فصل
[ في واجبات الصلاة وأركانها ]
واجبات الصّلاة
أحد عشر : النيّة والقيام وتكبيرة الإحرام والركوع والسجود والقراءة والذِّكر
والتشهّد والسّلام والترتيب والموالاة .
______________________________________________________
(١) لا ريب في أنّ
الصلاة مؤلّفة من عدة أُمور وقيود وجوديّة وعدميّة ، فما كان معتبراً فيها قيداً
وتقيّداً يعبّر عنه بالجزء ، وما كان التقيّد به معتبراً دون القيد فهو الشرط ، ثم
الثاني إن كان معتبراً في تمام حالات الصلاة حتى الآنات المتخللة بين الأجزاء
كالطهارة والاستقبال والستر يعبّر عنها بشرائط الصلاة ومقدّماتها وقد مرّ البحث
حولها سابقاً ، وما كان معتبراً في نفس الأجزاء دون الآنات المتخللة بينها يعبّر
عنها بشرائط الأجزاء ، سواء أكانت معتبرة في تمام الأجزاء بالأسر كالترتيب
والموالاة والطمأنينة ، أم في بعضها كالقيام حال القراءة والجلوس حال التشهد
ونحوهما.
وممّا ذكرنا من
ضابط الفرق بين الجزء والشرط يظهر أنّ عدّ النيّة من الأجزاء
كما صنعه الماتن والمحقق وغيرهما في غير محلّه ، لعدم تركب الماهيّة منها ، وعدم
دخلها في حقيقة الصلاة ، بل هي إمّا شرط ، أو لا جزء ولا شرط كما ستعرف.
كما أنّ عدّ
الترتيب والموالاة منها غير وجيه أيضاً ، فإنّهما كما عرفت من شرائط الأجزاء لا
أنهما برأسهما جزءان مستقلان في قبال الباقي ، ولذا أهملهما المحقق في الشرائع ،
وإن أهمل الذكر أيضاً وعدّ الأجزاء ثمانية ، ولعلّه من أجل أنّ الذكر من واجبات
الركوع والسجود فليس جزءاً في قبالهما.
ثم إنّه كان على
الماتن وغيره من الفقهاء عدّ الجلوس بين السجدتين أيضاً من الأجزاء ، فإنّه معتبر
في حدّ نفسه وبحياله في الصلاة قبال بقية الأجزاء وليس اعتباره من أجل تحقق
التعدّد بين السجدتين ، ضرورة تقوّمها بمجرّد وضع الجبهة على الأرض ، ولا يناط صدق
التعدد بتخلل الجلوس بينهما قطعاً فلو سجد وبعد رفع الرأس سجد ثانياً من دون جلوس
في البين صدق عنوان السجدتين بلا ارتياب.
وقد اتضح من جميع
ما ذكرناه : أنّ أجزاء الصلاة تسعة بإسقاط النيّة فإنّها شرط كما ستعرف ، وكذا
الترتيب والموالاة فإنّهما من شرائط الأجزاء لا من أجزاء الصلاة كما عرفت ،
وبإضافة الجلوس بين السجدتين ، بل وكذا الجلوس بعدهما المعبّر عنه بجلسة الاستراحة
، بناءً على وجوبها كما لعلّه المعروف ، وإن كان الأقوى عدم الوجوب.
__________________
والخمسة الأُولى أركان بمعنى أنّ زيادتها ونقيصتها عمداً وسهواً موجبة للبطلان .
______________________________________________________
(١) أمّا النيّة : فليست بجزء كما مرّت الإشارة إليه ، فلا يحسن عدّها من
الأجزاء الركنية.
وأمّا
القيام : فالواجب منه في
الصلاة ثلاثة : القيام حال تكبيرة الإحرام والقيام المتصل بالركوع ، والقيام بعد
رفع الرأس عنه ،
لكن الأوّل من
شرائط التكبير لا أنّه جزء مستقل في قباله ، كما أنّ الثاني من مقوّمات الركوع ،
إذ هو ليس مجرّد الانحناء الخاص بل ما كان عن قيام ، ومنه قولهم : شجرة راكعة ، أي
منحنية بعد ما كانت قائمة ، فليس هو أيضاً جزءاً مستقلا ، نعم القيام بعد الركوع
جزء مستقل لكنه ليس بركني ، لعدم بطلان الصلاة بنقصه السهوي كما لا يخفى.
وأمّا
تكبيرة الإحرام : فالمشهور بطلان الصلاة بالإخلال بها زيادة أو نقيصة عمداً أو سهواً ، ومن هنا
عدّوها من الأركان ، لكن الأقوى عدم البطلان بالزيادة السهوية لعدم الدليل عليه ،
كما سيجيء التعرض له في محلّه إن شاء الله تعالى إلاّ أنّ ذلك لا يقدح في عدّها من الأركان ، فإنّ المدار في صدق هذا العنوان
بما أوجب نقصه البطلان حتى سهواً كما هو المناسب لمعناه اللغوي ، سواء أكانت
الزيادة أيضاً كذلك أم لا ، فانّ مفهوم الركن متقوّم بما يعتمد عليه الشيء بحيث
يوجب فقده زوال ذلك الشيء ، وأمّا الإخلال من حيث الزيادة فلا مدخل له في صدق هذا
المفهوم ، ولم يرد لفظ الركن في شيء من الأخبار ، وإنّما هو مجرّد
__________________
لكن لا تتصوّر
الزيادة في النيّة بناءً على الداعي ، وبناءً على الإخطار غير قادحة.
والبقيّة واجبات غير ركنية فزيادتها ونقصها عمداً موجب للبطلان لا سهواً.
______________________________________________________
اصطلاح متداول في
ألسنة الفقهاء.
وبما أنّ نقص
التكبيرة حتى سهواً يوجب البطلان فبهذا الاعتبار يصح عدّه من الأركان.
وممّا ذكرنا يظهر
أنّ الأجزاء الركنية ثلاثة : الركوع والسجود ، فإنّ الإخلال بهما نقصاً أو زيادة ،
عمداً أو سهواً يوجب البطلان بلا إشكال ، وثالثهما تكبيرة الإحرام بناءً على تفسير
الركن بما عرفت كما هو الصحيح.
(١) فإنّه بناءً
على تفسيرها بالداعي فلا ريب أنّه مستمر إلى آخر العمل فلا تتحقّق معه الزيادة ،
وبناءً على تفسيرها بالإخطار فهي غير قادحة بالضرورة كما نبّه عليه في المتن.
لكن كان ينبغي له
أن يلحق القيام بالنية ، فإنّه مثلها في عدم تصوّر الزيادة أما القيام حال تكبيرة
الإحرام ، فلأنّ زيادته إنّما تكون بزيادة التكبير الّذي هو من الأركان ، فلا يكون
البطلان مستنداً إلى خصوص القيام ، وكذلك القيام المتصل بالركوع حيث إنّ زيادته
أيضاً لا تمكن إلاّ بزيادة الركوع ، فلا يكون الإخلال إلاّ به لا غير ، بل هذا لا
تتصور فيه النقيصة أيضاً إلا بنقص الركوع لتقوّمه بكونه هويّاً عن القيام كما مرّ.
نعم ، يتصوّر النقص في القيام حال التكبير لإمكان التكبير جالساً كما يتصوّر في
النيّة وهو ظاهر.
وأمّا الزيادة
والنقيصة في تكبيرة الإحرام ، فهما وإن كانا متصوّرين فيها إلاّ أنّ الأقوى كما
عرفت عدم بطلان الصلاة بزيادة تكبيرة الإحرام سهواً. وعليه
فلا تكون التكبيرة
من الأركان بالمعنى المصطلح ، وهو ما تكون زيادته ونقيصته عمداً وسهواً موجباً
للبطلان. نعم ، هو ركن بالمعنى اللغوي ، وهو ما يوجب نقصه البطلان ولو سهواً.
وأمّا الإخلال من حيث الزيادة فلا دخل له في كونه ركناً إلاّ من جهة الاصطلاح ،
وحيث إنّ كلمة الركن لم ترد في آية ولا رواية فلا مانع من عدّ التكبيرة ركناً
بلحاظ المعنى اللغوي.
ثم إنّه قد مرّت
عليك في مطاوي كلماتنا الإشارة إلى اختلاف القوم في أن النيّة هل أُخذت جزءاً في
الصلاة أو شرطاً أو لا هذا ولا ذاك ، بل لها دخل في تحقّق المصلحة المقتضية للصلاة؟
فنقول : لا إشكال
ولا خلاف في اعتبار النيّة في الصلاة ، وأنّه لا بدّ من إتيان أجزائها بداعي
القربة ، فلو أتى بها من غير قصد أو بقصد الرياء تكون الصلاة باطلة.
ويدلّنا على ذلك :
قوله تعالى ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) وقوله تعالى ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) وغيرهما من الآيات والأخبار.
وإنّما النزاع في
أنّه هل أُخذت النيّة مضافاً إلى ذلك بحيالها في قبال سائر الأجزاء ، بحيث يعتبر
فيها جميع ما يعتبر في غيرها من الوقت والاستقبال والطهارة ونحوها ، ويكون موطنها
قبل تكبيرة الإحرام أو لا؟
الحق عدم اعتبار
ذلك لعدم الدليل عليه ، فانّ ما ادعي من الإجماع بل الضرورة على اعتبار النيّة في
الصلاة وغيرها من سائر العبادات ، المتيقن منه هو أن لا يكون شيء منها بغير داعي
القربة ، وأما اعتبارها في حدّ نفسها قبل
__________________
العمل فلا دليل
عليه ، وإلاّ كان اللازم جواز الاكتفاء بها وإن لم يأت بالأجزاء بداعي القربة. على
أنّ الدليل قام على خلافه ، حيث دلّ على أنّ أوّل الصلاة التكبير ، وآخرها
التسليم. فاحتمال الجزئية ساقط جزماً.
وقد
يقال : بسقوط الشرطية
أيضاً ، بتقريب أنّه لا ريب في صحة قولنا : أردت الصلاة فصليت ، بلا عناية ولا
تجوّز ، ومعه لا يمكن أن تكون النيّة مأخوذة لا جزءاً ولا شرطاً ، لا في المسمى
ولا في المأمور به ، إذ على الأوّل يلزم اتحاد العارض والمعروض على الجزئية ، وتقدم
الشرط على نفسه على الشرطية. وعلى الثاني بما أنّ الإرادة ليست باختيارية يمتنع
تعلّق الأمر بما لا يكون اختيارياً ، سواء أكان لعدم اختيارية جزئه ، أم لعدم
اختيارية شرطه. نعم ، هي دخيلة في المصلحة وبذلك تمتاز الصلاة عن التوصلي.
ولكنّه بمعزل عن
التحقيق ، أمّا
أوّلاً : فلأنه خلط بين
الإرادة بمعنى الشوق ، والإرادة بمعنى الاختيار ، فإنّ الأول أمر غير اختياري ،
وهو ما يلائم الطبع من القوى الظاهرية أو الباطنية في قبال الكراهة التي هي ما
ينافي الذوق كذلك ، فانّ هذا ليس أمراً اختيارياً. وأما الثاني وهو طلب الخير ،
فهو وإن كانت مقدماته غير اختيارية إلاّ أنّ نفسه اختياري واختياريته بنفسه ،
وإلاّ لزم الدور والتسلسل. وهكذا الحال في المشيئة في المبدأ الأعلى ، فإنّ
الأفعال الصادرة منه تعالى تكون بمشيئته ، وأمّا نفس المشيئة فهي بنفسها. وقد
بيّنا تفصيل الكلام حول ذلك في الأُصول في مبحث الطلب والإرادة والأغلب في الاستعمال إنما هو المعنى الثاني أي طلب الخير دون الأوّل كما لا
يخفى.
وأمّا
ثانياً : فلو سلّمنا أنّ
الاختيار أيضاً غير اختياري ، إلاّ أنّ الممنوع إنما هو عدم اختيارية الجزء ،
وأمّا التقييد بأمر غير اختياري الذي هو معنى الشرط
__________________
فلا مانع منه ألا ترى أنّ الوقت وعدم الحيض والقبلة ونحوها أُمور غير اختيارية ، ومع ذلك
قد اشترط الصلاة بكل من ذلك ، فإنّ إيقاع الصلاة في تلك الحالات أمر اختياري ،
فنفس الإرادة بمعنى الاختيار وإن فرض أنها أمر غير اختياري ، إلاّ أنّ إيقاع
الصلاة عن إرادة واشتراطها بذلك حيث إنه أمر اختياري ، فلا مانع من أخذها شرطاً.
وأمّا
ثالثاً : فلأنّ هذا
التقريب أجنبي عن المقام بالكلية ، وذلك لأنّ النيّة تطلق في مقامين.
أحدهما
: القصد إلى الفعل
والعزم عليه ، وهذا يشترك فيه العبادي والتوصلي فإنّه لا بدّ في كون الشيء
مصداقاً للواجب من أن يكون مقصوداً ، وإلاّ لم يكن مصداقاً للمأمور به. نعم ، يمكن
أن يدل الدليل على حصول الغرض وسقوط الواجب بذلك وهو أمر آخر. والبحث عن أنّ
الإرادة اختيارية أو غير اختيارية إنما يتم على هذا المعنى.
ثانيهما
: الإتيان بالفعل
بداعي الأمر والانبعاث عن قصد التقرب ، وهذا هو محل الكلام في أنه جزء أو شرط ،
وهو لا إشكال في كونه اختيارياً كما لا يخفى ، سواء أقلنا بأنّ الإرادة أمر
اختياري أو غير اختياري ، وسواء أقلنا إنّ الشرط أمر اختياري أم لا ، فانّ كل ذلك
أجنبي عن المقام.
فالحق أنّ النيّة
إنما اعتبرت في الصلاة على نحو الشرطية لا غير.
__________________
فصل في النيّة
وهي القصد إلى
الفعل بعنوان الامتثال والقربة ، ويكفي فيها الداعي القلبي ، ولا يعتبر فيها الاخطار
بالبال ولا التلفّظ ، فحال الصلاة وسائر العبادات حال سائر الأعمال والأفعال
الاختيارية كالأكل والشرب والقيام والقعود ونحوها من حيث النيّة ، نعم تزيد عليها
باعتبار القربة فيها ، بأن يكون الداعي والمحرّك هو الامتثال والقربة ، ولغايات
الامتثال درجات :
______________________________________________________
(١) قد عرفت فيما
مضى أنّ النيّة إنّما أُخذت في الصلاة على نحو الشرطية دون الجزئية ، وعليه فيكفي
فيها الداعي القلبي ، بأن يكون إتيانه لها بداعي القربة وقصد الانبعاث عن الأمر ،
من دون فرق بين أوّل الصلاة وآخرها.
وأمّا إخطار صورة
الفعل في أُفق النفس ولو إجمالاً ، وإحضارها في الذهن قبل الصلاة ، ثمّ استمرارها
حكماً كما عليه جمع ، فلا دليل على ذلك بوجه.
كما لا يلزم
التلفظ بها ، بل هو مكروه وموجب لإعادة الإقامة.
وتوهم أنّه مما
يرجع إلى الصلاة ، وقد دلّ الدليل على عدم قدح مثل هذا التكلّم ، مدفوع بأنّ
الدليل مختص بما يرجع إلى الجماعة من جهة تسوية الصفوف ونحوها ، وإلاّ كان اللازم
عدم الكراهة بعد الإقامة بمثل قوله : لا تتكلّم معي فإنّي أُريد أن أُصلي ، من جهة
أوله إلى الصلاة وكونه من شؤونها ، وهو كما ترى. فعموم كراهة التكلم بعد الإقامة
شامل لمثل التلفظ بالنية.
وكيف ما كان ، فلا
ينبغي الإشكال في كفاية الداعي القلبي وإتيان الصلاة بداعي القربة ، وللقربة مراتب
ودرجات حسبما أشار إليها في المتن.
أحدها
: وهو أعلاها أن يقصد امتثال
أمر الله ، لأنّه تعالى أهل للعبادة والطاعة ، وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين عليهالسلام بقوله : إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنّتك ، بل وجدتك أهلاً
للعبادة فعبدتك.
الثاني
: أن يقصد شكر نعمة
التي لا تحصى.
الثالث
: أن يقصد به تحصيل
رضاه والفرار من سخطه.
الرابع
: أن يقصد به حصول
القرب إليه .
الخامس
: أن يقصد به
الثواب ورفع العقاب ، بأن يكون الداعي إلى امتثال أمره رجاء ثوابه وتخليصه من
النار.
______________________________________________________
(١) وأسماها ، ولا
ينالها إلاّ الأوحدي ، لخلوّها عن أيّة جهة ترجع إلى العبد.
ومجمل القول حول
هذه الدرجات : أنّ العبادة بما أنّها عمل اختياري صادر من عاقل مختار ، وكل ما كان
كذلك لا بدّ فيه من وجود غاية باعثة على ارتكاب العمل ، فهذه الغاية في المقام إما
أنّها ملحوظة في جانب العامل العابد ، أو في ناحية المعبود.
والثاني إما أنّه
لحاظ كماله الذاتي وأهليته للعبادة ، وهو أرقى المراتب ، أو من أجل حبّه الناشئ من
نعمه وإحسانه. والأوّل إمّا أنّه تحصيل رضاه ، أو التقرّب منه ، أو طمع في ثوابه ،
أو خشية من عقابه.
(٢) من الواضح
جدّاً أنّ المراد بالقرب ليس هو القرب المكاني الحقيقي ، بل ولا الادعائي التنزيلي
، لوضوح أنّ القرب بين شيئين يتضمن التضايف بحيث أنّ أحدهما إذا كان قريباً كان
الآخر أيضاً كذلك واقعاً أو تنزيلاً.
ومن البيِّن أنّه
سبحانه قريب من جميع البشر ، بل هو أقرب إلينا من حبل
وأمّا إذا كان
قصده ذلك على وجه المعاوضة من دون أن يكون برجاء إثابته تعالى فيشكل صحته ، وما ورد من
صلاة الاستسقاء وصلاة الحاجة إنّما يصح إذا كان على الوجه الأوّل.
______________________________________________________
الوريد ، وكل شيء
حاضر عنده حضوراً ذاتياً ، بيد أنّ البعض منّا بعيد عنه لكونه غريقاً في الذنوب
والخطايا المستوجب لعدم توجهه والتفاته إليه ، فهو قريب من عباده تنزيلاً ، وهم
بعيدون عنه.
بل المراد من
القرب الذي يتوخّاه العبد في عبادته هو طلب الحضور بين يدي الرب والشهود عنده بحيث
كأنه يراه ويشاهده شهوداً قلبياً لا بصرياً. ويستفاد من كثير من الأدعية والروايات
أنّ الغاية القصوى من العبادات هو لقاء الله تعالى ، والوصول إلى هذه المرتبة التي
هي أرقى المراتب التي يمكن أن يصل إليها الإنسان ، وربما يتفق الوصول إليها بعد
التدريب ومجاهدة النفس والتضلّع في العبادة المستتبعة بعد إزالة الملكات الخبيثة
لصفاء القلب وقابليته لمشاهدة الرب والسير إليه ، فيروم العابد بعبادته النيل إلى
هذه المرتبة التي هي المراد من التقرب منه تعالى.
(١) بل لا ينبغي
التأمل في البطلان ، ضرورة أنّ الثواب أو دفع العقاب لا يترتّبان على ذات العمل
لكي تصح المعاوضة والمبادلة بينهما ، بل على العمل المتصف بالعبادية والصادر بقصد
الامتثال والطاعة ، فلو صلى ليدخل الجنة بطلت ، إذ ليس لذات العمل هذا الأثر ، بل
المأتي به مضافاً إلى المولى. ومجرد قصد دخول الجنة لا يحقِّق الإضافة كما هو واضح
، وإنما يتجه لو كان على سبيل الداعي على الداعي.
وهكذا ما ورد في
صلاة الاستسقاء أو الحاجة أو صلاة الليل ، من الخواص والآثار من طلب الرزق ونحوه ،
فإنّها لا تترتب على ذات الصلاة ، بل المأتي بها
[١٤١٤]
مسألة ١ : يجب تعيين
العمل إذا كان ما عليه فعلاً متعدِّداً ولكن يكفي التعيين الإجمالي كأن ينوي ما
وجب عليه أوّلاً من الصلاتين مثلاً ، أو ينوي ما اشتغلت ذمّته به أوّلاً أو ثانياً
، ولا يجب مع الاتحاد .
______________________________________________________
بصفة العبادة ،
فلا يصح قصدها إلاّ على النحو الذي عرفت.
وبالجملة
: الغايات المتقدمة
من الثواب أو دفع العقاب أو شكر النعمة كلها غايات للامتثال ومن قبيل الداعي على
الداعي ، لا يكاد يترتّب شيء منها إلاّ بعد اتصاف العمل بالعبادية ، والإتيان به
بهذا العنوان ، فبدونه ولو كان بنيّة صالحة كالتعليم فضلاً عن الرياء لا أثر له
بوجه ، فلو صلى أحد لا لكماله الذاتي ، ولا لحبّه الناشئ من نعمه ، ولا بداعي
التقرب وإدراكه لذة الانس ، بل لأمر آخر دنيوي أو أُخروي ، لم يترتب عليه أيّ أثر
، بل لا بدّ وأن تكون ثمّة واسطة بين العمل وبين تلك الغاية ، وهي الإضافة إلى
المولى على سبيل العبودية حسبما عرفت.
(١) قد يكون
الثابت في الذمة تكليفاً واحداً ، وقد يكون متعدداً.
فالأوّل
: كما في صيام شهر
رمضان حيث لا يصلح هذا الزمان لغير هذا النوع من الصيام ، فيكفي فيه الإتيان بذات
العمل مع قصد الأمر ، فلو نوى في المثال صوم الغد متقرّباً كفى ولا حاجة إلى
التعيين ، بعد أن كان متعيناً في نفسه وغير صالح للاشتراك مع غيره ليفتقر إلى
التمييز والتشخيص ، وهذا ظاهر.
وأمّا
الثاني : كما في صلاتي
الظهر والعصر ، فبما أنّ إحداهما تغاير الأُخرى ثبوتاً وإن اشتركتا في جميع
الخصوصيات إثباتاً كما يكشف عن هذه المغايرة قوله عليهالسلام : « ... إلاّ أنّ هذه قبل هذه ... » إلخ الدال على اعتبار
__________________
الترتيب ، وإلاّ
لم يكن مجال للاستثناء ، لوضوح أنّ كل من يأتي بثمان ركعات فبطبيعة الحال تكون
الأربع الأُولى قبل الأربع الثانية ، كما أنّ الركعة الأُولى قبل الثانية ، وهي
قبل الثالثة وهكذا ، فلو لم يكن تغاير وتباين ذاتي بينهما لم يكن وقع لهذا الكلام.
وأيضاً يكشف عنها
: النصوص الواردة في العدول من اللاحقة إلى السابقة كما لا يخفى.
فلا جرم لزم
المتصدي للامتثال مراعاة عنوان العمل وقصد تعيينه مقدّمة لتحقيقه وامتثال أمره ،
فلو نوى ذات الأربع ركعات ولو متقرّباً من غير قصد عنوان الظهر ولا العصر بطل ولم
يقع امتثالاً لشيء منهما.
وبعبارة اخرى :
إنّما يكتفى بقصد الأمر فيما إذا كان متعلقه ذات العمل ، وأمّا إذا كان متعلقه
العنوان كالظهرية لم يكن بدّ من قصده ، وإلاّ لم يكن المأتي به مصداقاً للمأمور
به.
ومن هذا القبيل
فريضة الفجر ونافلته ، حيث استكشفنا من اختلاف الآثار الّتي منها عدم جواز الإتيان
بالنافلة لدى ضيق الوقت ، أنّ لكل منهما عنواناً خاصّاً ، فلو أتى بذات الركعتين
من غير قصد شيء من العنوانين بطل ولم يقع مصداقاً لشيء منهما.
ومن هذا القبيل
أيضاً الأداء والقضاء ، حيث استفدنا من النصوص الدالة على لزوم
تقديم الحاضرة على الفائتة ، أو أفضليته حسب الاختلاف في المسألة أنّ لكل منهما
عنواناً به يمتاز عن الآخر ، فلا مناص إذن من قصده ، وبدونه لم يقع امتثالاً لشيء
منهما.
__________________
[١٤١٥]
مسألة ٢ : لا يجب قصد
الأداء والقضاء ولا القصر والتمام ولا الوجوب والندب ، إلاّ مع توقّف التعيين على قصد أحدهما.
______________________________________________________
نعم ، لو لم يكن
للواجبين عنوان خاص ، كما لو كان عليه قضاء يومين من شهر رمضان ، أو استدان من زيد
مرّتين فأصبح مديناً له بدرهمين ، فحيث لا امتياز بين الفردين المشغولة بهما
الذمّة حتى في صقع الواقع ، ولم يتعلق الأمر إلاّ بذات العمل من غير خصوصية للسابق
أو اللاّحق ، لم يلزمه قصد هذه الخصوصية في مقام الأداء.
فتحصّل
: أنّ العبرة في
لزوم التعيين بتعدد الواجب ، وأن يكون لكل منهما عنوان به يمتاز عن الآخر ، فلو لم
يكن تعدد أو كان ولم يكن له عنوان خاص لم يلزمه ذلك.
(١) إذ اللاّزم
على المكلف إنّما هو الإتيان بذات المأمور به مع تعيينه فيما يحتاج إلى التعيين
حسبما مرّ مع إضافته إلى المولى ، وأمّا الزائد عليه من الخصوصيات الّتي تكتنف
بالعمل من القصر والتمام ، أو القضاء والأداء ، كالالتفات إلى بقيّة الأجزاء ، فلم
ينهض على اعتباره أيّ دليل ، فلو لم يكن في ذمته إلاّ الأداء تماماً ، فقصد أربع
ركعات بقصد الظهر صح وكفى ، وإن لم يكن ملتفتاً إلى شيء من الخصوصيتين تفصيلاً
حين العمل.
(٢) فإنّهما من
كيفيات الأمر لا من خصوصيات المأمور به ، وإن صحّ اتصافه بهما أيضاً ، لكنه اسناد
تبعي والأصل فيه إنّما هو الأمر نفسه باعتبار اقترانه بالترخيص في الترك وعدمه ،
حيث ينتزع من الأوّل الاستحباب ومن الثاني الوجوب.
وعليه فمجرّد
الإتيان بالعمل بداعي الأمر كاف في تحقّق العبادة وإن لم يعلم
بل لو قصد أحد
الأمرين في مقام الآخر صحّ إذا كان على وجه الاشتباه في التطبيق
______________________________________________________
أنّ الأمر المتعلق
به وجوبي أو استحبابي ، إذ لا دخل له لا في تحقق ذات المأمور به ، ولا في إضافته
إلى المولى.
ومنه تعرف الحال
في الأداء والقضاء ، وأنّ المأمور به فيهما أيضاً حقيقة واحدة ، غاية الأمر أنّ
الأوّل مشروط بالوقوع في الوقت ، وبعد خروجه وعدم امتثاله عصياناً أو نسياناً تلغو
الخصوصية ويبقى الأمر بالطبيعة ولو بأمر جديد من غير أن يتقيد بالوقوع خارج الوقت
، كيف وهو لازم عقلي وأمر ضروري غير اختياري لا بدّ منه ، فلا موقع لمراعاة
التقييد فيه.
وعلى الجملة :
فالأداء شرط مأخوذ في الطبيعة كسائر الشرائط ، كالطهارة من الخبث والاستقبال
ونحوهما ، وهي برمّتها توصلية لا يعتبر الالتفات إليها تفصيلاً ليلزم قصدها.
وأمّا القضاء ،
فالأمر فيه أوضح ، لما عرفت من أنّ خصوصية الوقوع خارج الوقت لم تكن قيداً شرعياً
ملحوظاً في جانب المأمور به ليلزم قصده ، وإنّما هو عقلي محض.
فتحصّل
: أنّه لا تعتبر
مراعاة شيء من الخصوصيات المزبورة لا الأداء والقضاء ، ولا القصر والتمام ، ولا
الوجوب والندب ، إلاّ فيما إذا توقف التعيين عليه حسبما عرفت.
(١) فصّل قدسسره في مفروض المسألة
بين ما إذا كان قصد الخصوصية من باب الاشتباه في التطبيق وبين ما إذا كان من باب
التقييد ، فحكم قدسسره بالصحة في الأوّل والبطلان في الثاني.
أقول
: أمّا الأوّل ، فظاهر الوجه ، إذ بعد أن كانت الحقيقة واحدة وهي صلاة الفجر مثلاً ، وكان لها
أمر واحد على الفرض ، فتخيّل المصلي أنّه استحبابي فبان أنّه وجوبي ، أو أنّه
أدائي فبان أنّه قضائي أو بالعكس ، الراجع إلى الاشتباه في خصوصية من صفات الأمر
أو المأمور به ، لا مدخل له في صحة العبادة بعد اشتمالها على تمام ما هو المقوّم
لها من ذات العمل مع قصد التقرّب كما هو المفروض وهذا واضح.
وأمّا
الثاني ، فغير واضح ، بل
في حيّز المنع ، فانّ مستند البطلان هو أنّ المصلي بعد أن قيّد عمله بالخصوصية
التي زعمها بحيث لو علم بفقدها لم يعمل لا أنّه يعمل على كل تقدير ، غايته أنّه
اشتبه في التطبيق كما في الصورة السابقة فهو في الحقيقة فاقد للنيّة بالإضافة إلى
ما صدر منه لاندراجه في كبرى : ما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد.
ولكنه كما ترى ،
لامتناع التقييد في أمثال المقام حسبما تكررت الإشارة إليه في مطاوي هذا الشرح ،
ضرورة أنّه إنّما يتصور فيما هو قابل للتقييد كالمطلقات والكليات التي هي ذات حصص
وأصناف ، كبيع منّ من الحنطة القابل للتقييد بكونها من المزرعة الفلانية.
وأمّا الجزئي
الحقيقي والموجود الخارجي كما في المقام فإنّه لا سعة فيه ليقبل التضييق والتقييد
، فلو اعتقد أنّ زيداً صديقه فأكرمه فبان أنّه عدوّه ، أو أنّ المال الفلاني يترقى
فاشتراه ليربح فتنزّل ، أو أنّ من في المحراب زيد فبان أنّه عمرو وهو لا يريد
الاقتداء به وإن كان عادلاً فهذه الأفعال من الإكرام والشراء والاقتداء ومنها
الصلاة في محل الكلام ، صادرة منه بالضرورة ، وهي جزئيات خارجية لا يعقل فيها
التقييد ، فانّ الفاعل وإن كان بحيث لو علم بالخلاف لم يفعل إلاّ أنّه بالأخرة
فَعَل وصدر منه العمل ، وهذا العمل الصادر جزئي حقيقي لا إطلاق فيه ليقبل التقييد.
فلا جرم يكون التقييد المزعوم من
كأن قصد امتثال
الأمر المتعلِّق به فعلاً وتخيّل أنّه أمر أدائي فبان قضائياً أو بالعكس ، أو
تخيّل أنّه وجوبي فبان ندبياً أو بالعكس ، وكذا القصر والتمام وأمّا إذا كان
على وجه التقييد فلا يكون صحيحاً ، كما إذا قصد امتثال الأمر الأدائي ليس
إلاّ ، أو الأمر الوجوبي ليس إلاّ ، فبان الخلاف فإنّه باطل.
______________________________________________________
قبيل التخلّف في
الداعي ، والاشتباه في التطبيق بطبيعة الحال ، لأنّ ما وقع لا ينقلب عمّا هو عليه
، فهو مقصود لا محالة لا أنّه غير مقصود وإنّما الخطأ في الداعي الباعث على
ارتكابه حسبما عرفت.
فلا مناص من الحكم
بالصحة في جميع هذه الموارد ، وكيف لا يحكم بها في من صلّى نافلة الليل بزعم أنّ
هذه ليلة الجمعة ، أو زار الإمام عليهالسلام كذلك بحيث لو كان يعلم أنّها ليلة أُخرى لم يصلّ ولم يزر ،
فانّ الحكم ببطلان الصلاة أو الزيارة كما ترى ، ضرورة أنّ المعتبر في صحة العبادة
إنّما هو الإتيان بذات العمل مع قصد التقرب ، وقد فعل حسب الفرض ، ومعه لا مقتضي
للبطلان بوجه.
(١) عدّ هذا من
باب الاشتباه في التطبيق غير واضح ، فإنّ صلاة القصر مقيّدة بالتسليم على الركعتين
والتمام بعدمه ، فكل منهما مقيد بقيد مضادّ للآخر ومن البيّن اعتبار قصد المأمور
به بتمام أجزائه ولا يكفي البعض ، غاية الأمر كفاية النيّة الإجمالية ولا يعتبر
التفصيل ، فلو جهل الوظيفة الفعلية وكانت الرِّسالة العملية موجودة عنده لا بأس
حينئذ بالشروع بقصد ما في الذمّة ، ثمّ
__________________
[١٤١٦]
مسألة ٣ : إذا كان في أحد
أماكن التخيير فنوى القصر يجوز له أن يعدل إلى التمام وبالعكس ما لم يتجاوز محل
العدول ، بل لو نوى أحدهما وأتمّ على الآخر من غير التفات إلى العدول فالظاهر
الصحّة ، ولا يجب التعيين حين الشروع أيضاً.
______________________________________________________
يراجع المسألة
أثناء الصلاة ويسلّم في ظرفه اللاّزم ، كما لا بأس أيضاً لو ائتم بمقلّده مع علمه
باتحادهما في الوظيفة فيسلّم بتبع تسليمه.
وممّا ذكرنا يظهر
أنّه لو نوى أحدهما ثم انكشف له أثناء العمل أنّ المأمور به غيره لم يجز ، لفقد
النيّة حتى الإجمالية فضلاً عن التفصيلية.
وبعبارة واضحة :
من كانت وظيفته القصر مثلاً إذا قصد التمام ، فقد نوى صلاة فاسدة لا أمر بها ،
ومقتضى ما تقدّم من لزوم قصد تمام الأجزاء من الأوّل هو الحكم بالبطلان ، لأنّ
المقصود غير مأمور به والمأمور به غير مقصود حتى إجمالاً بعد تغاير طبيعتي القصر
والتمام ، باعتبار اشتمال كلّ منهما على قيد مضادّ للآخر كما عرفت ، ومعه كيف يمكن
إدراج المقام في باب الاشتباه في التطبيق.
ونظير المقام ما
سيأتي من أنّه لو نوى الظهر بزعم عدم الإتيان بها ثمّ انكشف
إتيانها ، ليس له العدول إلى العصر بدعوى كونه من باب الاشتباه في التطبيق وأنّه
قاصد للأمر الفعلي ، إذ كيف يكون كذلك مع أنّه لم يكن قاصداً لعنوان العصر لا
إجمالاً ولا تفصيلاً ، حتى مع الغض عن عدم جواز العدول من السابقة إلى اللاّحقة ،
لكن الاشكال مبني على تغاير طبيعتي القصر والتمام وستعرف أنّهما طبيعة واحدة ، فلا
إشكال.
(١) إذ المفروض
أنّ متعلق الأمر في هذه الأماكن هو الجامع بين بشرط لا
__________________
نعم ، لو نوى
القصر فشكّ بين الاثنين والثلاث بعد إكمال السجدتين يشكل العدول إلى
التمام والبناء على الثلاث ، وإن كان لا يخلو من وجه ، بل قد يقال بتعيّنه ،
والأحوط العدول والإتمام مع صلاة الاحتياط والإعادة.
______________________________________________________
وبشرط شيء ، فلم
تكن الخصوصية واجبة من أوّل الأمر لتحتاج إلى التعيين نظير السورة الواجبة في
الصلاة بعد الحمد ، حيث إنّ الواجب طبيعيها ، فلا يجب تعينها منذ الشروع في الصلاة
، بل لو عيّن آن ذاك له العدول بعد ذلك ، كما أنّ له العدول في المقام أيضاً ما دام
المحل باقياً ، لما عرفت من خروج الخصوصية عن حيّز الأمر ، وعدم تعلقه إلاّ
بالطبيعي الجامع بين ذات ركعتين وذات الأربع.
ومنه تعرف أنّه لو
نوى أحدهما وأتمّ على الآخر غفلة ومن غير التفات إلى العدول صح ، للإتيان بالمأمور
به على وجهه من غير خلل فيه.
(١) فهل يحكم
حينئذ ببطلان الصلاة لبطلان الشك المزبور في الصلاة الثنائية أو بجواز العدول إلى
التمام المستلزم لانقلاب الشك إلى الصحيح ، لوقوعه في صلاة رباعية فيتم بعد البناء
على الثلاث ويأتي بركعة الاحتياط ، أو بوجوبه حذراً عن قطع الصلاة المحرّم؟ وجوه :
أمّا
البطلان وعدم المجال للعدول فيستدل له :
تارة
: بإطلاق ما دلّ
على البطلان في الشك في الثنائية.
وفيه : أنّ الشك
بنفسه لم يكن مبطلاً كالحدث ، وإنّما الممنوع المضي عليه ومن ثمّ لو تروّى ثمّ ظنّ
بأحد الطرفين بنى عليه ، ومن البيّن أنّه بعد العدول والبناء على الأكثر لم يكن
ثمّة مضي على الشك في صلاة ثنائية لانعدام الموضوع.
__________________
واخرى
: باختصاص مورد
العدول بما إذا تمكن المصلي من إتمام الصلاة المعدول عنها كي يعدل من صلاة صحيحة
إلى مثلها ، وأمّا إذا لم يتمكّن لفسادها في نفسها مع قطع النظر عن العدول ، فمثله
غير مشمول لأدلته. ومن ثمّ لو شكّ في صلاة الفجر بين الثنتين والثلاث بعد الإكمال
ليس له العدول إلى فائتة رباعية بضرورة الفقه.
وفيه : أنّ هذا
إنّما يتّجه فيما إذا كان العدول ثابتاً بدليل خاص كالعدول من الحاضرة إلى الفائتة
ونحو ذلك ، لا ما كان ثابتاً بمقتضى القاعدة من غير حاجة إلى دليل خاص كالمقام ،
حيث قد عرفت أنّ متعلق الأمر إنّما هو الجامع بين الثنائية والرباعية ، والتطبيق
على الأوّل كان باختيار المكلّف لا بجعل من الشارع فهو لا يزال مكلفاً بذاك الجامع
، إذن فما هو المانع من شمول أدلّة البناء على الأكثر لمثل ذلك ، فانّ الخارج عنها
إنّما هي الصلاة الثنائية حسب الجعل الشرعي لا الاختيار الشخصي ، فله رفع اليد
واختيار الفرد الآخر والبناء فيه على الأكثر.
ونحوه ما لو كان
بانياً على القصر فشكّ بين الثلاث والأربع ، فإنّ المأمور به لمّا كان هو الجامع
فله العدول إلى الرباعية والبناء على الأكثر حسبما عرفت.
وأمّا
وجوب العدول حذراً عن القطع
المحرم ، ففيه : أنّ دليل القطع لو تمّ فإنّما هو الإجماع ، ومورده ما إذا كانت
الصلاة صحيحة في نفسها مع قطع النظر عن العدول ، لا ما إذا تمكن من تصحيحها
بالعدول.
وبعبارة اخرى :
مورد الحرمة ما إذا كان البطلان مستنداً إلى القطع ، بحيث لولاه لكانت صلاة صحيحة
في حدّ ذاتها ، ولا يعمّ ما لو كانت الصحة متوقفة على أمر آخر اختياري كما في
المقام.
فتحصّل
: أنّ الأظهر إنّما
هو الوجه الثاني.
[١٤١٧]
مسألة ٤ : لا يجب في
ابتداء العمل حين النيّة تصوّر الصلاة تفصيلاً ، بل يكفي الإجمال نعم ، يجب نيّة
المجموع من الأفعال جملة أو الأجزاء على وجه يرجع إليها ، ولا يجوز تفريق النيّة على الأجزاء على
وجه لا يرجع إلى قصد الجملة ، كأن يقصد كلا منها على وجه الاستقلال من غير لحاظ
الجزئية.
[١٤١٨]
مسألة ٥ : لا ينافي نيّة
الوجوب اشتمال الصلاة على الأجزاء المندوبة ، ولا يجب ملاحظتها في ابتداء الصلاة ، ولا تجديد النيّة
على وجه الندب حين الإتيان بها.
______________________________________________________
(١) كأن ينوي ما
أمره الله تعالى به من الأجزاء ، لعدم الدليل على اعتبار الأزيد من ذلك.
(٢) لأنّ المأمور
به لمّا كان هو المركب وهو عين الأجزاء بالأسر ، فلا يتصف شيء منها بالجزئية إلاّ
شريطة الانضمام بسائر الأجزاء ، فلا يكفي لحاظه مستقلا لعرائه عن الأمر المانع عن
صلاحية الإضافة إلى المولى ، فلو قصد التكبيرة فقط ثمّ بدا له وقصد القراءة وهكذا
، لم يتحقق به الامتثال.
(٣) لأنّ الفرد
المشتمل عليها مصداق للطبيعة الواجبة ، غاية الأمر أنّه أفضل الأفراد ، نظير
الصلاة في المسجد أو أوّل الوقت ونحو ذلك من الخصوصيات الّتي تستوجب مزيّة الفرد
وأفضليّته عن الفاقد لها.
هذا بناءً على
تصوير الجزء الاستحبابي ، وأمّا بناءً على إنكاره وعدم إمكانه لا بالنسبة إلى
الفرد ولا الماهية كما هو الصواب على ما حقّق في الأُصول
__________________
[١٤١٩]
مسألة ٦ : الأحوط ترك التلفظ
بالنيّة في الصلاة خصوصاً في صلاة الاحتياط للشكوك ، وإن كان الأقوى
الصحة معه .
______________________________________________________
وانّ ما يتراءى
منه ذلك كالقنوت فهو مستحب نفسي ظرفه الواجب ، فالأمر أوضح.
(١) منشأ الاحتياط
ما يراه قدسسره من وجوب الإقامة واحتمال بطلانها بالتكلم واحتياجها إلى الإعادة ، وعليه
فيختص بغير موارد سقوطها ، إذ لا مانع حينئذ من التلفظ بوجه.
ولكنّه قدسسره مع ذلك أفتى
بالصحة ، نظراً إلى انصراف دليل البطلان عن مثل هذا التكلم الراجع إلى شؤون الصلاة
، كالأمر بتعديل الصفوف على ما نطق به بعض النصوص ، حيث يستفاد منه حكم كلِّي منطبق على المقام وغيره وقد تقدّم ما فيه .
وكيف ما كان ،
فحيث إنّا لا نرى وجوب الإقامة فلا حاجة إلى هذا الاحتياط وإن كان الأولى ترك
التلفظ كما مرّ.
(٢) لاحتمال كونها
جزءاً متمّماً على تقدير النقص ، المستلزم لكون التلفّظ بالنيّة تلفظاً أثناء
الصلاة.
(٣) لما يرتئيه قدسسره من أنّها صلاة مستقلة
، وإن شرّعت لتدارك النقص المحتمل ، هذا.
__________________
[١٤٢٠]
مسألة ٧ : من لا يعرف
الصلاة يجب عليه أن يأخذ من يلقّنه فيأتي بها جزءاً فجزءاً ، ويجب عليه أن ينويها أوّلاً على
الإجمال .
[١٤٢١]
مسألة ٨ : يشترط في نيّة
الصلاة بل مطلق العبادات الخلوص عن الرياء ، فلو نوى بها الرياء بطلت ، بل هو من
المعاصي الكبيرة ، لأنّه شرك بالله تعالى .
______________________________________________________
ولكنّ المختار
عندنا لمّا كان هو الاحتمال الأوّل ، أي أنّ صلاة الاحتياط جزء متمّم للصلاة
الأصلية على تقدير نقصها ، فلا جرم كان الأقوى ترك التلفّظ حذراً عن احتمال وقوعه
أثناء الصلاة من غير مؤمّن كما لا يخفى.
(١) فإنّه من
أنحاء القدرة الواجب عليه تحصيلها بعد وضوح كونها أعم من المباشرة بنفسه أو بواسطة
التلقين.
(٢) حسبما تقدّم .
(٣) المشهور بين
الفقهاء إن لم يكن إجماعاً اعتبار الخلوص في الصلاة بل مطلق العبادات ، فلو نوى
بها الرياء بطلت ، بل كان آثماً لكونه من المعاصي الكبيرة ، وقد عبّر عنه بالشرك
في لسان الأخبار ، وهذا في الجملة مما لا إشكال فيه ، ولم ينقل الخلاف فيه عن أحد
عدا السيّد المرتضى قدسسره في الانتصار القائل بالحرمة دون البطلان ، وخلافه ناظر إلى بعض الأقسام مما يرى فيه عدم التنافي بين الرياء وقصد
القربة كما في الضميمة على ما سيجيء تفصيلها وإلاّ فاعتبار
القربة في العبادات لعلّه من الضروريات الّتي لا تقبل الإنكار.
__________________
ثمّ إنّ دخول
الرياء في العمل على وجوه :
أحدها
: أن يأتي بالعمل
لمجرّد إراءة الناس من دون أن يقصد به امتثال أمر الله تعالى ، وهذا باطل بلا
إشكال ، لأنّه فاقد لقصد القربة أيضاً.
الثاني
: أن يكون داعيه
ومحرِّكه على العمل القربة وامتثال الأمر والرياء معاً ، وهذا أيضاً باطل ، سواء
كانا مستقلّين أو كان أحدهما تبعاً والآخر مستقلا ، أو كانا معاً ومنضمّاً محرّكاً
وداعياً .
______________________________________________________
وكيف كان ، فأصل
الاعتبار المستلزم لبطلان العبادة المراءى فيها ممّا لا غبار عليه ، وقد تظافرت به
الروايات التي عقد لها في الوسائل باباً مستقلا إنّما الكلام في بعض خصوصيات المطلب وستعرف الحال فيها في التعاليق الآتية.
(١) بأن يكون
الداعي الوحيد هو الرياء فحسب ولا يقصد به طاعة الربّ بوجه ، والبطلان في هذا
القسم ممّا لا إشكال فيه ولا خلاف حتى من السيّد المرتضى ، لفقد قصد القربة
المعتبر في صحة الصلاة ، فإنّ كون الصلاة عبادة وافتقار العبادة إلى قصد التقرب
كاد أن يكون من الواضحات التي لا مرية فيها.
(٢) وهذا القسم
أعني ضمّ قصد الرياء إلى القربة ينحل إلى صور أربع :
إحداها
: أن يكون الباعث
على ارتكاب العمل والمحرِّك نحوه مجموع القصدين فكل منهما جزء من المؤثر بحيث لو
انعزل أحدهما عن الآخر لما ترتب الأثر لقصور كل منهما وحده عن صلاحية الدعوة
والتحريك ، فلا يكون الداعي إلاّ مجموع القصدين على صفة الانضمام.
الثانية
: أن يكون كل منهما
مستقلا في التأثير في حدّ نفسه ، بحيث لو انفرد
__________________
عن الآخر كان تامّ
الداعوية وصالحاً للتحريك ، وإن كان التأثير الفعلي مستنداً إلى مجموع الأمرين لا
خصوص كل منهما من جهة استحالة توارد علّتين على معلول واحد.
الثالثة
: أن يكون الداعي
الإلهي أصيلاً والريائي تابعاً.
الرابعة
: عكس ذلك.
لا ريب في البطلان
في الصورة الاولى ، من جهة الإخلال بقصد التقرب المعتبر في صحّة العبادة ، إذ
المعتبر فيها أن يكون الانبعاث نحو العمل عن قصد الأمر ، والمفروض في المقام عدمه
، لقصور هذا الداعي عن صلاحية الدعوة في حدّ نفسه على الفرض ، فالبطلان في هذه
الصورة على طبق القاعدة ولو لم يكن نص في البين ، كما لا ريب في البطلان في الصورة
الأخيرة كما هو واضح.
وأمّا الصورة
الثانية ، فمقتضى القاعدة الصحة ، إذ لا يعتبر في اتصاف العمل بالعبادية أكثر من
صدوره عن داعٍ قربي مستقل في الداعوية في حدّ نفسه المتحقق في الفرض ، ولم يعتبر
عدم اقترانه بداع آخر ولو كان مستقلا في الدعوة ، فالمناط بلوغ الباعث الإلهي حدّا
يصلح للدعوة التامّة من دون قصور فيها ، سواء اقترن بداع آخر أم لا.
ومن هنا يحكم بصحة
الغسل مثلاً ولو كان قاصداً للتبريد أيضاً ، على نحو يكون كل منهما في حدّ نفسه
مستقلا في التحريك ، كما يحكم بصحة الصوم ممّن له كرامة في المجتمع بحيث لا يكاد
يتجاهر بالإفطار في شهر رمضان ولو لم يكن هناك رادع إلهي ، تحفظاً على كرامته
ومقامه.
وبالجملة : حيث
إنّ الضميمة المزبورة لا ينثلم بها قصد التقرب المعتبر في العبادة ، ولا توجب
خللاً في صدق الطاعة ، فمقتضى القاعدة الصحة في هذه الصورة.
وبطريق أولى في
الصورة الثالثة كما لا يخفى ، من دون فرق بين المقام وغيره من سائر الضمائم ممّا
تكون الضميمة من هذا القبيل ، أي كانت مستقلّة في التحريك كقصد القربة ، أو كانت
تابعة والتقرّب أصيلاً.
لكنّا خرجنا عنها
في خصوص المقام أعني الرياء بمقتضى النصوص المتظافرة الدالّة بإطلاقها على البطلان
حتى في هاتين الصورتين فضلاً عن غيرهما ، وهي كثيرة جدّاً قد عقد لها في الوسائل
باباً مستقلا وأكثرها مرويّة عن المحاسن نذكر بعضها :
فمنها : صحيحة
زرارة وحمران عن أبي جعفر عليهالسلام « قال : لو أنّ عبداً عمل عملاً يطلب به وجه الله والدار
الآخرة وأدخل فيه رضى أحد من الناس كان مشركاً » .
وصحيحة هشام بن
سالم عن أبي عبد الله عليهالسلام « قال : يقول الله عزّ وجلّ : أنا خير شريك فمن عمل لي
ولغيري فهو لمن عمله غيري » . ونحوهما غيرهما. فانّ المراد بالشرك الشرك في العبادة دون
الربوبية كما هو واضح ، ومن أظهر آثاره الحرمة ، فإذا كان حراماً بطل ، إذ الحرام
لا يكون مصداقاً للواجب.
ومن الواضح أنّ
إدخال رضا أحد من الناس صادق حتى فيما إذا كان الرياء تابعاً ، فضلاً عما إذا كان
مستقلا في التحريك في عرض الباعث الإلهي ، وكذا قوله : « فمن عمل لي ولغيري » في
الرواية الأخيرة ، فالروايتان وغيرهما تشمل جميع الصور المتقدمة ، فيحكم بالبطلان
من أجلها.
__________________
الثالث : أن يقصد
ببعض الأجزاء الواجبة الرياء وهذا أيضاً باطل ، وإن كان محل التدارك باقياً ، نعم
في مثل الأعمال التي لا يرتبط بعضها ببعض أو لا ينافيها الزيادة في الأثناء كقراءة
القرآن والأذان والإقامة إذا أتى ببعض الآيات أو الفصول من الأذان اختصّ البطلان
به ، فلو تدارك بالإعادة صح .
______________________________________________________
(١) أمّا نفس الجزء
فباطل بلا ارتياب لصدوره رياءً حسب الفرض ، وبتبعه تفسد الصلاة أيضاً ، سواء
تداركه مع بقاء محل التدارك أم لا ، للإخلال بها من جهة النقيصة أو الزيادة كما لا
يخفى.
وعن المحقق
الهمداني الصحة في فرض التدارك ، بدعوى انصراف أدلة الزيادة عن مثل
المقام ، فإنّها خاصة بما إذا أحدث الزائد ولا تعمّ ما لو أوجد صفة الزيادة لما
تحقق سابقاً ، والمقام من هذا القبيل فإنّه لو اقتصر على الجزء المراءى فيه فالعمل
فاسد من جهة النقص ، ولو تداركه أوجب ذلك اتصاف الجزء السابق بالزيادة من هذا
الحين بعد ما لم يكن كذلك ابتداء.
وقد ذكر قدسسره نظير ذلك فيما لو أتى بجزء من الآية ثمّ رفع اليد عنه
واستأنفها ، كما لو قال مال ثمّ قال مالك يوم الدِّين ، فإنّ الثاني وإن أوجب
اتصاف الأوّل بالزيادة ، لكن مثلها غير مبطل بلا إشكال ، والمقام من هذا القبيل ،
هذا.
والذي ينبغي أن
يقال في المقام : إنّ الجزء المراءى فيه إن كان من سنخ السجود والركوع ، فلا ينبغي
الشك في بطلان الصلاة حينئذ ، سواء أتى به بقصد الجزئية أم لا ، لعدِّه حينئذ من
الزيادة المبطلة ، كما يفصح عنه ما ورد من النهي
__________________
عن قراءة سور
العزائم في الصلاة معللاً باستلزامها سجود التلاوة وأنّه زيادة في المكتوبة ، مع أنّ سجدة التلاوة لم يؤت بها بقصد الجزئية ، فكأنها حاكمة على أدلّة
الزيادة المبطلة ومفسّرة لموضوعها ، وأنّه عام يشمل حتى مثل ذلك وإن لم يقصد به
الجزئية.
وأمّا إن كان من
سنخ الأذكار كالقرآن والدعاء ونحوهما ، فان كان بقصد الجزئية ، كما لو راءى في
فاتحة الكتاب المأتي بها بقصد كونها من الصلاة فالأقوى حينئذ البطلان أيضاً ، لصدق
الزيادة العمدية المبطلة ، إذ لا معنى للزيادة سوى الإتيان بشيء بقصد كونه من
الصلاة ولم يكن منها. ودعوى انصراف الأدلّة عن مثله كما تقدّم عن المحقق الهمداني قدسسره غير مسموعة.
وأمّا إذا لم يقصد
به الجزئية ، كما لو قرأ بعد الحمد مثلاً سورة الجمعة بقصد القرآنية رياءً وبعدها
أتى بسورة أُخرى قاصداً بها الجزئية ، فهل تبطل الصلاة حينئذ؟ إشكال ينشأ من شمول
أدلّة مبطلية الكلام لمثله وعدمه.
اختار جمع منهم
شيخنا الأُستاذ قدسسره الأوّل ، بدعوى أنّ المستفاد من الأدلّة أنّ كل تكلم عمدي فهو
مبطل للصلاة ، وإنّما الخارج عنه بالتخصيص ما كان ذكراً أو قرآناً أو دعاءً
مأموراً به وجوباً أو استحباباً ، فغير المأمور به من هذه الأُمور داخل في عموم
قوله عليهالسلام : « مَن تكلّم في صلاته متعمداً فعليه الإعادة » . ولا شك أنّ المأتي به رياءً من هذه الأُمور حيث إنّه محرّم فهو خارج عن
عنوان المخصص ومشمول لعموم العام ، فيكون مبطلاً.
__________________
هذا ، ولكنّ
الأقوى الثاني ، لقصور الأدلة المزبورة عن الشمول للمقام ، فانّ المبطل من الكلام
خاص بكلام الآدمي كما قيّد بذلك في كلمات الفقهاء ، وسيجيء بيانه في محلّه إن شاء
الله تعالى ، ولا ريب أنّ الذكر أو الدعاء أو القرآن خارج عن موضوع
كلام الآدمي وإن كان محرّماً ، فهو قرآن أو ذكر أو دعاء محرّم ولا يعدّ من كلام
الآدمي في شيء ، واختلاف الحكم من كونه مأموراً به وعدمه لا يؤثِّر في ذلك شيئاً
، فهي خارجة عن الكلام المبطل خروجاً موضوعياً ، والنسبة نسبة التخصص دون التخصيص.
فالأقوى : أنّ هذه
الأُمور المأتي بها رياءً إنما تبطل الصلاة إذا كانت بعنوان الجزئية من جهة
استلزام الزيادة حينئذ كما عرفت ، دون ما إذا لم يقصد بها الجزئية ، إلاّ إذا
استلزم الفصل الطويل الماحي لصورة الصلاة ، كما إذا قرأ سورة طويلة رياءً ، فإنّها
توجب البطلان حينئذ من هذه الجهة وإن لم يقصد بها الجزئية.
وعلى
الجملة : الرياء في الجزء
بما هو كذلك لا يقتضي إلاّ فساده في حدّ نفسه وإنّما يسري إلى الصلاة فيما إذا
استلزم عروض عنوان آخر يقتضي الفساد ، إما من جهة الزيادة ، أو محو الصورة ، أو
التكلم العمدي على القول به كما عرفت هذا كلّه في الصلاة.
وأمّا فيما عداها
من سائر العبادات ممّا لا تكون الزيادة مبطلة لها كالوضوء والغسل ونحوهما ، فلا
موجب للبطلان أصلاً. فلو غسل يده اليمنى مثلاً رياءً حتى بقصد الجزئية ثم ندم
فتداركه بقصد التقرب صحّ مع مراعاة الموالاة ، لعدم كون الزيادة مبطلة في غير
الصلاة.
نعم ، هناك وجه
آخر للبطلان لو تمّ لعمّ وشمل جميع أقسام العبادات ، وهو
__________________
التمسك بإطلاق
قوله عليهالسلام : في الصحيحة المتقدمة « وأدخل فيه رضا
أحد من الناس » حيث إنّ مفاده أنّ كل عمل تضمّن الرياء ورضا أحد من الناس ولو
باعتبار جزئه كان باطلاً ، لسراية الفساد الناشئ من الرياء إلى الكل كسراية النار
في القطن ، فينتج فساد الوضوء في الفرض المزبور فضلاً عن الصلاة وكذا غيرهما من
سائر العبادات.
لكن هذا الوجه
مبني على أن يكون المراد من كلمة « فيه » في الصحيحة مطلق الظرفية ، ومن الواضح
عدم إمكان الالتزام بذلك ، وإلاّ لزم القول بفساد الوضوء أو الصوم فيما لو قرأ في
الأثناء سورة أو دعاءً أو ذكراً رياءً ، لصدق إدخال رضا الناس فيه وكونه ظرفاً
للرياء وإن كان مبايناً مع المظروف وجوداً وماهية.
وهكذا يلزم فساد
الحج لو أتى ببعض أجزائه رياءً كالطواف أو السعي ونحوهما وإن تداركه في محلّه ،
لصدق الظرفية ، وهو كما ترى لا يمكن الالتزام به سيّما في الحج ، بل هو غير محتمل
جزماً كما صرّح به المحقق الهمداني في الحج وفي الوضوء .
وعلى
الجملة : ليس المراد
بالظرفية معناها الواسع ، بحيث يشمل كون العمل الصادر منه وعاءً لعمل آخر صادر
لغير الله ، بل المراد نفي الخلوص وتشريك غيره معه تعالى في العبادة ، بحيث يصدر
العمل الوحداني عن داع إلهي وداع ريائي ، كما يفصح عنه قوله عليهالسلام بعد ذلك « كان مشركاً » المفقود فيما نحن فيه ، بعد فرض التدارك ، فلا جرم
يختص البطلان بالجزء الذي راءى فيه ولا يعمّ غيره.
__________________
الرابع : أن يقصد
ببعض الأجزاء المستحبّة الرياء كالقنوت في الصلاة وهذا أيضاً باطل على الأقوى .
______________________________________________________
والحاصل : أنّ
مجرّد الظرفية لا يستوجب الاتصاف بالمشركية إلاّ بضرب من التجوّز والعناية باعتبار
ملاحظة مجموع العمل ، ومن البيّن أنّه لا عبرة بهذا الاسناد المجازي ، لعدم منعه
عن صدق صدور تمام أجزاء العبادة بأسرها عن داع قربي لا غير وإن قورنت مع عمل آخر
غير قربي.
فتحصّل
: أنّ بطلان الجزء
لا يسري إلى الكل فيما إذا تدورك وكان مصوناً عن محذور آخر في كافّة العبادات من
الصلاة وغيرها حسبما عرفت.
(١) فيه نظر بل
منع حتى لو بنينا على السراية في الجزء الوجوبي ، لما ذكرناه في الأُصول من أنّ الجزء المستحب غير معقول ، سواء أُريد به جزء الماهية أم جزء الفرد ،
ضرورة أنّ افتراض الجزئية مساوق لافتراض الدخل في الطبيعة وتقوّمها به ، وهو مضاد
لمفهوم الاستحباب الذي معناه عدم الدخل وجواز الترك.
وما يتراءى منه
ذلك كالقنوت في الصلاة يراد به أنّه عمل مستقل ظرفه الواجب ، كالأدعية المأثورة
للصائم أو للناسك ، فهو مزيّة خارجية تستوجب كون الفرد المشتمل عليها أفضل الأفراد
، والتعبير عنه بالجزء المستحب مبني على ضرب من التوسّع والمسامحة. وقد عرفت أنّ
مجرّد الظرفية لا يستلزم السراية ولا يقتضي البطلان إلاّ إذا قورن بموجب آخر له من
الفصل الطويل الماحي للصورة ، أو الموجب لفوات الموالاة ونحو ذلك. إذن فما ذكره في
المتن محل إشكال بل الأظهر هو عدم البطلان.
__________________
الخامس : أن يكون
أصل العمل لله لكن أتى به في مكان وقصد بإتيانه في ذلك المكان الرياء ، كما إذا
أتى به في المسجد أو بعض المشاهد رياءً وهذا أيضاً باطل على الأقوى .
______________________________________________________
والمتحصّل من جميع
ما مرّ : أنّ الرياء في الجزء مطلقاً لا يترتب عليه إلاّ فساده ، ولا يسري إلى
المركب إلاّ مع طروء عنوان آخر موجب للفساد من زيادة أو نقيصة أو فقدان شرط ونحو
ذلك.
(١) فكان الرياء
فيما هو خارج عن ذات العمل كلا أو جزءاً من الخصوصيّات الفردية المكانية أو
الزمانية أو المكتنفة كما سيجيء.
(٢) إذ الخصوصية
المفرّدة مصداق للطبيعة ومحقّق لها ، ومن الضروري أنّ الكلي الطبيعي متحد مع
مصداقه خارجاً ، وموجودان بوجود واحد ، يضاف مرّة إلى الطبيعة ، وأُخرى إلى الفرد
، فليست الصلاة الموجودة في الخارج شيئاً آخر مغايراً مع الصلاة في هذا المكان
ليكونا موجودين بوجودين ، ولا يسري الفساد من إحداهما إلى الأُخرى ، بل بينهما
الاتحاد والعينيّة ، فلا جرم يحكم بالفساد ، إذ المبغوض لا يكون مقرّباً ، والحرام
لا يكون مصداقاً للواجب.
وكذلك الحال فيما
بعده من الأمثلة ، فإنّ الكل من سنخ الخصوصيّات المكانية التي يرجع الرياء فيها
إلى الرياء في نفس العمل الواجب حسبما عرفت.
هذا كلّه فيما إذا
راءى في الصلاة في هذا المكان ، بأن كان مصبّ الرياء ومركزه هو مصداق الطبيعة
بالذات ، أعني الصلاة الكذائية.
وأمّا لو راءى في
مجرّد الكون في هذا المكان ، بأن تعلّق قصده الريائي بصرف البقاء في المسجد
واللّبث فيه أو في أحد المشاهد المشرّفة ليري الناس أنّه من أهل التقوى المعظِّمين
لشعائر الله ، وفي خلال ذلك صلّى خالصاً لوجهه ، فلا موجب
وكذا إذا كان
وقوفه في الصفّ الأوّل من الجماعة أو في الطرف الأيمن رياءً.
السادس : أن يكون
الرياء من حيث الزمان ، كالصلاة في أوّل الوقت رياءً وهذا أيضاً باطل على الأقوى .
السابع : أن يكون
الرياء من حيث أوصاف العمل ، كالاتيان بالصلاة جماعة أو القراءة بالتأنّي أو
بالخشوع أو نحو ذلك ، وهذا أيضاً باطل على الأقوى .
______________________________________________________
حينئذ للحكم
بالفساد ، لخروج الرياء عن حريم المأمور به وعدم مسّه بكرامته فلا اتحاد ولا عينية
، غايته أنّه راءى في مقارنات العمل ، ومثله لا ضير فيه كما سيجيء.
(١) لاشتراك
الخصوصية الزمانية مع المكانية في مناط البحث فيجري فيه ما مرّ بعينه ولا نعيد.
(٢) لما عرفت من
انطباق الطبيعة المتحدة وجوداً مع مصداقها على الفرد الريائي.
نعم ، لمّا كان
الخضوع والخشوع ، أو البكاء أو التباكي من الأفعال الاختيارية المقارنة للصلاة ولم
تكن متحدة معها كالجماعة والفرادى ، فيمكن تصوير الرياء فيها على نحو لا يسري إلى
الصلاة ، بأن تعلّق قصده بالصلاة خالصاً لوجهه تعالى ثم بدا له أن يبكي أو يخشع ،
بحيث كان ذلك بنفسه موضوعاً مستقلا للرياء ، لا أنّه من الأوّل قصد الصلاة المتصفة
بالخشوع الريائي ، فحينئذ لا موجب للفساد وإن ارتكب الإثم.
وعليه فينبغي
التفصيل في الخشوع الريائي وأشباهه بين ما إذا تعلّق القصد
الثامن : أن يكون
في مقدّمات العمل ، كما إذا كان الرياء في مشيه إلى المسجد لا في إتيانه في المسجد
، والظاهر عدم البطلان في هذه الصورة .
التاسع : أن يكون
في بعض الأعمال الخارجة عن الصلاة كالتحنك حال الصلاة ، وهذا لا يكون مبطلاً إلاّ
إذا رجع إلى الرياء في الصلاة متحنّكاً .
العاشر : أن يكون
العمل خالصاً لله ، لكن كان بحيث يعجبه أن يراه الناس والظاهر عدم بطلانه أيضاً
______________________________________________________
بهذا الفرد الخاص
من الصلاة فتبطل ، إذ الطبيعة وإن كانت مقصودة لله إلاّ أنّها لمّا كانت متحدة مع
فردها خارجاً فلا جرم يسري الفساد منه إليها ، وبين ما إذا خشع أو بكى في ضمنها
رياءً ، فلا يسري لعدم الاتحاد.
(١) لوضوح أنّ
المقدمات أُمور خارجة عن العمل ، فلا مقتضي للسراية.
(٢) كما ظهر وجهه
في كلتا الصورتين ممّا قدمناه في الخشوع ، من الاتحاد مع الطبيعة تارة وعدمه اخرى
، فلاحظ ولا نعيد.
(٣) فانّ صفة
العجب وإن كانت منقصة ينبغي للمؤمن الحقيقي تنزيه نفسه عنها ، إلاّ أنّها لا
تستوجب البطلان بعد فرض صدور العمل بكامله خالصاً لوجهه الكريم ، سيّما وإنّها
عامّة البلوى لا ينجو منها إلاّ الأوحدي والعارف الحقيقي الذي لا يهمّه مدح الناس
أو قدحهم ، وكل همّه طلب مرضاته سبحانه وإلاّ فغالب الناس تعجبهم عباداتهم ويدخلهم
السرور من رؤية الناس ، ويحبّون أن يُمدحوا بها ، ويعرفوا بين الناس بأنّهم من
المتعبّدين ومن عباد الله الصالحين لكن مجرّد ذلك لا دليل على قدحه في صحّة العبادة
، بل قد دلّت على عدم القدح صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : « سألته عن الرجل يعمل الشيء من الخير فيراه إنسان
فيسرّه ذلك ، قال : لا بأس ، ما من أحد إلاّ وهو
كما أنّ الخطور
القلبي لا يضرّ خصوصاً إذا كان بحيث يتأذّى بهذا الخطور وكذا لا يضرّ الرياء بترك الأضداد .
______________________________________________________
يحبّ أن يظهر له
في الناس الخير إذا لم يكن صنع ذلك لذلك » . وقد دلّ ذيلها
على أنّه لو فعل الخير لغاية المعرفة فحسب بطل ، لفقد قصد القربة حينئذ كما هو
ظاهر.
(١) لعدم منافاته
مع الإخلاص المعتبر في صحة العبادة والانبعاث عن محض قصد الامتثال ، بل هو من
وساوس الشيطان كما جاء في بعض الأخبار .
(٢) فانّ هذا
التأذّي كاشف قطعي عن بلوغه مرتبة راقية من الخلوص وموجب لتأكد إضافة العمل إلى
المولى سبحانه وتعالى.
(٣) كما لو كان في
مجلس يتكلم أهله بما يرجع إلى أُمور الدنيا ، فأعرض عنهم وترك مجالستهم مظهراً
أنّه لا يحب اللغو والخوض في غير أُمور الدين فكان مرائياً في هذا الابتعاد
والانفصال وقد تشاغل حينئذ في الصلاة ، فإنّه لا موجب لفسادها ، لعدم تعلق الرياء
بها ، بل بترك ضدّها وهو الاشتراك في ذاك المجلس الذي هو أمر آخر مقارن مع الصلاة
، ولم يكن متّحداً معها.
وقد
تحصّل من جميع الأقسام المتقدِّمة : أنّ الخصوصية المراءى فيها إن اتّحدت خارجاً مع العبادة
كالصلاة جماعة أو أوّل الوقت أو في المسجد ، بحيث كانت النسبة بينهما نسبة الطبيعي
إلى أفراده ، بطلت إذ الاتحاد يستوجب السراية لا محالة ، ومن البيِّن أنّ الحرام
لا يكون مصداقاً للواجب.
__________________
[١٤٢٢]
مسألة ٩ : الرياء المتأخر
لا يوجب البطلان ، بأن كان حين العمل قاصداً للخلوص ثمّ بعد تمامه بدا له في ذكره
، أو عمل عملاً يدل على أنّه فعل كذا .
______________________________________________________
وأمّا لو لم تتّحد
كالتحنّك رياءً والتخشع أثنائها كذلك ، فتلك الخصوصية وإن حرمت إلاّ أنّها لمّا
كانت وجوداً مستقلا مغايراً لنفس العبادة ، وإن كان مقارناً معها ، فلا مقتضي
حينئذ للسراية بوجه.
(١) إذ المنافي
للخلوص إنّما هو الرياء المقارن للعمل ، فإنّه الذي يمنع عن صدوره على وجه العبادة
، إمّا المتأخر فلا تأثير له في المتقدّم ، ضرورة أنّ الشيء لا ينقلب عمّا وقع
عليه.
أجل ، ورد في مرسل
علي بن أسباط عن أبي جعفر عليهالسلام أنّه « قال : الإبقاء على العمل أشدّ من العمل. قال : وما
الإبقاء على العمل؟ قال : يصل الرجل بصلة وينفق نفقة لله وحده لا شريك له فكتبت له
سراً ، ثم يذكرها فتمحى فتكتب له علانية ، ثم يذكرها فتمحى وتكتب له رياءً » ، فإنّها صريحة في سقوط العبادة بالكلية بذكرها مرّتين ، ولكنّها لمكان الإرسال
غير صالحة للاستدلال.
نعم ، لا ريب في
أنّ الذكر المزبور والرياء بعد العمل صفة رذيلة ومنقصة في العبد ينبغي تنزيه ساحته
عنها ، كما تشهد به صحيحة جميل بن دراج قال : « سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن قول الله عزّ وجلّ ( فَلا تُزَكُّوا
أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى ) قال : قول
الإنسان : صلّيت البارحة وصمت أمس ونحو
__________________
[١٤٢٣]
مسألة ١٠ : العجب المتأخر
لا يكون مبطلاً ، بخلاف المقارن فإنّه مبطل على الأحوط ، وإن كان الأقوى خلافه .
______________________________________________________
هذا ، ثم قال عليهالسلام : إنّ قوماً كانوا يصبحون فيقولون صلّينا البارحة وصمنا أمس ، فقال علي عليهالسلام : ولكنّي أنام الليل والنهار ولو أجد بينهما شيئاً لنمته » .
فإنّها ظاهرة في
عدم محبوبيّة الإفشاء والإشاعة ، بل المحبوب كتمان العبادات عن الناس.
(١) لا شبهة في
قبح صفة العجب تكويناً ، بل كشفها عن خفّة عقل صاحبها ضرورة أنّ العاقل الكيِّس ،
متى لاحظ وفور نعم البارئ تعالى البالغة من الكثرة حدّا لا تحصى ، ومن أبرزها نعمة
الوجود ، ثم النعم الظاهرية والباطنية يرى نفسه عاجزاً عن أداء شكر واحدة منها ،
كيف وهو ممكن لا يزال يستمد القوى من بارئه ولا يستغني عنه طرفة عين ، بل يفتقر
إليه في جميع حالاته حتى حالة التصدي للشكر ، فيحتاج إلى شكر آخر فيتسلسل.
ومنه تعرف أنّه لو
استغرق في العبادة طيلة حياته واستوعبت ليله ونهاره لم يكن يقابل نعمة من نعمه
الجزيلة ، فكيف وهو لا يتشاغل بها إلاّ في بضع ساعات ، فإعجابه بعبادته الضئيلة
التي استمدت مبادئها منه تعالى ، والحقيرة تجاه تلكم النعم العظيمة ، وهو بهذه
المثابة من العجز بحيث لا يستطيع من أداء شكر نعمة الوجود فقط ، فضلاً عن سائر
النعم في غاية القبح والوهن ، بل لا يكاد يجتمع مع سلامة العقل إلاّ إذا فرض
محالاً أنّه واجب وجود ثان ، فلعلّ مثله يتمكّن من أداء شكره ، لعدم انتساب وجوده
إليه تعالى.
__________________
وأمّا حكمه
تشريعاً ، فلا ينبغي التأمل في حرمته ، لأوله إلى هتك حرمة المولى وتحقير نعمه ،
إذ المعجب بعمله يرى نفسه غير مقصّر تجاه نعم ربّه ، لأنّه قد أتى بما يساويها أو
يزيد عليها ، فلا يرى والعياذ بالله فضلاً له تعالى عليه ، وهو من أعظم الكبائر
والجرائم .
على أنّ النصوص
الكثيرة وفيها المعتبرة قد دلت على الحرمة.
فمنها
: ما رواه الكليني
بإسناده ، عن أبي عبيدة عن أبي جعفر عليهالسلام « قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال الله تعالى : إنّ من عبادي المؤمنين لمن يجتهد في
عبادتي ، فيقوم من رقاده ولذيذ وساده فيجتهد لي الليالي فيتعب نفسه في عبادتي
فأضربه بالنعاس الليلة والليلتين ، نظراً منّي له وإبقاءً عليه ، فينام حتى يصبح
فيقوم وهو ماقت لنفسه زارئ عليها ، ولو أُخلّي بينه وبين ما يريد من عبادتي لدخله
العجب من ذلك ، فيصيّره العجب إلى الفتنة بأعماله ، فيأتيه من ذلك ما فيه هلاكه
لعجبه بأعماله ورضاه عن نفسه ، حتى يظنّ أنّه قد فاق العابدين وجاز في عبادته حدّ
التقصير فيتباعد منِّي عند ذلك وهو يظن أنّه يتقرّب إليّ » .
__________________
وهي وإن كانت
واضحة الدلالة ، إلاّ أنّ السند ضعيف ، لاشتماله على داود بن كثير الرقي الذي
تعارض فيه التوثيق والتضعيف ، فلا يمكن التعويل عليها .
ومنها
: معتبرة عبد
الرحمن بن الحجاج قال : « قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : الرجل يعمل العمل وهو خائف مشفق ، ثم يعمل شيئاً من البر
فيدخله شبه العجب به ، فقال : هو في حاله الاولى وهو خائف أحسن حالاً منه في حال
عجبه » .
وهي أيضاً واضحة
الدلالة ، لأنّ مفادها أنّ المعصية مع الخوف أهون من العبادة مع العجب.
كما أنّها معتبرة
السند ، إذ ليس فيه من يتأمل فيه ما عدا محمد بن عيسى العبيدي الذي استثناه الصدوق
تبعاً لشيخه ابن الوليد من روايات يونس لكنّك عرفت غير مرّة ما في هذا الاستثناء ،
وأنّه محكوم بالتوثيق ، بل قيل إنّه من مثله ، ولمزيد التوضيح راجع معجم الرجال .
إذن فلا ينبغي
التأمّل في أنّ الإعجاب مبغوض عقلاً ، ومحرّم شرعاً ، بل قد عدّ من المهلكات فيما
رواه الصدوق بإسناده عن أبي حمزة الثمالي .
وإنّما الكلام في
أنّه هل يستوجب البطلان أيضاً أو لا؟ ظاهر الأصحاب هو الثاني ، وهو الصحيح.
__________________
أمّا في العجب
المتأخر فظاهر جدّاً ، لما تقدّم في الرياء اللاّحق من عدم تأثيره في السابق ، إذ
الشيء لا ينقلب عمّا وقع عليه.
وأمّا في المقارن
، فلأجل أنّ العجب فعل نفساني ، والصلاة عمل خارجي فلا اتحاد بينهما ليسري الفساد
منه إليها ، ولا دليل على بطلان الصلاة المقرونة بذلك بعد صدورها عن نيّة خالصة
كما هو المفروض ، وعدم خلل في شيء مما يعتبر فيها.
فالصحة إذن مطابقة
لمقتضى القاعدة. مضافاً إلى معتبرة يونس بن عمار ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « قيل له وأنا حاضر : الرجل يكون في صلاته خالياً فيدخله العجب ، فقال
: إذا كان أوّل صلاته بنية يريد بها ربّه فلا يضرّه ما دخله بعد ذلك فليمض في
صلاته وليخسأ الشيطان » فإنّ الراوي لم يذكر في كتب الرجال ، لكنّه موجود في أسناد
كامل الزيارات .
نعم ، ربّما
يستفاد الفساد مما رواه في الكافي بإسناده عن علي بن سويد ، عن أبي الحسن عليهالسلام قال : « سألته عن العجب الذي يفسد العمل ، فقال : العجب درجات : منها : أن يزيّن
للعبد سوء عمله فيراه حسناً فيعجبه ويحسب أنّه يحسن صنعاً ، ومنها : أن يؤمن العبد
بربّه فيمنّ على الله عزّ وجلّ ، ولله عليه فيه المنّ » .
فإنّ السند صحيح ،
إذ الظاهر أنّ المراد بالراوي هو علي بن سويد السائي الذي وثّقه الشيخ من غير معارض ، وقد دلّت على أنّ مفسديّة العجب في
__________________
الجملة أمر مسلّم
مفروغ عنه عند الراوي ، وقد أقرّه الإمام عليهالسلام على ذلك.
ولكنّ الظاهر
أنّها غير دالة على البطلان فيما نحن فيه ، فانّ الفساد في الدرجة الأُولى لم يطرأ
على العمل الصحيح الذي هو محل الكلام ، بل العمل كان فاسداً من الأوّل ، وإن حسب
المعجب أنّه يحسن صنعاً ، فتوصيف العجب بالمفسديّة من قبيل قولنا : ضيّق فم
الركيّة ، وقوله تعالى ( يُرِيدُ اللهُ
لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ ) كما لا يخفى.
وأمّا في الدرجة
الثانية فالفساد أيضاً واضح ، ضرورة أنّ المنّ مبطل للعمل كما يكشف عنه قوله تعالى
( لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ
وَالْأَذى ) فانّ المنّة إذا كانت مبطلة للصدقة المعطاة للفقير ، فكيف
لا تبطل الإيمان بالله الغني.
وأين هذا كلّه من
الفساد والذي نتكلّم حوله من إعجاب المرء بعبادته بحيث يرى نفسه غير مقصّر في مقام
العبودية ، ومؤدّياً لحقّ الربوبية. نعم ، هو مبغوض ومحرّم كما تقدم ، إلاّ أنّ
إبطاله للعمل لا دليل عليه سواء أكان بعده أم أثناءه.
وأمّا قبل العمل
فنادر جدّاً ، إذ لا موضوع له إلاّ بلحاظ إعجابه بما يروم ارتكابه من العبادة
وإعظامها.
وكيف ما كان ، فما
صنعه في المتن من الاحتياط الاستحبابي في مبطلية العجب المقارن حسن ، حذراً عن
مخالفة مَن ذهب إلى الإبطال على ما حكاه في الجواهر عن بعض مشايخه.
__________________
[١٤٢٤]
مسألة ١١ : غير الرياء من
الضمائم إمّا حرام أو مباح أو راجح فان كان حراماً وكان متحداً مع العمل أو مع جزء
منه بطل كالرياء ، وإن كان خارجاً عن العمل مقارناً له لم يكن مبطلاً ، وإن كان
مباحاً أو راجحاً فان كان تبعاً وكان داعي القربة مستقلا فلا إشكال في الصحة ، وإن
كان مستقلا وكان داعي القربة تبعاً بطل ، وكذا إذا كانا معاً منضمّين محرّكاً
وداعياً على العمل ، وإن كانا مستقلّين فالأقوى الصحّة ، وإن كان الأحوط الإعادة .
______________________________________________________
(١) ما قصده من
الضميمة إمّا أن يكون متّحداً مع ما أتى به بقصد القربة وإمّا أن يكون خارجاً عنه
مقارناً معه.
أمّا في الفرض
الثاني ، فلا إشكال في صحة العمل حتى فيما إذا كانت الضميمة محرّمة ، ولكن بشرط
عدم الإخلال بقصد القربة ، بأن كان الداعي الإلهي مستقلا ، سواء أكان داعي الضميمة
أيضاً كذلك أم لا.
وأمّا في الفرض
الأوّل ، فلا يخلو الحال من أنّ الضميمة إمّا أن تكون محرّمة أم لا ، سواء أكانت
راجحة أم مباحةً أم مكروهةً.
أمّا إذا كانت
الضميمة محرّمة فلا إشكال في بطلان العمل لما مرّ غير مرّة من عدم صلاحية الحرام
للتقرب به.
وهل يجدي التدارك
فيما إذا كانت الضميمة في خصوص الجزء أو لا؟
الكلام فيه هو
الكلام في المسألة السابقة ولا يفرق في الحكم بالبطلان بين الصور الأربع ، من كون
الداعيين مستقلّين أم منضمّين أم مختلفين ، فانّ الوجه المزبور يأتي في جميع الصور
ولذا حكم الماتن قدسسره بالبطلان على الإطلاق.
__________________
وأمّا إذا كانت
الضميمة مباحة أو راجحة أو مكروهة ، كالاتيان بالصلاة بداعي الأمر وتعليم الغير
تبرّعاً أو مع الأُجرة ، فإن كان داعي الضميمة تبعاً ، وداعي القربة مستقلا ، فلا
إشكال في الصحة ، لعدم قادحية مثل هذه الضميمة التبعية بعد أن لم تكن مخلّة بقصد
القربة الّذي هو المناط في صحة العبادة ، كما أنّه في فرض العكس لا ينبغي الشك في
البطلان من جهة عدم تحقق القربة ، إذ المفروض أنّ الأمر الإلهي في نفسه لم يكن
داعياً إلى الإتيان بالعبادة.
ومنه يعلم حكم ما
إذا كانا معاً منضمّين محرّكين وداعيين ، فإنّه أيضاً تكون الصلاة باطلة من جهة
الإخلال بقصد القربة.
وأمّا إذا كان كل
واحد منهما مستقلا في الداعوية ، وسبباً تامّاً في عالم الاقتضاء وكافياً في تحقيق
العمل منعزلاً عن الآخر ، وإن كان صدوره خارجاً مستنداً إليهما فعلاً ، لاستحالة
صدور الواحد عن سببين مستقلين ، فالحق صحة العمل حينئذ ، لصحة استناده إلى أمر
المولى بعد كونه في نفسه سبباً تامّاً في التأثير ، فإنّ ما دلّ على اعتبار القربة
في العبادة لا يدل على أزيد من اعتبار كون العمل منبعثاً عن الداعي الإلهي ، وأمّا
اعتبار عدم وجود محرّك آخر نحو العمل ، وخلوّه عن قصد آخر ، فالدليل المزبور قاصر
عن إثباته.
كما أنّ ما دلّ
على اعتبار الخلوص منصرف إلى ما يقابل الشرك في العبادة أعني الرياء ، كما أُشير
إليه في بعض الأخبار ولا أقل من عدم انعقاد إطلاق له بحيث يتناول سائر الضمائم
كما لا يخفى. إذن فلا مانع من الصحة لا من ناحية الخلوص ولا من ناحية القربة.
بل كثيراً ما لا
ينفك الرادع الإلهي عن مثل هذا القصد ، ألا ترى أنّ الوجيه والشريف بمقتضى مكانته
وكرامته بين الناس لا يكاد يتناول المفطر في السوق
__________________
[١٤٢٥]
مسألة ١٢ : إذا أتى ببعض
أجزاء الصلاة بقصد الصلاة وغيرها كأن قصد بركوعه تعظيم الغير والركوع الصلاتي ، أو
بسلامه سلام التحيّة وسلام الصلاة ، بطل إن كان من الأجزاء الواجبة قليلاً كان أم
كثيراً ، أمكن تداركه أم لا ، وكذا في الأجزاء المستحبة غير القرآن والذكر على
الأحوط وأمّا إذا قصد غير الصلاة محضاً فلا يكون مبطلاً إلاّ إذا
كان ممّا لا يجوز فعله في الصلاة ، أو كان كثيراً .
______________________________________________________
في شهر رمضان وإن
لم يكن صائماً ، حفظاً منه على شرافته ، فيكون كل من الأمرين داعياً إلى الاجتناب
عن المفطرات. فيظهر أنّ المدار في العبادية على إمكان داعوية الأمر الإلهي
وصلاحيّته للبعث ، وإن لم تستند الدعوة إليه بالفعل لمانع خارجي كما عرفت.
وبالجملة : كثرة
وقوع الفرض بين الناس ما عدا الأوحدي منهم خير شاهد على عدم اعتبار انفراد الداعي
الإلهي ، وأنّ العبرة بكونه علة تامة في البعث أو الزجر لا علة منحصرة ، وإن كان
هذا هو الفرد الكامل ، فالعمدة تمام العبودية ولا يعتبر كمالها. نعم ، الأحوط
الإعادة كما في المتن خروجاً عن شبهة الخلاف.
(١) تعرّض قدسسره في هذه المسألة
لحكم ما إذا أتى ببعض أجزاء الصلاة بعنوانين ، بقصد عنوان الجزئية وبقصد عنوان آخر
مغاير لها. فحكم قدسسره أنّ المأتي به إن كان من الأجزاء الواجبة بطل نفس الجزء ،
قليلاً كان أم كثيراً ، كما أنّه يكون مبطلاً لأصل العمل بقرينة قوله قدسسره : أمكن تداركه أم
لا ، فلا تصح الصلاة حتى مع التدارك.
وكأنّ الوجه فيه :
أنّ الفعل الواحد الشخصي لا يصلح أن يقع مصداقاً
__________________
لعنوانين متغايرين
، ووقوعه لأحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح. فهذا الجزء يكون بنفسه باطلاً ، لعدم
صلاحيّته لأن يقع جزءاً من الصلاة ، فلو تداركه بعنوان الصلاة فقط لوقعت الزيادة
العمدية في الصلاة فتبطل ، فالجزء الأوّل يكون باطلاً ومبطلاً. وهذا بخلاف ما لو
أتى من الأوّل بشيء من الأجزاء لا بقصد الصلاة ، بل بعنوان آخر ، فإنّه لا يكون
مبطلاً ، لعدم استلزام التدارك الزيادة العمدية ، إذ المفروض أنّ الجزء الأوّل لم
يأت به بعنوان الجزئية ولو منضماً.
هذا ، وأمّا إذا
كان المأتي به من الأجزاء المستحبّة ، فحكم قدسسره أنّه يكون أيضاً باطلاً ومبطلاً ، إلاّ إذا كان المأتي به
من القرآن أو الذكر.
أمّا حكمه قدسسره بالبطلان فلعين
ما مرّ. وأمّا الإبطال في غير الذكر والقرآن فهو مبني على أنّ مطلق الزيادة في
الصلاة وإن لم يكن من الأجزاء الواجبة مبطل. وأمّا استثناؤهما فلما دلّ على عدم
كون زيادتهما من الزيادة القادحة ، بل هما من الصلاة كما ورد من أنّه كلّ ما ذكرت
به ربّك في الصلاة ، أو كلّ ما قرأت من القرآن فهو من الصلاة .
أقول
: للمناقشة فيما
أفاده قدسسره مجال واسع. أمّا ما ذكره من الحكم ببطلان العمل فيما إذا كان المأتي به من
الأجزاء الواجبة ، فهو على إطلاقه ممنوع وذلك لأنّ العنوانين المقصودين قد يكونان
متنافيين وغير قابلين للاجتماع في شيء واحد بوجه كالمثالين المذكورين في المتن ،
فانّ الانحناء الركوعي في الصلاة لا بعنوان الصلاة يكون بمجرّده مبطلاً من جهة
الزيادة العمدية كما في السجود وما يكون مبطلاً كيف يمكن أن يقع جزءاً من الصلاة ،
فهما لا يجتمعان ، وكذا الحال في التسليم بعنواني الصلاة والتحيّة.
__________________
وقد لا يكونان متنافيين
وإن كانا متغايرين ، كالاتيان بالقراءة بعنوان الصلاة وبعنوان التعليم ، فانّ هذا
العنوان لا يكون من المبطلات.
أمّا
في الفرض الأوّل : فالمأتي به يكون فاسداً ومفسداً ، لا من جهة كبرى أنّ الفعل الواحد لا يمكن
أن يكون مصداقاً لعنوانين متغايرين ، لعدم كلية هذه الكبرى كما لا يخفى ، بل من
أجل أنّ هذا الركوع يكون بنفسه من الزيادة العمدية كالسجود ، وكذلك السلام ، وما
يكون مبطلاً للصلاة كيف يحسب جزءاً لها. فلا محالة يكون زيادة عمدية ، فتفسد
الصلاة من أجله.
ومنه يعلم أنّه
إذا أتى بالركوع أو السلام محضاً من غير قصد الصلاة يكون مفسداً لها أيضاً من جهة
الزيادة العمدية. فما ذكره قدسسره من نفي البطلان في هذا الفرض يكون على إطلاقه ممنوعاً
أيضاً.
