي صار امام جماعة بعد وفاة والده وهؤلاء من كريمة الحاج حسن اليزدي
، والسيد أسد الله من كريمة الحاج شيخ ملا كاظم التبريزي .
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٤ / ٣٠٩
٤٦٠٢
اللاري
( ١٢٦٤ ـ ١٣٤٢
ه )
عبد الحسين بن عبد
الله بن عبد الرحيم بن محمد الموسوي ، الدزفولي الأصل ، النجفي ، اللاري.
كان فقيها إماميا
، أصوليا ، عالما كبيرا.
ولد في النجف
الأشرف سنة أربع وستين ومائتين وألف.
واجتاز بعض
المراحل الدراسية ، ثم حضر الأبحاث العالية على أكابر المجتهدين ، مثل : المجدّد
السيد محمد حسن الشيرازي ، ومحمد حسين بن هاشم الكاظمي ، وحسين قلي الهمداني ،
والفاضل محمد الإيرواني.
وبرع في الفقه
والأصول ، وحاز ملكة الاجتهاد واستنباط الأحكام.
وبعثه أستاذه
السيد الشيرازي إلى بلدة لار ( بمحافظة فارس في بلاد إيران ) ، فمارس فيها دوره
الإسلامي في التبليغ والإرشاد وحلّ الخصومات.
__________________
وتصدى للتدريس ،
فقصده روّاد العلم من مدن شيراز واصطهبانات وداراب وسيرجان وجهرم ، وأصبح من
العلماء البارزين.
وكان قد خاض
المعترك السياسي ، حيث وقف في سنة ( ١٣٠٩ ه ) موقفا حازما تجاه حكومه ناصر الدين
شاه القاجاري بسبب منحها امتياز التنباك للحكومة البريطانية ، وأيّد في ذلك فتوى
أستاذه المجدّد في تحريم التدخين ، كما لعب دورا بارزا في أحداث الحركة الدستورية
، وقاد بنفسه جموعا غفيرة من الناس ضدّ الحكومة الاستبدادية ، ولما أخفقت حركته
وشعر بأنّ حياته مهددة ، سار إلى فيروز آباد ، فمكث فيها قائما بمسؤولياته الدينية
إلى أن طلبه أهالي جهرم سنة ( ١٣٣٦ ه ) ، فأجابهم ، وحلّ بين ظهرانيهم مرشدا
وموجّها إلى أن توفّي سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة وألف.
وقد ترك ثلاثين
مؤلفا ، منها : حاشية على مبحث الصوم من « مدارك الأحكام » للسيد محمد بن علي
الموسوي العاملي ، حاشية على مبحث القضاء من « جواهر الكلام » لمحمد حسن بن باقر
النجفي ، حاشية على « رياض المسائل » في الفقه للسيد علي الطباطبائي الحائري ،
حاشية على « المكاسب » لمرتضى الأنصاري في مجلدين ، حاشية على « الرسائل » في أصول
الفقه لمرتضى الأنصاري ، حاشية على « القوانين المحكمة » في أصول الفقه لأبو
القاسم القمي ، كتاب التنزيل في بعض المتشابهات ، قراءة أهل البيت عليهمالسلام ، آيات الظالمين ( مطبوع ) ، إكسير السعادة ( مطبوع ) في المقتل ، رسالة
معارف السلماني ( مطبوعة )
__________________
في علم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والإمام عليهالسلام ، ورسالة العرفان السلماني ( مطبوعة مع معارف السلماني ) ،
وغير ذلك .
المولى رحمت الله
الكرماني قدسسره
( ـ )
كان رحمهالله أحد كبار الأساتذة والمدرسين في النجف الأشرف أخذ عن أساتذة عصره واختص
بالميرزا محمد حسن الآشتياني وتخرّج عليه في طهران ثم هاجر إلى النجف وحضر على
أعلامها كما خرج إلى كربلاء المقدسة وألقى رحله فيها كي يتزوّد من العلم إلى أن
قفل راجعا إلى النجف واستقل بالبحث وأصبح من أساتذتها ثم رجع إلى طهران واشتغل
بالتدريس والقيام بالمهام الدينيّة إلى أن وافاه الأجل فيها.
ومن تلامذته :
السيد شهاب الدين المرعشي النجفي ( م ١٤٠٩ ه ) له من المصنفات : حاشيته المعروفة
على فرائد الشيخ الأنصاري قدسسره وينسب إليه أيضا : كتاب مفتاح الجنان الذي صحّحه فيما بعد
المحدّث القمّي وأضاف إليه ونقص وسمّاه مفاتيح الجنان.
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٤ / ٦٨٠
٤٨٣٤
[ المحقّق ] النائيني
( ١٢٧٧ ـ ١٣٥٥
ه )
محمد حسين بن عبد
الرحيم بن محمد سعيد بن عبد الرحيم النائيني ، النجفي ، من أعلام الإمامية ، وأحد
كبار مراجع التقليد والفتيا.
ولد في بلدة نائين
( من توابع يزد ) سنة سبع وسبعين ومائتين وألف ، وتعلّم بها.
وواصل دراسته في
أصفهان ، متتلمذا على : محمد باقر بن محمد تقي الأصفهاني ، وأبي المعالي الكلباسي
، ومحمد تقي المعروف بآقا نجفي ، ومحمد حسن الهزار جريبي الشهير بالنجفي ،
وجهانگير خان القشقاني.
__________________
وقصد العراق ،
فهبط سامراء سنة ( ١٣٠٣ ه ) ، واختلف فيها إلى حلقات بحث الأعلام : المجدّد السيد
محمد حسن الشيرازي ، والسيد محمد الفشاركي الأصفهاني ، والسيد إسماعيل بن صدر
الدين الصدر.
وأخذ في التفسير
والحديث عن : فتح علي الگنابادي ، والميرزا حسين النوري.
وانتقل إلى كربلاء
سنة ( ١٣١٤ ه ) صحبة أستاذه السيد الصدر ، ولازمه عدة سنين.
ثم قطن النجف ،
فاتصل بالفقيه الشهير محمد كاظم الخراساني ( المتوفّى ١٣٢٩ ه ) ، وآزره في مهماته
الدينية والسياسية ، وأيّده في موقفه الداعم للحركة الدستورية في إيران ، وصار من
أعضاء مجلس الفتيا الذي كان يعقد برئاسة الخراساني للبحث في المسائل المشكلة.
واستقلّ بعد وفاة
الخراساني بالبحث والتدريس ، فأبدى مقدرة وكفاءة عالية.
وذاع صيته بعد
وفاة المرجعين الكبيرين : الميرزا محمد تقي الشيرازي ( ١٣٣٨ ه ) وشيخ الشريعة
الأصفهاني ( ١٣٣٩ ه ) ، واتجهت أنظار المقلّدين إليه وإلى السيد أبو الحسن
الأصفهاني حتى استقامت لهما الرئاسة العلمية في العراق بل انحصرت فيهما.
ولما وقع العراق
تحت سيطرة الإنجليز بعد الحرب العالمية الأولى ، وأقيم الملك فيصل ملكا على العراق
، وأرادوا تشكيل مجلس تأسيسي ، دعا المترجم ـ مع سائر كبار الفقهاء ـ إلى مقاطعة
انتخابات المجلس وإزالة أية سلطة أجنبية عن
الحكومة العراقية
، مما حدا بالحكومة إلى إبعاده إلى إيران في أواخر سنة ( ١٣٤١ ه ) ، فأقام في قمّ مدة ، تصدى خلالها للبحث والتدريس ، ثم عاد إلى العراق.
وكان الميرزا
النائيني متضلعا من الأدب الفارسي والعربي ، ذا قدم راسخة في الحكمة والفلسفة ،
ماهرا في أصول الفقه محققا فيه ، وله فيه آراء مبتكرة.
حضر بحثه ثلة من
العلماء ، أبرزهم : السيد جمال الدين بن حسين الگلبايگاني ، وموسى الخوانساري ، ومحمّد علي الخراساني الكاظمي ، وحسين بن علي
الحلي ، والسيد محمود الشاهرودي ، والسيّد أبو القاسم الخوئي ، والسيد حسن البجنوردي ، والميرزا باقر الزنجاني ، والسيد علي نقي النقوي.
ووضع مؤلفات ،
منها : حاشية على « العروة الوثقى » في الفقه للسيد محمد
__________________
كاظم الطباطبائي ( مطبوعة ) ، رسالة فتوائية لعمل المقلدين ( مطبوعة ) ، رسالة في اللباس
المشكوك ، رسالة في أحكام الخلل في الصلاة ، أجوبة مسائل المستفتين جمعها بعض
تلاميذه ، رسالة في التعبّدي والتوصّلي ، رسالة في المعاني الحرفية ، رسالة في
التزاحم والترتيب ، رسالة في قاعدة لا ضرر ، رسالة في الشرط المتأخر ، وتنبيه
الأمّة وتنزيله الملة ( مطبوع ) بالفارسية ، وغير ذلك.
توفّي في (٢٦)
جمادي الأولى سنة خمس وخمسين وثلاثمائة وألف ، ورثي بمرات كثيرة.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٤ / ٢٨
٤٤١٨
المشكيني
( ١٣٠٥ ـ ١٣٥٨
ه )
أبو الحسن بن عبد
الحسين المشكيني الأردبيلي ، النجفي.
__________________
كان فقيها ،
أصوليّا ماهرا ، مدرسا ، من علماء الإمامية.
ولد في بعض قرى
مشكين ( من توابع أردبيل ) سنة خمس وثلاثمائة وألف.
وانتقل إلى أردبيل
سنة ( ١٣٢٠ ه ) ، فأكمل بها المقدمات.
ثمّ ارتحل إلى
النجف الأشرف سنة ( ١٣٢٨ ه ) ، فأدرك بحث محمد كاظم الخراساني ، وحضر عليه إلى أن
توفي سنة ( ١٣٢٩ ه ) ، فاختلف إلى درس علي القوچاني .
ثمّ قصد الحائر (
كربلاء ) سنة ( ١٣٣٧ ه ) ، فحضر على فقيه عصره الميرزا محمد تقي الشيرازي.
وعاد إلى النجف ،
فشرع في التأليف وتدريس علمي الفقه والأصول ، وفي أواخر عمره تألّق نجمه في تدريس
الأصول ، وعرف بالتحقيق في العلم والتثبت في الأمور العرفية.
تتلمذ عليه ثلة من
العلماء ، منهم : علي بن محمد رضا بن هادي آل كاشف الغطاء ، والسيد مرتضى بن محمد
الفيروزآبادي ، والسيد علي نقي بن أبي الحسين النقوي اللكهنوي ، والسيد
محمد حسن بن محمد هادي الرضوي الهندي.
وكان حسن التقرير
فائق البيان.
صنّف كتبا ورسائل
، منها : كتاب الصلاة ، كتاب الطهارة ، كتاب الزكاة ،
__________________
المناسك ، حاشية
على « المكاسب » لمرتضى الأنصاري ، حاشية على « العروة الوثقى » للسيد محمد كاظم
اليزدي ، رسالة في الكرّ ، رسالة في الرضاع ، رسالة في التّرتيب ، رسالة في المعنى
الحرفي ، حاشية على « الكفاية » في أصول الفقه لأستاذه الخراساني ( مطبوعة ) ،
والفوائد الرجالية ، وغير ذلك.
توفّي في الكاظمية
سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة وألف.
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٤ / ٢٨٦
٤٥٨٧
[ المحقّق ] ضياء الدين
العراقي
( ١٢٧٨ ـ ١٣٦١
ه )
ضياء الدين بن محمد العراقي ، النجفي.
كان فقيها إماميا
مجتهدا ، محققا ، من أكابر أساتذة الأصول ، ومن
__________________
الشخصيّات اللامعة
في عصره.
ولد في سلطان آباد
العراق من بلاد إيران ( وتعرف اليوم بأراك ) سنة ثمان وسبعين ومائتين وألف.
وأخذ عن أبيه وعن
غيره من علماء إيران.
وقصد النجف الأشرف
، فاختلف إلى حلقات بحث الأعلام : السيد محمد الفشاركي ، وحسين الخليلي ، ومحمد
كاظم الخراساني ، والسيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي ، وشيخ الشريعة الأصفهاني.
وباشر التدريس في
أيام حضوره على أساتذته ، حتى أصبح من المدرسين المعروفين للمرحلة التي تسبق مرحلة
الدراسات العليا.
ثمّ تصدى لتدريس
الأبحاث العالية بعد وفاة أستاذه الخراساني سنة ( ١٣٢٩ ه ) ، فأبدى كفاءة عالية
لا سيما في تدريس علم أصول الفقه وذاع صيته ، واحتفّ به أهل العلم.
وامتاز العراقي ـ كما
يقول واصفوه ـ بغزارة العلم وسعة العقلية وعمق أفكاره وآرائه الأصوليّة ، وكان مجلس
بحثه صورة صادقة للحرية الفكرية ، فهو مجلس الدرس الذي يقبل كل مناقشة.
حضر عليه ، وتخرّج
به طائفة كبيرة من العلماء والمجتهدين ، مثل : حسين بن علي الحلّي ( المتوفّي ١٣٩٤
ه ) ، ومحمّد رضا بن محمد آل المظفر النجفي ، والسيد محسن الحكيم الطباطبائي ،
والسيد أبو القاسم الخوئي ، والسيد عبد الأعلى السبزواري ( المتوفي ١٤١٤ ه ) ،
والسيّد حسن البجنوردي
( المتوفي ١٣٩٥ ه
) ، والميرزا هاشم الآملي الذي دوّن أفكار أستاذه ( المترجم ) في كتابه « بدائع
الأفكار » ، ومحمد رضا بن هادي بن عباس كاشف الغطاء النجفي ( المتوفى ١٣٦٦ ه ) ،
والسيد عبد الله بن محمد طاهر الشيرازي ( المتوفّي ١٤٠٥ ه ) .
وألّف كتبا ورسائل
، منها : شرح « تبصرة المتعلّمين » في الفقه للعلامة الحلي ( مطبوع في أربعة أجزاء
) ، حاشية على « العروة الوثقى » في الفقه للسيد محمد كاظم
اليزدي ( مطبوعة ) ، كتاب القضاء ( مطبوع ) ، رسالة في تعاقب الأيدي ( مطبوعة ) ،
المقالات الأصوليّة ( مطبوع في جزأين ) ، وروائع الأمالي في فروع العلم الإجمالي (
مطبوع ).
توفّي في النجف في
شهر ذي القعدة سنة إحدى وستين وثلاثمائة وألف.