وأمّا
في الفرض الثاني : فلا مانع من صحة المأتي به ، ولا وجه لكونه مفسداً للصلاة إذا لم يكن قصد
الصلاة تبعياً ، لأنّ المستفاد من الأدلة هو اعتبار كون الإتيان به منبعثاً عن
الأمر الإلهي والمفروض تحققه ، وأمّا اعتبار عدم انضمام شيء آخر إليه فلا دليل
عليه ، بل هذا عند التأمل والدقّة يكون من الضميمة في النيّة ، فتكون من صغريات
المسألة المتقدمة التي قد عرفت الحكم فيها بالصحة في مثل هذا الفرض.
فما أفاده صاحب
الجواهر قدسسره من اختلاف المسألتين موضوعاً نظراً إلى أنّ موضوع الضميمة
الفعل الواحد الّذي له غايات وأراد المكلف ضمّها بنية واحدة ، وموضوع هذه المسألة
قصد المكلف كون الفعل الواحد المشخّص مصداقاً لكليين متغايرين ، وحكمه أنّه لو نواه
لكل منهما لم يقع لشيء منهما ، لأصالة عدم التداخل في الأفعال عقلاً وشرعاً ،
ولذا لو نوى بالركعتين
__________________
الفرض والنفل لم
يقع لأحدهما ، كل ذلك محل تأمل ومنع.
أمّا مثاله الأخير
، فلأنه تختلف كل من الفرض والنفل عن الآخر ماهية من جهة اختلافهما في الآثار
والأحكام ، فلا مورد للنقض بذلك كما لا يخفى.
وأمّا التداخل ،
فقد ذكرنا في محلّه أنّ الأصل في المسببات هو التداخل فيما لو أمر بعنوانين
كان بينهما العموم من وجه كإكرام العالم والهاشمي ، فأكرم من يكون متّصفاً
بالوصفين ، فإنّه قد امتثل كلا الأمرين ، ومن ثمّ التزمنا بالتداخل بين الغفيلة
ونافلة المغرب.
والحاصل
: أنّ العنوانين
إذا لم يكونا متنافيين لا مانع من قصدهما معاً مع مراعاة الشرط المتقدم.
وأمّا تفكيك
الماتن في الأجزاء المستحبة بين القرآن والذكر وغيرهما كجلسة الاستراحة ، فلا نعرف
له وجهاً صحيحاً ، فإنّه إذا كان الوجه في إبطال مثل الجلسة لزوم الزيادة العمدية
ولو باعتبار أنّ الأصل عدم التداخل ، وعدم كون فعل واحد مصداقاً لعنوانين ، فهذا
الوجه بعينه يتمشّى في القرآن والذِّكر أيضاً ضرورة أنّه إذا لم يقع مصداقاً لشيء
من العنوانين فلا محالة لا يكون مأموراً به فتقع زيادة في الصلاة ، حيث إنّ
المفروض قصد جزئيّته ولو على نحو الاستحباب وإذا قلنا بعدم قادحية الضميمة وأنّ
الأصل هو التداخل ، فالجلسة أيضاً لا بدّ من الالتزام بصحتها وعدم كونها مفسداً.
فالتفكيك بينهما لا وجه له.
هذا ، ولكنّ التحقيق
هو صحة هذا الجزء وعدم كونه مفسداً على الإطلاق من غير فرق بين الذكر والقرآن
وغيرهما ، وذلك لما بيّناه في محلِّه من أنّه لا معنى
للجزء المستحب ، فانّ مقتضى الجزئية هو تقوّم المركّب بهذا الشيء ، ومعنى
__________________
[١٤٢٦]
مسألة ١٣ : إذا رفع صوته
بالذكر أو القراءة لإعلام الغير لم تبطل ، إلاّ إذا كان قصد الجزئية تبعاً وكان من
الأذكار الواجبة .
______________________________________________________
الاستحباب جواز
تركه ، وهذان الأمران مما لا يكاد اجتماعهما ، فالتعبير بذلك يكون مبنياً على ضرب
من المسامحة ، بل هو عمل مستقل تعلق به أمر نفسي غايته أنّ وعاءه هو الصلاة ، كما
في كثير من الأدعية المأثورة للصائم في شهر رمضان ، فيكون موجباً لمزية الفرد الذي
يشتمل عليه.
فعليه لو أتى به
قاصداً غير الصلاة أيضاً ، يكون لغواً من دون أن تتّصف بالزيادة العمدية كي توجب
فساد الصلاة ، فلا يكون وجوده قادحاً في الصلاة بل غايته عدم ترتّب المزيّة
والفضيلة على الفرد المأتي به في ضمنه كما هو ظاهر.
(١) فانّ الواجب
على المكلّف المتصدِّي للعبادة إنّما هو الإتيان بالطبيعة المأمور بها بقصد القربة
، وأمّا الخصوصيات المكتنفة بها الأفراد من الإتيان في الزمان أو المكان ، أو مع
اللباس المعيّن ونحوها ، كاختلاف مراتب رفع الصوت أو خفضه في الصلوات الجهرية أو
الإخفاتية ، فكلّها خارجة عن حريم المأمور به ، ولا يعتبر فيها قصد التقرب وكان
أمر التطبيق بيد المكلف ، فله اختيار ما شاء من الخصوصيات الفردية.
وعليه فلو أتى
بذات الجزء الواجب بداعي الأمر الإلهي وقد رفع صوته بداعي الاعلام مثلاً ، لم يكن
به بأس ، لعدم قدحه في حصول الامتثال بوجه إلاّ إذا كان الرفع المزبور مقصوداً
بالذات وكانت جزئية أصل الذكر مقصودة بالتبع ، فإنّه يبطل لعدم كفاية القصد التبعي
في صدق التعبد كما تقدّم . فالجزء
__________________
ولو قال الله أكبر
مثلاً بقصد الذِّكر المطلق لإعلام الغير لم يبطل ، مثل سائر
الأذكار التي يؤتى بها لا بقصد الجزئية.
[١٤٢٧]
مسألة ١٤ : وقت النيّة
ابتداء الصلاة وهو حال تكبيرة الإحرام وأمره سهل بناءً على الداعي وعلى الاخطار
اللاّزم اتصال آخر النيّة المخطرة بأوّل التكبير ، وهو أيضاً سهل.
______________________________________________________
باطل لفقدان النية
، بل ومبطل للصلاة لنقصان الجزء إن اقتصر عليه ، وللزيادة العمدية إن تداركه ، بل
وإن لم يتدارك كما لا يخفى.
وعلى
الجملة : مجرّد ضمّ نيّة
أُخرى في خصوصيات الأفراد لم يكن قادحاً في الصحة كما هو الحال في غير المقام
أيضاً. فلو كان عنده ماءان طاهران أحدهما نظيف دون الآخر ، فاختار النظيف للوضوء
وللتنظيف لم يكن به بأس بعد أن كان قاصداً للامتثال في أصل الوضوء مستقلا.
(١) كما نطقت به
جملة من النصوص التي منها صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليهالسلام قال : « سألته عن الرجل يكون في صلاته ، وإلى جنبه رجل
راقد فيريد أن يوقظه ، فيسبّح ويرفع صوته لا يريد إلاّ ليستيقظ الرجل ، هل يقطع
ذلك صلاته ، وما عليه؟ قال : لا يقطع ذلك صلاته ولا شيء عليه » ونحوها غيرها.
(٢) وهو القصد
الإجمالي الكامن في أُفق النفس الباعث نحو العمل في كافة الأفعال الاختيارية التي
منها الصلاة ، من غير فرق إلاّ في الانبعاث عن قصد التقرّب ، فهو إذن في غاية
السهولة.
__________________
[١٤٢٨]
مسألة ١٥ : يجب استدامة
النيّة إلى آخر الصلاة ، بمعنى عدم حصول الغفلة بالمرّة بحيث يزول الداعي على وجه
لو قيل له ما تفعل يبقى متحيِّراً ، وأمّا مع بقاء الداعي في خزانة الخيال فلا تضرّ الغفلة ،
ولا يلزم الاستحضار الفعلي .
______________________________________________________
وهكذا الحال بناءً
على تفسيرها بالإخطار الراجع إلى إحضار صورة العمل بتمامه في الذهن مقارناً
للتكبير ، وهو أيضاً لا صعوبة فيه وإن كان الأوّل أسهل ، وما عدا ذلك هواجس
نفسانية ، بل وساوس شيطانية ينبغي للعاقل الاجتناب عنها ، وعدم الاشتغال بها
وإتلاف الوقت في سبيلها.
وقد حكي عن بعض
الأكابر أنّه لو وجب على الإنسان أن يصلي بلا نيّة لتعذّر ، ضرورة أنّ الفعل
الاختياري لا بدّ وأن يصدر مع القصد ولا يمكن تفكيكه عنه ، فالصعوبة إذن في ترك
النيّة لا في فعلها.
(١) لكشف التحيّر
عن زوال تلك النيّة الإجمالية الارتكازية عن أُفق النفس ، إذ مع بقائها لزم
الالتفات إليها بأدنى توجه.
وبالجملة :
فالعبرة في الاستدامة باستناد العمل بقاءً إلى ما كان مستنداً إليه حدوثاً ، من
غير فرق إلاّ من ناحية الالتفات التفصيلي والإجمالي.
والوجه في وجوب
الاستدامة واضح ، ضرورة عدم صدق الإتيان بتمام أجزاء المركب عن نيّة إلاّ بذلك.
(٢) أي في تمام
حالات الصلاة تفصيلاً ، إذ مضافاً إلى تعذّره غالباً ، بل ومنافاته مع الخشوع
وحضور القلب المرغوب فيه في الصلاة ، لا دليل عليه بوجه.
[١٤٢٩]
مسألة ١٦ : لو نوى في أثناء
الصلاة قطعها فعلاً أو بعد ذلك أو نوى القاطع والمنافي فعلاً أو بعد ذلك ، فإن
أتمّ مع ذلك بطل. وكذا لو أتى ببعض الأجزاء بعنوان الجزئية ثم عاد إلى النيّة
الأُولى ، وأمّا لو عاد إلى النيّة الأُولى قبل أن يأتي بشيء لم يبطل ، وإن كان
الأحوط الإتمام والإعادة. ولو نوى القطع أو القاطع وأتى ببعض الأجزاء لا بعنوان
الجزئية ثم عاد إلى النيّة الأُولى فالبطلان موقوف على كونه فعلاً كثيراً ، فان كان قليلاً
لم يبطل خصوصاً إذا كان ذكراً أو قرآناً ، وإن كان الأحوط الإتمام والإعادة أيضاً .
______________________________________________________
(١) بعد الفراغ عن
اعتبار النيّة في تمام أجزاء الصلاة واستدامتها إلى آخرها تعرّض قدسسره لمسألة القطع وهي
تنحل إلى فروع ، ونحن نرتّبها على خلاف الترتيب المذكور في المتن ، لكونه أسهل
تناولاً كما ستعرف.
فمنها
: أنّه لو نوى
القطع أو القاطع في أثناء الصلاة فعلاً أو بعد ذلك ، ثم عاد إلى النية الأُولى قبل
أن يأتي بشيء ، فالمشهور حينئذ هو بطلان الصلاة. وذهب المحقق في الشرائع وجملة من المتأخرين منهم السيّد قدسسره في المتن إلى الصحة.
واستدلّ للمشهور
بوجوه لا ينبغي التعرّض لأكثرها لوضوح فسادها. والعمدة منها إنّما هو وجه واحد وحاصله
: أنّ المستفاد من أدلّة القواطع كقوله عليهالسلام : إنّ القهقهة أو الحدث أو التكلّم يقطع الصلاة ، وكذا ممّا دلّ على أنّ
__________________
افتتاحها التكبير
واختتامها التسليم ، أنّ للصلاة هيئة اتصالية ملحوظة بين المبدأ والمنتهى ،
وأنّها معتبرة في الصلاة ، فكما أنّ الأجزاء من الأفعال والأذكار من الصلاة ،
فكذلك الأكوان والآنات المتخللة بينها ، فلا بدّ من مراعاة النيّة واستدامتها في
جميعها حتى في تلك الأكوان ، لكونها منها كسائر الأجزاء ، والنيّة شرط في جميعها ،
فكما أنّ الإخلال بسائر الشروط كالاستدبار والحدث والتكلّم ونحوها يوجب البطلان
حتى في تلك الأكوان بلا إشكال ، فكذا استدامة النيّة وحيث إنّ نيّة القطع تستوجب الإخلال
بالنيّة في هذه القطعة من الزمان ووقوعها عن غير نيّة ، فلا محالة توجب بطلان
الصلاة.
وبعبارة أُخرى :
نيّة القطع إمّا أن توجب قطع الصلاة والخروج عنها المساوق لبطلانها أو لا. فعلى
الأوّل فهو المطلوب ، وعلى الثاني وتسليم كونه بعد في الصلاة ، فحيث إنّ هذا الكون
الصلاتي عارٍ عن النيّة لا محالة فتختل استدامة النيّة في هذه القطعة من الزمان
بالضرورة فيوجب البطلان من أجل فقدان الشرط قهراً.
وهذا أحسن ما قيل
في وجه البطلان ، وأمّا بقية الوجوه فكلّها ضعيفة ساقطة التي منها ما قيل من أنّ
النيّة الأُولى بعد زوالها لا يجدي الرجوع إليها ، لفوات المقارنة لأوّل العمل ،
ولا بدّ من صدور العمل عن نيّة سابقة عليه.
إذ فيه : أنّ
النيّة اللازم سبقها على العمل هي نيّة المجموع والمفروض سبقها عند النيّة الأُولى
، وأمّا نيّة الجميع أي نيّة كل جزء جزء قاصداً به الأمر الضمني المتعلِّق به ،
فهو مقارن لكل جزء لا سابق عليه ، وهو حاصل بعد الرجوع والعود كما لا يخفى. وهكذا
غيره من سائر الوجوه التي لا يخفى ضعفها على من لاحظها ، فالعمدة إذن هو الوجه
الذي عرفته.
__________________
والجواب : أنّا
نختار الشق الثاني ، وأنّ مجرد نيّة القطع أو القاطع لا يوجب الخروج عن الصلاة.
قولكم إنّ اللاّزم منه الإخلال باستدامة النيّة في الأكوان المتخللة ، فيه : أنّه
لا دليل على اعتبار الاستدامة فيما عدا الأجزاء من الأفعال والأذكار.
وأمّا الاستشهاد
لذلك بأدلّة القواطع ، وبحديث التحليل والتحريم المستكشف بهما رعاية الهيئة
الاتصالية ، فيدفعه : أنّ غاية ما يثبت بها أنّ المصلِّي بعد شروعه في الصلاة ما
لم يأت بالمنافي ولم يسلّم فهو في الصلاة وليس خارجاً عنها ، أي انّ الأجزاء
السابقة صالحة لأن تنضمّ إليها الأجزاء اللاّحقة ، وأين هذا من كون الأكوان
المتخللة من الصلاة حتى يعتبر فيها ما يعتبر في الأجزاء وكم فرق بين الكون في
الصلاة وبين أن يكون الشيء من الصلاة. والمستفاد من تلك الأدلة إنّما هو الأوّل
دون الثاني كما هو ظاهر.
بل إنّ المستفاد
من صحيحة حماد الواردة في بيان كيفية الصلاة وما لها من الأجزاء ، عدم
كون الأكوان المتخللة منها ، لعدم التعرض إليها.
وعليه فلا دليل
على لزوم مراعاة النيّة في الأكوان المتخللة كي يصادمها نيّة القطع أو القاطع ،
فلو عاد عن نيّته ورجع إلى النيّة الأُولى صحّت صلاته للتحفّظ على استدامة النيّة
فيما تعتبر فيه من الأجزاء أعني الأفعال والأذكار.
هذا ، ومع التنزّل
عن ذلك والشك في اعتبار النيّة في الأكوان ، فتكفينا أصالة البراءة عن اعتبارها
فيها بعد إمكان أخذها فيها شرعاً بناءً على ما هو الصحيح من جواز الرجوع إليها في
الأقل والأكثر الارتباطيين.
وممّا ذكرنا يظهر
حال فرع آخر وإن لم يتعرّض له في المتن ولعلّه لوضوحه ـ
__________________
وهو ما لو تردد في
القطع ثم عاد إلى النيّة الأُولى قبل أن يأتي بشيء ، فإنّ الصحة حينئذ بطريق أولى
، إذ الحكم بالصحة مع نيّة القطع الجزمية يستوجب الحكم بها مع الترديد بالأولوية.
على أنّ بعض الوجوه المذكورة للبطلان هناك غير جارٍ هنا كما لا يخفى.
ومنها
: لو نوى القطع أو
القاطع فعلاً أو بعد ذلك وأتمّ صلاته مع هذه الحالة ، وقد حكم في المتن بالبطلان
حينئذ ، وحيث إنّ المنافاة بين نيّة القطع المساوقة لرفع اليد عن الصلاة والخروج
عنها ، وبين الإتمام بعنوان الصلاة ظاهرة ، لما بينهما من المضادة ، ويمتنع القصد
فعلاً إلى المتضادين معاً ، فلا بدّ من فرض كلامه قدسسره فيما إذا كان الإتمام لا بعنوان الصلاة ، بل بعنوان آخر من
التعليم ونحوه ، أو بأن ينوي القطع في مقام الامتثال ، بأن يفرض الأجزاء السابقة
كالعدم ويبني على استئناف العمل وإن لم يقطعها خارجاً.
وكيف ما كان ،
فالظاهر هو البطلان سواء اقتصر عليها أم تدارك الأجزاء المأتي بها بعد نيّة القطع.
أما الأوّل فظاهر ، للإخلال بقصد الجزئية واستدامة النيّة المعتبرة في الصلاة.
وكذا الثاني ، للزوم الزيادة لو تداركها ، ولا أقل من حيث زيادة السلام المبطل لها
بلا إشكال.
ومنه يظهر حكم ما
لو أتى ببعض الأجزاء كركعة مثلاً ثم عاد إلى النيّة الأُولى قبل إتمام الصلاة ،
فإنّه يحكم أيضاً بالبطلان ، سواء اقتصر عليها أم تداركها ، للإخلال بقصد الجزئية
على الأوّل كما مرّ ، وللزوم الزيادة على الثاني في مثل الركوع والسجود ، فانّ
المأتي منهما أوّلاً وإن لم يكن بعنوان الجزئية كما عرفت إلاّ أنّ المستفاد ممّا
دلّ على المنع من قراءة سور العزائم في الصلاة معللاً بلزوم السجدة وأنّها زيادة
في المكتوبة ، أنّ مطلق الركوع والسجود زيادة في الصلاة وإن لم يقصد بهما الجزئية
كما في سجدة التلاوة.
نعم ، لو لم تكن
تلك الأجزاء من قبيل الركوع والسجود ، كما لو نوى القطع وهو في الركعة الثانية
مثلاً فقرأ الفاتحة والسورة مع هذه الحالة ثم عاد إلى النيّة الأُولى قبل الركوع
وتدارك القراءة ، فالظاهر الصحة ، لعدم اتصاف تلك القراءة بالزيادة بعد أن لم يقصد
بها الجزئية كما هو المفروض اللهمّ إلاّ أن تكون تلك الأجزاء كثيرة ، كما لو قرأ
سورة طويلة بحيث كانت ماحية لصورة الصلاة فتوجب البطلان حينئذ من هذه الجهة.
وملخّص الكلام :
أنّه مع نيّة القطع لو أتمّ الصلاة كذلك فهي محكومة بالبطلان مطلقاً ، ولو عدل إلى
النيّة الأُولى قبل الإتمام فيفصّل حينئذ بين ما إذا كانت الأجزاء المأتي بها في
تلك الحالة من الأركان كالركوع والسجود ، وبين ما كانت من غيرها كالقيام والقراءة
ونحوهما فيحكم بالبطلان في الأُولى سواء تداركها أم لا ، وبالصحة في الثاني مع
التدارك ، إلاّ إذا كانت كثيرة ماحية للصورة.
هذا كله فيما إذا
نوى القطع فعلاً ، وأمّا إذا نوى القطع بعد ذلك فالظاهر البطلان مطلقاً ، أي سواء
أتمّها أم عدل إلى النيّة الأُولى قبل الإتمام ، وسواء أكانت من الأركان أم لا ،
وسواء تداركها أم لا ، لأنّ الأجزاء المأتي بها لم يقصد بها الأمر الصلاتي قطعاً ،
إذ لا يجامع ذلك مع العزم على القطع فيما بعد ، ولا بدّ في الصحة من استدامة
النيّة إلى آخر الصلاة ، الملازم للانبعاث عن الأمر النفسي المتعلق بمجموع الصلاة
بمقتضى فرض الارتباطية الملحوظة بين الأجزاء ، فهو غير قاصد لامتثال الأمر عند
الإتيان بتلك الأجزاء ، فهو كمن دخل في الصلاة غير قاصد إلاّ إلى ركعة واحدة منها
، التي بطلانها أظهر من أن يخفى.
__________________
فلم تقع تلك
الأجزاء مصداقاً للمأمور به ، وحيث إنّه يأتي بها بعنوان الجزئية كما هو لازم فرض
البناء على القطع فيما بعد لا فعلاً فلا ينفعه التدارك بعدئذ ، لاستلزامه اتصاف
هذه الأفعال بالزيادة العمدية المبطلة ، إذ لا نعني بها إلاّ الإتيان بشيء بعنوان
الجزئية ، ولم يكن منها المنطبق على المقام فيحكم بالبطلان وإن لم تكن من الأركان.
ومنه يظهر الفرق
بين هذه الصورة والصورة السابقة ، أعني نيّة القطع فعلاً فإنّ الأفعال لم يقصد بها
الجزئية هناك بخلاف المقام.
هذا كلّه في نيّة
القطع. وأمّا إذا نوى القاطع ومع ذلك استمرّ في العمل وأتى بالأجزاء ، فإمّا أن
ينويه فعلاً أو بعد ذلك.
أمّا
في الأوّل : فالظاهر الصحة ،
ضرورة أنّ الاستمرار في العمل مع البقاء على نيّة القاطع فعلاً ممّا لا يجتمعان ،
فإنّهما متضادان ، للتضاد بين التكلّم مثلاً والصلاة المقيدة بعدمه ، فمقتضى العزم
على القاطع رفع اليد عن الصلاة ، فكيف يجامع مع الإدامة بها والإتيان بالأفعال
بقصد الجزئية ، فلا يمكن تصحيح الفرض إلاّ بالعدول إلى النيّة الأُولى قبل الأخذ
في الاستمرار ، وقبل أن يأتي بشيء من الأفعال ، فيرجع حينئذ إلى الفرع الأوّل
الّذي ذكرناه في صدر المسألة ، أعني ما لو نوى القطع أو القاطع ثم عدل إلى النيّة
الأُولى قبل أن يأتي بشيء ، وقد عرفت هناك بما لا مزيد عليه أنّ الأقوى الصحة.
وأمّا
الثاني : أعني نيّة القاطع
فيما بعد ، فيظهر حكمه مما مرّ آنفاً في نيّة القطع فيما بعد ، الذي عرفت أنّ
الأقوى البطلان حينئذ في جميع الصور. هكذا ينبغي أن تحرّر المسألة ، وفي عبارة
الماتن في المقام خلط وتشويش كما لا يخفى على من لاحظها.
[١٤٣٠]
مسألة ١٧ : لو قام لصلاة
ونواها في قلبه فسبق لسانه أو خياله خطوراً إلى غيرها صحّت على ما قام إليها ، ولا
يضرّ سبق اللسان ولا الخطور الخيالي .
[١٤٣١]
مسألة ١٨ : لو دخل في
فريضة فأتمّها بزعم أنّها نافلة غفلة أو بالعكس صحّت على ما افتتحت عليه .
______________________________________________________
(١) قد عرفت أنّ
المناط في النيّة التي عليها تبتني صحة العمل هو الانبعاث عن إرادة نفسية ارتكازية
باعثة على ارتكاب العمل وإن لم يلتفت إليها فعلاً بالتفصيل ، وعليه فلا أثر لسبق
اللسان ولا الخطورات الزائدة بعد صدور العمل عن تلك النيّة الارتكازية ، فشيء
منها غير قادح فيها.
(٢) ربما يعلل
الحكم بمطابقته للقاعدة ، حيث إنّ الإتمام منبعث عن النيّة الاولى لا غير ، فغايته
أنّ تخيل الخلاف يكون من باب الخطأ في التطبيق والاشتباه في تعيين المنوي ، وذلك
ممّا لا دخل له في الإتمام ، فلا يقدح في الصحة على ما افتتحت عليه.
وفيه
: أنّ باب الخطأ في
التطبيق أجنبي عن أمثال المقام ممّا يتقوّم الامتثال بالقصد ، ولا واقع له وراء ما
نواه وقصده ، وإنّما يجري فيما لو كان الاشتباه في الأُمور الخارجية الأجنبية عن
حريم الامتثال ، كما لو أتى بالعمل بداع قربي باعتقاد أنّه واجب فتبيّن أنّه مستحب
، أو بالعكس ، أو صام يوماً بتخيّل أنّه يوم مبارك كالجمعة مثلاً فتبيّن الخلاف ،
أو صلى خلف من في المحراب باعتقاد أنّه زيد فبان عمراً ونحو ذلك ، فانّ كون الأمر
وجوبياً أو استحبابياً أو اليوم ذا فضيلة وعدمه ، أو من في المحراب زيداً أو عمراً
لا دخل لشيء من ذلك في تحقّق الامتثال بعد الإتيان بذات العمل على وجهه بداع
قربي.
فتخيل الخلاف
والاشتباه في التطبيق غير قادح في الصحة في أمثال ذلك لكون المأتي به مصداقاً
للمأمور به الواقعي ، فالانطباق قهري والإجزاء عقلي.
وأمّا إذا كان
المأمور به في حدّ ذاته متقوّماً بالقصد بحيث لا واقع له وراء ذلك ، فقصد الخلاف
قادح في مثله بالضرورة ، لعدم انطباق المأمور به على المأتي به بعد الإخلال بالقصد
الدخيل في حقيقته.
فلو اعتقد أنّ
عليه فريضة قضائية فنواها ، ثم تبيّن أنّ الذمة غير مشغولة إلاّ بالأدائية ، أو
اعتقد الإتيان بنافلة الفجر فصلى فريضته ، أو أراد بيع شيء فاشتبه ووهبه ، فإنّها
لا تقع أداءً في الأوّل ، ولا نافلة في الثاني ، ولا بيعاً في الثالث بلا إشكال.
والسرّ هو ما عرفت
من تقوّم تلك الأُمور بالقصود ودخلها في تحقّق الامتثال وقد تجرّد العمل عنها ،
فلا تقع مصداقاً للمأمور به قطعاً ، ولا شك أنّ المقام من هذا القبيل ، فانّ قصد
الفريضة والاستدامة على هذا القصد إلى آخر العمل دخيل في صحتها ووقوعها فريضة ،
فلو عدل عنها في الأثناء إلى النافلة غفلة فهي لا تقع مصداقاً للفريضة للإخلال
بالنيّة بقاءً ، كما أنّها لا تقع مصداقاً للنافلة لعدم القصد إليها حدوثاً ، وكذا
الحال فيما لو دخل في النافلة فأتمّها فريضة فإنّها لا تقع مصداقاً لشيء منهما ،
ومن المعلوم أنّه ليست في الشريعة المقدّسة صلاة ملفّقة من الفريضة والنافلة.
وعلى
الجملة : فلا يمكن تصحيح
هذه الصلاة على طبق القواعد بل مقتضى القاعدة بطلانها كما عرفت ، وإنّما المستند
الوحيد في صحتها ووقوعها على ما افتتحت عليه هي الروايات الخاصة الواردة في المقام
، وعمدتها صحيحة عبد الله ابن المغيرة قال في كتاب حريز أنّه قال : « إنِّي نسيت
أنِّي في صلاة فريضة ( حتى ركعت ) وأنا أنويها تطوّعاً. قال : فقال عليهالسلام هي التي قمت فيها ، إذا
كنت قمت وأنت تنوي
فريضة ثم دخلك الشك فأنت في الفريضة ، وإن كنت دخلت في نافلة فنويتها فريضة فأنت
في النافلة ، وإن كنت دخلت في فريضة ثم ذكرت نافلة كانت عليك مضيت في الفريضة » .
ودلالتها على
المطلوب ظاهرة ، والمراد من الشك في قوله عليهالسلام « ثم دخلك الشك » السهو كما يطلق عليه كثيراً في لسان
الأخبار ، والسند صحيح فإنّ إبراهيم بن هاشم موثق ، وكذا عبد الله بن المغيرة الذي
هو من أصحاب الكاظم عليهالسلام ، ولا يقدح روايته عن كتاب حريز لا عنه نفسه كي يتأمل في
طريقه إلى الكتاب ، فانّ حريزاً وإن كان من أصحاب الصادق عليهالسلام لكنّه بقي بعد وفاته عليهالسلام بل قيل إنّه روى عن الكاظم عليهالسلام وإن منعه النجاشي . وكيف كان فهو
معاصر لابن المغيرة ، بل إنّ كثيراً من أصحاب الكاظم عليهالسلام رووا عن حريز بلا واسطة ،
وعليه فطبع الحال يقتضي أن يكون كتابه معروفاً لديهم وواصلاً إليهم بطريق معتبر
فروايته عنه إخبار عن الحسّ دون الحدس كما لا يخفى.
وهناك روايتان
أُخريان موافقتان مع الصحيحة المتقدمة بحسب المضمون مؤيّدتان للمطلوب ، إحداهما :
رواية معاوية ، والأُخرى رواية عبد الله بن
__________________
[١٤٣٢]
مسألة ١٩ : لو شكّ فيما في
يده أنّه عيّنها ظهراً أو عصراً مثلاً ، قيل بنى على التي قام إليها ، وهو مشكل ، فالأحوط
الإتمام والإعادة نعم لو رأى نفسه في صلاة معيّنة وشكّ في أنّه من الأوّل
نواها أو نوى غيرها ، بنى على أنّه نواها وإن لم يكن مما قام إليه ، لأنّه يرجع
إلى الشك بعد تجاوز المحل.
______________________________________________________
أبي يعفور إلاّ أنّ سندهما لا يخلو عن الخدش ، لضعف طريق الشيخ إلى العياشي فلا تصلحان
إلاّ للتأييد.
(١) تارة يفرض
الكلام في المترتبتين كالظهرين والعشاءين ، وأُخرى في غيرهما كالفريضة والنافلة ،
والأداء والقضاء ونحوهما.
أمّا في الاولى :
فلا ينبغي الإشكال في الصحة في فرض صحة العدول وبقاء محلّه ، كما لو علم بعدم
الإتيان بالظهر ، أو شكّ فيه ورأى نفسه في صلاة لم يدر أنّه دخل فيها بعنوان الظهر
أو العصر ، فإنّه يعدل بها إلى الظهر ويتمّها كذلك وتصح بلا إشكال ، لأنّه إن دخل
فيها بعنوان الظهر فهو ، وإلاّ فله العدول إليه وهذا لا غبار عليه.
وكذا الحال في
العشاءين مع بقاء محل العدول ، كما لو كان الشك المزبور قبل الدخول في ركوع الركعة
الرابعة.
وأمّا إذا لم يكن
المورد من موارد العدول ، كما إذا كان شكّه فيما في يده بعد العلم بالإتيان
بالصلاة الاولى من الظهر أو المغرب ، أو فرض الكلام في غير
__________________
المترتبتين
كالفريضة والنافلة ، والأداء والقضاء ، فتارة يعلم أنّه قام إلى صلاة معيّنة ويشك
في أنّه دخل فيها بالعنوان الذي قام إليه ، وأُخرى لا.
أمّا الثاني ، فلا
إشكال في البطلان ، لعدم إحراز النيّة كما هو ظاهر.
وأمّا في الأوّل ،
فربّما يقال بالصحة ووقوعها على التي قام إليها ، ويستدل له تارة : بأصالة عدم
العدول عما قام إليه ، وأُخرى : بخبر ابن أبي يعفور المتقدم فانّ قوله عليهالسلام في صدره : « هي التي قمت فيها ولها » شامل للمقام وظاهر في أنّ المدار على ما
قام إليه وإن دخله الشك بعدئذ.
وفي كلا الوجهين
ما لا يخفى ، فانّ العدول ليس بنفسه حكماً شرعياً ولا موضوعاً ذا أثر ، وإنّما
اللاّزم إحراز استناد الصلاة إلى النيّة التي قام إليها وإثبات ذلك باستصحاب عدم
العدول من أظهر أنحاء الأصل المثبت كما لا يخفى.
وأمّا الخبر فصدره
وإن لم يأب عن الشمول للمقام كما عرفت إلاّ أنّ ذيله شاهد على الخلاف ومفسّر
للمراد من الصدر ، فانّ قوله عليهالسلام : « وإن كنت دخلت فيها وأنت تنوي ... » إلخ ، وقوله عليهالسلام : « إنّما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ في أوّل صلاته » ، يشهد بأنّ
المراد مراعاة النيّة التي افتتح بها صلاته ودخل فيها بها ، لا ما قام إليها وإن
لم يدر أنّه ابتدأ بها في أوّل صلاته أم لا كما في المقام. فالرواية ناظرة إلى
المسألة السابقة ، وهي ما لو دخل في الصلاة بنية معيّنة ثم أتمّها بنية أُخرى غفلة
، وأجنبية عن المقام رأساً كما هو ظاهر.
هذا ، مضافاً إلى
عدم خلوّ سندها عن الخدش ، لضعف طريق الشيخ إلى العياشي كما مرّ ، وإن كان رجال
السند كلّهم موثقين مع الغض عن الطريق المزبور.
فتحصّل
: أنّ الأقوى هو
الحكم بالبطلان في مثل ذلك ، لقاعدة الاشتغال بعد الشك في صدور النيّة على وجهها.
هذا كلّه فيما إذا
كان شكه فيما في يده على نحو يشك في حالته الفعلية أيضاً.
وهناك نوع آخر
تعرّض له في المتن ، وهو ما إذا لم يتعلّق الشك بالحالة الفعلية ، فيرى نفسه فعلاً
في صلاة العصر مثلاً وشكّ في أنّه نواها من الأوّل كي تصح ، أو نوى غيرها كالظهر
مثلاً كي لا تصح ، لعدم جواز العدول من السابقة إلى اللاّحقة. وليفرض الكلام فيما
لو كان آتياً بصلاة الظهر وإلاّ إمّا جزماً أو احتمالاً فيعدل بها إليه ويتمّها
ظهراً ولا إشكال كما تقدّم ، أو رأى نفسه في الفريضة وشكّ في أنّه نواها من الأوّل
، أو نوى النافلة.
حكم في المتن
حينئذ بالصحة ، وأنّه يبني على أنّه نواها كذلك من الأوّل وإن لم يكن ممّا قام
إليه ، وعلّله بأنّه يرجع إلى الشك بعد تجاوز المحل.
أقول
: إن أراد قدسسره إجراء قاعدة
التجاوز في نفس النيّة ابتداءً فعليه إشكال ظاهر كما ستعرف ، وإن أراد إجراء
القاعدة في شيء آخر يلازم الشك في النيّة بحيث يكون مرجعه إلى الشك بعد تجاوز
المحل على وجه دقيق لا أنّه منه ابتداءً ، كما لا يبعد ظهور العبارة فيه ، للتعبير
بقوله : لأنّه يرجع ... إلخ فهو في غاية الجودة ، ويحكم بصحة الصلاة من أجل ذلك ،
وبيانه : أنّه ربّما يشكل في المقام بعدم جريان قاعدة التجاوز بالإضافة إلى النيّة
، لعدم كونه من الشك بعد تجاوز المحل ، لتوقفه على أن يكون للمشكوك فيه محل موظف
مقرر له بحيث كان تركه تركاً لما ينبغي أن يفعل ، كما لو شكّ في القراءة بعد ما
ركع ، أو فيه بعد ما سجد وهكذا ، فانّ محل القراءة سابق على الركوع وهو على
السجود.
ومعلوم أنّ الشك
في النيّة ليس من هذا القبيل ، فإنّ نيّة صلاة العصر مثلاً إنّما يكون محلّها
قبلها وينبغي فعلها فيما إذا كانت الصلاة معنونة بصلاة العصر
__________________
لا نافلتها مثلاً
، وإنّما تكون معنونة بالعصر فيما إذا سبقتها نيّة العصر لا كل نيّة.
وعليه ، فإذا
أُحرز أنّ الصلاة معنونة بالعصر فقد أُحرزت نيّتها ، فلا حاجة لإثباتها بقاعدة
التجاوز ، وإذا لم يحرز ذلك وشكّ في عنوان ما بيده من الصلاة حينما دخل فيها ، فلم
يعلم أنّ نيّة العصر محلّها قبل هذه الصلاة ، لاحتمال الدخول فيها بعنوان النافلة
مثلاً ومثلها لا تتقدّمها نيّة العصر قطعاً ، فلا يكون ترك نيّة العصر حينئذ تركاً
لما ينبغي أن يوجد ، فكون النيّة ممّا ينبغي أن تفعل تابع لعنوان العمل الذي تجاوز
عنه ، فهو من مقوّمات جريان القاعدة ، فكيف تصلح القاعدة لإثباتها.
وهذا الاشكال وجيه
جدّاً لا مدفع عنه ، غير أنّ بالإمكان أن تجري القاعدة في شيء آخر يصدق معه
التجاوز الذي لا ينفك عنه الشك المزبور ، بل يرجع إليه عند التحليل ، وهي الأجزاء
السابقة على الجزء الذي بيده ، فلو رأى نفسه في الركعة الثانية مثلاً بانياً على
صلاة العصر وشكّ في أنّه كان بانياً عليه أوّل العمل أولا ، فهو لا محالة يشك في
أنّ الأجزاء السابقة على هذه الركعة إلى أوّل التكبيرة هل وقعت بنيّة العصر أو
بعنوان آخر كالظهر مثلاً.
وهذا الشك وإن لم
يكن شكّاً في الوجود لعلمه بوجود التكبيرة مثلاً ، بل هو شكّ فيما هو الموجود ،
وأنّ التكبيرة الواقعة هل كانت بعنوان العصر أو لا ، إلاّ أنّه بالأخرة يرجع إلى
الشك في الوجود ، للشك وجداناً في وجود التكبيرة للعصر كي تصح ما بيده عصراً ،
وعدمها كي لا تصح. ولا ريب في شمول القاعدة لكل من الشك في الوجود والموجود ، فكما
أنّه إذا شكّ في الفاتحة بعد الدخول في السورة تجري القاعدة بالنسبة إليها ، فكذلك
إذا علم بعد الدخول فيها بأنّه قرأ سورة وترددت بين كونها هي الفاتحة أم سورة
أُخرى غيرها لرجوعه في الحقيقة إلى الشك في وجود الفاتحة وعدمها كما عرفت.
[١٤٣٣]
مسألة ٢٠ : لا يجوز العدول
من صلاة إلى أُخرى إلاّ في موارد خاصّة :
______________________________________________________
وعليه ، ففي
المقام يشك في وجود التكبيرة للعصر وعدمها ، فيشمله قوله : « رجل شكّ في التكبير
وقد قرأ ، قال : يمضي ... » إلخ. ولا ريب في تجاوز محلها بالدخول في الجزء اللاحق
فتشملها القاعدة ، وببركتها يحكم بوقوع التكبيرة للعصر.
ولا نعني من نيّة
العصر إلاّ وقوع التكبيرة وما بعدها من الأجزاء بنيّة العصر ، وقد تكفّلت القاعدة
لإثباته ، فهي وإن لم تجر في نفس النيّة ابتداءً ، لكنّها تجري في شيء آخر
يلازمها ، ويشارك إجراء القاعدة فيها بحسب النتيجة كما اتّضح بما لا مزيد عليه ،
وقد عرفت إمكان استظهاره من عبارة الماتن أيضاً فتدبّر جيداً.
(١) والوجه فيه
ظاهر ، فإنّ الصلاة الأُولى بعد فرض كونها مغايرة للصلاة الثانية ، فالأمر المتعلق
بإحداهما غير الأمر المتعلق بالأُخرى ، ومن الضروري أنّ كل أمر لا يدعو إلاّ إلى
متعلقه بتمامه بأجزائه وشرائطه ، فلو أتى بإحداهما بقصد امتثال أمرها ، فإنّها لا
تقع امتثالاً إلاّ له دون الأمر الآخر.
وعليه فلو أتى
ببعض الصلاة ثم عدل بها إلى الأُخرى فهي لا تقع امتثالاً للأمر الأوّل ، لعدم
الإتيان ببقية الأجزاء بداعي ذلك الأمر ، كما لا تقع امتثالاً للثاني ، لفرض عدم
الإتيان بالأجزاء السابقة بداعي هذا الأمر ، فلا تقع امتثالاً لشيء منهما ، ومن
المعلوم أنّه ليست في الشريعة المقدّسة صلاة ملفّقة من عنوانين ومتعلقة لأمرين.
__________________
أحدها : في الصلاتين المرتبتين كالظهرين والعشاءين إذا دخل في
الثانية قبل الاولى ، عدل إليها بعد التذكّر في الأثناء إذا لم يتجاوز محلّ العدول
______________________________________________________
بل إنّ هذا
التقرير يتّجه ولو لم تكن الصلاة من العبادات ، ولا يتوقف بيانه على عباديتها ،
وذلك لوضوح أنّ الصلوات حقائق مختلفة وماهيات متباينة وإن اتحدت صورة كما في
الظهرين ، كما يكشف عن ذلك اختلافها بحسب الأحكام من النفل والفرض ، ولزوم رعاية
الترتيب كما بين الظهر والعصر ، وحيث لا ميز بين هذه الماهيات إلاّ من ناحية
العنوان ، فلا بدّ من قصده في تحققه ، وإلاّ فلا يقع مصداقاً لشيء منها. ومن الضروري
أنّ كلا من تلك الماهيات معنون بتمامها بعنوان خاص وليست ملفّقة منه ومن عنوان
آخر. فلو عدل في الأثناء إلى صلاة أُخرى فلا تقع مصداقاً لشيء من الماهيتين
للإخلال بإحداهما حدوثاً وبالأُخرى بقاءً كما هو ظاهر.
نعم ، ورد في
الشرع موارد رخّص فيها في العدول تعبداً توسعة في مرحلة الامتثال ، وحيث إنّ ذلك
على خلاف القاعدة ولا ضير في الالتزام به تعبّداً الكاشف عن حصول الغرض منها بذلك
، فلا بدّ من الاقتصار عليها ، وعدم التعدي عن مواردها.
ثم إنّ العدول قد
يكون من الحاضرة إلى الحاضرة ، وأُخرى من الفائتة إلى مثلها ، وثالثة من الحاضرة
إلى الفائتة ، وأمّا عكس ذلك فلا يجوز لعدم ورود النص فيه ، وقد عرفت أنّ مقتضى
القاعدة العدم ، وسنتعرض لأحكامها.
(١) هذا من العدول
من الحاضرة إلى الحاضرة ، فإذا دخل في العصر ثم التفت في الأثناء أنّه لم يصلّ
الظهر عدل بها إليها وأتمّها ظهراً ثم صلى العصر كما أنّه لو دخل في العشاء ثم
التفت أنّه لم يصلّ المغرب عدل إليها ، ما لم يتجاوز محل العدول ، دون ما إذا
تجاوزه ، كما لو تذكّر بعد الدخول في ركوع الركعة الرابعة.
وأمّا إذا تجاوز
كما إذا دخل في ركوع الرابعة من العشاء فتذكّر ترك المغرب فإنّه لا يجوز العدول ،
لعدم بقاء محلّه فيتمّها عشاءً ثم يصلِّي المغرب ويعيد العشاء أيضاً احتياطاً ، وأمّا إذا
دخل في قيام الرابعة ولم يركع بعد فالظاهر بقاء محل العدول فيهدم القيام ويتمّها
بنيّة المغرب.
______________________________________________________
وقد تقدّم الكلام
حول ذلك في فصل أوقات اليومية ونوافلها مستقصى وذكرنا دلالة
النصوص المستفيضة عليه كصحيح زرارة والحلبي وعبد الرحمن وغيرها .
نعم ، قد يعارضها
في العشاءين خبر الحسن بن زياد الصيقل المتضمن أنّ من
تذكر نسيان المغرب وهو في العشاء يتمّها ويأتي بالمغرب بعدها ، معللاً الفرق بينها
وبين العصر ، بأنّ الثانية لا صلاة بعدها ، لكراهة الصلاة بعد العصر فلو لم يعدل
لزم ارتكاب المكروه ، بخلاف العشاء إذ لا تكره الصلاة بعدها فلا مانع من الإتيان
بالمغرب بعدها.
لكنّ الخبر لا
يصلح للمعارضة لضعف السند ، فانّ الحسن بن زياد لم يوثق. على أنّ في السند محمد بن
سنان وهو ضعيف. نعم ، في الوسائل الطبعة الجديدة هكذا : وبإسناده عن ابن مسكان ...
إلخ ، وإسناد الشيخ إليه صحيح في المشيخة ، لخلوّه عن ابن
سنان ، لكنّ الظاهر بل المقطوع به أنّ النسخة
__________________
غلط ، والصواب
وبالإسناد ... إلخ بدل وبإسناده ، على ما هو الموجود في الوسائل القديمة طبعة
عين الدولة والمراد الإسناد المذكور في الرواية التي ذكرت قبل هذه الرواية متصلاً
التي في سندها ابن سنان.
وكذا في التهذيب
رواها هكذا : عنه أي عن الحسين بن سعيد عن محمد ابن سنان ، عن ابن مسكان ، عن
الحسن بن زياد الصيقل .
نعم ، في تعليقة
التهذيب الطبعة القديمة هكذا : ورواها في الاستبصار بإسناده عن ابن مسكان ، عن
الحسن بن زياد الصيقل ... إلخ. لكنّا لم نجدها في الاستبصار. والظاهر أنّ هذا
أيضاً اشتباه ، وكيف كان فالرواية ضعيفة من وجهين : محمد بن سنان ، والحسن بن زياد
الصيقل ، ولا أقل من الثاني فلا تصلح للمعارضة. وعلى أيّ حال فالحكم في الجملة
مسلّم لا غبار عليه نعم يقع الكلام في جهتين :
الأُولى
: أنّه إذا كان
التذكر بعد تجاوز محل العدول كما لو تذكر بعد الدخول في ركوع الركعة الرابعة من
العشاء ، فقد حكم المشهور حينئذ ببطلان العشاء ولزوم استئنافها بعد المغرب ، وقد
حكى الماتن قدسسره هذه الفتيا عنهم في فصل الأوقات دون أن يعلّق
عليها ، الظاهر في ارتضائها ، غير أنّه قدسسره في المقام حكم بصحتها عشاءً ، وإن احتاط بإعادتها بعد
المغرب.
والأقوى ما عليه
المشهور ، لإطلاق أدلّة اعتبار الترتيب القاضية بلزوم إيقاع العشاء بتمام أجزائها
بعد المغرب ، وعدم جواز إيقاع شيء منها قبلها عمداً ، فانّ لازم ذلك بطلان هذه
الصلاة ، لأنّه هب أنّ الأجزاء السابقة وقعت
__________________
قبلها سهواً فلا
يعتبر فيها الترتيب ، لكنّه متعمد في تقديم الركعة الأخيرة عليها فقد أخلّ برعاية
الترتيب بالإضافة إلى الأجزاء اللاحقة عامداً ، المانع عن صحة الصلاة ، فلا يمكنه
إتمامها عشاءً ، والمفروض عدم إمكان العدول إلى المغرب لتجاوز محلها ، فهي باطلة
لا محالة.
ومنه يظهر عدم
إمكان التمسّك بحديث لا تعاد ، لأنّه متعمد في الإخلال بالترتيب في الأجزاء
اللاحقة كما عرفت ، والحديث غير شامل للعامد بلا إشكال.
الجهة
الثانية : إذا تذكر عدم
الإتيان بالمغرب بعد القيام إلى الركعة الرابعة من العشاء ، فالمعروف بقاء محل
العدول حينئذ ، فيهدم القيام ويتمّها بنيّة المغرب كما صرّح به في المتن.
لكنّه لم يرد به
النص ، لاختصاصه بما إذا كان التذكر في الركعة الثانية من العشاء أو الثالثة دون
الرابعة ، ومن هنا ربما يشكل في جواز العدول حينئذ لخلوّ النص عنه ، وقد عرفت أنّ
مقتضى القاعدة عدم الجواز ، لكنّ الظاهر جواز العدول في المقام ، فإنّه وإن لم يرد
به نص بالخصوص ، لكن يمكن استفادته من إطلاق قوله عليهالسلام في موثقة عبد الرحمن بن أبي عبد الله : « فاذا ذكرها وهو
في صلاة بدأ بالتي نسي ... إلخ » الشامل لما إذا
كان التذكّر بعد القيام إلى الرابعة.
نعم ، لا يعمّ ما
إذا كان بعد الدخول في ركوعها ، للزوم زيادة الركن حينئذ فيعلم من ذلك أنّ ذكر
الركعتين أو الثلاث في الأخبار ومنها نفس هذا الخبر ، إنّما هو من باب المثال لا
لخصوصية فيهما.
وأمّا سند الخبر
فليس هناك من يتأمل فيه عدا الحسين بن محمد الأشعري ومعلى بن محمد.
__________________
أمّا الأوّل ،
المعبّر عنه بما ذكر تارة ، وبالحسين بن محمد بن عامر اخرى وبالحسين بن محمد بن
عمران الذي هو جده ثالثة ، فهو من مشايخ الكليني وقد أكثر الرواية عنه ، فإن قلنا
إنّ مجرد ذلك كاف في التوثيق ، لكشف الإكثار عن الاعتماد عليه فهو ، وإلاّ فيكفي
كونه من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة ، فلا وجه للغمز في السند من أجله ، بل قد
وثقه النجاشي أيضاً بعنوان الحسين بن محمد بن عمران ، وإن كان الموجود في كامل الزيارات بعنوان الحسين بن محمد بن عامر ، فهو
موثق بتوثيقهما بعد ما عرفت من اتحاد الرجل.
وأمّا الثاني ،
الذي هو شيخ الحسين بن محمد المزبور لروايته عنه كثيراً ، فقد ذكر النجاشي أنّه
مضطرب الحديث والمذهب ، والظاهر أنّ مراده باضطراب الحديث روايته عن الضعفاء
واشتمال حديثه على المناكير ، فلا يكون مستقيماً في حديثه وعلى نهج واحد ، فهذا
التعبير على حدّ ما يعبّر من أنّ فلاناً يعرف من حديثه وينكر ، وليس المراد بذلك
الخدش في وثاقه الرجل كما لا يخفى.
وأمّا الاضطراب في
المذهب من كونه غالياً تارة ، أو مائلاً إلى سائر المذاهب اخرى ، فلا يقدح في
التوثيق كما لا يخفى.
وعلى
الجملة : لا يظهر من عبارة
النجاشي تضعيف الرجل كي يعارض به التوثيق المستفاد من وقوعه في أسانيد تفسير القمي
، فالأقوى وثاقته لما ذكر فلا بأس بالاعتماد على الرواية لقوة السند والدلالة ،
فمن أجلها يحكم بجواز العدول في المقام.
هذا مضافاً إلى
إمكان الاستناد في ذلك إلى حديث لا تعاد ، فانّ العدول إلى المغرب لو كان التذكر
أثناء العشاء في الجملة ممّا لا إشكال فيه ، ومن هنا لو
__________________
الثاني : إذا كان
عليه صلاتان أو أزيد قضاءً فشرع في اللاحقة قبل السابقة ، يعدل إليها مع عدم تجاوز
محل العدول ، كما إذا دخل في الظهر أو العصر فتذكّر ترك الصبح القضائي السابق على
الظهر والعصر ، وأمّا إذا تجاوز
______________________________________________________
كان التذكر قبل
القيام إلى الرابعة جاز العدول بلا ارتياب ، فلو لم يجز بعده وحكم ببطلان الصلاة
حينئذ كان البطلان مستنداً إلى القيام الذي هو داخل في المستثنى منه ، وقد حكم في
الحديث بعدم الإعادة لو كان الإخلال من غير ناحية الخمسة المستثناة.
ونتيجة ذلك : جواز
العدول حينئذ أيضاً وعدم بطلان الصلاة. ولا نعني بهذا الكلام التمسك باستصحاب جواز
العدول الثابت قبل القيام إلى الرابعة ، لعدم حجية الاستصحاب في الشبهات الحكمية
في نفسه سيّما التعليقي منه كما في المقام لأنّ الجواز المزبور كان معلّقاً على
التذكر ، فيقال في تقرير الاستصحاب لو كان التذكر قبل القيام إلى الرابعة جاز
العدول فكذا ما بعد القيام إليها ، والاستصحاب التعليقي ساقط كما حقق في الأُصول .
بل المراد
الاستناد إلى نفس حديث لا تعاد في الحكم بالصحة بالتقريب الذي عرفته.
ثم لا يخفى أنّ
العدول في هذه الصورة أي من الحاضرة إلى الحاضرة واجب ، بمعنى أنّه لا يجوز له
إتمام الصلاة بالعنوان الذي دخل فيها من العصر أو العشاء للزوم الإخلال بالترتيب ،
فلو أراد إتمامها لزمه العدول ، وأمّا الوجوب بمعنى عدم جواز رفع اليد عنها فهو
مبني على القول بحرمة القطع اختياراً.
(١) هذا من العدول
من الفائتة إلى الفائتة ، فنقول :
__________________
أتمّ ما بيده على
الأحوط ، ويأتي بالسابقة ويعيد اللاّحقة كما مرّ في الأدائيتين وكذا لو دخل في العصر فذكر ترك
الظهر السابقة فإنّه يعدل.
______________________________________________________
قد يفرض ذلك في
المرتبتين ، كما لو دخل في العصر قضاءً فتذكّر فوت الظهر ، أو العشاء كذلك فذكر
فوت المغرب ، والكلام فيه بعينه هو الكلام في الحاضرتين المرتبتين ، للزوم رعاية
الترتيب بين الظهرين والعشاءين ، سواء أكانتا حاضرتين أو فائتتين بلا إشكال ،
فيجري فيه جميع ما مرّ حتى من حيث التجاوز عن المحل وعدمه.
وأُخرى يفرض في
غيرهما ، كما لو دخل في المغرب القضائي فتذكر فوت العصر أو في الظهر كذلك فتذكّر
فوت الصبح السابق عليه ، وحينئذ فان لم يتجاوز محل العدول جاز بل وجب العدول إلى
السابقة بناءً على لزوم رعاية الترتيب في قضاء الفوائت ، وإن كان الأقوى عدم
اللزوم فلا يجب العدول.
وإن جاوز محله كما
لو كان تذكر فوت الصبح بعد الدخول في ركوع الثالثة من الظهر ، فبناءً على لزوم
الترتيب في قضاء الفوائت بطل ما بيده ، فيرفع اليد عنه لعدم إمكان تحصيل الشرط
ويستأنفهما ، وإن كان الأحوط إتمامه بما نواه ثم الإتيان بالسابقة وإعادة اللاحقة
كما ذكره في المتن.
وأمّا بناءً على
عدم اللزوم كما هو الأقوى ، فحيث لا محل للعدول أتمها ظهراً ثمّ أتى بالسابقة.
وكيف كان ، فأصل
جواز العدول في هذه المسألة مستفاد من الإطلاق في صحيح عبد الرحمن وهو قوله عليهالسلام : « فاذا ذكرها وهو في صلاة بدأ
__________________
الثالث : إذا دخل في الحاضرة فذكر أنّ عليه قضاءً ، فإنّه يجوز له
أن يعدل إلى القضاء إذا لم يتجاوز محل العدول ، والعدول في هذه الصورة على وجه
الجواز بل الاستحباب ، بخلاف الصورتين الأولتين فإنّه على وجه الوجوب .
______________________________________________________
بالتي نسي » ، فلا إشكال في الحكم ، وقد مرّ بعض الكلام في فصل أحكام الأوقات ، وسيجيء مزيد التوضيح في مبحث القضاء إن شاء الله تعالى .
(١) هذا من العدول
من الحاضرة إلى الفائتة ، وقد تضمّنته صحيحة زرارة صريحاً ، فيجوز العدول إلى
القضاء مع بقاء محله ، كما لو تذكر فوت الصبح قبل الدخول في ركوع الثالثة من الظهر
الأدائي ، بل يجب بناءً على لزوم تقديم الفائتة على الحاضرة ، كما أنّه بناءً على هذا
المبنى يجب رفع اليد عنه لو كان التذكّر بعد تجاوز المحل ، كما لو كان التذكر بعد
الدخول في الركوع المزبور ، للزوم الإخلال بالترتيب لو أتمّه ، والعدول غير ممكن
على الفرض ، لكن المبنى غير تام والترتيب غير لازم في المقام. كما سيجيء تفصيله
في مبحث القضاء إن شاء الله تعالى .
وعليه ، فمع بقاء
المحل لا يجب العدول ، بل غايته الجواز للصحيحة المتقدمة. نعم ، هو مستحب بناءً
على استحباب تقديم الفائتة ما لم يتضيق وقت الحاضرة.
الرابع : العدول من الفريضة إلى النافلة يوم الجمعة لمن نسي قراءة
الجمعة وقرأ سورة أُخرى من التوحيد أو غيرها وبلغ النصف أو تجاوز وأمّا إذا لم
يبلغ النصف فله أن يعدل عن تلك السورة ولو كانت هي التوحيد إلى سورة الجمعة
فيقطعها ويستأنف سورة الجمعة.
______________________________________________________
(١) كما يدل عليه
موثق صباح بن صبيح قال : « قلت لأبي عبد الله عليهالسلام رجل أراد أن يصلي الجمعة فقرأ بقل هو الله أحد ، قال : يتم
ركعتين ثم يستأنف » ، فيظهر منه جواز العدول إلى النافلة حينئذ اهتماماً بشأن
سورة الجمعة ودركاً لفضيلتها.
لكنّ الماتن قيّد
الحكم في المقام بما إذا بلغ النصف من السورة التي شرع فيها من التوحيد أو غيرها
أو تجاوز ، وأمّا إذا لم يبلغ النصف فليس له العدول إلى النافلة ، وإنّما له
العدول عن تلك السورة ولو كانت هي التوحيد التي لا يجوز العدول عنها في غير المقام
إلى سورة الجمعة ، فيقطعها ويستأنف سورة الجمعة ، وتبعه على هذا التفصيل غيره ،
وكأنّ الوجه فيه دعوى أنّ ذلك هو مقتضى الجمع بين الموثق المتقدم وبين الروايات
الدالة على جواز العدول من التوحيد إلى الجمعة يوم الجمعة . فيحمل الأوّل على ما إذا بلغ النصف أو تجاوزه ، والطائفة الثانية على ما إذا
لم يبلغ النصف.
لكنه كما ترى جمع
تبرعي لا شاهد عليه ، مع أنّه لا تعارض بينهما كي يحتاج إلى الجمع كما لا يخفى ،
فلا مانع من الأخذ بإطلاق كل منهما ، والحكم
__________________
الخامس : العدول من الفريضة إلى النافلة لإدراك الجماعة إذا دخل فيها
وأُقيمت الجماعة وخاف السبق . بشرط عدم تجاوز محل العدول بأن دخل في ركوع الركعة
الثالثة.
______________________________________________________
بجواز العدول إلى
النافلة أو من التوحيد إلى سورة الجمعة مخيّراً بينهما من دون فرق في كل منهما بين
بلوغ النصف وعدمه ، فالأقوى جواز العدول إلى النافلة وإن لم يبلغ النصف. وسيأتي في
مبحث القراءة إن شاء الله تعالى حكم العدول من سورة إلى أُخرى .
(١) كما دلّ عليه
صحيح سليمان بن خالد قال : « سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة فبينما هو قائم يصلِّي إذ
أذّن المؤذِّن وأقام الصلاة ، قال : فليصلّ ركعتين ثم ليستأنف الصلاة مع الإمام
وليكن الركعتان تطوّعاً » ونحوه موثق سماعة . ومن المعلوم
اختصاص الحكم بما إذا لم يتجاوز محل العدول ، بأن كان قبل الدخول في ركوع الركعة
الثالثة كما هو ظاهر.
ثم إنّ الماتن خصص
الحكم بما إذا خاف السبق وعدم إدراك الجماعة ولو بركوع الركعة الاولى ، فلا يجوز
العدول مع الأمن من ذلك ، بل يتم الفريضة ويعيدها جماعة لو شاء. ولم نعرف وجهاً
لهذا التقييد بعد إطلاق النص ، فالأقوى جواز العدول حتى مع الأمن وعدم الخوف عملاً
بإطلاق النص.
__________________
السادس : العدول
من الجماعة إلى الانفراد لعذر أو مطلقاً كما هو الأقوى .
السابع : العدول
من إمام إلى إمام إذا عرض للأوّل عارض.
______________________________________________________
(١) هذا خارج عن
محل الكلام من موارد العدول ، فانّ عنوان المسألة متمحض في البحث عن العدول من
صلاة إلى صلاة أُخرى ، لا العدول في صلاة واحدة من كيفية إلى أُخرى ، ولا ريب أنّ
الجماعة والفرادى فردان من ماهية واحدة يختلفان بحسب الأحكام والآثار من دون تعدد
في نفس الصلاة بالذات فلا يجري هنا ما مرّ في تقرير أصالة عدم العدول وكونه على
خلاف القاعدة.
نعم ، لا يجوز
العدول في المقام أيضاً لو كان عازماً على الانفراد من أوّل الأمر ، لا لما ذكر ،
لاختصاصه بما إذا تعدّدت ماهية المعدول عنها والمعدول إليها كما عرفت ، بل لعدم
ثبوت مشروعية قصد الجماعة في بعض ركعات الصلاة وإنّما الثابت قصدها في تمامها ،
والعبادات توقيفية فلا بدّ في إثبات مشروعيّتها من قيام الدليل ، وإلاّ فمقتضى
الأصل العدم.
ودعوى أنّه قاصد
للجماعة في تمامها حين الشروع وإن كان بانياً على العدول إلى الانفراد في الأثناء
كما ترى ، فإنّهما متضادّان وكيفيتان متباينتان فالقصد إليهما معاً جمع بين
المتضادين. وهذا نظير أن يقصد المسافر الإقامة في محل عشرة أيام ، ومع ذلك يبني من
الأوّل على الخروج إلى ما دون المسافة خلال العشرة فإنّ صدور مثل هذا القصد غير
معقول ، لامتناع القصد إلى المتضادين معاً في آن واحد.
__________________
الثامن : العدول
من القصر إلى التمام إذا قصد في الأثناء إقامة عشرة أيام.
التاسع : العدول
من التمام إلى القصر إذا بدا له في الإقامة بعد ما قصدها.
العاشر : العدول
من القصر إلى التمام أو بالعكس في مواطن التخيير.
______________________________________________________
وبالجملة : فنية
العدول إلى الانفراد من الأوّل قادحة ، سواء أكان لعذر أم غيره. وسيجيء تمام
الكلام فيه ، وفيما لو بدا له العدول في الأثناء دون أن يقصده من الأوّل ، وأنّه
يصح لعذر أم مطلقاً أم لا يصح في مبحث الجماعة إن شاء الله تعالى .
وممّا ذكرنا يظهر
حكم العدول من إمام إلى إمام إذا عرض للأوّل عارض وأنّه ليس من العدول المبحوث عنه
في المقام ، فلا وجه للتعرض له فيما نحن فيه ، وسيجيء البحث عنه في محلّه في
أحكام الجماعة إن شاء الله تعالى .
(١) تعرّض قدسسره في هذا وفي
الموردين الآتيين إلى حكم العدول من القصر إلى التمام ، ومنه إلى القصر ، ومن كل
منهما إلى الآخر.
فالأوّل : كما إذا
قصد في الأثناء إقامة عشرة أيام فيعدل إلى التمام.
والثاني : كما إذا
بدا له في نيّة الإقامة في الأثناء بعد ما قصدها ، فإنّه يعدل إلى القصر مع بقاء
محل العدول ، كما لو كان البداء قبل الدخول في ركوع الثالثة وأمّا مع التجاوز كما
لو كان بعد الدخول فيه فتبطل الصلاة لا محالة ، إذ المأمور به وهو القصر لا يتمكن
منه وما يتمكنه من التمام ليس بمأمور به بعد فرض العدول عن نيّة الإقامة.
__________________
والثالث : كما في
مواطن التخيير ، فإنّه يجوز له العدول من كل منهما إلى الآخر مع بقاء محله.
وممّا تقدم يظهر
أنّ العدول في هذه الموارد ليس من العدول المبحوث عنه في المقام ، إذ القصر
والتمام ليسا حقيقتين متباينتين وماهيتين من الصلاة ، بل صلاة الظهر مثلاً ماهية
واحدة ذات فردين مختلفين في الأحكام كالجماعة والفرادى فيجب التسليم على الركعة
الثانية إن كان مسافراً ، وعلى الرابعة إن كان حاضراً ، ومحل الكلام هو العدول من
صلاة إلى صلاة أُخرى ، لا من فرد إلى فرد آخر مع اتحاد ماهيتهما كما في هذه
الموارد. ومن هنا ذكرنا سابقاً أنّه لو قصد أحد الفردين فأتمّ على الفرد الآخر
غفلة كما في مواطن التخيير صحت صلاته ، لعدم الإخلال بالمأمور به بوجه.
وتوضيح
المقام : أنّ الفرق بين
القصر والتمام هو الفرق بين الطبيعة بشرط لا ، والطبيعة بشرط شيء ، فهما فردان من
حقيقة واحدة يختلفان بلحاظ العوارض اللاحقة للطبيعة ، فصلاة الظهر مثلاً إن لوحظت
مقيّدة بعدم اقترانها بالركعتين الأخيرتين فهي القصر ، وإن لوحظ انضمامها بهما فهي
التمام ، فلا اختلاف بينهما من حيث الذات بل هما متحدان في الحقيقة والعنوان.
وإنّما الفرق نشأ
من الخصوصيات الملحوظة في كل من الفردين ، فليس حالهما كالفريضة والنافلة ،
والأداء والقضاء ، والظهر والعصر ، حيث إنّهما متعددان عنواناً ، ومختلفان ماهية ،
ومن هنا كان العدول فيهما على خلاف القاعدة ، لعدم كون الصلاة حينئذ مصداقاً لشيء
من الماهيتين ، فلا تقع امتثالاً لشيء من العنوانين بعد وضوح عدم تعلق الأمر
بالصلاة الملفّقة منهما ، فيحتاج جواز العدول فيها إلى دليل بالخصوص ، وقد عرفت
اختصاصه بالحاضرتين والفائتتين ، ومن الحاضرة إلى الفائتة ، ومن الفرض إلى النفل ،
دون غيرها من بقية الموارد على البيان الذي سبق في محله.
وهذا بخلاف القصر
والتمام ، إذ بعد ما عرفت من كونهما حقيقة واحدة فجواز العدول حينئذ مطابق للقاعدة
من دون حاجة إلى قيام دليل عليه بالخصوص ، فانّ العدول من أحدهما إلى الآخر قد
يفرض في مواطن التخيير وأُخرى في غيرها.
أمّا
في الأوّل : فمرجع الوجوب
التخييري على ما بيّناه في محله إلى أنّ الواجب إنّما هو الجامع الانتزاعي أعني عنوان
أحدهما لا بعينه فخصوصية كل من الفردين ملغاة في مقام تعلق الأمر وخارجة عن حريمه
، إذ ليس المأمور به إلاّ نفس الجامع. وعليه فلو شرع في الصلاة بقصد التمام جاز له
العدول إلى القصر وبالعكس ، فإنّه عدول من فرد إلى فرد ، لا من واجب إلى واجب.
وهذا كما لو كان
بانياً لدى الشروع في الصلاة على الإتيان بسورة خاصة ثم عند الفراغ من الفاتحة بدا
له وعدل إلى سورة أُخرى ، فإنّ هذا لا ضير فيه قطعاً ، إذ الواجب إنّما هي الصلاة
المقيّدة بجامع السورة ولا عدول في ذلك ، وإنّما العدول من فرد إلى فرد لم يتعلق
الأمر بشيء منهما. والمقام من هذا القبيل كما هو واضح ، بل له الشروع في الصلاة
مقتصراً على نيّة الظهر مثلاً من دون قصد شيء من القصر والتمام ، ثم بعد البلوغ
إلى حدّ الافتراق يختار أحد الفردين.
وأمّا
في الثاني : كما لو شرع في
الصلاة بنيّة التمام قاصداً للإقامة ثم بدا له فيها وعزم في الأثناء على السفر
فعدل إلى القصر ، فانّ العدول حينئذ وإن كان من واجب إلى واجب ، لوجوب التمام
بخصوصه لدى الشروع بعد كونه قاصداً للإقامة آن ذاك ، إلاّ أنّ الوجوب لم يكن
فعليّاً منجّزاً ، بل كان معلقاً على استدامته على ذاك القصد إلى الانتهاء عن
الصلاة ، كما كان مأموراً بالقصر أيضاً على تقدير العدول عن قصده.
__________________
[١٤٣٤]
مسألة ٢١ : لا يجوز العدول
من الفائتة إلى الحاضرة فلو دخل في فائتة ثم ذكر في أثنائها حاضرة ضاق وقتها
أبطلها واستأنف ولا يجوز العدول على الأقوى.
[١٤٣٥]
مسألة ٢٢ : لا يجوز العدول
من النفل إلى الفرض ولا من النفل إلى النفل ، حتى فيما كان منه كالفرائض في التوقيت
والسبق واللّحوق .
[١٤٣٦]
مسألة ٢٣ : إذا عدل في
موضع لا يجوز العدول بطلتا كما لو نوى بالظهر العصر وأتمّها على نيّة العصر.
______________________________________________________
وبعبارة اخرى :
إنّ المكلف المزبور مخاطب عند افتتاح صلاته بخطابين مشروطين ، ومكلف بتكليفين
تعليقيين ، فيؤمر بالتمام على تقدير البقاء على قصده ، وفي عين الحال يؤمر بالقصر
على تقدير العدول عن قصده ، فالمكلف بعدوله في الأثناء يخرج نفسه عن موضوع ويدخله
في موضوع آخر قد تعلّق الأمر بكل منهما على النحو الذي عرفت ، فجواز العدول من
التمام إلى القصر وبالعكس مطابق للقاعدة من دون حاجة إلى دليل بالخصوص.
(١) لعدم الدليل
عليه ، فيبقى تحت أصالة عدم الجواز ، لكون العدول على خلاف القاعدة كما مرّ. ومنه
يظهر الحال في المسألة اللاحقة.
(٢) كالنوافل
المرتّبة اليومية ونحوها.
(٣) أمّا بطلان
المعدول عنها وهو الظهر فللإخلال بنيّتها ، وأمّا بطلان المعدول إليها وهو العصر
فلعدم جواز العدول من السابقة إلى اللاحقة لعدم الدليل عليه ، ومقتضى القاعدة عدم
الجواز كما مرّ. ومنه يظهر الحال في المسألة الآتية. وهذا كله مما لا إشكال فيه
لوضوحه مما سبق.
إنّما الكلام فيما
ذكره في المسألة التي بعدها من أنّه لو عدل بزعم تحقق موضع
[١٤٣٧]
مسألة ٢٤ : لو دخل في
الظهر بتخيّل عدم إتيانها فبان في الأثناء أنّه قد فعلها ، لم يصح له العدول إلى
العصر.
[١٤٣٨]
مسألة ٢٥ : لو عدل بزعم
تحقّق موضع العدول فبان الخلاف بعد الفراغ أو في الأثناء لا يبعد صحتها على
النيّة الأُولى كما إذا عدل بالعصر إلى الظهر ثم بان أنّه صلاّها ، فإنّها تصح
عصراً لكن الأحوط الإعادة.
______________________________________________________
العدول فبان
الخلاف بعد الفراغ أو في الأثناء ، كما لو اعتقد أثناء العصر أنّه لم يأت بالظهر
فعدل إليها ، ثم بان أنّه صلاها ، فهل له حينئذ أن يعدل إلى النيّة الأُولى فيتمها
عصراً أو لا؟ وستعرف الحال فيها.
(١) مفروض كلامه قدسسره ما إذا أتى بعد
العدول إلى الظهر ببعض الأجزاء بنيّة الظهر ثم انكشف الخلاف بعد الفراغ ، أو في
الأثناء. وأمّا إذا كان الانكشاف قبل أن يأتي بجزء أصلاً فعدل إلى العصر بعد عدوله
إلى الظهر قبل أن يأتي بشيء من الأجزاء بنيّة الظهر ، فينبغي أن يكون هذا خارجاً
عن محل الكلام ، ويحكم فيه بالصحة بلا إشكال ، إذ ليس هناك عدا مجرد عدول في
النيّة فحسب وهو لا يزيد على نيّة القطع ، ثم العود قبل أن يأتي بشيء التي عرفت
سابقاً عدم قدحها في الصحة.
ثم إنّ الأجزاء
التي يأتي بها بعد العدول إلى الظهر بنيّة الظهر إمّا ركنية أم لا.
أمّا الثاني ، كما
لو اعتقد أثناء الفاتحة عدم الإتيان بالظهر فعدل إليها وأتمّ الفاتحة والسورة
بنيّتها ، ثم بان الخلاف قبل الدخول في الركوع فعدل إلى العصر ، أو كان الاعتقاد
المزبور حال التشهد فعدل وأتمّ التشهد وسلم بنيّة الظهر ، ثم بان الخلاف بعد
الفراغ ، فلا ينبغي الإشكال أيضاً في صحّتها عصراً غايته لزوم إعادة تلك الأجزاء
بنيّة العصر للإخلال بهذه النيّة ، ولا ضير فيه
لعدم لزوم الزيادة
المبطلة بعد عدم كونها ركنية ، وستعرف أنّ الإعادة أيضاً غير لازمة. فينبغي أن
تكون هذه الصورة أيضاً خارجة عن محل الكلام.
وإنّما الكلام كله
فيما لو كانت تلك الأجزاء ركنية ، كما لو كان انكشاف الخلاف بعد الدخول في الركوع
، أو بعد الفراغ وقد أتى بجزء ركني ، فإنّه ربما يستشكل حينئذ في الصحة ، بدعوى
أنّ صحة العصر تتقوّم بقصد عنوان العصر في تمام الأجزاء بأسرها وإلاّ لم تقع
مصداقاً لهذا العنوان كما هو الشأن في كل صلاة ذات عنوان. فالجزء المأتي به غير
مجز ، للإخلال بنيّته حسب الفرض ، ولا يمكن تداركه للزوم زيادة الركن ، فمقتضى
القاعدة بطلان الصلاة حينئذ لعدم إمكان تصحيحها بوجه.
لكن الأقوى وفاقاً
للمتن صحتها عصراً ، وذلك للروايات المتقدمة الدالّة على أنّ العبرة في النيّة بما
افتتحت به الصلاة ، وأنّ من دخل في الفريضة وأتمّها بزعم النافلة غفلة ، أو بالعكس
صحت على ما افتتحت عليه ، وموردها وإن كان هو العدول من الفرض إلى النفل وبالعكس
الخارج عن محل الكلام إلاّ أنّه يستفاد منها حكم المقام بالإطلاق بعد إلغاء خصوصية
المورد ، فانّ روايات الباب ثلاث على ما عرفت والعمدة منها صحيحة عبد الله بن
المغيرة والعبرة فيها بقوله عليهالسلام في الجواب « هي التي قمت فيها ... » إلخ الذي هو بمنزلة
التعليل للصحة ، وأنّ العبرة بالنيّة التي قمت فيها في الصلاة ، ومقتضى عموم العلة
إطلاق الحكم لكل مورد.
وأظهر منها دلالة
روايتا معاوية وابن أبي يعفور الصريحتان في أنّ العبرة بما افتتح الصلاة عليه كما في
الأُولى وأنّه إنّما يحسب للعبد من صلاته التي
__________________
[١٤٣٩]
مسألة ٢٦ : لا بأس بترامي
العدول
كما لو عدل في الفوائت
إلى سابقة فذكر سابقة عليها ، فإنّه يعدل منها إليها وهكذا.
______________________________________________________
ابتدأ في أوّل
صلاته كما في الثانية وإن لم نستدل بهما لضعف طريق الشيخ إلى العياشي كما مرّ.
وكيف كان ،
فالمستفاد منها أنّ العدول إلى صلاة أُخرى غفلة كما في المقام غير قادح في الصحة ،
وإنّما العبرة بالنيّة الاولى ، بل عن صاحب الجواهر قدسسره احتمال شمولها لصورة العمد أيضاً ، أخذاً بالإطلاق وإن كان ساقطاً قطعاً ،
لامتناع قصد أمر يعلم بعدمه إلاّ على وجه التشريع المحرّم كما لا يخفى.
وعلى
الجملة : فلا قصور في تلك
الأخبار لشمولها للمقام فيحكم بالصحة على النيّة الأُولى وإن عدل إلى الظهر بزعم
عدم إتيانها ، فإنّه يلحق بالعدول السهوي لا العمدي ، استناداً إلى هذه الروايات ،
ولا حاجة إلى إعادة تلك الأجزاء بنيّة العصر فلا نروم إثبات الصحة على طبق القاعدة
كي يقال بأنّ القاعدة تقتضي البطلان ، بل نستند في الصحة إلى هذه الأخبار التي هي
على خلاف القاعدة.
(١) كما لو كان
عليه المغرب فدخل فيها فتذكر أنّ عليه العصر فعدل إليها فتذكر أنّ عليه الظهر فعدل
إليها ، ومنها إلى الصبح مثلاً وهكذا ، فإنّه بعد البناء على جواز العدول في
الفوائت من اللاحقة إلى السابقة كما هو مقتضى إطلاق صحيحة عبد الرحمن « فاذا ذكرها
وهو في صلاة بدأ بالتي نسي » كان الترامي المزبور جائزاً بمقتضى الإطلاق من دون حاجة
فيه إلى دليل بالخصوص.
__________________
[١٤٤٠]
مسألة ٢٧ : لا يجوز العدول
بعد الفراغ ، إلاّ في الظهرين إذا أتى بنيّة العصر بتخيل أنّه صلى
الظهر فبان أنّه لم يصلها ، حيث إنّ مقتضى رواية صحيحة أنّه يجعلها
ظهراً ، وقد مرّ سابقاً.
______________________________________________________
فما عن بعض من عدم
ثبوت العدول في الفوائت من اللاحقة إلى السابقة فضلاً عن الترامي ، لاختصاص النصوص
بالعدول من الحاضرة إلى مثلها ، أو منها إلى الفائتة ، وابتناء التعدي على القول
بتبعية القضاء للأداء في غير محله لأنّ العمدة من نصوص العدول هما صحيحتا زرارة
وعبد الرحمن وقد عرفت عدم قصور في إطلاق الثانية للشمول للفوائت في
أنفسها وللترامي فيها. وأمّا دعوى التبعية فساقطة كما مرّ في محلها .
(١) لخروجه عن
مورد النصوص ، لاختصاصها بالعدول في الأثناء ، فيبقى تحت أصالة عدم الجواز التي
تقتضيها القاعدة كما عرفت.
(٢) وهي صحيحة
زرارة قال عليهالسلام فيها : « إذا نسيت الظهر حتى صليت العصر فذكرتها وأنت في
الصلاة ، أو بعد فراغك فانوها الاولى ثم صلّ العصر ، فإنّما هي أربع مكان أربع » لكن النص معرض عنه ، وقد أفتى الأصحاب باحتسابها عصراً ولزوم إتيان الظهر بعد
ذلك ، وأنّ شرطية الترتيب ساقطة حينئذ لكونه شرطاً ذكريا لا واقعياً كما استفيد
ذلك من حديث لا تعاد لدخول الترتيب في المستثنى منه ، وإلاّ فليس على ذكريته دليل
بالخصوص.
وكيف كان ، فبناءً
على مسلكنا من عدم قدح الإعراض كعدم جبر العمل
__________________
[١٤٤١]
مسألة ٢٨ : يكفي في العدول
مجرد النيّة من غير حاجة إلى ما ذكر في ابتداء النيّة .
[١٤٤٢]
مسألة ٢٩ : إذا شرع في
السفر وكان في السفينة أو العربة مثلاً فشرع في الصلاة بنيّة التمام قبل الوصول
إلى حد الترخص فوصل في الأثناء إلى حدّ الترخص ، فان لم يدخل في ركوع الثالثة
فالظاهر أنّه يعدل إلى القصر وإن دخل في ركوع الثالثة فالأحوط الإتمام والإعادة قصراً وإن كان في
السفر ودخل في الصلاة بنيّة القصر فوصل إلى حدّ الترخص يعدل إلى التمام .
______________________________________________________
كان اللاّزم العمل
بالنص المزبور وفاقاً للمتن ، إلاّ أنّ الأحوط حذراً عن مخالفة المشهور أن يعدل
بها إلى الظهر ثم يأتي بأربع بقصد ما في الذمة ، فإنّ ما صلاّهُ صحيح قطعاً ، إمّا
ظهراً كما يقتضيه النص ، أو عصراً كما عليه المشهور ، فالذمة غير مشغولة إلاّ
بصلاة واحدة مرددة بين الظهر والعصر فيقصد بها ما في ذمته.
(١) لم يتضح
المراد من العبارة ، فإنّ النيّة بمعنى واحد في كلا الموردين ، وهو القصد
الارتكازي المتعلق نحو العمل على حد سائر الأفعال الاختيارية بإضافة قصد التقرب ،
ولم يتقدم منه قدسسره اعتبار شيء آخر زائداً على ذلك في ابتداء النيّة كي لا
يحتاج إليه في المقام. ومن المعلوم أنّ نيّة الرياء ونحوه قادحة في كلا الموردين
فلم يتضح الفرق بين المقامين ، بل هما على حد سواء وبمعنى واحد فتدبر جيداً.
(٢) فصّل قدسسره في من دخل في
الصلاة بنيّة التمام لدى شروعه في
__________________
السفر وقد بلغ إلى
حدّ الترخص قبل الفراغ منها ، بين ما إذا كان البلوغ بعد الدخول في ركوع الثالثة ،
وما إذا كان قبله ، فذكر أنّ الأحوط الإتمام والإعادة قصراً في الصورة الأُولى ،
وأنّه يعدل إلى القصر في الصورة الثانية.
أقول : أمّا ما
ذكره من الاحتياط
في الصورة الأُولى فهو حسن لكنّه غير لازم ، بل الأقوى بطلانها ، فيرفع اليد عنها ويأتي بالقصر
، إذ مقتضى إطلاق ما دلّ على أنّ من بلغ إلى حدّ الترخص وجب عليه القصر أنّ وظيفته
الفعلية هي القصر ، وإن أتى ببعض الصلاة قبل ذلك ، لعدم قصور للإطلاق في شموله
للمقام بعد تحقق موضوعه كما لا يخفى. وحيث إنّه لا يتمكن من تتميم هذه الصلاة
قصراً لفرض تجاوز محل العدول ، ولا تماماً لعدم الأمر به فتبطل لا محالة ، إذ ما
هو المأمور به لا يتمكن من إتيانه ، وما يتمكن منه ليس مأموراً به. فلا مناص من
رفع اليد عنها واستئنافها قصراً.
وأمّا
الصورة الثانية : فالظاهر صحتها وإتمامها قصراً وإن شرع فيها بنيّة التمام ، وذلك لما عرفت سابقاً
من أنّ القصر والتمام ليسا حقيقتين مختلفتين وماهيتين متباينتين كي يلزم قصد كل
منهما بخصوصه ، بل هما فردان من حقيقة واحدة يختلفان بحسب الأحكام من وجوب التسليم
على الثانية في الأوّل وعلى الرابعة في الثاني ، فلا يلزم إلاّ تعيين عنوان الصلاة
من الظهر أو العصر وينظر في تعيين أيّ الفردين لتشخيص الوظيفة الفعلية إلى حال
المكلف في مرحلة الامتثال وأنّه حاضر أو مسافر ، وحيث إنّه بعد الانتهاء عن
الركعتين مسافر على الفرض وإن كان حاضراً قبله ، فينقلب الموضوع ويجب عليه القصر
حينئذ.
وبعبارة اخرى : لا
شك أنّ الركعتين الأولتين واجبتان على عامة المكلفين من الحاضرين والمسافرين ،
وهذا قدر مشترك بين الطائفتين ، وبعد الانتهاء منهما
واستكمالهما يقسّم
المكلف حينئذ إلى الحاضر ويلحقه من لم يبلغ حدّ الترخّص وإلى المسافر أي البالغ
حدّه ، فان كان في هذا الحال مندرجاً تحت العنوان الأوّل خوطب بوجوب التمام ، وإن
اندرج في الثاني خوطب بوجوب القصر والتسليم على الركعتين ، وحيث إنّ المفروض في
المقام اندراج المكلف في هذه الحالة تحت العنوان الثاني وإن لم يكن كذلك لدى شروعه
في الصلاة ، فلا محالة يخاطب بوجوب القصر ، لما عرفت من أنّ العبرة في ملاحظة
الخطاب بقسميه إنّما هي بهذه الحالة دون ما قبلها ، لاشتراك الطائفتين في الركعتين
الأولتين.
نعم ، إنّما يجب
قصد أربع ركعات على الحاضر من حين شروعه في الصلاة لأنّ الظهر الواجب عليه إنّما
هو هذا الفرد دون القصر ، لا لخصوصية فيه زائداً على عنوان الظهرية مثلاً ، وإلاّ
فهما حقيقة واحدة كما عرفت. وهذا إنّما يتحقق فيما إذا استمر على صفة الحضور إلى
انتهاء الأربع ركعات دون ما إذا تبدل الوصف وانقلب إلى المسافر ببلوغه إلى حدّ
الترخص في الأثناء كما في المقام.
ومنه تعرف جواز
الشروع في الصلاة وإن علم من الأوّل بلوغه إلى حدّ الترخص في الأثناء ، غايته أنّه
لا تجوز له نيّة التمام حينئذ لكونه من التشريع المحرّم ، وإنّما يقصد ذات الظهر
مقتصراً على هذا العنوان فحسب.
ومن جميع ما
ذكرناه يظهر حكم عكس المسألة ، وأنّه إن كان في السفر ودخل في الصلاة بنيّة القصر
فوصل إلى حدّ الترخص يعدل إلى التمام ، أي يتمّها على أربع ركعات ، لتبدل الموضوع
حينئذ واندارجه بعد الركعتين تحت عنوان الحاضر المخاطب بوجوب التمام ، والدخول
بنيّة القصر ضم حجر لا تأثير له بعد ما عرفت من أنّ العبرة في القصر والتمام
بملاحظة الحالة الفعلية بعد انتهائه عن الركعتين ، من كونه فعلاً حاضراً أو
مسافراً.
[١٤٤٣]
مسألة ٣٠ : إذا دخل في
الصلاة بقصد ما في الذمّة فعلاً ، وتخيّل أنّها الظهر مثلاً ، ثم تبيّن أنّ ما في
ذمته هي العصر أو بالعكس فالظاهر الصحة ، لأنّ الاشتباه إنّما هو في التطبيق .
______________________________________________________
(١) قد عرفت في
بعض المباحث السابقة اختصاص باب الخطأ في التطبيق بما إذا لم يكن المأمور به من
العناوين القصدية ، فكان الاشتباه في شيء لا يتقوّم الامتثال بقصده ، كما لو
تخيّل أنّ ما بيده هي الركعة الثانية فبان أنّها الأُولى ، أو أنّ من في المحراب
زيد فبان عمراً ، أو أنّ من أعطاه الدرهم عادل فبان فاسقاً وهكذا ، فإنّ خصوصية
كون الركعة هي الثانية مثلاً ، أو كون من في المحراب زيداً ، أو من يعطيه عادلاً
لا يعتبر قصد شيء منها في تحقق الامتثال لخروجها عن حريم المأمور به ، فقصد
خلافها غير قادح ، وكان باب الاشتباه في التطبيق واسعاً في أمثال ذلك.
وأمّا إذا كان
المأمور به من العناوين القصدية بحيث لا يتحقق الامتثال إلاّ بقصده ولو إجمالاً ،
كعنوان الظهرية والعصرية حيث لا ميز بينهما إلاّ بقصد هذا العنوان ، ففي مثله لا
سبيل لتطبيق باب الخطأ في التطبيق فيما لو قصد أحد العنوانين بتخيّل أنّه الواجب
معتقداً ذلك اعتقاداً جزمياً ثم بان الخلاف ، لأنّ امتثال المأمور به لا يتحقق
إلاّ بقصده حسب الفرض ، فما قصده لا واقع له ، وما له الواقع غير مقصود به ، ولا
يصححه ضمّ قصد ما في الذمة ، إذ لا أثر لقصد هذا اللفظ قطعاً ، وإنّما المؤثّر قصد
واقع ما في الذمة ، وكيف يمكنه قصد ذاك الواقع مع اعتقاده الجزمي بأنّ الواجب عليه
حسب تخيله هو الظهر مثلاً وكان الواقع هو العصر ، فهو غير قاصد إلاّ إلى الظهر ليس
إلاّ ، ولم يقصد العصر
__________________
[١٤٤٤]
مسألة ٣١ : إذا تخيّل أنّه
أتى بركعتين من نافلة اللّيل مثلاً فقصد الركعتين الثانيتين أو نحو ذلك ، فبان
أنّه لم يصلّ الأولتين ، صحت وحسبت له الأوّلتين ، وكذا في نوافل الظهرين. وكذا
إذا تبيّن بطلان الأولتين وليس هذا من باب العدول ، بل من جهة أنّه لا يعتبر قصد
كونهما أوّلتين أو ثانيتين ، فتحسب على ما هو الواقع ، نظير ركعات الصلاة حيث إنّه
لو تخيل أنّ ما بيده من الركعة ثانية مثلاً فبان أنّها الأُولى أو العكس أو نحو
ذلك ، لا يضر ويحسب على ما هو الواقع .
______________________________________________________
بوجه حتى إجمالاً
، فالتلفظ بقصد ما في الذمة حينئذ مجرد لقلقة لسان لا يجدي مثله شيئا.
نعم ، إنّما يجدي
ذلك فيما إذا تردد وشكّ فيما اشتغلت به الذمة وما تعلّق به الأمر الفعلي من دون
تخيل واعتقاد ، فلم يدر أنّ الواجب هو الظهر أو العصر فصلى بقصد ما في الذمة صحّت
، لتعلق القصد حينئذ بما هو الواقع إجمالاً ، فإنّه كافٍ ، إذ لا يعتبر القصد
التفصيلي كما مرّ سابقاً .