__________________
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٤ / ٦٩٢
٤٨٤٠
[ محمد حسين ] الأصفهاني
( ١٢٩٦ ،
١٣٦١ ه )
محمد حسين بن محمد
حسن بن علي أكبر الأصفهاني ، النجفي ، المعروف بالكمپاني.
كان فقيها إماميا
، أصوليا ، فيلسوفا ، ذا باع مديد في الأدب العربي والفارسي.
ولد في الكاظمية (
وكان والده من كبار التجّار بها ) سنة ست وتسعين ومائتين وألف.
وتعلّم بها ، وقصد
النجف الأشرف ، فطوى بها بعض المراحل الدراسية متتلمذا على حسن التويسركاني ،
وغيره.
__________________
ثمّ حضر على
الأعلام ، السيد محمد الفشاركي الأصفهاني ، ومحمد كاظم الخراساني واختصّ به ولازم
أبحاثه ثلاث عشرة سنة ، وآقا رضا الهمداني.
وتتلمذ في الفلسفة
العالية على الميرزا محمد باقر الاصطهباناني الشيرازي ، وغيره.
ومهر في الفقه ،
وتضلع في الأصول وحقّق الكثير من مباحثه الغامضة ، وبرع في الفلسفة واستبطن ـ كما
يقول تلميذه المظفر ـ كل دقائقها ، ودقّق في كلّ مستبطناتها.
وقد ألقت نزعته
الفلسفية بظلالها على جميع آثاره وأبحاثه بل حتى بعض أراجيزه في مدح أهل البيت عليهمالسلام.
وكان قد تصدى
للتدريس بعد وفاة أستاذه الخراساني سنة ( ١٣٢٩ ه ) ، فدرّس الفقه والأصول والعلوم
العقلية ، وتهافت عليه بغاة العلم ، وبرز كأستاذ قدير ، ذي مكانة سامية في الأوساط
العلمية ، وأصبح في السنوات الأخيرة من عمره من مراجع التقليد والفتيا.
تتلمذ عليه جمع
غفير ، منهم : محمد علي بن أبي القاسم الأردوباني ، ومحمد رضا المظفّر ، ويوسف بن
زين العابدين الخراساني الحائري ، والسيد حسين بن محمود آل مكي العاملي ، والسيد
هادي بن جعفر الميلاني ، وعلي محمد بن إبراهيم البروجردي ، والسيد مسلم بن حمود
الحلّي ، والسيد محمد حسين الطباطبائي مؤلف « الميزان » ، والسيد يوسف بن محسن
الحكيم ، والسيد أبو القاسم
الموسوي الخوئي ،
والسيد عبد الأعلى السبزواري .
وألّف ما يربو على
ثلاثين مؤلّفا ، منها : نهاية الدراية في شرح « الكفاية » في أصول الفقه لأستاذه
الخراساني ( مطبوع في أربعة أجزاء ) ، رسالة في
الصحيح والأعمّ ، رسالة في أخذ الأجرة على الواجبات ، رسالة في الاجتهاد والتقليد (
مطبوعة ) ، رسالة في موضوع العلم ، رسالتان في المشتق ، رسالة في تحقيق الحق
والحكم ( مطبوعة ) ، كتاب في أصول الفقه لم يتمّ حاول فيه تهذيب هذا العلم
واختصاره مع الاحتفاظ بدقائقه وحقائقه ، رسالة في
العدالة ( مطبوعة ) ، الوسيلة ( مطبوعة ) في الفقه العملي ، رسالة في القواعد
الفقهيّة : التجاوز والفراغ وأصالة الصحة واليد ، رسالة في صلاة المسافر ( مطبوعة
) ، منظومة في الصوم ، منظومة تحفة الحكيم ( مطبوعة ) في الفلسفة العالية ،
الأنوار القدسية ( مطبوع ) ويتضمن أربعا وعشرين أرجوزة في النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأهل بيته عليهمالسلام ، وديوان شعر بالفارسية.
توفّي في النجف
سنة إحدى وستين وثلاثمائة وألف.
ومن أراجيزه ،
قوله في الدين الإسلامي الخالد :
ودينه في رتبة
الكمال
|
|
شريعة الجلال
والجمال
|
شريعة الحقوق
والعدل السويّ
|
|
في الحكم ما بين
الضعيف والقويّ
|
__________________
شريعة طيّبة
الموارد
|
|
زلالها عذب لكلّ
وارد
|
ماء الحياة من
زلال مائها
|
|
وبهجة الفردوس
من صفائها
|
شريعة رياضها
أنيقه
|
|
وغرسها على يد
الحقيقه
|
على يد الخبير
بالمصالح
|
|
أكرم به من مرشد
وناصح
|
شريعة لا عسر
فيها وحرج
|
|
سمحاء سهلة لكل
من ولج
|
سمحاء لا تمحقها
الطباع
|
|
تلتذّ من بيانها
الأسماع
|
موسوعة طبقات
الفقهاء : ١٤ / ٧١٦
٤٨٥٢
أبو المجد
( ١٢٨٧ ـ ١٣٦٢
ه )
محمد رضا بن محمد
حسين بن محمد باقر بن محمد تقي (
صاحب حاشية المعالم ) بن محمد رحيم الإيوانكيفي الطهراني الأصل ، أبو المجد
الأصفهاني ، النجفي ، المعروف بآقا رضا.
كان من أعلام عصره
، فهو فقيه إمامي مجتهد ، وأصولي متبحّر ، ومتكلم بارع ، وأديب كبير ، وشاعر مفلق.
ولد في النجف
الأشرف سنة سبع وثمانين ومائتين وألف.
__________________
وسافر به أبوه إلى
موطنه أصفهان ، وهو ابن تسع سنين.
ثم رجع به إلى
النجف سنة ( ١٣٠٣ ه ) ، فاستوطنها.
قرأ على والده
شطرا من أصول الفقه والتفسير ، وعلى السيد إبراهيم القزويني الحائري شيئا من الفقه
وأصوله.
ثم حضر بحوث
الأعلام : فتح الله بن محمد جواد الأصفهاني المعروف بشيخ الشريعة ، والسيد محمد
كاظم الطباطبائي اليزدي ، والسيد محمد كاظم الخراساني ، والسيد محمد بن القاسم
الفشاركي ، وانتفع به كثيرا.
وأخذ في علوم
الحديث والرجال عن : الميرزا حسين النوري ، والسيد مرتضى الكشميري ، وشيخ الشريعة
الأصفهاني.
وجدّ ، حتى أصاب
من كل علم حظا وافرا.
وأولع بالقريض ،
وصحب فريقا من مشاهيره كالسيد جعفر الحلي ـ وكان تخرّجه عليه ـ والسيد إبراهيم
الطباطبائي ، والسيد محمد سعيد الحبوبي ، وجواد الشبيبي ، وغيرهم ، ودارت بينه
وبينهم مطارحات أدبية ومساجلات شعرية.
ثم بارح العراق
سنة ( ١٣٣٣ ه ) ، قاصدا أصفهان ، فسكنها ، وتصدى بها للبحث والتأليف والتدريس
وإمامة الجماعة ونشر الأحكام والمعارف الإسلامية.
وذاع صيته ، وصار
ممن يشار إليه بالنبوغ والمكانة العلمية السامية.