والحاصل : أنّ قصد
ما في الذمة لا يجتمع مع القصد إلى صلاة معيّنة بخصوصها ولا يكون ذلك من باب الخطأ
في التطبيق. وهذا نظير ما إذا صام بقصد ما في الذمة معتقداً أنّ الذمة مشغولة
بقضاء شهر رمضان فنوى القضاء بخصوصه ، ثم انكشف أنّ الذمة غير مشغولة به ، بل هي
مشغولة بالصوم الاستئجاري ، فهل يمكن القول بوقوعه امتثالاً عنه وفراغ ذمته عن
الصوم النيابي الواجب عليه بدعوى كون قصد الخلاف من باب الخطأ في التطبيق.
(١) قد ظهر الحال
ممّا قدّمناه في المسألة السابقة ، فإنّ قصد كون الركعتين
__________________
فصل
في تكبيرة
الإحرام
وتسمّى تكبيرة
الافتتاح أيضاً ، وهي أوّل الأجزاء الواجبة للصلاة بناءً على كون
النيّة شرطاً ، وبها يحرم على المصلي المنافيات وما لم يتمّها
يجوز له قطعها.
______________________________________________________
هما الأولتين من
ركعات نافلة الليل أم الثالثة والرابعة وهكذا غير معتبر في تحقق امتثال النافلة ،
كقصد كون الركعة التي بيده من الفريضة هي الركعة الأُولى أو الثانية ، فقصد الخلاف
غير قادح لكونه من باب الاشتباه في التطبيق غير القادح في أمثال المقام ممّا لا
يتقوّم المأمور به بقصده ، فيحسب له على ما هو الواقع عند خطئه ، وليس ذلك من باب
العدول في شيء كما صرّح به في المتن.
(١) على ما تشهد
به النصوص الكثيرة المصرّحة بأنّ أوّلها التكبيرة ، أو افتتاحها أو تحريمها
على اختلاف ألسنتها ، وأمّا القيام حالها فليس من أفعال الصلاة ، بل هو شرط
للتكبيرة مختص بحال التمكن كسائر الشرائط من الستر والاستقبال ونحوهما ، فصحّت
دعوى أنّ التكبيرة هي أوّل الأجزاء ، بعد الفراغ عن أنّ النيّة شرط لا جزء كما مرّ
.
(٢) أمّا الحرمة
الوضعية ، فلإطلاق أدلّة المنافيات الشامل لمجرد الشروع في التكبيرة وإن لم يفرغ
بعد عنها ، فلو تكلم أو تقهقه أو أتى بسائر المنافيات
__________________
وتركها عمداً
وسهواً مبطل ، كما أنّ زيادتها أيضاً كذلك فلو كبّر بقصد الافتتاح وأتى بها على الوجه الصحيح ثم كبّر
بهذا القصد ثانياً بطلت واحتاج إلى ثالثة ، فإن أبطلها بزيادة رابعة احتاج إلى
خامسة ، وهكذا تبطل بالشفع وتصح بالوتر.
______________________________________________________
أثناءها بطلت ،
لصدق كونه في الصلاة بمجرد الشروع فيها ، ولا يتوقف على استكمالها فتشمله المطلقات.
وأمّا الحرمة
التكليفية ، وأنّه هل يجوز قطعها ما لم يتمها أو لا ، فهي من شؤون البحث عن حرمة
قطع الفريضة اختياراً الذي عقد الماتن له فصلاً مستقلا بعد فصل المكروهات في
الصلاة ، فيبحث عن أنّ الحرمة ثابتة أم لا ، وعلى تقدير الثبوت
فهل تعمّ المقام أو لا ، فالأولى تأخير التعرض لذلك إلى حينه.
(١) على المشهور
بينهم ، ومن هنا عدّوها من الأركان بعد أن فسّروها بما تبطل الصلاة بنقيصته
وزيادته عمداً وسهواً ، لكنّ الركن بلفظه لم يرد في شيء من الروايات ، وإنّما
اصطلح عليه الفقهاء وتداول في ألسنتهم ، والتفسير المزبور ممّا لا شاهد عليه بعد
أن لم يساعده المفهوم اللغوي ، فإنّه لا يقتضي إلاّ الإخلال من حيث النقيصة دون
الزيادة ، ألا ترى أنّ الأُسطوانات وهي أركان البناء ينهدم بفقدها ولا تضرّ
زيادتها. وكيف كان فالمتبع في الحكم المذكور هو الدليل فلا بدّ من النظر إلى الأدلة
، ويقع الكلام تارة من حيث النقيصة وأُخرى من حيث الزيادة ، فهنا مقامان.
__________________
أمّا
المقام الأوّل : فلا ريب أنّ مقتضى القاعدة هو البطلان بالإخلال العمدي كما هو الشأن في سائر
الأجزاء ، إذ أنّ ذلك هو مقتضى فرض الجزئية والدخل في المركب الارتباطي. كما لا
ريب أنّ مقتضى القاعدة الأوّلية فيها وفي سائر الأجزاء مع قطع النظر عن مثل حديث
لا تعاد ونحوه هو البطلان أيضاً بتركها سهواً ، لانتفاء المركب بانتفاء جزئه بعد
إطلاق دليل الجزئية الشامل لحالتي الالتفات وعدمه كما صرّح به الشيخ قدسسره على أنّ الحكم في المقام ممّا تسالم عليه الأصحاب ، ولم
ينقل الخلاف فيه عن أحد ، بل ادعي الإجماع على البطلان بالنقص السهوي فضلاً عن
العمدي في غير واحد من الكلمات محصّلاً ومنقولاً.
وقد تضمّنت جملة من
النصوص الصحيحة بطلان الصلاة بنسيان التكبيرة كصحيحة زرارة قال : « سألت أبا جعفر عليهالسلام عن الرجل ينسى تكبيرة الافتتاح ، قال : يعيد » وموثقة عمار قال : « سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل سها خلف الإمام فلم يفتتح الصلاة ، قال : يعيد
الصلاة ، ولا صلاة بغير افتتاح » .
وصحيحة علي بن
يقطين قال : « سألت أبا الحسن عليهالسلام عن الرجل ينسى أن يفتتح الصلاة حتى يركع ، قال : يعيد
الصلاة » ، إلى غير ذلك من الأخبار المذكورة في الوسائل في الباب
الثاني من أبواب تكبيرة الإحرام.
نعم ، بإزائها
روايات أُخرى معتبرة فيها الصحيح والموثق دلت صريحاً على عدم الإعادة التي منها
صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « سألته عن رجل نسي أن يكبّر حتى دخل في الصلاة ،
فقال : أليس كان من
__________________
نيّته أن يكبّر؟
قلت : نعم ، قال : فليمض في صلاته » . ونحوها غيرها
ممّا تضمّن التفصيل بين كون التذكر قبل الركوع وبعده ، وأنّه يكبّر في الأوّل
ويمضي في الثاني كموثق أبي بصير ، أو بين كونه في الصلاة أو بعدها ، فيكبّر قائماً في
الأوّل ويقضيها ولا شيء عليه في الثاني كصحيح زرارة وغيرها ممّا ذكرت في الباب المزبور.
وقد
يقال كما عن المحقق
الهمداني قدسسره : بإمكان الجمع بين صحيحة الحلبي والطائفة الاولى بارتكاب
التخصيص ، حيث إنّ نسبة الصحيحة إليها نسبة الخاص إلى العام ، لأنّ موردها من كان
من نيّته أن يكبّر فنسي ، وتلك الأخبار مطلقة ، فتخصص بالصحيحة وتحمل على من لم
يكن من نيّته ذلك ، إلاّ أنّه متعذّر في خصوص المقام ، للزوم حمل تلك المطلقات على
الفرد النادر.
لكنه كما ترى لا
سبيل إلى التخصيص حتى لو جاز حمل المطلق على الفرد النادر ولم يكن مستهجناً ، إذ
النسبة بينهما هي التباين دون العموم والخصوص ضرورة أنّ فرض نسيان التكبيرة مساوق
لسبق الالتفات إلى جزئيتها الملازم للبناء على إتيانها حين إرادة الصلاة ، فالناسي
ناوٍ للتكبيرة وبانٍ عليها ومن نيّته أن يكبّر مهما صلّى ولا تنفك عنه أبداً ،
وإلاّ فهو إمّا جاهل أو عامد كما لا يخفى. فالموضوع في الطائفتين شيء واحد قد حكم
عليه بالإعادة تارة وبعدمها اخرى ، فهما متعارضان من أوّل الأمر.
وربما
يجمع بينهما بالحمل
على الاستحباب. وفيه : ما لا يخفى ، لما تكرّر منّا غير مرّة من امتناع ذلك في مثل
يعيد ولا يعيد كما في المقام إذ الأمر بالإعادة إرشاد إلى الفساد ، ولا معنى
لاستحباب الفساد.
__________________
فالأولى
في المقام أن يقال : إن كان
هناك إجماع على البطلان عند النسيان بحيث أورث القطع بالحكم ، فالطائفة الثانية
المتضمنة للصحة ساقطة عن الحجية في حدّ نفسها ، فلا تصلح للمعارضة ، بل يردّ علمها
إلى أهله ، وإن لم يورث القطع ، للتشكيك في كونه إجماعاً تعبدياً كاشفاً عن رأي
المعصوم عليهالسلام كما لا يبعد ، فان ثبت حينئذ أنّ فتوى العامّة هي الصحة
حملت هذه الطائفة على التقية ، وكان الترجيح مع الطائفة الأُولى لمخالفتها لهم ،
وإن لم يثبت لذهاب جمع منهم إلى البطلان أيضاً كما قيل ، فلا مناص من استقرار المعارضة حينئذ ، فيتساقطان ويرجع إلى إطلاق دليل
الجزئية من قوله عليهالسلام : افتتاحها التكبير ، أو تحريمها التكبير ونحو ذلك ، وتكون النتيجة أيضاً هو البطلان عند النسيان ، ولا سبيل للرجوع
إلى حديث لا تعاد لتصحيحها لاختصاصه بمن تلبّس بالصلاة وشرع فيها ، المتوقف على
الإتيان بالتكبيرة التي هي افتتاحها ، فناسي التكبيرة غير داخل بعد في الصلاة ، بل
هو خارج عنها وإن أتى ببقية الأجزاء فلا يشمله الحديث ، ولعلّ هذا هو السر في عدم
عدّ التكبيرة من المستثنيات ، مع لزوم إعادة الصلاة بالإخلال بها ولو سهواً بلا
إشكال كما في الخمسة المستثناة.
وأمّا
المقام الثاني : أعني الإخلال من حيث الزيادة ، فالمشهور هو البطلان
__________________
ولذا عدّوها من
الأركان ، بعد تفسير الركن بما تقدح زيادته عمداً وسهواً كنقيصته ، ومن هنا ذكروا
أنّه لو كبّر ثانياً بقصد الافتتاح بطلت واحتاج إلى الثالثة ، فإن أبطلها بالرابعة
احتاج إلى الخامسة ، وهكذا تبطل بالشفع ، وتصح بالوتر.
لكن البطلان
بالثانية يتوقف على القول بعدم الخروج عن الصلاة بمجرد نيّة القطع ، وأمّا على
القول به كما عليه المشهور وإن كان خلاف التحقيق كما مرّ فتصح الثانية من دون حاجة إلى الثالثة ، إذ قصد الافتتاح بالثانية ملازم لقصد
الخروج عن الأولى ، فالبطلان في مرتبة سابقة على التكبيرة فلا تتصوّر الزيادة
حينئذ كما لا يخفى.
وبهذا يشكل على
المشهور في الجمع بين الأمرين ، حيث ذهبوا إلى الخروج بمجرّد نيّة القطع ، ومع ذلك
حكموا في المقام ببطلان الثانية والافتقار إلى الثالثة.
وكيف كان ، فلا
بدّ من فرض الكلام بعد الفراغ عن عدم الخروج بنيّة القطع كي تتصوّر الزيادة. ويقع
الكلام تارة في الزيادة العمدية وأُخرى في السهوية.
أمّا
الأوّل : فقد استدلّ على
البطلان بوجوه نذكر عمدتها :
فمنها
: ما عن شيخنا
الأنصاري قدسسره من أنّ الثانية زيادة واقعة على جهة التشريع فتحرم وتبطل الصلاة بها ، لكونها
من الكلام المبطل مع العمد إليه اتفاقاً .
وفيه
: أنّ المبطل هو
خصوص كلام الآدمي ، ولم يثبت البطلان بمطلق الكلام المحرّم وإن كان ذكراً. على أنّ
التشريع لا يجري فيما لو أعادها ثانياً من باب الرجاء وبقصد الاحتياط كما ستعرف
فلا يتمّ على إطلاقه. هذا مع أنّ
__________________
ذلك لا يختص
بالتكبير ، بل يجري في سائر أجزاء الصلاة ممّا كان من قبيل الأقوال كما لا يخفى.
ومنها
: ما ذكره المحقق
الهمداني قدسسره من أنّ الثانية قادحة في صدق الهيئة الاتصالية المعتبرة بين الأجزاء ، حيث
إنّها مسبوقة لا محالة بالعزم على الخروج عن الصلاة برفع اليد عن الاولى حتى يتحقق
الافتتاح بالثانية ، وهذا العزم وإن لم يكن بمجرّده موجباً للبطلان ، ولذا لم نقل
بالخروج بمجرّد نيّة القطع ، إلاّ أنّ الجري على مقتضاه خارجاً باستئناف الصلاة
والإتيان بالثانية بقصد الافتتاح يوجب قطع الهيئة الاتصالية العرفية المانع عن
صلاحية انضمام الأجزاء اللاحقة بالسابقة .
وفيه
: ما لا يخفى ،
فإنّه لا مساغ للعرف لتشخيص كيفية اعتبار الهيئة الاتصالية بين الأجزاء ، بل لا
بدّ من أخذها من مخترعها وهو الشرع. نعم لا ريب في انقطاع الهيئة الاتصالية مع
الفصل الطويل الماحي للصورة ، كما لو كبّر وبعد نصف ساعة مثلاً قرأ وبعد هذا
المقدار من الفصل ركع وهكذا ، وأمّا مجرد إعادة التكبيرة واستئنافها فلا شك أنّ
العرف لا يساعد على قدحها في صدق الهيئة الاتصالية إلاّ بعد ثبوت الإخلال بها من
قبل الشارع وتقيد الصلاة بعدمها ، وهو بعد أوّل الكلام. فهذان الوجهان ضعيفان.
وأضعف منهما بقية
الوجوه المذكورة في المقام التي منها دعوى الإجماع على ركنيتها ، بعد تفسير الركن
بما تبطل الصلاة بزيادته كنقيصته عمداً وسهواً ، إذ فيه : ما عرفت من عدم الشاهد
على هذا التفسير نصّاً ، لخلوّها طرّاً عن هذا التعبير ، ولا فتوًى لما يظهر من
بعض الكلمات من تخصيص الإخلال بناحية النقص ، كما لا يساعد عليه المفهوم لغة ولا
عرفاً كما لا يخفى.
__________________
فالأولى الاستدلال لذلك : بأنّ التكبيرة الثانية لا أمر بها بعد
فرض صحة الأُولى ، إذ لا معنى للافتتاح عقيب الافتتاح ، وحيث إنّها تقع بقصد
الجزئية ، إذ لا تكاد تتصف بكونها تكبيرة الافتتاح إلاّ إذا كانت مقرونة بهذا
القصد ، فهي لا محالة تقع على صفة الزيادة ، إذ لا نعني بها إلاّ الإتيان بشيء
بقصد الجزئية ولم يكن مأموراً به ، فتشمله أدلة الزيادة المبطلة كقوله عليهالسلام : « من زاد في صلاته فعليه الإعادة » .
لكن هذا يختص بما
إذا أعادها بقصد الجزئية ، وأمّا إذا أعادها بقصد الرجاء ومن باب الاحتياط كما لو
شك في صحة الأُولى بشك لا يعتنى به شرعاً ، كما لو كان بعد الفراغ عن الأُولى
المحكومة بالصحة حينئذ ظاهراً ، فأعادها رجاءً دركاً للواقع فقصد بها الافتتاح على
تقدير فساد الاولى ، وإلاّ فتقع ذكراً فإنّه لا موجب للبطلان حينئذ ، لعدم كونها
من الزيادة المبطلة بعد عدم قصد الجزئية بها. هذا كله في الزيادة العمدية.
وأمّا
السهوية : فالمشهور أيضاً
هو البطلان ، إلاّ أنّ وجهه غير ظاهر ، لعدم الدليل عليه ، فانّ الوجوه المتقدمة
لا تقتضيه في هذه الصورة كما لا يخفى ، والتمسّك بالإجماع على ركنيتها بضميمة
الإجماع على تفسير الركن بما تقدح زيادته عمداً وسهواً كنقيصته ، قد عرفت ما فيه ،
إذ بعد تسليم الإجماع الأوّل لا دليل على الثاني ، بل ثبت عدمه بعد اختلاف الكلمات
حيث ظهر من بعضهم الاقتصار في تفسيره بالإخلال من ناحية النقص فحسب ، ومفهوم الركن
لغة وعرفاً لا يساعد على أكثر من ذلك ، فإنّه ما يتقوّم به الشيء ، والزيادة غير
قادحة في التقوّم لو لم تكن مؤيّدة ، ولم يرد اللفظ في شيء من الروايات وإنما وقع
التعبير به في كلمات الأصحاب خاصة.
__________________
ولو كان في أثناء
صلاة فنسي وكبّر لصلاة أُخرى فالأحوط إتمام الأُولى وإعادتها .
______________________________________________________
وعليه فالأقوى عدم
البطلان بزيادة التكبيرة سهواً ، عملاً بإطلاق حديث لا تعاد الحاكم على أدلة
الزيادة المبطلة مثل قوله عليهالسلام : « من زاد في صلاته فعليه الإعادة » والموجب لتخصيصها بالزيادة العمدية ، إذ لا قصور في شمول الحديث للمقام.
ودعوى اختصاصه بما
إذا كان الإخلال من ناحية النقص لا شاهد عليها فانّ بعض ما ذكر في المستثنى وإن لم
تتصور فيه الزيادة كالوقت والطهور والقبلة ، لكنّها تتصور في البعض الآخر كالركوع
والسجود ، فالمستفاد من إطلاق الحديث أنّ الإخلال العارض للصلاة سواء أكان من
ناحية النقيصة أم الزيادة ، إن كان من ناحية الخمسة المستثناة فتعاد وإلاّ فلا ،
ومن الواضح دخول التكبيرة في عموم المستثنى منه فيشملها الحديث إن كان الإخلال من
حيث الزيادة.
نعم ، إذا كان من
حيث النقيصة فقد عرفت عدم شموله لها حينئذ ، لاعتبار التلبس بالصلاة المتوقف على
الدخول والشروع فيها ، وناسي التكبيرة غير شارع بعد في الصلاة.
(١) تقدّم حكم ما
إذا كبّر ثانياً للصلاة التي بيده ، وعرفت أنّ الأقوى اختصاص البطلان بصورة العمد
دون النسيان.
وأمّا إذا نسي
فكبّر ثانياً لصلاة أُخرى ، فقد احتاط في المتن بإتمام الاولى ثم
__________________
إعادتها ، وكأنّ
الوجه في توقفه التردد في صدق الزيادة حينئذ على التكبيرة الثانية حتى يشملها ما
دلّ على البطلان بالزيادة ، فإنّ المتيقن في الصدق ما إذا كبّر ثانياً للصلاة التي
بيده لا لغيرها.
هذا ، ولا ينبغي
الريب في عدم الصدق ، لتقوّم الزيادة بقصد الجزئية للصلاة المتلبس بها المنفي في
الفرض ، وإلاّ فمجرّد الإتيان بشيء عارياً عن القصد المزبور لا يدرجه في عنوان
الزيادة المبطلة ، ولذا لو جلس لحاجة كقتل العقرب مثلاً أو قام لغرض كالنظر إلى
الأُفق ، أو أعاد سورة الفاتحة هدية لميت لا يوجب شيء منها البطلان. فانّ الجلوس
والقيام والفاتحة وإن كانت من أجزاء الصلاة ، لكنّه حيث لم يقصد كونها منها ، ولم
يؤت بها بعنوان الجزئية فلا تكون زيادة في الصلاة.
نعم ، ثبت في خصوص
السجدة أنّ مجرد الزيادة الصورية قادحة وإن لم يقصد بها الجزئية ، وذلك للأخبار
الناهية عن قراءة سور العزائم في الصلاة معللاً بأنّ السجدة زيادة في المكتوبة ، مع أنّ المأتي بها سجدة التلاوة لا سجدة الصلاة ، ويتعدى عنها إلى الركوع
بطريق أولى كما لا يخفى. فيعلم من ذلك أنّ الشارع عيّن لكل ركعة كمية خاصة من
السجود والركوع لا يتجاوز عنها ولا يزاد عليها ولو صورة. وأمّا بقية الأجزاء ومنها
التكبيرة فحيث لم يرد فيها مثل هذا الدليل فلا يكون القادح فيها إلاّ الزيادة
الحقيقية المتقوّمة بقصد الجزئية دون الصورية.
وعليه فأدلة
الزيادة المبطلة غير شاملة للمقام ، فلا مانع من الحكم بالصحة استناداً إلى حديث
لا تعاد ، بعد ما عرفت من شمول الحديث لمطلق الإخلال سواء أكان من ناحية النقيصة
أو الزيادة.
__________________
وصورتها الله أكبر
من غير تغيير ولا تبديل ، ولا يجزئ مرادفها ولا ترجمتها بالعجمية أو غيرها .
______________________________________________________
ومع الغض عنه فلا
مانع من الرجوع إلى أصالة البراءة عن مانعية هذه التكبيرة ، بناءً على ما هو
الصحيح من الرجوع إليها في الأقل والأكثر الارتباطيين ، بل يمكن الحكم بها حتى
فيما إذا كبّر لصلاة أُخرى عامداً عالماً فضلاً عن النسيان ، إذ لا موجب للبطلان
بعد عدم صدق الزيادة ، وقد تقدّم أنّ نيّة القطع بمجردها غير قادحة ، فالتكبيرة لصلاة أُخرى بمجردها بل ومع مقدار من الأجزاء غير الركوع والسجود
لا تضرّ بصحة الصلاة الاولى لو رجع إليها ما لم يستلزم الفصل الطويل الماحي للصورة
كما لا يخفى.
(١) يقع الكلام في
جهات ثلاث :
الاولى
: في وجوب المحافظة
على هذه الصورة بما لها من المادة والهيئة من غير تبديل ولا تغيير في شيء منهما ،
فلا يجزئ مرادفها كقوله : الرّحمن أعظم ونحوه ، أو ترجمتها بلغة اخرى ، كما لا
يجزئ الإخلال بالهيئة مثل تعريف أكبر أو تقديمه على لفظ الجلالة ، أو الفصل بينهما
بمثل كلمة سبحانه أو جلّ جلاله أو عزّ وجلّ أو تعالى ، ونحو ذلك.
الثانية
: في عدم وصلها بما
سبقها من دعاء ونحوه.
الثالثة
: في عدم وصلها بما
بعدها من الاستعاذة أو البسملة ونحوهما.
أمّا
الجهة الاولى : فلا خلاف بين الفقهاء ، بل قيل بين المسلمين قاطبة من الخاصة والعامة في وجوب
الإتيان بتلك الصورة من غير تغيير ولا تبديل ، وأنّه
__________________
قلّت مسألة في
الفقه تتفق عليها آراء عموم المسلمين كهذه . وهذا الإجماع
بنفسه دليل مستقل صالح للاعتماد عليه ، فان اكتفينا به ، وإلاّ فلا بدّ من إقامة
الدليل على الحكم.
وقد استدل له تارة
: بمرسلة الصدوق قال : « كان رسول الله صلىاللهعليهوآله أتمّ الناس صلاة وأوجزهم ، كان إذا دخل في صلاته قال :
الله أكبر بسم الله الرحمن الرحيم » بضميمة قوله صلىاللهعليهوآله « صلوا كما رأيتموني أُصلّي » .
وأُخرى : بما في
خبر المجالس بإسناده في حديث « وأمّا قوله الله أكبر إلى أن قال لا تفتتح الصلاة
إلاّ بها » فانّ مرجع الضمير في قوله « إلاّ بها » هي التكبيرة
المتقدم ذكرها على صورة الله أكبر ، لا مطلق التكبيرة كما هو ظاهر.
وربّما يورد على
الوجه الأوّل : بأنّ المراد بالموصول في قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم « كما رأيتموني أُصلّي » لا يمكن أن تكون الصلاة المشتملة
على جميع الخصوصيات ، لاختلافها وعدم انضباطها ، فلا بدّ وأن يراد البعض المعيّن
من تلك الخصوصيات ، وحيث لا قرينة عليه لعدم كونه متحصلاً لدينا فيكون مجملاً فلا
يصلح للاستدلال.
__________________
وفيه
: ما لا يخفى ،
فانّ الخصوصيات التي اقترنت بها صلاته صلىاللهعليهوآله وإن كان بعضها مختلفة كوقوعها في المسجد تارة وفي الدار
أُخرى ، أو مع اللباس الشتوي مرّة ، والصيفي اخرى ونحو ذلك ممّا يقطع بعدم دخله في
الصلاة ، إلاّ أنّ جملة أُخرى منها ومنها التكبيرة معيّنة منضبطة كان يواظب عليها
في جميع صلواته قطعاً ، وإلاّ لنقل إلينا بالضرورة فلا إجمال فيها.
نعم ، يرد عليه أوّلاً : أنّ مرسلة الصدوق ضعيفة بالإرسال فلا تصلح للاستدلال. وثانياً : قصور الدلالة لو لم تكن ظاهرة في الجواز ، غاية ما هناك
أنّ الصلاة حينئذ لا تكون من الموجز ، لا أنّها لا تصح كما لا يخفى.
وثالثاً
: أنّ رواية «
صلّوا كما رأيتموني أُصلّي » لم ترد بطرقنا ولم توجد في كتبنا ، وإنّما ذكرت في
كتب العامة ورويت بطرقهم فلا يمكن الاعتماد عليها ، وإن أرسلها الأصحاب كالمحقق
الهمداني وغيره إرسال المسلمات من دون غمز في السند.
وأمّا الوجه
الثاني : أعني خبر المجالس ، فهو ضعيف السند أوّلاً ، إذ الصدوق يرويه عن شيخه
محمد بن علي ماجيلويه وهو مهمل في كتب الرجال ، ومجرد كونه من مشايخ الإجازة لا
يدل على التوثيق ، كيف وقد صرّح الصدوق في حق بعض مشايخه بما لفظه : لم أر أنصب
منه . هذا وقد اشتمل آخر السند على الحسن بن عبد الله بن الحسن
بن علي بن أبي طالب عليهالسلام والحسن مجهول. نعم ، والده من شهداء الطف المستغنين عن
التوثيق بل التعديل ، إذ ليسوا بأقل من شهداء بدر.
كما اشتمل وسطه
على علي بن الحسين البرقي وهو أيضاً مجهول ، فالسند
__________________
ضعيف من جهات ثلاث
فلا يمكن الاعتماد على الخبر.
كما أنّه قاصر
الدلالة ثانياً ، بل على خلاف المطلوب أدل ، إذ المذكور في المجالس هكذا « ...
وأمّا قوله والله أكبر إلى أن قال لا تفتتح الصلاة إلاّ بها » فهو مشتمل على زيادة
الواو على خلاف المنقول عنه في الوسائل كما نبّه عليه المعلّق. فالاستدلال بشيء
من الوجهين لا يتم.
والأولى الاستدلال عليه من وجوه :
أحدها
: إطلاق أدلة
الجزئية مثل قوله عليهالسلام « تحريمها التكبير » بعد انصراف
التكبير فيها إلى ما هو المعهود المتعارف المنقول عن صاحب الشرع ، والمفروض في
الأذان ، والذي يعرفه حتى النِّساء والصبيان ، ولم يختلف فيه اثنان ، لا من الخاصة
ولا من العامة كما عرفت. فالمعروفيّة بهذه المثابة من الكثرة والشيوع في جميع
الأعصار والأمصار بحيث متى قيل لأحد كبّر لا يتفوّه إلاّ بقوله الله أكبر ، لا شك
في أنّه يوجب صرف إطلاق التكبير في تلك الأدلة إلى هذه الكيفية الخاصة الرائجة بين
عموم المسلمين ، بل لعلّه لا يوجد تعارف أشد من ذلك في صرف الإطلاق ، فمقتضى دليل
الجزئية بعد التنزيل على المتعارف وجوب هذه الكيفية بخصوصها وعدم الاجتزاء بغيرها.
ومعه لا تصل
النوبة إلى الرجوع إلى الأصل العملي الذي مقتضاه هو البراءة ، بناءً على ما هو
الصحيح من الرجوع إليها عند الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطيين ، وكذا عند
الشك بين التعيين والتخيير الذي هو في الحقيقة من مصاديق الدوران بين الأقل والأكثر
الارتباطيين ، ولا فرق بينهما إلاّ في مجرّد التعبير كما أوضحناه في الأُصول . فما عن بعض من التفكيك بينهما
__________________
بالرجوع إلى
البراءة في الأوّل ، والاشتغال في الثاني في غير محلّه.
الثاني
: الأخبار الدالة
على أنّ عدد التكبير في الصلوات الخمس اليومية خمس وتسعون ، كموثق معاوية بن عمار
عن أبي عبد الله عليهالسلام « قال : التكبير في الصلاة الفرض الخمس صلوات ، خمس وتسعون
تكبيرة ، منها تكبيرات القنوت خمس » . فانّ المستفاد
منها أنّ تلك التكبيرات التي منها الافتتاح كلها من سنخ واحد وعلى صورة واحدة ،
فإذا انضمّ ذلك إلى قوله عليهالسلام في صحيحة زرارة : « إذا أردت أن تركع فقل وأنت منتصب :
الله أكبر ... » إلخ المشتملة على بيان الكيفية في تكبيرة الركوع ، يظهر من
ذلك أنّ تكبيرة الافتتاح أيضاً كذلك ، لما عرفت من استظهار كون الجميع من سنخ واحد
وبكيفية واحدة.
الثالث
: وهو العمدة ،
والاستدلال به أقوى من سابقه وأظهر صحيحة حماد الواردة في بيان كيفية الصلاة التي
استدلّ بها الأصحاب في كثير من المقامات قال فيها : « واستقبل بأصابع رجليه (
جميعاً ) لم يحرفهما عن القبلة بخشوع واستكانة فقال : الله أكبر ... » إلخ ثم قال عليهالسلام في ذيلها « يا حماد هكذا صلّ ... » إلخ ، فإنّ ظاهر الأمر
وجوب الإتيان بتلك الكيفية الظاهر في الوجوب التعييني بمقتضى الإطلاق. ولا يقدح في الاستدلال اشتمالها على
__________________
جملة من المستحبات
لما ثبت في محله من أنّ اقتران الكلام بما ثبت استحبابه من الخارج لا يمنع من
الظهور في الوجوب فيما عداه الفاقد للقرينة على الخلاف سيّما بناءً على مسلكنا من خروج الوجوب والاستحباب عن مدلول الأمر وكونهما
بحكم العقل ومنتزعين من الاقتران بالترخيص في الترك وعدمه ، فما ثبت اقترانه بالترخيص في الترك كان مستحبّاً وإلاّ حكم العقل بوجوبه ،
وحيث لم يثبت الترخيص المزبور في التكبير كان واجباً. وليت شعري كيف غفل الأصحاب
عن التمسك بهذه الصحيحة في المقام مع وضوح دلالتها واستنادهم إليها في كثير من
المقامات متعرضين للإشكال المزبور ودفعه بما ذكر.
__________________
والأحوط عدم وصلها
بما سبقها من الدعاء أو لفظ النيّة وإن كان الأقوى جوازه وتحذف الهمزة من (
الله ) حينئذ.
______________________________________________________
(١) هذه هي الجهة الثانية
من الكلام ، وقد اختار قدسسره جواز وصل
التكبيرة بما سبقها من الدعاء ونحوه بحذف الهمزة من الله حينئذ ، وإن ذكر قدسسره أنّ الأحوط هو
عدم الوصل ، والمشهور هو عدم الجواز
واستدلّ لهم كما
في الذكرى بما يتألف من مقدّمتين : إحداهما : أنّ المعهود المنقول من
صاحب الشرع هو قطع همزة الله وعدم وصلها بما تقدمها. الثانية : أنّه لا كلام قبل
تكبيرة الإحرام ، فلو تكلفه واستلزم سقوط همزة الوصل لكونه من خواص الدرج بكلام
متصل ، فقد تكلف ما لا يحتاج إليه ، فيخرج اللفظ عن أصله المعهود شرعاً.
وفي كلتا
المقدمتين ما لا يخفى ، أمّا
الأُولى : فلعدم الدليل على
تخصيص الصادر من صاحب الشرع بذلك. نعم ، المنقول عنه صلىاللهعليهوآله ذلك ، إلاّ أنّه لم ينقل عدم صدور غيره منه ، ومجرد ذلك لا
يكون دليلاً على العدم ، فلعله صدر ولم ينقل إلينا. فدعوى أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يأت بها إلاّ مقطوعة عن الكلام السابق لا شاهد عليها كما صرح به في
الجواهر .
وأمّا
الثانية : فإن أُريد من
الكلام المنفي وجوده قبل تكبيرة الإحرام الكلام الواجب فهو صحيح ، إلاّ أنّ من
المعلوم أنّ السقوط من خواص الدرج بكلام متصل واجباً كان أم لا ، وإن أُريد النفي
بقول مطلق حتى المستحب منه أو
__________________
كما أنّ الأقوى
جواز وصلها بما بعدها من الاستعاذة أو البسملة أو غيرهما ، ويجب حينئذ إعراب راء
أكبر ، لكن الأحوط عدم الوصل.
______________________________________________________
المباح فهو مقطوع
العدم ، كيف والتكبيرة هي التحريم ، فلا يحرم الكلام إلاّ بعدها لا قبلها ، وقد
ثبت استحباب جملة من الأدعية قبلها ولا أقل من تكبيرات الافتتاح الست ، فمن الجائز
أن يوصل التكبيرة السادسة بالتكبيرة السابعة التي بها تفتتح الصلاة ، المستلزم
لسقوط همزة الوصل حينئذ الذي هو من شؤون الدرج بكلام متصل.
ومن هنا قد يقوى
في النظر بعد عدم قيام دليل على المنع جواز الوصل كما اختاره في المتن ، استناداً
إلى أصالة البراءة عن مانعيته ، بناءً على ما هو الصحيح من الرجوع إليها في الأقل
والأكثر الارتباطيين ، وقد أشرنا إلى أنّ هذا الباب وباب الدوران بين التعيين
والتخيير من وادٍ واحد ، بل أحدهما عين الآخر ، والاختلاف في مجرد التعبير ، فلا
وجه للتفكيك بالرجوع إلى البراءة في الأوّل والاشتغال في الثاني.
هذا ، ولكن الحكم
بالجواز مشكل جدّاً ، لإمكان الاستدلال على المنع بصحيحة حماد المتقدمة حيث ذكر فيها صورة التكبيرة منفصلة عن أيّ شيء قبلها ، ثم قال عليهالسلام في ذيلها : « يا حماد هكذا صلّ » ، والأمر ظاهر في الوجوب التعييني ، فجواز
الوصل يحتاج إلى الدليل ، وبدونه يتعيّن العمل بظاهر الأمر ، فلا تصل النوبة إلى
الرجوع إلى الأصل العملي المزبور. وكيف كان ، فعدم جواز الوصل ووجوب قطع الهمزة إن
لم يكن أقوى فلا ريب أنّه أحوط.
(١) هذه هي الجهة الثالثة
من الكلام ، فنقول : إذا
بنينا على جواز الوصل
__________________
بالسكون فلا ينبغي
الإشكال حينئذ في جواز وصل التكبيرة بما بعدها ، لحصول المحافظة على هيئتها من دون
أيّ تغيير.
وأمّا إذا بنينا
على عدم الجواز فالظاهر أيضاً جواز الوصل مع إعراب راء أكبر كي لا يلزم الوصل
بالسكون إذ لا دليل على وجوب الوقف على أكبر بل مقتضى إطلاق صحيحة حماد عدمه ، سيّما وقد تعرّض فيها للوقف والتنفس بعد الفراغ عن التوحيد قبل الشروع
في تكبيرة الركوع بقوله : « ثم قرأ الحمد بترتيل وقل هو الله أحد ، ثم صبر هنيئة
بقدر ما تنفس وهو قائم ، ثم قال الله أكبر ... » إلخ مع أنّ الصبر والتنفس هنا غير
واجب قطعاً ، فلو كان الوقف في تكبيرة الإحرام واجباً كان ذكره أولى والتعرض له
أحرى كما لا يخفى.
وكيف كان ، فإطلاق
الصحيحة رافع لاحتمال الوجوب ، فانّ هذه الصحيحة وغيرها من الروايات الواردة لبيان
كيفية الصلاة إنّما تتكفل ببيان الأجزاء بموادها ، وأمّا إعراب الكلمات من الوقف
والحركات فهو محوّل إلى قانون اللغة والقواعد العربية والأُصول المقررة لذلك ، ومن
هنا لا نجد في شيء من تلك الأخبار تعرّضاً لذلك. وعليه فاذا احتملنا لزوم مراعاة
شيء على خلاف ما تقتضيه تلك القواعد كوجوب الوقف في المقام وعدم وصل التكبيرة بما
بعدها جاز التمسّك في دفعه بإطلاقها.
ولا ينافي ذلك ما
تقدّم منّا من عدم جواز وصل التكبيرة بما قبلها استناداً إلى صحيحة حماد ، لأنّ
ذلك كان مستلزماً لتغيير مادة اللّفظ ، لسقوط همزة الله في الدرج ، وقد عرفت أنّ
ظاهر الصحيحة الأمر بهذه الهيئة بمادتها ، وأمّا في المقام فالتغيير راجع إلى
الأعراب ، والصحيحة كغيرها من سائر الأخبار غير ناظرة إليه كما عرفت.
__________________
ويجب إخراج حروفها
من مخارجها والموالاة بينها ، وبين الكلمتين.
[١٤٤٥]
مسألة ١ : لو قال : (
الله تعالى أكبر ) لم يصح ، ولو قال : ( الله أكبر من أن يوصف ) ، أو ( من كل شيء
) فالأحوط الإتمام والإعادة وإن كان الأقوى الصحة إذا لم يكن بقصد
التشريع.
______________________________________________________
هذا ومع الإغماض
عن إطلاق الصحيحة ، فلا مانع من الرجوع إلى أصالة البراءة عن مانعية الوصل بما
بعدها على المختار من جواز الرجوع إليها في الأقل والأكثر الارتباطيين ، وفي
الدوران بين التعيين والتخيير ، وقد أشرنا غير مرّة إلى اتحاد المسألتين وعدم
المجال للتفكيك بينهما.
(١) كي لا تتغيّر
الكلمة عمّا هي عليه القادح في الصحة ، للزوم الإتيان بها لا بشيء غيرها ، كما لا
ريب في لزوم الموالاة بين حروفها كلزومها بين الكلمتين تحفظاً على الهيئة الكلامية
اللاّزم مراعاتها وإلاّ خرجت التكبيرة عن كونها كذلك.
(٢) أمّا عدم صحة
الأوّل ، المستلزم لتغيير هيئة التكبيرة عن كيفيتها المتعارفة فقد سبق الكلام فيه
مستقصى وعلم وجهه ممّا مرّ .
وأمّا الثاني ،
فالظاهر أيضاً عدم الجواز ، فإنّه وإن لم يستلزم تغييراً في الهيئة لكونه زيادة
لاحقة ، لكنّها مغيّرة للمعنى فلا تجوز ، فانّ قوله : الله أكبر من أن يوصف ، لا
يدل على اختصاص الأكبرية من ذلك به تعالى ونفيها عن غيره فلعلّ هناك موجوداً
كالنبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم أو ملك مُقرّب هو أيضاً أكبر من أن يوصف ، كما أن قوله :
الله أكبر من كل شيء ، لا يدل على
__________________
[١٤٤٦]
مسألة ٢ : لو قال : الله
أكبر بإشباع فتحة الباء حتى تولّد الألف بطل كما أنّه لو شدّد راء أكبر بطل أيضاً.
[١٤٤٧]
مسألة ٣ : الأحوط تفخيم
اللاّم من الله والراء من أكبر ، ولكن الأقوى الصحة مع تركه أيضاً .
[١٤٤٨]
مسألة ٤ : يجب فيها
القيام والاستقرار فلو ترك أحدهما بطل عمداً كان أو سهواً .
______________________________________________________
أنّه تعالى غير
محدود بحدّ وغير قابل للوصف ، بل غايته أنّ كل موجود في الخارج فالله سبحانه أكبر
منه ، وأمّا أنّه تعالى أكبر من أن يوصف وأجل من أن يحدد بحد فلا دلالة للكلام
عليه.
هذا بخلاف قولنا :
( الله أكبر ) مرسلاً عن كل قيد ، فإنّه يدل على الأكبرية المطلقة الشاملة لجميع
تلك المعاني ، بل وغيرها كما لا يخفى ، فيكون المعنى أشمل والمفهوم أوسع وأكمل ،
فلا يجوز تغييره بالتقييدين الموجبين للتضييق.
(١) للزوم زيادة
الحرف الموجبة لتغيير الصورة ، بل خروج الكلمة عن حقيقتها. ومنه يظهر الحال في
تشديد راء أكبر.
(٢) فإنّ ذلك من
قواعد التجويد غير اللازم مراعاتها ، بعد عدم خروج الكلمة بالإخلال بها عن كونها
عربية ، فإن تلك القواعد من محسّنات الكلام لا من مقوّماته.
(٣) ذكر قدسسره أنّه يعتبر في
التكبيرة القيام والاستقرار ، بل هما ركنان فيها بمعنى أنّه لو ترك أحدهما عمداً
أو سهواً بطل.
__________________
أمّا
القيام : فلا إشكال كما لا
خلاف في اعتباره فيها ، وتشهد له جملة من النصوص الواردة ، إمّا في خصوص التكبيرة
كصحيحة حماد قال فيها : « فقام أبو عبد الله عليهالسلام مستقبل القبلة منتصباً إلى أن قال فقال : الله أكبر ... » إلخ بضميمة قوله في
الذيل « يا حماد هكذا صلّ » الظاهر في الوجوب التعييني.
أو في حال الصلاة
التي منها التكبيرة التي هي افتتاحها وأوّل جزء منها وهي كثيرة ، كصحيح زرارة قال
: « قال أبو جعفر عليهالسلام في حديث : وقم منتصباً فانّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : من لم يقم صلبه فلا صلاة له » ، وصحيح أبي حمزة
« عن أبي جعفر عليهالسلام في قول الله ( عزّ وجلّ ) ( الَّذِينَ
يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ ) قال : الصحيح
يصلّي قائماً ... » إلخ .
وصحيح أبي بصير عن
أبي عبد الله عليهالسلام « قال : قال أمير المؤمنين عليهالسلام من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له » ، ونحوها غيرها.
ثم إنّ مقتضى
إطلاق هذه النصوص اعتبار القيام والانتصاب في التكبيرة مطلقاً ، لكن المحكي عن
الشيخ في المبسوط والخلاف عدم اعتباره في المأموم قال : إذا كبّر المأموم تكبيرة
واحدة للافتتاح والركوع وأتى ببعض التكبير منحنياً صحّت صلاته ، واستدلّ عليه بأنّ
الأصحاب حكموا بصحة هذا التكبير وانعقاد الصلاة به ، ولم يفصّلوا بين أن يكبّر
قائماً أو يأتي به منحنياً ، فمن ادعى البطلان احتاج إلى دليل.
__________________
وفيه
: ما لا يخفى ، إذ
يكفي في الدليل إطلاق النصوص المتقدمة كما عرفت. وحكم الأصحاب بالصحة مسوق لبيان
الاجتزاء بالتكبيرة المزبورة عن التكبيرتين ، وسنتعرض لهذا الحكم في محلّه إن شاء
الله تعالى ، وليسوا بصدد بيان الصحة على الإطلاق حتى مع الإخلال
بسائر الشرائط المعتبرة في التكبيرة من القيام ونحوه ، فانّ بيان ذلك موكول إلى
محله وقد تعرضوا له ، فلا إطلاق لكلامهم في المقام من هذه الجهة قطعاً.
على أنّه يكفي في
الحكم بالبطلان الصحيحة الواردة في خصوص المقام ، وهي صحيحة سليمان بن خالد عن أبي
عبد الله عليهالسلام أنّه « قال في الرجل إذا أدرك الإمام وهو راكع وكبّر الرجل
وهو مقيم صلبه ثم ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه : فقد أدرك الركعة » .
فانّ بعض المذكور
في القضية الشرطية وإن كان من قبيل القيود المسوقة لبيان تحقق الموضوع التي لا
مفهوم لها كإدراك الإمام في ركوعه ، وكذا تكبير الرجل ، إذ مع انتفاء الأول لا
موضوع لإدراك الركعة ، كما أنّه مع انتفاء الثاني لا موضوع للصلاة ، إلاّ أنّ
البعض الآخر ليس من هذا القبيل كقوله « وهو مقيم صلبه » الذي هو محل الاستشهاد
وقوله « ثم ركع » فانّ من يكبّر قد يقيم صلبه وقد لا يقيم ، كما أنّه قد يركع وقد
لا يركع ، وقد ذكرنا في الأُصول في بحث المفاهيم أنّ الجملة الشرطية إذا اشتملت
على قيدين أحدهما مسوق لبيان تحقق الموضوع والآخر لغيره ، كان للقضية مفهوم
باعتبار الثاني وإن لم يكن له باعتبار الأوّل ، كما في قولك : إن ركب الأمير وكان
ركوبه يوم الجمعة فخذ بركابه ، فيدل على عدم وجوب الأخذ بالركاب لو كان الركوب في
غير يوم
__________________
الجمعة وإن لم يدل
على عدم الوجوب مع عدم الركوب أصلاً ، لانتفاء الموضوع حينئذ ، كما في قولك : إن
رزقت ولداً فاختنه .
وعليه فالصحيحة
وإن لم يكن لها مفهوم باعتبار فقد أحد القيدين الأوّلين المسوقين لبيان تحقق
الموضوع ، لكنه ينعقد لها المفهوم باعتبار القيدين الآخرين فتدلّ بالمفهوم على أنّ
من كبّر ولم يقم صلبه وركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فهو غير مدرك للركعة المساوق
لبطلان الصلاة.
وتؤيِّدها : رواية
أبي أُسامة يعني زيداً الشحام « أنّه سأل أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل انتهى إلى الامام وهو راكع ، قال : إذا كبّر وأقام صلبه ثم ركع فقد
أدرك » والتقريب ما مرّ لكن سندها مخدوش ، فإنّ أبا أُسامة وإن
كان موثقاً لتصريح الشيخ بتوثيقه على أنّه واقع في
أسانيد كامل الزيارات ، مع أنّ العلاّمة ذكر في شأنه عين العبارة التي ذكرها
النجاشي بزيادة قوله ثقة عين ، وهو مشعر بأخذ العبارة منه ، ولعلّ نسخة النجاشي
الموجودة عنده كانت مشتملة على الزيادة ، فيكون قد وثقه النجاشي أيضاً ، وإن كانت النسخة الواصلة إلينا الدارجة اليوم خالية عنها.
إلاّ أنّ طريق
الشيخ إلى الرجل فيه ضعف ، لاشتماله على أبي جميلة مفضل ابن صالح ولم يوثق ،
فالرواية ضعيفة السند ، ومن هنا ذكرناها بعنوان التأييد.
__________________
فتحصّل
: أنّ الأقوى
اعتبار القيام في التكبيرة مطلقاً ، من غير فرق بين المأموم وغيره.
وهل يختص اعتباره
بحال الذكر أو يعمّ النسيان فتعدّ من الأركان ، فلو تركه عمداً أو سهواً بطلت
صلاته؟
مقتضى إطلاق حديث
لا تعاد الحاكم على الأدلة الأولية هو الأوّل ، لعدم كونه من الخمسة المستثناة ،
فيندرج تحت إطلاق المستثنى منه ، فإنّ الإخلال بنفس التكبيرة نقصاً وإن لم يكن
مشمولاً للحديث ، لعدم الدخول بعد في الصلاة التي افتتاحها التكبيرة ، ولعلها من
أجله لم تذكر في عقد الاستثناء مع مسلّمية البطلان بتركها سهواً نصاً وفتوى كما
تقدم ، لكن الإخلال بالقيام مع الإتيان بذات التكبيرة غير مانع عن شمول الحديث ،
لصدق الشروع والافتتاح والتلبس بالصلاة بمجرد حصول التكبيرة وإن كانت فاقدة لشرطها
كما لا يخفى فلو كان هناك إخلال فهو من ناحية القيام لا التكبيرة فيشمله الحديث.
إلاّ أنّ صريح
موثقة عمار هو الثاني ، أعني بطلان الصلاة بنسيان القيام ، قال عليهالسلام فيها : « وكذلك إن وجبت عليه الصلاة من قيام فنسي حتى افتتح الصلاة وهو قاعد
، فعليه أن يقطع صلاته ويقوم فيفتتح الصلاة وهو قائم ولا يقتدي ( ولا يعتد )
بافتتاحه وهو قاعد » . فلا مناص من تخصيص الحديث بها ، لكونها أخص منه مطلقاً.
وأمّا
الاستقرار : بمعنى الطمأنينة
والسكون في قبال الاضطراب والحركة ، فلم يرد على اعتباره في التكبيرة نص بالخصوص ،
وإنّما استدلّ له في المقام بما دلّ على اعتباره في الصلاة بعد كون التكبيرة منها
وجزءاً لها. وقد استدلّ له بعد الإجماع المحقق بعدّة من الروايات.
__________________
منها
: رواية السكوني عن
أبي عبد الله عليهالسلام « أنّه قال في الرجل يصلي في موضع ثم يريد أن يتقدم ، قال
: يكف عن القراءة في مشيه حتى يتقدّم إلى الموضع الذي يريد ثم يقرأ » فإنّ التكبيرة حالها حال القراءة من هذه الجهة كما لا يخفى.
وهذه الرواية وإن
كانت معتبرة سنداً ، فانّ السكوني موثق ، وكذا النوفلي الراوي عنه ، لوقوعه في
أسانيد تفسير القمي ، لكنّها قاصرة الدلالة ، إذ بعد تسليم شمول القراءة للتكبيرة
واتحادها معها في هذا الحكم ، ليست الرواية ممّا نحن فيه ، لكونها ناظرة إلى
اعتبار الاستقرار في مقابل المشي ، لا في مقابل الطمأنينة والاضطراب ، مع كونه
واقفاً الذي هو محل الكلام.
ومنها
: رواية سليمان بن
صالح عن أبي عبد الله عليهالسلام « قال : لا يقيم أحدكم الصلاة وهو ماش ولا راكب ولا مضطجع
، إلاّ أن يكون مريضاً وليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة ، فإنّه إذا أخذ في
الإقامة فهو في صلاة » بناءً على أنّ المراد من التمكن الاستقرار والاطمئنان ،
كما لعله الظاهر.
وهي وإن صحّ سندها
، بالرغم من اشتماله على صالح بن عقبة وقد ضعّفه ابن الغضائري ، إذ لا عبرة بتضعيفه ، لعدم الاعتماد على كتابه ، فلا يعارض به التوثيق
المستفاد من وقوعه في أسناد تفسير القمي وكامل الزيارات ، لكنّها قاصرة الدلالة ،
لأنّه إن أُريد من التشبيه المماثلة في كيفية الاستقرار ، فلا تعرّض فيها لحكمه ،
وإن أُريد التشبيه من حيث الحكم ، فقد سبق في مبحث الإقامة
__________________
عدم اعتبار
الاستقرار فيها وإنّما هو مستحب ، إذن فلا تدل على الوجوب في الصلاة ، بل غايته
المساواة في اعتبار الرجحان وأصل المطلوبية.
ومنها
: ما رواه الصدوق
بإسناده عن هارون بن حمزة الغنوي « أنّه سأل أبا عبد الله عليهالسلام عن الصلاة في السفينة ، فقال : إن كانت محملة ثقيلة إذا قمت فيها لم تتحرك
فصَلّ قائماً ، وإن كانت خفيفة تكفأ فصلّ قاعداً » فقد دلّت على اعتبار الاستقرار على نحو يتقدم على القيام لو أوجب الإخلال به
فيصلي قاعداً.
ويمكن
الخدش في السند : بأنّ
في طريق الصدوق إلى هارون بن حمزة ، يزيد ابن إسحاق شَعَر ، ولم يوثق كما صرح به
الأردبيلي نعم صحح الطريق في الخلاصة بناءً على مسلكه من العمل برواية كل إمامي لم يرد فيه قدح.
هذا ، ولكن الرجل
واقع في أسانيد كامل الزيارات فالرواية معتبرة ، ولا ينبغي النقاش في سندها. لكنها قاصرة
الدلالة ، لعدم كون التفصيل ناظراً إلى استقرار المصلي وعدمه ، بل إلى استقرار
السفينة واضطرابها لخفتها ، وأنّها لو كانت خفيفة بحيث تكفأ لو قام المصلي في
صلاته سقط القيام حينئذ وصلى قاعداً مخافة الوقوع في البحر لكونه مظنة الضرر.
فقوله « تكفأ » أقوى شاهد على اضطراب السفينة الموجب لسقوط القيام لكونه في معرض
التلف والغرق دون اضطراب المصلي من حيث هو مع الأمن من القيام الذي هو محل الكلام.
فهذه
الروايات لا يمكن
الاستدلال بشيء منها على اعتبار الاستقرار في
__________________
[١٤٤٩]
مسألة ٥ : يعتبر في صدق
التلفّظ بها بل وبغيرها من الأذكار
______________________________________________________
الصلاة كي يثبت في
التكبيرة التي هي جزء منها.
نعم ، لو ثبت ما
قد يدعى من اعتبار الاستقرار في مفهوم القيام الواجب حال التكبيرة نصاً وفتوى كما
تقدم ، كان الدليل عليه دليلاً عليه ، لكنه غير ثابت قطعاً ،
فانّ القيام لم يؤخذ في مفهومه إلاّ انتصاب الظهر في الجملة ، في مقابل الانحناء
والهيئات الأُخرى من الركوع والسجود والاضطجاع والقعود وأمّا الحركة والسكون
فخارجتان عن المفهوم ، فقد يكون القائم متحركاً وقد يكون قارّاً.
فليس في البين ما
يعتمد عليه في اعتبار الاستقرار في الصلاة الشاملة للتكبيرة إلاّ الإجماع المحقق
والتسالم بين الأصحاب قديماً وحديثاً ، وحيث إنّه دليل لبي فلا بدّ من الاقتصار
على القدر المتيقن وهي صورة العمد ، فلا دليل على البطلان في صورة النسيان ، بل
مقتضى إطلاق حديث لا تعاد هي الصحة.
فدعوى ركنيته كما
في المتن تبعاً للشهيد ، وأنّه تبطل الصلاة بالإخلال به حال التكبيرة عمداً
وسهواً ، لا يمكن المساعدة عليها. نعم ، تصح الدعوى بالنسبة إلى القيام حالها كما
عرفت.
(١) المشهور بين
الأصحاب اعتبار سماع النفس تحقيقاً أو تقديراً في صدق التلفظ بالتكبيرة وغيرها من
الأذكار والأدعية والقرآن ، فلو كان دون ذلك لم يصح.
__________________
والأدعية والقرآن
، أن يكون بحيث يسمع نفسه تحقيقاً أو تقديراً ، فلو تكلم بدون ذلك لم يصح .
______________________________________________________
وقد يستدل له كما
في المعتبر والمنتهى بدخل ذلك في تحقق
الكلام فما لا يسمع لا يعدّ كلاماً ولا قراءة.
وفيه : ما لا يخفى
، لمنع الدخل فلا يتوقف صدق الكلام على الإسماع ، ولذا لو تكلم بمثل ذلك بكلام
آدمي أثناء صلاته بطلت ، ولا نظن تجويز مثل ذلك حتى من المستدل.
فالعمدة إذن الروايات الواردة في المقام ، التي منها موثقة سماعة
قال : « سألته عن قول الله عزّ وجلّ ( وَلا تَجْهَرْ
بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها ) قال : المخافتة ما دون سمعك ، والجهر أن ترفع صوتك شديداً
» فكأنه استصعب سماعة فهم المراد من الآية الشريفة ، حيث إنّ
الجهر والإخفات من الضدين اللذين لا ثالث لهما ، فكيف نهى سبحانه عنهما وأمر
باتخاذ الوسط بينهما بقوله تعالى ( وَابْتَغِ بَيْنَ
ذلِكَ سَبِيلاً ) فأجاب عليهالسلام بأنّ الخفت الممنوع ما كان دون السّمع ، والجهر كذلك ما
تضمن الصوت الشديد ، وما بينهما هو الوسط المأمور به الذي ينقسم أيضاً إلى الجهر
والإخفات حسب اختلاف الصلوات كما فصّل في الروايات.
__________________
[١٤٥٠]
مسألة ٦ : من لم يعرفها
يجب عليه أن يتعلّم
______________________________________________________
ويؤيدها
: روايات اخرى بهذا العنوان لا تخفى على المراجع ، فلا إشكال
في الحكم وأنّه لا بدّ في الامتثال من التكلم بهذه الأُمور على نحو يسمع نفسه إما تحقيقاً ، أو تقديراً كما في الأصم لعارض ، أو كان هناك مانع عن سماع
الصوت.
(١) مراده قدسسره من عدم المعرفة
بقرينة ذكر الملحون وغير القادر فيما بعد ، من لم يعرفها صحيحة سواء لم يعرفها
أصلاً ، أو لم يعرف الصحيح منها.
ثم إنّ الوجوب في
المقام ليس غيرياً شرعياً مقدمة لوجود الصحيح ، ولا علمياً عقلياً مقدمة لإحراز
الامتثال الواجب بحكم العقل ، بل هو من صغريات وجوب تعلم الأحكام المردد بين كونه
واجباً نفسياً أو طريقياً أو غيرهما ، وقد وردت فيه النصوص من قوله عليهالسلام : « هلاّ تعلّمت » ومن آية الذكر وغيرهما ، حسبما
تعرّضنا له في الأُصول في خاتمة البراءة مستقصى ، فإنّ الكبرى المبحوث عنها هناك أعم من تعلم نفس الأحكام أو موضوعاتها
المتلقاة من قبل الشارع التي عهدة بيانها عليه ، ولا بدّ من الرجوع إليه في
معرفتها وكيفياتها كما في المقام في قبال الموضوعات العرفية الموكول معرفتها إلى
العرف.
وممّا ذكرنا يظهر
أنّ وجوب التعلم في المقام وغيره ثابت حتى قبل دخول
__________________
ولا يجوز له
الدخول في الصلاة قبل التعلم إلاّ إذا ضاق الوقت فيأتي بها ملحونة .
______________________________________________________
الوقت ، لعدم كونه
وجوباً غيرياً ترشحياً حتى يتوقف على فعلية وجوب ذي المقدمة كما عرفت ، فانّ تعلم
الأحكام بموضوعاتها المستنبطة واجب على الجاهل مطلقاً إمّا نفساً أو طريقاً كي لا
تفوته الواقعيات في ظرفها المقرّر لها.
(١) لا بمعنى
مجرّد عدم الصحة وضعاً ، أو عدم الاجتزاء به عقلاً من أجل عدم إحراز أداء المأمور
به ، بل بمعنى عدم جوازه شرعاً زائداً على ذلك لكونه من التشريع المحرّم ، لاحتمال
عدم كون الصادر منه تكبيرة ، أو أنّها تكون ملحونة ، فإنّه على التقديرين لم
يتعلّق به الأمر وليس من أجزاء الصلاة ، فافتتاح الصلاة والدخول فيها بذلك ،
المساوق للإتيان به بعنوان الجزئية وبقصد الأمر تشريع محرّم.
(٢) بلا خلاف ،
ويكفينا في ذلك إطلاقات الأمر بالتكبير مثل قوله عليهالسلام : « تحريمها التكبير » فإنّه يشمل
الصحيح والملحون. والتقييد بالأوّل على صورة الله أكبر ، إنّما كان من أجل
الانصراف إلى المتعارف ، أو لفعل الإمام عليهالسلام والأمر به كذلك كما في صحيحة حماد على ما تقدم ، ولا ريب أنّ كلا منهما خاص بحال الاختيار ، فيبقى الإطلاق في صورة العجز
والاضطرار كما في المقام حيث لا يتمكن من تعلم الصحيح لضيق الوقت على حاله بعد صدق
عنوان التكبير على كل من الصحيح والغلط.
هذا ، مضافاً إلى
فحوى موثقة السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام « قال : تلبية الأخرس وتشهده وقراءته القرآن في الصلاة
تحريك لسانه وإشارته
__________________
بإصبعه » فانّ الاكتفاء بتحريك اللسان والإشارة بالإصبع يستدعي الاجتزاء بالقراءة
الملحونة ، وكذا التكبير الملحون بطريق أولى.
وموثقة مسعدة بن
صدقة قال : « سمعت جعفر بن محمد عليهالسلام يقول : إنّك قد ترى من المحرّم من العجم لا يراد منه ما
يراد من العالم الفصيح ، وكذلك الأخرس في القراءة في الصلاة والتشهد وما أشبه ذلك
، فهذا بمنزلة العجم والمحرّم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح » .
فإنّها كما ترى
ظاهرة الدلالة على المطلوب ، حيث دلت على أنّ الذي يراد من المحرّم وهو الأعرابي ـ
وكذا العجم ويحسب له هو العمل الناقص حسبما يدركه ويستطيعه
كما في الأخرس ، وهذا شيء لا يساوي مع الذي يراد من العالم الفصيح من العمل
الكامل الصحيح. ومثل هذا التعبير شائع في العرف فيقال : لا يراد من زيد ما يراد من
عمرو ، يعنون به أنّ المطلوب منه هو العمل الناقص لكونه دون عمرو في الشأن والدرك.
فلا يورد على الرواية بعدم دلالتها على الاجتزاء بالناقص ، بل غايتها عدم وجوب
التام.
هذا ، مع أنّ دعوى
القطع بأنّ من لا يستطيع على أداء الصحيح وظيفته هو التلفظ بالملحون غير مجازفة ،
ضرورة أنّ مثل هذا كمن في لسانه آفة لا يتمكن من أداء الحروف عن مخارجها فيبدل
بعضها ببعض كتبديل الراء بالياء ونحوه موجود في كل عصر ، ولم يرد في شيء من
الأخبار التعرض لبيان وظيفتهم الخاصة من حيث جعل البدل كالترجمة ونحوها ، أو سقوط
التكليف عنهم
__________________
فيعلم من ذلك
إيكال الأمر إلى الوضوح ، وأنّ وظيفتهم هو ما يستطيعون.
فتحصّل
: أنّ مقتضى الوجوه
الأربعة المتقدمة ، وهي الإطلاقات والروايتان والعلم الخارجي هو وجوب الإتيان
بالملحون والاجتزاء به.
مضافاً إلى موثقة
أُخرى للسكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام « قال : قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : إنّ الرجل الأعجمي من أُمّتي ليقرأ القرآن بعجمية فترفعه
الملائكة على عربيته » ، بعد القطع بعدم خصوصية للقرآن ، فيعمّ التكبيرة وغيرها.
وأمّا
الاستدلال عليه بما ورد من
أنّه كلّما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر وأنّه ما من شيء
حرّم الله تعالى إلاّ وقد أحلّه لمن اضطر إليه فساقط ، إذ غاية
ما يستفاد منها سقوط الوجوب عن التام الذي يستقل به العقل من أجل قبح التكليف بما
لا يطاق من دون حاجة إلى الاستناد بهذه الأخبار ، لا إثبات وجوب الناقص الذي هو
محل الكلام.
كما
أنّ الاستدلال بحديث : « لا يترك الميسور بالمعسور » وبما ورد من أنّ
سين بلال شين عند الله أيضاً ساقط ، لضعف سند الحديث فلا أساس لهذه القاعدة كما
تعرضنا له في الأُصول .
وأمّا الرواية ،
فلم تنقل بطرقنا ولذا لم يذكرها في الوسائل وإن ذكرت في
__________________
وإن لم يقدر
فترجمتها من غير العربية ،
______________________________________________________
المستدرك ، وإنّما
هي مذكورة في كتب العامة ومروية بطرقهم فلا يعتمد عليها.
ثم إنّ صاحب
الجواهر قدسسره استدلّ في المقام بفحوى ما ورد في الألثغ والألتغ ،
والفأفاء ، والتمتام ، مع أنّا لم نجد رواية وردت في هؤلاء ، وهو قدسسره أيضاً استند في
الحكم لهم في مبحث القراءة بقاعدة الميسور ولم يتعرض لرواية
خاصة.
(١) قال في
المدارك هذا مذهب علمائنا وأكثر العامّة ، ثم حكى عن بعضهم سقوط
التكبير حينئذ ، واحتمله هو قدسسره عملاً بأصالة البراءة لعدم الدليل على وجوب الترجمة بعد
سقوط التكبيرة بالعجز. وكيف كان ، فان كان هناك إجماع تعبدي يصلح للاستناد إليه ،
وإلاّ فلا بدّ من إقامة الدليل.
وعن شيخنا المرتضى
قدسسره الاستدلال له بإطلاق الأمر بالتكبير في مثل قوله عليهالسلام « تحريمها التكبير » ، بدعوى أنّ المراد به مطلق الثناء على الله تعالى بصفة
الكبرياء ، والتقييد بالصورة الخاصة العربية إنّما هو من أجل الانصراف إلى المعهود
والمتعارف ، أو غيره من سائر الأدلة الخارجية وكلها قاصرة عن إفادته إلاّ للقادر ،
فيبقى العاجز مشمولاً للإطلاق.
وفيه
: ما لا يخفى ، فانّ
الظاهر أنّ التكبيرة المأمور بها من المصادر الجعلية كما في الحوقلة والحيعلة ،
فلا يراد بها إلاّ التلفظ بالعبارة المخصوصة على النحو
__________________
ولا يلزم أن يكون
بلغته ، وإن كان أحوط ، ولا يجزئ عن الترجمة غيرها من الأذكار والأدعية وإن كانت
بالعربية. وإن أمكن له النطق بها بتلقين الغير حرفاً فحرفاً قدّم على الملحون
والترجمة.
______________________________________________________
المتعارف العربي ،
وإن كان ذلك مطلقاً من حيث الصحيح والملحون كما مرّ فلا يعمّ الترجمة أصلاً ، لعدم
صدق التكبيرة عليها بوجه.
وبعبارة اخرى :
دعوى الإطلاق على وجه يشمل الترجمة تتوقف على تمامية مقدماته التي منها كون
المتكلم في مقام البيان ، حتى من ناحية اللفظ الذي يعبِّر به عن تكبير الله وثنائه
حتى يشمل الترجمة بمقتضى الإطلاق بعد عدم التقييد بالعربية ، وليس كذلك ، بل
التكبير فيها منصرف إلى المعهود المتعارف غير الصادق على الترجمة بوجه.
نعم ، يصح
الاستدلال لذلك بما كان عارياً عن لفظ التكبير ، كما ورد في ذيل موثقة عمار
المتقدمة سابقاً من قوله عليهالسلام « ولا صلاة بغير افتتاح » فإنّها دلت على لزوم الافتتاح من غير تقييد بالتكبيرة ، فيعمّ الترجمة بعد
وضوح صدقه عليها.
وبالجملة
: المستفاد من هذه
الموثقة بعد ضمّها إلى أدلة التكبير : أنّ الواجب هو الافتتاح بالتكبيرة مع القدرة
عليها ، وأمّا مع العجز فلا بدّ من الافتتاح بشيء ولا يشرع الدخول في القراءة
والركوع ابتداء كما هو مورد الموثقة ، وحيث لا شيء أقرب إلى التكبيرة من الترجمة
فتتعين ، فيقول مثلاً : خدا بزرگتر است ، إن كان التكبير متضمناً للتفضيل ، وإلاّ
فيقول : خدا بزرگ است.
(١) لعدم الدليل
على التعيين ، فيرجع إلى إطلاق « لا صلاة بغير افتتاح »
__________________
الشامل لمطلق
الترجمة كما مرّ. ومع الغض فيرجع إلى أصالة البراءة عن التقييد بلغة خاصة بناءً
على المختار من الرجوع إليها في الأقل والأكثر الارتباطي.
وقد
يقال : بعد إنكار إطلاق
يرجع إليه في بدلية الترجمة : إنّ المقام من الدوران بين التعيين والتخيير ، وفي
مثله يرجع إلى الاشتغال ويعمل على التعيين.
قلت
: قد عرفت وجود
الإطلاق ، وأمّا كون المقام من الدوران المزبور فقد مرّ قريباً أنّه بعينه هو
الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطي ، ولا فرق بينه وبين التعيين والتخيير إلاّ
في مجرد التعبير وتغيير اللفظ ، فانّ التخيير هو الأقل وكلاهما هو الجامع المتيقن
في البين ، والخصوصية الزائدة المشكوكة المدفوعة بأصالة البراءة هي التي يعبّر
عنها بالتعيين تارة وبالأكثر اخرى ، فلا وجه للتفكيك بين المسألتين بالرجوع إلى
البراءة في الأُولى والاشتغال في الثانية.
هذا
، وقد يقال : بلزوم مراعاة
الترتيب بين اللغات ، فيكبّر أوّلاً بالعربية وإلاّ فبالسريانية ، وإلاّ
فبالفارسية ، فإنّ الأوّل لغة القرآن الكريم ، والثاني لغة أغلب الكتب السماوية ،
والثالث لغة كتاب المجوس.
وكان على هذا
القائل إضافة العبرانية أيضاً ، فإنّها لغة توراة موسى عليهالسلام مع أنّ كتاب نبيّ المجوس لم يكن باللّغة الفارسية الدارجة اليوم ، وإنّما كان
بلغة الفرس القديمة التي لا يعرف الفارسي منها اليوم ولا كلمة واحدة. وكيف كان ،
فمثل هذه الوجوه الاعتبارية الاستحسانية لا تصلح لأن تكون مدركاً لحكم شرعي كما لا
يخفى.
وقد
تحصّل من جميع ما مرّ :
أنه لدى العجز عن التكبيرة ينتقل إلى الترجمة بأيّ لغة كانت ، ولا تجزئ غيرها من
الأذكار والأدعية وإن كانت بالعربية ، لأنّ الترجمة أقرب إلى التكبيرة الواجبة من
غيرها بعد تعذّرها.
[١٤٥١]
مسألة ٧ : الأخرس يأتي
بها على قدر الإمكان ، وإن عجز عن النطق أصلاً أخطرها بقلبه وأشار إليها مع تحريك
لسانه إن أمكنه .
______________________________________________________
(١) المستند فيما
ذكره قدسسره في وظيفة الأخرس العاجز عن النطق رأساً من الإخطار بالقلب والإشارة إلى
التكبيرة وتحريك اللسان هي موثقة السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام « قال : تلبية الأخرس وتشهده وقراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته
بإصبعه » بعد القطع بعدم الاختصاص بالمذكورات في الخبر ، بل المراد
عامة الأقوال الواجبة عليه فيشمل التكبير.
لكن الموثقة لم تتضمّن
الإخطار بالقلب ، كما أنّ الإشارة قيّدت فيها بالإصبع فيختلف مع ما في المتن الذي
هو المشهور من ناحيتين ، لكنه لا يقدح.
أمّا عدم التعرض للإخطار الذي هو بمعنى الالتفات نحو العمل
وتصوّره والتوجه إليه فلوضوح اعتباره المغني عن التعرّض له ، بداهة أنّ الصلاة حالها
كسائر الأفعال الاختيارية بإضافة قصد التقرب ، فكما أنّ كل فاعل مختار يتوجّه إلى
ما يصدر منه من الأفعال الاختيارية كالأكل والشرب ومنها الصلاة ويتصوره ويلتفت
إليه ولو بالتفات إجمالي ارتكازي حين صدور العمل ، وإلاّ فمع الغفلة والذهول لا
يكون اختيارياً فلا يقع عبادة في مثل الصلاة ونحوها فكذا الأخرس إذ هو لا يشذّ عن
غيره من هذه الجهة.
وبعبارة اخرى :
الالتفات إلى أصل العمل المعبّر عنه بالإخطار بالقلب أمر يشترك فيه الأخرس وغيره
ولا ميز بينهما في هذه المرحلة لوضوح قدرته عليه كغيره ، ومن هنا أُهمل ذكره في
الخبر ، وإنّما يفترقان في مرحلة التلفظ والنطق حيث إنّ الأخرس عاجز عن أداء
العبادات القولية باللفظ ، والموثقة إنّما هي في
__________________
[١٤٥٢]
مسألة ٨ : حكم التكبيرات
المندوبة فيما ذكر حكم تكبيرة الإحرام حتى في إشارة الأخرس.
[١٤٥٣]
مسألة ٩ : إذا ترك التعلم
في سعة الوقت حتى ضاق أثم وصحّت صلاته على الأقوى ، والأحوط القضاء بعد التعلم .
______________________________________________________
مقام تعيين
الوظيفة في هذه المرحلة فجعلت تحريك اللسان والإشارة بدلاً عن النطق.
فما ذكره في المتن
تبعاً للمشهور من الإخطار بالقلب بياناً لتمام ما هي وظيفته الفعلية هو الصحيح ،
وإن كانت الموثقة خالية عنه ، لعدم كونها في مقام البيان إلاّ من الجهة التي يختص
الأخرس بها لا من تمام الجهات كما عرفت.
وأمّا تقييد الإشارة فيها بالإصبع ، فالظاهر أنّه لأجل غلبة
الإشارة بها لا لتعيّنها عليه بالخصوص ، فهو منزّل منزلة الغالب ، فلا دلالة فيه
على عدم الاجتزاء بغيرها من اليد والرأس ونحوهما ، فالظاهر عدم تعيّن الإصبع كما
أُطلق في المتن ، نعم ، لا ريب أنّها أحوط ، جموداً على ظاهر أخذها في النص.
هذا في المشير ،
وأمّا المشار إليه فصريح المحقق في الشرائع أنّه يشير إلى معنى التكبير ، ولكنه كما ترى ، ضرورة أنّ الواجب في الصلاة إنّما هو لفظ التكبيرة لا
معناها ، فلا بدّ من الإشارة إليه بعد العجز عن النطق ، إذ ليس المأمور به المعنى
المؤدّى بهذا اللّفظ قطعاً ، بل نفسه سواء التفت إلى المعنى أم لا ، وإن كان
الالتفات وحضور القلب أفضل ، فيعطي للفظ صورة ذهنية ويشير إلى تلك الصورة.
(١) أمّا الإثم
فالوجه فيه ظاهر ، فانّ الواجب على المكلف إنّما هو طبيعي الصلاة الصحيحة المحدودة
بين المبدأ والمنتهى ، وإنّما شرّع البدل الاضطراري
__________________
من الصلاة
المشتملة على التكبيرة الملحونة أو الترجمة بعد العجز في مجموع الوقت عن الصلاة
الكاملة ، فمع القدرة عليها فعلاً بالتعلم يجب الإتيان بها تامّة بتحصيل مقدمتها ،
فلا يجوز له التعجيز الاختياري بترك التعلم كي ينتقل إلى البدل ، إذ هو في طول
المبدل منه ومترتب على العجز عنه.
وليس المقام
كالقصر والتمام اللذين يجوز للمكلف إخراج نفسه من موضوع أحدهما وإدخاله في موضوع
الآخر اختياراً ، لأنّ الواجبين هناك عرضيان ولا ترتب لأحدهما على العجز عن الآخر
، وهنا طوليان لا ينتقل إلى البدل إلاّ بعد العجز عن المبدل منه بطبعه ومن قبل
نفسه.
بل المقام نظير
الوضوء والتيمم ، حيث لا يجوز التعجيز الاختياري عن الطهارة المائية بإراقة الماء
بعد دخول الوقت ، لكون وظيفته الفعلية هو الوضوء بعد كونه واجداً للماء دون التيمم
، لأنّ موضوعه الفقدان والعجز عنه في مجموع الوقت لا في كل آن ، ولذا لو كان في
السرداب وأراد الصلاة والماء في صحن الدار ، أو كان في مكان والماء قريب منه
يستدعي تحصيله المشي إليه بمقدار دقيقة أو أكثر ، لا يسوغ له التيمم قطعاً وإن كان
فاقداً فعلاً في هذا الزمان أو هذا المكان ، وحيث إنّ الوجدان متحقق بالفعل فلا
يجوز التعجيز الاختياري بإراقة الماء ، بل لولا قيام الدليل على صحة التيمم
والانتقال إلى البدل حينئذ كما سنشير إليه لقلنا بسقوط الصلاة عنه رأساً بعد
التعجيز المزبور وعقابه عليه ، لعدم شمول دليل بدلية التيمم لمثله ، فإنّه وظيفة
الفاقد في مجموع الوقت كما عرفت ، وهذا قد كان واجداً في بعض الوقت ، وبسوء
اختياره فوّته على نفسه ، فتسقط الصلاة عنه كما تسقط عن فاقد الطهورين ، ولا قبح
في عقابه بعد أن كان بسوء اختياره ، فانّ الممتنع بالاختيار لا ينافي الاختيار
عقابا.
وعلى
الجملة : فكما لا تجوز له
إراقة الماء وتعجيز نفسه عن الطهارة المائية فكذا لا يجوز في المقام ترك التعلم
المؤدّي إلى العجز الاختياري عن الإتيان
[١٤٥٤]
مسألة ١٠ : يستحب الإتيان
بست تكبيرات مضافاً إلى تكبيرة الإحرام فيكون المجموع سبعة ، وتسمّى بالتكبيرات
الافتتاحية ، ويجوز الاقتصار على الخمس ، وعلى الثلاث ، ولا يبعد التخيير في تعيين
تكبيرة الإحرام في أيّتها شاء ، بل نيّة الإحرام بالجميع أيضاً ، لكن الأحوط
اختيار الأخيرة .
______________________________________________________
بالصلاة التامة ،
فلا حاجة في إثبات الإثم والعصيان إلى التشبث بتفويت الملاك ونحوه ممّا قيل في
المقام.
وأمّا صحة الصلاة مع التكبيرة الملحونة أو ترجمتها بعد كونه
آثماً بترك التعلم فلما ثبت بالإجماع والنص من عدم سقوط الصلاة بحال ، فانّ هذا
التعبير بلفظه وإن لم يرد في شيء من النصوص ، لكن مضمونه ورد في ذيل صحيحة زرارة
الواردة في المستحاضة من قوله عليهالسلام : « ولا تدع الصلاة على حال » بعد القطع بعدم خصوصية للمستحاضة في هذا الحكم ، بل لكونها فرداً من
المكلفين. وعليه فالعاجز مكلف بالصلاة قطعاً ، وحيث إنّ الأمر بالصلاة التامة ساقط
لمكان التعذر ، فلا مناص من كونه مكلفاً ببدلها ممّا اشتمل على التكبيرة الملحونة
أو ترجمتها ، فيجتزئ بها وتصح من دون حاجة إلى القضاء لعدم تحقق موضوعه وهو الفوت
بعد الإتيان بما تقتضيه الوظيفة الفعلية من البدل الاضطراري وإن كان القضاء أحوط
كما في المتن ، لاحتمال عدم شمول البدل الاضطراري للتعجيز الاختياري.
(١) أمّا
الاستحباب فلا إشكال فيه كما لا خلاف ، للنصوص الكثيرة الدالة على استحباب إضافة
الستة أو الأربعة أو الاثنين ، كي يصير المجموع ثلاثة أو
__________________
خمسة أو سبعة كما
سنتعرض لها ، وتسمى بالتكبيرات الافتتاحية.
إنّما الكلام في
تعيين تكبيرة الإحرام ، فالمشهور أنّه مخيّر في التعيين ، فله التطبيق على أيّ
منها شاء ، وقد اختاره في المتن وهو الأقوى كما ستعرف إن شاء الله تعالى.
وذهب جمع منهم
صاحب الحدائق مصرّاً عليه إلى تعيّن الاولى ، وذهب جماعة من القدماء إلى
تعيّن الأخيرة ، وحكي عن والد المجلسي قدسسره أنّ الافتتاح يقع
بمجموع ما يختاره المكلف من السبع أو الخمس أو الثلاث ، لا خصوص إحداها عيناً أو
تخييراً ، ومال إليه المحقق الهمداني قدسسره لولا قيام الإجماع على الخلاف مدعياً ظهور الأخبار ، بل
صراحة بعضها في ذلك ، ومرجع هذا القول إلى التخيير في إيقاع الافتتاح بين الواحدة
والثلاث والخمس والسبع الذي هو من التخيير بين الأقل والأكثر ، وإن ما يختاره في
الخارج بتمامه مصداق للمأمور به وعدل للواجب التخييري.
ولا بدّ من النظر
في هذه الأخبار المدعى ظهورها في هذا القول وهي كثيرة :
منها
: صحيحة عبد الله
بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام « قال : الإمام يجزئه تكبيرة واحدة ، ويجزئك ثلاثاً
مترسلاً إذا كنت وحدك » فإنّها ظاهرة في إيقاع الافتتاح بمجموع الثلاث ، والتفصيل
بين الإمام والمأموم من جهة أنّ المطلوب من الإمام مراعاة أضعف المأمومين كما صرّح
به في صحيحة معاوية ابن عمار « قال : إذا كنت إماماً أجزأتك تكبيرة واحدة ، لأنّ
معك ذا الحاجة
__________________
والضعيف والكبير »
.
ومنها
: صحيحة زرارة «
قال : أدنى ما يجزئ من التكبير في التوجّه تكبيرة واحدة ، وثلاث تكبيرات أحسن ،
وسبع أفضل » .
ومنها
: موثقة زرارة قال
: « رأيت أبا جعفر عليهالسلام أو قال سمعته استفتح الصلاة بسبع تكبيرات ولاءً » فإنّها ظاهرة كسابقتها في وقوع الاستفتاح بمجموع السبع ، ونحوها غيرها وهي
كثيرة كما لا يخفى على المراجع.
أقول
: دعوى ظهور
الأخبار في حدّ نفسها في هذا القول ، مع قطع النظر عمّا يعارضها ممّا هو ظاهر في
وقوع الاستفتاح بواحدة ، كالنصوص المتضمنة لإخفات الإمام بست والجهر بواحدة حتى
يسمعها المأموم فيأتم كما سيجيء وإن كانت غير
بعيدة ولا نضايق من احتمالها ، لكنه لا يمكن المصير إليه ، لامتناع التخيير بين
الأقل والأكثر عقلاً على ما حققناه في الأُصول في مبحث الواجب التخييري .
وملخّصه
: أنّ معنى الوجوب
التخييري في كل مورد سواء أكان في التخيير بين الأقل والأكثر ، أو المتباينين بعد
وضوح المنافاة بين وجوب شيء وجواز تركه ، سواء أكان إلى البدل أو بدونه كما لا
يخفى ، هو أنّ متعلق الوجوب إنّما هو الطبيعي الجامع بين الفردين أو الأفراد ، مع
إلغاء الخصوصيات الفردية وخروجها عن حريم المأمور به ، فكل فرد مصداق للواجب بمعنى
انطباق ما
__________________
هو الواجب عليه من
دون دخل للخصوصية في تحققه.
وعليه فلا يعقل
التخيير في التدريجيات بين الأقل والأكثر الحقيقي ، بأن يكون الأقل مأخوذاً لا
بشرط والأكثر بشرط شيء ، أي مشتملاً عليه بتمامه مع الزيادة ، إذ بعد وجود الأقل
في الخارج ينطبق عليه الطبيعي الذي كان هو الواجب لا محالة فيسقط أمره قطعاً ، إذ
الانطباق قهري والإجزاء عقلي ، ومعه لا يبقى أمر حتى يقع الأكثر امتثالاً له ويتصف
بكونه مصداقاً للواجب كي يكون عدلاً آخر للواجب التخييري ، فلا مناص من وقوع
الزائد الذي يشتمل عليه الأكثر على صفة الاستحباب ، ومن هنا ذكرنا في باب
التسبيحات الأربع أنّ الواجب إنّما هو الاولى والزائد عليها مستحب .
نعم ، يمكن ذلك
فيما كان من قبيل الأقل والأكثر صورة وإن لم يكن منه حقيقة ، بأن كان الأقل
مأخوذاً بشرط لا لا بنحو اللااقتضائيّ بشرط والأكثر بشرط شيء ، كما في التخيير
بين القصر والتمام ، حيث إنّ الأقل هو الركعتان بشرط عدم زيادة شيء عليهما ،
والأكثر مشروط بزيادة ركعتين أُخريين.
وإن شئت فقل :
الأقل مشروط بوقوع التسليم على الركعتين ، والأكثر بوقوعه على الأربع. وكما في
التسبيحات الأربع مثلاً بأن يقال : الأقل هو التسبيحة الأُولى بشرط الاقتصار عليها
، وعدم زيادة تسبيحة ثانية ، والأكثر هي المشروطة بإضافة ثنتين عليها حتى يكون
المجموع ثلاثاً ، فلا يقع الامتثال بالتسبيحتين ، لعدم كونهما من الأقل ولا
الأكثر. إلاّ أنّ ذلك خارج في الحقيقة عن باب التخيير بين الأقل والأكثر وإن كان
على صورته ، وداخل في باب التخيير بين المتباينين ، لتقيّد كل منهما بقيد يضاد
الآخر ، فلا يكون الأكثر مشتملاً على تمام الأقل وزيادة ، الذي هو مناط الدرج في
باب الأقل والأكثر.
__________________
وعليه
فنقول : إن كان مراد
القائل بوقوع الافتتاح بمجموع ما يختاره المكلف من الواحدة أو الثلاث أو الخمس أو
السبع ، الراجع إلى التخيير بين الأقل والأكثر ، أنّ الأقل وهي الواحدة مأخوذ بنحو
اللاّبدية بشرط ، كي يكون من الأقل والأكثر الحقيقي ، فقد عرفت انّ هذا أمر غير
معقول ثبوتاً ، فكيف يمكن تنزيل الأخبار عليه. بل لو فرضنا صراحة الأخبار فيه
فضلاً عن الظهور ، فلا مناص من ارتكاب التأويل ، لامتناع التعبد بالمستحيل ، فيقال
بأنّ إطلاق الافتتاح على المجموع مبني على ضرب من التجوّز ، باعتبار الاشتمال على
تكبيرة الافتتاح فأُطلق على المجموع مجازاً بعلاقة الجزء والكل.
وإن
كان مراده أنّ ذلك من
التخيير بين الأقل والأكثر الصوري ، وإلاّ فهما من المتباينين ، لكون الأقل هي
التكبيرة الواحدة بشرط لا ، فهذا وإن كان أمراً معقولاً في حدّ نفسه كما عرفت ،
إلاّ أنّه لا يمكن الالتزام به في المقام ، إذ لازمه عدم انعقاد الافتتاح وبطلان
الصلاة فيما لو كان لدى الشروع بانياً على اختيار الثلاث مثلاً وبعد الإتيان
بتكبيرتين بدا له في الثالثة فتركها عامداً واقتصر على الثنتين ، إذ هما ليسا من
الأقل ولا الأكثر ، فينبغي بطلان الصلاة حينئذ كبطلانها فيما لو اقتصر على الثنتين
من التسبيحات الأربع ، بناءً على أن يكون الأقل فيها هي الواحدة بشرط لا ، ولا يظن
بهذا القائل فضلاً عن غيره الالتزام بذلك.
وأفحش
من ذلك : ما لو ترك
الثالثة نسياناً في الفرض المزبور فتذكرها بعد الفراغ من الصلاة ، فإنّ اللاّزم
بطلانها حينئذ ، للإخلال بما اختاره من التكبيرة الذي هو مجموع الثلاث حسب الفرض ،
ولا شك أنّ الإخلال بها عمداً وسهواً موجب للبطلان كما تقدّم ، مع أنّه لا يحتمل أن يلتزم به الفقيه.
__________________
ثم إن مقتضى قوله عليهالسلام : « تحريمها التكبير » حرمة المنافيات بمجرد الشروع في التكبير وضعاً فقط ، أو
وضعاً وتكليفاً على الخلاف في ذلك ولذا ذكرنا فيما سبق أنّه لو أتى بالمنافي خلال كلمتي ( الله ) و ( أكبر ) بطلت وعلى القول بعدم
جواز القطع وإن لم تتم التكبيرة كان حراماً أيضاً ، وعليه فلازم هذا القول
الالتزام بالبطلان لو أتى ببعض المنافيات خلال التكبيرات ، فلو تكلم بين التكبيرة
الثانية والثالثة مثلاً بطلت صلاته ، لأنّ ذلك بمثابة التكلم بين كلمتي ( الله ) و
( أكبر ) ، بل وعلى القول بالحرمة التكليفية كان آثماً أيضاً ، وهذا كما ترى ، ولا
يظن أن يلتزم به هذا القائل ، ولا ينبغي أن يلتزم به ، إذ لا مقتضي للبطلان بعد
الإتيان بتكبيرة صحيحة بعد ذلك.
وعلى
الجملة : لا سبيل إلى
الالتزام بأنّ الأقل مأخوذ بنحو بشرط لا ، لمكان هذه التوالي الفاسدة والقائل المزبور لا يريده ، لانصراف كلامه عنه قطعاً ، وقد عرفت أنّ أخذه
بنحو اللااقتضائيّ بشرط كي يكون من الأقل والأكثر الحقيقي أمر غير معقول ، وظهور
الأخبار فيه لو سلّم لا يمكن الأخذ به ، فلا مناص من الالتزام بأنّ الواجب وما يقع
به الافتتاح إحدى تلك التكبيرات والزائد فضل ومُستحب ، لا أنّ المجموع أفضل أفراد
الواجب التخييري كما يدّعيه القائل زاعماً ظهور الأخبار فيه ، فانّ بعضها وإن لم
يخل عن الظهور في ذلك إلاّ أنّ كثيراً من الأخبار ظاهر فيما قلناه.
__________________
منها
: صحيحة زيد الشحام
قال : « قلت لأبي عبد الله عليهالسلام الافتتاح فقال : تكبيرة تجزئك. قلت : فالسبع ، قال : ذلك
الفضل » فإنّها ظاهرة في أنّ الزائد على الواحدة وهي الست هي الفضل
، لا أنّ مجموع السبع أفضل أفراد الواجب كما لا يخفى.
ومنها
: صحيحة محمد بن
مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام « قال : التكبيرة الواحدة في افتتاح الصلاة تجزئ والثلاث
أفضل ، والسبع أفضل كله » .