وقد ألّف كتبا
ورسائل عديدة ، منها : ذخائر المجتهدين في شرح « معالم الدين في فقه آل ياسين »
لمحمد بن شجاع الأنصاري الحلي القطان في
__________________
مجلدين ، حاشية
على « نجاة العباد » في الفقه العملي لمحمد حسن صاحب الجواهر ، استيضاح المراد من
قول الفاضل الجواد في الفقه ، الإيراد والإصدار في حل إشكالات عويصة في بعض مسائل
العلوم ، رسالة في القبلة ، وقاية الأذهان والألباب في أصول السنّة والكتاب ( طبعت
بعض مباحثه المهمة ) في أصول الفقه ، الروضة الغنّاء في معنى الغناء وتحديد حكمه ،
نجعة المرتاد ( مطبوع ) في نقد فلسفة دارون ، العقد الثمين ، أداء المفروض في شرح
« أرجوزة العروض » للميرزا مصطفى التبريزي ، كتاب في الردّ على البهائية ، حلي
الزمان العاطل في التراجم ، والروض الأريض وهو دوان شعره.
توفّي في أصفهان
في شهر محرم سنة اثنتين وستين وثلاثمائة وألف.
ومن شعره ، قصيدة
في الغزل ، منها :
ببدائعي نظما
ونثرا
|
|
حلّيت منك فما
ونحرا
|
وكنزت شعري في
الجفو
|
|
ن ، فخاله
الراؤون سحرا
|
هل صيغ من قلبي
الخفو
|
|
ق لك الرّعاث
فما استقرّا
|
دع يا عذول ملام
من
|
|
في مثله من لام
أغرى
|
قدّمت في طرق
الهوى
|
|
رجلا ، وما
أخّرت أخرى
|
__________________
علماء الجمهور
١ ـ ابن سريج ( م
٣٠٦ ه )
٢ ـ أبو بكر
الباقلاني ( م ٤٠٣ ه )
٣ ـ القفّال
المروزي ( م ٤١٧ ه )
٤ ـ الغزالي ( م
٥٠٥ ه )
٥ ـ ابن الحاجب (
م ٦٤٦ ه )
٦ ـ القاضي عضد
الإيجي ( م ٧٥٦ ه )
٧ ـ التفتازاني (
م ٧٩٢ ه )
الكنى والالقاب :
١ / ٣٥٨
ابن سريج ( م ٣٠٦ ه )
مصغّرا القاضي أبو
العباس أحمد بن عمر بن سريج الفقيه الفارسي الشيرازي الشافعي المشهور أحد
المجتهدين على مذهب الشافعي ، يقال له الباز الأشهب ، ولي القضاء بشيراز ، وكان
يفضّل على جميع أصحاب الشافعي حتى على المزني وان فهرست كتبه كان يشتمل على
أربعمائة كتاب توفي ببغداد سنة ٣٠٦ ( شو ).
وفيات الأعيان : ٤
/ ٢٦٩
أبو بكر الباقلاني ( م
٤٠٣ ه )
القاضي أبو بكر
محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القاسم المعروف بالباقلاني البصري المتكلم
المشهور كان على مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري ومؤيدا اعتقاده وناصرا طريقته وسكن
بغداد وصنف التصانيف الكثيرة المشهورة في علم الكلام وغيره وكان في علمه أوحد
زمانه وأنتهت إليه الرئاسة في مذهبه
وكان موصوفا بجودة
الاستنباط وسرعة الجواب وسمع الحديث وكان كثير التطويل في المناظرة مشهورا بذلك
عند الجماعة وجرى يوما بينه وبين أبي سعيد الهاروني مناظرة فأكثر القاضي أبو بكر
المذكور فيها الكلام ووسع العبارة وزاد في الإسهاب ثم التفت إلى الحاضرين وقال :
اشهدوا علي انه إن أعاد ما قلت لا غير لم أطالبه بالجواب ، فقال الهاروني : اشهدوا
علي انه إن أعاد كلام نفسه سلمت له ما قال.
وتوفي القاضي أبو
بكر المذكور آخر يوم السبت ودفن يوم الأحد لسبع بقين من ذي القعدة سنة ثلاث
وأربعمائة ببغداد .
وقال
المحدث القمي : الباقلاني هو القاضي أبو بكر محمد بن الطيب البصري البغدادي ناصر طريقة أبي
الحسن الأشعري ، كان مشهورا بالمناظرة وسرعة الجواب ، يحكى انه ناظر شيخنا المفيد قدسسره فغلبه الشيخ ،
فقال للشيخ : ألك في كل قدر مغرفة؟ فقال الشيخ : نعم ما تمثلت بأدوات أبيك.
توفي سنة ٤٠٣ ه (
تج ) ببغداد ، والباقلاني بكسر القاف نسبة إلى الباقلي وبيعه ، وفيه لغتان ، من
شدد اللام قصر الألف ، ومن خففها مد الألف فقال : باقلاء .
__________________
الكنى والألقاب :
٢ / ٥٥٥
القفّال المروزي
( م ٤١٧ ه
)
أبو بكر عبد الله
بن أحمد بن عبد الله الفقيه الشافعي ، كان وحيد زمانه ، وله في مذهب الإمام
الشافعي من الآثار ما ليس لغيره من أبناء عصره ، كان ابتداء اشتغاله بالعلم على
كبر السن بعد ما أفنى شبيبته في عمل الأقفال ، ولذلك قيل له القفال ، وكان ماهرا
في عملها. ويقال : انه لما شرع في الفقه كان عمره ثلاثين سنة ، توفي سنة ٤١٧ ( تيز
) ودفن بسجستان ، وهو الذي صلى بين يدي السلطان محمود سبكتكين ركعتين على مذهب
الشافعي وركعتين على مذهب أبي حنيفة ، فاختار السلطان محمود مذهب الشافعي لذلك ،
وقصته مشهورة ذكرها الدميري وابن خلكان ، ونحن ننقلها هاهنا من ابن خلكان : قال في
ترجمة يمين الدولة السلطان ناصر الدولة محمود بن سبكتكين المتوفى سنة ٤٣٣ ه بغزنة
نقلا من كتاب مغيث الخلق في اختيار الأحق لإمام الحرمين الجويني :
ان السلطان محمود
المذكور كان على مذهب أبي حنيفة ، وكان مولعا بعلم الحديث ، وكانوا يسمعون الحديث
من الشيوخ بين يديه وهو يسمع ، وكان يستفسر الأحاديث فوجد أكثرها موافقا لمذهب
الشافعي فوقع في خلده حكة فجمع الفقهاء من الفريقين في مرو والتمس منهم الكلام في
ترجيح أحد المذهبين على الآخر ، فوقع الاتفاق على أن يصلوا بين يديه ركعتين على
مذهب الإمام الشافعي
وعلى مذهب أبي
جنيفة لينظر فيه السلطان ويتفكر ويختار ما هو أحسنهما ، فصلى القفال المروزي
بطهارة مسبغة وشرائط معتبرة من الطهارة والسترة واستقبال القبلة ، وأتى بالأركان
والهيئات والسنن والآداب والفرائض على وجوه الكمال والتمام ، وقال : هذه صلاة لا
يجوّز الإمام الشافعي دونها ، ثم صلى ركعتين على ما يجوز أبو حنيفة رضياللهعنه فلبس جلد كلب مدبوغا ثم لطخ ربعه بالنجاسة وتوضأ بنبيذ التمر ، وكان في صميم
الصيف في المفازة واجتمع عليه الذباب والبعوض ، وكان وضوءه منكسا منعكسا ، ثم
استقبل القبلة وأحرم بالصلاة من غير نية في الوضوء ، وكبّر بالفارسية ثم قرأ آية
بالفارسية ( دو برك سبز ) ثم نقر نقرتين كنقرات الديك من غير فصل ومن غير ركوع
وتشهد ، وضرط في آخره من غيرنية السلام وقال : أيها السلطان هذه صلاة أبي حنيفة.
فقال السلطان : لو
لم يكن هذه الصلاة صلاة أبي حنيفة لقتلتك لان مثل هذه الصلاة لا يجوزها ذو دين ،
فأنكرت الحنفية ان تكون هذه صلاة أبي حنيفة فأمر القفّال باحضار كتب أبي حنيفة ،
وأمر السلطان نصرانيا كاتبا يقرأ المذهبين جميعا فوجدت الصلاة على مذهب أبي حنيفة
على ما حكاه القفّال ، فأعرض السلطان عن مذهب أبي حنيفة ، وتمسّك بمذهب الشافعي «
رضي الله عنهما » إنتهى.
موسوعة طبقات الفقهاء
: ٦ / ٣٠٥
٢٣٣٥
الغزّالي
( ٤٥٠ ـ ٥٠٥
ه )
محمد بن محمد بن
محمد بن أحمد ، زين الدين أبو حامد الطوسي ، الغزّالي ، الشافعي ، المعروف بحجّة
الإسلام.
قال فيه ابن
النجّار : برع في المذهب والأصول والخلاف والجدل والمنطق ، وقرأ الحكمة والفلسفة ،
وفهم كلامهم ، وتصدّى للردّ عليهم ، وكان شديد الذكاء.
ولد أبو حامد في
الطابران ( وهي قصبة طوس ) سنة خمسين وأربعمائة.
وتفقّه أوّلا
ببلده.
ثم ارتحل إلى
نيسابور واختلف إلى دروس أبي المعالي الجويني ، وتخرّج
__________________
به ، ولازمه إلى
حين وفاته.
ثم خرج إلى العسكر
، فأكرمه الوزير نظام الملك ، واشتهر بمناظراته في مجلس الوزير ، فندبه للتدريس في
نظامية بغداد ، فباشر إلقاء الدروس في سنة أربع وثمانين وأربعمائة ، ثم سلك طريق
التصوّف ، وترك التدريس في سنة ثمان وثمانين.
وأنتقل إلى دمشق ،
فأقام بها مدّة يذكر الدروس في زاوية الجامع ، ثم عاد بعد سنوات إلى وطنه ، وأقبل
على التصنيف والعبادة ، ودرّس بنظامية نيسابور مدة ، ثم تركها وأقام بوطنه ، واتخذ
خانقاه للصوفية ، ومدرسة للطلبة.
أمّا مصنّفاته فهي
كثيرة ، بلغت نحو مائتي كتاب ، وقد أنكر عليه جماعة من العلماء أشياء أوردها في
غضون مصنّفاته ، منهم : أبو الفرج بن الجوزي ، وأبو الحسن ابن سكّر ، وأبو بكر
الطرطوشي ، ومحمد بن علي المازري ، وأبو بكر بن العربي الذي قال : شيخنا أبو حامد
بلع الفلاسفة ، وأراد أن يتقيّأهم ، فما استطاع .
وللغزّالي آراء في
علم الكلام ، أخذ في كثير منها بآراء أبي الحسن شيخ الأشاعرة ، وقد تصدّى العلاّمة
السبحاني في كتابه « بحوث في الملل والنحل » لمناقشة جملة منها.
هذا ، وقد طبعت
طائفة من كتب الغزالي ، منها : إحياء علوم الدين ، تهافت الفلاسفة ، محك النظر ،
مقاصد الفلاسفة ، جواهر القرآن ، المستصفى من علم
__________________
الأصول ، الوجيز
في فقه الشافعية ، أسرار الحجّ ، عقيدة أهل السنّة ، منهاج العابدين ، بداية
الهداية ، المنقذ من الضلال ، والدرّة الفاخرة في كشف علوم الآخرة.
وله كتب
بالفارسية.
توفّي بالطابران
في جمادى الآخرة سنة خمس وخمسمائة.
الكنى والألقاب :
١ / ٣٠٤
ابن الحاجب ( الحاجبي )
( م ٥٧٠ ه
ـ ٦٤٦ ه )
أبو عمرو عثمان بن
عمر بن أبي بكر الكردي الأسنوي المالكي النحوي الأصولي ، صاحب الكتب الممتعة منها
الأمالي والكافية في النحو والشافية في الصرف ومختصر الأصول وشرح المفصل سماه
الايضاح إلى غير ذلك.
كان أبوه جنديا
كرديا حاجبا للأمير عز الدين الصلاحي فاشتغل ابنه في صغره بالقاهرة وحفظ القرآن
المجيد وأخذ بعض القراءات عن الشاطبي ، وسمع من البوصيري وجماعة ولزم الاشتغال حتى
برع في الأصول والعربية ، وكان من أذكياء العالم ثم قدم دمشق ودرّس بجامعها ،
وأكثر الفضلاء من الأخذ عنه ، وكان الأغلب عليه النحو وصنف في عدة علوم ثم انتقل
إلى الإسكندرية ومات بها سنة ٦٤٦ ه ( خمو ) وكان مولده في أواخر سنة ٥٧٠ ه (
باسنا ).
الكنى والألقاب :
٢ / ٤٦٢
الإيجي ( قاضي عضد الايجي
)
( م ٧٥٦ ه
)
القاضي عبد الرحمن
بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي الشافعي الأصولي المتكلم الحكيم المدقق كان من
علماء دولة السلطان اولجايتو محمد المعروف بشاه خدابنده المغولي.
يقال : ان أصله من
بيت العلم والتدريس والرئاسة وتولي القضاء بديار فارس إلى أن سلّم له لقب أقضى
القضاة في مدينة شيراز مع نهاية الاعزاز.
ويقال انه كان من
أهل النصب متعصبا معاندا للشيعة الإمامية.
له شرح مختصر ابن
الحاجب وهو معروف بين العلماء ، وله المواقف في علم الكلام الذي شرحه المحقق
الشريف ، وله كتاب في الأخلاق مختصر في جزء لخص فيه زبدة ما في المطولات شرحه
تلميذه شمس الدين محمد بن يوسف الكرماني المتوفى سنة ٧٨٦ إلى غير ذلك. وآخر
مصنفاته : العقائد العضدية التي شرحها الدواني.
جرت له محنة مع
صاحب الكرمان فحبسه بقلعة وريميان فمات مسجونا سنة ٧٥٦ ( ذنو ).
والإيجي نسبة إلى
إيج بكسر الهمزة وسكون الياء المثناة من تحت ثم الجيم
وهي من غير هاء في
الآخر ـ بلد بفارس ومع الهاء قرية كبيرة من قرى ناحية روي دشت أصبهان.