ومنها
: صحيحة زرارة
المتقدمة « قال : أدنى ما يجزئ من التكبير في التوجّه تكبيرة واحدة ، وثلاث
تكبيرات أحسن ، وسبع أفضل » .
فان ظهور هذه
الأخبار وغيرها ممّا لا يخفى على المراجع فيما قلناه من استحباب الزائد بعد
الإتيان بالواجب وهي التكبيرة الواحدة غير قابل للإنكار.
على أنّ الدعوى المزبورة
لو سلّمت تماميتها في نفسها ، فهي على خلاف الإجماع المحقق ، إذ لم يذهب إليها عدا
والد المجلسي قدسسره فلا يمكن الالتزام بها بوجه.
فتحصّل
: أنّ الواجب وما
يقع به الافتتاح ليس إلاّ إحدى تلك التكبيرات.
وقد ذهب صاحب
الحدائق كما عرفت تبعاً لجمع من المحدّثين كما نسبه إليهم إلى أنّها الاولى
معيّناً ، ومال إليه شيخنا البهائي ، وقد استدلّ له
في الحدائق بطائفة من الأخبار :
__________________
الأُولى
: صحيحة الحلبي عن
أبي عبد الله عليهالسلام « قال : إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطاً ثم
كبّر ثلاث تكبيرات » بتقريب أنّ الافتتاح إنما يصدق على تكبيرة الإحرام التي
بها يقع الافتتاح حقيقة ، ويتحقق الدخول في الصلاة ، فما يقع قبلها من التكبيرات
بناءً على ما زعموه ليس من الافتتاح في شيء.
نعم ، يسمّى غيرها
من سائر التكبيرات بتكبيرات الافتتاح ، إلاّ أنّ هذا الصدق لا يكون إلاّ بتأخيرها
عن تكبيرة الإحرام ، كي يتحقق بها الافتتاح الحقيقي والدخول في الصلاة كما عرفت ،
وإلاّ كان من قبيل الإقامة ونحوها ممّا يقدّم قبل الدخول في الصلاة.
وفيه
: أنّ الظاهر من
قوله عليهالسلام : « فارفع كفيك ثم ابسطهما ثم كبر ثلاث ... » إلخ ، أنّ
ذلك كله بيان لما يتحقق به الافتتاح ، فقوله « إذا افتتحت » أي إذا أردت الافتتاح
، فكيفيته هكذا كما وقع نظيره في رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام « قال : إذا افتتحت الصلاة فكبّر إن شئت واحدة وإن شئت ثلاثاً ... » إلخ .
وعليه فما يقع به
الافتتاح هو مجموع السبع المذكورة في الصحيحة ، وهذا كما ترى لا ينطبق بظاهره إلاّ
على مسلك والد المجلسي ، فهو على خلاف المطلوب أدل ، فإن أمكن الأخذ به ، وإلاّ
فلا تعرّض للصحيحة لتعيين تكبيرة الإحرام كما لا يخفى.
وأمّا ما زعمه قدسسره من أنّ ما يقع
قبل تكبيرة الإحرام ليس من الافتتاح في شيء ، بل هو من قبيل الإقامة ، ففيه : أنّ
ما يقع بعدها أيضاً ليس
__________________
منه في شيء ، بل
هو من قبيل الاستعاذة والقراءة.
وبالجملة :
الإطلاق الحقيقي منفي على التقديرين بعد الاعتراف بأنّ الافتتاح لا يتحقق إلاّ
بتكبيرة واحدة هي تكبيرة الإحرام لا مجموع التكبيرات الذي اختاره والد المجلسي ،
والإطلاق المجازي بعناية الاشتمال على ما به الافتتاح بعلاقة الجزء والكل متحقق
على التقديرين أيضاً ، إذ لا فرق في ذلك بين تقدم ذلك الجزء أو تأخره أو توسطه كما
لا يخفى.
الثانية
: صحيحة زرارة قال
: « قال أبو جعفر عليهالسلام : الذي يخاف اللصوص والسبع يصلي صلاة المواقفة إيماءً على
دابّته إلى أن قال ولا يدور إلى القبلة ، ولكن أينما دارت به دابته ، غير أنّه
يستقبل القبلة بأوّل تكبيرة حين يتوجه » .
وفيه
: ما لا يخفى ،
فانّ من يخاف اللص والسبع يقتصر بطبيعة الحال على أقل الواجب ، ولا يسعه المجال
لتكبيرات الافتتاح. فالمراد بقوله عليهالسلام « بأوّل تكبيرة » أوّل تكبيرات الصلاة ، أعني تكبيرة
الإحرام في مقابل تكبيرة الركوع والسجود ونحوهما ، لا في مقابل تكبيرات الافتتاح ،
فلا نظر فيها إلى هذه التكبيرات أصلاً.
هذا ، مع أنّ
الاستدلال مبني على أن يكون قوله : « حين يتوجه » قيداً لأوّل في قوله « أوّل
تكبيرة » حتى يدل على أنّ ما يتوجّه ويدخل به في الصلاة ويفتتحها هو أوّل
التكبيرات السبع ، وهو غير ظاهر ، ومن الجائز أن يكون قيداً للتكبيرة المضاف إليه
، فيكون المعنى اعتبار الاستقبال في أوّل تكبيرة متصفة بكون تلك التكبيرة ممّا
يتوجه ويفتتح بها الصلاة ، وأمّا أنّ تلك التكبيرة هل هي الأُولى أو الوسطى أو
غيرهما فلا تتعرض الرواية لتعيينها أصلاً كما لا يخفى.
__________________
الثالثة
: صحيحة زرارة عن
أبي جعفر عليهالسلام « أنّه قال : خرج رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى الصلاة وقد كان الحسين عليهالسلام أبطأ عن الكلام إلى أن قال فافتتح رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الصلاة فكبّر الحسين عليهالسلام فلمّا سمع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم تكبيره عاد فكبّر ، فكبّر الحسين عليهالسلام حتى كبّر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم سبع تكبيرات ، وكبّر الحسين عليهالسلام فجرت السنّة بذلك » فانّ التكبير
الذي كبّره صلىاللهعليهوآله أوّلاً هو تكبيرة الإحرام لإطلاق الافتتاح عليها ، والعود
إليها ثانياً وثالثاً إنما وقع لتمرين الحسين عليهالسلام ، فليس الافتتاح إلاّ بالأوّل والزائد هو المستحب ، وقد
جرت السنّة على هذه الكيفية كما صرّح بذلك في آخر الخبر.
والجواب
: أنّه لا ريب في
وقوع الافتتاح منه صلىاللهعليهوآله بالتكبيرة الاولى في تلك القضية الشخصية ، لعدم تشريع
السبع بعد كما كان كذلك قبل تلك القضية ، ومجرد ذلك لا يقتضي تعيّن الاولى فيما
بعد التشريع وليس في فعله صلىاللهعليهوآله بعد إجماله دلالة على التعيين كما لا يخفى. نعم ، ربما
يوهمه قوله عليهالسلام في ذيل الخبر « فجرت السنّة بذلك » ، لكنّه مبني على أن
يكون المراد من المشار إليه الكيفية المذكورة الصادرة منه صلىاللهعليهوآلهوسلم من وقوع الافتتاح بالأُولى ، لا أصل تشريع السبع الذي هو الظاهر المنسبق إلى
الذهن كما لا يخفى ، لا أقل من احتماله المسقط لها عن الاستدلال.
الرابعة
: صحيحة زرارة عن
أبي جعفر عليهالسلام « قال : قلت له : الرجل ينسى أوّل تكبيرة من الافتتاح ،
فقال : إن ذكرها قبل الركوع كبّر ثم قرأ ثم ركع »
__________________
إلى آخر الرواية
المتقدمة في نسيان تكبيرة الإحرام فانّ تقييد
المنسي بكونه أوّل التكبيرات يدل على أنّه هو تكبيرة الإحرام ، إذ لو كانت الأخيرة
مثلاً لما كان هناك أثر لنسيان غيرها من سائر التكبيرات المستحبة ، فلا حاجة لتداركها
في الأثناء أو بعد الفراغ كما تضمنته الصحيحة.
وفيه
: بعد الغض عن
مخالفة مضمونها للنص والفتوى كما تقدم الكلام حوله في محله مستقصى ولسنا الآن بصدد ذلك أنّها في حدِّ نفسها قاصرة الدلالة على مطلوبه قدسسره فانّ كلمة « من »
في قوله « من الافتتاح » إمّا للتبعيض أو للبيان.
فإن
أُريد الأوّل دلت
الصحيحة حينئذ على أنّ مجموع التكبيرات السبع هي المحقق للافتتاح والمنسي بعض من
هذا المركب ، فتنطبق بظاهرها على مسلك والد المجلسي قدسسره فهي حينئذ على خلاف المطلوب أدل. على أنّه بناءً عليه كان
المنسي هي السابعة لا الاولى ولا غيرها ، لعدم اعتبار قصد عنوان الأوّلية أو
الثانوية ونحوهما ، فالنقص إنّما يرد على العدد الأخير المكمِّل للمجموع كما لا
يخفى.
وإن
أُريد الثاني كي يكون
المعنى أنّ المنسي هي تكبيرة الإحرام التي يتحقق بها الافتتاح ، فلا دلالة فيها
على أنّها الأُولى أو الوسطى أو الأخيرة ، وإطلاق الأوّل عليها باعتبار أنّها اولى
تكبيرات الصلاة في مقابل تكبير الركوع والسجود وغيرهما.
فالإنصاف
: أنّ هذه الوجوه
التي استدل بها في الحدائق لا دلالة في شيء منها على تعيّن الاولى ، فالقول به
ساقط.
__________________
وأمّا
القول بتعيّن الأخيرة ،
فقد استدل له أيضاً بوجوه :
أحدها
: الفقه الرضوي المتضمن للتصريح بذلك. لكنّه كما ترى لا حجية فيه فلا يصلح للاستناد إليه في
شيء من الأحكام كما مرّ مراراً.
الثاني
: ما نقله المحقق
الهمداني عن كاشف اللثام في شرح الروضة من الاستدلال برواية أبي
بصير ، وفيها بعد ذكر الدعاء بعد التكبيرات الثلاث بقوله : اللهمّ أنت الملك الحق
المبين ... إلخ ، والدعاء عقيب الاثنين بقوله : لبيك وسعديك وعقيب السادسة بقوله :
يا محسن قد أتاك المسيء ، قال عليهالسلام : ثم تكبر للإحرام ، لكنّا بعد التتبع لم نجدها في كتب
الحديث كي ننظر في سندها. نعم مضمونها مذكور في صحيحة الحلبي المتقدمة مع اختلاف يسير وظني انّها اشتبهت بها ، لكنها خالية عن الذيل الذي هو مورد
الاستدلال فلاحظ.
الثالث
: ما استظهره في
الجواهر من النصوص المتضمّنة لاخفات الإمام بست ، والجهر بواحدة ،
التي هي تكبيرة الإحرام بمناسبة الحكم والموضوع بضميمة ما ورد من أنّ الإمام يجهر
بكل ما يتلفّظ به ويسمع المأمومين كل ما يقوله في الصلاة ، فإنّ الجمع بين
الدليلين يقضي بتعيّن الأخيرة للافتتاح إذ لو كان ما عداها لزم ارتكاب التخصيص في
الدليل الثاني كما لا يخفى ، فتحفّظاً على أصالة العموم يحكم بأنّها الأخيرة ، كي
يكون ما قبلها من التكبيرات واقعة قبل الصلاة ، فالاخفات فيها لا ينافي مع الإجهار
المطلوب في الصلاة.
وربما
يجاب عنه : بأنّ أصالة
العموم حجة في تشخيص المراد لا في كيفية الإرادة ، فلا تجري إلاّ لاستعلام الحكم
لدى الشك فيه لا لتشخيص حال الموضوع
__________________
وفي المقام لا شك
في الحكم للقطع باخفات الست وخروجها عن دليل الإجهار في الصلاة ، وإنّما الشك في
أنّها من الصلاة كي يكون خروجها عن ذاك الدليل من باب التخصيص ، أم ليست منها لكون
الأخيرة هي الإحرام ، كي يكون خروجها من باب التخصص ، فهو نظير ما إذا ورد أكرم
العلماء وعلمنا من الخارج أن زيداً لا يجب إكرامه ، ولم نعلم أنّه عالم كي يكون
خروجه للتخصيص أم جاهل كي يكون للتخصص ، فكما أنّ أصالة العموم لا تجري لإثبات
حاله وأنّه جاهل لعدم الشك في المراد ، فكذا لا تجري في المقام حتى يثبت بها أنّ
الإحرام هي الأخيرة.
وفيه
: أنّ الكبرى
المذكورة وإن صحّت لكنها غير منطبقة على المقام لحصول الشك هنا في الحكم كالموضوع
، فلا يعلم المراد أيضاً لإجمال المفهوم فهو كما لو علمنا بعدم وجوب إكرام زيد بعد
ورود الأمر بإكرام العلماء وتردد زيد بين شخصين أحدهما عالم والآخر جاهل ، ولم
يعلم أنّ المراد به الأوّل كي يكون الخروج تخصيصاً أم الثاني كي يكون تخصصاً ، ولا
شك أنّ المرجع في مثله أصالة العموم ، لعدم العلم بورود التخصيص على عموم إكرام
العلماء كي يخرج عنه زيد العالم ، فيتمسك بأصالة عدم التخصيص ويثبت بها أنّ الخارج
هو زيد الجاهل ، لحجية مثبتات الأُصول اللفظية.
والمقام من هذا
القبيل ، فانّ المراد من الست المحكومة بالإخفات مردد بين الواقع قبل التكبيرة كي
يكون خروجها عن دليل الإجهار في الصلاة من باب التخصص ، والواقع بعدها كي يكون من
التخصيص ، فهو مجمل مردّد بين فردين وفي مثله يتمسك بأصالة العموم في دليل الإجهار
للشك في ورود التخصيص عليه ، ويثبت بها أنّ المراد هي الست الواقعة قبل التكبيرة ،
فينتج أنّ تكبيرة الإحرام هي الأخيرة ، لما عرفت من حجية مثبتات الأُصول اللفظية.
إلاّ أنّ أصالة
العموم في دليل الإجهار في الصلاة تعارضها أصالة الإطلاق
في دليل الجهر
بالواحدة وإخفات الست ، فانّ المراد بالواحدة بمناسبة الحكم والموضوع هي تكبيرة
الإحرام كما تقدم ومقتضى الإطلاق جواز إيقاعها قبل الست أو بعدها أو خلالها.
والعموم وإن كان مقدّماً على الإطلاق لدى الدوران لكون الدلالة فيه وضعية ، وفي
الثاني بمقدّمات الحكمة ، إلاّ أنّ في المقام خصوصية تستوجب قوّة الظهور في
الإطلاق بحيث كاد يلحقه بالتصريح الموجب لتقديمه على العموم ، وهو التعبير
بالواحدة المقرون بالتعبير بالست في الإخفات إذ لو كان المراد بالواحدة خصوص
الأخيرة فما يمنعه عليهالسلام عن التعبير
بالسابعة ، فالعدول عنها مع أنّ المقام يقتضي التصريح بها لو كان الافتتاح متعيناً
فيها إلى التعبير بالواحدة فيه قوة ظهور في الإطلاق والتخيير ، وإلاّ لم يكن وجه
للإهمال المؤدّي إلى نوع من الإغراء بالجهل كما لا يخفى.
هذا ، ومع التنزل
فلا أقل من التكافؤ بين الظهورين ، أعني ظهور العموم في تعين الأخيرة بالتقريب
المتقدم وظهور الإطلاق في عدمه ، فيقع التعارض الموجب للإجمال فتسقط عن الاستدلال.
الرابع
: النصوص المتضمنة
لتعداد تكبيرات الصلوات وأنّها خمس وتسعون تكبيرة ، التي منها صحيحة معاوية بن
عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام « قال : التكبير في الصلاة الفرض الخمس صلوات خمس وتسعون
تكبيرة ، منها تكبيرات القنوت خمس » فإنّها لا تنطبق
إلاّ على القول بتعيّن الأخيرة للافتتاح ، فيستقيم العدد حينئذ ، إذ كل ركعة تشتمل
على خمس تكبيرات : تكبيرة للركوع ، وأُخرى للهوي إلى السجود ، وثالثة لرفع الرأس
منه ، ورابعة للسجدة الثانية ، وخامسة لرفع الرأس منها ، وبعد ضرب الخمسة في عدد
ركعات الفرائض وهي سبع عشرة يصير المجموع خمساً وثمانين ، وبعد إضافة خمسة
لتكبيرات القنوت في
__________________
الصلوات الخمس
يصير المجموع تسعين ، فاذا زيدت عليها لكل من الصلوات الخمس تكبيرة الإحرام صار
المجموع خمساً وتسعين واستكمل العدد ، ولا يحسب تكبيرات الافتتاح لخروجها عن
الصلاة بناءً على هذا القول.
وأمّا بناءً على
عدم تعيّن الأخيرة وجواز الافتتاح بالأُولى ، المستلزم لإيقاع الست الأُخرى في
الصلاة ، كان اللاّزم حينئذ زيادة ست تكبيرات لكل صلاة البالغة ثلاثين تكبيرة ،
فيصير المجموع مائة وخمساً وعشرين.
وأجاب
عنه المحقق الهمداني قدسسره بما ملخّصه : أنّ تكبيرات الافتتاح حيث لم يكن في موردها
إلاّ أمر واحد متعلق بالجميع بعنوان الافتتاح فمن هنا عدّ المجموع بمنزلة تكبيرة
واحدة.
وهذا كما ترى ،
لظهور الأخبار في اختصاص كل تكبيرة منها بأمر مستقل كبقية تكبيرات الصلوات كما لا
يخفى ، فلا وجه لاهمالها في مقام العدّ.
والصحيح في الجواب أن يقال : إنّ هذا الاستدلال إنّما ينفع في قبال
دعوى صاحب الحدائق القائل بتعيّن التكبيرة في الأُولى ، فيكون هذا ردّاً عليه
بالتقريب المتقدم ، ولعله قدسسره لو التفت إلى ذلك لعدل عن مذهبه ، فإنّه أقوى شاهد على
بطلانه.
وأمّا القائل
بالتخيير كما عليه المشهور ، فلا تكون هذه النصوص ردّاً عليه كي تتعين التكبيرة في
الأخيرة ، وذلك لأنّ معنى التخيير في تطبيق التكبيرة على واحدة من السبع ، أنّ
الخصوصيات الفردية غير معتبرة في متعلق الأمر ، وإنّما الماهية المأمور بها هي
الطبيعي الجامع بين تلك الأفراد ، وهي التكبيرة الواحدة التي قد تكون مسبوقة بالست
، وأُخرى ملحوقة بها ، وثالثة متخللة بينها ، فما لوحظ اعتباره في الماهية التي لا
تتخلف عنه إنما هي التكبيرة الواحدة ، وأمّا الزائد عليها فهو شيء قد يكون وقد لا
يكون ، ولأجله يعدّ لو كان من
__________________
خصوصيات الفرد
ومزاياه ، لا الخصوصيات الملحوظة في نفس الجامع ، وإلاّ لما تخلّفت عنه كما لم
تتخلف سائر التكبيرات.
ومن الواضح أنّ
هذه النصوص إنما هي بصدد تعداد التكبيرات الملحوظة في ماهية الصلاة بقول مطلق لا
في أفرادها التي لا اطراد فيها ، ومن هنا أُلغيت بقية التكبيرات الافتتاحية في
مقام التعداد ولم يحتسب غير الواحدة منها. نعم ، بناءً على قول صاحب الحدائق كان
المجموع داخلاً في ماهية الصلاة ولزم احتسابها. فهذه الروايات إنّما تصلح ردّاً
عليه كما عرفت ، لا على مذهب المشهور كي تدل على تعيّن الأخيرة.
هذا
، وممّا يدل على بطلان هذا
القول أعني تعين الأخيرة الروايات المتقدمة الواردة في علّة
تشريع السبع المشتملة على قصّة الحسين عليهالسلام لوضوح أنّ افتتاح رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في تلك القضية الشخصية إنّما كان بالتكبيرة الاولى ،
والعود إليها ثانياً وثالثاً وهكذا إنما كان لتمرين الحسين عليهالسلام بعد الدخول في الصلاة بالأُولى.
وجريان السنة بذلك
كما في ذيل تلك الأخبار إمّا إشارة إلى الكيفية الصادرة عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أو إلى أصل تشريع السبع ، وإن كان الأظهر الثاني كما تقدم ، وعلى التقديرين فلا يحتمل نسخ تلك الكيفية قطعاً ، فلو كان اللازم تعيين
الأخيرة فكيف اقتصر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم على تلك الصلاة.
وممّا
يدل على بطلانه أيضاً
كبطلان القول بتعيّن الاولى : روايات استحباب الجهر بالواحدة للإمام ، وإخفات الست
التي مرّت الإشارة إليها ، لما عرفت
__________________
من أنّ المراد
بالواحدة بمناسبة الحكم والموضوع هي تكبيرة الإحرام كي يسمعها المأمومون فيقتدون ،
ومقتضى ظهورها القوي في الإطلاق الذي هو في قوّة التصريح كما تقدم عدم الفرق في
إيقاع تلك التكبيرة مسبوقة بالست أو ملحوقة أو متخللة.
وممّا
يدل على بطلانهما
أيضاً ، وإثبات التخيير الذي عليه المشهور إطلاقات الأمر بالتكبير وافتتاح الصلاة
به ، حيث لم تتقيّد بالسبق على الست ولا اللّحوق كما لا يخفى.
والمتلخص من جميع ما ذكرناه لحدّ الآن : أنّ احتمال الافتتاح بجميع
ما يختار كما عليه والد المجلسي ممّا لا سبيل إليه لامتناعه ثبوتاً ، فلا تصل
النوبة إلى مرحلة الإثبات. على أنّ بعض الأخبار وإن كان ظاهراً فيه لكنّه معارض
بطائفة أُخرى ظاهرة في أنّ تكبيرة الإحرام إنّما هي تكبيرة واحدة ، والزائد فضل ومستحب
كما مرّ ، فيدور الأمر بين القول بتعيّن الاولى كما عليه صاحب الحدائق ، أو
الأخيرة كما اختاره جمع من القدماء ، ومال إليه في الجواهر أوّلاً وإن ضعّفه
أخيراً ، أو التخيير كما عليه المشهور ، والأوّلان ساقطان لضعف مستندهما ، مضافاً
إلى قيام الدليل على الإطلاق والتخيير الذي منه روايات جهر الإمام بواحدة ،
الظاهرة ولو بمناسبة الحكم والموضوع في أنّها هي تكبيرة الإحرام ليسمعها المأمومون
فيقتدون كما مرّ كل ذلك مستقصى ، فيتعيّن القول الأخير وهو الأقوى.
لكن هذا مبني على
أن يكون لتكبيرة الإحرام عنوان به تمتاز عن بقية التكبيرات الافتتاحية ، وتختلف
عنها في الحقيقة والذات وإن شاركتها في الصورة نظير الفرق بين الظهر والعصر.
وأمّا بناءً على
أنّ الواجب هي ذات التكبيرة من دون تعنونها بعنوان خاص فلا مناص من الالتزام بتعين
الاولى ، لا لما استدلّ به في الحدائق من الوجوه
ولا يكفي قصد
الافتتاح بأحدها المبهم من غير تعيين
______________________________________________________
المتقدمة إذ قد
عرفت ضعفها ، بل لأنّ طبيعي التكبير بعد خلوّه عن العنوان ينطبق على أوّل الوجودات
لا محالة ، فيقع بطبيعة الحال مصداقاً للواجب ، فانّ الانطباق قهري والإجزاء عقلي
، فتقع البقية على صفة الاستحباب قهراً ، هذا.
ولكنّ
الصحيح إنما هو المبنى
الأول ، فإنّ المستفاد من الروايات أنّ تكبيرة الإحرام لها عنوان خاص به تمتاز
عمّا عداها ، وهو عنوان الإحرام والافتتاح نظير التلبية في إحرام الحج ، فما لم
يقصد العنوان ولو إجمالاً لا يتحقق الامتثال فلا مناص من اختيار القول المشهور كما
عرفت ، إلاّ أنّ الأحوط كما نبّه عليه في المتن اختيار الأخيرة ، للقطع بصحة
الصلاة معه على جميع التقادير.
أمّا على القول
بتعيّن الأخيرة أو التخيير فظاهر ، وأمّا على القول بتعيّن الأُولى أو المجموع ،
فغايته وقوع الست قبلها على صفة الزيادة غير القادحة بعد وقوعها قبل الصلاة فهي
كالعدم ، وهذا بخلاف ما لو اختار الأُولى ، فإنّه بناءً على القول بتعيّن الأخيرة
الراجع إلى عدم الأمر بالتكبيرة بعد الإتيان بتكبيرة الإحرام يلزم منه وقوع الست
المأتي بها بعد الاولى على صفة الزيادة داخل الصلاة ، وفي بطلان الصلاة بمثل هذه
الزيادة كلام ، وإن كان الأقوى خلافه. وعلى أيّ حال فهو مخالف للاحتياط ، لاحتمال
البطلان من هذه الجهة ، ومن هنا كان الأحوط اختيار الأخيرة حذراً من هذه الشبهة.
(١) هذا فيما إذا
كان الإبهام واقعياً ، بأن لم يكن له تعيّن حتى في صقع الواقع فلا يكفي قصده حينئذ
، إذ مثله لا تحقق له في الخارج ، والافتتاح أمر تكويني لا بدّ من تعلقه بالموجود
الخارجي ، ومن الضروري أنّ الواحد لا بعينه مفهوم
__________________
والظاهر عدم
اختصاص استحبابها في اليومية ، بل تستحب في جميع الصلوات الواجبة والمندوبة
______________________________________________________
اعتباري لا تقرّر
له خارجاً.
وأمّا إذا كان
الإبهام عند المصلي خاصة مع تعيّنه في الواقع وإن كان مجهولاً لديه ، فهذا لا ضير
فيه ، كما في المأموم الذي يقصد الافتتاح بما افتتح به الإمام من الأُولى أو
الثالثة ، أو الخامسة ، أو السابعة ، فإنّ ما يقع الافتتاح به معيّن في الواقع وإن
جهله المصلي ، إذ لا يعتبر التمييز بعد كون ما يفتتح به متشخّصاً في الخارج وقد
قصده إجمالاً وإن لم يميِّزه عمّا عداه كما هو ظاهر.
(١) كما عليه
المشهور لإطلاق الأدلة ، وعن صاحب الحدائق قدسسره اختصاصها بالفرائض بل اليومية منها ، لانصراف الإطلاق
إليها .
وفيه : منع
الانصراف على نحو يقدح في التمسك بالإطلاق ، كيف وقد الحق النوافل بالفرائض في
عامة الأحكام ، من رعاية الأجزاء والشرائط الواجبة والمستحبة ، ومن الموانع
والقواطع ، مع عدم اختصاصها بدليل ، فلو منع الانصراف عن التمسك بالإطلاق في
المقام لمنع هناك أيضاً ، مع شمول تلك الأحكام لها بمقتضى الإطلاق بلا إشكال.
نعم ، إنّما الشأن
في ثبوت الإطلاق في المقام ، فإنّ أغلب الأخبار موردها الفرائض كروايات جهر الإمام
بواحدة ، وإخفات الست ، وروايات تمرين الحسين عليهالسلام وغيرهما ، وبعضها الآخر وإن كان لها الإطلاق كرواية
__________________
وربّما يقال
بالاختصاص بسبعة مواضع وهي : كل صلاة واجبة ، وأوّل ركعة من صلاة الليل ، ومفردة
الوتر ، وأوّل ركعة من نافلة الظهر ، وأوّل ركعة من نافلة المغرب ، وأوّل ركعة من
صلاة الإحرام ، والوتيرة ، ولعل القائل أراد تأكدها في هذه المواضع.
______________________________________________________
أبي بصير وغيرها ، لكنّها ضعيفة السند ، ولكن الصحيح ثبوت الإطلاق بمقتضى صحيحة زرارة
عن أبي جعفر عليهالسلام « قال : أدنى ما يجزئ من التكبير في التوجه إلى الصلاة
تكبيرة واحدة ، وثلاث تكبيرات ، وخمس ، وسبع أفضل » فإنها تشمل بإطلاقها جميع الصلوات.
(١) كما عن
الشيخين والقاضي والعلاّمة في التحرير والتذكرة وغيرهم وفسّر الماتن مقالتهم بإرادة تأكّد الاستحباب في هذه المواضع دون
الاختصاص كما صرّح به في المقنعة ، والمجلسي في البحار . وكيف كان فالكلام في مستند هذا القول تعييناً أو تأكيداً.
والظاهر أنّهم
استندوا في ذلك إلى ما في الفقه الرضوي « قال : ثم افتتح بالصلاة وتوجه بعد
التكبير فإنّه من السنّة الموجبة في ست صلوات ، وهي أوّل ركعة من صلاة الليل ،
والمفردة من الوتر ، وأوّل ركعة من نوافل المغرب ، وأوّل ركعة من ركعتي الزوال ،
وأوّل ركعة من ركعتي الإحرام ، وأوّل ركعة من ركعات
__________________
الفرائض » ولا يقدح خلوّها عن الوتيرة ، لما ثبت بالأخبار من أنّها إنّما شرّعت مخافة
فوت الوتر ، فهي بمنزلته ومحكومة بحكمه فلذا ألحقها الأصحاب به في
هذا الحكم.
لكن الفقه الرضوي
ضعيف السند فلا يمكن التعويل عليه كما تكرّر في مطاوي هذا الشرح. مضافاً إلى قصور
الدلالة لعدم التصريح بتكبيرات الافتتاح ، وإنّما المذكور هو التوجه بعد التكبير ،
ومن الجائز أن يراد به دعاء التوجه أعني قوله ( وَجَّهْتُ وَجْهِيَ
لِلَّذِي ) إلخ ، كما تضمنه صحيح زرارة « قال : يجزئك في الصلاة من
الكلام في التوجه إلى الله أن تقول : وجّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض على ملة
إبراهيم حنيفاً مسلماً ... » إلخ .
واستدل
له أيضاً كما في
الحدائق بما رواه ابن طاوس في كتاب فلاح السائل بسنده عن زرارة عن
أبي جعفر عليهالسلام قال : « قال افتتح في ثلاثة مواطن بالتوجه والتكبير : في
أوّل الزوال ، وصلاة الليل ، والمفردة من الوتر ، وقد يجزئك فيما سوى ذلك من
التطوع أن تكبّر تكبيرة لكل ركعتين » .
وفيه
: مضافاً إلى ضعف
السند بابن شمّون ، واختصاص موردها بالثلاثة دون السبعة ، ما عرفت آنفاً من قصور
الدلالة ، لاحتمال كون المراد من التوجه دعاء التوجه لا تكبيرات الافتتاح التي هي
محل الكلام.
فالإنصاف
: عدم ثبوت دليل
لهذا القول لا بنحو الاختصاص ولا التأكيد
__________________
[١٤٥٥]
مسألة ١١ : لمّا كان في
مسألة تعيين تكبيرة الإحرام إذا أتى بالسبع أو الخمس أو الثلاث احتمالات بل أقوال
: تعيين الأوّل ، وتعيين الأخير ، والتخيير ، والجميع ، فالأولى لمن أراد إحراز
جميع الاحتمالات ومراعاة الاحتياط من جميع الجهات أن يأتي بها بقصد أنّه إن كان
الحكم هو التخيير فالافتتاح هو كذا ويعيّن في قلبه ما شاء ، وإلاّ فهو ما عند الله
من الأوّل أو الأخير أو الجميع .
[١٤٥٦]
مسألة ١٢ : يجوز الإتيان
بالسبع ولاءً من غير فصل بالدعاء
______________________________________________________
كما اعترف به غير
واحد. والأقوى ما عليه المشهور من شمول الحكم لعامة الصلوات من دون ميز بينها
أصلاً ، عملاً بإطلاق الأدلّة.
(١) أورد عليه بعض
أعلام المحشين وتبعه غيره : بامتناع الجمع بين هذه الاحتمالات ، وأنّه ليس من
الاحتياط في شيء.
لكن الإيراد لعله
واضح الفساد ، فإنّ التكبيرة كغيرها من العبادات لا يعتبر فيها سوى الإتيان بها
بما هي عليها بإضافة قصد التقرب ، وكلا الركنين متحقق في المقام بعد مراعاة
الكيفية المزبورة ، ضرورة أنّ ما هو مصداق لتكبيرة الإحرام واقعاً قد تحقق في
الخارج قاصداً به الافتتاح وبوجه قربي على جميع التقادير غاية الأمر أنّ المصلي لا
يشخّصه عن غيره ، ولا يميّزه عمّا عداه ، فهو مبهم عنده مع تعينه واقعاً ، ومثله
غير قادح في صحة العبادة ، إذ لا يعتبر التمييز. وقد مرّ قريباً أنّ الإبهام
وجهالة المكلف بما هو مصداق للافتتاح لا يضر بالصحة ، بعد تعلق القصد ولو إجمالاً
بما يقع به الافتتاح واقعاً ، مع كونه متعيناً في الواقع كما في المقام.
(٢) لإطلاق جملة
من النصوص المتقدمة ، بل التصريح بالولاء في موثقة
لكن الأفضل أن يأتي
بالثلاث ثم يقول : « اللهمّ أنت الملك الحق لا إله إلاّ أنت سبحانك إنّي ظلمت نفسي
فاغفر لي ذنبي إنّه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت » ثم يأتي باثنتين ويقول : « لبّيك
وسعديك ، والخير في يديك ، والشر ليس إليك ، والمهدي من هديت ، لا ملجأ منك إلاّ
إليك ، سبحانك وحنانيك تباركت وتعاليت ، سبحانك ربّ البيت » ثم يأتي باثنتين ويقول
: « ( وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ
السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) عالم الغيب والشهادة حنيفاً مسلماً ( وَما
أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ، ( إِنَّ صَلاتِي
وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، لا شَرِيكَ لَهُ
وَبِذلِكَ أُمِرْتُ ) وأنا من المسلمين » ثم يشرع في الاستعاذة وسورة الحمد.
ويُستحب أيضاً أن
يقول قبل التكبيرات : « اللهمّ إليك توجّهت ومرضاتك ابتغيت ، وبك آمنت وعليك توكلت
، صلّ على محمد وآل محمد وافتح قلبي لذكرك ، وثبّتني على دينك ولا تزغ قلبي بعد إذ
هديتني ، وهب لي من لدنك رحمة إنّك أنت الوهّاب ».
ويستحب أيضاً أن
يقول بعد الإقامة قبل تكبيرة الإحرام : « اللهمّ ربّ هذه الدعوة التامة والصلاة
القائمة ، بلّغ محمّداً صلىاللهعليهوآله الدرجة والوسيلة والفضل والفضيلة ، بالله استفتح وبالله
أستنجح وبمحمّد رسول الله صلّى الله عليه وعليهم أتوجه ، اللهمّ صلِّ على محمّد
وآل محمّد واجعلني بهم عندك وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقرّبين ».
______________________________________________________
زرارة قال : «
رأيت أبا جعفر عليهالسلام أو قال سمعته استفتح الصلاة بسبع تكبيرات ولاءً » نعم ، ورد استحباب تفريق التكبيرات والدعاء خلالها وقبلها
__________________
وأن يقول بعد
تكبيرة الإحرام : « يا محسن قد أتاك المسيء وقد أمرت المحسن أن يتجاوز عن المسيء
، أنت المحسن وأنا المسيء بحق محمّد وآل محمّد ، صلِّ على محمّد وآل محمّد ،
وتجاوز عن قبيح ما تعلم منِّي ».
[١٤٥٧]
مسألة ١٣ : يستحب للإمام أن
يجهر بتكبيرة الإحرام على وجه يسمع من خلفه ، دون الست فإنّه يستحب الإخفات بها.
[١٤٥٨] يستحب رفع اليدين بالتكبير
______________________________________________________
وبعدها على نحو
يقرب من المذكور في المتن ، بعضها في الرواية المعتبرة كصحيح الحلبي وبعضها في
غيرها وإن لم تطابق المذكور في المتن كلا كما لا يخفى ، إلاّ أنّ
الاستحباب المزبور لا يوجب تقييد تلك المطلقات كي يختص استحباب السبع بالاقتران
بتلك الأدعية ، لما تقرر في الأُصول من عدم حمل المطلق
على المقيد في باب المستحبات ، ولا سيّما بعد ورود التصريح بالولاء في المقام كما
عرفت.
(١) للنصوص
الكثيرة التي مرّت الإشارة إليها فيما سبق ، المتضمّنة لاستحباب جهر الإمام بواحدة
وإخفات الست كصحيحتي الحلبي. وروايتي ابن راشد وأبي بصير . نعم ، لم يصرّح بتكبيرة الإحرام في شيء من تلك الأخبار ، وإنّما ذكر الجهر
بواحدة ، لكن القرائن الداخلية والخارجية سيّما مناسبة الحكم والموضوع تقضي
بإرادتها منها وتعينها فيها كما لا يخفى.
(٢) على المشهور
المعروف بين الأصحاب شهرة عظيمة ، بل عليه دعوى
__________________
الإجماع في غير
واحد من الكلمات ، للأمر به في جملة وافرة من النصوص المحمول على الاستحباب كما
ستعرف.
وعن الإسكافي
القول بوجوبه في تكبيرة الإحرام خاصة . وذهب السيّد
المرتضى قدسسره في محكي الانتصار إلى وجوبه في جميع تكبيرات الصلاة مدعياً عليه الإجماع ،
وأنّه مما انفردت به الإمامية .
ويبعد جدّاً
إرادته قدسسره الوجوب النفسي فيما عدا تكبيرة الإحرام لعدم اجتماعه مع استحبابها كما لا
يخفى. نعم ، لا مانع من إرادة الوجوب الشرطي ، لإمكان اقترانه مع استحباب ذات
العمل كما في الإقامة فإنّها مع استحبابها يجب فيها القيام والطهارة وجوباً شرطياً
كما تقدم ، وكما في اشتراط النوافل بما يعتبر في الفرائض من الأجزاء والشرائط.
وكيف
كان ، فقد تعجب غير
واحد من دعواه الإجماع في المقام ، مع أنّه لم يذهب إلى ما ذهب إليه أحد من
الأصحاب سواه ، حتى أنّهم جعلوا ذلك قرينة على إرادته تأكد الاستحباب من الوجوب.
وقد طعن عليه قدسسره في الحدائق ، بل ربما أساء الأدب ، بعد أن اختار مذهبه قدسسره زاعماً دلالة الأخبار عليه بوضوح ، فلا حاجة إلى دعوى
الإجماع فيما لا قائل به سواه.
ولعمري إنّ هذا من
غرائب كلماته ولا يكاد ينقضي العجب من استدلاله على الوجوب بروايات لا إشعار فيها
فضلاً عن الظهور ، كالروايات الحاكية لفعل المعصوم عليهالسلام وأنّ الراوي رآه عليهالسلام قد رفع يديه عند
__________________
التكبير في الصلاة
أو عند افتتاحها ، كصحيحة معاوية بن عمار قال : « رأيت أبا عبد الله عليهالسلام حين افتتح الصلاة يرفع يديه أسفل من وجهه قليلاً » ونحوها صحيحة صفوان وابن
سنان وغيرهما فانّ فعله عليهالسلام لا يدل على الوجوب بل غايته الاستحباب ، حتى أنّ هذه
الأخبار خالية عن كلمة « كان » المشعر بالدوام والاستمرار كي يستأنس منه الوجوب.
على أنّه لو سلم
فغايته وجوب الرفع عند تكبيرة الإحرام ، لا كل تكبيرة لعدم إطلاق بالنسبة إليها.
نعم ، يمكن أن
يستدل على الوجوب بأحد أمرين :
الأوّل
: ما رواه الكليني قدسسره بسنده عن إسماعيل
بن جابر وغيره عن أبي عبد الله عليهالسلام « في رسالة طويلة كتبها إلى أصحابه إلى أن قال دعوا رفع
أيديكم في الصلاة إلاّ مرّة واحدة حين يفتتح الصلاة ، فإنّ الناس قد شهروكم بذلك ،
والله المستعان ولا حول ولا قوة إلاّ بالله » فإنّها ظاهرة في
أنّ ترك الرفع في بقية التكبيرات لأجل التقية وخوف الشهرة ، وإلاّ فلولا المانع
كان الوجوب ثابتاً كما ثبت في تكبيرة الإحرام حيث لا تقية هناك لموافقته لهم.
وفيه
أوّلاً : أنّها ضعيفة
السند بطرقها الثلاثة.
وثانياً
: أنّها قاصرة
الدلالة ، إذ غايتها التزام الشيعة بأمر أوجب اشتهارهم بين الناس وامتيازهم عن
مخالفيهم فردعهم الإمام عن ذلك تقية ، ولعل ما التزموا به كان من الأُمور المستحبة
كالقنوت في الصلاة وغيره من المستحبات التي يلتزم بها وهي كثيرة جدّاً.
__________________
الثاني
: ما رواه في
المجالس بسنده عن الأصبغ بن نباتة عن علي بن أبي طالب عليهالسلام « قال : لما نزلت على
النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ
وَانْحَرْ ) قال : يا جبرئيل ما هذه النحيرة التي أمر بها ربّي؟ قال :
يا محمد إنّها ليست نحيرة ولكنها رفع الأيدي في الصلاة » .
وفيه
: مضافاً إلى ضعف
السند ، فإنّ أكثر رجاله ممّن لم تثبت وثاقته ، بل هم من أبناء العامة ، فلم تثبت
الوثاقة حتى على مسلك العلامة الذي يكتفي فيها بمجرد كون الرجل إمامياً لم يرد فيه
قدح ، أنّ الدلالة أيضاً قاصرة ، إذ لم يعلم المراد من رفع
الأيدي ، ولعلّها كناية عن القنوت ، أو عن الرفع في خصوص تكبيرة الإحرام ، لا في
جميع تكبيرات الصلاة كما هو المدّعى.
فتحصل
: أنّه لا دليل على
وجوب رفع اليدين حال التكبيرات كما يزعمه صاحب الحدائق.
بل يمكن أن يقال
بقيام الدليل على العدم ، وهي صحيحة حماد الواردة لبيان كيفية الصلاة ، فإنّها مع اشتمالها على الخصوصيات المعتبرة فيها حتى نبذاً من المستحبات ،
خالية عن التعرّض لرفع الأيدي إلاّ عند التكبير للهوي إلى السجود على نسخة الفقيه ، أو بإضافة تكبيرة الركوع على نسخة الكافي ولعلّها أضبط ، وعلى التقديرين فهي خالية عن سائر التكبيرات ، فلو كانت واجبة
كما زعمه المحدّث المزبور لزم التعرض لها ، فكيف أهملها ( عليهالسلام )
__________________
وهو في مقام
التعليم وبيان كل ما يعتبر فيها حتى أنّه عليهالسلام أشار إلى بعض المستحبات كما عرفت. مع أنّ هذه أحرى بالذكر
على تقدير الوجوب. وبالجملة فلا ينبغي الارتياب في فساد هذا القول.
وأمّا
مقالة الإسكافي ، من
اختصاص الوجوب بتكبيرة الإحرام ، فيمكن أن يستدل له بعدّة روايات :
منها
: صحيحة الحلبي : «
إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطاً ثم كبّر ثلاث تكبيرات ... » إلخ فانّ ظاهر الأمر بالرفع الوجوب ، ولا يقدح الاشتمال على بسط الكفين والدعاء
ونحوهما من الأُمور المستحبة ، لقيام القرينة الخارجية على الاستحباب فيها دونه
كما لا يخفى.
ومنها
: صحيحة عبد الله
بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام في قول الله عزّ وجلّ ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ
وَانْحَرْ ) قال : « هو رفع يديك حذاء وجهك » وحيث إنّ المخاطب في قوله عليهالسلام « هو رفع يديك » هو عبد الله بن سنان ، فيعلم أنّ توجه
الخطاب في قوله تعالى ( وَانْحَرْ ) إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لكونه فرداً من المصلين ، لا بما أنّه نبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وإلاّ لما طبّقه الإمام عليهالسلام عند تفسير الآية على الراوي.
فيظهر من ذلك أنّ
الخطاب في الآية المباركة عام لجميع المصلين ، فلا يتوقف الاستدلال بهذه الصحيحة
على إثبات قاعدة الاشتراك بيننا وبينه صلىاللهعليهوآلهوسلم التي قد يتأمّل فيها ، لاختصاصه صلىاللهعليهوآلهوسلم بأحكام لا تعدوه ولعلّ المقام منها. نعم ، ربما يحتاج إلى القاعدة في غير هذه
الصحيحة ممّا ورد في تفسير الآية كرواية الأصبغ بن نباتة ونحوها .
__________________
ومنها
: صحيحة زرارة عن
أحدهما عليهماالسلام « قال : ترفع يديك في افتتاح الصلاة قبالة وجهك ولا ترفعهما
كل ذلك » .
ومنها
: صحيحته الأُخرى
عن أبي جعفر عليهالسلام « قال : إذا قمت في الصلاة فكبّرت فارفع يديك ، ولا تجاوز
بكفيك أُذنيك ، أي حيال خديك » . فهذه صحاح أربع دلت على وجوب الرفع على ما يقتضيه ظاهر
الأمر المؤيدة بروايات أُخر ، وإن كانت أسانيدها مخدوشة.
وربما
يجاب : بحمل الأمر فيها
على الاستحباب ، بقرينة ما في بعض النصوص من تعليل الرفع بأنّه زينة كما في خبر
مقاتل بن حيّان أو بأنّه ضرب من الابتهال والتضرع ، وبأنّ في رفع اليدين
إحضار النيّة وإقبال القلب كما في رواية الفضل بن شاذان مما هو ظاهر في الاستحباب.
وفيه
: أنّه نعم الحمل
لولا الضعف في أسانيد هذه النصوص كما أشرنا آنفاً فلا يمكن رفع اليد عن تلك الصحاح
بهذه النصوص الضعيفة.
والصحيح
أن يجاب أوّلاً : بأنّ الوجوب لو كان ثابتاً في هذه المسألة العامّة البلوى الكثيرة الدوران
لابتلاء كل مكلف بها في كل يوم على الأقل خمس مرّات لكان واضحاً مبيّناً لم يقع
الخلاف فيه من أحد ، كيف وقد تسالم الأصحاب على خلافه ، إذ لم ينسب الوجوب إلاّ
إلى الإسكافي لو صدقت النسبة وإلى السيّد المرتضى مع احتمال إرادة الاستحباب ،
لقرينة في كلامه مرّت الإشارة إليها ، فهذه القرينة
التي تمسّكنا بها في كثير من المقامات ممّا تورث القطع بعدم
__________________
الوجوب وإرادة
الاستحباب.
ويؤيده : خلوّ
صحيحة حماد الواردة في مقام التعليم عن التعرض لذلك ، فلو كان الرفع واجباً لكان
أحرى بالذكر من جملة من الأُمور المستحبة المذكورة فيها.
وثانياً
: أنّه تدل على
إرادة الاستحباب من الأوامر الواردة في هذه الصحاح : صحيحة معاوية بن عمار عن أبي
عبد الله عليهالسلام الواردة في وصية النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لعلي عليهالسلام « قال : وعليك برفع يديك في صلاتك وتقليبهما » فانّ التنبيه على ذلك في مقام الوصية من مثل النبيّ الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم لوصيه الأكرم عليهالسلام أقوى شاهد على استحبابه والعناية بشأنه كي لا يترك ، وإلاّ
فلو كان واجباً لعرفه كل أحد حتى النساء ، فلا حاجة إلى مزيد الاهتمام بشأنه في
مقام الإيصاء ، بل هو أمر لا بدّ من مراعاته في الصلاة كسائر الأجزاء والشرائط
التي يتحفظ عليها كل من يتصدى للصلاة ، أفهل ترى صحة أن يوصي أحد أحداً سيّما إذا
كان عالماً فقيهاً أن يراعي الاستقبال أو الطهارة في الصلاة ، أم هل وردت في شيء
من الروايات الوصية ولا سيّما من مثل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم للوصي عليهالسلام بمراعاة واجبات الصلاة من الأجزاء والشرائط.
وثالثاً
: أنّه تدل عليه
صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهالسلام « قال : قال على الإمام أن يرفع يده في الصلاة ليس على
غيره أن يرفع يده في الصلاة » فإنّ مناسبة الحكم والموضوع تقضي بأنّ المراد رفع اليدين
حال تكبير الإحرام كي يتبين للمأموم دخول الإمام في الصلاة فيأتم.
__________________
إلى الأُذنين أو
إلى حيال الوجه أو إلى النحر
______________________________________________________
وقد دلّت صريحاً
على عدم الوجوب في المأموم ، فكذا الإمام ، لعدم القول بالفصل ، فتحمل على
الاستحباب مع اختلاف مرتبة الفضل وأنّه في الإمام آكد. ولا يعارض بقلب الدعوى وجعل
الأمر بالعكس ، لاستلزام طرح النفي في قوله « ليس على غيره » بالكلية ، بخلاف
الأوّل ، فإنّ الأمر حينئذ محمول على الاستحباب كما عرفت.
هذا ، وصاحب
الحدائق قد تعرّض لهذه الصحيحة وناقش فيها بالإجمال واحتمال إرادة القنوت فيها .
وهذا من غرائب
كلماته ، فانّ مناسبة الحكم والموضوع كما عرفت تقضي بإرادة تكبيرة الإحرام ، ولم
يحتمل أحد التفصيل بين الإمام والمأموم في القنوت والسيرة القطعية شاهدة بخلافه.
هذا ، مع أنّ
الرواية وردت بطريق آخر صرّح فيها برفع اليدين في التكبيرة وقد نقل هذا الطريق في
الوسائل متصلاً بالطريق الأوّل ، ومن المقطوع به عادة أنّ صاحب الحدائق لاحظه
واطلع عليه فكيف أهمله وأعرض عنه وأبدى الاحتمال المزبور.
نعم ، هذا الطريق
ضعيف عندنا من جهة عبد الله بن الحسن الواقع في سند الحميري ، ولكنه يراه صحيحاً
ويعتمد عليه ، فلا سبيل للاعتذار عنه بذلك.
(١) فانّ المستفاد
من مجموع الروايات بعد ضم بعضها إلى البعض ، هو التخيير بين الأُمور الثلاثة ،
لتعلّق الأمر بكل منها.
__________________
أمّا النحر : فيدل
عليه صريحاً المرسل المروي في مجمع البيان عن علي عليهالسلام « في قوله تعالى ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ
وَانْحَرْ ) أنّ معناه ارفع يديك إلى النحر في الصلاة » فما في الحدائق من عدم وقوفه على لفظ النحر في شيء من الأخبار غريب . وقد وقع كما اعترف به في صحيحة معاوية بن عمار ما يؤدي هذا المعنى وإن لم
يكن بلفظه ، قال : « رأيت أبا عبد الله عليهالسلام حين افتتح الصلاة يرفع يديه أسفل من وجهه قريباً » ، فانّ القريب من أسفل الوجه ملازم للنحر.
وأمّا حيال الوجه
: فالأخبار الواردة فيه كثيرة ، كصحيحة عبد الله بن سنان وغيرها فلاحظ.
وأمّا إلى
الأُذنين : فتدل عليه رواية أبي بصير « إذا افتتحت الصلاة فكبّرت فلا تجاوز أُذنيك
» فإنّ النهي عن تجاوز الاذن يدل على أنّ غاية حدّ الرفع هو
البلوغ إلى الاذن ، فهذا هو أقصى حدّ الاستحباب.
__________________
مبتدئاً بابتدائه
ومنتهياً بانتهائه فإذا انتهى التكبير والرفع أرسلهما ، ولا فرق بين الواجب
منه والمستحب في ذلك. والأولى أن لا يتجاوز بهما الأُذنين نعم ، ينبغي ضم
أصابعهما حتى الإبهام والخنصر ، والاستقبال بباطنهما القبلة.
______________________________________________________
(١) كما يقتضيه
ظاهر المقارنة بين التكبير والرفع في صحيحة معاوية بن عمار : « حين افتتح الصلاة
يرفع يديه ... » إلخ فإنّ إطلاق القضية الحينية يقتضي الاقتران في تمام أجزاء
المتقارنين ، ونتيجته اقتران أوّل التكبير بأوّل الشروع في الرفع ، واقتران آخره
بالانتهاء عنه ، الذي هو غاية حدّ الرفع.
نعم ، مقتضى صحيح
الحلبي : « فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطاً ثم كبّر ثلاث تكبيرات » وقوع التكبير بعد حصول الرفع فلا تعتبر المقارنة. فهذه الطريقة أيضاً مجزئة
في العمل بالاستحباب. وأمّا التكبير بعد انتهاء الرفع وحال إرسال اليدين فلا دليل
عليه.
(٢) للنهي عنه في
صحيح زرارة بقوله : « ولا تجاوز بكفيك أُذنيك » ، وقد وقع الخلاف في أنّه تنزيهي كما يظهر من المتن أو تحريمي ، وعلى الثاني
فهل هو نفسي أو غيري؟ لكن الظاهر أنّه إرشاد إلى تقيد المستحب ، وهو رفع اليدين
بعدمه.
وتوضيحه : أنّا
وإن ذكرنا في محله عدم حمل المطلق على المقيد في باب المستحبات ، لكنه خاص
بما إذا كان القيد مستحباً كالمطلق ، والوجه في عدم
__________________
ويجوز التكبير من
غير رفع اليدين ، بل لا يبعد جواز العكس .
______________________________________________________
الحمل حينئذ ظاهر
، إذ بعد جواز ترك القيد كما هو مقتضى فرض استحبابه لم يكشف عن تقيّد المطلق به.
وأمّا إذا كان
المقيد بلسان النهي كما في المقام فلا مناص من حمل المطلق عليه ، إذ لا وجه لحمل
النهي على التنزيه بعد كونه ظاهراً في التحريم. نعم قامت القرينة العامة في باب
المركبات على انقلاب ظهور الأوامر والنواهي من الوجوب والتحريم إلى الإرشاد إلى
الجزئية والشرطية أو المانعية.
وعليه فالنهي في
المقام يرشد إلى مانعية التجاوز عن الاذن عن العمل بالرفع المستحب ، فيكشف لا
محالة عن تقيد موضوع الاستحباب بعدمه ، ونتيجة ذلك حمل المطلق على المقيد ، وأنّ
العمل بالاستحباب مشروط بعدم التجاوز عن الاذن.
(١) أمّا التكبير
من غير الرفع فهو مقتضى فرض استحباب الرفع لا وجوبه كما تقدم . وأمّا عكسه أعني الرفع من غير تكبير فلا دليل عليه ، إذ لم يثبت استحبابه في
نفسه ، والاستدلال له بالتعليل الوارد في بعض النصوص المتقدمة من أنّ رفع اليدين ضرب من الابتهال والتبتل والتضرع كما في خبر الفضل بن
شاذان مخدوش بضعف سند الخبر في نفسه كما مرّ ، مضافاً إلى قصور
الدلالة إذ ظاهرها إرادة الرفع حال التكبير لا مطلقاً كما لا يخفى .
__________________
[١٤٥٩]
مسألة ١٥ : ما ذكر من
الكيفية في رفع اليدين إنّما هو على الأفضلية وإلاّ فيكفي مطلق الرفع ، بل لا يبعد جواز رفع إحدى اليدين
دون الأُخرى.
______________________________________________________
(١) فإنّ ما سبق
في الكيفية من رفع اليدين إلى الأُذنين أو إلى حيال الوجه أو إلى النحر وإن ورد
بها النص كما عرفت ، إلاّ أنّه يدل على الاكتفاء بمطلق الرفع ما ورد في وصية النبيّ
صلىاللهعليهوآلهوسلم لعلي عليهالسلام من قوله : « وعليك برفع يديك في صلاتك وتقليبهما » إذ لا مقتضي لحمل المطلق على المقيد في باب المستحبات ، فتكون تلك الكيفية
أفضل الأفراد مع عموم الاستحباب لغيرها.
ومنه تعرف أنّ
الاستقبال بباطن اليدين إلى القبلة المذكور في رواية منصور أيضاً كذلك.
وأمّا جواز رفع
إحدى اليدين دون الأُخرى فهو مشكل وإن لم يستبعده في المتن ، لاختصاص النصوص برفع
اليدين معاً ، فلا دليل على استحباب الواحدة عدا توهم استفادته من التعليل الوارد
في رواية الفضل بن شاذان المتقدمة من أنّه ضرب من
الابتهال والتبتل. وفيه : مضافاً إلى ضعف السند كما مرّ ، أنّ مورده
__________________
[١٤٦٠]
مسألة ١٦ : إذا شكّ في
تكبيرة الإحرام ، فإن كان قبل الدخول فيما بعدها بنى على العدم ، وإن كان بعد
الدخول فيما بعدها من دعاء التوجّه أو الاستعاذة أو القراءة بنى على الإتيان ، وإن شكّ بعد
إتمامها أنّه أتى بها صحيحة أو لا بنى على العدم ، لكن الأحوط
إبطالها بأحد المنافيات ثم استئنافها ، وإن شكّ في الصحة بعد الدخول فيما بعدها
بنى على الصحة .
______________________________________________________
أيضاً رفع اليدين
، ولعل لانضمامهما مدخلية في حصول العلّة ، فلا يمكن الجزم بالاستحباب ، نعم لا
بأس بالإتيان بعنوان الرجاء.
(١) قد يفرض الشك
في وجود التكبيرة وأُخرى في صحتها بعد العلم بالوجود.
أمّا
الأوّل : فلا ريب في وجوب
الاعتناء والبناء على العدم فيما إذا كان الشك قبل الدخول فيما بعدها ، لمفهوم
قوله عليهالسلام في بعض أخبار قاعدة التجاوز : « إذا شككت في شيء ودخلت في
غيره فشكك ليس بشيء » الدال على لزوم الاعتناء بالشك قبل تجاوز المحل. مضافاً إلى
استصحاب العدم السالم عن أيّ دليل حاكم.
كما لا ريب في عدم
الاعتناء فيما إذا كان الشك بعد الدخول فيما بعدها من الجزء الوجوبي كالقراءة ،
لقاعدة التجاوز المستفادة من نصوص كثيرة الحاكمة على الاستصحاب المزبور ، بل إنّ
صحيحة زرارة صريحة في عدم الاعتناء بالشك في التكبير بعد ما قرأ.
__________________
إنّما
الكلام فيما إذا كان
الشك المذكور بعد الدخول في الجزء المستحب من الاستعاذة أو دعاء التوجه ، فانّ في
جريان القاعدة حينئذ خلافاً تعرّضنا له ولتحقيق الحال فيه في الأُصول وملخّصه :
أنّه قد اعتبر في
لسان أخبار الباب عنوان الدخول في الغير ، فهل المراد به مطلق ما كان مغايراً
للمشكوك وإن لم يكن مترتباً عليه كالفعل العادي أو مطلق الذكر والدعاء والقرآن ،
أو المراد خصوص ما كان مترتباً؟ وعلى الثاني فهل يختص الجزء المترتب بما كان
مسانخاً للمشكوك فيه في الوجوب أو يعمّه وغير المسانخ؟
وجوه ، بل أقوال.
فعلى الأوّل والأخير تجري القاعدة في المقام دون الثاني.
لكن
لا سبيل إلى الأوّل ،
لأنّ المأخوذ في الأخبار عنوان الدخول في الغير المستلزم للخروج عن المشكوك فيه ،
وحيث لا معنى للخروج عن نفسه للشك في أصله ، فلا محالة يراد به الخروج عن محله
المتوقف على الدخول فيما هو مترتب عليه ، وإلاّ فمجرد الإتيان بغيرٍ لا ترتب بينه
وبين المشكوك فيه لا يحقق عنوان التجاوز عن المحل بالضرورة ، فعنوان الدخول
والخروج يستدعيان اختصاص الغير بما يكون مترتّباً.
ومن هنا ذكرنا في
محلّه أنّه لو قام إلى الركعة الثالثة وشكّ في الإتيان بالسجدتين
مع تذكره حينئذ فوت التشهد لا تجري القاعدة فيهما ، فانّ الشك المزبور وإن كان بعد
الدخول في الغير وهو القيام إلاّ أنّ هذا القيام لأجل وقوعه على صفة الزيادة من
جهة ترك التشهد المستلزم لهدمه وتداركه ، لا يكون مترتباً على المشكوك فيه ، لعدم
كونه مصداقاً للمأمور به. نعم ، بناءً على القول
__________________
الآخر أعني الاكتفاء
بمطلق الغير تجري القاعدة حينئذ.
كما
لا سبيل إلى القول الأخير
المبني على التمسك بإطلاق قوله عليهالسلام في ذيل صحيحة زرارة : « يا زرارة إذا خرجت من شيء ثم دخلت
في غيره فشكك ليس بشيء » الذي هو بمنزلة إعطاء ضابط كلي ، إذ فيه : أنّ الأمثلة
المذكورة في الصحيحة من الشك في التكبيرة وهو في القراءة ، وفيها وهو في الركوع ،
وفيه وهو في السجود كلها من قبيل الشك بعد الدخول في الجزء الوجوبي ، فلا ينعقد
الإطلاق لذاك الضابط بحيث يعمّ الجزء الاستحبابي ، إذ من الجائز أن تكون هذه قرينة
على اختصاص الضابط بموارد الجزء الوجوبي فيكون من احتفاف الكلام بما يصلح للقرينة
الموجب للإجمال ، إذ معه لم يحرز كونه عليهالسلام في مقام البيان من جميع الجهات كي ينعقد الإطلاق.
هذا ، مع أنّا
أشرنا في بعض المباحث السابقة إلى التنافي بين الجزئية والاستحباب ، إذ مقتضى
الأوّل دخل شيء في الماهية وتقوّمها به المستلزم لانتفائها بانتفائه ، فكيف يجتمع
ذلك مع الثاني الراجع إلى جواز الترك وعدم الدخل ، فما يتراءى من الأجزاء
المستحبّة مرجعها إلى استحباب شيء ظرفه الواجب. وعليه فعدم جريان القاعدة حينئذ
أظهر ، لعدم ترتبٍ بين المستحب والمشكوك فيه بوجه.
ومن
جميع ما ذكرناه تعرف :
أنّ المتعيّن إنّما هو القول الثاني ، أعني اختصاص الغير بالجزء الوجوبي ، فلا
يكفي الدخول في المستحب ، بل الشك معه من الشك في المحل ، ويزيده وضوحاً أنّه لا
شك في عدم جريان قاعدة التجاوز لو رأى نفسه في التعقيب وشكّ في أنّه هل صلّى أو
دخل في التعقيب ابتداءً ، مع أنّه مستحب مترتب على الصلاة ، فلو كان مطلق الدخول
في الغير
__________________
المترتب وإن لم
يكن مسانخاً كافياً في جريان القاعدة ، لزم البناء على الإتيان بالصلاة في المثال
، مع أنّه لا يبنى عليه بلا إشكال فتأمّل.
وأمّا
الثاني : أعني الشك في
الصحة بعد العلم بالوجود ، فان كان بعد الدخول في الغير ، فلا ينبغي الشك في الحكم
بالصحة لقاعدة الفراغ ، بناءً على ما هو الصحيح من جريانها في أجزاء المركب كنفسه
، لعدم قصور في إطلاق قوله عليهالسلام في موثق ابن مسلم : « كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه
كما هو » للشمول للأجزاء ، بل إنّ الشك في الصحة يرجع في الحقيقة
إلى الشك في الوجود أي في وجود الصحيح إذ لا نعني به إلاّ الشك في وجود المأمور به
المساوق للصحيح لا في مطلق الوجود ، فتشمله أدلّة قاعدة التجاوز ، ولذا ذكرنا في
محله أنّ القاعدتين الفراغ والتجاوز مرجعهما إلى قاعدة واحدة ، وتمام الكلام في
محله .
وأمّا إذا كان قبل
الدخول في الغير ، فالأقوى أيضاً ذلك ، لعدم اعتبار الدخول في الغير في مورد قاعدة
الفراغ أعني الشك في الصحة ، وإنّما اعتبرناه في مورد التجاوز ، لعدم صدق المضي
والتجاوز عن الشيء المشكوك وجوده إلاّ بالتجاوز عن محلّه المتوقف على الدخول في
الغير ، وأمّا المشكوك صحته فالمضي عنه إنّما يتحقق بمجرّد الفراغ منه من دون حاجة
إلى الدخول في الغير ، فيشمله قوله عليهالسلام في موثق ابن مسلم المتقدم : « كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى
فامضه كما هو ».
فما أفاده في
المتن من البناء على العدم حينئذ في غير محله.
__________________
وإذا كبّر ثم شكّ
في كونه تكبيرة الإحرام أو تكبير الركوع بنى على أنّه للإحرام .
فصل في
القيام
وهو أقسام : إمّا
ركن وهو القيام حال تكبيرة الإحرام ، والقيام المتصل بالركوع ، بمعنى أن يكون الركوع عن قيام
، فلو كبّر للإحرام جالساً أو في
______________________________________________________
وأمّا ما أفاده قدسسره من أنّ الأحوط إبطالها بأحد المنافيات ثم استئنافها فعجيب
، إذ كيف يكون الإبطال موافقاً للاحتياط مع احتمال صحة الصلاة كما هو المختار على
ما عرفت والبناء على حرمة قطع الفريضة كما عليه المشهور. فهذا الاحتياط وإن أُحرز
معه صحة الصلاة لكنه مخالف للاحتياط من جهة أُخرى ، لاحتمال ارتكاب الحرام من أجل
قطع الفريضة ، بل إنّ سبيل الاحتياط في المقام الإتيان بتكبيرة اخرى رجاءً بقصد
أنّه إن كانت الأُولى باطلة فالافتتاح يقع بهذه وإلاّ فتقع ذكراً. ومثل هذه
الزيادة المأتي بها بقصد القربة المطلقة لا بقصد الجزئية غير مشمولة لأدلّة
الزيادة العمدية المبطلة ، لاختصاصها بما إذا أتى بها بنيّة جزميّة لا بقصد الرجاء
كما عرفت سابقاً.
(١) والوجه فيه
ظاهر ، إذ مرجع الشك حينئذ إلى الشك في وجود القراءة وحيث إنّه في المحل لزم
الاعتناء به عملاً بالاستصحاب وقاعدة الشك في المحل.
(٢) لا ريب في
وجوب القيام في الصلاة في الجملة كتاباً وسنّة.
أمّا الكتاب :
فقوله تعالى ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً
وَقُعُوداً ... ) إلخ بضميمة ما ورد في تفسيره من أنّ الذكر هو الصلاة ، والقيام فيها وظيفة الأصحّاء ، كما
__________________
حال النهوض بطل
ولو كان سهواً ، وكذا لو ركع لا عن قيام بأن قرأ جالساً ثم ركع ، أو جلس بعد القراءة
أو في أثنائها وركع ، وإن نهض متقوِّساً إلى هيئة الركوع القيامي.
______________________________________________________
أنّ القعود وظيفة
المرضى ، ( وَعَلى جُنُوبِهِمْ ) من هو دون
المرضى.
وأمّا السنّة ،
فروايات كثيرة جملة منها معتبرة كصحيحة زرارة قال : « قال أبو جعفر عليهالسلام في حديث : وقم منتصباً فانّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : من لم يقم صلبه فلا صلاة له » وغيرها.
وهل هو ركن مطلقاً
أو في خصوص حال التكبير للإحرام والمتصل بالركوع أو ليس بركن؟
مقتضى إطلاق كلمات
جملة من الأصحاب أنّه ركن على الإطلاق تبطل الصلاة بنقيصته عمداً وسهواً ، مستدلين
عليه بإطلاق دليل الوجوب ممّا عرفت الشامل لحال السهو ، بل وزيادته كذلك بناءً على
ما هو المعروف عندهم من تفسير الركن بما يعمّ الإخلال من حيث الزيادة كالنقيصة.
ومن هنا أشكل
الأمر في كيفية تصوير الزيادة في القيام من حيث هو ، فإنّه لا يتحقق في تكبيرة
الإحرام إلاّ بتكرارها كما لا يتحقق في المتصل بالركوع إلاّ بتعدد الركوع ، وحينئذ
يستند البطلان إلى زيادة تكبيرة الإحرام أو الركوع دون القيام وإلاّ فمن الضروري
أنّ زيادة مجرد القيام كما لو نسي التشهد فقام ثم تذكّر فعاد لا يوجب البطلان.
والذي
ينبغي أن يقال في
المقام : إنّ الإخلال بالقيام حال تكبيرة الإحرام مبطل للصلاة عمداً كان أو سهواً.
أمّا الأوّل ، فلدليل وجوبه من الكتاب
__________________
والسنّة كما مرّ.
وأما الثاني ، فلموثقة عمّار ، قال عليهالسلام فيها : « وكذلك إن وجبت عليه الصلاة من قيام فنسي حتى
افتتح الصلاة وهو قاعد ، فعليه أن يقطع صلاته ويقوم فيفتتح الصلاة وهو قائم » إلخ . فهو ركن فيها بمعنى أنّ تركه عمداً وسهواً مبطل.
وهل هو ركن مستقل
في عرض تكبيرة الإحرام أو أنّه شرط فيها ومقوّم لركنيتها ، فليس الركن إلاّ التكبيرة
المقيدة بكونها في حال القيام ، كما لعله الأظهر؟ لا أثر عملي لهذا البحث أصلاً
كما لا يخفى.
وأمّا الإخلال به
فيها من حيث الزيادة فقد عرفت أنّه لا يتصور إلاّ بزيادة تكبيرة الإحرام ، وحينئذ
فتبطل الصلاة بزيادتها أيضاً سهواً فضلاً عن العمد ، بناءً على المشهور في ذلك ،
وأمّا على المختار من عدم البطلان بزيادة التكبيرة سهواً كما عرفت سابقاً فلا ،
وقد أشرنا فيما سبق أنّ المناط في الركنية رعاية الإخلال العمدي والسهوي من حيث
النقيصة دون الزيادة.
وأمّا
القيام حال القراءة ،
فهو واجب بالأدلة المتقدمة ، لكنّه ليس بركن فلا يقدح الإخلال به سهواً ، فلو قرأ
جالساً سهواً مع مضي محل التدارك صحت صلاته ، عملاً بعموم حديث لا تعاد ، لعدم كون
القيام من الخمسة المستثناة. ومنه يظهر الحال في القيام بعد الركوع.
وأمّا
القيام المتصل بالركوع ،
فهو واجب ركني تبطل الصلاة بتركه حتى سهواً ، وذلك لدخله في مفهوم الركوع ، فانّ
حقيقته متقوّم بالانحناء الخاص عن قيام ، يقال : شجرة راكعة ، أي منحنية بعد
الاستقامة ، وإلاّ فمجرّد الانحناء غير المسبوق بالقيام كالمخلوق كذلك ، وكما لو
نهض متقوّساً إلى هيئة الركوع القيامي ، لا يطلق عليه الركوع لا لغة ولا عرفاً ،
بل هو على هيئة الراكع.
__________________
وعليه فالإخلال
بمثل هذا القيام حيث إنّه يؤدي إلى الإخلال بالركوع فتركه حتى سهواً يوجب البطلان
، لكونه في الحقيقة إخلالاً بالركوع الذي هو من أحد الخمسة المستثناة في حديث لا
تعاد. وأمّا الإخلال به من حيث الزيادة فلا تتصور إلاّ بزيادة الركوع المبطلة ولو
سهواً بلا إشكال ، وهنا أيضاً كالتكبير لا أثر للبحث عن أنّ القيام ركن مستقل أم
شرط مقوّم للركوع ، وإن كان الأظهر هو الثاني كما عرفت ـ ، فإنّ الإخلال به نقصاً
وزيادة لا يكون إلاّ بنقيصة الركوع وزيادته ، ومعهما يتحقق البطلان ، سواء استند
إلى الإخلال بالركوع أم بالقيام المتصل به.
وقد
تحصّل من جميع ما
ذكرناه : أنّ القيام في حالات تكبيرة الإحرام ، والقراءة والمتصل بالركوع ، وما
بعد الركوع واجب ، كل ذلك لإطلاق الأدلّة ، والركن منها هو الأوّل والثالث ، فتبطل
الصلاة بتركه فيهما عمداً وسهواً ، كما تبطل بزيادته ولو سهواً في الثالث بلا
إشكال ، وكذا في الأوّل على المشهور من البطلان بزيادة تكبيرة الإحرام السهوية ،
وإن كان الأقوى خلافه.
وبذلك يستغنى عن
التعرض لكثير ممّا ذكر في المقام من النقض والإبرام ، إذ لا طائل تحتها كما لا
يخفى ، هذا.
وقد
يناقش فيما ذكرناه من
دخل القيام المتصل بالركوع في حقيقة الركوع : بمنع الدخل ، إذ الركوع من الجالس
ركوع قطعاً عرفاً مع عدم سبقه بالقيام فالدليل على ركنيته منحصر بالإجماع.
وفيه
: من الخلط ما لا
يخفى ، إذ لا ندعي دخل مطلق القيام في كل ركوع بل المدعى تقوّم الركوع بالقيام
المناسب له حسب الوظيفة الفعلية ، فالركوع من الجالس متقوّم بالانحناء عن استقامة
جلوسية ، كما أنّ الركوع القيامي متقوّم بالانحناء عن استقامة قيامية ، فمن كانت
وظيفته الركوع القيامي لا يجديه سبقه بالاستقامة الجلوسية ، بأن يقوم عن الجلوس
متقوّساً إلى حدّ الركوع ، فانّ ذلك معتبر في من كانت وظيفته الركوع الجلوسي لا
مطلقاً.
وكذا لو جلس ثم
قام متقوِّساً من غير أن ينتصب ثم يركع ولو كان ذلك كلّه سهواً .
______________________________________________________
وهذا نظير أن يصلي
متيمماً مع كونه واجداً للماء ، فانّ التيمم وإن كان طهوراً ولا صلاة إلاّ بطهور ،
لكنه وظيفة الفاقد دون الواجد ، فكما لا يكفي التيمم هناك ، لا تكفي الاستقامة
الجلوسية فيما نحن فيه ، للزوم جري المكلف على طبق وظيفته الفعلية. وعلى الجملة :
فليست الدعوى تقوّم الركوع بالقيام مطلقاً حتى يتوجه النقض بالركوع الجلوسي كما
ذكر.
فالدليل على وجوب
القيام المتصل بالركوع وركنيته ليس إلاّ ما عرفت من دخله في مفهوم الركوع لتقومه
به ، فالإخلال به إخلال به.
وأمّا الاستدلال
بالإجماع فساقط ، لعدم كونه إجماعاً تعبدياً كاشفاً عن رأي المعصوم عليهالسلام بعد احتمال استناد المجمعين لهذا الوجه ، لو لم ندّع القطع بذلك لاستدلال غير
واحد به صريحاً.
(١) قد عرفت تقوّم
الركوع بالقيام ، فلو أخلّ به بأن لم يأت بالقيام أصلاً كما لو قرأ جالساً ، أو
جلس بعد القراءة أو أثنائها ثم نهض متقوّساً إلى هيئة الركوع القيامي بطلت صلاته
ولو كان ذلك سهواً ، للإخلال بالركوع ، فانّ غير المسبوق منه بالقيام ليس من حقيقة
الركوع في شيء ، وإنّما هو على هيئة الراكع كما عرفت.
وأمّا لو قام في
هذه الفروض متقوّساً إلى أن تجاوز حدّ الركوع ، غير أنّه لم
__________________
وواجب غير ركن ،
وهو القيام حال القراءة وبعد الركوع ، ومستحب وهو القيام حال القنوت وحال تكبير الركوع ، وقد
يكون مباحاً ، وهو القيام
______________________________________________________
ينتصب قائماً ثم
ركع فكان ركوعه عن قيام غير منتصب ، فلا شك في البطلان حينئذ لو كان ذلك عن عمد ،
لإخلاله بالانتصاب الواجب بمقتضى إطلاق الأدلّة ، مثل قوله عليهالسلام في صحيحة زرارة المتقدمة « قم منتصباً » الشامل بإطلاقه لمثل هذا القيام.
وبعبارة اخرى :
دلت هذه الأدلة بمقتضى الإطلاق على وجوب الانتصاب مهما وجب القيام ، فلا يجتزأ
بالقيام الانحنائي ، وقد ثبت وجوب القيام في المقام بمقتضى دخله في مفهوم الركوع
كما عرفت. وبعد ضم الكبرى إلى الصغرى ينتج وجوب الانتصاب في القيام المتصل بالركوع
، فالإخلال به عمداً يوجب البطلان.
وأمّا لو أخلّ به
سهواً ، فالأقوى عدم البطلان ، وذلك لما عرفت من عدم الدليل على وجوب القيام
المتصل بالركوع فضلاً عن ركنيته عدا دخله في تحقق الركوع وتقوّمه به ، ومن الواضح
أنّ الدخيل إنّما هو جامع القيام الأعم من المشتمل على الانتصاب وعدمه ، فانّ
الركوع المسبوق بالقيام الانحنائي ركوع حقيقة ، فالانتصاب واجب آخر معتبر في
القيام ، وعليه فالإخلال به سهواً غير قادح أخذاً بعموم حديث لا تعاد ، لعدم كون
الانتصاب من الخمسة المستثناة.
(١) قد تحصّل من
جميع ما قدمناه أنّ القيام على أقسام : واجب ركني بمعنى بطلان الصلاة بتركه عمداً
وسهواً ، وواجب غير ركني ، ومستحب ، ومباح.
أمّا
الأوّل : فهو القيام حال
تكبيرة الإحرام والمتصل بالركوع.
وأمّا
الثاني : فهو القيام حال
القراءة فإنّه واجب بمقتضى الكتاب والسنّة كما
__________________
بعد القراءة أو
التسبيح أو القنوت أو في أثنائها مقداراً من غير أن يشتغل بشيء ، وذلك في غير
المتصل بالركوع وغير الطويل الماحي للصورة.
[١٤٦١]
مسألة ١ : يجب القيام حال
تكبيرة الإحرام من أوّلها إلى آخرها بل يجب من باب المقدّمة قبلها وبعدها فلو كان جالساً
وقام للدخول في الصلاة وكان حرف واحد من تكبيرة الإحرام حال النهوض قبل تحقق
القيام بطل ، كما أنّه لو كبّر المأموم وكان الراء من أكبر حال الهوي للرّكوع كان
باطلاً ، بل يجب أن يستقرّ قائماً ثم يكبِّر ، ويكون مستقرّاً بعد التكبير ثم
يركع.
______________________________________________________
مرّ ، وليس بركن
بمقتضى حديث لا تعاد ، الدال على صحة الصلاة مع الإخلال بكل جزء أو شرط عدا الخمسة
المستثناة ، وكذا الحال في القيام بعد الركوع.
وأمّا
الثالث : فهو القيام حال
القنوت ، والمراد من استحبابه حاله جواز تركه بترك القنوت كما سيتعرض له الماتن ، لا تركه حال القنوت بأن يقنت جالساً ، لعدم الدليل على مشروعيته كذلك ، فهو
في الحقيقة واجب شرطي وليس من المستحب الاصطلاحي ، فحاله حال الطهارة لصلاة
النافلة حيث يجوز تركها بترك النافلة ، لا الإتيان بالنافلة بدونها كما هو ظاهر.
وأمّا
الرابع : فهو القيام بعد
القراءة ، أو التسبيح ، أو القنوت أو أثنائها ، فإنّه يجوز الفصل بينها بمقدار لا
تمحى معه الصورة كما يجوز الوصل ، فالقيام حال هذه السكنات مباح إلاّ مع الفصل
الطويل الماحي فيحرم.
(١) أي من باب المقدمة
العلمية ، حيث إنّ القيام في تكبيرة الإحرام واجب من أوّلها إلى آخرها ، وبما أنّ
الاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينية فلا يكاد يحصل القطع بالفراغ وحصول
الامتثال خارجاً إلاّ بسبق القيام على
__________________
[١٤٦٢]
مسألة ٢ : هل القيام حال
القراءة وحال التسبيحات الأربع شرط فيهما أو واجب حالهما وجهان ، الأحوط الأوّل
والأظهر الثاني فلو قرأ جالساً نسياناً ثم تذكر بعدها أو في أثنائها صحت
قراءته وفات محل القيام ، ولا يجب استئناف القراءة لكن الأحوط الاستئناف قائماً .
______________________________________________________
أوّلها آناً ما ،
ولحوقه بها من آخرها كذلك.
وعليه فاللازم على
المأموم الصبر هنيئة حتى يقطع بوقوع تمام التكبيرة حال القيام ثم يهوي إلى الركوع
، فلو وقع الراء من أكبر حال الهوي بطل.
(١) تردّد قدسسره في أنّ القيام
حال القراءة ، وكذا التسبيحات الأربع هل هو شرط فيهما كما قد يقتضيه ظواهر النصوص
، أو أنّه واجب مستقل حالهما في عرض سائر الأجزاء ، كما لعلّه الظاهر من كلمات
الأصحاب حيث يعدّونه جزءاً مستقلا من أجزاء الصلاة ، ويساعده ظاهر قوله عليهالسلام : « وقم منتصباً » في صحيحة زرارة المتقدمة ، ثم استظهر الثاني وجعل الأوّل أحوط.
وفرّع قدسسره على مختاره صحة
القراءة وعدم وجوب استئنافها فيما لو قرأ جالساً نسياناً ثم تذكر بعدها أو أثناءها
، إذ لا إخلال حينئذ إلاّ بالقيام وأمّا القراءة فهي صحيحة قد سقط أمرها ، لعدم
اشتراطها بشيء على الفرض وحيث فات محل القيام لسقوط الأمر بالقراءة فلا موقع
لتداركه ، وبما أنّ فوته مستند إلى النسيان فهو مشمول لحديث لا تعاد ، وهذا بخلاف
المبنى الآخر
__________________
لبطلان القراءة
حينئذ من جهة الإخلال بشرطها فلم يسقط أمرها ، وحيث إنّ محلها باق لفرض التذكر قبل
الدخول في الركوع وجب استئنافها.
أقول
: الظاهر أنّه لا
أثر لهذا النزاع ، والبحث علمي بحت كما ذكرنا نظيره في القيام حال تكبيرة الإحرام
، فإنّ الثمرة العملية المزبورة غير تامّة للزوم استئناف القراءة على التقديرين ،
أما على الشرطية فواضح كما مرّ ، وأما بناءً على وجوبه حال القراءة ، فلوضوح أنّ
أجزاء الصلاة بأسرها ارتباطية ، ومقتضى ذلك اختصاص الجزئية بصورة الانضمام بسائر
الأجزاء. فالركوع مثلاً إنّما يعدّ من أجزاء الصلاة إذا كان مسبوقاً بالقراءة
وملحوقاً بالسجود ، ومقارناً للستر والاستقبال والطهارة ونحوها ، وهكذا الحال في
سائر الأجزاء ، فانّ فرض الارتباطية بينها يستدعي الاشتراط بأمر سابق أو لاحق أو
مقارن على سبيل منع الخلو.
وعليه فالقراءة
الواجبة المحسوبة من أجزاء الصلاة هي الحصّة المقارنة للقيام بعد فرض وجوبه حالها
، فغير المقارن غير واجب ، والقراءة الجلوسية ليست من أجزاء الصلاة للمتمكن من
القيام ، فلو قرأ جالساً لم يأت بعد بالجزء الواجب فيجب استئناف القراءة لعدم سقوط
أمرها ، فاذا استأنفها قائماً صحّت الأجزاء السابقة من التكبيرة أو الركعة أيضاً ،
لحصول شرطها أعني اللحوق بالقراءة المأمور بها.
وبعبارة
اخرى : لا قصور في تلك
الأجزاء في حدّ أنفسها ، عدا عدم اتصافها بالملحوقية بالقراءة المأمور بها بمقتضى
الارتباطية الملحوظة بينها ، وبعد استئنافها يحصل الاتصاف لا محالة ، فلا موجب
لإعادتها كما توهّم. وعلى الجملة : لا مناص من أخذ القيام قيداً مقارناً للقراءة
بمقتضى الارتباطية ، سواء لوحظ شرطاً مقوّماً لها أم واجباً مستقلا حالها ، فمع
الإخلال به وجب استئنافها على التقديرين لعدم حصول الجزء فلا أثر عملي لهذا البحث.
[١٤٦٣]
مسألة ٣ : المراد من كون
القيام مستحباً حال القنوت أنّه يجوز تركه بتركه ، لا أنّه يجوز الإتيان بالقنوت
جالساً عمداً ، لكن نقل عن بعض العلماء جواز إتيانه جالساً ، وأنّ القيام مستحب
فيه لا شرط ، وعلى ما ذكرنا فلو أتى به جالساً عمداً لم يأت بوظيفة القنوت بل تبطل
صلاته للزيادة .
______________________________________________________
(١) تقدّمت
الإشارة إلى أنّ إطلاق المستحب على القيام حال القنوت مبني على ضرب
من التسامح وأنّه بالوجوب الشرطي أشبه ، إذ ليس المراد جواز تركه حال القنوت ،
لعدم ثبوت مشروعية القنوت جالساً ، بل المراد تركه بترك القنوت ، فهو نظير الطهارة
بالإضافة إلى صلاة النافلة حيث يجوز تركها بترك النافلة لا تركها حال التنفل. وهذا
، أعني عدم مشروعية القنوت جالساً كأنه من المسلّمات المفروغ عنها بينهم ، وأنّ
القيام شرط فيه لا مستحب حاله.
ويمكن الاستدلال
عليه مضافاً إلى الأخبار المتضمنة لتعيين محله وأنّه بعد القراءة وقبل الركوع ، إذ
لا ينسبق إلى الذهن منها الجلوس بينهما كما لا يخفى بموثقة عمار الواردة في نسيان
القنوت قال عليهالسلام فيها : « إن ذكره وقد أهوى إلى الركوع قبل أن يضع يديه على
الركبتين فليرجع قائماً وليقنت ثم ليركع ... » إلخ .
(٢) أمّا عدم
الإتيان بوظيفة القنوت فظاهر ممّا مرّ ، لاختصاص الوظيفة
__________________
[١٤٦٤]
مسألة ٤ : لو نسي القيام
حال القراءة وتذكر بعد الوصول إلى حدّ الركوع صحت صلاته ، ولو تذكر
قبله فالأحوط الاستئناف على ما مرّ .
______________________________________________________
بحال القيام وعدم
ثبوت مشروعيته جالساً ، بل قد يكون مرتكباً للحرام إذا قصد به التشريع كما لا
يخفى.
وأمّا بطلان
الصلاة بذلك من جهة الزيادة ففيه إشكال ، بل منع ، لاختصاص الزيادة المبطلة بإدخال
شيء في الصلاة بقصد الجزئية ولم يكن مأموراً به ، وحيث إنّ القنوت لم يقصد به
الجزئية أبداً ، حتى القنوت المأمور به الواقع حال القيام لما تقدّم من المنافاة
بين الجزئية والاستحباب ، فلا يكاد يتصف القنوت المزبور بالزيادة ، بل غايته أنّه
عمل عبث واقع أثناء الصلاة ، ومثله لا يقتضي البطلان ما لم يستلزمه من ناحية أُخرى
كالفصل الطويل الماحي للصورة ونحو ذلك.
(١) بأن قرأ
جالساً ، فان تذكره بعد الدخول في الركوع والوصول إلى حدّه صحت صلاته ، لتجاوز محل
التدارك بالدخول في الركن ، إذ التدارك حينئذ يستلزم زيادة الركن المبطلة.
وإن كان التذكر
قبله ، فقد ذكر في المتن أنّ الأحوط الاستئناف ، لكنه ظهر ممّا مرّ أنّ الأقوى ذلك
، لما عرفت من أنّ القراءة الواجبة هي الحصة المقارنة للقيام بمقتضى فرض الارتباطية
، فغير المقارن لا يكون مصداقاً للواجب ، وحيث أنّه أخلّ به والمحل باق وجب
التدارك.
__________________
[١٤٦٥]
مسألة ٥ : لو نسي القراءة
أو بعضها وتذكر بعد الركوع صحّت صلاته إن ركع عن قيام ، فليس المراد من كون القيام
المتصل بالركوع ركناً أن يكون بعد تمام القراءة .
[١٤٦٦]
مسألة ٦ : إذا زاد القيام
، كما لو قام في محل القعود سهواً لا تبطل صلاته ، وكذا إذا زاد القيام حال
القراءة بأن زاد القراءة سهواً ، وأمّا زيادة القيام الركني فغير متصورة من دون
زيادة ركن آخر ، فانّ القيام حال تكبيرة الإحرام لا يزاد إلاّ بزيادتها ، وكذا
القيام المتصل بالركوع لا يزاد إلاّ بزيادته ، وإلاّ فلو نسي القراءة أو بعضها
فهوى للركوع وتذكر قبل أن يصل إلى حدّ الركوع رجع وأتى بما نسي ثم ركع وصحت صلاته
، ولا يكون القيام السابق على الهوي الأول متصلاً بالركوع حتى يلزم زيادته إذ لم
يتحقق الركوع بعده فلم يكن متصلاً به ، وكذا إذا انحنى للركوع فتذكر قبل أن يصل
إلى حده أنّه أتى به ، فإنّه يجلس للسجدة ولا يكون قيامه قبل الانحناء متصلاً
بالركوع ليلزم الزيادة .
______________________________________________________
(١) بل المراد
القيام آناً ما قبل الركوع بحيث يركع عن قيام ، سواء أكان بعد تمام القراءة أو في
أثنائها أم بدونها كما هو واضح.
(٢) قد تفرض
الزيادة في القيام غير الواجب ، وأُخرى في الواجب غير الركن وثالثة في القيام
الركني.
أمّا
الأوّل : كما لو قام في
محل القعود سهواً ، فلا إشكال في عدم البطلان لعدم قصد الجزئية بعد فرض عدم الوجوب
، ولا تتحقق الزيادة إلاّ بقصدها كما مرّ ، وفي وجوب سجدة السهو عليه حينئذ كلام
يأتي في محله ، بل لا يبعد
__________________
[١٤٦٧]
مسألة ٧ : إذا شكّ في
القيام حال التكبير بعد الدخول فيما بعده ،
______________________________________________________
الجواز حتى مع
العمد ، كما لو قام لغاية أُخرى ما لم يستلزم البطلان من جهة أُخرى كالفصل الطويل
الماحي للصورة.
وأمّا
الثاني : فكالقيام حال
القراءة ، والقيام بعد الركوع ، والأوّل لا تتصوّر الزيادة فيه إلاّ بزيادة
القراءة ، إذ الواجب إنما هي الحصة المقارنة للقراءة جزءاً أو شرطاً على الخلاف
المتقدِّم التي لا تتكرر إلاّ بتكرر نفس القراءة ، ومثله أيضاً لا يوجب البطلان
إذا كان سهواً ، عملاً بحديث لا تعاد. وكذا الحال في الثاني ، كما لو اعتقد عند
الهويّ إلى السجود عدم القيام بعد الركوع ، فقام ثم تذكر الإتيان ، فإنّ هذه
الزيادة أيضاً غير مبطلة لما عرفت من الحديث.
وأمّا
الثالث : فكالقيام حال
تكبيرة الإحرام ، والقيام المتصل بالركوع ، وهما أيضاً لا تتصور الزيادة فيهما
إلاّ بزيادة التكبير أو الركوع ، فيحكم بالبطلان في الثاني بلا إشكال ، وفي الأوّل
على المشهور دون المختار من عدم البطلان بزيادة التكبيرة سهواً.
وكيف كان ، فلو
نسي القراءة أو بعضها فهوى للركوع وتذكر قبل أن يصل إلى حدّ الركوع رجع وأتى بما
نسي ثم ركع وصحت صلاته ، إذ لا يكون القيام السابق متصلاً بالركوع حتى تلزم
الزيادة.
ومثله ما لو انحنى
إلى الركوع باعتقاد عدم الإتيان به وقبل أن يصل إلى حدّه تذكّر أنّه فعله ، فإنّه
يهوي حينئذ للسجود ، ولا يكون قيامه السابق على الانحناء متّصلاً بالركوع لتلزم
الزيادة ، لعدم تعقبه به كما هو واضح.
(١) غير خفي أنّ
مرجع الشك حينئذ إلى الشك في صحة التكبيرة ، سواء أقلنا بأنّ القيام شرط فيها أم
بنينا على أنّه واجب حالها وركن مستقل في
أو في القيام
المتصل بالركوع بعد الوصول إلى حدّه أو في القيام بعد الركوع بعد الهويّ إلى السجود ولو قبل
الدخول فيه لم يعتن به وبنى على الإتيان.
______________________________________________________
عرضها ، أمّا على
الأوّل فواضح ، وكذا على الثاني ، بناءً على ما عرفت من أنّ فرض الارتباطية بين
الأجزاء يستدعي فرض اشتراط بعضها ببعض على نحو الشرط المتقدم أو المتأخر أو
المقارن على سبيل منع الخلو ، فالتكبيرة الصحيحة هي الحصة المقارنة للقيام.
وعليه فالشك في
المقام مجرى لقاعدة الفراغ دون التجاوز ، وقد مرّ قريباً عدم اعتبار الدخول في
الغير في جريانها ، فالشك المزبور لا يعتنى به ، سواء أكان ذلك بعد الدخول فيما
بعد التكبير أم قبله.
(١) قد عرفت أنّ
القيام المتصل بالركوع لا دليل على اعتباره عدا دخله في تحقق الركوع وتقوّمه به من
جهة اعتبار الانحناء عن القيام في ماهية الركوع وإلاّ فليس هذا القيام واجباً
مستقلا برأسه ، وعليه فمرجع الشك المزبور إلى تحقق الركوع وعدمه ، وأنّ هذه الهيئة
الخاصة هل كانت عن قيام كي تتصف بالركوع أو عن جلوس كي لا تتصف به وإنما هي على
صورة الركوع وشكله ، وحيث إنّ الشك في المحل وجب الاعتناء به ، لقاعدة الشك في
المحل. مضافاً إلى الاستصحاب فيجب تدارك القيام ثم الركوع بعده ، وإن كان الأحوط
الإتمام ثم الإعادة.
(٢) أمّا إذا كان
الشك فيه بعد الدخول في السجود فلا إشكال في عدم الاعتناء لقاعدة التجاوز الجارية
في المقام بلا كلام. وأمّا إذا كان في حالة الهوي قبل
__________________
الدخول في السجود
، فان بنينا على أنّ المراد من القيام الواجب بعد الركوع خصوص المتصل به من غير
تخلل الفصل ، بأن يتعقب الركوع بالقيام من دون أن يفصل بينهما بشيء ، فلا إشكال
أيضاً في عدم الاعتناء ، لعدم إمكان التدارك بعد فرض تخلل الفصل بالهوي إلى السجود
، بل الأمر كذلك حتى لو تذكر حينئذ تركه فضلاً عن الشك فيه ، لما عرفت من مضي محل
التدارك ، فإنّه لا يمكن إلاّ بإعادة الركوع المستلزم لزيادة الركن.
وأمّا إذا بنينا
على أنّ المراد به مطلق القيام ، سواء أكان موصولاً أم مفصولاً فيبتني عدم
الاعتناء على جريان قاعدة التجاوز عند الدخول في مقدمات الأجزاء إذ لا ريب أنّ
الهوي مقدّمة للسجود ، وليس واجباً مستقلا برأسه ، فبناءً على تعميم الغير الذي
يعتبر الدخول فيه في جريان القاعدة للمقدمات ، كما يظهر من المتن ولعله المشهور ،
يحكم بجريان القاعدة في المقام ، وكذا لو شكّ في السجود عند النهوض إلى القيام.
وأمّا بناءً على الاختصاص بالدخول في الأجزاء نفسها كما هو الأقوى على ما ستعرف
فلا تجري ، بل لا بدّ من الاعتناء ، لكونه من الشك في المحل.
وقد استدلّ
للتعميم تارة : بإطلاقات الأدلة ، مثل قوله عليهالسلام في ذيل صحيحة زرارة : « إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره
فشكك ليس بشيء » فانّ الغير صادق على المقدمة أيضاً.
وأُخرى
: بصحيحة عبد
الرحمن بن أبي عبد الله قال : « قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع ، قال : قد
ركع » فإنّها صريحة في عدم الاعتناء بالشك عند الدخول في الهوي.
__________________
ويندفع
الأوّل : بأنّ الإطلاق
المذكور مسبوق بأمثلة ذكرت في صدر الصحيحة كلّها من قبيل الشك في الشيء بعد
الدخول في جزء واجب مستقل كالشك في التكبيرة بعد الدخول في القراءة ، وفيها بعد
الدخول في الركوع ، وفيه بعد الدخول في السجود ، ومن الجائز أن يراد من الضابط
المذكور في الذيل ما يكون من سنخ هذه الأمثلة فلا ينعقد الإطلاق لما يشمل الدخول
في المقدمات من جهة احتفاف الكلام بما يصلح للقرينيّة الموجب للإجمال ، لو لم نقل بالظهور في الخلاف من أجل تلك القرينة كما لا
يخفى.
هذا ، مع أنّه
يمكن استفادة عدم كفاية الدخول في المقدّمات من جملة من النصوص ، حيث قيّد فيها
عدم الاعتناء بالشك في الركوع فيما إذا كان ذلك بعد الدخول في السجود ، الظاهر في
لزوم الاعتناء قبله ، ولو كان في حال الهوي.
والتقييد المزبور
وإن كان واقعاً في كلام السائل في جملة منها ، كصحيحة حماد ابن عثمان قال : « قلت
لأبي عبد الله عليهالسلام : أشك وأنا ساجد فلا أدري ركعت أم لا ، قال : امض » ،
ونحوها صحيحته الأُخرى ، وصحيحة ابن مسلم وغيرها فلا يمكن
الاستدلال بها ، اللهمّ إلاّ من حيث إشعارها في مفروغية الحكم أعني لزوم الاعتناء
بالشك لو كان قبل الدخول في السجود ولو في حال الهوي لدى الرواة والسائلين ، ومن
هنا قيّدوه بالدخول في السجود ، وقد أقرّهم الإمام عليهالسلام على ما هو المغروس في أذهانهم.
إلاّ أنّ بعض تلك
النصوص قد تضمّن التصريح بالتقييد في كلام الإمام عليهالسلام نفسه ، كصحيحة إسماعيل بن جابر قال : « قال أبو جعفر عليهالسلام : إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض ، وإن شكّ في السجود بعد ما
__________________
قام فليمض ، كل شيء
شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه » وتقريب الاستدلال بها على عدم كفاية الدخول في الهوي من وجهين :
أحدهما
: من ناحية المفهوم
، لا من حيث مفهوم الشرط ، ضرورة أنّ مفهوم القضية الشرطية عدم الشك في الركوع بعد
ما سجد ، لا الشك في الركوع قبل أن يسجد الذي هو المطلوب كما لا يخفى ، بل من حيث
مفهوم الوصف ، حيث قيّد عدم الاعتناء بالشك في الركوع بما إذا كان ذلك بعد الدخول
في السجود وقد ذكرنا في الأُصول أنّ الوصف وإن لم يكن له مفهوم بالمعنى المصطلح أعني
العلية المنحصرة المساوقة للانتفاء عند الانتفاء ، لكنّها تدل على أصل العلية أعني
عدم كون الطبيعة على إطلاقها وسريانها موضوعاً للحكم ، وإلاّ كان التقييد بالوصف
لغواً محضاً ، فالتقييد في المقام يدل على أنّ طبيعي الشك في الركوع أينما سرى
وحيثما تحقق ولو كان في حال الهوي ليس موضوعاً لعدم الاعتناء وإلاّ كان التقييد بما بعد السجود لغواً وهذا هو المطلوب فتدبّر جيداً.
ثانيهما
: قوله عليهالسلام في ذيل الصحيحة : « كل شيء شك فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه »
حيث طبّق عليهالسلام هذه الكبرى على ما ذكره في الصدر ، من الشك في الركوع بعد
ما سجد ، والشك في السجود
__________________
بعد ما قام ، حيث
يظهر أنّ المراد من الغير هو السجود والقيام ، لا الهوي والنهوض وإلاّ كان التطبيق
عليهما مع سبقهما أولى كما لا يخفى ، بل يكون هذا شاهداً على أنّ المراد بهذه
الكلية المذكورة في غير هذه الصحيحة كصحيحة زرارة المتقدمة أيضاً ذلك.
وعلى
الجملة : فالاستدلال
بالإطلاق في غير محلّه ، سيّما بعد ملاحظة هذه الصحيحة.
ويندفع
الثاني : بابتنائه على أن
يكون المراد من كلمة « أهوى » حالة الهوي وليس كذلك ، فإنّها لغة بمعنى السقوط إلى
الأرض المساوق للدخول في السجود. نعم ، لو كانت الكلمة بصيغة المضارع « يهوي » بدل
الماضي تمّ الاستدلال لظهورها في الاشتغال بحالة الهوي ، وهذا نظير قولك : صلى زيد
أو يصلي ، فإنّ الأوّل ظاهر في تحقّق الصلاة منه ، والثاني في الاشتغال بها.
ومع الغض والتسليم
، فغايته إطلاق الصحيحة ، وأنّ قوله عليهالسلام : « أهوى إلى السجود » يشمل حالتي الدخول في السجود وعدمه
، فيقيّد الإطلاق بمقتضى صحيحة إسماعيل بن جابر المتقدمة ، حيث قيّد فيها عدم الاعتناء بالدخول في السجود بأحد التقريبين.
والمتحصل من جميع ما ذكرناه : عدم كفاية الدخول في المقدمات من
الهوي والنهوض في جريان قاعدة التجاوز ، وعليه فلو شكّ في الركوع ، أو في القيام
بعد الركوع عند الهوي إلى السجود قبل الدخول فيه ، وجب عليه الاعتناء والتدارك
لقاعدة الشك في المحل ، مضافاً إلى الاستصحاب.
__________________
[١٤٦٨]
مسألة ٨ : يعتبر في القيام
الانتصاب والاستقرار والاستقلال حال الاختيار ، فلو انحنى قليلاً ، أو مال إلى أحد
الجانبين بطل ، وكذا إذا لم يكن مستقرّاً ، أو كان مستنداً على شيء من إنسان أو
جدار أو خشبة أو نحوها.
______________________________________________________
(١) أمّا الأوّلان ، فقد مرّ الكلام حولهما في مبحث التكبير في المسألة
الرابعة إذ لا فرق بين القيام المعتبر في التكبير وبين غيره فيما له من الأحكام ،
وعرفت وجوب الأوّل بالروايات الخاصة التي منها قوله عليهالسلام في صحيح زرارة « وقم منتصباً ... » إلخ . وكذا الثاني بمقتضى الإجماع ، وإلاّ فالأدلة اللفظية قاصرة عن إثباته ، ومنه
تعرف أنّ اعتباره أي الاستقرار في القيام المتصل بالركوع محل إشكال بل منع ، لما
تقدّم من عدم وجوبه في نفسه ، وإنّما يعتبر من أجل تقوّم الركوع
به ودخله في تحققه ، وظاهر معقد الإجماع اختصاصه بالقيام الواجب في نفسه لا أقل من
الشك ، وحيث إنّه دليل لبي فلا إطلاق له بحيث يشمل مثل هذا القيام ، ومن الواضح
أنّ الذي يتقوّم به الركوع إنّما هو جامع القيام ، سواء تضمّن الاستقرار أم لا.
وأمّا
الاستقلال في القيام وعدم
الاعتماد على شيء بحيث لو أُزيل لسقط فالمشهور اعتباره في حال الاختيار ، بل عليه
دعوى الإجماع في كثير من الكلمات وخالف فيه أبو الصلاح من القدماء ، وجملة من المتأخرين ، وهو الأقوى.
__________________
ويستدل للاعتبار
بوجوه :
الأوّل
: الإجماع. وفيه :
أنّ المحصّل منه غير حاصل ، والمنقول غير مقبول. مضافاً إلى عدم كونه إجماعاً
تعبدياً كاشفاً عن رأي المعصوم عليهالسلام للقطع باستناد المجمعين إلى الوجوه الآتية أو بعضها ولا
أقل من احتماله.
الثاني
: اعتباره في مفهوم
القيام كما نصّ عليه جمع من الأعلام. وفيه : ما لا يخفى ، ضرورة أنّ القيام عبارة
عن نفس الهيئة الخاصة التي هي حالة من الحالات قبال سائر الهيئات من القعود
والاضطجاع ونحوهما ، ولا يعتبر في تحققها الاستقلال وعدم الاعتماد جزماً.
الثالث
: دعوى الانصراف
إليه وإن لم يؤخذ في مفهومه. وهي ممنوعة وعهدتها على مدّعيها.
الرابع
: أنّه المعهود من
النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمة : فيجب الاقتصار عليه تأسِّياً لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « صلّوا كما رأيتموني أُصلي » وقد يقرّر هذا
بقاعدة الشغل ، فانّ القطع بالفراغ عن التكليف المعلوم لا يحصل إلاّ بالقيام
مستقلا.
وفيه
: أنّ الصادر عنهم : وإن كان كذلك
يقيناً ، إلاّ أنّ الفعل لمكان إجماله لا يدل إلاّ على أصل المشروعية دون الوجوب
الذي هو المطلوب وإثباته بالنبوي المذكور ممنوع ، إذ مضافاً إلى ضعف سنده كما
تقدّم سابقاً لعدم روايته إلاّ عن طرق العامّة ، قاصر الدلالة ،
لعدم وجوب رعاية جميع الخصوصيات التي تضمّنتها صلاته صلىاللهعليهوآلهوسلم بلا إشكال ولا تعيّن لبعضها فيوجب الإجمال.
__________________
وصحيحة حماد وإن تضمّن ذيلها الأمر بقوله عليهالسلام « يا حماد هكذا فصلّ » ، إلاّ أنّها خالية عن ذكر
الاستقلال ، فانّا وإن كنا نقطع بكونه عليهالسلام مستقلا غير معتمد على شيء في الصلاة التي صلاها تعليماً ،
إلاّ أنّه لم يكن شيئاً مفروغاً عنه بين الإمام عليهالسلام وحماد بحيث يكون ملحوظاً في مقام التعليم ، وإلاّ كان
الأحرى التعرض فيها كما لا يخفى.
ومنه تعرف أنّ
قاعدة الشغل لا مسرح لها بعد إطلاق الأدلّة ، مع أنّ مقتضى الأصل هي البراءة في
أمثال المقام دون الاشتغال كما هو ظاهر.
فتحصل
: أنّ هذه الوجوه
كلّها ساقطة ، والعمدة في المقام روايتان معتبرتان :
إحداهما
: صحيحة عبد الله
بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام « قال : لا تمسك بخمرك وأنت تصلي ، ولا تستند إلى جدار
وأنت تصلي إلاّ أن تكون مريضاً » هكذا في الوسائل
، والموجود في نسخ الحدائق غير الطبعة الجديدة وكذا في الذخيرة « لا تستند » بدل « لا تمسك » والمعنى واحد. وكيف كان فالخمر بالفتح والتحريك
ـ : ما واراك من شجر وغيرها ، والدلالة ظاهرة.
الثانية
: موثقة ابن بكير
قال : « سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الصلاة قاعداً أو متوكئاً على عصا أو حائط ، فقال : لا
، ما شأن أبيك وشأن هذا ، ما بلغ أبوك هذا بعد » والتعبير عنها بالخبر في بعض الكلمات المشعر بالضعف في غير محله كما لا يخفى
، والدلالة أيضاً ظاهرة كسابقتها.
لكن بإزائها عدة
روايات فيها الصحيح والموثق دلت على الجواز صريحاً
__________________
كصحيحة علي بن
جعفر عن أخيه عليهالسلام « عن الرجل هل يصلح له أن يستند إلى حائط المسجد وهو يصلي
، أو يضع يده على الحائط وهو قائم من غير مرض ولا علة؟ فقال : لا بأس. وعن الرجل
يكون في صلاة فريضة فيقوم في الركعتين الأولتين هل يصلح له أن يتناول جانب المسجد
فينهض يستعين به على القيام من غير ضعف ولا علة؟ فقال : لا بأس به » .
وموثق ابن بكير «
عن الرجل يصلي متوكئاً على عصا أو على حائط ، قال : لا بأس بالتوكأ على عصا ، والاتكاء
على الحائط » ونحوهما غيرهما.
هذا ، ومقتضى
الجمع العرفي بينهما الحمل على الكراهة ، لصراحة الطائفة الثانية في الجواز ،
فيرفع اليد بها عن ظهور الطائفة الاولى في المنع وتحمل على الكراهة.
لكن الأصحاب جمعوا
بينهما بحمل الطائفة الأُولى على الاتكاء والاستناد المشتمل على الاعتماد ، بحيث
لو أُزيل السناد لسقط ، والثانية على مجرّد الاستناد العاري عن الاعتماد.
وهذا كما ترى من
أردأ أنحاء الجمع ، فإنّه تبرّعي لا شاهد عليه ، إذ الموضوع فيهما واحد وهو
الاتكاء أو الاستناد ، فكيف يحمل في إحداهما على ما تضمن الاعتماد وفي الأُخرى على
ما تجرّد عنه مع فقد ما يشهد بهذا الجمع.
بل ذكر في الحدائق
أنّ الاتكاء قد اعتبر في مفهومه الاعتماد لغة ، وعليه
فيسقط هذا الجمع من أصله كما لا يخفى.
وعن صاحب الجواهر قدسسره حمل الطائفة
الثانية على التقية لموافقتها
__________________
للعامة ، فلا مجال للأخذ بها ، سيّما وقد أعرض الأصحاب عنها المسقط لها عن الحجية.
وفيه
: أنّ الحمل على
التقية فرع استقرار المعارضة ، ولا تعارض بعد إمكان الجمع الدلالي بالحمل على
الكراهة كما عرفت ، فلا تصل النوبة إلى الترجيح بالجهة بعد وجود الجمع العرفي.
وأمّا الإعراض
فمضافاً إلى منع الكبرى ، لعدم قدحه في الحجية كما حققناه في الأُصول ، لا صغرى له في المقام ، ضرورة اعتناء الأصحاب بهذه الطائفة كما يفصح عنه
تصديهم لعلاج المعارضة إمّا بالحمل على الاستناد العاري عن الاعتماد كما مرّ ، أو
بجعل عمل المشهور على طبق الاولى مرجّحاً لها عليها.
والحاصل
: أنّ الإعراض
القادح في الحجية هو الكاشف عن بناء الأصحاب على خلل في السند وقصور في الصدور ،
ولذا قيل إنّه كلما ازداد صحة ازداد بالإعراض بعداً ، وهذا غير محتمل في المقام
بعد ما عرفت من الاعتناء المزبور الذي يظهر منه عدم غمز في السند والمفروغية عن
صحته.
وقد
تحصّل : أنّ الأقوى عدم
اعتبار الاستقلال ، وجواز الاستناد على كراهة وإن كان الأحوط ذلك حذراً عن مخالفة
المشهور.
ثم على تقدير
تسليم اعتباره في القيام ، فهل يعتبر ذلك في النهوض أيضاً فلا تجوز له الاستعانة
حاله؟
ربما يقال بذلك
أخذاً بإطلاق قوله عليهالسلام في صحيحة ابن سنان المتقدمة : « لا تمسك بخمرك وأنت تصلي » بدعوى أنّ قوله عليهالسلام وأنت تصلي شامل للنهوض أيضاً.
__________________
نعم ، لا بأس بشيء
منها حال الاضطرار
______________________________________________________
وفيه
أوّلاً : أنّ الصلاة اسم
لمجموع الأجزاء خاصة ، دون المركب منها ومن المقدمات ، والنهوض مقدّمة للجزء وليس
منه ، فليس من الصلاة ، فلا تشمله الصحيحة الظاهرة في اعتبار الاستقلال في الصلاة
نفسها.
وثانياً
: لو سلّم الإطلاق
، فهو مقيّد بصحيحة علي بن جعفر المتقدمة حيث تضمّن ذيلها
التصريح بجواز الاستعانة حال النهوض ، فانّ الإعراض على تقدير تسليم قدحه غير
متحقق بالنسبة إلى هذه الفقرة جزماً ، لاختصاص الشهرة باعتبار الاستقلال في القيام
دون النهوض.
(١) بناءً على
اعتبار الاستقلال في القيام وقد عرفت منعه فلا ريب في اختصاصه بحال الاختيار ،
فيسقط اعتباره لدى الاضطرار بلا خلاف ولا إشكال ، وقد قام عليه الإجماع ، وتسالمت
عليه كلمات الأصحاب من غير نكير.
وهل السقوط حينئذ
على طبق القاعدة أو لا؟ يختلف ذلك باختلاف مدارك اعتباره ، فان كان المستند فيه
دخل الاستقلال في مفهوم القيام ، فمقتضى القاعدة حينئذ سقوطه رأساً والانتقال إلى
الجلوس ، شأن كل عاجز عن القيام على ما تقتضيه الآية والروايات كما سبق ، فتحتاج
كفاية القيام غير الاستقلالي إلى الدليل ، فانّ الاجتزاء به على خلاف القاعدة.
وبالجملة
: بناءً على هذا
المبنى تلزمه الصلاة جالساً ، ولا يكتفى بالقيام من غير استقلال ، لعدم كونه من
القيام ولا القعود على الفرض. مع أنّ المتسالم عليه الاكتفاء به كما مرّ ، وإن كان
المستند انصراف الأدلّة إلى القيام الاستقلالي فالحكم على طبق القاعدة ، إذ
الانصراف على تقدير تسليمه مختص بحال الاختيار
__________________
وكذا يعتبر فيه
عدم التفريج بين الرجلين فاحشاً بحيث يخرج عن صدق القيام ، وأمّا إذا كان بغير الفاحش فلا
بأس.
______________________________________________________
ففي غيره يتمسك
بإطلاقات القيام بعد صدقه على العاري عن الاستقلال حسب الفرض.
وكذا الحال لو كان
المستند الأخبار الخاصة المتقدمة ، إذ الظاهر منها اعتبار الاستقلال شرطاً مستقلا
ملحوظاً في القيام الواجب ، وهذا يقتضي الاختصاص بحال الاختيار ، إذ العجز عنه لا يستوجب سقوط أصل القيام ، فانّ الضرورات تقدّر بقدرها ، هذا.
وعلى جميع المباني
والتقادير فالمستفاد من نفس النصوص سقوط اعتباره لدى العجز لقوله عليهالسلام في صحيحة ابن سنان المتقدمة ، « إلاّ أن تكون
مريضاً » إذ المراد به بمقتضى مناسبة الحكم والموضوع المريض العاجز عن الاستقلال
وكذا قوله عليهالسلام في موثقة ابن بكير « ما بلغ أبوك
هذا بعد » الظاهر في أنّ أباه ( بكير ) لو بلغ هذا الحد بحيث عجز عن القيام مستقلا
جاز له القيام الاتكائي.
(١) أمّا التفريج
الفاحش المخل بصدق القيام فلا إشكال في عدم جوازه لمنافاته مع القيام الواجب ،
وأمّا غير الفاحش ، أو الفاحش غير المخل بحيث
__________________
صدق معه القيام ،
فالمشهور هو الجواز تمسكاً بإطلاقات أدلة القيام ، لكن عن المفيد في المقنعة ، والصدوق في المقنع ، ومال إليه في الحدائق عدم التباعد بين الرجلين أزيد من الشبر.
واستندوا في ذلك
إلى صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام « قال : إذا قمت إلى الصلاة فلا تلصق قدمك بالأُخرى ، ودع
بينهما فصلاً إصبعاً أقل ذلك إلى شبر أكثره ... » إلخ هكذا رواها في الوسائل في أبواب القيام ، وهو المطابق للكافي والحدائق ، ورواها أيضاً في الوسائل في أبواب أفعال الصلاة لكن بزيادة كلمة « من » بين لفظي « أقل » و « ذلك » فنقلها هكذا « إصبعاً أقل
من ذلك إلى شبر أكثره » وهو الموافق للتهذيب الطبعة القديمة ، وأمّا الجديدة ،
فموافقة للأُولى .
لكن الصحيح هي
العبارة الأُولى ، لعدم استقامة المعنى على الثانية كما لا يخفى. هذا ، وقد حمل
شيخنا البهائي قدسسره الإصبع المذكور في هذه الصحيحة على الطول كي يطابق التحديد
بثلاثة أصابع مفرّجات ، المذكور في صحيحة حماد ولا يخفى بعده
فانّ المتداول في التحديد بالإصبع إرادة العرض دون الطول.
__________________
والأحوط الوقوف
على القدمين دون الأصابع وأصل القدمين ، وإن كان الأقوى كفايتهما أيضاً ، بل لا
يبعد إجزاء الوقوف على الواحدة .
______________________________________________________
وكيف كان ، فهذه
الصحيحة وإن كان ظاهرها عدم جواز التفريج أكثر من الشبر كما ذكره أُولئك الأعلام ،
لكنه لا يمكن الأخذ به ،
أمّا
أوّلاً : فلأنّها مشتملة
على ذكر عدة من الآداب والمستحبات ، ووحدة السياق تشهد بإرادة الندب من الجميع ،
إذ يبعد جدّاً إرادة الوجوب من هذه الخصوصية والاستحباب من جميع ما عداها ، فلاحظ.
وأمّا
ثانياً : وهو العمدة ،
أنّا لا نحتمل الوجوب في مثل هذه المسألة العامة البلوى الكثيرة الدوران ، إذ لو
كان لبان وشاع وذاع وكان من الواضحات ، كيف وقد ذهب المشهور إلى خلافه ، ولم ينسب
الوجوب إلاّ إلى المفيد والصدوق ، مع أنّ التفريج أمر متعارف في الصلاة ، سيّما في
السمين والبدين الذي يتحقق التباعد بين رجليه غالباً أزيد من الشبر بكثير ، ولو
كان معتبراً لأُشير إليه في الأخبار أكثر من ذلك ، فلا محيص من الحمل على
الاستحباب.
(١) ينبغي التكلم
في جهات :
الاولى
: أنّه لو وقف على
القدمين ، إمّا لاختياره ذلك ، أو لوجوبه على القول به كما ستعرف ، فهل يجب تسوية
الرجلين في الاعتماد أو لا؟ وقد تعرّض الماتن لهذه الجهة مستقلا في المسألة
الحادية عشرة الآتية ، ونحن نقدّمها لمناسبتها مع المقام.
الثانية
: في أنّه هل يعتبر
الوقوف على تمام القدمين ، أو يكفي بعضها من الأصابع أو أصلهما.
الثالثة
: في أنّه هل يجزي
الوقوف على الواحدة ، أو يعتبر على القدمين معاً.
أمّا
الجهة الأُولى : فيقع الكلام تارة في التسوية في مرتبة الاعتماد وأُخرى في أصله.
إمّا
التسوية من حيث المرتبة ،
بأن لا يكون الثقل على إحدى الرجلين أكثر من الأُخرى ، فربما ينسب كما في الجواهر إلى جمع لزوم مراعاتها ، استناداً إلى الأصل ودليل التأسي من قوله صلىاللهعليهوآله : « صلّوا كما رأيتموني أُصلي » وبأنه المتبادر
من الأمر بالقيام ، وبعدم الاستقرار بدونها.
والكل كما ترى ،
فان مقتضى الأصل هو البراءة ، بناءً على ما هو الحق من الرجوع إليها في الأقل
والأكثر الارتباطي. ودليل التأسي مضافاً إلى منعه كبروياً لما تقدّم من النقاش في الحديث سنداً ودلالة لا صغرى له في المقام ، إذ لم تثبت رعاية
هذه الكيفية في صلاته صلىاللهعليهوآله لو لم ندّع القطع بعدم تقيده صلىاللهعليهوآلهوسلم بذلك كما لا يخفى. والتبادر ممنوع جدّاً ، فإنه على تقديره
بدوي لا اعتبار به. ومثله دعوى توقف الاستقرار على ذلك ، بداهة إمكان حصوله ولو
بدون التسوية كما هو ظاهر ، وعليه فإطلاق أدلة القيام هو المحكّم.
ويؤيده
: صحيح محمد بن أبي
حمزة عن أبيه قال : « رأيت علي بن الحسين عليهالسلام في فناء الكعبة في الليل وهو يصلي فأطال القيام حتى جعل
يتوكّأ مرّة على رجله اليمنى ، ومرّة على رجله اليسرى ... » إلخ وظاهره وإن كان هو النافلة التي يجوز فيها ترك القيام حتى اختياراً ، إلاّ
أنّ المنسبق منه ولو
__________________
بضميمة أصالة
الاشتراك الثابتة بين الفريضة والنافلة في الأحكام ، جواز مثل ذلك
في الفريضة أيضاً ، والتعبير عنه بالخبر كما في مصباح الفقيه المشعر بالضعف في غير محله كما لا يخفى. وكيف كان ، فالعمدة هي المطلقات كما
عرفت.
وأمّا
التسوية في أصل الاعتماد
، بأن لا يكون تمام ثقله على إحدى الرجلين بحيث لا يصدر من الأُخرى سوى مماسّة
الأرض من دون مشاركتها للأُولى في حمل الثقل فقد اعتبرها في الجواهر مصرّحاً بإلحاق مثل ذلك برفع إحدى الرجلين بالكلية القادح في الصحة. وما ذكره
قدسسره من الإلحاق وجيه ضرورة عدم صدق الوقوف مع مجرد المماسّة ، إذ الوقوف على الشيء
متقوّم بنحو من الاعتماد والاتكاء ، فهو في حكم الواقف على إحداهما ، إلاّ أنّ مثل
ذلك غير ضائر بالصحة كما ستعرف ، فالحكم في المقيس كالمقيس عليه هو الجواز.
وأمّا
الجهة الثانية : فقد يقال كما في الجواهر : بوجوب الوقوف على تمام القدمين ، وعدم الاكتفاء
بالبعض من الأصابع أو الأُصول ، استناداً إلى الأصل ودليل التأسي ، والتبادر ،
وعدم الاستقرار بدون ذلك.
وفي الجميع ما لا
يخفى ، فانّ مقتضى الأصل هو البراءة كما مرّ ، مع أنّه لا مجال له بعد إطلاق
الدليل. وأمّا التأسي فلأنّ الصادر منه صلىاللهعليهوآلهوسلم وإن كان كذلك جزماً ، فالصغرى مسلّمة ، لكن الكبرى ممنوعة
كما تقدّم. والتبادر في غاية المنع ، إذ لا يعتبر في حقيقة القيام التي هي هيئة
مخصوصة في مقابل الجلوس كيفية خاصة قطعاً ، وكذا الاستقرار ، إذ لا تلازم بين
الوقوف
__________________
على الأصابع أو
أصل القدمين وبين عدمه كما هو ظاهر ، فلا مجال لشيء من هذه الوجوه بعد إطلاق
الدليل الذي هو المتبع.
وقد
يستدل له برواية أبي بصير
عن أبي جعفر عليهالسلام في حديث « قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقوم على أطراف أصابع رجليه فأنزل الله سبحانه ( طه. ما أَنْزَلْنا
عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى ) » . وقد وقع الكلام في المراد من هذا الحديث الوارد في تفسير
الآية المباركة ، فقيل : إنّ الآية ناسخة لما كان يفعله صلىاللهعليهوآلهوسلم من تلك الكيفية ، فتدل على نفي المشروعية. وعليه مبنى الاستدلال.
وقيل : بل هي
ناظرة إلى نفي الإلزام نظير قوله تعالى ( وَما جَعَلَ
عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) فلا تدل على نفي المشروعية ، بل تلك الكيفية باقية على ما
هي عليه من الرجحان والمحبوبية ، غايته أنّها غير واجبة.
لكن الظاهر أنّ
شيئاً منهما لا يتم ، أمّا
الأوّل : فلأنّ سياق الآية
يشهد بورودها في مقام الامتنان ورفع ما يوجب الشقاء ، وهو التعب والكلفة عن النبي
الأقدس صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وذلك إنّما يناسب نفي الإلزام دون المشروعية كما لا
يخفى.
وأمّا
الثاني : فلوضوح أنّ ما
كان يصدر منه صلىاللهعليهوآلهوسلم من تلك الكيفية لم يكن بقصد اللزوم والوجوب كي تنزل الآية
لرفعه ، ولذا لم يأمر المسلمين بتلك الكيفية ، وإنّما اختارها هو صلىاللهعليهوآلهوسلم لنفسه مع عدم وجوبها حرصاً منه صلىاللهعليهوآلهوسلم في مزيد طلب الجهد
__________________
[١٤٦٩]
مسألة ٩ : الأحوط انتصاب
العنق أيضاً وإن كان الأقوى جواز الإطراق .
______________________________________________________
والمشقّة في سبيل
الطاعة ، من باب أنّ أفضل الأعمال أحمزها ، فدأب عليها فترة طويلة حتى تورّمت
قدماه ، فنزلت الآية الكريمة تحثه على تركها إشفاقاً به وتحذيراً من إلقاء نفسه
الشريفة في المشقة والكلفة ، وإيعازاً إلى أنّه لا مزية لهذا الفرد ولا فضيلة له
على غيره.
فظهر أنّ الآية لا
تدل على نفي الإلزام كي تقتضي الاستحباب ، ولا على نفي المشروعية حتى تدل على
النسخ وعدم الجواز ، بل مفادها نفي الفضيلة والرجحان فالاستدلال بها على عدم
الجواز ساقط ، فالأقوى هو الجواز عملاً بالإطلاق.
وأمّا
الجهة الثالثة : فقد ذهب جمع إلى عدم جواز الوقوف على الواحدة مستدلاً عليه بالأصل ، ودليل
التأسي ، والتبادر ، وعدم الاستقرار.
وفي الجميع ما
عرفت ، واستدل أيضاً بموثقة ابن بكير عن أبي عبد الله عليهالسلام « قال : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله بعد ما عظم أو بعد ما ثقل كان يصلي وهو قائم ورفع إحدى
رجليه حتى أنزل الله تعالى ( طه. ما أَنْزَلْنا
عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى ) فوضعها » والكلام في دلالة
الآية على النسخ أو نفي الإلزام قد مرّ آنفاً ، فالأقوى جواز الوقوف على الواحدة
أيضاً عملاً بإطلاق الأدلّة.
(١) قد عرفت وجوب انتصاب الظهر ، لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا صلاة لمن لم يقم صلبه ». وأمّا انتصاب العنق ،
فالمشهور استحبابه خلافاً
__________________
[١٤٧٠]
مسألة ١٠ : إذا ترك الانتصاب
أو الاستقرار أو الاستقلال ناسياً صحّت صلاته ، وإن كان ذلك في القيام الركني ،
لكن الأحوط فيه الإعادة .
______________________________________________________
للصدوق فأوجبه
أيضاً ، وخلافاً للحلبي حيث حكي عنه استحباب الإطراق كما هو شأن
الأتقياء على ما ذكره في الجواهر .
وقد استند الصدوق إلى مرسلة حريز عن أبي جعفر عليهالسلام قال : « قلت له ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ
وَانْحَرْ ) قال : النحر الاعتدال في القيام ، أن يقيم صلبه ونحره » ، فان بنينا على أنّ مراسيل حريز حجة كمسانيد غيره ، تمّ الاستدلال وثبتت
مقالة الصّدوق ، وإلاّ فإن بنينا على ثبوت الاستحباب بأدلّة التسامح في السنن ،
ثبت الاستحباب بهذه المرسلة وتمّت مقالة المشهور ، وإلاّ كما هو الأقوى فلا يثبت
الوجوب ولا الاستحباب.
وأمّا استحباب
الإطراق المنسوب إلى الحلبي فمستنده غير ظاهر ، ولعلّ وجهه أنه نوع من الخضوع
والتذلل ، كما يصنعه الصغير أمام الكبير ، فهو بهذا العنوان الثانوي مستحب ، وإن
لم يكن كذلك بعنوانه الأوّلي.
(١) أمّا نسيان
هذه الأُمور في القيام غير الركني فعدم إخلاله بالصحة ظاهر
__________________
بعد ملاحظة حديث
لا تعاد ، وكذا الحال في القيام الركني ، فانّ المتصل منه بالركوع قد عرفت عدم
وجوبه مستقلا ، وإنّما اعتبر من أجل الدخل في حقيقة الركوع وتقوّمه به ، ومن
الظاهر أنّ الذي يتوقف عليه مفهومه إنّما هو جامع القيام ، فلا يعتبر فيه الانتصاب
ولا الاستقرار ولا الاستقلال ، لعدم دخل شيء منها في مفهوم القيام. نعم ، ثبت
اعتبار الانتصاب في مثل هذا القيام أيضاً بإطلاق الأدلة كما تقدّم ، فلا يجوز الإخلال به عمداً ، وأمّا مع السهو فلا بأس به عملاً بحديث لا
تعاد.
وأمّا الاستقرار ،
فقد عرفت عدم الدليل على اعتباره في مثل هذا القيام فيجوز الإخلال به حتى مع العمد
، فمع السهو بطريق أولى. وعلى فرض اعتباره في حال العمد فينتفي اعتباره عند السهو
بالحديث المزبور.
وأمّا الاستقلال ،
فقد مرّ عدم وجوبه رأساً ، وعلى القول بالوجوب فينتفي اعتباره عند النسيان بحديث لا
تعاد. فاتّضح عدم قدح الإخلال السهوي بشيء من هذه الأُمور. نعم ، لو قلنا بدخلها
في حقيقة القيام اتجه البطلان حينئذ لأدائها إلى الإخلال بالركوع المستثنى من حديث
لا تعاد ، لكن المبنى في حيّز المنع كما أشرنا إليه.
وأمّا القيام حال
تكبيرة الإحرام ، فقد سبق في محلّه أنّ الركن إنّما هو ذات القيام ، وأمّا هذه
الأُمور فهي واجبات في القيام ولا دخل لها في حقيقة الركن وعليه فالإخلال بشيء
منها سهواً مشمول لحديث لا تعاد .
وممّا ذكرنا ظهر
التناقض بين ما أفاده قدسسره في المقام من الصحة لو
__________________
[١٤٧١]
مسألة ١١ : لا يجب تسوية
الرجلين في الاعتماد فيجوز أن يكون الاعتماد على إحداهما ولو على القول بوجوب
الوقوف عليهما .
[١٤٧٢]
مسألة ١٢ : لا فرق في حال
الاضطرار بين الاعتماد على الحائط أو الإنسان أو الخشبة ، ولا يعتبر في سناد
الأقطع أن يكون خشبته المعدة لمشية ، بل يجوز له الاعتماد على غيرها من المذكورات .
______________________________________________________
أخلّ نسياناً
بالاستقرار أو أحد أخويه ولو في القيام الركني ، وبين ما سبق منه قدسسره في المسألة
الرابعة من مبحث التكبير من البطلان لو أخلّ بالاستقرار حال التكبير عمداً كان أو
سهواً ، فانّ التهافت بينهما ظاهر ، والصحيح ما أفاده في المقام كما عرفت.
(١) قدّمنا الكلام
حول هذه المسألة في ذيل المسألة الثامنة فلاحظ.
(٢) قد عرفت جواز الاعتماد حتى اختياراً ، وعلى القول بالمنع فلا ريب في الجواز مع
الاضطرار ، ولا يختص حينئذ بالاعتماد على شيء معيّن ، بل يجوز على كل شيء يمكن
الاتكاء عليه من الحائط أو الإنسان أو الخشبة ونحوها وذلك لأنّ مستند الحكم كان
صحيحة ابن سنان ، وموثقة ابن بكير المتقدمتين والمذكور فيهما
وإن كان هو الخمر والحائط والعصا ، إلاّ أنّ ذكر هذه من باب المثال ، وإلاّ فلو
كان الحكم مقصوراً عليها كان اللاّزم جواز الاعتماد حال الاختيار على غير هذه
الأُمور من إنسان ونحوه ، ولا شك أنّ الأصحاب لم يلتزموا بذلك ، فانّ من منع عن
الاعتماد اختياراً لم يفرّق بين تلك الأُمور وغيرها قطعاً ، فيكشف ذلك عن أنّ
ذكرها إنّما هو من باب المثال.
__________________
[١٤٧٣]
مسألة ١٣ : يجب شراء ما
يعتمد عليه عند الاضطرار أو استئجاره مع التوقف عليهما .
______________________________________________________
فالمتحصل من الروايتين على القول بالمنع : عدم جواز الاستناد على شيء
مطلقاً اختياراً ، وجوازه كذلك اضطراراً.
ومنه تعرف الحال
في سناد الأقطع ، وأنّه لا يعتبر فيه أن يكون الخشبة المعدّة لمشية ، بل يجوز
الاعتماد على غيرها من المذكورات كما ذكره في المتن. على أنّ الحكم ، أعني عدم
الاختصاص بشيء معيّن ، مورد للإجماع وتسالم الأصحاب.
ثم مع الغض عن ذلك
والانتهاء إلى الأصل العملي فمقتضاه هو البراءة عن تعيّن شيء بخصوصه كما هو الشأن
في الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطي. وما يقال من أنّ المقام من موارد الشك في
التعيين والتخيير والمرجع فيه أصالة الاحتياط قد عرفت ما فيه غير مرّة ، وأنّ
الثاني من صغريات الأوّل بل هو بعينه يعبّر عنه تارة بالأقل والأكثر وأُخرى
بالتعيين والتخيير ، والمرجع هو البراءة دون الاشتغال.
(١) لا إشكال في
وجوب الاستناد على شيء حال الاضطرار عند التمكن منه ولو مع الواسطة ، من شراء أو
استئجار أو استيهاب ونحوها ، فانّ المقدور مع الواسطة مقدور ، فيجب تحصيل السناد
شرعاً بشراء ونحوه من باب المقدّمة لتوقف الاستناد الواجب عليه على الفرض ، إن
قلنا بوجوب المقدمة شرعاً وإلاّ فيجب عقلاً ، لما عرفت من توقف امتثال الواجب عليه
، نظير شراء الماء للوضوء ، فلا يجوز له الاستناد على المغصوب من غير شراء أو
استئجار ونحوهما فإنّ المقدّمة وإن كانت هي جامع السناد ، لكن وجوبها يختص بالفرد
المباح ولا يتعلّق الأمر شرعاً أو عقلاً إلاّ بالحصة المباحة كما حرّر في محلّه في
الأُصول .
__________________
[١٤٧٤]
مسألة ١٤ : القيام
الاضطراري بأقسامه من كونه مع الانحناء أو الميل إلى أحد الجانبين أو مع الاعتماد
أو مع عدم الاستقرار ، أو مع التفريج الفاحش بين الرجلين مقدّم على الجلوس
.
______________________________________________________
(١) تعرّض قدسسره لصور الدوران بين
ترك القيام رأساً ، بأن يصلي جالساً ، وبين الإتيان بالقيام الاضطراري الفاقد لأحد
الأُمور المعتبرة فيه من الانتصاب أو الاستقلال أو الاستقرار ، أو عدم التفريج ،
ثم تعرض قدسسره لصور الدوران بين ترك أحد هذه الأُمور.
فنقول
: قد ذكرنا في بحث
مكان المصلي أنّه إذا دار الأمر بين ترك أحد جزأين أو أحد شرطين ، أو
واحداً من الجزء أو الشرط ، لم يكن ذلك داخلاً في باب التزاحم ليلاحظ مرجّحات هذا
الباب من الأهمية أو محتملها ، لأنّ الضابط في ذاك الباب العجز عن امتثال تكليفين
نفسيين استقلاليين ، وأمّا في المقام فليس إلاّ أمر وحداني متعلق بالمركب من عدة
أجزاء وشرائط.
بل المقام داخل في
باب التعارض ، فانّ ذاك الأمر المتعلق بالمركب ساقط لدى العجز عن الإتيان بتمام
متعلقه كما هو الفرض بالضرورة ، إذ المركب ينتفي بانتفاء أحد أجزائه ، فمقتضى
القاعدة حينئذ سقوط التكليف رأساً ، غير أنّا في خصوص باب الصلاة علمنا من الخارج
أنّها لا تسقط بحال ، فنقطع من أجله بتعلق أمر جديد بالباقي من الأجزاء والشرائط
الممكنة ، لكن متعلقه مجهول وأنّه المؤلف من هذا الجزء أو الشرط أو من ذاك ، فلا
محالة يقع التعارض بين دليلي ما يتعذر الجمع بينهما من جزء أو شرط.
__________________
فلا بدّ من مراعاة
قواعد باب التعارض بتقديم الدليل اللفظي على اللبي ، وإذا كانا لفظيين يقدّم ما
كان بالوضع على ما كان بالإطلاق كما ذكرنا تفصيله في باب التعادل والتراجيح ، وفي بحث مقدمة الواجب ، وإذا كانا بالإطلاق كما هو الغالب فيتساقطان ويرجع
إلى الأصل العملي ، ومقتضاه في المقام هو التخيير لأصالة البراءة عن كل من
الخصوصيتين ، إذ المتيقن وجوبه إنّما هو الجامع المحتمل انطباقه على الوجوب
التخييري ، لا أحدهما المعيّن كي يجب الاحتياط والجمع بالتكرار ، لما عرفت من
احتمال أن تكون الوظيفة الواقعية حينئذ هو التخيير ، فلا يقاس المقام بموارد
الدوران بين القصر والتمام ، التي يجب فيها الجمع بينهما ، إذ المتيقن هناك وجوب
هذا أو ذاك ولا يحتمل التخيير الواقعي فلا مناص من التكرار عملاً بقاعدة الاشتغال.
وأمّا في المقام
فيتطرّق احتمال ثالث بالضرورة ، فلأجله ليس لنا علم بأكثر من وجوب الجامع المحتمل
انطباقه على كل من المحتملات الثلاثة : وجوب هذا بخصوصه ، وجوب ذاك بخصوصه ،
التخيير بينهما ، وحيث إنّ كلاًّ من الخصوصيتين مشكوكة تدفع بأصالة البراءة ،
ونتيجة ذلك هو التخيير.
ومنه تعرف ما في
كلام الماتن وغيره في المقام من الحكم بوجوب التكرار والجمع في بعض فروع المسألة
فلاحظ. هذا هو حكم الكبرى ، وأمّا التطبيق على المقام ،
ففيما إذا دار الأمر بين ترك القيام رأساً وبين ترك الانتصاب ،
فمقتضى القاعدة حينئذ بعد سقوط الإطلاقين هو التخيير كما عرفت ، لكن في خصوص
المقام يتعيّن الثاني فيصلي عن قيام انحنائي ، ولا ينتقل إلى الصلاة جالساً ، وذلك
لتقييد هذا الانتقال في غير واحد من الأخبار ممّا ورد في تفسير قوله تعالى :
__________________
( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ
اللهَ قِياماً وَقُعُوداً ) وغيرها ، ولعلّ أوضحها قوله عليهالسلام في ذيل صحيحة جميل : « ... إذا قوي فليقم » ، بالعجز عن القيام الظاهر بمقتضى الإطلاق في إرادة الطبيعي منه ، فمتى كان
قادراً على طبيعي القيام صلى قائماً ، وإن كان عاجزاً عن بعض الخصوصيات المعتبرة
فيه التي منها الانتصاب ، ولأجله يتقيد قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « لا صلاة لمن لم يقم صلبه » بالمتمكن من ذلك.
وبعبارة
أُخرى : صحيحة جميل حاكمة
على دليل وجوب الانتصاب ، إذ النظر في دليل الوجوب مثل قوله عليهالسلام : « لا صلاة لمن لم يقم صلبه » مقصور على مجرد اعتبار إقامة الصلب في الصلاة
، سواء أكانت عن قيام أو عن جلوس على ما هو الحق تبعاً للمشهور من اعتباره فيهما
معاً من غير أن يكون لهذا الدليل نظر إلى تعيين الوظيفة ، وأنّها الصلاة قائماً أو
جالساً ، وإنّما يستفاد ذلك من دليل آخر. وبما أنّ صحيحة جميل قد دلت على أنّ
الوظيفة عند التمكن من مطلق القيام إنّما هي الصلاة قائماً ، فلا جرم لم يبق موضوع
لدليل وجوب الانتصاب ، إذ المفروض عدم التمكن منه إلاّ مع الجلوس وقد دلّت الصحيحة
على أنّه لا تصل النوبة إلى الصلاة جالساً.
وممّا
يدل على ذلك بالخصوص
: صحيحة علي بن يقطين الواردة في الصلاة في السفينة ، فقد روى الشيخ في الصحيح عنه
عن أبي الحسن عليهالسلام قال : « سألته عن السفينة لم يقدر صاحبها على القيام يصلي
فيها وهو جالس يومئ أو يسجد؟ قال : يقوم وإن حنى ظهره » وهي كما ترى صريحة في المدعى
__________________
وأنّ من تمكن من
الصلاة عن قيام ولو بغير الانتصاب تعيّن وقدّم على الصلاة جالساً.
وفيما إذا دار الأمر بين الصلاة جالساً وبين الصلاة قائماً من
غير استقلال قدّم الثاني أيضاً بلا إشكال ، أمّا أوّلاً : فلأن وجوب الاستقلال على القول به وقد تقدم أنّ الأظهر
منعه مقيّد بالتمكن وحالة الاختيار ، فإنّ عمدة الدليل عليه هو
صحيحة ابن سنان وموثقة ابن بكير وكل منهما مقيد
بذلك.
وأمّا ثانياً :
فلأنّه مع الغض وتسليم وجود دليل مطلق ، قد عرفت آنفاً أنّ الصلاة جالساً مقيّدة
بعدم التمكن من مطلق القيام ، فمع التمكّن منه ولو في الجملة ، وفاقداً لبعض
الخصوصيات المعتبرة فيه كما في المقام لا تصل النوبة إلى الصلاة عن جلوس.
وفيما إذا دار الأمر بين الصلاة جالساً وبين الصلاة قائماً غير
مستقر ، فقد يراد من الاستقرار ما يقابل الاضطراب وأُخرى ما يقابل المشي.
فعلى
الأوّل : قدّم الثاني ،
سواء أكان مدرك اعتباره الإجماع كما هو الأظهر أم الروايات. أمّا الأوّل : فظاهر ،
ضرورة أنّه دليل لبي يقتصر على المتيقن منه وهو غير صورة الدوران المزبور.
وأمّا الثاني :
بدعوى استفادته من مثل قوله عليهالسلام : « وليتمكّن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة » الذي هو دليل لفظي ، فلما عرفت أيضاً من أنّ
__________________
الصلاة قائماً بأي
مرتبة كانت مقدّمة على الصلاة جالساً ، لتقيّد دليلها بالعجز عن مطلق القيام حسبما
تقدم.
وعلى
الثاني : فقد احتاط الماتن
فيه بالتكرار كما نبّه عليه في المسألة الثامنة عشرة من الفروع الآتية.
واختار جماعة
تقديم الصلاة جالساً على الصلاة ماشياً ، بل قد نسب ذلك إلى المشهور.
وعلّله المحقق
الهمداني قدسسره بأنّ الاستقرار المقابل للمشي مأخوذ في مفهوم القيام ، لا
بمعنى أخذه فيه لغة أو اصطلاحاً ، كيف والماشي مصداق للقائم البتة ، بل بدعوى
الانصراف عن الماشي في خصوص باب الصلاة بمقتضى مناسبة الحكم والموضوع ، نظراً إلى
أنّها بحسب الارتكاز عبادة فناسب أداؤها حالة الوقوف الحاوية لنوع من السكينة
والخشوع ، فالوقوف إذن مقوّم للقيام انصرافاً ، ولأجله كانت أدلة اعتباره في
الصلاة منصرفة إلى القيام مع الوقوف ، فلا جرم كان العاجز عنه عاجزاً عن القيام
الصلاتي ، فينتقل إلى الصلاة جالساً بطبيعة الحال.
ولكنّك خبير بأنّ
هذه الدعوى غير بيّنة ولا مبيّنة وعهدتها على مدّعيها كيف وقد صحّت النافلة حال
المشي حتى اختياراً مع ضرورة صدق القائم على المصلي.
وبالجملة
: لا ريب في اعتبار
الوقوف حال الاختيار في القيام كغيره مما اعتبر فيه من الانتصاب والاستقلال
ونحوهما ، كما يكشف عنه مضافاً إلى الارتكاز المزبور ، ما ورد في من يريد التخطي في صلاته من الأمر بالكف
__________________
عن القراءة ،
فالوقوف فيه زائداً على القيام اعتبر في الصلاة بمقتضى النص. وأمّا اعتباره على
سبيل الإطلاق ، بدعوى دخله في مفهوم القيام ولو انصرافاً فهو أوّل الكلام ، بل
ممنوع ، لما عرفت من عدم وضوح أيّ مستند للانصراف المزبور وعليه فمقتضى القاعدة
على ضوء الضابطة السابقة بعد المعارضة بين الدليلين هو التخيير بين الصلاة قائماً
ماشياً وبين الصلاة جالساً.
ولكن الأظهر لزوم
تقديم الأوّل ، لصحيحة جميل الناطقة بتقديم الصلاة عن مطلق القيام على الجلوس وإن كان
فاقداً لبعض القيود المعتبرة فيه من الانتصاب أو الاستقرار أو الاستقلال ، لما
عرفت من حكومتها على جميع أدلّة تلك القيود ، ونتيجته تقديم
الصلاة ماشياً على الصلاة جالساً.
وقد اتضح ممّا
ذكرناه : ما في دعوى الماتن من تكرار الصلاة ، حيث إنّه مبني على العلم الإجمالي
بوجوب أحدهما بخصوصه من غير تعيين ، وقد عرفت لزوم تقديم الصلاة ماشياً ، ومعه لا
تصل النوبة إلى العلم الإجمالي المزبور.
وفيما إذا دار الأمر بين الصلاة قائماً مع التفريج الفاحش بين
الرجلين ، وبين الصلاة جالساً قدّم الأوّل كما في المتن.
وهذا وجيه فيما
إذا كان التفريج المزبور بمثابة يصدق معه عنوان القيام ، بل قد تقدّم جواز ذلك حتى اختياراً فضلاً عن صورة الدوران ، لعدم الدليل على قدح مثله ما
لم يستوجب الإخلال بالقيام ، وأمّا لو أخلّ به بحيث لم يصدق معه عنوانه ، بل تشكلت
هيئة أُخرى في مقابل القيام والجلوس ، فيشكل التقديم حينئذ ، بل هو ممنوع كما لا
يخفى.
__________________
ولو دار الأمر بين
التفريج الفاحش والاعتماد ، أو بينه وبين ترك الاستقرار قدّما عليه
______________________________________________________
ودعوى أنّ هذه
الهيئة أقرب إلى القيام فتجب بقاعدة الميسور كما ترى فإنّها تشبه الاجتهاد في
مقابلة النص ، إذ النصوص المتكاثرة قد دلت على أنّ وظيفة العاجز عن القيام إنّما
هي الانتقال إلى الجلوس ، فإيجاب هيئة ثالثة اجتهاد تجاه النص.
على أنّ القاعدة
غير تامة في نفسها كما مرّ مراراً ، ولو تمّت لم تنفع في المقام لما عرفت من دلالة
النصوص على وجوب الصلاة جالساً لمن لم يتمكّن من القيام ، والمفروض أنّ تلك الهيئة
ليست بقيام ، فلا جرم تنتقل الوظيفة إلى الصلاة عن جلوس.
هذا كله فيما إذا
دار الأمر بين القيام الاضطراري بأقسامه وبين الجلوس ، أي ترك أصل القيام وبين
الإخلال ببعض القيود المعتبرة فيه ، وقد عرفت لزوم تقدّم القيام في الجميع ، وأمّا
لو دار الأمر بين تقديم بعض القيود على البعض الآخر مع المحافظة على أصل القيام ،
فسيأتي الكلام عليه في التعاليق الآتية من هذه المسألة.
(١) فيما إذا كان
التفريج المزبور مخلًّا بصدق القيام ، لرجوع المسألة حينئذ إلى الدوران بين ترك
القيام وبين ترك الاستقلال أو ترك الاستقرار ، وقد سبق أنّ المتعيّن هو الثاني.
وأمّا إذا لم يبلغ
هذا الحد ، بل كان عنوان القيام محفوظاً معه ، فالأمر بالعكس لما عرفت من عدم
البأس بهذا النوع من التفريج حتى اختياراً ، ومعه لم يكن
__________________
أو بينه وبين
الانحناء أو الميل إلى أحد الجانبين قدّم ما هو أقرب إلى القيام .
______________________________________________________
ثمّة مسوغ للإخلال
بشرطية الاستقلال أو الاستقرار.
(١) الظاهر أنّ
المستند في التقديم المزبور قاعدة الميسور ، ولكنّها مضافاً إلى عدم تماميتها في
نفسها ، لا تصلح للاستناد إليها في المقام.
وتوضيحه
: أنّه قد يفرض صدق
عنوان القيام على كل من طرفي الدوران أعني التفريج والانحناء أو الميل إلى
الجانبين ، وأُخرى صدقه على الأوّل خاصة وثالثة عكسه ، ورابعة عدم صدقه على شيء
منهما. ولعل الأخير هو مراد الماتن قدسسره للتعبير بالأقربية إلى القيام الكاشف عن عدم كون شيء
منهما مصداقاً للقيام.
وكيف ما كان ، فلا
ينبغي الشك في لزوم تقديم التفريج في الصورة الأُولى للمحافظة حينئذ على كل من
القيام والانتصاب ، بخلاف عكسه للزوم الإخلال حينئذ بشرطية الانتصاب من غير مسوّغ.
وأوضح حالاً من
ذلك : الصورة الثانية ، فيتعين فيها تقديم التفريج بطريق أولى ، للزوم الإخلال في
عكسه بشرطية الانتصاب مضافاً إلى أصل القيام فيختل الأمران معاً من غير أيّ معذّر
، بعد إمكان المحافظة عليهما بالتقديم المزبور. وبعبارة اخرى : هذا التفريج يجوز
حتى اختياراً بعد فرض صدق القيام عليه ، فكيف بما إذا كان تركه موجباً لترك
القيام.
نعم ، يتجه العكس
في الصورة الثالثة ، لكونها من صغريات الدوران بين القيام والانتصاب ، وقد تقدّم
أنّ مراعاة القيام أولى ، فيصلي منحنياً أو مائلاً لا متفرّجاً.
__________________
ولو دار الأمر بين
ترك الانتصاب وترك الاستقلال قدّم ترك الاستقلال فيقوم منتصباً معتمداً . وكذا لو دار بين
ترك الانتصاب وترك الاستقرار قدّم ترك الاستقرار
______________________________________________________
وأمّا
الصورة الرابعة : فحيث إنّ المفروض فيها العجز عن القيام ، فلا جرم تتعيّن فيها الصلاة جالساً
، لما تقدّم من عدم الواسطة بينهما.
هذا ما تقتضيه
الصناعة حسبما بأيدينا من الأدلة الشرعية التي تعيّن الوظيفة الفعلية بحيث لا يبقى
معها موضوع لقاعدة الميسور. فالقول إذن باختيار ما هو الأقرب إلى القيام يشبه
الاجتهاد في مقابلة النص كما لا يخفى.
(١) أمّا على
القول بعدم وجوبه فالأمر ظاهر. وأمّا على القول بالوجوب فلاختصاص دليله كما تقدم بصورة التمكن وعدم العجز والمرض ، بخلاف الانتصاب فانّ لسان دليله مطلق من
هذه الجهة ، فلا جرم يتقدم ، إذ مع المحافظة على الانتصاب لا يكون المكلف قادراً
على الاستقلال فلا يجب بطبيعة الحال.
(٢) فانّ دليل
اعتبار الاستقرار إن كان هو الإجماع فمن الواضح أنّ القدر المتيقن منه غير صورة
الدوران وتعارضه مع الانتصاب ، فالمقتضي حينئذ قاصر في حد نفسه.
وإن كان هو النص
مثل قوله عليهالسلام : « وليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة » فاللازم أيضاً تقديم الانتصاب ، لأظهرية دليله وهو قوله عليهالسلام : « من لم يقم صلبه فلا صلاة له » في الاعتبار من
دليل الاستقرار
__________________
ولو دار بين ترك
الاستقلال وترك الاستقرار ، قدّم الأوّل فمراعاة الانتصاب أولى من مراعاة الاستقلال والاستقرار ،
ومراعاة الاستقرار أولى من مراعاة الاستقلال.
______________________________________________________
حيث إنّه تضمّن
نفي حقيقة الصلاة وماهيتها عمّن لم يقم صلبه المقيد طبعاً بصورة التمكن والقدرة
الحاصلة في مفروض المسألة. وهذا بخلاف الاستقرار فانّ دليله دلّ على اعتباره بعد
فرض صدق اسم الصلاة عليه ، على ما يقتضيه قوله عليهالسلام « كما يتمكن في الصلاة » فغايته أنّه ينتفي قيد من قيودها
أمّا ذاك الدليل فينفي صدق الاسم عن فاقد الانتصاب كما عرفت.
وعلى
الجملة : أحد الدليلين
ينفي موضوع الصلاة ، والآخر يثبت قيداً فيما صدق عليه اسم الصلاة. فلا جرم يتقدّم
الأوّل.
(١) أمّا بناءً
على عدم وجوب الاستقلال في نفسه فالأمر ظاهر. وأمّا بناءً على القول بالوجوب
فالتقدم المزبور لا يخلو عن الإشكال ، لأنّ دليل الوجوب وإن كان مختصاً بحال
التمكن كما تقدم ، إلاّ أنّ المكلف في مفروض المسألة متمكن منه ، غايته أنّه عاجز
عن الجمع بينه وبين رعاية الاستقرار.
فلا بدّ إذن من
النظر في دليل الاستقرار ، فان كان هو الإجماع كما عن غير واحد ، فبما أنّه دليل
لبي يقتصر فيه على المقدار المتيقن ، وهو غير صورة الدوران ، ونتيجة ذلك تقديم
الاستقلال على الاستقرار عكس ما أثبته في المتن.
وإن كان هو النص
على ما مرّ فتتحقق المعارضة طبعاً بين الدليلين بالإطلاق والنتيجة بعد التساقط هو
التخيير ، دفعاً لكل من الخصوصيتين بالأصل ، لا رعاية الأمرين معاً بالاحتياط
والتكرار كما عن بعضهم ، لعدم العلم الإجمالي بوجوب أحدهما لا بعينه ليكون من الشك
في المكلف به ، لجواز أن يكون الحكم الواقعي حينئذ هو التخيير.
[١٤٧٥]
مسألة ١٥ : إذا لم يقدر
على القيام كلا ولا بعضاً مطلقاً حتى ما كان منه بصورة الركوع صلّى من جلوس ، وكان الانتصاب
جالساً بدلاً عن القيام ، فيجري فيها حينئذ جميع ما ذكر فيه حتى الاعتماد وغيره.
______________________________________________________
والذي يهوّن الخطب
ما عرفت من عدم الدليل على وجوب الاستقلال فيصح ما أثبته في المتن من تقديم الاستقرار
، لوضوح عدم المعارضة بين الواجب والمستحب.
(١) ظاهر العبارة
أنّ من تمكن من القيام ولو بهذه الصورة تعيّن وكان مقدّماً على الجلوس.
وهو وجيه على
تقدير صدق القيام عليه كالمخلوق بهيئة الركوع ، أو المنحني ظهره لهرم ونحوه ، حيث
إنّ قيام مثل هذا الشخص إنّما هو بهذا النحو.
وأمّا مع عدم
الصدق ، كما لو كان الانحناء بهذا المقدار لأمر عارض من مرض أو خوف من الظالم أو
انخفاض السقف ، انتقل حينئذ إلى الصلاة جالساً لعجزه عن القيام فعلاً.
(٢) بلا خلاف فيه
ولا إشكال ، لقوله تعالى ( الَّذِينَ
يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً ... ) إلخ ، المفسّر في مصحح أبي حمزة ، بأنّ الصحيح يصلي قائماً والمريض يصلي
جالساً وقد نطقت به نصوص كثيرة وهذا مما لا غبار عليه.
وإنّما الكلام في
أنّ الأُمور المعتبرة في القيام من الانتصاب والاستقرار
__________________
والاستقلال هل هي
معتبرة في الجلوس أيضاً أو لا؟
أمّا الانتصاب فلا
ينبغي الشك في اعتباره لإطلاق الدليل ، فانّ قوله عليهالسلام « من لم يقم صلبه فلا صلاة له » مطلق يشمل حالتي القيام والجلوس معاً.
وأمّا الاستقرار
فكذلك ، سواء أكان مستنده الإجماع أم الرواية المتقدمة لإطلاق كلمات المجمعين كالنص.
وأمّا الاستقلال ،
فعلى تقدير تسليم وجوبه حال القيام فاعتباره حال الجلوس لا يخلو عن الاشكال ،
لقصور الدليل عن الشمول له ، فإنّه منحصر في روايتين :
إحداهما : موثقة
عبد الله بن بكير قال : « سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الصلاة قاعداً أو متوكئاً على عصا أو حائط ، فقال : لا
، ما شأن أبيك وشأن هذا ، ما بلغ أبوك هذا بعد » .
ثانيتهما
: صحيحة عبد الله
بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام « قال : لا تمسك بخمرك وأنت تصلي ، ولا تستند إلى جدار
وأنت تصلي ، إلاّ أن تكون مريضاً » .
أمّا عدم دلالة
الموثقة فظاهر ، إذ الاتكاء قد جعل فيها مقابلاً للقعود ، فلا جرم يراد به الاتكاء
حال القيام ، فالاتكاء لدى الجلوس خارج عن مفروضها سؤالاً وجواباً ، ولا نظر فيها
إليه بوجه.
وأمّا الصحيحة ،
فربما يستدل بها لذلك ، نظراً إلى إطلاق قوله ( عليه
__________________
ومع تعذّره صلّى
مضطجعاً
______________________________________________________
السلام ) : « ولا
تستند إلى جدار وأنت تصلي » الشامل لحالتي القيام والقعود بعد منع دعوى الانصراف
إلى الأوّل.
ولكنه يندفع
باستظهار اختصاصها بالأوّل أيضاً بقرينة استثناء المريض حيث يظهر منه اختصاص النهي عن الاستناد بغير المريض وغير العاجز ، ومن البيّن
أنّ مثله يصلي قائماً لا قاعداً ، فلا نظر فيها إثباتاً أو نفياً إلى الاتكاء
الجلوسي بتاتاً ، هذا.
وقد
يقال : إنّ دليل بدلية
الجلوس عن القيام بنفسه كافٍ في ترتيب الأحكام وإسراء شرائط المبدل منه إلى البدل
، فيلتزم بوجوب الاستقلال في المقام قضاءً للبدلية.
ولكنه واضح الضعف
، لعدم ثبوت البدلية بهذا النحو وأنّ جلوس المريض قيام ، ليتمسك حينئذ بعموم
المنزلة ، لعدم وضوح ورود دليل بلسان التنزيل بل المستفاد من الأدلة تنويع المكلفين
وتقسيمهم إلى صحيح ومريض ، أو فقل إلى قادر وعاجز ، وأنّ الأوّل يصلي قائماً ،
والثاني قاعداً ، فاختلف الحكم باختلاف موضوعه ، وأنّ لكل وظيفة تخصه حسب حاله ،
وهذا بمجرده لا يستدعي انسحاب ما لأحدهما من الأحكام إلى الآخر ما لم ينهض عليه
دليل آخر.
(١) بلا خلاف فيه
ظاهراً ولا إشكال ، وقد دلت عليه جملة من الأخبار :
منها
: النصوص الواردة
في تفسير قوله تعالى : ( الَّذِينَ
يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً
__________________
وَقُعُوداً
وَعَلى جُنُوبِهِمْ ) من أنّ الصحيح يصلي قائماً والمريض يصلي جالساً والذي هو
أضعف منه يصلي على جنبه .
ومنها
: موثقة سماعة قال
: « سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس ، قال : فليصلّ وهو مضطجع ... » إلخ .
ومنها
: موثقة عمار عن
أبي عبد الله عليهالسلام « قال : المريض إذا لم يقدر أن يصلي قاعداً كيف قدر صلى ،
إمّا أن يوجه فيومئ إيماءً وقال : يوجه كما يوجه الرجل في لحده وينام على جانبه (
جنبه ) الأيمن ، ثم يومئ بالصلاة ، فان لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن فكيف ما
قدر فإنه له جائز ، وليستقبل بوجهه القبلة ثم يومئ بالصلاة إيماءً » .
نعم ، لا يخلو متن
هذه الموثقة عن نوع من الاضطراب ، لعدم ذكر عدل للشرطية المنفصلة ، أعني قوله عليهالسلام « إمّا أن يوجّه » بل قال في الحدائق إنّ الكثير من
روايات عمار كذلك ، ولكنه لا يقدح في الاستدلال بها لما هو محل الكلام من الانتقال
لدى العجز عن الجلوس إلى الاضطجاع على الجانب الأيمن بعد صراحتها في ذلك.
هذا ، وقد روى
المحقق في المعتبر قال : روى أصحابنا عن حماد عن أبي عبد الله عليهالسلام « قال : المريض إذا لم يقدر أن يصلي قاعداً يوجّه كما
__________________
يوجّه الرجل في
لحده وينام على جانبه الأيمن ... » إلى آخر ما في رواية عمار المتقدمة ، بل هي
عينها ، غير أنّها خالية عن تلك الفقرات المستوجبة للاضطراب.
وتبعه الشهيدان في
الذكرى والروض ، وعليه فلا اضطراب في الرواية بوجه.
بل ظاهر الذخيرة أنّهما رواية واحدة عن عمار ، وإن أسندها المحقق إلى حماد ، ولعلّه سهو من
قلمه ، أو أنّ النسخة التي عنده كانت كذلك ، كما أنّ بعض نسخ التهذيب أيضاً كذلك.
ولكن صاحب الحدائق
أنكر الاتحاد ، لعدم الموجب لذلك بعد أن نرى أنّ المحقق قد
روى في المعتبر أخباراً زائدة على ما في الكتب الأربعة من الأُصول التي عنده ،
فلعل هذه الرواية كانت من تلك الأُصول ، ولا سيّما وأنّ الاضطراب الموجود في تلك
الرواية لم يوجد في هذه.
ولكن الظاهر أنّ
ما ذكره السبزواري في الذخيرة هو الصحيح ، فانّ المحقق لو روى بإسناده عن حماد
لأمكن القول بأنّه نقلها عن أصل وصل إليه ولم يصل إلينا ، ولأجله لم يذكر في الكتب
الأربعة ولكنّه قدسسره عبّر بقوله : روى أصحابنا ، الظاهر في كون الرواية معروفة
مشهورة ، ومعه كيف يمكن القول بأنّه رواها عن أصل غير معروف وصل إليه خاصة. إذن
فالظاهر هو الاتحاد ، وأنّ ذكر حماد بدل عمار إمّا سهو منه نشأ من تشابه الكلمتين
، أو أنّ النسخة التي عنده كانت كذلك.
وعلى أيّ حال ،
فعلى تقدير التعدد لا يمكن التعويل عليها ، لعدم العلم بطريقه إلى تلك الأُصول ،
فتكون في حكم المرسل. والعمدة في الاستدلال ما
__________________
عرفت من موثقتي
سماعة وعمّار ، والروايات المفسّرة للآية المباركة المؤيّدة بنصوص أُخر ضعيفة.
مضافاً إلى التسالم وعدم الخلاف فيه كما تقدم.
إلاّ أنّ بإزاء
هذه النصوص روايات أُخر دلّت على أنّ من لم يتمكّن من الصلاة جالساً صلى مستلقياً
، ولكنّها مضافاً إلى ضعف أسنادها ، مخالفة لما اتفق عليه الأصحاب وتسالموا عليه
من الصلاة مضطجعاً كما عرفت فلا تقاوم ما سبق.
فمنها
: مرسلة الصدوق قال
: « قال الصادق عليهالسلام يصلي المريض قائماً ، فان لم يقدر على ذلك صلى جالساً ،
فان لم يقدر أن يصلي جالساً صلى مستلقياً ... » إلخ .
ورواها الكليني عن
علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمد بن إبراهيم عمّن حدثه ، عن أبي عبد الله عليهالسلام . ورواها الشيخ بإسناده تارة عن أحمد ابن محمد ، عن عبد
الله بن القاسم ، عن عمرو بن عثمان ، عن محمد بن إبراهيم عمّن حدثه ، وأُخرى عن
الكليني بالسند المتقدم ، فالنتيجة أنّها بشتى طرقها مرسلة لا يمكن التعويل عليها
بوجه.
ومنها
: ما رواه الصدوق
أيضاً في عيون الأخبار عن محمد بن عمر الحافظ عن جعفر بن محمد بن الحسين ( الحسيني
) ، عن عيسى بن مهران ، عن عبد السلام ابن صالح الهروي ، عن الرضا عن آبائه : « قال : قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا لم يستطع الرجل أن يصلي قائماً فليصلّ جالساً فان لم
يستطع جالساً فليصلّ مستلقياً ناصباً رجليه بحيال القبلة يومئ إيماءً »
__________________
على الجانب الأيمن
كهيئة المدفون .
______________________________________________________
وهي أيضاً ضعيفة
بجميع من في السند ما عدا الراوي الأخير.
ورواها الصدوق
أيضاً بعدة أسناد تقدمت في كتاب الطهارة ، في باب إسباغ الوضوء كما أشار إليها في الوسائل ، ولكنّها أيضاً بأجمعها ضعاف بعدّة من المجاهيل كما تقدم
في محله.
وبالجملة
: فلا تنهض شيء من
هذه لمعارضة ما سبق ، فلا بدّ من رفع اليد عنها أو حملها على صورة العجز عن
الاضطجاع كما حملها بعضهم عليها.
وكيف ما كان ، فلا
ينبغي التأمل في لزوم الانتقال لدى العجز عن الجلوس إلى الاضطجاع لا الاستلقاء ،
عملاً بتلك النصوص المعتبرة السليمة عمّا يصح للمعارضة ، وهذا ممّا لا إشكال ولا
غبار عليه. وإنّما الكلام في جهات :
(١) الجهة الأُولى : هل يجب اختيار الجانب الأيمن لدى الاضطجاع ، أو أنّه مخيّر
بينه وبين الجانب الأيسر؟
نسب إلى جماعة
منهم الشيخ في المبسوط والعلامة في التذكرة والنهاية التخيير ، وهو ظاهر المحقق في الشرائع حيث لم يقيده
بالجانب الأيمن ، ولكنّ المنسوب إلى معظم الفقهاء ، هو التقييد مع التمكن منه ، بل
ادعي الإجماع عليه في بعض الكلمات.
__________________
وهذا هو الأصح ،
فإنّ مقتضى الأصل ، بل الإطلاق في موثقة سماعة ، وكذا الآية
المباركة المفسّرة بما مرّ وإن كان هو الأوّل ، إلاّ أنّه لا بدّ من الخروج عنهما
بموثقة عمّار ، الصريحة في الاختصاص بالجانب الأيمن.
ودعوى أنّها مضطربة المتن فلا يجوز العمل بها ، ورواية حماد وإن خلت عن الاضطراب إلاّ أنّها مرسلة ، مدفوعة بخلوّها عن الاضطراب في محل الاستشهاد ، فإنّها في الدلالة
على لزوم تقديم الجانب الأيمن ظاهرة بل صريحة ومن البيّن أنّ الاضطراب في سائر
الفقرات لا يمنع عن الاستدلال بما لا اضطراب فيه بعد عدم سريانه إليه ، إذ لا
ينبغي الشك في أنّ المراد بقوله عليهالسلام في الصدر « كيف قدر صلى » ليس هو التخيير بين الكيفيات ،
ليكون منافياً مع التقييد بالأيمن في الذيل ويستوجب الاضطراب فيه ، بل المراد أنّه
يصلي على حسب استطاعته وقدرته ، نظير قولنا : إذا دخل الوقت فصلّ كيف ما قدرت ، أي
إن قدرت على الوضوء فتوضأ ، وإلاّ فتيمم ، وإن قدرت قائماً فصلّ قائماً وإلاّ
فجالساً ، وهكذا ، وليس المراد التخيير بين هذه الأفراد بالضرورة.
إذن فقوله عليهالسلام بعد ذلك : « يوجّه كما يوجّه الرجل في لحده وينام على جانبه الأيمن ... » إلخ
، الذي هو محل الاستشهاد ، لا ينافي ما قبله وإنّما هو بيان له ، وأنّ الذي يصلي
على غير الأيمن هو الذي لا يقدر على الأيمن ، أمّا مع التمكّن منه فلا تصل النوبة
إلى غيره.
__________________
فان تعذّر فعلى
الأيسر ، عكس الأوّل .
______________________________________________________
وتؤيدها مرسلة الصدوق قال : « قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم المريض يصلي قائماً ، فان لم يستطع صلى جالساً ، فان لم يستطع صلى على جنبه
الأيمن ، فان لم يستطع صلى على جنبه الأيسر ، فان لم يستطع استلقى وأومأ إيماءً
وجعل وجهه نحو القبلة ، وجعل سجوده اخفض من ركوعه » .
وقد نسب الصدوق
هذه الرواية إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على سبيل الجزم ، الكاشف عن ثبوتها عنده بطريق صحيح ، لكن
الثبوت عنده لا يستوجب الثبوت عندنا ، ومن الجائز أن لا نوافقه في تصحيح الطريق لو
اطلعنا عليه ، فهي إذن لا تخرج عن حدّ الإرسال ، فلا يمكن الاستدلال بها والعمدة
ما عرفت من الموثقة.
(١) الجهة الثانية : لو تعذّر الجانب الأيمن ، فبناءً على القول بالتخيير بينه
وبين الجانب الأيسر ، لا ريب في تعيّن الثاني كما هو الشأن في كل واجب تخييري
تعذّر أحد فرديه ، فلا تصل النوبة إلى الاستلقاء.
وأمّا بناءً على
القول المشهور من تقديم الجانب الأيمن وتعيّنه الذي عرفت أنّه الأصح ، فهل ينتقل
حينئذ إلى الجانب الأيسر أيضاً أو إلى الاستلقاء؟
المعروف بين
المتأخرين كما ذكره شيخنا الأنصاري قدسسره هو الأوّل ، ولكن
كلمات القدماء من الأصحاب خالية عن ذلك حيث إنّهم ذكروا أنّه يصلي مضطجعاً إلى
الجانب الأيمن ، وإلاّ مستلقياً ، وظاهرهم هو اختيار الثاني. وكيف ما كان فالمتبع
هو الدليل.
__________________
فإن تعذّر صلّى
مستلقياً كالمحتضر
______________________________________________________
ويشهد للقول الأخير : رواية الجعفريات وفيها « وإن لم يستطع أن
يصلي قاعداً صلى على جانبه الأيمن مستقبل القبلة ، فان لم يستطع أن يصلي على جانبه
الأيمن صلّى مُستلقياً » ونحوها رواية الدعائم ، لكن ضعف سندهما
يمنع عن الاعتماد عليهما.
والأظهر هو القول الأوّل ، لا لمرسلة الصدوق المتقدمة آنفاً ، فانّ
ضعفها يمنع عن الاعتماد عليها ، والانجبار لو سلّمنا كبراه فالصغرى ممنوعة ، لما
عرفت من عدم التعرض للجانب الأيسر في كلمات القدماء الذين هم المدار في حصول
الانجبار.
بل لإطلاق الأمر
بالاضطجاع في جملة من النصوص المتقدمة من موثقة سماعة
وغيرها ، وقد قيّدناه بالجانب الأيمن بمقتضى موثقة عمّار كما تقدّم ، إلاّ أنّ من الواضح أنّ مورد التقييد إنّما هو صورة التمكن ، أمّا العاجز
عنه فهو باق تحت الإطلاق ، ومقتضاه اختيار الجانب الأيسر ، إذ هو حينئذ قادر على
الاضطجاع ومع القدرة عليه لا دليل على الانتقال إلى الاستلقاء ، وبه يندفع ما قد
يتوهم من أنّ مقتضى الإطلاق في ذيل موثقة عمار أنّ العاجز عن الجانب الأيمن مخيّر
بين الأيسر وبين الاستلقاء.
(١) الجهة الثالثة : إذا تعذّر كل من الجانبين ، فالمشهور حينئذ تعيّن الاستلقاء
__________________
ويجب الانحناء
للركوع والسجود بما أمكن .
______________________________________________________
استناداً تارة إلى
النصوص المتقدمة الناطقة بأنّ العاجز عن الصلاة جالساً يصلي مستلقياً ، وقد
عرفت أنّها بأجمعها ضعيفة السند. وأُخرى إلى ما أرسله الصدوق من النبوي المتقدم المصرّح بأنّ العاجز عن الجانب الأيسر يصلي مستلقياً ، وضعفه أيضاً ظاهر.
والأولى أن يستدل له : بأنّ ذلك هو مقتضى ما دلّ على اعتبار
الاستقبال في الصلاة ، ضرورة أنّه بعد فرض العجز عن كل من الجانبين ، فمراعاة
الاستقبال لا تتيسّر إلاّ بالاستلقاء.
(١) فمن يصلِّي
جالساً بل قائماً أيضاً كفاقد الساتر إذا كان عاجزاً عن الركوع أو السجود ينحني
إليهما بقدر الإمكان ، ولا يجب الإيماء حينئذ ، وإنّما يجب مع العجز عنه أيضاً.
وعن بعضهم : وجوب
الجمع بين الانحناء والإيماء ، ولكن الظاهر أنّ شيئاً منهما لا يتم.
أمّا في المتن ،
فلأنه إنّما يتّجه مع صدق الركوع أو السجود على الانحناء المزبور ، ولو برفع
المسجد لوضع الجبهة عليه ، وأمّا مع عدم الصدق فلم يعرف وجهه ، بل ظاهر النصوص
الآتية ، وكذلك الروايات المتقدمة في كيفية الصلاة عارياً انتقال العاجز عن الركوع
أو السجود إلى الإيماء ، لخلوّها عن ذكر الانحناء وحملها على صورة العجز عنه أيضاً
كما ترى ، إذ لا موجب لارتكاب التقييد
__________________
ومع عدم إمكانه يومئ برأسه .
______________________________________________________
بعد كونها بأسرها
مطلقة وعدم نهوض ما يستوجبه بوجه.
وأمّا ما عن ذلك
البعض ، فلعدم وضوح مستند للجمع ما عدا قاعدة الميسور التي هي غير تامة في نفسها.
مضافاً إلى منع الصغرى ، بداهة أنّ الانحناء المزبور مقدمة للوصول إلى حدّي الركوع
والسجود ، فهو خارج عن حقيقتهما وليس من مراتبهما ليعدّ ميسوراً لهما. إذن
فالانحناء المذكور غير واجب لا بنفسه ، ولا بضميمة الإيماء.
(١) ولو لأجل
العسر والحرج الرافعين للتكليف.
(٢) سواء أكانت
وظيفته الصلاة جالساً ، أم مضطجعاً ، أم مستلقياً.
أمّا
الأوّل : فلإطلاق صحيحة
الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « سألته عن المريض إذا لم يستطع القيام والسجود ،
قال : يومئ برأسه إيماءً ، وأن يضع جبهته على الأرض أحبّ إليّ » فإنّ إطلاقها يشمل مستطيع الجلوس وعدمه ، ومقتضاه أنّ من استطاعة فكانت
وظيفته الصلاة جالساً ولم يستطع السجود يومئ إليه ، ويلحق به الإيماء للركوع ،
للقطع بعدم
الفرق ، وحيث إنّ
المراد من عدم الاستطاعة ما يشمل الحرج والمشقة لا عدم الاستطاعة العقلية خاصة كما
أشرنا إليه ، فمن ثمّ حكم في ذيل الصحيحة أنّ تحمّل المشقة والإتيان بنفس السجود
أحب إليه عليهالسلام.
وعليه فينبغي
الاستدلال للمطلوب بهذه الصحيحة ، ومعه لا حاجة إلى الاستدلال بالعلم الخارجي
ببدلية الإيماء عنهما ، وأنّه مع العجز عن المبدل منه
__________________
ينتقل إلى البدل ،
فانّ هذا العلم وإن كان موجوداً إلاّ أنّ الاستدلال بالنص الخاص أولى كما لا يخفى.
وأمّا
الثاني : فلموثقة عمّار المتقدمة
حيث ورد فيها قوله عليهالسلام « ... ثم يومئ بالصلاة إيماءً » المؤيّدة بما تقدم من مرسلة الصدوق عن النبي صلىاللهعليهوآله فانّ قوله في ذيلها « وأومأ إيماءً ... » إلخ يرجع إلى جميع ما تقدّم ، لا خصوص الاستثناء ، فيشمل المضطجع على أحد جانبيه.
ثم إن المضطجع
المزبور لو تمكن من أن ينقلب على وجهه ويسجد فهل يتعين عليه ذلك ، وإن استوجب
الإخلال بالاستقبال ، أو أنّ وظيفته الإيماء إليه مراعياً للقبلة. وبعبارة اخرى :
لو دار الأمر بين مراعاة السجود وبين مراعاة الاستقبال مومئاً إليه فأيّهما
المقدّم؟
الظاهر هو الثاني
، لإطلاق موثقة عمّار ، حيث لم يقيّد الأمر بالإيماء فيها بصورة العجز عن السجود
المزبور فلاحظ.
وأمّا
الثالث : فلموثقة عمار
أيضاً ، قال عليهالسلام في ذيلها « ... فان لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن فكيف
ما قدر فإنّه له جائز ، وليستقبل بوجهه القبلة ثم يومئ بالصلاة إيماءً » ، فإنّه
من الواضح أنّ من جملة ما قدر هو الصلاة مستلقياً فعليه الإيماء.
وأوضح منها :
موثقة سماعة قال : « سألته عن الرجل يكون في عينيه الماء فينتزع الماء منها
فيستلقي على ظهره الأيّام الكثيرة أربعين يوماً ، أو أقل أو أكثر فيمتنع من الصلاة
الأيام إلاّ إيماءً وهو على حاله ، فقال : لا بأس بذلك وليس شيء ممّا حرّم الله
إلاّ وقد أحله لمن اضطر إليه » فإنّها صريحة في أنّ
__________________
ومع تعذّره
فبالعينين ، بتغميضهما .
______________________________________________________
وظيفة المستلقي هي
الإيماء.
والعجب من صاحب
الحدائق أنّه مع نقله لهاتين الروايتين كيف ادعى اختصاص
نصوص الإيماء بالاضطجاع ، وأنّه لم يرد في الاستلقاء إلاّ غمض العينين مع أنّ موثقة سماعة صريحة في وجوب الإيماء لدى الاستلقاء وموثقة عمار دالة عليه بالإطلاق كما سمعت.
(١) ويستدل له
بمرسلة الصدوق قال : قال الصادق عليهالسلام : « يصلي المريض قائماً ، فان لم يقدر على ذلك صلى جالساً
، فان لم يقدر أن يصلي جالساً صلى مستلقياً يكبّر ثم يقرأ ، فإذا أراد الركوع غمّض
عينيه ثم سبّح ، فاذا سبّح فتح عينيه ، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من الركوع ، فإذا
أراد أن يسجد غمّض عينيه ثم سبّح فاذا سبّح فتح عينيه ، فيكون فتح عينيه رفع رأسه
من السجود ثم يتشهد وينصرف » بعد التعدي عن موردها وهو الاستلقاء إلى الاضطجاع ، بعدم
القول بالفصل.
وقد أسندها في
الجواهر إلى بزيع المؤذّن ، ولكنه سهو من قلمه الشريف
__________________
ولعلّ الذي أوقعه
في الاشتباه هو أنّ صاحب الوسائل روى قبل المرسلة بلا فصل رواية أُخرى عن بزيع ،
فاشتبه وألحق متن إحداهما بسند الأُخرى.
وكيف ما كان ،
فالرواية من جهة الإرسال غير صالحة للاستدلال ، ولا نقول بالانجبار ، وإسناد
الصدوق لها إلى الصادق عليهالسلام بضرس قاطع لا يقتضي أزيد من اعتقاده بذلك لا متابعتنا له
في ذلك.
والأولى
: أن يستدل له بوجه
آخر ، وهو أنّا قد علمنا من صحيحة زرارة الواردة في باب المستحاضة المعتضدة بما في موثقة عمّار المتقدمة من قوله عليهالسلام « ... فكيف ما قدر فإنّه له جائز » أنّ الصلاة لا تسقط بحال ، وأنّه يأتي
مهما أمكن بما قدر منها وتيسّر ، هذا من ناحية.
ومن ناحية أُخرى ،
قد علمنا من حديث التثليث وغيره من النصوص أنّ الركوع والسجود من مقوّمات الصلاة
الدخيلة في صدق اسمها وتحقيق ماهيتها ، كما وعلمنا أيضاً أنّ الشارع قد جعل لدى
العجز عنهما بدلاً يعدّ مرتبة نازلة عنهما وهو الإيماء بالرأس.