الكنى والألقاب :
٢ / ١١٩
التفتازاني
سعد الدين مسعود
بن عمر بن عبد الله الهروي الشافعي تلميذ قطب الدين الرازي والقاضي عضد الإيجي
صاحب التهذيب في المنطق ، والمقاصد في الكلام والشروح على الشمسية للكاتبي ، وعلى
العقائد النسفية وعلى الأربعين النووية وعلى تلخيص المفتاح وعلى تصريف عبد الوهاب
بن إبراهيم الزنجاني وغير ذلك ومن شعره في جمع أضداد اللغة قوله :
ده لفظ از نوادر
الفاظ برشمر
|
|
هر لفظ را دو
معنى وآن ضد يكديگر
|
جون وصريم وسدفه
|
|
وظنّ است وشفّ
وبين
|
قرء است وهاجد
|
|
وجلل ورهوه أى پسر
|
توفي سنة ٧٩٢ ه
أو ٧٩٣ ه.
وقبره بسرخس ،
والتفتازان قرية كبيرة من نواحي نسا ( ونسا ) من بلاد خراسان بينها وبين سرخس
يومان ( وحفيد ) التفتازاني أحمد بن يحيى بن مسعود بن عمر الشهير بشيخ الاسلام
الهروي ، كان فريد عصره في كثير من العلوم من كبار قضاة العامة ، قتل سنة ٩١٦ ه (
ظيو ).
كلمة الختام
« بسم
الله مجراها ومرساها »
وصلى الله على سيد
الرّسل طه وآله الذين بهم الرحمن يتباهى
... وأخيرا وأنا
أضع اللمسات الأخيرة على هذا الكتاب الشريف وهو في طريقه إلى الطباعة ـ إن شاء
الله عزّ وجلّ ـ أتقدّم بجزيل الشكر ووافر الإمتنان إلى كلّ من ساهم في إعداده
وإخراجه وإنجازه لا سيّما أهلي وأولادي ـ حيث صبروا معي طول هذه المدّة وأنا معتزل
منشغل عنهم بهذا الكتاب غير متفرّغ لخدمتهم ـ كما أشكر أخي وصديقي العزيز الناشر
الكريم مدير دار نشر ذوي القربى السيّد يعقوب الموسوي حفظه الله ورعاه ؛ حيث هيّئ
لي الفرصة الكافية لتحقيق وإحياء هذا السّفر الجليل واستعدّ لكافّة متطلّباته إلى
حدّ الإنجاز ، فاسأل الله عز وجل أن يجازيه بالجميل وأن يوفّقه لكلّ خير.
ولا بد من
الإعتراف لأخوتي القرّاء : أنّ الكتاب يحتاج إلى أكثر مما قمت به من تحقيق وتدقيق
ومقابلة وتعليق وهذا غاية ما بلغت منه من بذل الجهد وأقصى ما استطعت في هذه الفرصة
اليسيرة ولو كان لي أعوان وامتداد في الزمان وتوفيق من الرّحمن لكان وكان.
وآخر دعوانا ـ بعد
الصلاة على محمد وآله واللعن على أعدائهم ـ أن الحمد لله ربّ العالمين.
|
السيد محمد حسن
الموسوي
آل السيد علي
القارون الزاهد
الخميس رضياللهعنه ذو القعدة ١٤٣٠ هـ
قم المقدّسة
|
الفهرس التفصيلي
التعادل والتراجيح............................................................. ٥
خاتمة
في التعادل والتراجيح..................................................... ٧
*
قاعدة الجمع................................................................... ٧
*
أحكام التعارض............................................................... ٧
*
المقام الأوّل : في المتعادلين....................................................... ٧
ـ
مقتضى الأصل الأوّلي في المتعادلين............................................ ٧
ـ
مقتضى الدليل الوارد....................................................... ٧
ـ
تنبيهات تعادل الخبرين...................................................... ٧
ـ
لابدّيّة الفحص عن المرجّحات في المتعارضين................................... ٧
*
المقام الثاني : في التراجيح....................................................... ٧
وفيه
مقامات :................................................................ ٧
*
الأوّل : وجوب الترجيح والإستدلال عليه........................................ ٧
*
الثاني : ذكر الأخبار العلاجيّة................................................... ٧
*
الثالث : لزوم التعدّي عن المرجّحات المنصوصة................................... ٧
*
الرابع : بيان المرجّحات......................................................... ٧
ـ
المرجّحات الداخليّة......................................................... ٧
المرجّحات
الدلاليّة............................................................ ٧
انقلاب
النسبة................................................................ ٧
ـ
المرجّحات الخارجيّة........................................................ ٧
خاتمة
في التعادل والتراجيح..................................................... ٩
في
ان مسئلة التعارض من مسائل علم الأصول.................................. ١٣
بيان
معنى التعارض وما هو المراد منه في المسألة.................................. ١٦
بيان
المراد من الدليل الإجتهادي والفقاهتي والنسبة بينهما........................ ٣٢
إشكال
عويص في تعارض الحكم الظاهري مع الحكم الواقعي..................... ٤٧
الكلام
في التقسيم الثاني...................................................... ٥١
نقل
الكلمات المصرّحة بعدم تصوّر التعارض بين الأدلّة القطعيّة................... ٥٢
كلام
الفاضل النراقي والمناقشة فيه............................................. ٥٦
كلام
السيّد ابراهيم القزويني في الضوابط....................................... ٦١
المناقشة
في كلام صاحب الضوابط............................................. ٦٤
كلام
السيّد المجاهد في المفاتيح................................................. ٦٦
كيفيّة
جريان الورود والحكومة في الأصول اللفظيّة............................... ٦٨
*
قاعدة الجمع................................................................. ٧٣
*
شرح الفاظها وما هو المراد بها................................................. ٧٣
*
مدرك القاعدة............................................................... ٧٣
*
صور التعارض............................................................... ٧٣
*
أدلة الصدور حاكمة على أدلّة الظهور......................................... ٧٣
*
تنبيهات القاعدة.............................................................. ٧٣
*
قاعدة الجمع................................................................. ٧٥
*
المراد من قاعدة الجمع وشرح ما يتعلّق بها....................................... ٧٩
*
مدرك قاعدة الجمع........................................................... ٨٥
صور
التعارض.............................................................. ٩٢
في
أن أدلة الصدور حاكمة على أدلّة الظهور أم لا؟............................. ٩٥
*
تنبيهات القاعدة............................................................ ١١٠
ما
فرّعه الشهيد الثاني على قاعدة الجمع...................................... ١١٣
في
بيان إجراء قاعدة الجمع في البيّنات........................................ ١١٣
في
أن تحكيم أدلّة الصّدور على أدلة الظواهر.................................. ١١٦
غير
جار في البيّنات........................................................ ١١٦
أحكام
التعارض........................................................... ١٢٣
*
المقام الأوّل : في المتعادلين................................................... ١٢٣
*
مقتضى الأصل الاوّلي في المتعادلين............................................ ١٢٣
*
مقتضى الدليل الوارد....................................................... ١٢٣
*
تنبيهات تعادل الخبرين...................................................... ١٢٣
*
لابدّيّة الفحص عن المرجّحات في المتعارضين................................... ١٢٣
*
المقام الأوّل في المتكافئين..................................................... ١٢٥
المقام
الأوّل :.............................................................. ١٢٦
مقتضى
الأصل والقاعدة الأوّليّة في حكم المتعادلين............................. ١٢٦
إحتمال
السببيّة غير متطرّق في باب التعارض.................................. ١٣٥
الفرق
بين التزاحم والتعارض................................................ ١٣٩
نقل
كلام المحقّق الرشتي ومناقشته............................................ ١٤٠
*
المقام الثاني مقتضى الدليل الوارد............................................. ١٤٤
مدرك
التخيير من الأخبار................................................... ١٤٧
حكم
تعادل الخبرين من الأمارات............................................ ١٥٤
*
تنبيهات تعادل الخبرين...................................................... ١٥٨
التخيير
هنا بدويّ أو إستمراري............................................. ١٦٣
الكلام
في أصل وجوب الفحص عن المرجّح ثمّ في مقداره....................... ١٧٢
أحكام
التعارض........................................................... ١٧٧
المقام
الثاني................................................................ ١٧٧
في
التراجيح............................................................... ١٧٧
وفيه
مقامات :............................................................ ١٧٧
*
الأوّل : وجوب الترجيح والاستدلال عليه..................................... ١٧٧
*
الثاني : ذكر الأخبار العلاجيّة................................................ ١٧٧
*
الثالث : عدم جواز الإقتصار على المرّجحات المنصوصة......................... ١٧٧
*
الرابع : بيان المرجّحات..................................................... ١٧٧
ـ
المرجحات الداخليّة...................................................... ١٧٧
*