إذن يستنتج من
هاتين المقدمتين أنّ الشارع الأقدس لا بدّ وأن يجعل بدلاً آخر لدى العجز عن هذا
البدل ، حذراً عن الإخلال بماهية ما لا يسقط بحال وحيث لا يحتمل أن يكون ذاك البدل
شيئاً آخر غير غمض العينين من الإيماء باليد أو الرجل مثلاً سيّما وأنّ الإيماء
بالعينين أقرب إلى الإيماء بالرأس من غيره ، مضافاً إلى تسالم الأصحاب عليه فلا
جرم كان هو المتعيّن ، فليتأمّل.
__________________
وليجعل إيماء
سجوده أخفض منه لركوعه ،
______________________________________________________
(١) على المشهور ،
بل عن الذكرى نسبته إلى الأصحاب ، فإن تمّ الإجماع التعبّدي ولا يتم
وإلاّ فإثباته بحسب الصناعة مشكل جدّاً ، لضعف ما استدل له فإنّه أُمور :
منها
: مرسلتا الصدوق
النبوية والعلوية ففي أُولاها : « ... وجعل سجوده أخفض من ركوعه » ، وفي
الثانية : « ... ويجعل السجود أخفض من الركوع ».
ولكن الإرسال مانع
عن الاستدلال ، ولا نقول بالانجبار.
ومنها
: خبر أبي البختري
عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهماالسلام أنه « قال : من غرقت ثيابه فلا ينبغي له أن يصلي حتى يخاف
ذهاب الوقت يبتغي ثياباً ، فان لم يجد صلى عرياناً جالساً يومئ إيماءً يجعل سجوده
أخفض من ركوعه » .
وهي مضافاً إلى
ضعف سندها بأبي البختري واردة في المتمكّن من الركوع والسجود ، غير أنّه يتركهما
لمانع ، فكيف يتعدى إلى غير المتمكّن لمرض ونحوه كما في المقام.
ومنها
: موثقة سماعة قال
: « سألته عن الصلاة في السفر إلى أن قال ـ
__________________
وليتطوّع بالليل
ما شاء إن كان نازلاً ، وإن كان راكباً فليصلّ على دابته وهو راكب ، ولتكن صلاته
إيماءً ، وليكن رأسه حيث يريد السجود أخفض من ركوعه » . ولكن موردها النافلة ، والمتمكّن من الركوع والسجود في حدّ نفسه وإن لم
يتيسر له حال الركوب ، فلا يمكن التعدي إلى صلاة الفريضة ومن هو عاجز في نفسه.
ومنها
: صحيحة يعقوب بن
شعيب قال : « سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يصلي على راحلته ، قال : يومئ إيماءً ، يجعل
السجود أخفض من الركوع » .
وصحيحته الأُخرى قال : « سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الصلاة في السفر وأنا أمشي ، قال : أوم إيماءً واجعل السجود أخفض من
الركوع » .
وصحيحته الثالثة قال : « سألت أبا عبد الله عليهالسلام إلى أن قال قلت : يصلي وهو يمشي؟ قال : نعم ، يومئ إيماءً ، وليجعل السجود
أخفض من الركوع » . لكن الظاهر أنّ مورد هذه الصحاح هو النافلة أيضاً. على
أنّ موردها المتمكن كما عرفت فلا سبيل للتعدي منها إلى المقام.
فالمتحصّل
: أنّه لا دليل على
مراعاة الأخفضية ، بل الظاهر عدم وجوبها وإن كانت أحوط.
__________________
ويزيد في غمض
العين للسجود على غمضها للركوع ، والأحوط وضع ما يصح السجود عليه على الجبهة .
______________________________________________________
(١) كما عن جماعة
ولعله المشهور ، وكأنّه إيماءً للفرق بين الإيماءين بمقتضى مناسبة الحكم والموضوع
، ولكنه كما ترى ، إذ لا دليل على لزوم رعاية الفرق المزبور بعد خلوّ النص عنه ،
فانّ الواجب بمقتضى الإطلاق إنّما هو الغمض بمقدار الذكر الواجب ، ولا دليل على
الزيادة عليه ، سواء أُريد بها تطويل الغمض أو تشديده.
(٢) في المسألة
أقوال خمسة : وجوب الوضع تعييناً ، التخيير بينه وبين الإيماء ، لزوم الجمع بينهما
، أفضلية ضمّ الوضع إلى الإيماء ، بدلية الوضع عن الإيماء.
أمّا
القول الأوّل : فيستدل له بموثقة سماعة المتقدمة قال : « سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس ،
قال : فليصلّ وهو مضطجع ، وليضع على جبهته شيئاً إذا سجد فإنّه يجزئ عنه ، ولم
يكلف الله ما لا طاقة له به » .
وفيه
أوّلاً : أنّها معارضة
بإطلاق النصوص الدالة وهي في مقام البيان على أنّ وظيفة العاجز عن الركوع والسجود
إنّما هي الإيماء ، وحملها على ما إذا لم يتمكن من وضع ما يصح السجود عليه على
الجبهة ولو بالاستعانة من الغير الميسورة غالباً حمل على الفرد النادر جدّاً ،
فكيف يمكن حمل تلك الروايات الكثيرة وهي في مقام بيان تمام الوظيفة على ذلك.
__________________
وثانياً
: أنّ الموثقة في
نفسها غير قابلة للدلالة على الوجوب التعييني ، لظهور القضية الشرطية في قوله عليهالسلام : « وليضع على جبهته شيئاً إذا سجد » في أنّه بعد حصول الشرط وتحقق السجود
خارجاً يجب عليه الوضع المزبور فكأنه مأمور بالسجود أوّلاً ، وبالوضع ثانياً ،
وحيث إنّ السجود الحقيقي متعذّر حسب الفرض ، فلا جرم يراد به بدله وهو الإيماء ،
فيكون محصل المعنى أنّه إذا أومأ يضع شيئاً على جبهته. إذن لا يمكن أن يراد خصوص
الوضع من دون الإيماء كما هو المدعى.
بل إنّ دقيق النظر
يقضي بلزوم رد علم الموثقة إلى أهله ، لأنّ حمل السجود فيها على معناه الحقيقي
ليجب الجمع بينه وبين الوضع على الجبهة مقطوع العدم كيف ولازمه أن يكون المريض
أسوأ حالاً وأشق تكليفاً من الصحيح وهو كما ترى.
وتوجيهه
: بأنّ سجود
المضطجع المريض لمّا كان فاقداً لشرائط الصحة غالباً فمن ثمّ أُمر بوضع شيء على
جبهته أيضاً ، بعيد جدّاً كما لا يخفى.
فلا مناص من أن
يراد به إمّا بدله وهو السجود التنزيلي أعني الإيماء ، أو إرادته يعني متى أراد أن
يسجد فليضع شيئاً على جبهته بدلاً عنه.
أمّا الثاني ، فقد
عرفت معارضته مع نصوص بدلية الإيماء ، وعرفت أيضاً أنّ حمل تلك النصوص على صورة
العجز عن الوضع المزبور حمل للمطلق على الفرد النادر ، فتسقط الموثقة من أجل
المعارضة وعدم المقاومة تجاهها.
وأمّا الأوّل ،
فغير واضح أيضاً ، لأنّ حمل السجود على الإيماء الذي هو خارج عن مفهومه يحتاج إلى
الدليل ولا دليل ، ومجرد بدليته عنه لدليل خاص لا يستوجب حمل اللفظ عليه عند
الإطلاق. إذن لا نعقل معنى صحيحاً للموثقة ولا بدّ من رد علمها إلى أهله.
وبمضمون الموثقة مرسلة الفقيه قال : « وسئل عن المريض لا يستطيع
الجلوس أيصلي وهو مضطجع ويضع على جبهته شيئاً؟ قال : نعم ، لم يكلفه الله إلاّ
طاقته » .
ولكنها مضافاً إلى
ضعف السند قاصرة الدلالة ، إذ الحكم بالوضع لم يذكر إلاّ في كلام السائل ، وجواب
الإمام عليهالسلام بقوله : « نعم » لا يدل على الوجوب ، لجواز إرادة
الاستحباب بل مطلق الجواز ، وأنّه أمر سائغ لا يضرّ بصلاته فليتأمل.
ولعلّ نظر الفقيه
في هذه المرسلة إلى تلك الموثقة بقرينة ما في ذيلها من أنّه لا يكلّف الله إلاّ
طاقته. وكيف ما كان ، فالعمدة هي الموثقة وقد عرفت ما فيها.
وأمّا
القول الثاني : فيستدل له بأنّه مقتضى الجمع بين الموثقة وبين نصوص الإيماء ، بعد رفع اليد
عن ظهور كل منهما في الوجوب التعييني فينتج التخيير بينهما.
وفيه
: أنّ كثرة نصوص
الإيماء الواردة في الموارد المتفرّقة ، وأوضحيّتها في الدلالة على البدلية ، بعد
كونها في مقام بيان تمام الوظيفة ، يعطي لها قوة ظهور في إرادة الوجوب التعييني
بحيث لا تقبل الحمل على التخيير ، لا سيّما مع جواز أن يكون المراد من السجود في
الموثقة الإيماء إليه ، لتضمّنها حينئذ الأمر بالوضع في فرض الإيماء ، فكيف تحمل
على التخيير بينهما.
وأمّا
القول الثالث : فيستدل له بأنّه مقتضى تقييد إطلاقات الإيماء بالموثقة ، فانّ نتيجته وجوب
الجمع بينهما.
وربما
يجاب عنه : بمعارضته مع
صحيحتي زرارة والحلبي الظاهرتين في استحباب الوضع زائداً على الإيماء ، ففي
الأُولى عن أبي جعفر ( عليهالسلام )
__________________
قال : « سألته عن
المريض كيف يسجد؟ فقال : على خمرة ، أو على مروحة ، أو على سواك يرفعه إليه ، هو
أفضل من الإيماء » .
وفي الثانية : عن
أبي عبد الله عليهالسلام قال : « سألته عن المريض إذا لم يستطع القيام والسجود ،
قال يومئ برأسه إيماءً ، وأن يضع جبهته على الأرض أحبّ إليّ » .
وفيه
: أنّهما غير
ناظرتين إلى ما هو محل الكلام من وضع شيء على الجبهة مع الإيماء ، بل المراد أنّ
من كان السجود حرجياً بالنسبة إليه فله أن يومئ بدلاً عنه ، ولكنه مع ذلك إذا
تحمّل المشقة وسجد على الأرض أو على غيرها قدر ما يطيق فهو أفضل ، وقد تقدم هذا المعنى عند التكلم حول صحيحة الحلبي. وبالجملة : محل كلامنا وضع ما يصح
السجود عليه على الجبهة ، لا وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه ، فلا ارتباط
للصحيحتين بالمقام.
فالأولى أن يجاب : بما تقدم من أنّ الموثقة
مطروحة ، لأنّها غير صحيحة المفاد فلا تنهض لتقييد المطلقات.
على أنّا لو
تنازلنا وسلمنا دلالتها بعد ارتكاب التقييد المزبور على وجوب كلا الأمرين فلم يكن
بدّ من رفع اليد عنها ، نظراً إلى أنّ المسألة كثيرة الدوران ومحل للابتلاء
غالباً. وقد تعرّض الأصحاب لها القدماء منهم والمتأخرون ، فلو كان الوجوب ثابتاً
لأصبح من الواضحات ، فكيف خلت منه فتاوى القدماء ولم يرد في شيء من الروايات على
كثرتها تنصيص عليه.
وممّا ذكرنا يظهر
لك مستند القول
الرابع مع جوابه.
__________________
والإيماء بالمساجد
الأُخر أيضاً ، وليس بعد المراتب المزبورة حدّ موظّف فيصلي كيف ما قدر ،
وليتحرّ الأقرب إلى صلاة المختار ، وإلاّ فالأقرب إلى صلاة المضطر على الأحوط .
______________________________________________________
وأمّا
القول الخامس فمستنده حمل ما
دلّ على الوضع على صورة العجز عن الإيماء بشهادة خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى بن
جعفر عليهماالسلام قال : « سألته عن المريض الذي لا يستطيع القعود ولا
الإيماء كيف يصلي وهو مضطجع؟ قال : يرفع مروحة إلى وجهه ويضع على جبينه ويكبّر هو
» .
وفيه
: مضافاً إلى ضعف
السند بعبد الله بن الحسن أنّها قاصرة الدلالة ، إذ لم يذكر فيها وضع شيء على
الجبهة عند السجود ، ليتوهم أنّه بدل عن الإيماء لدى تعذره ، بل ذكر الوضع المزبور
عند التكبير وهو أجنبي عن محل الكلام.
وقد
تلخّص من جميع ما تقدّم
: أنّ الوظيفة لدى العجز عن الركوع والسجود إنّما هي الإيماء إليهما فحسب ،
استناداً إلى المطلقات التي هي المحكّم بعد سلامتها عمّا يصلح للتقييد ، وأمّا
الوضع فلم يثبت استحبابه فضلاً عن وجوبه.
(١) هذا مضافاً
إلى أنّه لم يتصوّر له معنى معقول لم ينهض عليه دليل مقبول لاختصاص الدليل
بالإيماء بالرأس أو العين ، ولم يرد ما يشمل سائر الأعضاء.
(٢) هذا وجيه
بالإضافة إلى أصل الصلاة ، فإنّها لا تسقط بحال ، وأمّا بالنسبة إلى الركوع
والسجود إذا لم يتمكن منهما ولا من بدلهما أعني الإيماء إليهما بالرأس أو العين
فقد ذكر كاشف الغطاء قدسسره أنه يومئ بسائر أعضائه .
__________________
[١٤٧٦]
مسألة ١٦ : إذا تمكن من
القيام لكن لم يتمكن من الركوع قائماً جلس وركع جالساً
______________________________________________________
لكنك عرفت آنفاً
أنّه لا دليل عليه ، فانّ من البديهي خروج الإيماء عن مفهوم الركوع والسجود ، فلا
بدّ في بدليته عنهما من إقامة الدليل ، وهو مختص بالإيماء بالرأس أو بالعين ،
وأمّا الإيماء بسائر الأعضاء ، فلا دليل عليه.
ومن ثم كان العاجز
عن البدل المزبور غير قادر على الركوع والسجود رأساً فيكون كفاقد الطهورين ، حيث
إنّ الركوع والسجود كالطهارة من المقوّمات الدخيلة في صدق الماهية ، كما يكشف عنه
حديث التثليث ، فلو قلنا بسقوط الصلاة عن فاقد الطهورين قلنا بسقوطها في
المقام أيضاً ، لوحدة المناط وقضائها بعد ذلك ، وإن كان الأحوط الجمع بين القضاء
وبين أن يأتي في الوقت بالمقدور من أجزاء الصلاة.
(١) لا ريب أنّ من
تمكن من القيام لا تسوغ له الصلاة جالساً لقوله عليهالسلام : « إذا قوي فليقم » ، وأمّا إذا تمكن
منه وعجز عن الركوع قائماً فقد ذكر قدسسره أنّه يجلس ويركع جالساً. وهذا وإن لم يرد به نص بالخصوص
لكنه مطابق للقاعدة ، فإنّ الركوع الجلوسي ركوع حقيقة ولا تنتقل الوظيفة إلى
الإيماء إلاّ بعد العجز عن الركوع الحقيقي ، فأدلّة الإيماء غير شاملة للمقام
والمفروض العجز عن الركوع القيامي ، فتتعيّن الوظيفة في الركوع جالساً .
__________________
وإن لم يتمكن من
الركوع والسجود صلى قائماً وأومأ للركوع والسجود وانحنى لهما بقدر الإمكان وإن تمكّن من
الجلوس جلس لايماء السجود .
______________________________________________________
(١) أمّا الإيماء
فلا إشكال ، وقد تقدّم أنّه بدل اضطراري عن الركوع والسجود. وأمّا الانحناء فليس
عليه دليل ظاهر عدا قاعدة الميسور.
وفيه
أوّلاً : أنّ القاعدة
ممنوعة في نفسها.
وثانياً
: مع التسليم فلا
صغرى لها في المقام ، إذ الانحناء من مقدمات الركوع فهو مباين معه ، والمباين لا
يعدّ من مراتب الشيء كي يكون ميسوراً له كما لا يخفى.
وثالثاً
: مع تسليم الكبرى
والصغرى فلا مجال لها في المقام أيضاً ، إذ تدفعها إطلاقات أدلة الإيماء المعيّنة
للوظيفة الفعلية ، ومن الواضح أنّ القاعدة إنّما تجري مع عدم تعيّن الوظيفة من قبل
الشارع.
(٢) هذا لا دليل
عليه أيضاً ، عدا كون الإيماء جالساً أقرب إلى هيئة السجود
__________________
وهو كما ترى وجه
اعتباري لا يصلح مدركاً لحكم شرعي ، وقد عرفت النقاش في قاعدة الميسور من الوجوه
الثلاثة ، فالأقوى عدم الوجوب.
وقد
يقال : بوجوبه رعاية
للجلوس الواجب بين السجدتين ، فانّ سقوطهما بالتعذّر الموجب للانتقال إلى الإيماء
لا يستدعي سقوط الجلوس الواجب بينهما بعد فرض القدرة عليه.
وفيه
أوّلاً : أنّ إطلاقات
أدلّة الإيماء دافعة لهذا الاحتمال ، إذ مقتضاها أنّ وظيفة العاجز عن السجود إنّما
هو الإيماء ليس إلاّ ، سواء تمكن من الجلوس بين السجدتين أم لا ، فعدم التقييد
بذلك مع كونه عليهالسلام في مقام بيان الوظيفة الفعلية يدفع احتمال وجوبه.
وثانياً
: أنّ الجلوس بين
السجدتين ليس واجباً مستقلا ، وإنّما هو بيان لحد رفع الرأس عن السجدة ردّاً لما
زعمه أبو حنيفة من كفاية مجرد الرفع كيف ما اتفق ولو بمقدار يسير يمكن
إدخال شيء فيما بين الجبهة والمسجد ولو بمقدار إصبع أو أقل ، بل قد ذهب إلى عدم
وجوب الرفع أصلاً ، كما لو حفر وهو في حال السجدة حفيرة فوضع جبهته فيها ، وأنّ
هذا المقدار كاف في صدق التعدّد فاشير في هذه الأخبار إلى عدم الكفاية وبطلان هذه
المقالة ، وأنّ الحدّ الشرعي لرفع الرأس الموجب لتعدّد السجدة إنّما هو البلوغ حدّ
الجلوس ، وعليه فالجلوس إنّما يجب في فرض وجوب السجود ، وأمّا مع سقوطه لتعذّره
والانتقال إلى بدله وهو الإيماء ، فلا موضوع لوجوب الجلوس ، بل هو ساقط قطعاً ،
فلا وجه لمراعاته.
__________________
والأحوط وضع ما
يصح السجود عليه على جبهته إن أمكن .
[١٤٧٧]
مسألة ١٧ : لو دار أمره
بين الصلاة قائماً مومئاً أو جالساً مع الركوع والسجود (٢) فالأحوط تكرار الصلاة ، وفي الضيق
يتخير بين الأمرين.
______________________________________________________
(١) تقدّم الكلام
فيه ، وعرفت أنّ الأظهر عدم وجوبه ، وعلى تقدير الوجوب فهو خاص
بالمضطجع لاختصاص الدليل به ، ولا يعمّ سائر موارد الإيماء كما مرّ تفصيله.
(٢) كما إذا انحصر
موضع الصلاة في مكانين ، أحدهما ضيّق فلا يتمكن فيه من السجود والركوع ، والآخر
قصير فلم يتمكن فيه من القيام ، وقد أفاد قدسسره أنّ الأحوط حينئذ تكرار الصلاة مع سعة الوقت وفي الضيق
يتخيّر.
وما ذكره قدسسره مبني على العلم
الإجمالي بوجوب أحدهما بخصوصه وأنّ الواجب هو المؤلّف من خصوص هذا ، أو خصوص ذاك ،
فيجب الاحتياط بالتكرار عملاً بالعلم الإجمالي تحصيلاً للفراغ اليقيني عن التكليف
المقطوع ، كما في موارد الدوران بين القصر والإتمام ، أو الظهر والجمعة ونحوهما.
هذا مع سعة الوقت
، وأمّا في الضيق فلا مناص من الاقتصار على أحدهما مخيّراً ، تنزّلاً عن الامتثال
اليقيني المتعذر إلى الامتثال الاحتمالي الذي يستقل به العقل لدى العجز عن الأوّل
، هذا.
ولكنّك خبير بعدم
انحصار أطراف العلم بما ذكر ، بل هناك احتمال ثالث وهو
__________________
التخيير واقعاً ،
فانّ هذا الاحتمال يتطرّق في المقام بالوجدان من غير دافع. ومعه فلا علم بإحدى
الخصوصيتين كي يجب الاحتياط بالتكرار ، بل تدفع كل منهما بأصالة البراءة ، فيكون
مقتضى القاعدة هو التخيير ، لاندراج المقام في باب الدوران بين التعيين والتخيير ،
والمختار فيه هو البراءة ، لرجوعه في الحقيقة إلى الشك بين الأقل والأكثر
الارتباطيين كما مرّ مراراً ، فينبغي إذن ابتناء المسألة على الخلاف في أنّ الأصل
الجاري في هذا الباب هل هو البراءة أو الاشتغال وقد عرفت أنّ الأوّل هو الصواب.
هذا ، ولشيخنا
الأُستاذ قدسسره تعليقتان متهافتتان ، فحكم في تعليقته الأنيقة على المقام بتقديم القيام ،
وقد تقدم عين الفرع في مبحث المكان ، وعلّق قدسسره ثمة بتقديم الركوع والسجود ، ونظره الشريف هنا بالترجيح
بالسبق الزماني الذي هو من أحد المرجّحات في التدريجيات ، كمن دار أمره بين ترك
الصوم في اليوم الأوّل من شهر رمضان أو الثاني ، فإنّ السابق متقدّم بلا إشكال
ونظره قدسسره هناك بالترجيح بالأهمية ، حيث إنّ الركوع والسجود أهم من القيام كما يظهر من
حديث التثليث ، قال عليهالسلام : « الصلاة ثلاثة أثلاث : ثلث طهور وثلث ركوع وثلث سجود » .
وهذا منه قدسسره مبني على إدراج
المقام في باب التزاحم كي يراعى مرجحات هذا الباب ، وقد مرّ غير مرّة في مطاوي هذا
الشرح أنّ المقام وأمثاله أجنبي عن هذا الباب ، لاختصاصه بالتكليفين المستقلين ،
وليس في المقام إلاّ تكليف وحداني متعلِّق بالمركّب ، بل هو داخل في باب التعارض ،
إذ بعد سقوط ذاك التكليف بالعجز علمنا من دليل عدم سقوط الصلاة بحال ، تعلّق تكليف
جديد بالباقي من الأجزاء الممكنة ، وحيث إنّ متعلقه مجهول مردد بين المؤلّف
__________________
[١٤٧٨]
مسألة ١٨ : لو دار أمره
بين الصلاة قائماً ماشياً أو جالساً فالأحوط التكرار أيضاً .
______________________________________________________
من هذا الجزء أو
من ذاك ، فلا محالة يقع التعارض بين دليل الجزأين اللذين يتعذّر الجمع بينهما ،
وبما أنّهما بالإطلاق غالباً ، فيسقطان بعد التعارض ويرجع إلى الأصل العملي ،
ومقتضاه البراءة عن كل من الخصوصيتين ، ونتيجة ذلك هو التخيير كما عرفت آنفاً.
فاتضح من جميع ما
مرّ أنّ الأقوى هو التخيير من غير فرق بين سعة الوقت وضيقه.
(١) حكم قدسسره حينئذ بالتكرار
كما في المسألة السابقة لاتحاد المبنى وهو ما عرفت من حديث العلم الإجمالي ، فجعل
المسألتين من وادٍ واحد ، لكن الظاهر الفرق ، فيحكم هناك بالتخيير على طبق القاعدة
كما مرّ. وأمّا في المقام فيقدّم الصلاة ماشياً ، لأنّ المعارضة حينئذ بين دليل
اعتبار القيام من قوله عليهالسلام : « إذا قوي فليقم » وبين دليل اعتبار
الاستقرار.
وعليه فان قلنا
بأنّ مدرك الثاني هو الإجماع ، فتقديم الأوّل ظاهر ، لأنّ المتيقن منه غير المقام.
وإن قلنا بأنّ مدركه رواية السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام « أنّه قال في الرجل يصلي في موضع ثم يريد أن يتقدم ، قال
: يكفّ عن القراءة في مشيه حتى يتقدم إلى الموضع الذي يريد ثم يقرأ » ، فان بنينا على ضعف الخبر فالأمر ظاهر أيضاً.
__________________
وإن بنينا على
صحته كما هو الأقوى من جهة وقوع النوفلي في أسانيد تفسير القمي ، فقد يتوهم جريان
التخيير المزبور حينئذ أيضاً ، باعتبار تساقط الدليلين بعد المعارضة ، فيرجع إلى
أصالة البراءة عن كل من الخصوصيتين فينتج التخيير.
لكنه غير تام ،
لعدم صلاحية هذه الرواية للمعارضة مع دليل اعتبار القيام فانّ موردها خاص بالمتمكن
من القيام والاستقرار ، وإنّما يريد باختياره المشي والتقدم إلى مكان آخر لغاية
ككونه أفضل ، كما قد يتفق في الحرم الشريف فيتقدم ليكون أقرب إلى الضريح المقدس
مثلاً ، فحكم عليهالسلام بالكف ولزوم مراعاة الاستقرار في مثل هذه الصورة ، فلا تدل
على لزوم رعايته حتى في مثل المقام الذي لم يتمكن فيه من القيام لو أراد
الاستقرار.
وبالجملة
: لا تدل هذه
الرواية على اعتبار الاستقرار حتى مع العجز عن القيام ، لأنّ موردها التمكن منه ،
بخلاف دليل اعتبار القيام فإنّ إطلاقه يشمل صورة العجز عن الاستقرار فهو المحكّم ،
فلأجله يحكم بتقديم القيام في المقام وإن أخلّ بالاستقرار.
وربما
يستدل على هذا الحكم :
برواية سليمان بن حفص المروزي قال : قال الفقيه عليهالسلام « المريض إنّما يصلي قاعداً إذا صار بالحال التي لا يقدر
فيها على أن يمشي مقدار صلاته إلى أن يفرغ قائماً » .
وكلمة « أن يمشي »
بعد قوله « صار » الموجودة في الوسائل مستدرك ، والصحيح حذفها كما في التهذيب ، لإخلالها بالمعنى وعدم استقامتها كما لا يخفى.
وكيف كان ، فقد
قيل إنّ مفاد الرواية أنّ الانتقال إلى الصلاة جالساً إنّما هو
__________________
بعد العجز عن
الصلاة ماشياً ، فلو دار الأمر بينهما قدّم الثاني وهو المطلوب.
ويقع الكلام فيها
تارة من حيث السند ، وأُخرى من ناحية الدلالة.
أمّا السند :
فالظاهر أنّه لا بأس به ، فانّ سليمان موثّق ، لا لتوثيق العلاّمة إيّاه ، لما نراه من ضعف مبناه في التوثيق ، فإنّه يعتمد على كل إمامي لم يظهر منه
فسق ، اعتماداً على أصالة العدالة ، وهو كما ترى ،
بل لوقوعه في أسانيد كامل الزيارات .
وأما الدلالة : فالظاهر
أنّها أجنبية عمّا نحن فيه من فرض الدوران ، وإنّما هي ناظرة إلى بيان حدّ المرض
الذي ينتقل معه إلى الصلاة جالساً ، وأنّه يستعلم ذلك بالعجز عن المشي مقداراً من
الزمان الذي يسع لوقوع الصلاة فيه قائماً كأربع دقائق مثلاً ، فانّ المريض ربّما
يقوم ويمشي لبعض حوائجه كقضاء الحاجة ونحوه ، فان رأى من نفسه أنّه يتمكن من المشي
هذا المقدار كشف ذلك عن قدرته على الصلاة قائماً ، فإنّ القدرة على المشي تستدعي
القدرة على القيام بطريق أولى ، وإن رأى من نفسه العجز عن ذلك كشف عن العجز عن
القيام فتنتقل الوظيفة حينئذ إلى الجلوس ، هذا هو ظاهر الرواية ، وهو كما ترى
أجنبي عن محل الكلام.
إلاّ أنّه مع ذلك
يجب رد علمها إلى أهله ، ضرورة أنّ العجز عن المشي مقدار الصلاة مستمراً كأربع
دقائق مثلاً لا يلازم العجز عن الصلاة قائماً حتى يكون أمارة عليه وكاشفاً عنه ،
لعدم استمرار القيام في هذه المدّة حال الاشتغال بالصلاة فإنّه يركع ويسجد خلال
ركعاتها فيمكث قليلاً في سجوده وقعوده
__________________
[١٤٧٩]
مسألة ١٩ : لو كان وظيفته
الصلاة جالساً وأمكنه القيام حال الركوع وجب ذلك .
______________________________________________________
ويستريح هنيئة
فيذهب تعبه وتتجدد قواه ، ثم يقوم إلى الركعة الأُخرى ، فذاك العجز لا يكشف عن هذا
العجز أبداً. فكيف يناط الانتقال إلى الجلوس بالعجز عن المشي ، مع أنّ الاعتبار
بالعجز عن القيام ليس إلاّ كما أُنيط به في الكتاب والسنّة على ما مرّ سابقاً. ومن
هنا لم يحدد ذلك في شيء من الأخبار بحدّ معيّن ، ولم يجيبوا : عن السؤال عن
التحديد إلاّ بمثل قولهم : : ( بَلِ الْإِنْسانُ
عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) ، ذاك إليه هو أعلم بنفسه ، هو أعلم بما يطيقه ، وغير ذلك .
هذا مع أنّ ظاهر
إطلاق الرواية أنّ العجز عن المشي مقدار تمام الصلاة إلى أن يفرغ يوجب الانتقال
إلى الجلوس حتى ولو تمكن من المشي مقدار بعض الصلاة ، وليس الحكم كذلك جزماً ،
فإنّه لو تمكن من القيام في بعض ركعات الصلاة وجب ذلك بلا إشكال كما سيجيء قريباً
إن شاء الله تعالى ، فتكون صلاته ملفّقة من القيام والجلوس حسب اختلاف حاله عند كل
ركعة.
فالإنصاف
: أنّ الرواية
مجملة المفاد غير ظاهرة المراد ، فلا تصلح للاعتماد بل يردّ علمها إلى أهله.
(١) هذه غير مسألة
الدوران بين مراعاة القيام في أوّل الركعة أو آخرها التي سيتعرض لها في المسألة
الآتية ، بل مفروض هذه المسألة التمكّن من القيام آناً ما قبل الركوع ، كي يكون
ركوعه عن قيام ، ولا ريب في وجوب ذلك عليه ، إذ لا سبيل للانتقال إلى الركوع
الجلوسي بعد فرض التمكن من الركوع قائماً.
__________________
[١٤٨٠]
مسألة ٢٠ : إذا قدر على
القيام في بعض الركعات دون الجميع وجب أن يقوم إلى أن يتجدد العجز ، وكذا إذا
تمكّن منه في بعض الركعة لا في تمامها. نعم ، لو علم من حاله أنّه لو قام أوّل
الصلاة لم يدرك من الصلاة قائماً إلاّ ركعة أو بعضها ، وإذا جلس أوّلاً يقدر على
الركعتين قائماً أو أزيد مثلاً لا يبعد وجوب تقديم الجلوس ، لكن لا يترك الاحتياط حينئذ بتكرار
الصلاة ، كما أنّ الأحوط في صورة دوران الأمر بين إدراك أوّل الركعة قائماً والعجز
حال الركوع أو العكس أيضاً تكرار الصلاة .
______________________________________________________
(١) قد عرفت أنّ
مقتضى القاعدة في من دار أمره بين ترك أحد الشرطين مع تساوي الدليلين هو التخيير ،
لأصالة البراءة عن كل من الخصوصيتين فبمقتضاها ينبغي الحكم في المقام بالتخيير بين
رعاية القيام في الركعة السابقة أو اللاّحقة.
إلاّ أنّ الأقوى
في خصوص المقام رعاية القيام في السابقة ، فيقوم إلى أن يتجدد العجز كما أفاده في
المتن ، وذلك لإطلاق قوله عليهالسلام في صحيحة جميل : « إذا قوي فليقم » ، فإنّها وإن وردت جواباً عن السؤال عن حد المرض الموجب للانتقال إلى الصلاة
قاعداً في مجموع الصلاة ، إلاّ أنّ إطلاقها غير قاصر الشمول للمجموع وللأبعاض ،
كما لا يخفى. فتدل على أنّ المكلف مهما تمكّن من القيام فيما يجب فيه القيام وجب
ذلك ، ولا ينتقل فيه إلى القعود إلاّ مع العجز عنه.
__________________
وعليه فبما أنّه
لدى الاشتغال بالركعة الأُولى قادر على القيام على الفرض فيشمله إطلاق الصحيح ،
فيجب عليه القيام لفعلية الشرط وهو كونه قد قوي عليه ، فلا عذر له في تركه ، بخلاف
تركه في الركعة اللاّحقة لحصول العجز حينئذ.
ومنه تعرف أنّه لا
فرق في هذا الحكم أعني تقديم السابق أخذاً بإطلاق الدليل بين ما إذا كان طرفا
الترديد متساويين من حيث القلة والكثرة كالمثال المتقدم ، أو مختلفين كما لو دار
أمره بين القيام في الركعة الأُولى والقعود في الركعتين الباقيتين أو الثلاث ،
وبين العكس ، وأنّه يتعين تقديم القيام حينئذ أيضاً وإن استلزم الجلوس في الأكثر
من الركعة الواحدة ، لما عرفت من عدم العذر في ترك القيام سابقاً مع القدرة عليه ،
والحكم يتبع في فعليته فعلية موضوعه وهو متحقق على الفرض فيشمله قوله عليهالسلام : « إذا قوي فليقم » بخلاف تركه في الركعات اللاحقة ، فإنّه مستند إلى العجز
بعد صرف قدرته في الركعة السابقة ، وليس المقام من موارد التزاحم كي يراعى فيه
الأهمية ويرجّح بها كما مرّ مراراً.
فما أفاده في
المتن من عدم استبعاده وجوب تقديم الجلوس في هذه الصورة لا يمكن المساعدة عليه ،
كما لا وجه للاحتياط بتكرار الصلاة وإن كان حسناً على كل حال.
ومن جميع ما
ذكرناه تعرف حكم الدوران بين إدراك أوّل الركعة قائماً والعجز آخرها المؤدي إلى
الركوع جالساً ، وبين العكس ، وأنّ اللاّزم حينئذ تقديم الأوّل بالبيان المتقدم من
عدم المعذورية سابقاً والعذر لاحقاً ، وقد عرفت أنّ المقام ليس من باب التزاحم كي
يراعى فيه أهمية الركوع ، فتنتقل الوظيفة لا محالة إلى الركوع جالساً.
[١٤٨١]
مسألة ٢١ : إذا عجز عن
القيام ودار أمره بين الصلاة ماشياً أو راكباً قدّم المشي على الركوب .
[١٤٨٢]
مسألة ٢٢ : إذا ظنّ
التمكّن من القيام في آخر الوقت وجب التأخير ، بل وكذا مع الاحتمال .
______________________________________________________
(١) قد عرفت في
المسألة الثامنة عشرة أنّه لو دار الأمر بين الصلاة قائماً ماشياً أو جالساً ،
قدّم الأوّل لتقديم دليل القيام على دليل الاستقرار بالبيان المتقدم ، فبمقتضى ذلك
يجب تقديم المشي على الركوب في المقام كما لا يخفى.
بل يزيد المقام
على ما سبق ، أنّ الإخلال بالاستقرار لازم على التقديرين أي سواء صلّى ماشياً أم
راكباً ، ويزداد الثاني بالإخلال بالقيام أيضاً ، فلا مناص من اختيار الأوّل الذي
يتحفظ معه على القيام ، فانّ دليل اعتباره حينئذ سليم عن المعارض.
(٢) هذه المسألة
من صغريات البحث عن جواز البدار لذوي الأعذار وعدمه مع احتمال زوال العذر أو الظن
به ، بعد الفراغ عن الجواز في صورة اليأس وقد تكرّر التعرّض لنظائر هذا الفرع في
مطاوي هذا الشرح مراراً ، وقلنا إنّ الأقوى هو التفصيل في الجواز بين مرحلتي
الواقع والظاهر ، فبحسب الحكم الواقعي لا يجوز البدار فيما إذا صادف ارتفاع العذر
، لأنّ التكليف الأوّلي قد تعلّق بطبيعي الصلاة الجامعة لتمام الأجزاء والشرائط
المحدودة بين الحدين من المبدأ والمنتهى كالزوال والغروب مثلاً ، فالطبيعي الجامع
بين الأفراد الطولية بل وكذا العرضية هو المأمور به وإنّما تنتقل الوظيفة إلى
البدل الاضطراري والتكليف الثانوي بعد العجز عن هذه الطبيعة الذي لا يتحقق إلاّ
بالعجز عن
__________________
تمام الأفراد.
فمع التمكن من
فردٍ من الأفراد الطولية ولو كان هو الواقع في نهاية الحد وفي آخر الوقت لا سبيل
للانتقال إلى البدل ، للقدرة على المأمور به الاختياري الذي هو الطبيعي الصادق على
ذاك الفرد ، فكما أنّ العجز عن الفرد العرضي لا يسوّغ الانتقال إلى البدل بلا
إشكال ، فلو كان عاجزاً عن القيام في هذا المكان وقادراً عليه في مكان آخر وكلاهما
في زمان واحد ، لا تنتقل الوظيفة إلى الجلوس بالضرورة ، فكذا العجز عن الفرد
الطولي.
والسر هو ما عرفت
من أنّ المأمور به ليست الأفراد لا العرضية ولا الطولية كي يكون العجز عن فرد
مسوّغاً للانتقال إلى البدل ، وإنّما هو الطبيعي الجامع بين الحدين الذي لا يكاد
يتحقق العجز عنه إلاّ بالعجز عن تمام أفرادها عرضيّها وطوليّها. وعليه فمع فرض
ارتفاع العذر في آخر الوقت ، فبما أنّ الفريضة الاختيارية مقدورة للمكلف بتطبيق
الطبيعي على ذاك الفرد فلا يجوز له البدار والاقتصار على الاضطرارية ، لعدم تحقق
موضوعها حينئذ كما عرفت هذا كله بحسب الواقع.
وأمّا في مرحلة
الظاهر ، فلا مانع من جواز المبادرة اعتماداً على استصحاب بقاء العذر ، وعدم
ارتفاعه إلى نهاية الوقت المنقّح للعذر المستوعب الذي هو الموضوع للانتقال إلى
البدل الاضطراري ، بناءً على ما هو الصحيح من جريان الاستصحاب في الأُمور
الاستقبالية كالحالية ، غاية الأمر أنّ الأمر في موارد الاستصحاب حيث إنّه ظاهري
فإجزاؤه عن الأمر الواقعي وجواز الاقتصار عليه منوط بعدم انكشاف الخلاف ، فالحكم
بالصحة مراعى بعدم زوال العذر فان زال في الوقت كشف عن البطلان ووجبت الإعادة على
طبق الوظيفة الاختيارية ، وإن استمرّ كشف عن الصحة ، بل إنّ هذا هو الحال حتى مع
القطع الوجداني باستمرار العذر ، فانّ زوال العذر حينئذ يكشف عن أنّ الأمر كان
[١٤٨٣]
مسألة ٢٣ : إذا تمكّن من
القيام لكن خاف حدوث مرض أو بطء برئه جاز له الجلوس ، وكذا إذا خاف من الجلوس جاز
له الاضطجاع وكذا إذا خاف من لص أو عدو ، أو سبع أو نحو ذلك .
______________________________________________________
وهمياً خيالياً ،
وهو غير مجز عن الأمر الواقعي بلا إشكال.
(١) تقدم حكم العاجز عن القيام ، وأمّا من كان متمكناً منه فعلاً لكنه خاف حدوث المرض
لو قام ، أو بطء برئه ، أو خاف من لص ، أو عدو ، أو سبع فقد ذكر قدسسره أنّه يجوز له
الانتقال إلى الجلوس أو الاضطجاع والاستلقاء حسب اختلاف المراتب ، ومراده قدسسره بالجواز هو
الوجوب وأنّ الوظيفة تتعين في ذلك كما هو ظاهر.
وكيف كان ، فالحكم
مسلّم لا خلاف فيه كما لا إشكال ، والمستند فيه حديث نفي الضرر ، فانّ ظاهر الحديث
وإن كان هو الضرر الواقعي كما هو الشأن في كل حكم مترتب على موضوعه ، فلا بدّ من
إحرازه بدليل قاطع من علم وجداني ونحوه ، فلا سبيل للتمسك به مع الشك وخوف الضرر ،
بل إنّ مقتضى الأصل عدمه ، فيستصحب بقاء الوظيفة الاختيارية ، ولا ينتقل إلى
الاضطرارية إلاّ عند الضرر المقطوع.
إلاّ أنّا استفدنا
التعميم لصورة الخوف من الموارد المتفرقة كالصوم والتيمم ونحوهما من الموارد التي
استشهد الإمام عليهالسلام على سقوط الوظيفة الأوّلية ، والانتقال إلى البدل عند مجرد
الخوف بدليل نفي الضرر أو العسر والحرج.
هذا ، مع أنّ خوف
الضرر أمارة نوعية وطريق عقلائي لاستكشاف الضرر الواقعي ، فإنّ العقلاء لا يزالون
يعاملون مع خوف الضرر معاملة الضرر
__________________
[١٤٨٤]
مسألة ٢٤ : إذا دار الأمر
بين مراعاة الاستقبال أو القيام فالظاهر وجوب مراعاة الأوّل .
______________________________________________________
المقطوع ، فكأنّ
الضرر محرز بمجرّد الخوف ، وعليه فلا مجال للتشكيك في الاستناد إلى دليل نفي الضرر
في أمثال المقام.
وتؤيّده
: صحيحة محمد بن
مسلم الواردة في خصوص المقام قال : « سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرّجل والمرأة يذهب بصره فيأتيه الأطبّاء فيقولون نداويك شهراً أو أربعين
ليلة مستلقياً كذلك يصلي ، فرخّص في ذلك ، وقال ( فَمَنِ اضْطُرَّ
غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) » فانّ قول الأطبّاء لا يورث القطع بالعذر عادة ، بل غايته الخوف ومع ذلك فقد
رخّص عليهالسلام فيه وأجرى عليه حكم الضرر مستشهداً بالآية الشريفة. ومن
المعلوم عدم الفرق بين مورد الصحيحة وبين غيره من سائر موارد الضرر.
(١) حكم قدسسره حينئذ بلزوم
تقديم الاستقبال ، وقد يقال بلزوم تقديم القيام لأنّه ركن ، وربما يفصّل بين ما
إذا كان الإخلال بالاستقبال بنحو يوجب الاستدبار فيقدّم على القيام ، وبين ما إذا
كان بحيث يوجب الانحراف إلى اليمين أو اليسار فيقدّم القيام عليه ، لما دلّ على
أنّ ما بين المشرق والمغرب قبلة.
والصحيح
: هو ما أفاده في
المتن ، فانّ مقتضى القاعدة في أمثال المقام وإن كان هو التخيير كما مرّ ، إلاّ
أنّه يقدّم الاستقبال في خصوص المقام ، لا لأهميته المستفادة من استثنائه في حديث
لا تعاد كما قيل حتى يعارض بأهمية القيام لركنيته ، فانّ الترجيح بالأهمية من خواص
باب التزاحم ، والمقام وأمثاله أجنبي
__________________
عن ذاك الباب
وداخل في باب التعارض كما أشرنا إليه مراراً.
بل لأنّ دليل
اعتبار الاستقبال يختلف لسانه عن دليل اعتبار القيام ، فإنّ الأوّل بلسان نفي
الحقيقة ، وأنّ الفاقد للاستقبال ليس من حقيقة الصلاة في شيء كما يفصح عنه قوله عليهالسلام : « لا صلاة إلاّ إلى القبلة » ، بخلاف الثاني
فإنّ لسانه مجرد اعتبار شيء في الصلاة لقوله : « الصحيح
يصلي قائماً وقعوداً المريض يصلي جالساً » الوارد في تفسير الآية المباركة ، وغيره ممّا سبق في محله ومن المعلوم أنّه كلّ ما دار الأمر بين ترك شيء
تفوت معه حقيقة الصلاة وبين غيره قدّم الثاني.
ومنه
يظهر الجواب عمّا
تقدّم من القول بلزوم تقديم القيام لأنّه ركن ، فانّ القيام إنّما يجب رعايته في
الصلاة ، فلا بدّ من تحقق الموضوع وهو الصلاة قبل ذلك ، وقد عرفت أنّ مقتضى دليل
اعتبار الاستقبال نفي الحقيقة وعدم تحقق الموضوع بدونه ، فالفاقد للاستقبال ليس من
حقيقة الصلاة في شيء حتى يراعى فيه القيام.
وأمّا
التفصيل المتقدم فيدفعه :
أنّ كون ما بين المشرق والمغرب قبلة تنزيل مختص بمورده ، وهو الجاهل الذي لا يميّز
جهة الكعبة ، وأمّا غيره ممّن يميّزها ويشخّصها كما هو محل الكلام ، فلا ريب أنّ
قبلته هي الكعبة ، فلا مناص له من استقبالها ، والتوسعة المزبورة غير شاملة لمثله
جزماً. فظهر أنّ الأقوى مراعاة الاستقبال والانتقال إلى الصلاة جالساً كما ذكر في
المتن.
__________________
[١٤٨٥]
مسألة ٢٥ : لو تجدد العجز في
أثناء الصلاة عن القيام انتقل إلى الجلوس ، ولو عجز عنه انتقل إلى الاضطجاع ، ولو
عجز عنه انتقل إلى الاستلقاء ، ويترك القراءة أو الذكر في حال الانتقال إلى أن
يستقر .
______________________________________________________
(١) قد عرفت أنّ
للمصلي باعتبار العجز والتمكّن حالات ، فيصلي قائماً إن تمكن ، وإلاّ فجالساً ،
وإلاّ فمضطجعاً ، وإلاّ فمستلقياً ، ويختلف الحكم باختلاف هذه الأحوال كما مرّ
تفصيلاً ، هذا فيما إذا كان تمام الصلاة على حالة واحدة.
وأمّا إذا كانت
ملفّقة من حالتين ، فقد يكون قادراً ، ثم يطرؤه العجز في الأثناء بإحدى مراتبه ،
وقد يكون الأمر بالعكس فتتجدد القدرة بعد ما كان عاجزاً ، وهذه المسألة ناظرة إلى
الصورة الأُولى كما أنّ المسألة الآتية تنظر إلى الثانية.
فنقول
: العجز الطارئ في
الأثناء قد يكون مستمراً إلى آخر الوقت ، وقد يزول قبل خروجه ، أمّا في المستمر
فلا ريب في انتقال الوظيفة إلى المرتبة النازلة ، فلو عجز عن القيام انتقل إلى
الجلوس أو إلى الاضطجاع وهكذا ، وهذا ممّا لا خلاف فيه منا.
نعم ، خالف فيه
بعض العامة فحكم بالاستئناف ، إذ لم تعهد الصلاة الملفقة من الوظيفتين. ويدفعه : أنّ
ذلك هو مقتضى إطلاق أدلة البدلية الشامل للعجز الطارئ ، فكما أنّ إطلاق الأدلّة
الأوّلية كقوله عليهالسلام : « إذا قوي فليقم » يعمّ تمام الصلاة
وأبعاضها ، فكذا إطلاق أدلّة الابدال.
فالتلفيق هو مقتضى
الجمع بين الإطلاقين ، ولا ضير في الالتزام به بعد
__________________
مساعدة الدليل فلا
وجه للاستئناف ، بل ليس له ذلك وإن قلنا بجواز إبطال الصلاة اختياراً ، لاستلزامه
التفويت الاختياري المحرّم عقلاً بالإضافة إلى الجزء الذي أتى به حسب الوظيفة
الاختيارية قبل طروء العجز ، إذ مع الإبطال والإعادة ينتقل لا محالة إلى الوظيفة
الاضطرارية في تمام الصلاة ، فيلزم التعجيز الاختياري بالإضافة إلى ذلك الجزء ،
بخلاف ما لو أتمّها كذلك كما لا يخفى.
ثم إنّه يلزمه ترك
القراءة أو الذكر في حال الانتقال إلى أن يستقر كما أفاده في المتن ، إذ مضافاً
إلى منافاته لشرطية الاستقرار لدى القدرة عليه لا دليل على مشروعية القراءة عند
الهوي ، فانّ محلها المقرّر لها بحسب الأدلة إنّما هو حال القيام ، أو الجلوس ، أو
الاضطجاع ، وليس الهوي شيئاً منها.
ودعوى أنّ الهوي
أقرب إلى القيام ، فكانت القراءة عنده أولى منها حال الجلوس ، اجتهاد في مقابل
النص كما لا يخفى.
هذا كله مع
استمرار العجز ، وأمّا لو ارتفع أثناء الوقت فظاهر إطلاق المشهور هو الاجتزاء
أيضاً ، فلا حاجة إلى الإعادة ، حيث لم يفصّلوا في الحكم بالصحة بين الصورتين ،
إلاّ أنّه لا يمكن الأخذ بهذا الإطلاق ، بل لا بدّ من حمل كلامهم على إرادة الصورة
الأُولى ، إذ لا وجه للصحة في الثانية ، لما عرفت فيما سبق من أنّ العجز المسوّغ
للانتقال إلى البدل إنّما هو العجز عن طبيعي الفريضة الاختيارية الذي هو المأمور
به ، لا خصوص فرد منها ، وإنّما يتحقق العجز عن الطبيعي مع استيعاب العذر لتمام
الوقت ، وإلاّ فمع الارتفاع في الأثناء تكون الطبيعة مقدورة فلا مجال للانتقال إلى
البدل ، فزوال العذر في الأثناء يكشف عن عدم كون الفرد الاضطراري المأتي به
مصداقاً للمأمور به ، فلا بدّ من رفع اليد عنه واستئناف الصلاة كما هو مقتضى
القاعدة في أمثال المقام ممّا لم يرد فيه دليل على كفاية العجز حين العمل كما في
موارد التقية.
[١٤٨٦]
مسألة ٢٦ : لو تجدّدت القدرة على القيام في الأثناء انتقل إليه ، وكذا لو تجدّد
للمضطجع القدرة على الجلوس ، أو للمستلقي القدرة على الاضطجاع ، ويترك القراءة أو
الذكر في حال الانتقال.
[١٤٨٧]
مسألة ٢٧ : إذا تجددت
القدرة بعد القراءة قبل الركوع قام للركوع ، وليس عليه إعادة القراءة ، وكذا لو
تجددت في أثناء القراءة لا يجب استئنافها ، ولو تجددت بعد الركوع ، فان كان بعد
تمام الذكر انتصب للارتفاع منه وإن كان قبل تمامه ارتفع منحنياً إلى حدّ الركوع
القيامي ، ولا يجوز له الانتصاب ثم الركوع ، ولو تجددت بعد رفع الرأس من الركوع لا
يجب عليه القيام للسجود ، لكون انتصابه الجلوسي بدلاً عن الانتصاب القيامي ويجزئ
عنه ، لكن الأحوط القيام للسجود عنه.
______________________________________________________
(١) قد عرفت أنّ
هذا عكس المسألة السابقة ، وتفصيل الكلام في المقام على نحو يتضح به حال المسألة
الآتية أيضاً ، أنّه تارة يفرض الكلام في ضيق الوقت بحيث لا يسع للاستئناف ،
وأُخرى في سعته.
أمّا
في الضيق : فالصحيح ما أفاده
في المتن من الاجتزاء بما صدر منه من البدل ، والانتقال في بقيّة العمل إلى
الوظيفة الاختيارية من دون حاجة إلى إعادة ما سبق ، لأنّه أتى به حسب الوظيفة
الفعلية ، وأدلة البدلية كما تعمّ مجموع
__________________
العمل تشمل
أبعاضها أيضاً كما مرّ ، والمفروض استيعاب العذر لتمام الوقت لعدم التمكن من
الاستئناف وتداركها بتمامها بعد فرض الضيق ، فتكون الصلاة ملفقة من الوظيفتين
الاختيارية والاضطرارية ، ومقتضى إطلاق الأدلة صحتها كما مرّ ، ويجب الكفّ عن
القراءة والذكر في حال الانتقال بعد فرض التمكن من الإتيان بالواجب الأصلي
الاختياري.
وهذا كله واضح لا
سترة عليه ، غير أنّ هناك فروعاً نبّه عليها في المسألة الآتية ينبغي التعرض لها :
منها
: أنّه لو تجددت
القدرة قبل الركوع ، سواء أكان أثناء القراءة أم بعدها وجب عليه القيام رعاية
للركوع الاختياري المتقوّم بالانحناء عن القيام ولا يجب عليه إعادة القراءة ، كما
لا يجب استئنافها لو كان التجدد أثناءها ، لما عرفت من صحتها بعد الإتيان بها حسب
الوظيفة الفعلية ، وعدم التمكن من التدارك لمكان الضيق وهذا ظاهر.
ومنها
: أنّه لو تجددت
القدرة بعد الدخول في الركوع ، فصّل الماتن قدسسره حينئذ بين ما إذا كان ذلك بعد تمام الذكر فيجب الانتصاب
للارتفاع منه تحصيلاً للقيام بعد الركوع ، وبين ما إذا كان قبل الإتمام ، سواء لم
يأت بالذكر أصلاً أو لم يستكمله ، فيجب حينئذ أن يرتفع منحنياً إلى حدّ الركوع
القيامي كي يأتي بالذكر الواجب فيه ، ولا يجوز له الانتصاب ثم الركوع كي لا تلزم
زيادة الركوع.
أقول
: أمّا ما ذكره قدسسره من الانتصاب في
الصورة الاولى فلا دليل عليه ، لأنّ الواجب إنّما هو رفع الرأس عن الركوع إلى حدّ
الانتصاب المناسب للركوع ، فان كان الواجب هو الركوع عن قيام كان اللازم الانتصاب
القيامي وإن كان عن جلوس لزم الانتصاب الجلوسي ، وليس الانتصاب القيامي واجباً حتى
في الركوع الجلوسي بالضرورة ، كما لا يجدي الانتصاب الجلوسي في الركوع
القيامي ، ولذا لو
انتقل عن هيئة الركوع إلى الجلوس منتصباً من دون تخلل القيام لم يأت بالواجب ، ولا
يمكن تداركه أيضاً للإخلال بالاتصال.
وبالجملة
: الواجب من القيام
بعد الركوع الانتصاب عن كل ركوع بحسبه على ما تقتضيه الوظيفة الفعلية من الركوع
القيامي أو الجلوسي ، وحيث إنّ المفروض صحة ما صدر عنه من الركوع الجلوسي ، فلا
يجب في القيام المعتبر بعده إلاّ الانتصاب الجلوسي على ما عرفت ، فلا وجه للقيام
أصلاً.
وأمّا
ما ذكره في الصورة
الثانية ، من أنّه يرتفع منحنياً ويقوم متقوّساً إلى حدّ الركوع القيامي فهو أيضاً
لا يمكن المساعدة عليه ، لما تقدم غير مرّة من تقوّم الركوع بالانحناء عن قيام ،
ولذا قلنا بدخل القيام المتصل بالركوع في حقيقة الركوع ، فانّ مجرّد هذه الهيئة
غير المسبوقة بالقيام ليست من حقيقة الركوع في شيء ، وإنّما هي على صورة الركوع
وشكله ، وعليه فالارتفاع متقوِّساً لا ينفع ، إذ لا يتحقق معه الركوع القيامي ،
كما أنّ الانتصاب والإتيان بالركوع القيامي غير جائز لاستلزامه زيادة الركوع كما
صرّح به قدسسره ، فلا مناص له من إتمام الذكر في نفس هذا الركوع الجلوسي المفروض صحته ثم
الانتصاب عنه جالساً كما مرّ آنفاً ثم إتمام الصلاة حسب الوظيفة الاختيارية.
ومنها
: أنّه لو تجددت
القدرة بعد رفع الرأس من الركوع ، ذكر في المتن أنّه لا يجب عليه القيام للسجود ،
لكون انتصابه الجلوسي بدلاً عن الانتصاب القيامي.
وهذا هو الصحيح
كما عرفت وجهه آنفاً من أنّ الانتصاب عن كل ركوع بحسبه ، والمفروض أنّ وظيفته هي
الركوع الجلوسي. نعم ، الأحوط القيام للسجود عنه كما أشار إليه في المتن ، لاحتمال
دخل ذلك في السجود ، لا كونه من توابع الركوع ، وسيجيء مزيد توضيح له في محلّه إن
شاء الله تعالى ، هذا كله في فرض الضيق.
وأمّا
في السعة : فمقتضى إطلاق
كلماتهم الحكم بالصحة هنا أيضاً ، فيتم صلاته حسب الوظيفة الاختيارية ويجتزئ بها ،
وكأنهم اعتمدوا في ذلك على استفادة الإطلاق من أدلة البدلية ، فالجزء الاضطراري
مجزئ ، سواء أتمكن من الاستئناف لسعة الوقت أم لا.
لكنك عرفت النقاش
في ثبوت هذا الإطلاق فلا نعيد ، ولذا لم نقل بإجزاء الأوامر الاضطرارية عن
الواقعية ، وإن قلنا بجواز البدار لذوي الأعذار.
فالتحقيق في المقام أن يقال : إنّ من تجددت له القدرة أثناء الصلاة
إمّا أن يتمكن من التدارك من دون حاجة إلى الإعادة أو لا.
فالأوّل
: كما لو كبّر
قائماً وهو قادر ثم طرأ العجز فجلس وقرأ ، ثم تجددت القدرة فقام قبل الركوع ، فانّ
هذه الصلاة لا نقص فيها إلاّ من حيث وقوع القراءة حال الجلوس فيتداركها ويعيدها
قائماً ، ولا يلزم منه إلاّ زيادة القراءة والجلوس ، وهي زيادة غير مبطلة ، لكونه
معذوراً فيها فيشملها حديث لا تعاد.
وأمّا
الثاني : أعني ما يتوقف التدارك
على الإعادة ، فإن كان ذلك من جهة استلزام التدارك زيادة الركن وجبت الإعادة ، كما
لو تجددت القدرة بعد الركوع ، فإنّ الوظيفة حينئذ الإتيان بالركوع القيامي ، فان
أتى به لزم زيادة الركوع لتكرره ، وإن اقتصر على ما أتى به لزم الإخلال بالوظيفة
الفعلية ، فلا مناص من الإعادة.
وأمّا إذا كان ذلك
من جهة الإخلال بالقيام غير الركني ، كما لو طرأ العجز وهو في الركوع القيامي فجلس
سواء سجد أم لا ـ ، ثم تجددت القدرة ، فإنّه قد أخلّ بالقيام الواجب بعد الركوع ،
وهو وإن لم يكن ركناً إلاّ أنّه لا يسعه التدارك ، لأنّ الواجب هو القيام المتصل
بالركوع ، أعني رفع الرأس عنه منتصباً لا مطلق القيام ، وهذا لا يمكن تحصيله فعلاً
إلاّ بإعادة الركوع المستلزم لزيادة
[١٤٨٨]
مسألة ٢٨ : لو ركع قائماً
ثم عجز عن القيام فان كان بعد تمام الذكر جلس منتصباً ثم سجد ، وإن كان
قبل الذكر هوى متقوّساً إلى حدّ الركوع الجلوسي ثم أتى بالذكر .
______________________________________________________
الركن ، فمقتضى
القاعدة حينئذ هو الإعادة.
إلاّ أنّ مقتضى
حديث لا تعاد عدمها ، لعدم كون القيام من الخمسة المستثناة فلأجل ذلك يحكم بالصحة
وسقوط اعتبار القيام بعد الركوع في هذا الحال عملاً بالحديث المزبور.
(١) فصّل قدسسره حينئذ بين ما إذا
كان ذلك بعد تمام الذكر ، فيجلس منتصباً ثم يسجد تحصيلاً للانتصاب الجلوسي الذي هو
بدل عن الانتصاب القيامي الواجب بعد الركوع ، وبين ما كان قبله فيهوي متقوّساً إلى
حدّ الركوع الجلوسي ثم يأتي بالذكر.
وفي كلا الشقين ما
لا يخفى.
أمّا
الأوّل : فلما عرفت قريباً
من أنّ القيام بعد الركوع ليس واجباً مستقلا بنفسه ، وإنّما اللازم رفع الرأس عن
الركوع إلى أن يبلغ حدّ الانتصاب ، فان كانت الوظيفة الركوع القيامي وجب الانتصاب
قائماً ، وإن كانت الركوع الجلوسي وجب الانتصاب جالساً ، فلا يجب بعد أيّ ركوع
إلاّ الانتصاب المناسب له ، فان تمكن منه وإلاّ سقط بالعجز.
وحيث إنّ وظيفته
في مفروض الكلام الركوع القيامي ، وهو عاجز عن رفع الرأس عنه إلى حد الانتصاب
القيامي ، فيسقط وجوبه لا محالة بالتعذر ، ولا
__________________
[١٤٨٩]
مسألة ٢٩ : يجب الاستقرار
حال القراءة والتسبيحات
______________________________________________________
دليل على بدلية
الانتصاب الجلوسي عن الانتصاب القيامي ، لما عرفت من عدم وجوب ذاك القيام مستقلا
وإنّما الواجب رفع الرأس عن الركوع ، والانتصاب عن كل ركوع بحسبه وقد سقط الانتصاب
القيامي بالتعذّر ، والانتصاب الجلوسي لا يجب إلاّ عن الركوع الجلوسي الذي لا مورد
له في المقام.
فالأقوى عدم
الحاجة إلى الجلوس منتصباً ، بل يهوي إلى السجود ويتم صلاته.
وأمّا
الثاني : فلأنّ أصل الركوع
قد أتى به على الفرض ، ولم يبق عليه إلاّ الذكر الواجب حاله ، غير الدخيل في حقيقة
الركوع قطعاً ، وهو ساقط بالتعذر وأمّا الهوي متقوّساً إلى حد الركوع الجلوسي ،
فان كان ذلك ركوعاً آخر فيلزم زيادة الركن ، وإلاّ فهو عبث لا فائدة فيه.
فالأقوى عدم
الحاجة إليه ، وسقوط الذكر لتعذر محله كما عرفت.
(١) تقدّم التعرّض لذلك في بعض المباحث السابقة ، وأشرنا إلى مستند الحكم في وجوب
الاستقرار بكلا معنييه ، أعني ما يقابل المشي وهو موثقة السكوني الآمرة بالكف عن
القراءة في مشيه حتى يتقدم إلى الموضع الذي يريد ثم يقرأ ، وما يقابل الاضطراب من قوله عليهالسلام « وليتمكن في الإقامة كما يتمكّن في الصلاة » الظاهر في مفروغية اعتبار التمكّن والاطمئنان فيها ومن الإجماع الذي هو
العمدة في المقام كما سبق.
__________________
وحال ذكر الركوع
والسجود ، بل في جميع أفعال الصلاة وأذكارها ، بل في حال القنوت والأذكار المستحبة
، كتكبيرة الركوع والسجود ، نعم لو كبّر بقصد الذكر المطلق في حال عدم
الاستقرار لا بأس به ، وكذا لو سبّح أو هلّل فلو كبّر بقصد تكبير الركوع في حال
الهوي له ، أو للسجود كذلك ، أو في حال النهوض يشكل صحته ، فالأولى لمن يكبّر كذلك
أن يقصد الذكر المطلق نعم ، محل قوله « بحول الله وقوّته » حال النهوض للقيام.
______________________________________________________
وهذا لا إشكال فيه
، كما لا خلاف بالنسبة إلى القراءة والأذكار الواجبة في القيام والقعود ، والركوع
والسجود ، وإنّما الكلام في اعتباره في الأذكار المستحبة. فعن السيّد الطباطبائي قدسسره في ارجوزته دعوى الإجماع على اعتباره فيها أيضاً ، مفسّراً اعتباره فيها بالوجوب الشرطي
الذي لا ينافي الاستحباب.
وادعاه صاحب
الجواهر أيضاً ، مستشهداً بمقالة السيّد قدسسره ولم تنقل دعواه عن غيرهما.
والاعتماد في
تحققه على هذا المقدار مشكل جدّاً ، سيّما وكلمات قدماء الأصحاب خالية عن التعرّض
لذلك رأساً ، إذ قد أهملوا التنبيه على هذا الشرط في مباحث القنوت وسائر الأذكار
المستحبة ، واقتصروا فيه على الواجب منها فحسب وليس لمعقد الإجماع إطلاق يعم
المستحبات كما لا يخفى.
بل لو فرضنا وجوده
، بل التصريح بالإطلاق وأنّ الاستقرار شرط في تمام
__________________
أجزاء الصلاة
مطلقاً مع أنّه لم يوجد قطعاً لما صحّ الاعتماد عليه في انسحاب الحكم إلى
المستحبات ، لما عرفت فيما سبق من أنّا لا نعقل فرض الجزء الاستحبابي للمنافاة
الظاهرة بين الجزئية والاستحباب ، فماهية الصلاة لا تتألف إلاّ من الأجزاء الواجبة
وهي ليست اسماً إلاّ لها. وأمّا المستحبات فهي ليست إلاّ أُموراً عبادية ظرفها
الصلاة وليست منها في شيء ، وإطلاق الجزء عليها مبني على ضرب من المسامحة.
وعليه فإطلاق
القول باعتبار الاستقرار في الصلاة لا يراد به إلاّ الأذكار الواجبة دون المستحبة
، فالأقوى عدم اعتبار الاستقرار فيها.
نعم ، لا يجوز له
الإتيان بتكبيرة الركوع أو السجود حال الهوي إليهما ، إلاّ أن يقصد بها مطلق الذكر
، لا لاعتبار الاستقرار فيها ، وإن رتّبه عليه في المتن ، بل لأنّ هذه الأذكار
يختص محلها المقرر لها شرعاً بما قبل الدخول في الركوع أو السجود ، أعني حال
الانتصاب ، فالإتيان بها في حال الهوي إتيان بها في غير محلها الموظف لها ، فتبطل
بمعنى عدم مطابقتها للمأمور به ، بل قد يكون حراماً إذا قصد بها التشريع ، وحينئذ
يقع الكلام في بطلان الصلاة بها ، لا من أجل صدق الزيادة القادحة ، لأنّ صدق
الزيادة متقوّم بقصد الجزئية ، وقد عرفت آنفاً امتناع هذا القصد في المستحبات
للتنافي بين الاستحباب والجزئية ، بل من جهة التكلم بالذكر المحرّم ، بدعوى شمول
كلام الآدمي المبطل لذلك ، وسيجيء التعرض له في محله مفصّلاً إن شاء الله تعالى.
وكيف كان ،
فالأولى لمن أراد الإتيان بها حال الهوي أن يقصد بها الذكر المطلق كما نبّه عليه
في المتن. نعم ، محل قوله : بحول الله وقوّته ، حال النهوض للقيام ، فلا يعتبر فيه
الاستقرار كما هو ظاهر ، وقد أشار إليه في المتن أيضاً.
[١٤٩٠]
مسألة ٣٠ : من لا يقدر على
السجود يرفع موضع سجوده إن أمكنه وإلاّ وضع ما يصح السجود عليه على جبهته كما مرّ .
[١٤٩١]
مسألة ٣١ : من يصلي جالساً
يتخير بين أنحاء الجلوس نعم ، يستحب له أن يجلس جلوس القرفصاء وهو أن يرفع فخذيه
وساقيه وإذا أراد أن يركع ثنى رجليه ، وأمّا بين السجدتين وحال التشهد فيستحب أن
يتورّك.
______________________________________________________
(١) فانّ اعتبار
المساواة بين موقف المصلي وموضع سجوده وعدم الاختلاف أكثر من مقدار أربع أصابع شرط
مختص بحال التمكّن ، فيسقط اعتباره لدى العجز. وأمّا وضع ما يصح السجود عليه على
الجبهة ، فقد تقدم أنّه على القول به يختص بالصلاة مستلقياً ، ولا يعمّ مطلق
العاجز عن السجود. مع أنّه لا يتم فيه أيضاً ، لضعف مستنده كما مرّ مفصلاً فلاحظ .
(٢) لإطلاق الأمر
بالجلوس في النصوص. مضافاً إلى التصريح به في صحيحة عبد الله بن المغيرة وصفوان
وابن أبي عمير عن أصحابهم ، عن أبي عبد الله عليهالسلام « في الصلاة في المحمل ، فقال : صل متربّعاً وممدود
الرجلين وكيف ما أمكنك » نعم ، يستحب له أن يجلس جلوس القرفصاء ، وهو كما فسّره في
المتن أن يرفع فخذيه وساقيه ويجلس على أليتيه. وهذا لم يرد به نص ، نعم ورد في
حسنة حمران بن أعين عن أحدهما عليهماالسلام « قال : كان أبي إذا صلى جالساً تربّع ، فاذا ركع ثنى
رجليه » بناءً على تفسير التربّع بذلك كما هو
__________________
[١٤٩٢]
مسألة ٣٢ : يستحب في حال
القيام أُمور :
أحدها
: إسدال المنكبين.
الثاني : إرسال اليدين. الثالث : وضع الكفين على الفخذين قبال الركبتين ، اليمنى
على الأيمن واليسرى على الأيسر. الرابع : ضم جميع أصابع الكفّين. الخامس : أن يكون
نظره إلى موضع سجوده. السادس : أن ينصب فقار ظهره ونحره. السابع : أن يصفّ قدميه
مستقبلاً بهما متحاذيتين بحيث لا تزيد إحداهما على الأُخرى ولا تنقص عنها. الثامن
: التفرقة بينهما بثلاث أصابع مفرّجات أو أزيد إلى الشبر. التاسع : التسوية بينهما
في الاعتماد العاشر : أن يكون مع الخضوع والخشوع كقيام العبد الذليل بين يدي
المولى الجليل.
______________________________________________________
المشهور وإن لم
يساعده كلام اللغويين.
ففي المجمع تفسير التربّع بأن يقعد على وركيه ، ويمدّ ركبته اليمنى إلى جانب يمينه ،
وقدمه إلى جانب يساره ، واليسرى بالعكس ، وإن كان الظاهر عدم الاختصاص بهذه
الكيفية ، بل هي من أحد معانيه ، بل قد ذكر في القاموس أنّ التربع في الجلوس خلاف جثى واقعي ، الظاهر في شموله لجميع الهيئات عدا
الجلوس جاثياً ومقعياً ، ولعل الوجه في تفسير المشهور والحمل على ذاك المعنى كونه
أنسب بمقام العبودية والخضوع ، لكونه أقرب إلى القيام والمثول بين يدي المولى.
وقد يطلق التربع
على وضع إحدى القدمين على الركبة والأُخرى تحت الفخذ وهو جلوس المتكبرين الجبابرة
كما قيل ، فلا يمكن إرادته من الحسنة كما لا يخفى.
__________________
وأمّا ما ذكره في
المتن من استحباب أن يثني رجليه حين الركوع ، وهو افتراش الرجلين تحت الفخذين ،
فتشهد له الحسنة المتقدمة.
وأمّا ما ذكره من
استحباب التورّك حال التشهد وما بين السجدتين فلم يرد به نص بلفظه ، نعم ورد
مضمونه في صحيحة زرارة « قال : وإذا قعدت في تشهّدك فألصق ركبتيك بالأرض وفرّج
بينهما شيئاً ، وليكن ظاهر قدمك اليسرى على الأرض ، وظاهر قدمك اليمنى على باطن
قدمك اليسرى ، وأليتاك على الأرض وأطراف إبهامك اليمنى على الأرض » .
لكنّه كما ترى
مختص بحال التشهّد ، فلا دليل على التعدِّي إلى ما بين السجدتين ، فالأظهر فيه وكذا في جلسة الاستراحة التربع عملاً بإطلاق الحسنة المتقدمة
فلاحظ.
ثم إنّ الماتن
تعرّض لجملة من المستحبات حال القيام أكثرها مذكورة في صحيحة حماد وزرارة الواردتين في كيفية الصلاة ، وبعضها لا دليل عليها سوى روايات مرسلة أو ضعيفة
لا يهمّنا التعرض لها ، لسهولة الخطب في باب المستحبات ، وكفاية الإتيان بها بقصد
الرجاء ، والله العالِم.
__________________
فصل في
القراءة
يجب في صلاة الصبح
والركعتين الأولتين من سائر الفرائض قراءة سورة الحمد .
______________________________________________________
(١) لا إشكال كما
لا خلاف من أحد من المسلمين في وجوب قراءة القرآن في ركعتي الفجر ، وكذا في
الركعتين الأولتين من سائر الفرائض الثلاثية والرباعية كما أُشير إليه في الكتاب
العزيز بقوله تعالى ( فَاقْرَؤُا ما
تَيَسَّرَ مِنْهُ ) الظاهر في الوجوب بعد الاتفاق على عدم الوجوب في غيرها.
كما لا خلاف أيضاً
في تعين تلك القراءة في سورة الحمد خاصة وقد قام عليه الإجماع والتسالم ، بل إنّ
نقله مستفيض ، بل متواتر من الأصحاب ، بل من سائر فرق المسلمين ، إذ لم ينقل فيه
خلاف معتدّ به ، بل لعله يعدّ من الواضحات والضروريات التي لا يعتريها شوب
الاشكال.
وتدل
عليه أيضاً : سيرة
المتشرعة بل المسلمين ، فانّ المعهود منهم والمتعارف بينهم خلفاً عن سلف الالتزام
بقراءة فاتحة الكتاب في الصلوات. وهذه السيرة والالتزام منهم وإن لم تدل بمجرّدها
على الوجوب ، لجواز الالتزام والمواظبة على بعض المستحبات في الصلاة ، كالتزام
الخاصة وجريان سيرتهم على القنوت فيها ، فإنّ السيرة عمل خارجي لا لسان له ، إلاّ
أنّها بعد ضمّها بطائفة من الروايات المصرّحة ببطلان الصلاة الفاقدة للقراءة وإن
لم يصرّح فيها بخصوص الحمد تدل على الوجوب ، فتلك تفسّر المراد من القراءة في
__________________
هذه وهذه تكشف عن
أنّ ما قامت عليه السيرة واجب ، فيعتضد إحداهما بالأُخرى.
على أنّ بعضها
مصرّحة بالحمد وببطلان الصلاة بتركها ، كصحيحة محمد بن مسلم وموثقة سماعة الآتيتين
، وإليك بعض تلك النصوص :
فمنها
: صحيحة زرارة عن
أحدهما عليهماالسلام قال : « إنّ الله تبارك وتعالى فرض الركوع والسجود
والقراءة سنّة ، فمن ترك القراءة متعمداً أعاد الصلاة ، ومن نسي فلا شيء عليه »
وعن محمد بن مسلم مثله ، إلاّ أنّه قال : « ومن نسي القراءة فقد تمّت صلاته ولا شيء
عليه » .
ومنها
: صحيحة علي بن
جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر عليهالسلام قال : « سألته عمّن ترك قراءة القرآن ما حاله؟ قال : إن
كان متعمداً فلا صلاة له ، وإن كان نسي فلا بأس » . فهذه الأخبار تدل على وجوب القراءة وهي تنصرف إلى المتعارف المعهود التي هي
فاتحة الكتاب كما عرفت.
وتدل
عليه أيضاً : الأخبار
المصرّحة بوجوب قراءة الحمد خاصة وهي كثيرة.
منها
: صحيحة حماد
الواردة في بيان كيفية الصلاة بضميمة قوله عليهالسلام في الذيل : « يا حمّاد هكذا صلّ » الظاهر في الوجوب.
ومنها
: صحيحة محمد بن
مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام قال : « سألته عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته ،
قال : لا صلاة له إلاّ أن يقرأ بها في
__________________
وسورة كاملة غيرها بعدها .
______________________________________________________
جهر أو إخفات » وهي وإن لم يصرح فيها بموضع القراءة ، لكنه معلوم من الخارج بالإجماع
والضرورة والسيرة ، بل وصحيحة حماد كما مرّ.
ومنها
: موثقة سماعة قال
: « سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب ، قال : فليقل أستعيذ بالله
من الشيطان الرجيم إنّ الله هو السميع العليم ثم ليقرأها ما دام لم يركع ، فإنه لا
صلاة له حتى يقرأ بها في جهر أو إخفات فإنّه إذا ركع أجزأه إن شاء الله تعالى » ، ونحوها غيرها ، وهي كثيرة وإن كان أسانيد جملة منها لا تخلو من الضعف ،
وفيما ذكرناه كفاية.
(١) على المشهور
شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً كما في الجواهر ، بل عن غير واحد
دعوى الإجماع عليه ، بل نسبته إلى المذهب.
وعن جملة من
القدماء منهم الديلمي عدم الوجوب ، وقواه من
المتأخرين صاحب المدارك ، وتبعه بعض من تأخر عنه ، وإن كان القول بالوجوب بين
المتأخرين أكثر وأشهر ، بل لعله من المتسالم عليه في الأعصار المتأخرة. وكيف ما
كان ، فالمتبع هو الدليل.
وقد
استدلّ على الوجوب
بطائفة من الأخبار :
__________________
منها
: صحيحة عبيد الله
بن علي الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام « قال : لا بأس بأن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب
في الركعتين الأولتين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوّف شيئاً » فانّ مفهومها ثبوت البأس وعدم جواز الاقتصار على فاتحة الكتاب عند الاختيار
وعدم الاستعجال ، بل لا بدّ من ضمّ السورة معها.
ونوقش
فيها : بأنّ هذا اللسان من البيان أعني تعليق الحكم على عدم العجلة
ممّا يناسب الاستحباب جدّاً ، كما ورد نظيره في ترك الأذان من الأخبار المتضمّنة
للأمر بالأذان والإقامة مع جواز الاقتصار على الثانية إذا بادر أمراً يخاف فوته ،
كما في رواية أبي بصير وغيرها ممّا تقدّمت في محلها .
وفيه
: أنّ ظاهر الأمر
المستفاد من مفهوم الشرط هو الوجوب في كلا المقامين وإنّما يرفع اليد عنه ويحمل
على الاستحباب في باب الأذان لقيام الدليل الخارجي على جواز تركه كما تقدم في محله
. وحيث إنّ ذاك الدليل مفقود في المقام فلا مناص من الأخذ
بظاهر الأمر.
وأضعف من ذلك : ما عن صاحب الحدائق ، من دعوى أنّ ثبوت البأس أعم
من التحريم . إذ فيه : أنّ البأس لغة هو الشدة المناسبة للمنع ، فهو ظاهر في الحرمة وعدم الجواز. كما أنّ عدم البأس ظاهر في
الجواز ولا ينبغي التشكيك في ذلك.
__________________
فالإنصاف
: أنّ دلالة
الصحيحة على الوجوب تامة. نعم ، يستفاد منها أنّ وجوب السورة ليس على حذو سائر
الأجزاء ، بل هي دونها في الاهتمام والعناية بشأنها ولذا يسقط وجوبها بمجرّد
الاستعجال العرفي لأمر دنيوي أو أُخروي ولا يناط ذلك بالبلوغ حدّ الضرر أو العسر
والحرج كما في سائر الواجبات وهذا المعنى غير قابل للإنكار كما تشهد به سائر
الأخبار ، لكنه لا ينافي أصل الوجوب ولزوم الإتيان بها عند عدم الاستعجال ، وإن
كانت مرتبته ضعيفة كما لا يخفى.
ومنها
: صحيحة عبد الله
بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام « قال : يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب
وحدها ، ويجوز للصحيح في قضاء صلاة التطوّع بالليل والنهار » . فانّ التقييد بالمريض يدل على عدم جواز الاقتصار على الفاتحة في حال الصحة.
وأُورد
عليه : بأنّ مفهوم الوصف
ليس بحجة ، ومن الجائز أن تكون النكتة في التعرض للمريض بخصوصه عدم تأكد الاستحباب
في حقه.
ويندفع
: بما حققناه في
الأُصول من ثبوت المفهوم له لا بالمعنى المصطلح أعني الانتفاء عند
الانتفاء ، بل بمعنى عدم كون الطبيعي على إطلاقه وسريانه موضوعاً للحكم ، وإلاّ
كان التقييد لغواً محضاً ، وعليه فتدل الصحيحة بمقتضى المفهوم على أنّ الموضوع
لجواز الاقتصار على الفاتحة ليس هو مطلق المكلّفين وأنّ السورة واجبة على بعضهم في
الجملة وهو المطلوب ، إذ لا ندعي وجوبها على الإطلاق ، ولذا ذكرنا آنفاً سقوطها
لدى الاستعجال.
__________________
ويؤيد
ذلك أعني عدم الوجوب
على الإطلاق والسقوط في بعض الأحوال ما في ذيل الصحيحة من جواز الاقتصار على
الفاتحة أيضاً للصحيح في قضاء صلاة التطوع ... إلخ ، أي في النوافل الليلية
والنهارية ، والمراد بالقضاء معناه اللغوي ، أعني مطلق الإتيان بالشيء دون المعنى
المصطلح ، فانّ سقوط وجوب السورة عن النوافل تعم الأداء والقضاء كما هو ظاهر.
ومنها
: صحيحة معاوية بن
عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام « قال : من غلط في سورة فليقرأ قل هو الله أحد ثم ليركع » فإنّها لو لم تجب لجاز له الاقتصار على السورة المغلوط فيها فيكتفي بما أتى
به ويترك الباقي ، ولم يكن وجه للأمر بقراءة سورة أُخرى ، الظاهر في الوجوب.
ونوقش
: بأن تقييد السورة
المعدول إليها بالتوحيد آية الاستحباب لعدم وجوبها بخصوصها قطعاً فيكون المراد انّ
السورة الأُخرى تجزئ عن التي غلط فيها من غير دلالة لها على الوجوب بوجه.
وفيه
: أنّ العدول من
سورة غير التوحيد والجحد إلى أُخرى جائز مطلقاً ما لم يبلغ النصف ، وأمّا إذا
تجاوزه فلا يجوز إلاّ إلى التوحيد بمقتضى هذه الصحيحة ، فغاية ما هناك تقييدها
بصورة التجاوز عن النصف ، فيتجه التقييد بالتوحيد حينئذ ويجب العدول إليها خاصة ،
عملاً بظاهر الأمر.
ومنها
: صحيحة منصور بن
حازم قال : « قال أبو عبد الله عليهالسلام : لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة ولا بأكثر » فإنّ النهي عن الأقل ظاهر في وجوب السورة الكاملة.
__________________
وناقش فيها صاحب المدارك سنداً تارة ،
ودلالة اخرى. أمّا السند فبمحمد ابن عبد الحميد إذ لم يرد فيه توثيق ، وأمّا
الدلالة ، فلأنّ النهي قد تعلّق بالتبعيض والقران وحيث قد ثبت من الخارج جواز
القرآن فالنهي بالإضافة إليه تنزيهي لا محالة فيكون الحال كذلك في التبعيض ، وإلاّ
لزم استعمال اللفظ الواحد في أكثر من معنى وهو غير جائز ، فغاية ما هناك كراهتهما
، وهذا لا يقتضي إلاّ استحباب السورة الواحدة الكاملة لا وجوبها.
والجواب
: أمّا عن السند
فبما أفاده صاحب الحدائق قدسسره وقد أجاد ، وحاصله : أنّ الطعن في السند غفلة نشأت عن
الاقتصار على ملاحظة عبارة العلاّمة في الخلاصة التي هي عين عبارة النجاشي مع تقطيع
، بحيث لو لوحظت عبارة النجاشي لارتفعت الشبهة الناشئة عن التقطيع ، فإنّ العلاّمة
قال هكذا : محمد بن عبد الحميد بن سالم العطار أبو جعفر روى عبد الحميد عن أبي
الحسن موسى عليهالسلام وكان ثقة من أصحابنا الكوفيين انتهى .
وظاهر هذه العبارة
رجوع التوثيق إلى الأب دون الابن ، كما نبّه عليه الشهيد في تعليقته ، مع أنّ هذه العبارة بعينها مأخوذة عن النجاشي بإضافة قوله بعد ذلك بلا فصل
: له كتاب النوادر ... إلخ ، فإنّ مرجع الضمير المجرور هو محمد أعني الابن الذي هو
المقصود بالترجمة ، حيث إنّ النجاشي لا يعنون إلاّ من له كتاب ، وعليه فوحدة
السياق تقضي بأن يكون مرجع الضمير في قوله وكان ثقة ، هو الابن أيضاً ، فإنّ
التفكيك بين المرجعين خارج عن أُسلوب الكلام كما
__________________
لا يخفى على
الأعلام. فقوله : روى عبد الحميد عن أبي الحسن موسى عليهالسلام جملة معترضة ، وكم لها نظير في عبارات النجاشي.
وبالجملة
: فتقطيع العلامة
في النقل هو الذي أوقع صاحب المدارك وقبله الشهيد قدسسره في الاشتباه ، مع أنّ عبارة النجاشي كالصريحة في رجوع
التوثيق إلى الابن كما عرفت ، فالمناقشة من حيث السند ساقطة.
وأمّا
عن الدلالة ، فعلى فرض تسليم
كراهة القرآن بين السورتين وعدم حرمته مع أنّه محل الكلام ، إنّما يتم ما ذكره
بناءً على أن تكون الحرمة والكراهة وكذا الوجوب والاستحباب ، معنيين مختلفين للّفظ
لغة ، وأمّا بناءً على ما هو التحقيق كما بيّناه في الأُصول من عدم استعمال صيغة النهي وكذا الأمر إلاّ في معنى واحد ، وإنّما تستفاد
الخصوصية من حكم العقل المنتزع من الاقتران بالترخيص في الفعل أو الترك وعدمه ،
فلا مجال للإشكال أصلاً ، إذ النهي حينئذ لم يستعمل إلاّ في معنى واحد وهو طلب
الترك ، وقد اقترن ذلك بالترخيص في الفعل من الخارج بالإضافة إلى القرآن ، ولم
يقترن بالنسبة إلى التبعيض فالالتزام بكراهة الأوّل وحرمة الثاني لا يستلزم
الاستعمال في أكثر من معنى واحد بوجه.
__________________
وقد
يناقش في دلالة الصحيحة
أيضاً : بأنّ النهي عن التبعيض لا يستدعي وجوب قراءة السورة ، بل غايته أنّه على
تقدير الشروع فيها لا يجعلها ناقصة بل يتمها ، كما لا يقارن بين سورتين ، فهي
ناظرة إلى المنع عن قراءة بعض السورة ، وأين هذا من وجوب الإتيان بالسورة الذي هو
محل الكلام.
وهي
كما ترى في غاية الضعف ،
ضرورة أنّه على تقدير عدم وجوب السورة فقراءة بعضها غير محرّمة قطعاً ، كيف وقراءة
القرآن مندوب في جميع الأحوال. فلا يحتمل المنع عن قراءة البعض بما هي كذلك إلاّ من جهة الإخلال بقراءة السورة الكاملة المستلزم لوجوبها ،
فالنهي عن التبعيض في قوة الأمر بقراءة السورة الكاملة ، بل هو ظاهر فيه عرفاً كما
لا يخفى.
فالإنصاف
: أنّ هذه الصحيحة
قوية السند ظاهرة الدلالة على الوجوب.
ومنها
: صحيحة زرارة
الواردة في المأموم المسبوق بركعتين قال عليهالسلام فيها : « إن أدرك من الظهر أو من العصر أو من العشاء
ركعتين وفاتته ركعتان قرأ في كل ركعة ممّا أدرك خلف إمام في نفسه بأُم الكتاب
وسورة ، فان لم يدرك السورة تامة أجزأته أُمّ الكتاب ... » إلخ .
فإنّ الأمر بقراءة
السورة مع الفاتحة ظاهر في الوجوب ، نعم لا نضايق من أنّها سيقت لدفع توهم ضمان
الإمام عن المأموم مطلقاً حتى المسبوق ، وأنّ
__________________
الضمان خاص
بالأولتين دون الأخيرتين ، لكنه لا ينافي ورود الأمر في مقام التشريع وظهوره في
الوجوب كما ذكرناه. فلا وجه لدعوى وروده في مقام إبقاء مشروعية القراءة على ما هي
عليه من الوجوب والاستحباب كما لا يخفى فتأمّل.
هذه
جملة الروايات التي
يمكن الاستدلال بها على الوجوب. وقد عرفت أنّها قوية سنداً ودلالة.
وهناك روايات اخرى
استدل بها عليه مع أنّها غير صالحة للاستدلال للخدش في السند أو الدلالة على سبيل
منع الخلو.
فمنها
: صحيحة معاوية بن
عمّار قال : « قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : إذا قمت للصلاة أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة
الكتاب؟ قال : نعم ، قلت : فإذا قرأت فاتحة القرآن أقرأ بسم الله الرّحمن الرّحيم
مع السورة؟ قال : نعم » .
وفيه
: أنّها واردة في
مقام بيان الوجوب الشرطي ، أعني جزئية البسملة للسورة كجزئيتها للفاتحة. وليست في
مقام بيان وجوب السورة بعد الفاتحة ولذا لم يصرح فيها بخصوص الفريضة ، مع اختصاص
الحكم بها وعدم وجوبها في النافلة بلا إشكال ، بل قد عرفت سقوطها عن الفريضة أيضاً
في موارد الاستعجال.
ومنها
: صحيحة محمد بن
مسلم عن أحدهما عليهماالسلام قال : « سألته عن الرجل يقرأ السورتين في الركعة ، فقال :
لا ، لكل ركعة سورة » .
وقد رواها في
الجواهر عن العلاء ، وهو اشتباه منه أو من النسّاخ ، فانّ
__________________
علاء لم يرو بلا
واسطة إلاّ عن الصادق عليهالسلام دون الباقر إلاّ بواسطة محمد بن مسلم ، وهذه الرواية مروية
عن أحدهما عليهماالسلام فكلمة عن محمد بن مسلم ساقطة عن القلم جزماً وكيف كان ،
فهذه أيضاً قاصرة الدلالة فإنّها ناظرة إلى المنع عن القرآن ، وأنّه لم تشرع لكل
ركعة إلاّ سورة واحدة وأما أنّ التشريع بنحو الوجوب أو الاستحباب فليست الرواية
بصدده.