المرجحات الدلاليّة.......................................................... ١٧٧
*
إنقلاب النسبة............................................................. ١٧٧
ـ
المرجحات الخارجيّة..................................................... ١٧٧
المقام
الثاني في التراجيح..................................................... ١٧٩
تعريف
الترجيح........................................................... ١٧٩
*
المقام الأوّل : الأدلّة على وجوب الترجيح..................................... ١٨١
الأدلّة
على وجوب الترجيح في الجملة........................................ ١٨١
الأصل
عدم الترجيح بالظنّ كما أن مقتضاه عدم حجّيّة الظنّ................... ١٩١
كلام
المحقّق الرّشتي في المقام................................................. ١٩٧
وجوه
أخر للقول بوجوب الترجيح........................................... ٢٠١
فيما
يستدلّ به للقول بعدم وجوب الترجيح................................... ٢٠٧
*
المقام الثاني : ذكر الأخبار العلاجيّة........................................... ٢١٢
جملة
من المناقشات في المقبولة والذبّ عنها.................................... ٢٢١
مناقشة
العلاج المذكور للمقبولة والمرفوعة.................................... ٢٢٨
*
المقام الثالث :.............................................................. ٢٣٧
التعدي
عن المرجّحات المنصوصة............................................. ٢٣٧
الاستدلال
على التعدّي من المرجّحات المنصوصة............................... ٢٤٣
تنبيه
:.................................................................... ٢٥٤
الأقوى
إعتبار الظن بوجود المرجّح........................................... ٢٥٤
إيقاظ.................................................................... ٢٥٥
*
المقام الرابع :............................................................... ٢٥٦
بيان
المرجّحات تقسيم المرجّحات إلى داخلي وخارجي......................... ٢٥٦
المرجّحات
الداخليّة......................................................... ٢٥٩
أقسام
المرجّح الداخلي والكلام فيها.......................................... ٢٥٩
في
بيان تقديم الترجيح من حيث الدّلالة...................................... ٢٦١
على
سائر وجوه التّرجيح................................................... ٢٦١
كلام
المحقّق الرّشتي وما يرد عليه............................................. ٢٦٤
القوّة
والضّعف والضابطة فيهما.............................................. ٢٦٩
بيان
حال المخصّصات الواردة بعد العمومات النّبويّة............................ ٢٧٣
أو
الولويّة في كلام الأئمة المتأخرين عليهمالسلام.................................... ٢٧٣
*
« بيان انقلاب النّسبة »..................................................... ٢٨٦
تحقيق
الكلام في حكم تعارض أزيد من دليلين................................. ٢٨٦
في
بيان نسبة سائر المرجّحات غير الدّلالة..................................... ٣٠٠
تتميم
البحث عن المرجّحات وكيفيّة ترتيبها................................... ٣٠٤
«
كلام المحقّق الرشتي قدسسره »................................................ ٣٠٧
وقال
بعد نقل كلام بعض الأفاضل :......................................... ٣٠٧
الترجيح
بمخالفة العامّة...................................................... ٣٠٩
حمل
موارد التقيّة على التورية............................................... ٣١٧
المرجّحات
الخارجيّة........................................................ ٣٢٠
شهرة
أحد الخبرين......................................................... ٣٢٠
كلام
سيّد المفاتيح في الترجيح بالقياس ومناقشته............................... ٣٢٣
حكم
الدليل المستقل المعاضد لأحد المتعارضين................................. ٣٢٧
كلام
صاحب الفصول ومناقشته............................................. ٣٣١
إشارة
إلى حكم تعارض غير الأخبار من الأدلّة................................ ٣٣٦
ثبت
مصادر التحقيق....................................................... ٣٤٥
«
قبسة العجلان........................................................... ٣٧٣
من....................................................................... ٣٧٣
تراجم
الأعيان »........................................................... ٣٧٣
القرن
الثالث.............................................................. ٣٧٧
يونس
بن عبد الرحمن...................................................... ٣٧٩
صفوان
بن يحيى............................................................ ٣٨٢
ابن
أبي عمير.............................................................. ٣٨٥
الفضل
بن شاذان.......................................................... ٣٨٩
أحمد
بن محمد بن خالد..................................................... ٣٩٢
أحمد
بن محمد بن عيسى.................................................... ٣٩٥
محمد
بن الحسن الصّفّار..................................................... ٣٩٨
القرن
الرّابع............................................................... ٤٠٣
عليّ
بن إبراهيم القمّي...................................................... ٤٠٥
العيّاشي................................................................... ٤٠٧
ابن
قبة................................................................... ٤١٠
الكليني................................................................... ٤١٢
عليّ
بن الحسين بن بابويه................................................... ٤١٥
الكشّي................................................................... ٤١٧
ابن
الوليد................................................................. ٤١٩
ابن
أبي زينب النعماني...................................................... ٤٢١
ابن
قولويه................................................................ ٤٢٣
الصّدوق.................................................................. ٤٢٥
القرن
الخامس............................................................. ٤٣١
الشّريف
الرّضيّ........................................................... ٤٣٣
الشيخ
المفيد............................................................... ٤٣٧
الشريف
المرتضى.......................................................... ٤٤٢
أبو
الصلاح الحلبي......................................................... ٤٤٦
سلاّر..................................................................... ٤٤٨
النجاشي.................................................................. ٤٥٠
الشيخ
الطوسي............................................................ ٤٥٤
القرن
السادس............................................................. ٤٥٩
[
أمين الإسلام ] الطّبرسي.................................................. ٤٦١
الحسن
بن الفضل الطبرسي [ صاحب مكارم الأخلاق ]........................ ٤٦٣
عماد
الدين الطبري........................................................ ٤٦٤
أبو
منصور الطبرسي « صاحب الاحتجاج »................................. ٤٦٦
ابن
حمزة [ الطوسي ]...................................................... ٤٦٧
قطب
الدين الراوندي...................................................... ٤٦٨
شاذان
بن جبرئيل.......................................................... ٤٧٠
ابن
زهرة الحلبي............................................................ ٤٧١
سديد
الدين الحمّصي....................................................... ٤٧٤
ابن
شهر آشوب........................................................... ٤٧٧
محمد
بن إدريس الحلّي [ الفاضل العجلي ].................................... ٤٧٩
القرن
السابع.............................................................. ٤٨٣
ابن
طاووس............................................................... ٤٨٥
نصير
الدين الطوسي....................................................... ٤٨٨
المحقّق
الحلّي............................................................... ٤٩٢
القرن
الثامن............................................................... ٤٩٧
العلاّمة
الحلّي.............................................................. ٤٩٩
ركن
الدين الجرجاني....................................................... ٥٠٥
ضياء
الدين ابن الأعرج..................................................... ٥٠٧
عميد
الدين ابن الأعرج.................................................... ٥٠٩
فخر
المحقّقين.............................................................. ٥١١
الشهيد
الأوّل.............................................................. ٥١٤
القرن
التاسع.............................................................. ٥٢١
الفاضل