ومنها
: صحيحة محمد بن
إسماعيل قال : « سألته : قلت أكون في طريق مكة فننزل للصلاة في مواضع فيها الأعراب
أيصلى المكتوبة على الأرض فيقرأ أم الكتاب وحدها ، أم يصلى على الراحلة فيقرأ
فاتحة الكتاب والسورة؟ قال : إذا خفت فصلّ على الراحلة المكتوبة وغيرها ، وإذا
قرأت الحمد والسورة أحبّ إليّ ، ولا أرى بالذي فعلت بأساً » .
تقريب الاستدلال :
ما حكاه في الوسائل عن بعض المحققين ، من أنّه لولا وجوب السورة لما جاز لأجله ترك
الواجب من القيام وغيره ، إذ الواجب لا يزاحمه المستحب ، فمع دوران الأمر بين ترك
القيام وبين ترك السورة كما هو مفروض الخبر كان المتعين هو الثاني ، دون التخيير
الذي تضمنته الصحيحة فالحكم بالتخيير لا يستقيم إلاّ مع وجوب السورة.
وفيه
: أنّها على خلاف
المطلوب أدلّ ، لما عرفت من أنّ السورة على تقدير وجوبها ليست على حد سائر
الواجبات ، بل تسقط بأدنى شيء حتى مجرّد الاستعجال العرفي ، فمثلها لا تصلح
للمزاحمة مع القيام الذي هو ركن ، أو دخيل في الركن ، وكذا الاستقبال والاستقرار
حيث يلزم الإخلال بكل ذلك غالباً لو صلّى راكباً.
وعليه فلا يمكن
حمل الرواية على فرض الدوران بين الصلاة على المحمل
__________________
الفاقدة للقيام
وما ذكر ، وبين الصلاة على الأرض الفاقدة لمجرّد السورة ، إذ حينئذ يتعين الثاني ،
ولا مجال للتخيير بالضرورة.
بل إنّ مفاد
الصحيحة كما لعلّه الظاهر منها إنّك إذا خفت فصلّ على الراحلة ، وإن لم تخف فعلى
الأرض ، كل ذلك على سبيل التعيين ، وعلى التقديرين فالصلاة مع السورة أحب إليّ ،
ولا أرى بالذي فعلته من ترك السورة بأساً ، وهذا كله كما ترى كالصريح في
الاستحباب.
ومنها
: رواية يحيى بن
أبي عمران قال : « كتبت إلى أبي جعفر عليهالسلام جعلت فداك ما تقول في رجل ابتدأ ببسم الله الرّحمن الرّحيم
في صلاته وحده في أُمّ الكتاب ، فلما صار إلى غير أُمّ الكتاب من السورة تركها؟
فقال العباسي أو العياشي كما في بعض النسخ ليس بذلك بأس ، فكتب بخطه : يعيدها
مرتين ( أي كرر لفظة يعيدها مرّتين ) على رغم أنفه يعني العباسي » ورواها في الكافي والتهذيب والجواهر عن يحيى بن عمران
لا أبي عمران. وعلى التقديرين الرجل مجهول ، والرواية ضعيفة السند.
وأمّا من حيث
الدلالة فهي ظاهرة في الوجوب ، إذ الأمر بإعادة الصلاة الكاشف عن بطلانها لا وجه
له إلاّ الإخلال بالسورة المأمور بها من أجل فقدها لجزئها وهي البسملة ، فلولا
وجوب السورة لما اتجه الأمر بإعادة الصلاة.
__________________
ونوقش
فيها : بأنّ مرجع الضمير
في قوله عليهالسلام « يعيدها » هي السورة دون الصلاة ، والمراد بيان جزئية
البسملة للسورة ، وأنّ الفاقدة للبسملة لا تجزئ عن السورة المأمور بها ، سواء أكان
الأمر وجوبياً أم استحبابياً.
وفيه
: أنّ عود الضمير
إلى السورة بعيد غايته ومخالف للظاهر جدّاً ، فانّ المسئول عنه قضية خارجية استفتى
عنها العباسي أوّلاً ثم الإمام عليهالسلام فحكم بخلافه ، وكل ذلك بطبيعة الحال بعد فراغ المصلي عن
صلاته ، لا حين الاشتغال بها كي يتجه الأمر بإعادة السورة خاصة ، فلا يمكن التدارك
بعد فرض وجود الخلل لترك البسملة عن السورة عمداً إلاّ بإعادة الصلاة رأساً كما لا
يخفى. ومنه تعرف ضعف احتمال عود الضمير إلى البسملة.
وبالجملة :
فالدلالة ظاهرة غير أنّ السند ضعيف كما عرفت ، فلا تصلح للاستدلال.
ومنها
: صحيحة الحلبي عن
أبي عبد الله عليهالسلام قال : « إذا افتتحت صلاتك بقل هو الله أحد وأنت تريد أن
تقرأ بغيرها فامض فيها ولا ترجع إلاّ أن تكون في يوم الجمعة فإنّك ترجع إلى الجمعة
والمنافقين منها » فإنّ الأمر بالمضي ظاهر في وجوب الإتيان بالسورة.
وفيه
: أنّها في مقام
بيان عدم جواز العدول من التوحيد إلى سورة أُخرى في غير يوم الجمعة ، لا في مقام
بيان وجوب السورة ، بل إنّ هذا الحكم ثابت حتى لو كانت مستحبة ، وأنّه لو شرع في
التوحيد لا يجوز له العدول إلى غيرها فالأمر بالمضي كناية عن عدم العدول لا عن أصل
الوجوب كما لا يخفى.
ومنها
: غير ذلك ممّا هو
ضعيف سنداً أو دلالة ، فلا حاجة للتعرض إليها. والعمدة منها ما ذكرناه أوّلاً مما
كانت قوية سنداً ودلالة.
__________________
وبإزائها روايات اخرى دلّت على عدم الوجوب وهي على طائفتين إحداهما
: ما دلّت على جواز الاقتصار على الحمد وعدم وجوب ضم السورة معه. والثانية : ما
دلّت على جواز التبعيض في السورة فيكفي بعضها ، ولا يجب الإتيان بسورة كاملة.
وهذه
الطائفة بمجردها لا تدل
على عدم الوجوب ، لجواز القول بأصل الوجوب في الجملة ، وإن جاز التبعيض فلا تدل
على جواز ترك القراءة رأساً إلاّ أن يتمم الاستدلال بها بما ادعاه شيخنا الأنصاري قدسسره من الإجماع على عدم الفصل وإنّ من قال بالوجوب يرى عدم
جواز التبعيض ، كما أنّ القائل بالجواز يرى عدم الوجوب ، فالقول بوجوب السورة
وجواز التبعيض خرق للإجماع المركب ، وحينئذ فجواز التبعيض الذي تضمنته هذه النصوص
يستلزم جواز ترك السورة رأساً فيصح الاستدلال بها.
أمّا
الطائفة الأُولى : فمنها صحيحة علي بن رئاب عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « سمعته يقول : إنّ فاتحة الكتاب تجوز وحدها في
الفريضة » . ونحوها صحيحة الحلبي عنه عليهالسلام « قال : إنّ فاتحة الكتاب تجزئ وحدها في الفريضة » .
هذا ، وربّما تحمل
الصحيحتان على صورة الاستعجال والضرورة ، جمعاً بينهما وبين صحيحة أُخرى للحلبي
وقد تقدّمت عن أبي عبد الله عليهالسلام « قال : لا بأس بأن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب
في الركعتين الأولتين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوف شيئاً » . فإنّ النسبة بين مفهوم هذه
__________________
الصحيحة وتينك
الصحيحتين نسبة الخاص إلى العام ، فيقيد إطلاقهما بهذه وتحملان على صورة العجلة
والضرورة.
وهذا كما ترى لا
يمكن المساعدة عليه وإن ذكره جمع من الأكابر منهم المحقق الهمداني وغيره ، إذ ليس هو في المقام من الجمع العرفي في شيء ، ضرورة أنّ حمل المطلق
على المقيد إنّما يصح فيما إذا أمكن إرادته منه وجاز صرف الإطلاق إليه ، لا في مثل
المقام ممّا يشبه الحمل على الفرد النادر ، فانّ موارد الاستعجال والخوف قليلة جدّاً ، فكيف يمكن إرادتها من الإطلاق.
وبالجملة
: ظاهر الصحيحتين
أنّ الإمام عليهالسلام في مقام بيان وظيفة المصلي بحسب طبعه الأوّلي ، لا بلحاظ
الطوارئ والعوارض الخارجية ، وإلاّ فبملاحظتها ربما تسقط الحمد أيضاً كما في ضيق
الوقت ، أو عدم التمكن من التعلم ونحو ذلك ، فلا وجه لقصر النظر في ذلك على السورة
فقط ، فهما كالصريح في جواز الاقتصار على الحمد وحده حتى في حال الاختيار ، فلا
مناص من حمل البأس في مفهوم هذه الصحيحة على الكراهة ، إذ الأمر دائر بين رفع اليد
عن ظهوره في المنع ، وبين ارتكاب التقييد في الأولتين بالحمل على الضرورة والعجلة
، ولا ريب أنّ الأوّل أولى ، لوجود المحذور في الثاني وعدم كونه من الجمع العرفي
كما عرفت ، فاستدلال صاحب المدارك بهاتين الصحيحتين
على عدم الوجوب في محله.
__________________
وقد
يجمع بينهما أيضاً :
بالحمل على التقية ، لموافقتهما لمذهب العامة .
وفيه
: أنّ الترجيح
بمخالفة العامة فرع استقرار المعارضة ، ولا تعارض بعد إمكان الجمع الدلالي والتوفيق العرفي بالحمل على الاستحباب كما عرفت ، فلا تصل النوبة إلى الحمل
على التقية.
وقد
يقال أيضاً : بأنّهما
مخالفتان للإجماع ، فتطرحان لعدم كونهما حجة حينئذ فلا تصلحان للمعارضة مع هذه
الصحيحة.
ويدفعه : أنّ
جمعاً من القدماء وجملة من المتأخرين ذهبوا إلى عدم وجوب السورة كما مرّ وستعرف ،
ومعه كيف يمكن دعوى الإجماع.
فالإنصاف : أنّ
دلالة الصحيحتين على عدم الوجوب كسندهما قوية.
ومنها
: صحيحة محمد بن
إسماعيل المتقدمة في أدلّة القائلين بالوجوب وقد عرفت أنّها
على عدم الوجوب أدلّ ، وأنّ ما حكاه صاحب الوسائل عن بعض المحققين في الدلالة على
الوجوب غير صحيح ، لعدم صلاحية السورة للمزاحمة مع القيام عند الدوران ، بل مفاد
الصحيحة أنّه يصلي على الراحلة مع الخوف ، وإلاّ فعلى الأرض ، وعلى التقديرين
فالصلاة مع السورة أحب ، والتعبير بكلمة « أحب » كالصريح في الاستحباب كما مرّ .
__________________
وأمّا
الطائفة الثانية : فهي عدة نصوص فيها المعتبرة وغيرها.
فمنها
: صحيحة علي بن
يقطين في حديث قال : « سألت أبا الحسن عليهالسلام عن تبعيض السورة ، فقال : أكره ولا بأس به في النافلة » دلّت على جواز التبعيض ، لا لظهور لفظ الكراهة في المعنى المصطلح ، فإنّه
اصطلاح حادث عند الفقهاء وغير معهود في لسان الأخبار ، ولم يستعمل فيها إلاّ في
المعنى اللغوي أعني المرجوحية المطلقة الظاهرة في التحريم لولا قيام الدليل على
الجواز ، بل من جهة إسناد الكراهة إلى نفسه بصيغة المتكلم ، ومقابلته لنفي البأس
عنه في النافلة ، فإنّه ظاهر في الكراهة الشخصية ، وأنّه عليهالسلام يجتنب عن ذلك لا أنّ الحكم كذلك في الشريعة المقدسة ، وإلاّ لقال عليهالسلام بدل « أكره » لا ، فإنّه أخصر وأظهر ، فالعدول عنه إلى هذه الكلمة ظاهر فيما
ذكرناه من إرادة الكراهة الشخصية المساوقة للمعنى الاصطلاحي الملازم للجواز كما لا
يخفى. نعم ، لو كان التعبير هكذا « يكره » أو « مكروه » كان ظاهراً في التحريم.
ومنها
: مرسلة أبان بن
عثمان عن أحدهما عليهماالسلام قال : « سألته هل تقسم السورة في ركعتين؟ قال : نعم ،
اقسمها كيف شئت » والدلالة ظاهرة غير أنّها ضعيفة السند بالإرسال.
ومنها
: صحيحة سعد
الأشعري عن الرضا عليهالسلام قال : « سألته عن رجل قرأ في ركعة الحمد ونصف سورة هل
يجزئه في الثانية أن لا يقرأ الحمد ويقرأ ما بقي من السورة؟ فقال : يقرأ الحمد ثم
يقرأ ما بقي من السورة » .
ومنها
: صحيحة زرارة قال
: « قلت لأبي جعفر عليهالسلام رجل قرأ
__________________
سورة في ركعة فغلط
، أيدع المكان الذي غلط فيه ويمضي في قراءته ، أو يدع تلك السورة ويتحول منها إلى
غيرها؟ فقال : كل ذلك لا بأس به وإن قرأ آية واحدة فشاء أن يركع بها ركع » .
ومنها
: صحيحة إسماعيل بن
فضل قال : « صلى بنا أبو عبد الله عليهالسلام أو أبو جعفر عليهالسلام فقرأ بفاتحة الكتاب وآخر سورة المائدة فلمّا سلّم التفت
إلينا فقال : أما إنّي أردت أن أُعلّمكم » .
وقد حملها المحقق
الهمداني على إرادة تعليم كيفية التقية ، وهو كما ترى ساقط
جدّاً ، ضرورة عدم احتياج التقية إلى التعليم ، بل يكتفى بمجرّد البيان وأنّ
السورة ساقطة لدى التقيّة ، والمجوّز للتبعيض على تقدير وجوب السورة الكاملة إنّما
هو نفس التقيّة وواقعها لا تعليمها كما لا يخفى ، فلا ينبغي الترديد في ظهور
الصحيحة في إرادة تعليم الوظيفة الواقعية من جواز ترك السورة الكاملة في الصلاة ،
وهو وإن كان مرجوحاً ومكروهاً في نفسه ، إلاّ أنّ في التعليم مصلحة غالبة على هذه
المنقصة تتدارك بها ، بل يكون راجحاً حينئذ وقد صدرت نظائر ذلك عن الأئمة : كثيراً كما لا
يخفى.
ومنها
: رواية سليمان بن
أبي عبد الله قال : « صليت خلف أبي جعفر عليهالسلام فقرأ بفاتحة الكتاب وآي من البقرة فجاء أبي فسئل فقال : يا
بنيّ إنّما صنع ذا ليفقّهكم ويعلّمكم » لكنها ضعيفة
السند ويجري فيها ما سبق آنفاً من الحمل على التقيّة مع جوابه.
__________________
ومنها
: رواية أبي بصير
عن أبي عبد الله عليهالسلام « أنه سئل عن السورة أيصلي بها الرجل في ركعتين من الفريضة؟
قال : نعم ، إذا كانت ست آيات قرأ بالنصف منها في الركعة الأُولى ، والنصف الآخر
في الركعة الثانية » وهي وإن كانت ضعيفة السند أيضاً ، لكنّها ظاهرة الدلالة
على المطلوب.
ومنها
: رواية عمر بن
يزيد قال : « قلت لأبي عبد الله عليهالسلام أيقرأ الرجل السورة الواحدة في الركعتين من الفريضة؟ قال :
لا بأس إذا كانت أكثر من ثلاث آيات » .
وحملها على إرادة
التكرّر من جنس واحد بأن يأتي بفردين من سورة واحدة في ركعتين خلاف الظاهر جدّاً ،
بل هو مناف للتقييد بأكثر من ثلاث آيات ، إذ لا يظهر وجه للتقييد على هذا التقدير
كما لا يخفى ، بل المراد توزيع السورة الواحدة بقراءة بعضها في الركعة الأُولى ،
والباقي في الثانية ، فهي بحسب المدلول تطابق الرواية السابقة.
ومنها
: صحيحة الحلبي
والكناني وأبي بصير كلّهم عن أبي عبد الله عليهالسلام « في الرجل يقرأ في المكتوبة بنصف السورة ثم ينسى فيأخذ في
أُخرى حتى يفرغ منها ثم يذكر قبل أن يركع ، قال : يركع ولا يضره » فإنّها ناظرة إلى من شرع في سورة ثم في أثنائها انتقل غفلة إلى سورة اخرى ،
إمّا لمشابهة بعض آيات السورتين كما قد يتفق كثيراً أو لغير ذلك ، فقرأ الصدر من
سورة والذيل من سورة أُخرى ثم تذكر ذلك قبل الركوع ، فحكمه عليهالسلام بالركوع وأنّه لا يضرّه ، مع أنّه لم يقرأ سورة تامّة يدل على جواز التبعيض
__________________
وحملها على نسيان
الباقي من السورة التي بيده والانتقال إلى سورة أُخرى تامّة بعيد جدّاً ، إذ
ظاهرها أنّ الأخذ في الأُخرى مستند إلى النسيان ومبني عليه كما هو مقتضى فاء
التفريع في قوله « فيأخذ ».
ويبعّده أيضاً :
قوله : « حتى يفرغ منها » الظاهر بضميمة قوله « ثم يذكر » في استمرار النسيان
والذهول عن الانتقال إلى الفراغ من السورة ، فإنّه لا يلائم إلاّ مع المعنى الذي
ذكرناه كما لا يخفى.
ومنها
: صحيحة علي بن
جعفر قال : « سألته عن الرجل يفتتح سورة فيقرأ بعضها ثم يخطئ ويأخذ في غيرها حتى
يختمها ثم يعلم أنّه قد أخطأ ، هل له أن يرجع في الذي افتتح وإن كان قد ركع وسجد؟
قال : إن كان لم يركع فليرجع إن أحبّ ، وإن ركع فليمض » فإنّها ظاهرة في المعنى الذي قدّمناه. وقوله عليهالسلام « إن أحب » كالصريح في جواز التبعيض كما لا يخفى.
هذه مجموع
الروايات التي استدلّ بها على عدم الوجوب من كلا النوعين. أعني ما كان صريحاً فيه
، وما دلّ على جواز التبعيض المستلزم لذلك بالتقريب المتقدم ، ومقتضى الجمع العرفي
بينها وبين الطائفة التي ذكرناها أوّلاً ممّا كان ظاهراً في الوجوب ، هو الحمل على
الاستحباب كما هو مقتضى الصناعة في جميع الأبواب من رفع اليد عن ظهور أحد الدليلين
بصراحة الآخر ، فانّ الطائفة السابقة ظاهرة في الوجوب ، وهذه صريحة في الجواز ،
فيرفع اليد عن ظهور
__________________
تلك بصراحة هذه
وتحمل على الاستحباب ، إلاّ أنّه ربما يناقش في ذلك في خصوص المقام من وجهين :
أحدهما
: سقوط الطائفة
الثانية عن الحجية باعراض المشهور عنها ، فلا تصلح للمعارضة مع الطائفة الأُولى
الظاهرة في الوجوب.
وفيه
أوّلاً : ما ذكرناه في
الأُصول من منع الكبرى ، وأنّ الإعراض لا يسقط الصحيح عن الحجية ، كما أنّ العمل
لا ينجبر به الضعف .
وثانياً
: على تقدير
التسليم فالصغرى ممنوعة ، فانّ الإعراض إنّما يورث الوهن لكشفه عن خلل في السند
فلا يوثق بصدوره ، ولذا قيل كلما ازداد صحة ازداد بالإعراض وهناً وبعداً. ولا
ينبغي الريب في حصول الوثوق بصدور جملة من هذه الأخبار ، كيف وهي من الكثرة بمكان
تتجاوز حدّ الاستفاضة ، ورواة أكثرها من أعاظم الأصحاب كزرارة ومحمد بن مسلم
وأضرابهما. وقد ضبطها أرباب الحديث في مجاميعهم ، بل قد أفتى جم غفير من أساطين
الأعلام بمضمونها من القدماء والمتأخرين ، كالشيخ في النهاية ، والعلاّمة في المنتهي والمحقق في المعتبر ، والديلمي في
المراسم ، وكذا ابن أبي عقيل والإسكافي وقواه في
__________________
التنقيح ، واختاره في المدارك والسبزواري في الذخيرة والكفاية وصاحب المفاتيح وغيرهم.
نعم ، القول
بالوجوب أكثر وأشهر ، ولكن القائل بالعدم أيضاً كثير كما عرفت ، ومعه كيف يمكن
دعوى الوثوق بعدم صدور هذه الأخبار وهي بمرأى منهم ومسمع ، بل إنّ النفس تطمئن
بصدور جملة منها فضلاً عن الوثوق به كما لا يخفى. والإعراض إنّما يوجب الوهن لو
كانت الرواية واحدة أو اثنتين ممّا يوجب سلب الوثوق بالصدور لكشفه عن خلل في السند
كما مرّ ، لا ما إذا كانت بهذه المثابة من الكثرة.
ثانيهما
: أنّها موافقة لغير
مذهبنا فتحمل على التقية.
ويردّه
: ما هو المقرّر في
محلّه من أنّ الترجيح بالجهة فرع استقرار المعارضة المتوقف على امتناع الجمع
الدلالي ، وهو ممكن في المقام بالحمل على الاستحباب الذي به يحصل
التوفيق العرفي بين الطائفتين كما هو المطرد في جميع الأبواب فلا تصل النوبة إلى
الترجيح المزبور ، ولذا لو أغضينا النظر عن موافقة الجمهور لإحدى الطائفتين ، وعن
ذهاب المشهور إلى الأُخرى ، وقصرنا النظر على نفس مدلولهما فحسب ، لجمعنا بينهما
بالحمل على الاستحباب بلا ارتياب كما هو الحال في سائر الأبواب.
فالإنصاف
: أنّ المناقشتين
ضعيفتان ، ومقتضى الصناعة هو الالتزام باستحباب
__________________
إلاّ في المرض
والاستعجال فيجوز الاقتصار على الحمد ، وإلاّ في ضيق الوقت أو الخوف
ونحوهما من أفراد الضرورة ، فيجب الاقتصار عليها وترك السورة.
______________________________________________________
السورة ، إلاّ
أنّه مع ذلك كلّه ففي النفس منه شيء ، والجزم به مشكل جدّاً لمخالفته مع الشهرة
الفتوائية والإجماعات المنقولة على الوجوب كما تقدّمت من أعاظم الأصحاب وقد عرفت قوة الاشتهار به سيّما بين المتأخرين ، بل كادت
تبلغ الإجماع لديهم كما مرّ ، وليس من الهيّن رفضها وعدم الاعتناء بها فالمسألة لا
تخلو عن الاشكال ، ولا نجد في المقام أجدر من التوقف والاحتياط الذي هو سبيل
النجاة وحسن على كل حال ، والله سبحانه أعلم.
(١) بناءً على
وجوب السورة كما هو الأحوط على ما عرفت ، فلا ريب في سقوطها في موارد :
منها
: المأموم المسبوق
إذا خاف عدم إدراك الإمام في الركوع ، ويدلُّ على السقوط فيه صحيحة زرارة المتقدمة
في أدلة القول بالوجوب .
وهذا لا إشكال فيه
كما لا خلاف ، إنّما الكلام في أنّ السقوط هل هو على وجه العزيمة أو الرخصة؟
الظاهر هو الأوّل
، بل لا ينبغي الريب فيه ، لمنافاة القراءة مع المتابعة الواجبة سواء أكان وجوبها
شرطيّاً كما هو المختار أم نفسياً كما عليه الماتن ، فالإتيان بها إمّا موجب للإثم
، أو مخلّ بشرط الجماعة وعلى التقديرين فهي ليست جزءاً من الصلاة ، نعم بناءً على
جواز العدول إلى الفرادى في الأثناء فالسقوط رخصة فيجوز له الإتيان بها بقصد
الجزئية بعد تحقق القصد المزبور المرخّص فيه. وتمام
__________________
الكلام في مبحث
الجماعة إن شاء الله تعالى.
ومنها
: حال المرض ، ولا
إشكال أيضاً في السقوط فيه ، للتصريح به في صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة : «
يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة بفاتحة الكتاب وحدها » .
إنّما الكلام في
جهتين : إحداهما : أنّ السقوط هل هو على وجه الرخصة أو العزيمة؟
الظاهر هو الثاني
فيما لو أراد الإتيان بها بقصد الجزئية ، لمنافاة الجزئية مع فرض السقوط ، فمع
الالتزام بسقوطها حال المرض كما تضمنه الصحيح المتقدم لا يعقل أن يكون جزءاً في
هذا الحال ، فانّ الجزء ما يتقوّم به المأمور به ولا يسوغ تركه لانتفاء المركّب
بفقده ، فكيف يجتمع ذلك مع الحكم بالسقوط المستلزم لجواز الترك ، وعليه فالإتيان
بها بقصد الجزئية تشريع محرّم ، فيكون سقوطها على وجه العزيمة لا محالة.
نعم ، لو أُريد
بها قصد القرآن دون الجزئية ، أو أتى بها بعنوان الجزء المستحب كما عبّر به في
كلماتهم ، المبني على ضرب من التوسع والمسامحة كما لا يخفى ، كان السقوط حينئذ على
وجه الرخصة ، والوجه فيه ظاهر.
الثانية
: هل السقوط في هذا
الحال يختص بحصول المشقة في فعلها فلا سقوط بدونها أو لا؟ ظاهر جمع منهم المحقق
الهمداني قدسسره الأوّل ، وعلله قدسسره بأنّ ذلك مقتضى مناسبة الحكم والموضوع .
أقول
: قد يكون الأمر
كذلك في بادئ النظر ، لكن الظاهر خلافه ، إذ المريض
__________________
بأيّ مرحلة فرضناه
حتى المصلي مستلقياً لا مشقة عليه غالباً في التكلم بسورة يسيرة كالتوحيد مثلاً
سيّما مع عدم احتياجه إلى مئونة الإسماع ، لعدم كون المخاطب من البشر. نعم ، ربما
يفرض شدّة المرض بمثابة يشق عليه ذلك أيضاً لاقترانه بثقل في لسانه ، أو استيلاء
المرض شديداً بحيث يصعب عليه حتى تلك التلاوة اليسيرة ، لكنه فرض نادر جدّاً لا يمكن حمل الإطلاق عليه ، فالأقوى في النظر تعميم السقوط لصورتي المشقة
وعدمها ، عملاً بإطلاق الدليل بعد امتناع حمله على الفرد النادر ، ومن الجائز أن
تكون الصحة دخيلة في ملاك الوجوب كما يقتضيه الإطلاق ، لكن الاحتياط لا ينبغي
تركه.
ومنها
: موارد الاستعجال
والخوف ، ويدلُّ على السقوط فيهما صريحاً صحيح الحلبي المتقدم : « لا بأس بأن يقرأ
الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين الأولتين إذا ما أعجلت به حاجة أو
تخوّف شيئاً » .
والكلام هنا من
حيث كون السقوط على وجه الرخصة أو العزيمة ، وأنّ الحكم يختص بحال المشقة أم لا ،
هو الكلام فيما تقدّم في المريض حرفاً بحرف ، فهو على وجه العزيمة مع قصد الجزئية
، وعلى وجه الرخصة بقصد القرآن ، كما أنّه يعم صورتي المشقة وعدمها عملاً بإطلاق
النص ، إذ فرض بلوغ العجلة والخوف مثابة يشق عليه التأخير حتى بمقدار قراءة سورتين
قصيرتين لا يستوجبان من الزمان أكثر من دقيقة واحدة بل أقل ، فرض نادر جدّاً لا
يمكن حمل الإطلاق
__________________
عليه كما مرّ.
ثم
إنّ السقوط بمجرد
الاستعجال العرفي وإن لم يبلغ حدّ المشقة لا ينافي أصل الوجوب ، كما ربما يتوهم ،
إذ لا غرابة في ذلك بعد مساعدة الدليل ، ومن الجائز أن يختص ملاك الوجوب بغير صورة
العجلة ، وقد وقع نظيره في القصر والإتمام فالركعتان الأخيرتان من الرباعية تسقطان
لدى السفر وإن كان السفر باختياره ولم تكن حاجة تدعو إليه ولا مشقة في صلاة
المسافر تاماً ، فكما أنّ ملاك وجوب التمام مقيّد بعدم السفر سواء أكانت هناك مشقة
أم لا ، فليكن ملاك وجوب السورة أيضاً مقيداً بعدم العجلة من غير فرق بين المشقة
وعدمها.
ومنها
: ضيق الوقت ، ولا
خلاف أيضاً في سقوطها به. وتفصيل الكلام أنّه قد يفرض الضيق بالنسبة إلى مجموع
الصلاة فلا يمكنه درك تمام الصلاة في الوقت مع القراءة ، وأُخرى يفرض بالنسبة إلى
الركعة الواحدة ، فلو قرأ السورة لا يدرك من الوقت حتى مقدار الركعة الواحدة.
أمّا
في الصورة الاولى : فلا محالة تقع المعارضة بين دليل الوقت وبين دليل وجوب السورة ، وحيث إنّ
الدليل الأوّل له إطلاق يعم حال التمكن من السورة وعدمه ، كقوله تعالى ( أَقِمِ
الصَّلاةَ لِدُلُوكِ ... ) إلخ وقوله عليهالسلام : « إذا زالت الشمس فقد وجبت الصلاتان إلاّ أنّ هذه قبل
هذه ، ثم إنّك في سعة منهما حتى تغيب الشمس ... » إلخ وليس كذلك الثاني ، إذ ليس في أدلّة السورة ما يتضمن إطلاقاً يصح التعويل
عليه ، فانّ عمدتها مفهوم صحيحة الحلبي المتقدمة ولا ريب أنّها ناظرة إلى المتمكن من السورة وأنّه في فرض التمكّن
__________________
تجب إن لم تكن
عجلة وإلاّ فتسقط ، فلا إطلاق لها لغير المتمكن كي تعمّ المقام وكذا الحال في
صحيحة عبد الله بن سنان ومعاوية بن عمار وغيرهما فإنّها
بأجمعها ناظرة إلى صورة التمكّن. وعليه فلا مناص من تقديم الدليل الأوّل فتسقط
السورة حينئذ لعدم التمكّن منها بعد وجوب مراعاة الوقت ، بل إنّ سقوطها على وجه
العزيمة أيضاً ، فليس له الإتيان بالسورة ، لاستلزامه التعجيز الاختياري بالنسبة
إلى الوقت الأوّلي الذي هو محرّم عقلاً ، ولا مجال للتمسك بدليل من أدرك في مثل
ذلك كما لا يخفى.
وأمّا
في الصورة الثانية : فقد يقال إنّ الحال أيضاً كذلك ، فانّ وجوب مراعاة الوقت الاختياري ساقط
بالعجز حسب الفرض ، وبما أنّه متمكن من إدراك الركعة فتنتقل الوظيفة إلى مراعاة
الوقت الثانوي الذي هو بدل اضطراري فهو مكلف بالصلاة في الوقت بعد ملاحظة دليل
التوسعة ، فتقع المعارضة حينئذ بين هذا الدليل وبين دليل وجوب السورة ، وحيث إنّ
الثاني لا إطلاق له يعمّ المقام كما مرّ بخلاف الأوّل ، فيتقدم فيجب إدراك الركعة
وإن استلزم ترك السورة لقصور دليلها عن إثبات الوجوب في الفرض.
وفيه
: أنّ دليل وجوب
السورة وإن لم يكن له إطلاق كما ذكر ، إلاّ أنّه لا مجال للتمسك بدليل من أدرك
أيضاً ، فإنّه يشبه التمسك بالعام في الشبهة المصداقية إذ الدليل يختص لا محالة
بالمتمكن من إدراك الركعة ، وصدقه في المقام يتوقف على عدم وجوب السورة كي لا تكون
دخيلة في الركعة التامة ، مع أنّه بعد أوّل الكلام ، إذ من الجائز وجوبها واقعاً
وإن كان الدليل عليه في مرحلة الإثبات قاصراً ، ومع احتمال الدخل كيف يمكن التمسك
بإطلاق من أدرك ، ومن
__________________
المعلوم عدم تعرض
هذا الدليل لمصداق الركعة والأجزاء المعتبرة فيها ، وهل التمسك به إلاّ من قبيل
التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.
وبالجملة
: كما لا إطلاق
لدليل السورة ، لا إطلاق لدليل الوقت أيضاً فتوجّه التكليف إليه بالصلاة في الوقت
مشكوك من أصله ، لاحتمال سقوطها عنه والانتقال إلى القضاء ، كما في فاقد الطهورين
، وحينئذ قد يبدو في النظر ما احتمله المحقق الهمداني من لزوم الجمع بين الأداء
والقضاء ، عملاً بالعلم الإجمالي بوجوب أحدهما ، لكن الأقوى
تعيّن الأداء ، فيأتي بركعة خالية عن السورة في الوقت ويتم الصلاة خارجه ، ولا
حاجة إلى القضاء وذلك نتيجة الجمع بين أُمور ثلاثة :
أحدها
: ما دلّ على عدم
سقوط الصلاة بحال ، من الإجماع والضرورة وخصوص صحيحة زرارة الواردة في المستحاضة
من قوله عليهالسلام « فإنّها لا تدع الصلاة بحال » كما مرّ التعرض لها غير مرّة.
ثانيها
: ما هو المعلوم من
عدم كون السورة ولو قلنا بوجوبها من مقوّمات الصلاة وأركانها ، وعدم دخلها في
حقيقتها وماهيتها ، فيصدق اسمها على الفاقد لها بالضرورة ، بل يظهر من حديث
التثليث أنّ قوامها بالطهور والركوع والسجود ، فصدق الصلاة كصدق الركعة لا يتوقف
على الاشتمال على السورة قطعاً ، فيشملها دليل عدم سقوط الصلاة بحال.
ونتيجة هذين
الأمرين أنّ من تمكن من الصلاة في الوقت وإن كانت فاقدة السورة وجبت ، وبعد ضمهما
إلى الأمر الثالث وهو حديث من أدرك ، الموجب لاتساع الوقت ، ينتج ما ذكرناه من
وجوب الصلاة فعلاً ، والتكليف نحوها
__________________
ولا يجوز تقديمها
عليها .
______________________________________________________
بإيقاع ركعة وإن
خلت عن السورة في الوقت وإتمامها خارجه واحتسابها أداءً.
أمّا صدق الصلاة
فبمقتضى الأمر الثاني ، وأمّا وجوبها فبمقتضى الأمر الأوّل ، وأمّا كونها في الوقت
فللأمر الثالث ، لما عرفت من أنّ صدق الركعة لا يتوقف على الاشتمال على السورة ،
فلا مجال للتأمل في شمول الحديث للمقام وليس ذلك من التمسك بالعام في الشبهة
المصداقية في شيء ، ومع ذلك فالاحتياط بضم القضاء لا ينبغي تركه.
(١) اتفق الفقهاء
على وجوب تقديم الحمد على السورة ، فلو خالف الترتيب عمداً بطل ، وهذا ممّا لا
خلاف فيه فتوى ، إنّما الكلام في مستنده.
فقد استدل له
بسيرة المسلمين والتابعين ، بل المعصومين أنفسهم : فانّ المعهود عنهم خلفاً عن سلف مراعاة الترتيب.
وفيه
: أنّ فعلهم : لا يدل على
الوجوب. ومنه يظهر الحال في السيرة فإنّها لا تكشف إلاّ عن أصل الجواز ، وغاية ما
يترتب على المواظبة والاستدامة منهم على عمل إنّما هو رجحانه واستحبابه دون الوجوب
، إذ كثيراً ما نرى استمرارهم واهتمامهم بالنسبة إلى الأُمور المستحبة كما لا
يخفى.
واستدلّ له في المستند : بصحيحة محمد بن
مسلم المتقدمة راوياً لها « يبدأ » بدل « يقرأ » لكن الموجود في
الوسائل والحدائق « يقرأ » كما تقدم
__________________
فلو قدّمها عمداً
بطلت الصلاة للزيادة العمدية إن قرأها ثانياً ، وعكس الترتيب الواجب إن لم يقرأها .
______________________________________________________
والظاهر أنّه
الصحيح ، ولا أقل من اختلاف النسخ وعدم الوثوق بالصحيح منها ،
فتسقط عن الاستدلال.
ويظهر من الجواهر
أنّ النسخة التي عنده كانت « يبدأ » أيضاً كما في المستند لتعبيره بروايات البدأة
بصيغة الجمع ، مع أنّها ليست إلاّ اثنتين كما ستعرف فلولا أنّه قدسسره يرى أنّ الصحيحة
ثالثة لهما لم يحسن منه التعبير المزبور.
وكيف
كان ، فالأولى
الاستدلال عليه بصحيحة حماد ، حيث تضمنت تقديم الحمد على السورة بضميمة قوله عليهالسلام في الذيل « يا حماد هكذا صلّ » الظاهر في الوجوب. وبموثقة سماعة قال : «
سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب إلى أن قال فليقرأها ما دام لم
يركع ، فإنّه لا قراءة حتى يبدأ بها في جهر أو إخفات » .
وبخبر الفضل بن
شاذان المشتمل على التصريح بالبدأة بالحمد لكنه ضعيف السند
، لضعف طريق الصدوق إلى الفضل ، فلا يصلح إلاّ للتأييد. والعمدة ما عرفت من صحيحة
حماد والموثقة ، فلا إشكال في الحكم.
(١) الإخلال
بالترتيب تارة يكون عن عمدٍ ، وأُخرى عن سهو.
__________________
أمّا في صورة العمد
، فتارة يأتي بالسورة قبل الحمد بقصد الجزئية ، وأُخرى بقصد الوظيفة الشرعية ،
وثالثة بقصد القرآن أو مطلق الذكر.
لا ريب في البطلان
في الصورة
الأُولى ، للزوم الزيادة
العمدية المبطلة بمجرّد الشروع في السورة قاصداً بها الجزئية ، سواء أتداركها بعد
ذلك وأتى بها بعد الحمد ثانياً أم لا ، فانّ قوام الزيادة بالإتيان بشيء بقصد
الجزئية ولم يكن بجزء واقعاً ، وهذا العنوان صادق من أوّل الأمر ، ولا يناط ذلك
بالإتيان بالوجود الثاني من الطبيعة كما يظهر من المتن وغيره ، بل الحال كذلك حتى
لو قلنا باستحباب السورة ، لعدم الفرق في صدق الزيادة بالمعنى المتقدم بين الوجوب
والاستحباب ، كما لو قنت في الركعة الأُولى بقصد الجزئية.
ولو لم يتم ما
ذكرناه من صدق الزيادة من الأوّل ، وتوقف صدقها على الإتيان بالوجود الثاني كما
ذكره في المتن ، لم يكن وجه للحكم بالبطلان في المقام إذ المستفاد من أدلة الزيادة
أنّ المبطل منها إنّما هو إحداث الزائد لا إحداث صفة الزيادة لما سبق ، فلا يتحقق
البطلان إلاّ إذا أوجد الزائد متصفاً من أوّل حدوثه بصفة الزيادة ، كما لو أتى بعد
الانتهاء عن الجزء المأمور به بفرد ثانٍ من الطبيعة ، وأمّا إذا ارتكب عملاً أوجب
اتصاف السابق بالزيادة كما في المقام فلا دليل على البطلان. ولذا لو شرع في بعض
كلمات الآية وقبل استكمالها بدا له في العدول لداع من الدواعي فرفع اليد عنها ثم
استأنفها كما لو قال : أيا ثم قال : إياك نعبد لا يحكم بالبطلان ، لأنّه أحدث صفة
الزيادة للسابق ، لا أنّه أحدث الزائد.
وبالجملة : فتعليل
الحكم بالبطلان في المقام بلزوم الزيادة العمدية إن قرأها ثانياً وعكس الترتيب
الواجب إن لم يقرأها كما فعله في المتن غير وجيه ، بل الصحيح تعليله بلزوم الزيادة
العمدية من أوّل الأمر ، سواء قرأها بعد ذلك أم لا كما عرفت.
وأمّا
الصورة الثانية : أعني ما لو قدّم السورة بعنوان الاستحباب والوظيفة الشرعية دون أن يقصد بها
الجزئية ، فأدلة الزيادة العمدية غير شاملة لمثل ذلك ، لما عرفت من تقوّمها بقصد
الجزئية المنفي في الفرض ، فلا بطلان من هذه الجهة. نعم ، هو تشريع محرّم كما لو
قنت في الركعة الأُولى بقصد الوظيفة الشرعية.
وهل يوجب ذلك
البطلان في المقام؟ تقدم الكلام حوله سابقاً ، وقلنا إنّه قد
يقال به بدعوى عدم شمول ما دلّ على نفي البأس من قراءة القرآن في الصلاة لمثله ،
لانصرافه إلى القراءة المحللة دون المحرّمة ، فيندرج ذلك تحت عمومات مبطلية التكلم
في الصلاة.
وفيه
: ما عرفت من أنّ
المبطل خصوص كلام الآدمي لا مطلق الكلام والقراءة المزبورة لا تخرج بالحرمة عن
القرآنية حتى تندرج في كلام الآدمي فهو قرآن محرّم كقراءة سور العزائم المحرّمة
على الجنب والحائض ، وليس من كلام الآدمي في شيء.
وبالجملة : أدلة
استحباب القراءة وإن لم تشمل هذا الفرد إلاّ أنّ أدلة مبطلية الكلام أيضاً غير
شاملة له ، والمرجع في مثله أدلة البراءة عن المانعية.
فالأقوى في هذه الصورة عدم البطلان وإن كان آثماً ، فيأتي بالسورة
بقصد الجزئية بعد الحمد ، ومعه يحصل الترتيب.
وأمّا
الصورة الثالثة : أعني ما لو قدّم السورة لا بقصد الجزئية ولا الوظيفة الشرعية ، بل بقصد
القرآن ، فلا وجه حينئذ للبطلان إلاّ إذا بنينا على حرمة القرآن بين السورتين ،
وعمّمناه لمثل المقام ممّا وقع فيه الفصل بين السورتين بالحمد كما ربّما يؤيده
إطلاق قوله عليهالسلام في صحيحة منصور المتقدمة : « لا تقرأ
__________________
ولو قدّمها سهواً
وتذكّر قبل الركوع أعادها بعد الحمد أو أعاد غيرها ولا يجب عليه إعادة الحمد إذا
كان قد قرأها .
______________________________________________________
في المكتوبة بأقل
من سورة ولا بأكثر » ، الشامل لصورتي الفصل والوصل وعمّمناه أيضاً لإعادة
السورة نفسها لو أُعيدت نفسها في المقام.
إلاّ أنّك ستعرف
إن شاء الله تعالى في محلّه أنّ الأقوى كراهة القرآن لا حرمته وأمّا التعميم
الأوّل فلا يخلو عن وجه دون الثاني ، وتمام الكلام في محله ، فالأظهر عدم البطلان.
(١) تقدّم الكلام
في الإخلال العمدي بالترتيب ، وأمّا لو أخلّ به سهواً فان كان التذكّر بعد الدخول
في الركوع فلا شيء عليه ، لمضي محل القراءة المعتبر فيها الترتيب ، فيشملها حديث
لا تعاد ، لعدم كون الترتيب من الخمسة المُستثناة وهذا واضح.
وإن كان قبل
الدخول في الركوع ، فقد يكون التذكّر أثناء السورة ، وأُخرى بعد الفراغ منها ،
وثالثة بعد الدخول في الحمد ، سواء تذكّر أثناءها أم بعد الفراغ منها.
أمّا
الأوّل : فلا إشكال في
الصحة ، فإنّ ما تقدم من السورة زيادة سهوية غير مبطلة ، فيأتي بالحمد وبعده
بالسورة وهذا ظاهر.
وأمّا
الثاني : فمقتضى القاعدة
لزوم إعادة السورة بعد الحمد ، فانّ السورة المأتي بها حيث لم تقع على وجهها
لمخالفة الترتيب فهي كالعدم ، وقد عرفت أنّ
__________________
الزيادة السهوية
غير مبطلة ، ومقتضى إطلاق أدلّة الترتيب بعد فرض بقاء المحل وجوب إعادة السورة بعد
الحمد وعدم الاكتفاء بما سبق ، إذ لا دليل على سقوط السورة حينئذ.
إلاّ أنّ في
المقام رواية ربما يظهر منها الاجتزاء بما سبق ، فلا يجب عليه إلاّ الحمد فقط ،
فكأنّ الترتيب شرط ذكرى يسقط لدى السهو ، وهي رواية علي ابن جعفر قال : « سألته عن
رجل افتتح الصلاة فقرأ سورة قبل فاتحة الكتاب ثم ذكر بعد ما فرغ من السورة قال :
يمضي في صلاته ويقرأ فاتحة الكتاب فيما يستقبل » .
وحملها صاحب الوسائل على من تذكّر بعد الركوع ، وهو كما ترى ،
لكونه مخالفاً لما لعله يقرب من صريح الرواية لقوله « ثم ذكر بعد ما فرغ من السورة
» فإنّه كالصريح في كون التذكّر قبل الدخول في الركوع ، بل قبل الشروع في الفاتحة.
وأجاب في الجواهر : بأنّ ظاهرها
قراءة الفاتحة فيما يستقبل من الركعات بدلاً عن هذه الركعة ، وهو مخالف للإجماع ،
فظاهرها غير ممكن الأخذ ، والتأويل لا شاهد عليه فتطرح.
وفيه
: ما لا يخفى ،
فانّ قوله عليهالسلام « فيما يستقبل » غير ظاهر في إرادة الركعات الآتية كي
يخالف الإجماع ، بل ظاهره ما يستقبله في الآن اللاّحق للتذكر وفي نفس هذه الركعة ،
فيمضي في صلاته ويأتي بالفاتحة حسب ما تقتضيه الوظيفة الفعلية ، لبقاء محلها ما لم
يركع ، فغايته سقوط رعاية الترتيب لا سقوط الفاتحة عن هذه الركعة.
وقد
يقال : إنّها ظاهرة في
إرادة المضي في الصلاة والإتيان بالفاتحة ، وبعدها
__________________
بالسورة حسبما
تقتضيه الوظيفة من مراعاة الترتيب بينهما ، فلا دلالة فيها على سقوط السورة
والاجتزاء بما سبق كي تخالف القاعدة.
وفيه
: أنّ هذا أيضاً
خلاف الظاهر وبعيد عن سياقها جدّاً ، فانّ ظاهرها الاقتصار على الحمد فحسب كما لا
يخفى.
فالإنصاف
: أنّ دلالة
الرواية على الاجتزاء بما سبق من السورة قوية ، لكنّ الذي يهوّن الخطب أنّها ضعيفة
السند لمكان عبد الله بن الحسن ، فلا يمكن الاعتماد عليها في الخروج عمّا تقتضيه
القاعدة من لزوم إعادة السورة محافظة على الترتيب.
وأمّا
الثالث : أعني ما لو كان
التذكّر بعد الدخول في الحمد ، أمّا أثناءها ، أو بعد الفراغ منها ما لم يركع ،
فلا ريب في وجوب إعادة السورة ، لعدم وقوعها على وجهها ، فيعيدها أو يأتي بسورة
أُخرى ، وهل تجب إعادة الحمد أيضاً قبلها أو يقتصر على إعادة السورة؟
قد
يقال بالأوّل : بل ربما يستظهر ذلك من كل من عبّر باستئناف القراءة وربما يعلل بأنّ مراعاة
الترتيب كما تقتضي تأخير السورة كذلك تقتضي تقديم الفاتحة وأن لا يتقدمها سورة ،
فكما أنّ السورة المتقدمة باطلة فكذا الفاتحة المتأخرة ، للزوم كون البدأة بها ،
وحيث إنّ المفروض كون الفاتحة مسبوقة بالسورة فلا يمكن الاجتزاء بها ، بل لا بدّ
من إعادتهما معاً فيجب استئناف الفاتحة ثم السورة بعدها.
وفيه
: أنّ المستفاد من
أدلة اعتبار الترتيب ليس إلاّ عدم مسبوقية الفاتحة بالسورة المأمور بها ، لا عدم
المسبوقية بطبيعي السورة وإن لم تكن مصداقاً للمأمور به ، وفي المقام ما هو السابق
ليس بمأمور به لوقوعه سهواً ، وما هو المأمور به متأخر عنه ، فليس تقدم مطلق
السورة ولو لم تكن مصداقاً للمأمور به بل مشابهاً له قادحاً في مراعاة الترتيب
ومخلاً بصدق البدأة بالفاتحة.
[١٤٩٣]
مسألة ١ : القراءة ليست
ركناً فلو تركها وتذكّر بعد الدخول في الركوع صحت الصلاة وسجد سجدتي السهو مرّتين مرّة للحمد ومرّة
للسورة ، وكذا إن ترك إحداهما وتذكّر بعد الدخول في الركوع صحّت الصّلاة وسجد
سجدتي السهو ،
______________________________________________________
ثم لو تنازلنا
وشككنا في مانعية السورة المشابهة ، بأن احتملنا اعتبار عدم سبق طبيعي السورة ،
فيكفي في رفع هذا الاحتمال إطلاق أدلة البدأة بالحمد وعلى فرض عدم ثبوت مثل هذا
الإطلاق فتكفينا أصالة البراءة عن مانعية السورة المشابهة السابقة على الحمد.
هذا ، ولو بنينا
على ثبوت المانعية فمقتضاها بطلان الصلاة رأساً لا إعادة الفاتحة فحسب ، لعدم حصول
التدارك بذلك ، إذ مهما أعادها فهي لا محالة مسبوقة بطبيعي السورة ، فلا يمكن
الإتيان بفاتحة غير مسبوقة بالسورة كما هو ظاهر.
ونظير المقام ما
لو سها فقدّم الصلاة على النبي وآله على التشهد ثم تذكّر فإنّه لا ريب في عدم
الحاجة إلى إعادة التشهد ثم الصلاة بل يقتصر على الإتيان بها عقيب التشهد المأتي
به ، والسر هو ما عرفت من أنّه إنّما يعتبر في التشهد أن لا يكون مسبوقاً بالصلاة
المأمور بها دون طبيعيّها كي لا يصح الاجتزاء بالتشهد المأتي به.
(١) بلا خلاف ولا
إشكال وإن كان ظاهر بعض النصوص هو الركنية كصحيح محمد بن مسلم وموثق سماعة المتقدمين الدالّين على أنّه لا صلاة إلاّ بفاتحة
__________________
الكتاب ، إلاّ
أنّه لا بدّ من رفع اليد من ظاهرهما وحملهما على فرض تعمد الترك ،
وذلك لجملة من
الروايات المعتبرة الدالّة على أنّ القراءة سنّة ومن نسي السنّة فلا شيء عليه ،
كصحيح زرارة عن أحدهما عليهماالسلام « قال : إنّ الله تبارك وتعالى فرض الركوع والسجود ،
والقراءة سنّة ، فمن ترك القراءة متعمداً أعاد الصلاة ، ومن نسي فلا شيء عليه » وصحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهالسلام قال : « سألته عمّن ترك قراءة القرآن ما حاله؟ قال : إن
كان متعمداً فلا صلاة له ، وإن كان نسي فلا بأس » . وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام أنّه « قال : لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور ،
والوقت ، والقبلة ، والركوع ، والسجود ، ثم قال : القراءة سنّة ، والتشهد سنّة ،
ولا تنقض السنّة الفريضة » .
إلى غير ذلك من
الروايات التي تفسّر الطائفة الاولى من الأخبار وتوجب حملها على فرض العمد ، فعدم
الركنية ممّا لا إشكال فيه. وعليه فلو تركها سهواً وتذكّر بعد الدخول في الركوع
صحت صلاته ، لفوات محلها من جهة استلزام تداركها زيادة الركن وهو الركوع وهذا ممّا
لا إشكال فيه.
إنّما الكلام في
أنّه هل تجب عليه سجدتا السهو أو لا؟ وعلى فرض الوجوب هل اللازم التعدد مرّة للحمد
وأُخرى للسورة كما في المتن ، أو تكفي المرّة الواحدة؟
سيجيء التعرض
لذلك إن شاء الله تعالى في مبحث الخلل ، ويتبين ثمّة أنّ السجدة ليست لكل زيادة
ونقيصة ، وإنّما هي خاصة بموارد مخصوصة ليس
__________________
ولو تركهما أو
إحداهما وتذكّر في القنوت أو بعده قبل الوصول إلى حدّ الركوع (١) رجع وتدارك ،
وكذا لو ترك الحمد وتذكّر بعد الدخول في السورة رجع وأتى بها ثم بالسورة.
[١٤٩٤]
مسألة ٢ : لا يجوز قراءة
ما يفوت الوقت بقراءته من السور الطوال (٢) ، فان قرأه عامداً بطلت صلاته وإن لم
يتمه إذا كان من نيّته الإتمام حين الشروع ، وأمّا إذا كان ساهياً ، فان تذكّر بعد
الفراغ أتمّ الصلاة وصحت وإن لم يكن قد أدرك ركعة من الوقت أيضاً ولا يحتاج إلى
إعادة سورة أُخرى ، وإن تذكّر في الأثناء عدل إلى غيرها إن كان في سعة الوقت ،
وإلاّ تركها وركع وصحت الصلاة.
______________________________________________________
المقام منها ،
وأنّ العبرة إنّما هي بوحدة السهو وتعدده دون المنسي ، وإلاّ لزم أن يكون لكل آية
سجدة خاصة وهو كما ترى ، وتمام الكلام هناك.
(١) لبقاء محل
التدارك ، بعد عدم وقوع القنوت في محله ، فيشمله إطلاق ما دلّ على الإتيان
بالقراءة عند نسيانها ما لم يركع ، ومنه يظهر الحال فيما بعده.
(٢) هذا ممّا لا
خلاف فيه ولا إشكال ، إلاّ أنّ هذه الحرمة ليست ذاتية ناشئة من اقتضاء الأمر بالشيء
وهو إيقاع الصلاة بتمامها في الوقت للنهي عن الضد وهو قراءة السور الطوال لتفسد
العبادة لمكان النهي ، لفساد المبنى كما حقق في الأُصول ، وإنّما هي حرمة عرضية من جهة استلزامها تفويت الوقت ، وإيقاع بعض الصلاة
خارجه وهو محرّم ، وإلاّ فمجرّد قراءة السورة الطويلة ليست بنفسها محرّمة. وعلى
هذا يحمل ما ورد في صحيح أبي بكر الحضرمي
__________________
عن أبي عبد الله عليهالسلام : « لا تقرأ في الفجر شيئاً من آل حم » ، فانّ آل حم لا
خصوصية لها ، وإنّما يكون النهي من جهة استتباعها وقوع بعض الصلاة خارج الوقت.
وتوضّح ما ذكرناه
: موثقة عامر بن عبد الله قال : « سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول : من قرأ شيئاً من آل حم في صلاة الفجر فاته الوقت » ، فإنّها تكشف عن أنّ النهي عن قراءة تلك السورة إنّما هو بملاك فوات الوقت
من جهة قصر أمد ما بين الطلوعين وطول تلك السورة.
وهل المراد بذلك
وقت الفضيلة أو الأجزاء؟ لا يهمنا ذلك فيما نحن بصدده من تعيين الملاك وإن كان
النهي على الأوّل تنزيهياً وعلى الثاني تحريمياً.
وعامر الراوي
للخبر وإن تضاربت فيه الروايات من حيث المدح والذم ، إلاّ أنّ تلك الروايات
بأجمعها ضعاف لا يمكن الاعتماد عليها ، والعمدة وقوعه في أسانيد كامل الزيارات ،
فتكون الرواية موثقة كما ذكرنا.
__________________
وكيف ما كان ، فلو
خالف فقرأ السور الطوال في تلك الحال ، فان كان متعمداً في ذلك فالمتسالم عليه بين
الأصحاب هو بطلان الصلاة ، وليس وجهه هو حرمة قراءة هذه السورة ، والحرام لا يمكن
التقرب به.
إذ
فيه أوّلاً : أنّ هذه الحرمة
ليست ذاتية بل عرضية كما عرفت ، فهي بنفسها صالحة للتقرب بها.
وثانياً
: سلّمنا أنّها
ذاتية إلاّ أنّك عرفت قريباً أنّ المبطل إنّما هو خصوص كلام الآدمي ، وأمّا غيره
فلا دليل على بطلان الصلاة به ، وإن كان قرآناً محرّماً فمجرد كون قراءة هذه
السورة محرّمة لا يقتضي البطلان ، ولذا لو قرأها لا بعنوان الجزئية بل بعنوان مطلق
القرآن ثم عدل عنها إلى سورة قصيرة ولم يقع شيء من الصلاة خارج الوقت ، صحت صلاته
بلا إشكال.
وثالثاً
: سلّمنا أنّ مطلق
الكلام المحرّم مبطل لا خصوص كلام الآدمي ، إلاّ أنّ غايته بطلان خصوص هذا الجزء
لا أصل الصلاة ، فلو عدل عنها إلى سورة أُخرى قصيرة إن كان الوقت واسعاً ، أو ترك
السورة رأساً من جهة أنّ ضيق الوقت من مسوّغات تركها صحت صلاته ، إذ ليس هناك ما
يوجب البطلان كما لا يخفى.
كما وليس الوجه هو
لزوم ترك الجزء لو اقتصر على تلك السورة المفروض عدم جزئيتها لحرمتها ، وتحقق
القرآن المحرّم لو قرأ سورة أُخرى قصيرة.
إذ
فيه أوّلاً : منع حرمة القرآن
، بل غايته الكراهة كما سيجيء إن شاء الله تعالى في محله .
وثانياً
: أنّه على فرض
الحرمة فهي مختصة بما يصلح أن يكون فرداً ومصداقاً للمأمور به ، دون مثل المقام
الذي لا تصلح إحدى السورتين أن تكون فرداً
__________________
للمأمور به وجزءاً
للصلاة كما عرفت.
بل الوجه في ذلك :
أنّها لمكان حرمتها من أجل كونها مفوّتة للوقت خارجة عن حيّز الأمر ، وغير صالحة
للجزئية. إذن فالإتيان بها بهذا القصد مصداق للزيادة العمدية المبطلة ، فإنّها كما
عرفت غير مرّة متقوّمة بإتيان شيء بقصد الجزئية ولم يكن في الواقع جزءاً ، فيشمله قوله عليهالسلام : « من زاد في صلاته فعليه الإعادة » لعدم قصور في شموله لهذا المورد.
نعم ، لو قرأ هذه
السورة لا بعنوان الجزئية بل بعنوان القرآن ، ثم عدل إلى سورة قصيرة ، أو لم يقرأ
من جهة ضيق الوقت وأدرك ولو ركعة من الوقت صحت صلاته ، لعدم الإخلال بشيء منها
كما هو واضح.
ثم
إنّه لا فرق في الحكم
ببطلان الصلاة في فرض التعمّد بين ما إذا كان قاصداً قراءة تلك السورة من أوّل
الشروع في الصلاة ، وبين ما إذا قصدها بعد الفراغ من الفاتحة ، غايته أنّه في
الفرض الأوّل تكون الصلاة باطلة من أوّل الشروع ، لعدم الأمر بهذه الصلاة ، إذ
الأمر متعلق بالمركب من غير هذه السورة ومع عدم الأمر تكون الصلاة باطلة ، فإنّ ما
هو المأمور به لم يقصد ، وما قصد ليس بمأمور به. وأمّا في الفرض الثاني فحيث إنّه
كان عند الشروع قاصداً للأمر الواقعي المتعلق بالمركب من غير هذه السورة ، فما لم
يشرع في تلك السورة
__________________
كانت الصلاة صحيحة
، وإنّما تبطل بالشروع فيها وإن لم يتمها ، لتحقق الزيادة العمدية بمجرد ذلك كما
عرفت ، هذا كله في فرض العمد.
وأمّا إذا كان
ساهياً ، فقد يكون التذكّر بعد الفراغ من السورة وقد يكون أثناءها. أمّا الفرض
الأوّل ، فقد ذكر الماتن قدسسره أنّه يتم الصلاة وتصح وإن لم يكن قد أدرك ركعة من الوقت
أيضاً.
أقول
: أمّا إذا كان قد
أدرك ركعة من الوقت فضلاً عما إذا أدرك جميع الوقت ولو من دون قراءة السورة في
الركعة الثانية فالحكم بالصحة واضح ، لأنّ السورة المقروءة باعتبار كونها زيادة
سهوية فغايته أن يكون وجودها كعدمها وعدم الإتيان بسورة أُخرى غير ضائر بعد فرض
ضيق الوقت الذي هو من مسوّغات تركها ، ومقتضى أنّ من أدرك ركعة من الوقت فكأنما
أدرك الوقت كله ، هو كون هذه الصلاة بمنزلة الواقعة بتمامها في الوقت ، فلا خلل
فيها بوجه.
وأمّا إذا لم يدرك
حتى مقدار ركعة من الوقت فلا نعرف حينئذ وجهاً للصحة ضرورة أنّه في هذا الحال لا
أمر له حتى الاضطراري منه بالصلاة أداءً ، كما أنّه لم يكن بعد مأموراً بالقضاء.
والصلاة الملفّقة من الأداء والقضاء ، بأن يكون بعضها بداعي الأمر الأدائي ،
وبعضها الآخر بداعي الأمر القضائي لا دليل عليه فبداعي أيّ أمر يأتي بهذه الصلاة.
نعم
، قد يقال : كما قواه المحقق
الهمداني قدسسره إنّ الصلاة الأدائية والقضائية واجبة بملاك واحد وهو
الإتيان بطبيعي الصلاة ، سواء أكانت في الوقت أم في خارجه غايته أنّ وجوب الصلاة
أداءً له ملاك آخر ، وهو أن يؤتى بتلك الطبيعة في الوقت ، فتكون الصلاة الأدائية
واجبة بملاكين من باب تعدّد المطلوب ، ولذا يكون القضاء تابعاً للأداء ، فإذا لم
يكن متمكناً من إيقاع
__________________
تمام الصلاة في
الوقت وجب عليه أن يأتي بها بنفس ذاك الأمر الأوّلي ، ففي الفرض يكون المصلي
قاصداً للأمر لا أنّه لا أمر له.
إلاّ أنّ هذا لا
يمكن المساعدة عليه بوجه ، فإنّه خلاف ظواهر الأدلّة جدّاً فانّ ظاهرها وجوب
الصلاة بين الحدين بأمر واحد وملاك فأرد ، ومن باب وحدة المطلوب ، ولذا قالوا إنّ
القضاء يحتاج إلى أمر جديد ، وأنكروا تبعيته للأداء ، والأمر مفقود إلاّ بعد خروج
الوقت ، كما أنّ الأمر الأدائي أيضاً غير متحقق فلا أمر رأساً ، ولذا تكون الصلاة
في هذا الفرض باطلة.
وأمّا إذا كان
التذكر في أثناء السورة ، فإن كان الوقت واسعاً لتمام الصلاة مع سورة قصيرة عدل
إليها تحفّظاً على إيقاع الصلاة الكاملة في الوقت ، ولا تقدح تلك الزيادة لكونها
سهوية. وإن كان الوقت لا يسع لتمام الصلاة إلاّ مع ترك السورة رأساً تركها بالكلية
، لما عرفت من كون ضيق الوقت من مسوّغات سقوطها ، وإن كان لا يدرك من الوقت إلاّ
ركعة واحدة مع السورة القصيرة قرأها وصحّت صلاته من جهة قاعدة من أدرك ، كما أنّها
تصح إذا أدرك الركعة من غير سورة ، نظراً إلى سقوط السورة مع ضيق الوقت.
وأمّا إذا لم يدرك
حتى ركعة واحدة من غير سورة فيجري فيه حينئذ ما مرّ في الفرض السابق بعينه ، فإنّه
لا وجه للحكم بالصحة حينئذ ، لعدم وجود الأمر بالصلاة في هذا الحال لا أداءً ولا
قضاءً ولا تلفيقاً. وقد عرفت أنّ ما ذكره المحقق الهمداني قدسسره من قضية الملاك ،
وأنّ القضاء تابع للأداء لا يمكن المساعدة عليه بوجه ، ففي هذا الفرض لا بدّ من
الحكم بالبطلان ، وإن كان ظاهر إطلاق كلام الماتن هو الصحة ، لكنّها غير صحيحة كما
عرفت.
[١٤٩٥]
مسألة ٣ : لا يجوز قراءة
إحدى سور العزائم في الفريضة فلو قرأها عمداً استأنف الصلاة وإن لم يكن قرأ إلاّ البعض
ولو البسملة أو شيئاً منها ، إذا كان من نيّته حين الشروع الإتمام أو القراءة إلى
ما بعد آية السجدة.
______________________________________________________
(١) على المعروف
والمشهور ، بل ادعي عليه الإجماع في كثير من الكلمات بل عن غير واحد نسبته إلى
فتوى علمائنا أجمع ، فكأنّ الحكم مورد للتسالم ولم يسند الخلاف إلاّ إلى الإسكافي ، فذكر أنه يومئ إلى السجود بدلاً عنه ثم يسجد للتلاوة بعد الفراغ عن الصلاة.
ويقع الكلام تارة
فيما إذا قرأ سورة العزيمة عمداً وسجد لها ، وأُخرى فيما إذا لم يسجد سواء أومأ
إليه كما ذكره ابن الجنيد أم لا.
أمّا
الأوّل : فلا إشكال في عدم
جوازه وبطلان الصلاة بذلك ، للزوم الزيادة العمدية في المكتوبة التي هي مبطلة بلا
خلاف ولا إشكال ، كما وقع التصريح بذلك في روايتين إحداهما معتبرة ، وهما رواية
زرارة الضعيفة بالقاسم بن عروة وصحيحة علي بن جعفر التي رواها صاحب الوسائل عن كتابه ، وطريقه إلى الكتاب صحيح ، فقد ورد فيها
قوله عليهالسلام « وذلك زيادة في
الفريضة » فانّ عنوان الزيادة وإن كان متقوّماً بقصد الجزئية كما مرّ
غير مرّة
__________________
المنفي في المقام
، لأنّه يسجد للتلاوة لا للصلاة ، لكنه يستثني من ذلك خصوص السجود بمقتضى هاتين
الروايتين المصرّحتين بأنّه زيادة في المكتوبة أو في الفريضة ويلحق به الركوع
بطريق أولى.
فيظهر من ذلك أنّ
خصوص الركوع والسجود يمتازان عن بقية الأجزاء بعدم ارتضاء الشارع بزيادتهما حتى
الصورية منها ، وأنّ لكل ركعة ركوعاً وسجدتين لا يضاف عليها شيء ولو بعنوان آخر
من سجدة الشكر أو التلاوة ونحوهما.
إلاّ أنّ هناك
روايات ربما يستظهر منها جواز تلاوة السورة والسجود لها في الصلاة ، لكن لا بدّ من
حملها على النافلة أو على الإعادة واستئناف الصلاة جمعاً بينها وبين الروايتين
المتقدمتين.
منها
: صحيحة الحلبي عن
أبي عبد الله عليهالسلام « أنّه سئل عن الرجل يقرأ بالسجدة في آخر السورة ، قال :
يسجد ثم يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب ثم يركع ويسجد » فإنّها مطلقة تحمل على النافلة بقرينة الروايتين وقيام التسالم على عدم جواز
زيادة السجدة في الصلاة كما عرفت ، أو على استئناف الصلاة كما يشهد به قوله عليهالسلام : « ثم يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب » فانّ هذا التعبير مع كونه آتياً بالفاتحة
كناية عن الإعادة ، ولا يقدح عدم التعرض لتكبيرة
__________________
الإحرام ، فقد وقع
نظير ذلك في أخبار ركعة الاحتياط فأمر بالقيام
وقراءة الفاتحة وأهمل التكبيرة مع أنّها ركعة مستقلّة.
ومنها
: موثقة سماعة «
قال : من قرأ إقرَأ بِاسمِ رَبّك فاذا ختمها فليسجد فاذا قام فليقرأ فاتحة الكتاب
وليركع » وهذه أيضاً يجري فيها الوجهان من الحمل على النافلة ، أو
الاستئناف .
ومنها
: رواية علي بن
جعفر عن أخيه قال : « سألته عن الرجل يقرأ في الفريضة سورة النجم أيركع بها أو
يسجد ثم يقوم فيقرأ بغيرها؟ قال : يسجد ثم يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب ... » إلخ وهي مروية بطريقين ، في أحدهما ضعف لمكان عبد الله بن الحسن ، والآخر الذي
يرويه صاحب الوسائل عن كتاب علي ابن جعفر معتبر ، وهذه لا
يجري فيها الوجه الأوّل للتصريح بالفريضة فتحمل على الاستئناف.
وكيف كان ، فلا
إشكال في البطلان مع تعمد التلاوة وتحقق السجدة.
وأمّا
الثاني : وهو ما إذا لم
يسجد سواء أومأ إليه أم لا ، فالمشهور حينئذ هو البطلان أيضاً ويستدل له بوجوه :
الأوّل
: ما استقربه في
الجواهر بدعوى أنّ الأمر بالسجود أمر بالإبطال
__________________
لكونه زيادة عمدية
في المكتوبة وهي مبطلة ، فكيف يجتمع ذلك مع الأمر بالمضي في الصلاة ، وهل ذلك إلاّ
أمر بالمتضادين. فنفس الأمر بالسجود يقتضي البطلان سواء أسجد أم لا ، لانتفاء
الأمر بالإتمام معه. وهذا نظير ما إذا وجب ارتكاب أحد المفطرات على الصائم
كالارتماس لإنقاذ الغريق أو القيء لأكل المغصوب أو الوطء لمضي أربعة أشهر ، أو
غير ذلك ، فكما لا يجتمع الأمر بإتمام الصوم مع الأمر بما يبطله ، ولذا يحكم
ببطلان الصوم بلا إشكال سواء ارتكب تلك المفطرات أم لا ، فكذا في المقام.
وفيه
: أنّه يمكن تصحيح
الأمر بالضدّين بنحو الترتب كما حقق في الأُصول فيؤمر أوّلاً بالسجود للتلاوة ، وعلى تقدير العصيان يؤمر بإتمام الصلاة ،
وإنّما لا يجري هذا في مورد التنظير لعدم صحة الترتب هناك ، إذ يشترط في مورده أن
يكون من الضدين اللذين لهما ثالث بحيث يمكن امتثال الأمر بالمهم وعدمه في ظرف
عصيان الأهم ، وأمّا الذي يدور أمره بين الوجود والعدم كالنقيضين أو الضدين اللذين
لا ثالث لهما فلا يعقل فيه الترتب ، إذ فرض عدم أحدهما مساوق لفرض وجود الآخر ،
ومعه لا معنى لتعلق الأمر ، فكما لا يمكن أن يقال افعل وإلاّ فلا تفعل ، أو تحرّك
وإلاّ فأسكن أو بالعكس ، لأنّ وجود أحدهما في ظرف عدم الآخر ضروري لا يصح تعلق
التكليف به ، فكذا لا يمكن أن يقال في مورد التنظير كل وإلاّ فلا تأكل ، أو يجب
القيء وإلاّ فيحرم ويجب المضي في الصوم.
نعم ، نظير المقام
ما إذا لم يتعلق الأمر بذات المبطل ، بل بعنوان الابطال ، كما لو وجب السفر على
الصائم لجهة من الجهات فإنّه يؤمر أوّلاً بإبطال صومه بالسفر وعلى تقدير العصيان
يؤمر بالمضي في الصوم ، فانّ السفر ليس من
__________________
المفطرات ، بل من
شرائط وجوب الصوم فيعتبر عدمه في وجوبه ، وهما من الضدين اللذين لهما ثالث ، إذ
يمكن أن لا يسافر ولا يصوم ، هذا.
والتحقيق
: أنّ مورد التنظير
حكمه حكم المقام بعينه فيجري فيه الترتب أيضاً ، لكونه من الضدّين اللّذين لهما
ثالث كما فيما نحن فيه ، وتوضيحه : أنّ النقيضين أو الضدين اللذين لا ثالث لهما
كالحركة والسكون إذا لوحظا بنحو الطبيعة المطلقة لم تكن بينهما واسطة ، وأمّا إذا
قيّد أحدهما بقيد تثبت الواسطة لا محالة ، وكانا مما لهما ثالث ، وهو الفاقد لذلك
القيد ، كما إذا قال : تحرّك وإلاّ فأسكن في المكان الكذائي ، فإنّه يمكن عدمهما
بالسكون في المكان الآخر.
والمقام من هذا
القبيل ، لأنّ ترك القيء مثلاً لوحظ مقيداً بقصد التقرّب ، لأنّ الصوم عبادي ،
فالتروك المعتبرة فيه تعبدية ، فيؤمر أوّلاً بالقيء وعلى تقدير العصيان يؤمر
بتركه لله ، والواسطة بينهما هو تركه لا لله ، فيكونان من الضدّين اللذين لهما
ثالث فيجري فيها الترتب.
وبالجملة : أحد
النقيضين تعبدي والآخر توصلي ، ومثلهما ممّا له ثالث ، كما يمكن ذلك في التوصليين
إذا لوحظ أحدهما مقيداً بقيد كالمثال المتقدم ، وإنّما يكونان مما لا ثالث له إذا
لوحظا مطلقين كما عرفت ، فالصحيح صحة الصوم في مورد التنظير لجريان الترتب فيه
كالمقام.
الوجه
الثاني : أنّ قراءة السورة
معرض للوقوع في أحد المحذورين فتحرم لأنّه إن سجد للتلاوة فيلزمه إبطال الصلاة
لمكان الإتيان بالزيادة العمدية المبطلة وهو حرام ، وإن لم يسجد يلزمه ترك السجود
الذي هو واجب فوري فهذه السورة محرّمة لأدائها إلى أحد المحذورين ، والممتنع
بالاختيار لا ينافي الاختيار عقاباً ، والمبغوض لا يصلح لأن يتقرّب به ، وحرمة
العبادة تقتضي الفساد.
وفيه
أوّلاً : أنّه مبني على
حرمة قطع الصلاة ، وهي محل تأمل أو منع.
وثانياً
: أنّ معرضية
السورة لما ذكر لا تستدعي أكثر من حرمتها عقلاً من باب المقدّمات المفوّتة فراراً
عن الوقوع في أحد المحذورين المزبورين ، لا حرمتها شرعاً كي تقتضي الفساد ، لعدم
كون مقدمة الحرام حراماً. والحاصل : أنّ السورة في حد ذاتها لم يتعلق بها نهي
شرعاً ولا تكون مبغوضة ، بل هي صالحة لأن يتقرب بها لعدم قصورها في حد نفسها عن
ذلك ، وإنّما العقل يستقل بتركها حذراً عن الوقوع في الحرام ، فلو عصى بسوء
اختياره ولم يسجد للتلاوة لم يكن مانع عن صحتها ، لما عرفت من عدم قصورها عن
وقوعها مصداقاً للواجب.
وثالثاً
: مع التسليم ،
فغايته بطلان السورة دون الصلاة ، فله العدول عنها إلى سورة أُخرى وإن كان آثماً
وصحت صلاته.
والعمدة في المقام
إنّما هو الوجه
الثالث ، وهي الروايات
الناهية عن قراءة سورة العزيمة في الفريضة ، ولا إشكال فيها من حيث السند ، لصحّة
أسانيد بعضها وإن كانت جملة أُخرى منها ضعيفة ، إنّما الإشكال في الدلالة ، ووجه
الاشكال : أنّ النهي في هذه الأخبار لا يحتمل أن يراد به النهي التكليفي المولوي ،
إذ لا يحتمل أن تكون قراءة العزيمة في الصلاة من المحرّمات الإلهية ، والسرّ أنّ
الأوامر والنواهي في باب المركبات من العبادات والمعاملات قد انقلب ظهورها الأوّلي
من التكليف النفسي المولوي الوجوبي أو التحريمي إلى الإرشاد إلى الجزئية أو
الشرطية أو المانعية.
على أنّه لو سلم
ذلك فلا موجب للبطلان ، إذ المبطل خاص بكلام الآدمي والقراءة المزبورة لا تخرج
بحرمتها عن كونها قرآناً ولا تعدّ من كلام الآدمي كي تكون مبطلة ، بل غايته أنّه
قرآن محرّم ، وقد تقدم التعرض لذلك قريباً.
وكيف كان ، فلا
ينبغي الريب في كون النهي في المقام إرشادياً ، وهل هو إرشاد إلى المانعية ، نظير
النهي عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه ، أو إرشاد إلى تقيّد السورة المأمور بها بعدم
كونها من سور العزائم ، وأنّ هذه ليست جزءاً من الصلاة ، بل الجزء سورة أُخرى
غيرها ، نظير النهي عن السجود على القير الذي هو إرشاد إلى أنّ مثله ليس مصداقاً
للسجود الواجب ، بل هو مقيد بغيره ، أو أنّه إرشاد إلى معنى آخر لا هذا ولا ذاك.
أمّا
الأوّل ، فبعيد عن سياق
هذه الأخبار غايته ، إذ النهي لم يتعلق بالصلاة مع هذه السورة كما في مثال ما لا
يؤكل ، بل بجزء منها وهي القراءة ، فغايته فساد الجزء لا أصل الصلاة ، فهو نظير
النهي عن السجود على القير الذي يكون مقتضى القاعدة في مثله فساد السجود خاصة ،
وجواز الإتيان بسجود آخر على غير القير لولا قيام الدليل على بطلان الصلاة بزيادة
السجود عمداً.
وأمّا
الثاني ، فهو وإن لم يكن
بعيداً بحسب النظر البدوي لكن يضعّفه أمران :
أحدهما
: أنّه مبني على
الالتزام بوجوب السورة حتى يقيد إطلاق دليله بذلك ، وقد عرفت انّه محل مناقشة ، بل
منع ، وإنما الوجوب كان مبنيّاً على الاحتياط فالجزئية غير ثابتة من أصلها فكيف
تكون إرشاداً إلى تقييدها فليتأمل.
ثانيهما
: تعليل النهي في
ذيل بعض هذه الأخبار بأنّه زيادة في المكتوبة فيظهر من ذلك أنّ سورة العزيمة في
حدّ نفسها لا قصور في اتصافها بالوجوب ووقوعها مصداقاً للمأمور به ، فلا يتقيد
دليل وجوب السورة بعدمها ، لكونها واجدة لعين الملاك الذي تشتمل عليه سائر السور ،
وإنّما المانع من قراءتها لزوم السجود الذي هو زيادة في الفريضة.
فالصواب
: أنّ النهي في هذه
الأخبار إرشاد إلى أمر خارجي ، وهو التحذير
عن إيقاع المكلّف
نفسه في الورطة من دون حزازة في السورة نفسها أصلاً ، وهي أنّه بعد القراءة إمّا
أن يسجد أو لا ، فعلى الأوّل يلزمه إبطال الصلاة ، لمكان الزيادة العمدية ، وهو
نقض لغرضه من إتمام الصلاة والمضي فيها فإنّ المؤمن المتشاغل بالصلاة همّه تفريغ
الذمة بالامتثال لا الإبطال ، وعلى الثاني يلزمه ترك السجود الذي هو واجب فوري ،
فليس النهي إرشاداً لا إلى المانعية ولا الشرطية ، بل إرشاد إلى ما ذكرناه. وعليه
فلو عصى ولم يسجد واسترسل في صلاته صحت وإن كان آثماً.
ثم لو بنينا على
الوجه الثاني ، أعني الإرشاد إلى الشرطية وتقيد السورة الواجبة بعدم كونها من
العزائم ، فغايته بطلان السورة دون الصلاة ، فلو تداركها وأتى بسورة أُخرى من دون
أن يسجد للتلاوة صحت صلاته ، بخلاف ما لو قلنا بالإرشاد إلى المانعية ، فإنّها
تبطل حينئذ كما هو ظاهر.
ثم إنّه ربما
يستدل على جواز قراءة العزيمة في الصلاة فيسجد لها وتصح صلاته بروايتين ، فتحمل
النهي في سائر الأخبار على الكراهة جمعاً.
إحداهما
: صحيحة علي بن
جعفر عن أخيه قال : « سألته عن الرجل يقرأ في الفريضة سورة النجم أيركع بها أو
يسجد ثم يقوم فيقرأ بغيرها؟ قال : يسجد ثم يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب ويركع ، وذلك
زيادة في الفريضة ولا يعود يقرأ في الفريضة بسجدة » ، وقد رويت بطريقين في أحدهما ضعف لمكان عبد الله بن الحسن ، والآخر وهو الذي
يرويه صاحب الوسائل بطريق الشيخ عن كتاب علي بن جعفر معتبر ، لصحة الطريق.
__________________
بتقريب أنّ
المستفاد منها سؤالاً وجواباً المفروغية عن جواز القراءة ، وإنّما السؤال عن أنّه
متى يسجد وما ذا حكمه فارغاً عن عدم قادحية السجدة؟ وقد أقرّ الإمام عليهالسلام على هذا المعهود في ذهن السائل غير أنّه عليهالسلام نهاه عن العود المحمول على الكراهة بقرينة الصدر ، وحينئذ
فقوله « وذلك زيادة في الفريضة » أي شبيهة بها ، لا أنّه منها ، وإلاّ لحكم عليهالسلام بالبطلان.
وفيه
: أنّ قوله عليهالسلام : « وذلك زيادة في الفريضة » كالصريح في البطلان ، فإنّ مبطلية الزيادة العمدية ممّا لا يخفى على أحد فضلاً عن مثل علي ابن
جعفر ، فلا وجه لحملة على الشبيه بالزيادة ، ويشهد له قوله عليهالسلام : « ثم يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب » فإنّه لا موجب لقراءتها بعد ما قرأها
أوّلاً ، فهو كناية عن البطلان واستئناف الصلاة ، ولا يقدح عدم التعرض لتكبيرة
الإحرام إذ قد وقع نظير ذلك في أخبار ركعة الاحتياط كما أشرنا إليه سابقاً ، وعليه فالنهي في الذيل محمول على الإرشاد بالمعنى الذي قدّمناه ، ولا موجب
لحملة على الكراهة.
__________________
الثانية
: روايته الأُخرى
قال : « وسألته عن إمام يقرأ السجدة فأحدث قبل أن يسجد كيف يصنع؟ قال : يقدّم غيره
فيسجد ويسجدون وينصرف وقد تمّت صلاتهم » وهذه صريحة في
المطلوب غير أنّها ضعيفة السند لمكان عبد الله بن الحسن.
نعم ، رويت بسند
آخر صحيح وهو إسناد الشيخ عن أحمد بن محمد عن موسى بن القاسم ، عن علي بن جعفر ،
غير أنّ المتن مضطرب لم يعلم أنّه كما ذكر أم أنّه هكذا ، « سألته عن إمام قرأ
السجدة فأحدث قبل أن يسجد كيف يصنع؟ قال : يقدّم غيره فيتشهد ويسجد وينصرف هو وقد
تمّت صلاتهم » فانّ السندين متحدان ، وكذا المتن إلاّ يسيراً ، فهما
رواية واحدة ، فلو كان الصادر عن المعصوم عليهالسلام هو المتن الثاني كانت الرواية أجنبية عن المقام ، إذ لم
يتعرض فيها لسجود المأمومين ، فهي ناظرة إلى عدم وجوب السجود بمجرّد السماع ولا
ربط لها بمحل الكلام كما لا يخفى.
نعم ، هناك رواية
أُخرى دلت على جواز قراءة ما عدا آية السجدة ، وهي موثقة عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام « قال : في الرجل يسمع السجدة إلى أن قال وعن الرجل يقرأ في المكتوبة سورة
فيها سجدة من العزائم ، فقال : إذا بلغ موضع السجدة فلا يقرأها ، وإن أحبّ أن يرجع
فيقرأ سورة غيرها ويدع التي فيها السجدة فيرجع إلى غيرها » دلت على جواز قراءة سورة العزيمة في الصلاة ما لم يقرأ آية السجدة ، وأنّه
مخيّر بين الاقتصار عليها والعدول إلى سورة
__________________
وأمّا لو قرأها
ساهياً فان تذكر قبل بلوغ آية السجدة وجب عليه العدول إلى سورة أُخرى وإن كان قد
تجاوز النصف ، وإن تذكّر بعد قراءة آية السجدة أو بعد الإتمام ، فإن كان قبل
الركوع فالأحوط إتمامها إن كان في أثنائها وقراءة سورة غيرها بنية القربة المطلقة بعد الإيماء إلى
السجدة أو الإتيان بها وهو في الفريضة ثم إتمامها وإعادتها من رأس.
وإن كان بعد
الدخول في الركوع ولم يكن سجد للتلاوة فكذلك أومأ إليها أو سجد وهو في الصلاة ثم
أتمّها وأعادها ، وإن كان سجد لها نسياناً أيضاً فالظاهر صحة صلاته ولا شيء عليه
، وكذا لو تذكّر قبل الركوع مع فرض الإتيان بسجود التلاوة أيضاً نسياناً ، فإنّه
ليس عليه إعادة الصلاة حينئذ .
______________________________________________________
أُخرى ، لكنه
موقوف على الالتزام بجواز التبعيض في السورة وعدم وجوب الإتيان بها كاملة ، وقد
عرفت فيما مرّ أنّه مورد للإشكال.
هذا كله فيما إذا
قرأ السورة عمداً ، وأمّا إذا قرأها سهواً فستعرف حكمها في التعليق الآتي.
(١) إذا قرأ سورة
العزيمة ساهياً فهناك فروض :
أحدها
: أن يكون التذكر
قبل بلوغ آية السجدة وقبل تجاوز النصف ، ولا إشكال في الصحة حينئذ فيعدل بها إلى
سورة أُخرى ، لبقاء محل العدول ما لم يتجاوز النصف ، وما أتى به من الزيادة لكونها
سهوية غير قادحة ، بل تصح
__________________
حتى على القول
بمانعية السورة في الصلاة لاختصاصها بحال العمد ، إذ مع السهو تدفع بحديث لا تعاد
كما هو ظاهر.
الثاني
: أن يكون التذكر
قبل بلوغ الآية وبعد تجاوز النصف ، والحكم أيضاً هو الصحة ، فإنّ الزيادة السهوية
غير قادحة ، والأخبار المانعة عن العدول بعد تجاوز النصف منصرفة عن المقام ،
لاختصاصها بمن كان متمكناً من إتمام السورة المتعذّر فيما نحن فيه ، إنّما الإشكال
في الفرض :
الثالث
: وهو ما إذا كان
التذكر بعد تلاوة الآية الملازم لتجاوز النصف كما لا يخفى ، فانّ فيه وجوهاً :
أحدها
: وجوب السجدة ،
وحيث أنّها زيادة في المكتوبة فتبطل ، فكأنّ هذا الوجه هو مقتضى الجمع بين فوريّة
السجدة ومبطلية الزيادة.
وفيه
: أنّه لا دليل على
فورية السجدة بهذا المقدار بحيث لا يمهل في تأخيرها بعد الصلاة بعد عدم كونه
مخلًّا بصدق الفورية العرفية ، سيّما إذا كان أمد التأخير قصيراً ، كما لو قرأها
في الركعة الثانية من صلاة الفجر فإنّه لا يستوعب من الزمان إلاّ مقدار دقيقة ، بل
أقل. وأمّا الروايات المتقدمة المتضمنة للزوم الزيادة في المكتوبة التي يستفاد منها لزوم
السجدة في الصلاة فوراً ، فموردها العمد فلا تشمل المقام كما لا يخفى .
ثانيها
: ما عن كاشف
الغطاء من أنّه يسجد وصحت صلاته لعدم لزوم الزيادة ، لاختصاصها
بما إذا أتى بالسجدة بقصد الجزئية ، والمفروض إتيانها
__________________
بقصد التلاوة لا
بعنوان الصلاة ، فلا تشملها أدلة الزيادة المبطلة.
وفيه
: أنّ هذا يشبه
الاجتهاد في مقابل النص ، لصراحة الأخبار في مبطلية مثل هذه الزيادة ، وإن كانت
صورية ولم تكن منها حقيقة ، وقد عرفت فيما مرّ أنّ السجود والركوع يمتازان عن بقية
الأجزاء في هذا الحكم عملاً بتلك النصوص. هذا مضافاً إلى ما عرفت آنفاً من عدم الدليل
على فورية السجدة حتى بهذا المقدار بحيث لا يمهل لإتمام الصلاة.
ثالثها
: أنّه يتم صلاته
ويسجد للتلاوة بعد الفراغ عنها ، وهذا هو مقتضى التحفظ بين إطلاق دليل وجوب السجدة
بعد ما عرفت من عدم الدليل على فوريته أكثر من هذا المقدار ، وبين دليل جواز المضي
في الصلاة وإتمامها ، أو وجوب ذلك على الخلاف في حرمة الإبطال وعدمه ، فهذا الوجه
هو مقتضى الجمع بين الدليلين وهو الأوجه في النظر.
رابعها
: ما هو المشهور من
أنّه يومئ بدلاً عن السجود ويتم صلاته ، واحتمال أنّ الإيماء زيادة في المكتوبة
ساقط جدّاً ، لأنّ مورد الأخبار المتضمنة لذلك هو السجود فلا يتعدى إلى بدله كما
هو ظاهر.
ويستدل للمشهور بعدة روايات وهي أربع :
الأُولى
: موثقة أبي بصير
عن أبي عبد الله عليهالسلام « قال : إن صليت مع قوم فقرأ الإمام اقرأ باسم ربك الذي
خلق أو شيئاً من العزائم ، وفرغ من قراءته ولم يسجد فأوم إيماءً ... » إلخ .
والاعتراض عليها
بدلالتها على وجوب السجود مع سجود الإمام فلا تدل على كفاية الإيماء مطلقاً ،
يندفع بأنّ ظاهرها أنّ القوم من العامّة وهم قد يسجدون
__________________
وقد لا يسجدون ،
فلزوم السجود مع سجودهم مبني على التقية لعدم إمكان التخلّف عنهم ، فالوظيفة
الأوّلية هي الإيماء ، والسجود إنّما هو لضرورة تقتضيه فبدونها كما لو كان منفرداً
أو لم يسجد الإمام لم يجب إلاّ الإيماء.
الثانية
: موثقة سماعة «
قال : مَن قرأ اقْرَأ بِاسْمِ رَبّكَ فإذا ختمها فليسجد فاذا قام فليقرأ فاتحة
الكتاب وليركع. قال : وإذا ابتليت بها مع إمام لا يسجد فيجزئك الإيماء والركوع ...
» إلخ . والاعتراض السابق مع جوابه يجريان هنا أيضاً.