المقداد............................................................. ٥٢٣
ابن
فهد الحلّي............................................................. ٥٢٦
القرن
العاشر.............................................................. ٥٣١
ابن
أبي جمهور............................................................. ٥٣٣
المحقّق
الكركي............................................................. ٥٣٦
الشهيد
الثاني.............................................................. ٥٤٠
[
الحسين بن عبد الصمد ] الحارثي.......................................... ٥٤٥
[
المقدّس ] المحقق الأردبيلي................................................. ٥٤٩
القرن
الحادي عشر........................................................ ٥٥٣
صاحب
المدارك............................................................ ٥٥٥
صاحب
المعالم ............................................................ ٥٥٨
التّستري
................................................................. ٥٦١
بهاء
الدين العاملي.......................................................... ٥٦٤
الأسترابادي............................................................... ٥٦٨
الداماد.................................................................... ٥٧١
سلطان
العلماء............................................................. ٥٧٣
الفاضل
الجواد............................................................. ٥٧٦
المجلسي
الأوّل............................................................. ٥٧٨
الفاضل
التّوني............................................................. ٥٨١
[
ملا محمد صالح ] المازندراني............................................... ٥٨٣
الطّريحي.................................................................. ٥٨٥
خليل
بن الغازي........................................................... ٥٨٨
السّبزواري................................................................ ٥٩٠
الفيض
الكاشاني........................................................... ٥٩٣
رضي
الدين القزويني....................................................... ٥٩٧
[
السيّد حسين ] الخوانساري............................................... ٥٩٩
القرن
الثاني عشر.......................................................... ٦٠٣
الحرّ
العاملي............................................................... ٦٠٥
[
السيّد ] هاشم البحراني................................................... ٦٠٩
المجلسي
الثاني.............................................................. ٦١١
المحدّث
[ السيّد نعمة الله ] الجزائري......................................... ٦١٥
جمال
الدين الخوانساري.................................................... ٦١٩
الفاضل
الهندي............................................................. ٦٢١
صدر
الدين الرضوي....................................................... ٦٢٤
صاحب
الحدائق........................................................... ٦٢٦
القرن
الثالث عشر......................................................... ٦٣١
الوحيد
البهبهاني........................................................... ٦٣٥
[
السيّد حسين ] القزويني.................................................. ٦٣٨
النّراقي................................................................... ٦٤٠
بحر
العلوم................................................................. ٦٤٣
[
السيّد ] محمّد جواد العاملي............................................... ٦٤٧
المحقّق
الأعرجي............................................................ ٦٥٠
[
الشيخ الأكبر جعفر ] كاشف الغطاء....................................... ٦٥٣
الميرزا
القمي............................................................... ٦٥٦
[
السيّد علي ] الطباطبائي.................................................. ٦٥٩
[
أسد الله ] الكاظمي...................................................... ٦٦٢
[
موسى ] كاشف الغطاء................................................... ٦٦٥
ـ
السيد محمد المجاهد بن المير سيد علي صاحب.............................. ٦٦٨
الرياض
بن السيد محمد علي الطباطبائي...................................... ٦٦٨
[
أحمد ] النّراقي........................................................... ٦٧١
شريف
العلماء............................................................. ٦٧٤
ملا
علي النوري........................................................... ٦٧٦
٢٢٣٦
ـ الشيخ محمد تقي صاحب الحاشية بن عبد الرحيم [ الأيوان كيفي ]... ٦٧٨
[
علي ] كاشف الغطاء.................................................... ٦٨٣
صاحب
الفصول........................................................... ٦٨٥
خضر
بن شلال............................................................ ٦٨٨
حجّة
الإسلام [ الشفتي ]................................................... ٦٩٠
الكلباسي................................................................. ٦٩٣
[
حسن ] كاشف الغطاء................................................... ٦٩٦
[
السيّد ابراهيم ] القزويني.................................................. ٦٩٨
صاحب
الجواهر........................................................... ٧٠١
محسن
خنفر............................................................... ٧٠٥
[
الشيخ الأعظم ]الشيخ الأنصاري.......................................... ٧٠٨
[
الشيخ عبد الحسين شيخ العراقين ] الطهراني................................ ٧١٢
[
الفاضل ] الدربندي...................................................... ٧١٥
[
مهدي ] كاشف الغطاء................................................... ٧١٧
[
فقيه العراق ] راضي بن محمد............................................. ٧١٩
[
ابو القاسم ] كلانتري [ الطهراني ]........................................ ٧٢١
[
السيّد علي ] القزويني.................................................... ٧٢٥
الكوهكمري.............................................................. ٧٢٧
القرن
الرّابع عشر.......................................................... ٧٣١
الفاضل
الإيرواني........................................................... ٧٣٥
الكني..................................................................... ٧٣٨
[
موسى بن جعفر ] التبريزي [ صاحب الأوثق ].............................. ٧٤٠
٢٣٢١
ـ الشيخ محمد حسين بن الشيخ هاشم الفقيه الكاظمي النجفي ........ ٧٤٢
[
حبيب الله ] الرّشتي...................................................... ٧٤٤
٤٨٢٩
المجدّد الشيرازي.................................................... ٧٤٧
[
الميرزا محمد حسن ] الآشتياني [ صاحب بحر الفوائد ]........................ ٧٥١
٥١٥
ـ الشيخ [ محمد ] هادي الطهراني.................................... ٧٥٣
١٥٨
ـ الشيخ آغا رضا الهمداني........................................... ٧٥٩
٤٨٢٤
[ محمد حسن ] المامقاني............................................. ٧٦١
٣٧٣
ـ ملا محمد كاظم الخراساني.......................................... ٧٦٥
[
غلام رضا ] القمّي [ صاحب القلائد ]..................................... ٧٦٩
٣٧٤
ـ السيّد محمّد كاظم اليزدي......................................... ٧٧٠
اللاري................................................................... ٧٧٥
المولى
رحمت الله الكرماني قدسسره............................................... ٧٧٧
[
المحقّق ] النائيني........................................................... ٧٧٨
المشكيني.................................................................. ٧٨١
[
المحقّق ] ضياء الدين العراقي............................................... ٧٨٣
[
محمد حسين ] الأصفهاني................................................. ٧٨٦
أبو
المجد................................................................... ٧٩٠
علماء
الجمهور............................................................ ٧٩٣
ابن
سريج ( م ٣٠٦ ه )................................................... ٧٩٥
أبو
بكر الباقلاني ( م ٤٠٣ ه )............................................. ٧٩٥
القفّال
المروزي............................................................ ٧٩٧
الغزّالي.................................................................... ٧٩٩
ابن
الحاجب ( الحاجبي ).................................................... ٨٠١
الإيجي
( قاضي عضد الايجي ).............................................. ٨٠٢
التفتازاني.................................................................. ٨٠٣
كلمة
الختام............................................................... ٨٠٥
الفهرس
التفصيلي.......................................................... ٨٠٧
|