الثالثة
: صحيحة علي بن
جعفر في كتابه عن أخيه عليهالسلام قال : « سألته عن الرجل يكون في صلاة جماعة فيقرأ إنسان
السجدة كيف يصنع؟ قال : يومئ برأسه » .
الرابعة
: صحيحته الأُخرى
قال : « وسألته عن الرجل يكون في صلاته فيقرأ آخرُ السجدةَ ، فقال : يسجد إذا سمع
شيئاً من العزائم الأربع ثم يقوم فيتم صلاته ، إلاّ أن يكون في فريضة فيومئ برأسه إيماءً
» والأخيرتان أقوى دلالة من سابقتيهما ، لسلامتهما عن
الاعتراض المزبور كما لا يخفى.
هذا ، ولكن الظاهر
عدم تمامية الاستدلال بشيء من هذه الأخبار لكونها أجنبية عما نحن فيه ، إذ موردها
السماع دون القراءة السهوية التي هي محل الكلام ، ويشكل التعدي منه إلى المقام وإن
كان غير بعيد. ومن هنا كان الأحوط الجمع بين الإيماء وبين السجود بعد الصلاة الذي
عرفت أنّه الأقوى لاحتمال شمول هذه الأخبار للمقام.
__________________
ثم
إنّه هل يقتصر على هذه
السورة أو يجب الإتيان بسورة أُخرى؟
يبتني الوجوب على
كون النهي في الأخبار السابقة إرشاداً إلى تقيّد السورة المأمور بها بعدم كونها من
العزائم ، إذ حينئذ وجود هذه السورة كالعدم فلا بدّ من الإتيان بالأُخرى كي يتحقق
الجزء. وأمّا بناءً على ما عرفت من كونه إرشاداً إلى الفرار عن الوقوع في أحد
المحذورين من دون قصور في السورة نفسها عن اتصافها بالجزئية فلا تجب الإعادة ،
فيقتصر عليها مع الإيماء والسجود بعد الصلاة احتياطاً كما عرفت من دون محذور.
ثم إنّه لو قرأ
السورة سهواً وسجد لها نسياناً ثم تذكر صحّت صلاته بلا إشكال ، لأنّ زيادة السجدة
الواحدة سهواً غير قادحة كما هو واضح. هذا كلّه فيما إذا كان التذكر قبل الركوع.
وأمّا إذا تذكر
بعد الركوع فيجري فيه جميع ما مرّ إلاّ من حيث احتمال الإتيان بسورة أُخرى ، فإنّه
لا مجال له في المقام لمضي محله بالدخول في الركوع.
ثم
إنّ الماتن ذكر أنّ
الأحوط أحد الأمرين : إمّا إتمام السورة والإتيان بأُخرى بقصد القربة المطلقة بعد
الإيماء إلى السجدة ، وإمّا الإتيان بالسجدة وهو في الفريضة ، ثم إتمامها وإعادتها
من رأس.
وأنت خبير بأنّ
الجمع بين هذين النحوين بجعل كل منهما طريقاً للاحتياط ممتنع لاختلاف المبنى فيهما
، فإنّ الأوّل مبني على شمول أدلة الإيماء للمقام المستلزم لقادحية السجود في
الأثناء ، والثاني مبني على وجوب السجدة وعدم كفاية الإيماء. فالجمع بينهما بجعل
الاحتياط في السجود وفي تركه يشبه الجمع بين النقيضين كما لا يخفى.
بل إنّ طريقة
الاحتياط كما عرفت إنّما هي بالجمع بين الإيماء وبين السجود
[١٤٩٦]
مسألة ٤ : لو لم يقرأ
سورة العزيمة لكن قرأ آيتها في أثناء الصلاة عمداً بطلت صلاته ، ولو قرأها نسياناً أو استمعها من غيره
، أو سمعها فالحكم كما مرّ من انّ الأحوط الإيماء إلى السجدة أو
السجدة وهو في الصلاة وإتمامها وإعادتها.
______________________________________________________
بعد الصلاة ، وقد
مرّ أنّ تأخير السجود بهذا المقدار لا ينافي فوريته ، كما مرّ أنّ الإيماء لا يعدّ
من الزيادة القادحة ، لاختصاصها بنفس السجود ولا تعمّ بدله لعدم الدليل على
التعميم.
(١) الحال في هذه
المسألة يظهر ممّا مرّ في المسألة السابقة وإن كان الأمر هنا أهون ، لعدم الإتيان
بالآية بقصد الجزئية فلا يجري هنا بعض الوجوه المتقدمة وقد عرفت المختار من صحة
الصلاة على تقدير القراءة ، وإن كان آثماً في ترك السجود مع العمد. وأمّا مع السهو
فيكفي الإيماء ، وإن كان الأحوط ضمّ السجود بعد الانتهاء عن الصلاة ، وقد مرّ وجه
ذلك كله.
وأمّا السماع
فسيجيء البحث عنه في محله إن شاء الله تعالى ، وستعرف أنّه لا يوجب السجود حتى في
غير الصلاة لصحيحة عبد الله بن سنان.
وأمّا الاستماع
فيجب فيه الإيماء ، لصحيحتي علي بن جعفر المتقدمتين الواردتين في خصوص المقام من
دون حاجة إلى التعدي الذي عرفت أنّه محل إشكال وكلام.
__________________
[١٤٩٧]
مسألة ٥ : لا يجب في
النوافل قراءة السورة .
______________________________________________________
(١) فيجوز فيها
تبعيض السورة ، بل تركها رأساً بلا خلاف ولا إشكال ، بل عن جمع دعوى الإجماع عليه.
أما إذا قلنا
بجواز ذلك في الفريضة فهنا بطريق أولى ، إذ لا تزيد هي عليها من حيث الأجزاء
والشرائط كما هو ظاهر. وأمّا إذا قلنا بوجوب السورة الكاملة في الفرائض فيقع
الكلام هنا تارة في جواز التبعيض ، واخرى في جواز الترك رأساً.
أمّا
الأوّل : فتدل عليه مضافاً
إلى قصور المقتضي ، لاختصاص ما دلّ على المنع عنه بالفريضة كصحيحة منصور : « لا
تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة ولا بأكثر » وغيرها ، أو أنّه
لا إطلاق له ، لكونه مسوقاً لبيان عدم جواز العدول من سورة إلى أُخرى في غير يوم
الجمعة كصحيحة الحلبي : « إذا افتتحت صلاتك بقل هو الله أحد وأنت تريد أن تقرأ
بغيرها فامض فيها ولا ترجع إلاّ أن تكون في يوم الجمعة فإنّك ترجع إلى الجمعة والمنافقين
منها » ، على أنّ استثناء يوم الجمعة يشهد بإرادة الفريضة كما لا
يخفى صحيحة علي بن يقطين قال : « سألت أبا الحسن عليهالسلام عن تبعيض السورة ، فقال : أكره ، ولا بأس به في النافلة » .
وأمّا
الثاني : فمضافاً إلى قصور
المقتضي أيضاً ، لاختصاص دليل الوجوب بالفريضة أو المكتوبة ، أو أنّها مقيّدة
بالركعتين الأوّلتين في قبال الثالثة أو
__________________
وإن وجبت بالنذر
أو نحوه ، فيجوز الاقتصار على الحمد ، أو مع قراءة بعض السورة.
______________________________________________________
الرابعة الظاهر في
الفريضة ، فلا إطلاق فيها تعمّ النافلة ، فيرجع إلى أصالة البراءة عن الجزئية
بناءً على ما هو الصحيح من جواز الرجوع إليها حتى في المستحبّات لنفي الوجوب
الشرطي ، تدل عليه صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام « قال : يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها ويجوز للصحيح في
قضاء صلاة التطوع بالليل والنهار » ، فانّ القضاء
هنا بمعناه اللغوي أعني مطلق الإتيان لا خصوص خارج الوقت الذي هو المعنى المصطلح
كما تقدم سابقاً .
(١) فانّ الوجوب
الناشئ من قبل النذر تابع للالتزام النذري سعة وضيقاً وحيث إنّ متعلقه فعل النافلة
على ما هي عليه من المشروعية ، والمفروض أنّ المشروع منها هو الطبيعي الجامع بين
الواجد للسورة والفاقد لها ، فلا محالة يكون متعلق الوجوب هو الجامع ، لما عرفت من
أنّه تابع لما التزم كما التزم.
ويمكن أن يستأنس
لذلك : بصحيحة ابن سنان المتقدمة آنفاً ، حيث يظهر منها أنّ وجوب السورة أو سقوطها
عن الفريضة أو النافلة مترتب على كونها كذلك بعنوان أنّها صلاة ، لا بعنوان آخر من
كونها متعلقاً للنذر أو الإجارة أو إطاعة السيد ونحوها من العناوين العرضية ، ومن
المعلوم أنّ النافلة لا تخرج بالنذر عن كونها صلاة نافلة فيشملها دليل السقوط.
وإن أمكن الخدش في
ذلك : بأنّ ظاهر الصحيحة أنّ موضوع السقوط هو
__________________
نعم ، النوافل
التي تستحب بالسورة المعيّنة يعتبر في كونها تلك النافلة قراءة تلك السورة ، لكن
في الغالب يكون تعيين السور من باب المستحب في المستحب على وجه تعدد المطلوب لا
التقييد .
______________________________________________________
عنوان التطوّع لا
النافلة ، وهذا العنوان يزول بالنذر لا محالة لعدم اتصافها بالتطوع بعدئذٍ ، ولذا
تقدم في محله أنّ دليل المنع عن التطوع في وقت الفريضة لا يعم النافلة
المنذورة ، لخروجها عن عنوان التطوع بعد تعلق النذر وصيرورتها فريضة ، فيناقش بمثل
ذلك في المقام أيضاً.
فالصحيح في الاستدلال
هو ما عرفت.
(١) استدرك قدسسره من عدم اعتبار
السورة في النافلة ، النوافل التي قرّر لها في الشريعة سور معيّنة كصلاة جعفر عليهالسلام ، والنوافل الواردة في شهر رمضان ونحوها ، فيعتبر الإتيان بها بتلك السور
عملاً بدليل تشريعها وإلاّ لما وقعت تلك النافلة الخاصة ، ثم ذكر أخيراً جواز
تركها أيضاً ، إذ الغالب فيها أنّها من باب المستحب في المستحب على وجه تعدد
المطلوب ، لا التقييد كي لا يشرع الإتيان بها إلاّ بتلك السورة الخاصة.
وما ذكره قدسسره أخيراً وجيه لو
كان هناك إطلاق زائداً على دليل التقييد ، كما لو ورد الأمر بصلاة جعفر عليهالسلام مطلقاً ثم ورد في دليل آخر الأمر بها مقيّدة بسورة معيّنة ، فإنّه لا مانع
حينئذ من الأخذ بكلا الدليلين بناءً على ما هو الصحيح من عدم حمل المطلق على
المقيّد في باب المستحبات فيحمل ذلك على اختلاف مراتب الفضل وتعدد المطلوب كما
أفاده قدسسره.
وأمّا إذا لم يكن
في البين إلاّ دليل واحد مقيّد ، فمقتضى القاعدة حينئذ عدم
__________________
[١٤٩٨]
مسألة ٦ : يجوز قراءة
العزائم في النوافل وإن وجبت بالعارض فيسجد بعد قراءة آيتها وهو في الصلاة ثم
يتمّها.
______________________________________________________
مشروعيتها بغير
تلك السورة ، فإنّ العبادة توقيفية تحتاج مشروعيتها إلى ثبوت الأمر بها ، ولم يحرز
تعلق الأمر بالجامع على الفرض ، وكون الغالب في هذا الباب أنّه من تعدد المطلوب ،
وإن كان مسلّماً ، ولكنه لا يجدي إلاّ الظن الذي لا اعتبار به ، فلا جزم بالأمر
بالفاقد. نعم ، لا بأس بالإتيان به رجاءً.
(١) بلا خلاف ، بل
عن بعض دعوى الإجماع عليه ، ويدلُّ عليه : قصور المقتضي للمنع فيها ، فإنّ الأخبار
الناهية بأجمعها مختصة بالفريضة أو المكتوبة وليس فيها ما يتضمن الإطلاق الشامل
للنوافل ، ومقتضى القاعدة حينئذ هو الجواز ، وعليه فلو قرأ آيتها سجد وهو في
الصلاة ولا يضرّ بصحتها ، إذ قادحية مثل هذه الزيادة مختصة بالفريضة ، لعدم الدليل
على قدحها في غيرها.
وربما
يستدل للحكم : بموثقة
سماعة « قال : من قرأ اقْرَأ بِاسْمِ رَبّكَ فاذا ختمها فليسجد إلى أن قال ـ : ولا
تقرأ في الفريضة ، اقرأ في التطوّع » . لكن الرواية
مقطوعة لم تسند إلى الإمام عليهالسلام ، ومن الجائز أن يكون ذلك فتوى سماعة نفسه ، وإن كان يظن
أنّه رواية عن الإمام عليهالسلام لكن الجزم به مشكل بعد الاحتمال المزبور.
وقد عبّر عنها
المحقق الهمداني قدسسره وغيره بالمضمرة ، لكنها ليست بمضمرة ولا مسندة ، بل مقطوعة
كما عرفت على ما ذكره في الوسائل والحدائق
__________________
[١٤٩٩]
مسألة ٧ : سور العزائم أربع
: الم السجدة وحم السجدة ، والنجم ، واقرأ باسم.
______________________________________________________
والتهذيب والاستبصار ، فلا يصح الاعتماد عليها ، والعمدة في مستند الحكم هو ما
عرفت من قصور المقتضي.
ثم
إنّ الحكم كذلك حتى
في النوافل الواجبة لعارض من نذر ونحوه ، فيجوز فيها قراءة العزيمة لعين ما مرّ في
المسألة السابقة من تبعية الوجوب الناشئ من قبل النذر لما التزم به الناذر ، وحيث
إنّ المنذور هي النافلة المشروعة على ما هي عليه والمفروض جواز قراءة العزيمة فيها
، فمتعلق الوجوب هو الجامع كما مرّ.
(١) بلا خلاف ، بل
إجماعاً ، ويدلُّ عليها وعلى تعيين الأربع بما في المتن صحيحة عبد الله بن سنان عن
أبي عبد الله عليهالسلام « قال : إذا قرأت شيئاً من العزائم التي يسجد فيها فلا
تكبّر قبل سجودك ولكن تكبّر حين ترفع رأسك. والعزائم أربعة : حم السجدة ، وتنزيل ،
والنجم ، واقرأ باسم ربّك » .
واستدل
أيضاً : برواية داود بن
سرحان « قال : إنّ العزائم أربع : اقرأ باسم ربك الذي خلق ، والنجم ، وتنزيل
السجدة ، وحم السجدة » لكن سندها لا يخلو عن خدش ، وإن عبّر عنها بالصحيحة في بعض
الكلمات ، لأنّ الصدوق يرويها عن شيخه أحمد بن محمد بن يحيى ولم يوثق ، وقد مرّ غير مرّة أنّ
__________________
[١٥٠٠]
مسألة ٨ : البسملة جزء من
كل سورة فيجب قراءتها عدا سورة براءة.
______________________________________________________
مجرد الكون من
مشايخ الإجازة لا يكفي في التوثيق.
واستدل
أيضاً : بخبر أبي بصير «
إذا قرئ بشيء من العزائم الأربع ... » إلخ . وفيه : مضافاً
إلى ضعف سندها بعلي بن أبي حمزة ، أنّها قاصرة الدلالة ، لعدم التعرض فيها لتعيين
الأربع ، فلاحظ. فالعمدة في الاستدلال ما ذكرناه.
(١) هذه من
المسائل الخلافية بين الخاصّة والعامّة ، فالمتسالم عليه بين الخاصّة أنّها جزء من
كل سورة ، والمشهور بين العامة أنّها جزء لخصوص الفاتحة دون سائر السور ، وعلى هذا جرت المصاحف حتى اليوم فإنّهم يذكرون علامة الآية بعد بسملة
الفاتحة دون غيرها من بقية السور ، وأمّا براءة فليست جزءاً منها باتفاق الجميع.
والذي يدل على
أنّها جزء لكل سورة : عدة أخبار عمدتها صحيحة معاوية ابن عمار قال : « قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : إذا قمت للصلاة أقرأ بسم الله الرّحمن الرّحيم في فاتحة
الكتاب؟ قال : نعم ، قلت : فإذا قرأت فاتحة القرآن أقرأ بسم الله الرّحمن الرّحيم
مع السورة؟ قال : نعم » فإنّ السؤال ليس عن
__________________
[١٥٠١]
مسألة ٩ : الأقوى اتحاد
سورة الفيل ولإيلاف وكذا والضحى وأ لم نشرح ، فلا يجزئ في الصلاة إلاّ جمعهما
مرتبتين مع البسملة بينهما.
______________________________________________________
الجواز فإنّه
مسلّم عند الكل ، بل من الضروريات ، ولا عن الاستحباب لوضوحه أيضاً ، لا سيّما
لمثل معاوية بن عمار ، فانّ جواز قراءة القرآن مساوق لرجحانه فلا محالة يكون عن
الوجوب ، وقد أمضاه الإمام عليهالسلام بقوله : « نعم ». ومن الواضح أنّ الوجوب في أمثال المقام
يلازم الجزئية لعدم احتمال النفسية. نعم ، هي معارضة بجملة أُخرى ، بل في بعضها
النهي عن قراءتها كصحيحة الحلبيين ولكنّها محمولة
على التقية كما لا يخفى.
(١) بلا خلاف بل
إجماعاً كما عن جماعة ، بل نسب الإقرار به إلى دين الإمامية كما عن الأمالي ، أو إلى آل محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم كما عن الانتصار ، أو هو قول
علمائنا كما عن غير واحد. ولا يخفى أنّ هذا البحث إنّما هو بعد الفراغ عن وجوب
سورة كاملة في الفريضة ، وأمّا بناءً على العدم ، أو جواز التبعيض ، فلا إشكال في
جواز التفكيك والاقتصار على إحداهما.
ثم
إنّه ينبغي التكلم في
جهات :
الاولى
: أنّه بناءً على
تعدد السورتين فهل يجب الجمع بينهما في الصلاة ، أو يجوز الاقتصار على الواحدة؟
المشهور هو الأوّل
، وظاهر الماتن هو الثاني ، حيث فرّع وجوب الجمع على الاتحاد الظاهر في عدمه لو
بني على التعدّد.
__________________
وكيف كان ، فقد
قال في المدارك : إنّه لم أقف على دليل معتبر يدل على وجوب قراءتهما معاً.
والذي وقفت عليه روايتان :
إحداهما
: صحيحة زيد الشحام
قال : « صلى بنا أبو عبد الله عليهالسلام فقرأ الضحى وأ لم نشرح في ركعة » ولا دلالة لها على الوجوب لإجمال الفعل.
الثانية
: رواية مفضّل بن
صالح عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « سمعته يقول لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلاّ
الضحى وأ لم نشرح ، و ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ) و ( لِإِيلافِ
قُرَيْشٍ ) » ، وهي مضافاً إلى ضعف سندها بمفضل نفسه ، وكذا طريق
العياشي إليه لإرساله ، قاصرة الدلالة ، فإنّه استثناء عن النهي عن القرآن الذي هو
محرّم أو مكروه على الخلاف ، فغايته نفي الحرمة أو الكراهة في هاتين السورتين دون
الوجوب. انتهى ملخّصاً.
وما أفاده قدسسره وجيه جدّاً بناءً
على تعدد السورتين ، لما عرفت من حال الروايتين. وأمّا غيرهما مما ذكر في المقام
فكلها ضعاف أو مراسيل لا يمكن الاعتماد على شيء منها.
الجهة
الثانية : في تحقيق الصغرى
، وأنّ الضحى والانشراح ، وكذا الفيل والإيلاف ، هل هما سورتان أو أنّهما سورة
واحدة؟
المعروف بل
المتسالم عليه عند الأصحاب هو الثاني ، وقد عرفت نقل الإجماعات المحكية على ذلك في
صدر المسألة ، والمشهور بين المتأخرين هو الأوّل ، ولعل أوّل من خالف في ذلك هو
المحقق كما نبّه عليه في الحدائق .
__________________
ويقع الكلام تارة
في وجود ما يدل على الاتحاد ، وأُخرى فيما يخالفه.
أمّا
الأوّل : فقد استدلّ له
بعدّة روايات كلّها ضعاف أو مراسيل كالفقه الرضوي ومرسل الهداية ، ومراسيل الطبرسي
، وأبي العباس ، وأُبيّ ، والمحقق ، والراوندي وغيرها ممّا لا يمكن الاعتماد على
شيء منها فمن يرى اعتبار العدالة في الراوي كصاحب المدارك أو الوثاقة كما هو المختار ، ليس له التعويل على شيء من هذه الأخبار ، ودعوى
الانجبار ممنوعة كما حقق في الأُصول . فلم يبق في
البين عدا الإجماعات المحكية ممّا تقدمت ، وهي كما ترى بعد وضوح المستند فالمقتضي
للاتحاد قاصر لعدم دليل معتبر عليه.
وأمّا
الثاني : أعني ما يخالفه
ممّا يدل على التعدد فهو أيضاً ضعيف ، فانّ ما استدل به لذلك وجوه :
__________________
أحدها
: ما ذكره في
المدارك من إثبات الفصل بينهما بالبسملة في المصاحف كسائر السور .
وأُجيب : بأنّ هذه
الكيفية من جمع الخلفاء فلا يدل على أنّ النزول كان كذلك.
وفيه : أنّ مرجع
ذلك إلى دعوى التحريف من ناحية الزيادة التي هي مقطوعة البطلان باتفاق المسلمين
، وانّما الخلاف في التحريف من ناحية النقيصة. على أنّا قد أثبتنا في بحث التفسير
بطلان ذلك أيضاً بما لا مزيد عليه ، فلاحظ إن شئت .
فالصواب في الجواب : أنّ مجرد اشتمال السورة على البسملة لا يقتضي
تغايرها عن غيرها ، ولا يكشف عن التعدد ، وإن كان الغالب كذلك ، لكنه ليس بدائمي
إذ لا دليل عليه كما لا يخفى.
الثاني
: ما استدلّ به
صاحب الحدائق من رواية زيد الشحام « قال : صلى بنا أبو عبد الله عليهالسلام فقرأ في الأُولى والضحى ، وفي الثانية ألم نشرح لك صدرك » وقد وصفها في الحدائق بالصحة ، وذكر أنّها أولى بالاستدلال لصاحبي المعتبر
والمدارك لو اطلعا عليها ، لكن عدم اطلاعهما عليها بعيد غايته ، وإنّما لم
__________________
يستدلا بها لضعف
سندهما كما ستعرف ، وقد حملها الشيخ على النافلة وهو بعيد جدّاً ، لقوله « صلى بنا » الظاهر في
الجماعة ، ولا جماعة في النافلة.
وأجاب في الحدائق : بأنّ غايتها الدلالة على جواز التبعيض ،
فيكون سبيلها سبيل الأخبار الدالة عليه.
وفيه
: أنّ الكلام في
هذه المسألة كما أشرنا إليه في صدر المبحث إنّما هو بعد الفراغ عن عدم جواز
التبعيض ، وإلاّ فلا إشكال في جواز الاقتصار على إحداهما.
والصحيح في الجواب : أنّ الرواية ضعيفة السند بالإرسال ، وإن كان
المرسل ابن أبي عمير ، وكون مراسيله كمسانيد غيره كلام مشهوري لا أساس له كما
تعرضنا له في مطاوي هذا الشرح غير مرّة ، فلا يمكن الاعتماد عليها ، والانجبار
بالعمل لا نقول به.
الثالث
: ما استدلّ به في
المعتبر من رواية مفضّل بن صالح المتقدمة المتضمنة لاستثناء الضحى وأ لم نشرح ، وكذا الفيل ولإيلاف عن الجمع بين
سورتين في ركعة واحدة ، فإنّ ظاهر الاستثناء هو الاتصال ، فيدل على أنّهما سورتان
قد استثنيا عن حكم القرآن.
وفيه
: مضافاً إلى ضعف
السند كما مرّ ، أنّه يكفي في صحة الاستثناء واتصاله كونهما متعددين بحسب الصورة ،
وما يعتقده الناس من تسميتهما بسورتين لمكان الفصل بينهما بالبسملة في المصاحف.
__________________
والمتحصّل من جميع ما قدمناه : أنّه لا دليل على وحدة السورتين ولا
على تعددهما ، لعدم تمامية شيء مما استدلّ به للطرفين ، فتنتهي النوبة إلى ما يقتضيه
الأصل العملي.
والظاهر أنّ مقتضى
الأصل حينئذ هو الاشتغال ، وليس المقام من قبيل الأقل والأكثر الارتباطي كي يرجع
فيه إلى البراءة على ما هو التحقيق من الرجوع إليها فيه.
وتوضيحه : أنّ
الضابط في ذاك الباب ما إذا كان المأمور به وما تعلّق به التكليف بنفسه مجملاً
دائراً بين الأقل والأكثر ، كالسورة بالنسبة إلى الصلاة حيث لم يعلم أنّ مصبّ
التكليف هي الصلاة المشتملة عليها ، أو الأعم من الواجدة والفاقدة ، فيقال إنّ
الجامع وهو الأقل متيقن ، والزائد عليه من تقيده بالسورة يشك في تعلق التكليف به
فيدفع بالبراءة.
وهذا الضابط غير
منطبق على المقام ، إذ ليس المأمور به خصوص سورة الفيل ، أو خصوص سورة والضحى كي
يشك في سعة دائرة المأمور به وضيقها من جهة الترديد في جزئية لإيلاف في الأوّل ،
والانشراح في الثاني ، كالترديد في جزئية السورة للصلاة حتى يكون من الدوران بين
الأقل والأكثر ، بل المأمور به هو طبيعي السورة بالضرورة ، ولا إجمال في هذا
المفهوم قطعاً. وإنّما الترديد في انطباقها على الفيل وحدها ، أو الضحى كذلك ،
فالشك إنّما هو في محصّل ذاك الطبيعي ومحقق العنوان المأمور به ، فيعود الشك لا
محالة إلى مرحلة الامتثال بعد العلم بالتكليف لا إلى أصل تعلق التكليف ، ومثله
مجرى للاشتغال بلا إشكال.
فالأقوى وجوب
الجمع بينهما في الصلاة مترتبتين كما أفاده في المتن ، وإن لم يعلم أنّهما سورتان
أم سورة واحدة.
نعم ، إنّ ما
ذكرناه مبني على ما هو الأقوى من عدم حرمة القرآن بين
السورتين ، وإلاّ
فيندرج المقام في باب الدوران بين المحذورين ، إذ بعد قراءة الفيل مثلاً يدور أمر
الإيلاف بين الوجوب لو كانتا سورة واحدة ، والحرمة لو كانتا سورتين ، وفي مثله
يتعذر الاحتياط ، فاللازم على هذا المبنى اختيار سورة أُخرى من أوّل الأمر ، وإن
كان لو قرأ الفيل يخيّر بين ضم الإيلاف وعدمه كما هو مقتضى القاعدة في الدوران بين
المحذورين ، إلاّ أنّ الاجتزاء بمثل هذه الصلاة لا يخلو عن الاشكال كما لا يخفى.
والذي يهوّن الخطب أنّ المبنى فاسد كما عرفت وستعرف تفصيله إن شاء الله تعالى.
الجهة
الثالثة : بعد ما عرفت من
وجوب الجمع بين السورتين عملاً بقاعدة الاشتغال ، فهل يجب الفصل بينهما بالبسملة
كما اختاره في المتن أو يؤتى بهما موصولة؟
فيه خلاف بين
الاعلام ، بل ربما ينسب الثاني إلى الأكثر ، بل عن التهذيب : عندنا لا يفصل بينهما
بالبسملة ، وعن التبيان ومجمع البيان أنّ الأصحاب لا يفصلون بينهما
بها .
وكيف كان ، فربما
يستدل للأوّل بثبوتها في المصاحف المعروفة عند المسلمين من صدر الإسلام.
وفيه
: أنّ الثبوت فيها
لا يدل على الجزئية ، ولذا ترى أنّ أكثر أصحاب المصاحف مع بنائهم على عدم جزئية
البسملة يثبتونها في كل سورة.
وربما
يستدل للثاني : بالفقه
الرضوي ، وبما روي من سقوطها عن مصحف ابيّ بن كعب .
__________________
[١٥٠٢]
مسألة ١٠ : الأقوى جواز
قراءة سورتين أو أزيد في ركعة مع الكراهة في الفريضة ، والأحوط تركه ،
وأما في النافلة فلا كراهة.
______________________________________________________
وفيه : أنّ الفقه
الرضوي ليس بحجة ، وسقوطها عن مصحف ابيّ لم يثبت. على أنّه لو ثبت فهو اجتهاد منه
باعتقاد أنّهما سورة واحدة ، لا أنّه رواية فلا حجية فيه.
وعلى الجملة : فلم
يثبت لدينا شيء من القولين ، فتنتهي النوبة إلى الأصل العملي ، ومقتضاه الثبوت
عملاً بقاعدة الاشتغال لكونه من الشك في المحصّل ، لا من باب الأقل والأكثر بعين
التقريب الذي قدّمناه في الجهة السابقة حرفاً بحرف فلاحظ.
(١) كما هو
المشهور بين المتأخرين من جواز القرآن على كراهة ، خلافاً لما هو المشهور بين
القدماء من عدم الجواز ، بل عن الصدوق أنّه من دين الإمامية وعن السيد أنّه من متفرداتهم .
ومنشأ الخلاف
اختلاف الروايات ، فقد ورد النهي عن القرآن في غير واحد من النصوص ، جملة منها
معتبرة وفيها غنى وكفاية.
منها
: صحيحة محمد بن
مسلم عن أحدهما عليهماالسلام قال : « سألته عن الرجل يقرأ السورتين في الركعة ، فقال :
لا ، لكل سورة ركعة .
وموثقة عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليهالسلام « قال : لا بأس أن تجمع في النافلة من السور ما شئت » فانّ نفي البأس عن النافلة يدل
__________________
بمفهوم الوصف بالمعنى الذي هو حجة عندنا على ثبوته في الفريضة التي هي محل الكلام ، حيث
يظهر من التقييد أنّ طبيعي الصلاة ليس موضوعاً لجواز القرآن ، وإلاّ كان القيد
لغواً ، فمن إثبات الجواز للنافلة يعلم عدمه في الفريضة.
ومنها
: رواية منصور بن
حازم قال : « قال أبو عبد الله عليهالسلام : لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة ولا بأكثر » وقد وصفها في الحدائق ومصباح الفقيه بالصحة ، نعم حكى في الحدائق عن صاحب المدارك أنّ السند ضعيف واستظهر أنّ نظره في الضعف إلى سيف بن عميرة حيث إنّه واقفي وإن كان ثقة ، وصاحب المدارك يعتبر العدالة في الراوي ، ويمكن أن يكون نظره
إلى أنّ أحمد بن إدريس لا يمكنه أن يروي عن أحمد بن محمد بن يحيى لاختلاف الطبقة
فامّا أنّ الرواية مرسلة أو أنّ نسخة الوسائل مغلوطة.
والصحيح
: عن محمد بن أحمد
بن محمد بن يحيى ، كما يؤيّده أنّه الراوي غالباً عن محمد بن عبد الحميد ، ولكنه
ظهر بعد المراجعة أنّ نسخة الكافي والوسائل والتهذيب كلها عن محمد بن أحمد بن محمد
بن يحيى فكلمة ( محمد ) ساقطة عن الوسائل الطبعة الجديدة ، وكذا طبع عين الدولة ،
وكذا الاستبصار الطبعة الجديدة ، فالرواية صحيحة السند بلا إشكال .
__________________
وبإزائها صحيحة علي بن يقطين قال : « سألت أبا الحسن عليهالسلام عن القرآن بين السورتين في المكتوبة والنافلة قال : لا بأس » . ومقتضى الجمع العرفي بينها وبين الطائفة الاولى هو حمل النهي فيها على
الكراهة كما ربما يؤيده التعبير بـ « لا يصلح » ، أو « يكره » ، أو « أنّه أفضل »
، أو « لكل سورة حقاً فأعطها حقها » ونحو ذلك مما ورد في سائر الأخبار المشعرة
بالكراهة .
نعم ، ربما يناقش
في ذلك من وجهين :
أحدهما
: أنّ إعراض
الأصحاب عن هذه الصحيحة يسقطها عن الحجية ، لما عرفت من أنّ المشهور بين القدماء
هو الحرمة.
وفيه
: مضافاً إلى منع
الكبرى وعدم قادحية الاعراض ، أنّ الصغرى ممنوعة إذ لم يثبت إعراضهم وطرحهم
للصحيحة ، بل من الجائز أنّهم رجّحوا تلك الطائفة عليها في مقام علاج المعارضة
بأشهريتها وأكثريتها ونحو ذلك من سائر المرجّحات.
ثانيهما
: ما ذكره في
الحدائق من حمل الصحيحة على التقية .
وفيه
: ما لا يخفى ،
فانّ الحمل على التقية فرع استقرار المعارضة وعدم إمكان الجمع الدلالي والتوفيق العرفي
، وقد عرفت إمكانه بحمل النهي على الكراهة فالأقوى ما هو المشهور بين المتأخرين من
الكراهة دون الحرمة ، هذا كله في الفريضة.
__________________
[١٥٠٣]
مسألة ١١ : الأقوى عدم
وجوب تعيين السورة قبل الشروع فيها ، وإن كان هو
الأحوط ، نعم لو عيّن البسملة لسورة لم تكف لغيرها فلو عدل عنها وجب إعادة
البسملة.
______________________________________________________
وأمّا النافلة فلا
إشكال كما لا خلاف في الجواز من دون كراهة ، لاختصاص نصوص المنع بالفريضة ، بل
التصريح بالجواز في النافلة في غير واحد من الأخبار.
(١) فلا يجب تعيين
البسملة لسورة خاصة ، بل له أن يقرأها من غير تعيين ثم يأتي بعدها بأيّ سورة شاء.
نعم ، لو عيّنها لسورة لم تكف لغيرها ، فلو عدل عنها وجب إعادة البسملة لعدم
وقوعها جزءاً للسورة المعدول إليها.
وتوضيح المقام
يستدعي التكلم في جهات :
الجهة
الاولى : لا ريب في وجوب قراءة
القرآن في الصلاة والإتيان بسورة الحمد وسورة اخرى بعنوان أنّها من القرآن ، للأمر
بذلك بقوله تعالى ( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ ) المفسّر بما ذكر ، كما لا ريب في عدم تحقق ذلك إلاّ بالإتيان بألفاظ مماثلة
للألفاظ النازلة على النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم بقصد الحكاية عنها ، فبدون هذا القصد لا يصدق عنوان القرآن
، بل هو قول مطابق له ، ولفظ مشابه معه ، ولذا لو تكلّم بداعٍ آخر غير قصد الحكاية
بطلت صلاته لكونه من كلام الآدمي وإن كان متحداً مع ألفاظ القرآن ، كما لو أراد
الإخبار عن مجيء رجل من أقصى المدينة فقال : وجاء رجل من أقصى المدينة أو كان
عنده مسمّى بيحيى وأراد أمره بأخذ الكتاب فقال : يا يحيى خذ الكتاب بقوة ، وكذا
الحال في إنشاد القصيدة ، أو كتابة شيء ، فكل ذلك يتوقف على
__________________
استعمال الألفاظ
أو كتابتها بقصد الحكاية عمّا يشابهها من الألفاظ التي يروم الإتيان بها بعناوينها
من القرآن أو القصيدة ونحوهما. والظاهر أنّ هذا مما لا إشكال فيه ولا شبهة تعتريه.
الجهة
الثانية : بعد ما عرفت من
توقف صدق القرآن على قصد الحكاية فهل اللاّزم حكاية شخص الألفاظ النازلة على النبي
الأكرم صلىاللهعليهوآله والقصد إلى خصوص الفرد المعيّن ، أو تكفي حكاية الطبيعي
الجامع وإن لم يتعلّق القصد إلى حصة خاصة منها.
ويترتّب على ذلك :
أنّه لو قرأ الجنب بسملة العزيمة من دون قصد سورة معيّنة ، أو كتب الجامع بين
الآيات المشتركة كآية ( فَبِأَيِّ آلاءِ
رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) أو ( الْحَمْدُ لِلّهِ
رَبِّ الْعالَمِينَ ) أو ( بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ونحوها من الآيات المتكررة في القرآن الكريم ، من دون أن
يقصد الكاتب الحكاية عن فرد معيّن فعلى الأوّل لا تحرم القراءة على الجنب في
الصورة الأُولى ، ولا مس الكتابة على المحدث في الصورة الثانية ، لعدم صدق القرآن
بعد عدم الحكاية عن الحصة الخاصة ، وعلى الثاني يحرم لكونه من القرآن بمجرد قصد
الحكاية عن الجامع وطبيعي الآية وإن لم يقصد الفرد المعيّن.
قد يقال بالأوّل
وعدم صدق القرآن على الجامع ، نظراً إلى أنّ النازل على النبيّ الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم إنّما هو نفس الحصص الخاصة والجامع اعتبار ينتزعه العقل ولا وجود له وراء
الفرد ، والحكاية عن الطبيعي لا تستلزم الحكاية عن الأفراد ، فما هو الموجود في الخارج
وهو الفرد غير مقصود بالحكاية على الفرض ، وما هو المقصود غير موجود مستقلا ، إذ
ليس النازل إلاّ الفرد دون الجامع ، هكذا أُفيد.
ولكنّه كما ترى
واضح البطلان ، ضرورة أنّ الطبيعي وإن لم يكن له وجود
مستقل وراء فرده
إلاّ أنّه لا إشكال في وجوده خارجاً بوجود الفرد ، وأنّ كليهما موجودان بوجود واحد
يصح إسناده وإضافته إلى كل منهما حقيقة ومن دون عناية ، فوجود زيد في الدار بعينه
وجود للإنسان ومصداق للكلي المتحصص بهذه الحصة ، فيضاف ذاك الوجود إلى الفرد وإلى
الطبيعي من نوع أو جنس قريب أو بعيد.
وعليه فالنازل على
الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم وإن كان هو الفرد المعيّن والحصة الخاصة ، إلاّ أنّ ذلك
الوجود كما يضاف إلى الفرد يضاف بعينه إلى الطبيعي والجامع المتحصص بتلك الحصة ،
فكل منهما صالح لإضافة الوجود وإسناد النزول إليه ، وكلاهما قرآن ، وإن كانا
موجودين بوجود واحد كما عرفت ، ولا ينفك أحدهما عن الآخر بالضرورة ، فقصد الجامع
قصد للقرآن وحكاية له بلا إشكال. وكيف يمكن أن يقال إنّ تلاوة ( فَبِأَيِّ
آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ ) بقصد طبيعي المقروء ، والجامع المنزل على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في سورة الرحمن من غير نيّة التعيين في خصوص الآية الأُولى منها أو ما عداها
ليس من القرآن ، وأنّ ذلك بمثابة قراءتها من غير قصد الحكاية أصلاً حيث عرفت أنّها
لا تعدّ من القرآن ، بل قول مشابه له ولفظ مماثل معه ، فانّ الفرق بينهما في غاية
الوضوح.
الجهة
الثالثة : بعد ما عرفت من
كفاية قصد الجامع في صدق القرآن ، وأنّ قراءة اللفظ المشترك كالبسملة قاصداً بها
الحكاية عن الجامع المنزل وإن لم يقصد الشخص المعيّن مصداق للقرآن ، فهل يجتزأ
بذلك في مرحلة الامتثال وتتحقق معه القراءة المأمور بها في الصلاة؟
أمّا بالنسبة إلى
بسملة الحمد فلا ينبغي الإشكال في عدم الاجتزاء ، إذ المأمور به إنّما هو قراءة
سورة الحمد بخصوصها لا طبيعي السورة ، فلا بدّ من
الإتيان بها بتمام
أجزائها ، وواضح أنّ جزأها بسملتها لا مطلق البسملة ، فكما يعتبر الإتيان بسائر
آياتها بقصد أنّها من الفاتحة ، فلا يكفى قول : الحمد لله ربّ العالمين بقصد الآية
الواقعة في سورة أُخرى ، ولا بقصد الجامع بينهما بلا إشكال فكذا الحال في البسملة
، والظاهر أنّ هذا مسلّم لا ريب فيه ، ولم يقع فيه خلاف من أحد.
إنّما الكلام في
بسملة السورة ، فقد يقال بكفاية قصد الجامع فلا يعتبر التعيين نظراً إلى أنّ المأمور
به إنّما هو طبيعي السورة الجامع بين أفراده ، وحيث إنّ جزأها البسملة فلا محالة
يكون الواجب منها هو الطبيعي الجامع بين البسملات فاذا قصد هذا الكلي فقد امتثل
أمره ، وهو صالح لأن تلحق به بقية الآيات من طبيعي السورة المأمور بها ، فاذا أتى
بفرد منها وضمّها إلى البسملة المأتي بها فقد امتثل التكليف بالسورة التامة ، وقد
اختار هذا القول المحقق الهمداني وقرّبه بعين هذا
التقريب.
لكنّه مخدوش ،
فإنّ المأمور به وإن كان هو طبيعي السورة لكنه الطبيعي الصادق على كل سورة بما لها
من الأجزاء ، ومن الواضح أنّ الجزء من كل سورة إنّما هي الحصة الخاصة من البسملة
والفرد المعيّن منها ، دون الطبيعي الجامع المشترك بين جميع السور ، فلا بدّ في
حصول ذاك الجزء من تعلق القصد بتلك الحصّة الخاصّة ، وإن كان هو مخيّراً في اختيار
أيّة حصّة شاء على ما يقتضيه فرض تعلق الأمر بطبيعي السورة ، فلا يكفي قصد الحكاية
عن القدر المشترك بين البسملات ، لعدم كونه مصداقاً لبعض أجزاء السورة المأمور بها
كما هو الحال في سائر آيات السورة ، فلو كانت مشتركة بين سورتين أو أكثر لا بدّ من
تعيين كونها من سورة خاصّة.
__________________
وما عن صاحب
الجواهر من كفاية قصد الجامع وعدم وجوب تعيين البسملة ، إذ لا
ينحصر التشخيص في القصد بل قد يحصل من أجل متابعة السورة المعيّنة ولحوقها بها
فيصدق عرفاً تعيّن البسملة لها ،
كما ترى ، ضرورة
أنّ الشيء لا ينقلب عمّا هو عليه ، والصدق العرفي انّما هو لبنائهم على قصد
التعيين من أوّل الأمر ، وإلاّ فالصدق مع اطلاعهم على قصد الجامع ممنوع ، ولو سلّم
فهو مبني على ضرب من المسامحة قطعاً ، لما عرفت من امتناع انقلاب الشيء عما وقع
عليه ، فانّ البسملة الواقعة بقصد الجامع كيف تنقلب بلحوق السورة وتقع لخصوصها ،
وقياسه بالمركبات الخارجية كنحت الخشب الصالح لصنعه سريراً أو باباً ونحوهما مع
الفارق ، لعدم الحاجة إلى القصد فيها ، بخلاف المقام الذي هو مركب اعتباري متقوّم
بالقصد.
فتحصل من جميع ما ذكرنا : أنّ الأقوى وجوب تعيين البسملة للسورة
قبل الشروع فيها ، وعدم كفاية قصد الجامع وإن كان حينئذ قرآنا أيضاً. نعم لا يعتبر
التعيين تفصيلاً ، بل يكفي القصد الإجمالي ، كأن يقصد البسملة للسورة المعيّنة عند
الله وإن كانت مجهولة لديه ، كما لو كتب سورة ووضعها في يده ثم نسيها فقصد البسملة
لهذه السورة.
ثم إنّه على
التقديرين أي سواء أقلنا بلزوم قصد التعيين أم لا لو عيّنها لسورة خاصة ثم عدل
عنها لا يجوز الاكتفاء بها ، بل تجب إعادة البسملة بلا إشكال كما نبّه عليه في
المتن ، فإنّ المأتي بها بقصد الجامع يمكن أن يقال كما قيل بكفايتها من أجل أنّ
حكاية الجامع حكاية للفرد وإن عرفت ما فيه ، وأمّا المأتي بها بقصد الفرد المعيّن
فلا يمكن أن تكون حكايته حكاية لفرد آخر مباين معه كما هو ظاهر.
__________________
[١٥٠٤]
مسألة ١٢ : إذا عيّن البسملة
لسورة ثم نسيها فلم يدر ما عيّن ، وجب إعادة البسملة لأيّ سورة أراد ، ولو علم أنّه
عيّنها لإحدى السورتين من الجحد والتوحيد ولم يدر أنّه لأيّتهما أعاد البسملة وقرأ إحداهما ،
ولا يجوز قراءة غيرهما .
______________________________________________________
ثم إنّ صاحب
الحدائق قدسسره بعد أن اختار عدم وجوب التعيين استدل له بخلوّ النصوص عن التعرض لذلك ، فيرجع
إلى أصالة العدم من حديث الحجب وغيره من أخبار أدلة البراءة .
وفيه
: أنّ اعتبار
التعيين إنّما هو من أجل دخله في صدق القراءة المأمور بها في الصلاة كما عرفت ،
فلو كان هناك شك فهو في الانطباق وحصول الامتثال ومثله مجرى للاشتغال دون البراءة.
(١) بعد ما بنى قدسسره على عدم وجوب
تعيين البسملة ، وأنّه لو عيّنها لسورة وجب إعادتها لو عدل إلى أُخرى ، رتّب على
ذلك فروعاً تعرّض لها في ضمن مسائل ، ولنقدّم الكلام فيما ذكره في المسألة الرابعة
عشرة لكونه أسهل تناولاً. ثم نتكلّم في بقية الفروع على وجه يتضح الحال فيها أجمع
إلى نهاية المسألة الخامسة عشرة ، فنقول :
لو كان بانياً من
أوّل الصلاة أو أثنائها في ابتداء الركعة مثلاً على قراءة سورة معيّنة ، أو كانت
عادته كذلك ثم نسي فقرأ سورة أُخرى ذاهلاً عن عزمه الأوّل صحت ولم تجب إعادة
السورة بلا إشكال ، إذ المأمور به هو طبيعي
__________________
[١٥٠٥]
مسألة ١٣ : إذا بسمل من
غير تعيين سورة فله أن يقرأ ما شاء ، ولو شكّ في أنّه عيّنها لسورة معيّنة أو لا فكذلك ، لكن
الأحوط في هذه الصورة إعادتها ، بل الأحوط إعادتها مطلقاً لما مرّ من الاحتياط في
التعيين.
[١٥٠٦]
مسألة ١٤ : لو كان بانياً
من أوّل الصلاة أو أوّل الركعة أن يقرأ سورة معيّنة فنسي وقرأ غيرها ، كفى ولم يجب
إعادة السورة ، وكذا لو كانت عادته سورة معيّنة فقرأ غيرها.
[١٥٠٧]
مسألة ١٥ : إذا شكّ في أثناء سورة أنّه هل عيّن البسملة لها أو
لغيرها وقرأها نسياناً ، بنى على أنّه لم يعيّن غيرها.
______________________________________________________
السورة ، ولا دليل
على تعينها في مصداق خاص بمجرد البناء والعزم وإن تجدّد عزم آخر على خلافه ، فلا
قصور في اتصاف الأُخرى بكونها مصداقاً للمأمور به بعد صدورها عن قصد وإرادة ، وإن
كان ذلك مبنيّاً على الذهول عن الداعي الأوّل الذي كان بانياً عليه في افتتاح
الصلاة ، وهذا واضح لا سترة عليه.
وأمّا بقية الفروع
فيجمعها أنّه تارة : يعلم بأنّه عيّن البسملة لسورة خاصة وأُخرى : يعلم بعدم
التعيين وأنّه أطلق ، وثالثة : يشك في الإطلاق والتعيين ورابعة : يعلم بالتعيين
إجمالاً ويجهل متعلقه ، وأنّه عيّنها لهذه السورة أم للأُخرى.
أمّا
الصورة الأُولى : فهي مبحث العدول من سورة إلى أُخرى ، وقد تعرّض لها في المسألة السادسة عشرة
، وسيجيء البحث عنها مفصلاً إن شاء الله تعالى.
وأمّا
الصورة الثانية : فبناءً على مختار المتن من عدم وجوب التعيين ، له أن يقرأ بعدها أيّ سورة شاء
كما صرح به في المسألة الثالثة عشرة ، لكن عرفت
__________________
أنّ الأقوى خلافه
، فلا يجتزئ بها ، بل لا بدّ من إعادة البسملة بقصد سورة معيّنة.
وأمّا
الصورة الثالثة : أعني الدوران بين التعيين والإطلاق قبل الدخول في السورة ، فقد صرح في المتن
أنّه كذلك ، أي له أن يقرأ بعدها ما شاء. وهذا وجيه على مسلكه من عدم اعتبار التعيين
لأصالة عدم التعيين ، وليس ذلك من الأصل المثبت ، ولا معارضاً بأصالة عدم الإطلاق
، إذ ليس المراد بالإطلاق في المقام لحاظ الطبيعة السارية في أفرادها المقابل
للتقييد ، اللذين هما أمران وجوديان كل منهما مسبوق بالعدم ، ويكونان متقابلين
بتقابل التضاد حتى يكون الأصل في كل منهما معارضاً بالآخر كما في باب الإنشائيات ،
حيث إنّ المنشئ لا بد له من لحاظ أحد الأمرين كل منهما مجرى لأصالة العدم.
بل المراد به هنا
الطبيعة المهملة الجامعة بين اللاّبدية بشرط القسمي والمقسمي بأقسامه الثلاثة
المعراة عن كل قيد ولحاظ ، الذي هو مدلول الألفاظ ، فلم يعلم أنّه حين الشروع في
البسملة هل لاحظ التقييد فعيّنها لسورة معيّنة أو أهملها فلم يقصد إلاّ الطبيعة
الجامعة ، وحيث إنّ الثاني هو المتيقن المطابق للأصل لاحتياج الأوّل إلى مئونة
زائدة مدفوعة بالأصل ، فبأصالة عدم التعيين السليمة عن المعارض ينتج أنّه قصد
الطبيعة غير المتحصصة بحصة خاصة ، والمفروض أنّ حكمه جواز القراءة بعدها بأيّ سورة
شاء.
فما أفاده قدسسره جيّد على مبناه
إلاّ أنّ المبنى غير صحيح كما عرفت فالأقوى عدم الاكتفاء بتلك البسملة للزوم
التعيين ولم يحرز ، فلا بدّ من إعادتها لسورة معينة.
وأمّا
الصورة الرابعة : أعني ما لو شكّ بعد البسملة في أنّه هل عيّنها لهذه السورة أو لسورة أُخرى؟
فقد يكون الشك أثناء السورة ، وأُخرى قبل الدخول فيها.
أمّا
الأوّل : فلا إشكال في عدم
الاعتناء والبناء على أنّه لم يعيّن غيرها ، كما نبّه عليه في المسألة الخامسة
عشرة ، عملاً بقاعدة التجاوز لرجوع الشك حينئذ إلى وجود الجزء وعدمه ، وأنّه هل
بسمل لهذه السورة أو لا ، ولا فرق في جريان القاعدة بين الجزء وبين جزء الجزء كما
حرّر في محله .
وأمّا
الثاني : فله فروض ثلاثة ،
إذ قد يكون الترديد بين سورتين غير الجحد والتوحيد ، وأُخرى بينهما خاصّة ، وثالثة
بين سورة أُخرى وإحدى هاتين السورتين.
أمّا
الفرض الأوّل : فليس له الاجتزاء بتلك البسملة ، إذ لو أتى بأيّ من السورتين يشك في وقوع
البسملة لها فلا يحصل اليقين بامتثال السورة التامّة فلا بدّ من إعادتها والإتيان
بأيّ سورة أراد ، عملاً بقاعدة الاشتغال وتحصيلاً لليقين بالفراغ ، وهذا ظاهر.
وأما
في الفرض الثاني : فليس له إعادة البسملة للعلم التفصيلي بعدم الأمر بها ، لأنّه لو أعادها
لإحداهما فامّا أنّها تكون هي التي بسمل لها أوّلاً فقد سقط أمرها بالامتثال ، أو
غيرها فلا أمر بها ، لعدم جواز العدول من إحداهما إلى الأُخرى ، كما ليس له قراءة
إحداهما ، لعدم الجزم بوقوع البسملة لها ، فلم يحرز الإتيان بالسورة التامّة ، ولا
قراءة سورة أُخرى غيرهما لعدم جواز العدول عنهما ، فلا مناص له من قراءة السورتين
معاً مقتصراً على البسملة السابقة قاصداً الجزئية بإحداهما المعيّنة واقعاً ، ومعه
يقطع بحصول السورة التامة ، ولا محذور فيه ،
عدا توهّم القرآن
بين السورتين. وفيه : مضافاً إلى أنّ الأقوى عدم حرمته بل غايته الكراهة كما مرّ ،
أنّ الممنوع منه حرمة أو كراهة إنّما هو صورة التمكّن من إتمام السورة الواحدة والاجتزاء
بها ، فلا يشمل المقام الذي لا يتيسر ذلك كما عرفت.
__________________
وعدا توهم لزوم
الفصل بين السورة وبسملتها الموجب للإخلال بالموالاة المعتبرة بينهما. وفيه : أنّه
لا ضير فيه بهذا المقدار ، ولا تفوت معه الموالاة العرفية ، بل تجوز قراءة القرآن
بين السورة وبسملتها عمداً واختياراً فضلاً عن مثل المقام كما لا يخفى.
وممّا ذكر تعرف
أنّ ما ذكره في المتن في المسألة الثانية عشرة في هذا الفرض من إعادة البسملة
وقراءة إحدى السورتين ، لا يمكن المساعدة عليه.
وأما
الفرض الثالث : كما لو تردد ما عيّن له البسملة بين القدر والتوحيد مثلاً ، فليس له قراءة
إحدى السورتين من غير إعادة البسملة ، لعدم إحراز بسملتها ، وهذا واضح. كما ليس له
قراءة القدر مع البسملة لها ، للعلم التفصيلي بعدم الأمر بهذه البسملة ، فإنّ
البسملة السابقة إن كانت للقدر فقد سقط أمرها بالامتثال ، وإن كانت للتوحيد فلا
يجوز العدول عنها.
هذا ، وإطلاق كلام
الماتن أعني قوله في المسألة الثانية عشرة : وجب إعادة البسملة لأي سورة أراد شامل
لذلك ، ومقتضاه جواز قراءة القدر مع البسملة لها ، وقد عرفت ما فيه.
فالظاهر أنّ
المتعيّن في حقه اتخاذ أحد طريقين :
الأول
: أن يعيد البسملة
للتوحيد ويقرأها ، إذ لا ضير فيه عدا احتمال الزيادة من جهة احتمال أن تكون
البسملة السابقة لها فتتكرر بسملتها ، وهو غير ضائر بعد أصالة عدم الزيادة ، ولا
أقل من الإتيان بها رجاء أو بقصد القرآنية ، ولو كانت السابقة للقدر فلا تقدح
لجواز العدول من غير التوحيد إليها.
الثاني
: أن يعيد البسملة
لسورة أُخرى غير التوحيد والقدر كالكوثر ، فيقرأ سورة الكوثر مثلاً مع بسملتها.
وهذا أيضاً لا ضير فيه عدا احتمال العدول الممنوع لو كانت السابقة للتوحيد ، وهو
أيضاً مدفوع بالأصل لأصالة عدم قراءة التوحيد ، ولا تعارض بأصالة عدم قراءة القدر
إذ لا أثر لها إلاّ إذا ثبت
[١٥٠٨]
مسألة ١٦ : يجوز العدول من
سورة إلى أُخرى اختياراً ما لم يبلغ النصف .
______________________________________________________
بها قراءة التوحيد
، والأصل لا يتكفل بإثباتها لعدم حجية الأُصول المثبتة.
وبالجملة
: جواز العدول ليس
من آثار قراءة القدر كي يجري فيها الأصل بل من آثار قراءة سورة لم تكن توحيداً ،
كما أنّ عدم جوازه من آثار قراءة التوحيد ، وحيث إنّ طبيعي القراءة متيقنة وكونها
توحيداً مشكوك ، فبعد دفعه بالأصل وضمّه إلى الوجدان يحرز أنّ المقروء سورة غير
التوحيد ، فيترتب عليه جواز العدول من غير أصل معارض كما هو ظاهر جدّاً.
(١) لا إشكال كما
لا خلاف في جواز العدول من سورة إلى أُخرى اختياراً في الجملة ، بل هو المطابق
لمقتضى القاعدة ، فإنّ المأمور به إنّما هو طبيعي السورة ولا دليل على تعيّنه في
سورة معيّنة بمجرد الشروع فيها ، واحتمال وجوب المضي والإتمام مدفوع بالأصل. وقد ذكرنا
نظير ذلك في مسألة القصر والإتمام في مواطن التخيير ، وقلنا إنّ المأمور به إنّما
هو الطبيعي ، ولا يعتبر قصد إحدى الخصوصيتين ولا يتعين فيها الطبيعي لو قصد ، فلو
نوى التمام وقبل تجاوز الحد المشترك بدا له العدول إلى القصر ، أو بالعكس جاز وصحت
صلاته.
ويقتضيه أيضاً
إطلاق بعض نصوص المقام كما ستعرف ، فلا إشكال في الحكم.
__________________
إنّما الكلام في
المورد الذي لا يجوز فيه العدول ، فإنّه المحتاج إلى الدليل لكونه على خلاف الأصل
كما عرفت ، والأقوال فيه أربعة :
أحدها
: ما عن الصدوق وتبعه بعض من تحديد ذلك بعدم بلوغ النصف فلا يجوز العدول إذا بلغ نصف السورة.
الثاني
: ما هو المشهور
بين الأصحاب قديماً وحديثاً ، بل ادعي عليه الإجماع في كثير من الكلمات من تحديده
بعدم تجاوز النصف فيجوز مع بلوغ النصف وإنّما يمنع إذا جاوزه وأخذ في النصف الآخر.
الثالث
: ما هو المحكي عن
كشف الغطاء من التحديد ببلوغ ثلثي السورة.
الرابع
: ما اختاره في
الحدائق من جواز العدول مطلقاً من غير تحديد بحد.
أمّا
القول الأوّل : فليس له مستند ظاهر ، ولم ينقل عليه الإجماع ، نعم يوافقه الفقه الرضوي ، لكن الإشكال في اعتباره معلوم كما تكرر غير مرّة ، فلا يمكن الاعتماد عليه.
على أنّه معارض ببعض النصوص المصرّح فيها بجواز العدول مع بلوغ النصف ، كصحيحة علي
بن جعفر عن أخيه عليهالسلام قال : « سألته عن الرجل أراد أن يقرأ سورة فقرأ غيرها ، هل
يصلح له أن يقرأ نصفها ثم يرجع إلى السورة التي أراد؟ قال : نعم ... » إلخ فإنّها وإن رويت بطريق ضعيف لمكان عبد الله بن الحسن ، لكن صاحب الوسائل
رواها أيضاً عن كتاب علي بن
__________________
جعفر ، وطريقه إلى الكتاب المنتهى إلى طريق الشيخ إليه صحيح.
وموثقة عبيد بن
زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام « في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ غيرها ، قال : له أن
يرجع ما بينه وبين أن يقرأ ثلثيها » فهذا القول ساقط
جزماً.
وأمّا
القول الثاني : فإن كان هناك إجماع تعبدي يطمأن أو يوثق معه بقول المعصوم عليهالسلام فهو ، وإلاّ فإثباته بحسب الروايات مشكل لعدم تماميّتها إذ ليس له مستند عدا
مرسلة الدعائم ، ورواية الشهيد في الذكرى ، قال في دعائم الإسلام : وروينا عن جعفر
بن محمد عليهالسلام « أنّه قال : من بدأ بالقراءة في الصلاة بسورة ثم رأى أن
يتركها ويأخذ في غيرها فله ذلك ما لم يأخذ في نصف السورة الأُخرى ... » إلخ .
وفيه
: مضافاً إلى ضعف
روايات الدعائم بالإرسال ، بل وجهالة مؤلفه وإن بالغ النوري في اعتباره أنّها قاصرة الدلالة ، فإنّها ظاهرة في العدول عن نصف سورة إلى النصف الآخر
من السورة الأُخرى ، بحيث يكون المجموع سورة ملفّقة من سورتين ، كما يشهد له تأنيث
كلمة « الأُخرى » التي هي صفة للسورة لا للنصف. وعليه فتكون أجنبية عما نحن فيه من
العدول إلى سورة أُخرى تامّة.
نعم ، حكى المحقق
الهمداني عن المستند أنّ النسخة التي
عنده كانت هكذا
__________________
« في نصف السورة
الآخر » بتذكير الآخر كي يكون صفة للنصف ، وحينئذ للاستدلال بها وجه ، وإن كانت
العبارة حينئذ لا تخلو عن الركاكة كما لا يخفى وكان الأولى لو أُريد ذلك أن يعبّر
هكذا : في النصف الثاني ، أو في النصف الآخر بل الظاهر أنّ النسخة مضافاً إلى عدم
الوثوق بها مغلوطة ، والصحيح ما أثبتناه فتخرج عن محل الكلام كما عرفت.
وأمّا رواية
الشهيد فقد حكى في الوسائل ، وكذا المجلسي في البحار عن الذكرى نقلاً من كتاب نوادر البزنطي ، عن أبي العباس عن أبي عبد الله عليهالسلام « في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ في أُخرى ، قال : يرجع إلى التي يريد
وإن بلغ النصف » بتقريب أنّها ظاهرة في أنّ بلوغ النصف هو غاية الحد ولذا
عبّر عنها بكلمة إن الوصلية ، لإدراج الفرد الخفي ، وإلاّ لقال وإن جاوز النصف.
وفيه
أوّلاً : أنّها ضعيفة
السند ، لعدم وضوح طريق الذكرى إلى كتاب البزنطي فتكون الرواية مرسلة ، والمراد بأبي العباس هو الفضل بن عبد الملك البقباق
لأنّ الواقع في هذه الطبقة ليس غيره فلا إشكال من أجله.
هذا ، مع أنّ صاحب
الحدائق ذكر أنّ النسخ التي وقف عليها من الذكرى عارية عن إسناد
الرواية إلى أبي عبد الله عليهالسلام بل مروية عن أبي العباس نفسه ، ولم يعلم أنّها فتواه أم
رواية عن الإمام عليهالسلام وعليه فتكون الرواية مضافاً إلى الإرسال مقطوعة أيضاً.
__________________
وثانياً
: بإمكان الخدشة في
الدلالة ، فإنّ ما ذكر لا يتجاوز الإشعار ولا يبلغ حدّ الاستدلال ، لإمكان أن يكون
التعبير بقوله : « وإن بلغ النصف » إشارة إلى الفرد النادر ، إذ قلّ ما يعدل
المصلي عن السورة بعد بلوغ نصفها ، والغالب في العدول قبل البلوغ هذا الحد كما لا
يخفى. فلا يدل على أنّ هذا نهاية الحد الشرعي لجواز العدول.
على أنّ هاتين الروايتين
رواية الدعائم والذكرى تعارضهما موثقة عبيد ابن زرارة المتقدمة المصرّحة بجواز العدول ما بينه وبين أن يقرأ ثلثي السورة.
وبذلك يظهر مستند القول الثالث الذي اختاره في كشف الغطاء ، فإنه استند فيه إلى هذه
الموثقة التي هي قوية السند صريحة الدلالة ولا إشكال عليها ، إلاّ من حيث إعراض
الأصحاب عنها ، لأنّ المشهور هو القول الثاني كما عرفت. فان بنينا على قادحية
الإعراض سقطت عن الحجية ، وإلاّ كما هو المختار فلا مانع من الاعتماد عليها. ومن
ذلك تعرف قوة هذا القول.
وأمّا
القول الرابع : أعني جواز العدول مطلقاً الذي اختاره صاحب الحدائق فقد استدل قدسسره له بإطلاق
الأخبار وقدمه على التحديدات المذكورة في رواية الفقه الرضوي وغيرها التي هي حجة
عنده ، ولا يتم ذلك على مسلكه كما لا يخفى.
نعم ، يمكن تقريب
هذا القول ، بل وتقويته ببيان آخر نتيجته جواز العدول مطلقاً ، وحمل التحديد
بالنصف أو الثلثين على ضرب من الكراهة والمرجوحية على اختلاف مراتبها. وهذا البيان
نتيجة الالتزام بمبنيين : أحدهما جواز التبعيض والآخر جواز القرآن بين السورتين
اللذين عرفت فيما مضى أنّهما الأقوى بالنظر إلى الأدلّة.
__________________
وعليه نقول
التحديد بالثلثين الذي تضمنه موثق عبيد المتقدم لا يمكن حمله على اللّزوم على وجه
لا يجوز العدول بعده ، لأنّ الوجه في عدم الجواز إن كان هو وجوب إتمام هذه السورة
التي بيده فقد بنينا على جواز التبعيض وعدم وجوب الإتيان بسورة تامّة حسب الفرض ،
وإن كان عدم جواز القرآن بين السورتين بدعوى شموله للزائد من السورة الواحدة وإن
لم تتم السورتان كما قد يقتضيه إطلاق قوله عليهالسلام في صحيحة منصور المتقدمة سابقاً : « لا تقرأ في المكتوبة
بأقل من سورة ولا بأكثر » ، فقد بنينا على جواز القرآن فليس لهذا التحديد وجه ظاهر
ويبعد جدّاً حمله على التعبد المحض فتأمل. فلا مناص من حمله على ضرب من المرجوحية
والكراهة ، التي دونها في المرتبة ما لو كان العدول قبل هذا الحد ، وبعد تجاوز
النصف الذي تضمنته صحيحة علي ابن جعفر المتقدمة .
بل يمكن أن يقال :
بتعين الوجه الأوّل ، لعدم شمول القرآن الممنوع للعدول المبحوث عنه في المقام ،
لأنّ أخبار الباب قد تضمنت بأجمعها التعبير بـ « الرجوع » وظاهره رفع اليد عن
السورة التي بيده ، والإتيان بسورة أُخرى على نحو يشبه تبديل الامتثال بالامتثال ،
وأين هذا من القرآن الذي هو عبارة عن الامتثال بكلتا السورتين وجعلهما معاً
مصداقاً للمأمور به ، فلا علاقة بين المسألتين بوجه ، إذن فالوجه في المنع عن
العدول بعد ما عرفت من استبعاد التعبد المحض ليس إلاّ المنع عن التبعيض وقد بنينا
على جوازه.
والمتحصل من مجموع الأخبار : أنه إذا لم يبلغ الثلثين جاز له العدول
، بمعنى رفع اليد عما بيده ، وتبديل الامتثال بامتثال آخر ، فيعدل إلى سورة أُخرى
__________________
إلاّ من الجحد
والتوحيد فلا يجوز العدول منهما إلى غيرهما ، بل من إحداهما إلى الأُخرى بمجرد الشروع فيها
ولو بالبسملة.
______________________________________________________
بقصد الجزئية ، إذ
التحديد بالنصف أو تجاوزه لم ينهض عليه دليل معتبر كما مرّ. وأمّا إذا بلغ هذا
الحد فالعدول بهذا المعنى غير جائز في حقه ، للتحديد بذلك في موثقة عبيد بن زرارة
ولا مانع من العمل بها. فليس له رفع اليد عن هذه السورة بل يجب إتمامها ، لكنه ليس
ذلك إلاّ من جهة عدم جواز التبعيض ، ولا يحتمل له وجه آخر ، فان بنينا على العدم
فلا مناص من الإتمام ، والتحديد حينئذ مبني على اللّزوم ، وأمّا إذا بنينا على
جواز التبعيض كما هو الأقوى بالنظر إلى الأدلّة وإن كان الأحوط وجوباً خلافه كما
مرّ سابقاً فله العدول بمعنى رفع اليد عن هذه السورة والاقتصار على ما قرأ ، وإن
أراد أن يأتي بسورة أُخرى فله ذلك ، لكنه يأتي بها بقصد مطلق القرآن ، لا بقصد
الجزئية وتبديل الامتثال ، لما عرفت من دلالة الموثقة على المنع عن ذلك ، فلا تصلح
السورة الأُخرى بعدئذ للجزئية.
نعم ، لو أراد أن
يأتي بسورة كاملة بقصد الجزئية لا محيص له من إتمام هذه السورة. وعليه فالتحديد
المزبور مبني على ضرب من الكراهة والمرجوحية دون اللّزوم. ونتيجة ذلك جواز العدول
بمعنى رفع اليد عمّا بيده والاجتزاء بما قرأ ، لا بمعنى تبديل الامتثال بالامتثال
مطلقاً كما ذكره صاحب الحدائق ، لكن لا للوجه الذي ذكره ، بل لما عرفت. وهذا القول
غير بعيد لو بنينا على جواز التبعيض وإلاّ فالأقوى التحديد بالثلثين كما اختاره
كاشف الغطاء فتأمل ، ولكنّ الأحوط ما عليه المشهور.
(١) بلا خلاف ولا
إشكال ، فلا يجوز العدول عنهما بعد الشروع بالمعنى الذي
قدّمناه أعني
تبديل الامتثال بالامتثال فتسقط سائر السور عن صلاحية الجزئية ، فإن بنينا على
المنع عن التبعيض وجب الإتمام ، وإلاّ جاز الاقتصار على ما قرأ ، ورفع اليد عن
الباقي كما عرفت تفصيله فيما مرّ.
ومستند الحكم عدّة
نصوص معتبرة كصحيحة عمرو بن أبي نصر قال : « قلت لأبي عبد الله عليهالسلام الرجل يقوم في الصلاة فيريد أن يقرأ سورة فيقرأ قل هو الله أحد ، وقل يا أيها
الكافرون ، فقال : يرجع من كل سورة إلاّ من قل هو الله أحد ، وقل يا أيها الكافرون
» .
وصحيحة الحلبي قال
: « قلت لأبي عبد الله عليهالسلام رجل قرأ في الغداة سورة قل هو الله أحد ، قال : لا بأس ،
ومن افتتح سورة ثم بدا له أن يرجع في سورة غيرها فلا بأس إلاّ قل هو الله أحد ،
ولا يرجع منها إلى غيرها ، وكذلك قل يا أيّها الكافرون » وغير ذلك من الأخبار كصحيحة علي بن جعفر ونحوها.
ومقتضى الإطلاق
فيها عدم جواز العدول حتى بالشروع في أوّل آية منها ولو بالبسملة ، إذ يصدق
قراءتها وافتتاحها بمجرد ذلك ، فلا فرق في الحكم بين بلوغ النصف وعدمه.
كما أنّ مقتضى
الإطلاق أيضاً عدم جواز العدول من كل منهما حتى إلى الأُخرى.
__________________
نعم ، يجوز العدول
منهما إلى الجمعة والمنافقين في خصوص يوم الجمعة حيث إنّه يستحب في الظهر أو الجمعة
منه أن يقرأ في الركعة الأُولى الجمعة وفي الثانية المنافقين ، فإذا نسي وقرأ
غيرهما حتى الجحد والتوحيد يجوز العدول إليهما ما لم يبلغ النصف. وأما إذا شرع في
الجحد أو التوحيد عمداً فلا يجوز العدول إليهما أيضاً على الأحوط .
______________________________________________________
(١) يقع الكلام في
جهات :
الاولى
: لا ينبغي الإشكال
في جواز العدول من كل سورة حتى الجحد والتوحيد إلى الجمعة والمنافقين في خصوص يوم
الجمعة في الجملة كما عليه المشهور.
ويدلُّ عليه في
خصوص التوحيد : عدة نصوص معتبرة كصحيحة محمد بن مسلم « في الرجل يريد أن يقرأ سورة
الجمعة في الجمعة فيقرأ قل هو الله أحد قال : يرجع إلى سورة الجمعة » وصحيحة الحلبي « إذا افتتحت صلاتك بقل هو الله أحد وأنت تريد أن تقرأ بغيرها
فامض فيها ولا ترجع ، إلاّ أن تكون في يوم الجمعة فإنّك ترجع إلى الجمعة
والمنافقين منها » ونحوهما موثقة عبيد وغيرها.
وأمّا الجحد ،
فإلحاقه بالتوحيد مبني على القول بعدم الفصل كما قيل ، وأنّه لا فرق بينهما في
العدول جوازاً ومنعاً ، لكن الجزم به مشكل.
والأولى الاستدلال له بصحيحة علي بن جعفر قال : « سألته عن القراءة
في الجمعة بما يقرأ؟ قال : سورة الجمعة ، وإذا جاءك المنافقون ، وإن أخذت في
__________________
غيرها وإن كان قل
هو الله أحد فاقطعها من أوّلها وارجع إليها » .
أمّا من حيث السند
، فهي صحيحة كما ذكرنا ، فانّ صاحب الوسائل وإن حكاها عن قرب الإسناد بطريق ضعيف لاشتماله على عبد الله بن الحسن ، إلاّ أنّ صاحب الحدائق رواها عن
كتاب علي بن جعفر وطريقه إليه المنتهى إلى طريق الشيخ صحيح كما أشرنا إليه
غير مرّة ، والظاهر أنّ اقتصار صاحب الوسائل على الطريق الأوّل في المقام ، وعدم
التعرّض للطريق الثاني غفلة منه قدسسره ، إذ قد ذكر السؤال والجواب الواقعين قبل هذا الحديث في الباب الخامس والثلاثين من أبواب القراءة الحديث الثالث ، وأشار هناك إلى
الطريقين معاً حيث قال : ورواه علي بن جعفر في كتابه فلاحظ ، وكيف كان فلا شبهة في
صحة السند.
وأمّا
من حيث الدلالة ، فيمكن تقريبها من وجهين :
أحدهما
: استظهار التعميم
لجميع السور من أجل تخصيص التوحيد بالذكر بكلمة إن الوصلية ، الظاهرة في إدراج
الفرد الخفي وأنّه آخر الأفراد التي ينتهي الأمر إليها ولا يمكن الرجوع عنها ،
الكاشف عن كونها أعظم شأناً من غيرها في حكم العدول ، لأنّها أولى بالإتمام من
غيرها ، فاذا جاز العدول عنها إليهما جاز عن غيرها ومنها الجحد بطريق أولى.
__________________
الثاني
: مع الغض عمّا ذكر
وتسليم عدم الظهور في التعميم ، فلا ريب أنّ إطلاقها يشمل الجحد ، وحينئذ تكون
النسبة بينها وبين ما دلّ على عدم جواز العدول عن الجحد إلى غيرها كما سبق نسبة
العموم من وجه ، إذ الأُولى مطلقة من حيث الجحد وغيرها وخاصة بيوم الجمعة وبما إذا
كانت المعدول إليها خصوص الجمعة أو المنافقين ، والثانية بعكس ذلك فيتعارضان في
مادة الاجتماع ، وبعد التساقط يرجع إلى الأصل المقتضي للجواز كما قدّمناه في صدر
المبحث ، وإلى الإطلاقات كموثقة عبيد بن زرارة وغيرها ، فليتأمل.
وبذلك يثبت أصل الجواز.
وأمّا الاستحباب ،
فيدل عليه إطلاق الأخبار الآمرة بقراءة الجمعة والمنافقين يوم الجمعة ، وأنّه لا
ينبغي تركهما كصحيحة زرارة وغيرها ، فإنّ إطلاقها يشمل حتى من شرع في سورة أُخرى وإن
كانت هي الجحد ، فلا إشكال في شمول الحكم لهما معاً.
الجهة
الثانية : هل المراد
بالصلاة المستثناة عن هذا الحكم في يوم الجمعة هي صلاة الجمعة خاصة كما اختاره
صاحب الحدائق ، أو بإضافة الظهر إليها كما عليه المشهور ، أو بزيادة
العصر أيضاً كما عن جامع المقاصد ، أو الجميع مع
صلاة الغداة كما احتمله في الجواهر وإن لم يظهر له
قائل ، أو يضاف على
__________________
الكل بعد إخراج
العصر صلاة العشاء من ليلة الجمعة كما عن الجعفي ؟
وجوه بل أقوال ،
والأقوى ما عليه المشهور كما ستعرف.
أمّا مقالة
الحدائق ، فقد استدل عليها بأنّ لفظ الجمعة في هذه الأخبار كصحيحة محمد بن مسلم ،
وموثقة عبيد ، وصحيحة ابن جعفر منصرف إلى صلاة الجمعة. نعم ، في صحيحة الحلبي « يوم الجمعة » لكن الإطلاق منزّل على صلاة الجمعة بقرينة تلك الأخبار ،
فيحمل المطلق على المقيد ، ويقتصر في جواز العدول على المتيقن ، ويرجع في غيره إلى
إطلاق دليل المنع.
لكنه كما ترى ، إذ
فيه أوّلاً : أنّه لا موجب لرفع اليد عن إطلاق صحيح الحلبي المخصص لعموم
المنع ، إذ ليس المقام من موارد حمل المطلق على المقيّد لاختصاصه بالمتنافيين ،
وما إذا كان المطلوب في المطلق صرف الوجود ، ولا تنافي بين الدليلين في المقام بعد
كونهما مثبتين كما هو ظاهر ، فالمحكّم إذن إطلاق دليل المخصص المقدّم على عموم
العام.
وثانياً
: أنّ تلك الأخبار
في أنفسها غير صالحة للتقييد ، فإنّ السائل كعلي ابن جعفر متى سنح له في عصر موسى
بن جعفر عليهالسلام وغيره أن يصلي صلاة الجمعة إماماً حتى يكون هو القارئ كي
يسأل عن حكم العدول ولو كان مأموماً فوظيفته الظهر في نفسه خلف الإمام المخالف.
وعلى
الجملة : إرادة خصوص صلاة
الجمعة من هذه الأخبار يلزمها التعرض لبيان حكم لم يتحقق في الخارج ، فلا بدّ وأن
يكون المراد الأعم من صلاة الجمعة وظهرها لا خصوص الأُولى ، إذ لم تكن صلاة الجمعة
معهودة
__________________
ولا محلاًّ
للابتلاء بالإضافة إلى أصحاب الأئمة : حتى يتعرض لحكمها من حيث العدول في القراءة وعدمه فليتأمل.
وثالثاً
: أنّ دعوى انصراف
لفظ الجمعة إلى صلاتها كما ذكره قدسسره ممنوع ، بل الظاهر أنّه موضوع للأعم منها ومن الظهر يوم
الجمعة كما أُطلق على ذلك في غير واحد من الأخبار ، لأنّهما حقيقة واحدة قد أُبدلت
الركعتان الأخيرتان بالخطبتين. ومن ذلك كله تعرف أنّ الأقوى شمول الحكم لهما كما
عليه المشهور. نعم ، في رواية دعائم الإسلام التصريح بأنّه في صلاة الجمعة خاصة ، لكنه لا يعتمد على هذا الكتاب كما مرّ مراراً.
وأمّا
إلحاق العصر ، فوجهه إطلاق
اليوم في صحيحة الحلبي ، ولا يقدح اشتمال بقية الأخبار على الجمعة ، الظاهر في
صلاة الجمعة وظهرها ، لعدم التنافي حتى يلزم حمل المطلق على المقيد.
ويدفعه
: أنّ هذا الإطلاق
غير متبع ، إذ ليس الوجه في ثبوت هذا الحكم أعني جواز العدول استحباب قراءة الجمعة
والمنافقين في صلاة الجمعة وظهرها ، كي يسري إلى العصر لثبوت الاستحباب فيه أيضاً
، وإلاّ لزم التعدي إلى سائر الصلوات ، لاستحباب قراءة سور خاصة فيها كسورة الفجر
في صلاة الغداة أو الدهر ، أو هل أتيك حديث الغاشية في العشاء وغيرها من صلوات
سائر الأيام ، وهو كما ترى.
بل الوجه في ذلك :
شدة الاهتمام وتأكد العناية بقراءتهما في صلاة الجمعة بالمعنى الأعم ، الشامل
للظهر بحيث كاد أن يكون واجباً كما يفصح عنه التعبير بكلمة « لا ينبغي » في صحيحة
زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام في حديث
__________________
طويل يقول : «
اقرأ سورة الجمعة والمنافقين ، فانّ قراءتهما سنّة يوم الجمعة في الغداة والظهر
والعصر ، ولا ينبغي لك أن تقرأ بغيرهما في صلاة الظهر يعني يوم الجمعة إماماً كنت
أو غير إمام » .
وعليه فمناسبة
الحكم والموضوع تقتضي اختصاص الحكم بصلاة الجمعة بالمعنى الأعم ، ولأجل ذلك ينصرف
الإطلاق في صحيحة الحلبي إليها فإنّ الاستحباب وإن كان ثابتاً في العصر أيضاً كما
ذكر في هذه الصحيحة ، إلاّ أنّ تلك العناية والاهتمام خاصة بالظهر ، لاختصاصها
بالتعبير بـ « لا ينبغي » أي لا يتيسر كما عرفت.
وأمّا
إلحاق الغداة ، فوجهه إطلاق اليوم الشامل لصلاة الغداة كما مرّ في العصر.
وقد
يقال : بأنّ المناط في
العدول استحباب السورتين غير الثابت في صلاة الغداة.
وفيه
: أنّ الاستحباب
ثابت فيها كالعصر ، كما نطقت به صحيحة زرارة المتقدمة آنفاً.
فالصحيح في الجواب أوّلاً : ما عرفت من انصراف الإطلاق بمناسبة الحكم والموضوع إلى
صلاة الجمعة بالمعنى الأعم ، لشدة الاهتمام بقراءتهما فيها ، وليس المدار في هذا
الحكم على مطلق استحباب السورة ، وإلاّ لاتجه النقض بما عرفت.
وثانياً
: أنّ شمول إطلاق
اليوم لصلاة الغداة غير معلوم ، فانّ اليوم وإن كان قد يطلق على ما بين طلوع الفجر
وغروب الشمس ، لكن أكثر إطلاقه خاص بما بين طلوع الشمس وغروبها ، فله إطلاقان ولم
يحرز أنّ المراد به في المقام المعنى الأوّل. فالمقتضي للتعميم قاصر في نفسه كما
لا يخفى.
__________________
وأمّا
إلحاق ليلة الجمعة ، فلم يظهر له وجه أصلاً بعد وضوح عدم صدق اليوم على الليلة.
فاتضح أنّ الأقوى ما
عليه المشهور من اختصاص الحكم بصلاة الجمعة وظهرها.
الجهة
الثالثة : هل يختص الحكم
بجواز العدول إلى الجمعة والمنافقين بما إذا لم يتجاوز النصف ، فبعد التجاوز لا
يجوز العدول إليهما كما لا يجوز إلى غيرهما ، أو يعمّ الحكم صورة التجاوز أيضاً؟
يقع الكلام تارة
في العدول عن غير الجحد والتوحيد ، وأُخرى في العدول عنهما.
أمّا
الأوّل : فقد عرفت أنّ
التحديد بعدم تجاوز النصف لم ينهض عليه دليل معتبر عدا الإجماع ، وهو لو تمّ دليل
لبيّ يقتصر على المتيقن منه ، وهو العدول إلى غير الجمعة والمنافقين ، وأمّا فيهما
فلم يعلم بتحققه ، ولو سلّم قيام دليل لفظي معتبر عليه وكان له إطلاق ، أو بنينا
على التحديد بالثلثين كما نطق به موثق عبيد المتقدم واختاره كاشف الغطاء ، وعرفت أنّه الأقوى ، فالنسبة بين هذه الموثقة أو ذاك
الدليل اللفظي لو كان ، وبين ما دل على جواز العدول إلى الجمعة والمنافقين من
الروايات المتقدمة عموم من وجه ، إذ مقتضى إطلاق الأوّل المنع عن العدول بعد تجاوز
النصف أو بعد بلوغ الثلثين إلى أيّ سورة سواء أكانت الجمعة والمنافقين أم غيرهما ،
ومقتضى إطلاق
الثاني جواز العدول إليهما سواء أكان قبل تجاوز النصف أو الثلثين أم بعدهما ،
فيتعارضان في مادة الاجتماع وهي العدول إلى السورتين بعد تجاوز النصف أو الثلثين ،
وبعد التساقط يرجع إلى الأصل أو عموم ما دلّ على
__________________
جواز الرجوع من كل
سورة إلى غيرها ، وبذلك يثبت الجواز. وأمّا الاستحباب فيكفي فيه إطلاق ما دلّ على
أنّه لا ينبغي ترك الجمعة والمنافقين في يوم الجمعة كما تقدم في صحيحة زرارة الطويلة.
وأمّا
الثاني : أعني العدول عن
الجحد والتوحيد ، فالظاهر أيضاً ثبوته على الإطلاق ، لإطلاق ما دلّ على جواز
العدول عنهما إلى الجمعة والمنافقين من الروايات المتقدمة ، فإنّه يشمل النصف
والثلثين وغيرهما ، إذ لم يرد هنا تحديد بل كان المنع ذاتياً غير مختص بحد معيّن ،
فإطلاق دليل المخصص الدال على جواز العدول منهما إليهما هو المحكّم.
فظهر أنّ الأقوى
جواز العدول إلى الجمعة والمنافقين مطلقاً ، من غير فرق بين الجحد والتوحيد وغيرهما
، ولا بين تجاوز النصف أو الثلثين وعدمهما. نعم في رواية الفقه الرضوي التحديد
بالنصف ، لكنّها ليست بحجة كما مرّ غير مرّة.
الجهة
الرابعة : هل يختص الحكم
بجواز العدول من الجحد والتوحيد وكذا من غيرهما وإن جاوز الثلثين إلى سورة الجمعة
والمنافقين بصورة النسيان ، فاذا شرع فيها عامداً لا يجوز العدول إليهما ، أو يعمّ
صورة العمد أيضاً؟
فيه خلاف وإشكال ،
وقد احتاط في المتن بتخصيص الحكم بالأُولى.
ووجه الاشكال :
أنّ الروايات المانعة عن العدول على طائفتين ، فبعضها وهي الأكثر موردها الناسي
كصحيحة عمرو بن أبي نصر وعلي بن جعفر وغيرهما والبعض الآخر وهي
صحيحة الحلبي موردها العمد لقوله « ثم بدا له » وأمّا
__________________
[١٥٠٩]
مسألة ١٧ : الأحوط عدم
العدول من الجمعة والمنافقين إلى غيرهما في يوم الجمعة وإن لم يبلغ النصف .
______________________________________________________
الروايات المسوّغة
للعدول إلى الجمعة والمنافقين فهي بأجمعها مختصّة بالنسيان فتخصص الطائفة الاولى
من الروايات المانعة. وأمّا الطائفة الثانية فهي سليمة عن المخصص ، فيؤخذ بإطلاق
المنع فيها.
ولكن الظاهر شمول
الحكم لصورة العمد أيضاً ، فإنّ الروايات المجوّزة أيضاً على طائفتين ، إذ فيها ما
له إطلاق يشمل العامد ، وهي صحيحة علي بن جعفر فإنّها صحيحة
السند كما مرّ ، والمذكور فيها عنوان الأخذ الشامل للعمد والنسيان فتكون هذه
مقيّدة لجميع الأخبار السابقة المانعة عن العدول ، إذ النسبة بينها وبين مجموع تلك
الأخبار نسبة الخاص إلى العام ، لأنّ مفادها عدم جواز العدول في العمد والنسيان
إلى أيّ سورة ، ومفاد هذه الصحيحة الجواز فيهما إلى خصوص الجمعة والمنافقين ،
فتقيّد تلك بهذه ، ونتيجته شمول الحكم لصورتي العمد والنسيان كما ذكرنا.
(١) هذا لم يرد في
شيء من النصوص غير ما عن كتاب دعائم الإسلام المصرّح بعدم
جواز العدول عنهما وليس بحجة ، وليست هناك شهرة ينجبر بها الضعف على القول به ،
لأنّ المسألة خلافية ، فلم يبق إلاّ الوجه الاستحساني وهو أنّ جواز العدول عن
الجحد والتوحيد إليهما مع كونه ممنوعاً في نفسه يكشف عن أهميتهما بالنسبة إليهما
وشدة العناية والمحافظة على قراءتهما أكثر ممّا روعي في التوحيد والجحد ، فاذا لم
يجز العدول عنهما لم يجز في الجمعة والمنافقين
__________________
[١٥١٠]
مسألة ١٨ : يجوز العدول من
سورة إلى أُخرى في النوافل مطلقاً وإن بلغ النصف .
______________________________________________________
بطريق أولى ، إلاّ
أنّ هذه الأولوية ليست بقطعية لعدم العلم بملاكات الأحكام ومجرّد الاستحسان لا
يصلح أن يكون مدركاً لحكم شرعي على سبيل البتّ والجزم. فالأقوى هو الجواز وإن كان
الاحتياط حسناً على كل حال.
(١) إذا استندنا
في المنع عن العدول إلى الإجماع ، فغير خفي أنّه دليل لبي لا إطلاق له حتى يشمل
النوافل ، فتبقى تحت المطلقات أو أصالة الجواز.
وأمّا إذا استندنا
إلى الأدلة اللفظية من الروايات الضعيفة كمرسلة الذكرى أو الفقه الرضوي المانعة عن
العدول بعد تجاوز النصف ، أو إلى موثقة عبيد المانعة عنه بعد الثلثين ، فتلكم الروايات
مطلقة تعمّ الفرائض والنوافل ، ولكن الظاهر انصرافها إلى الأُولى ، لأنّ العدول
الذي تضمنته هذه النصوص جوازاً ومنعاً فيما قبل الحد وبعده معناه تبديل الامتثال
بالامتثال وعدمه كما مرّ ، وأنّه يجوز التبديل قبل بلوغ الحد من النصف أو الثلثين
، ولا يجوز بعد البلوغ.
وعليه فهي ناظرة
إلى الصلاة التي تقرّرت فيها سورة واحدة حتى يحكم بجواز تبديلها بامتثال آخر أو
بعدم الجواز ، وهي ليست إلاّ الفرائض التي لا يجوز فيها القرآن لقوله عليهالسلام : « لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة ولا بأكثر » وأمّا النوافل فلم تكن السورة المقررة فيها ولو استحباباً محدودة بحد ، ولا
مقيدة بالوحدة ، لاختصاص القرآن الممنوع حرمة أو كراهة بغيرها ، بل كل ما أتى
__________________
[١٥١١]
مسألة ١٩ : يجوز مع
الضرورة العدول بعد بلوغ النصف حتى في الجحد والتوحيد ، كما إذا نسي بعض السورة ، أو خاف
فوت الوقت بإتمامها ، أو كان هناك مانع آخر ،
______________________________________________________
به من السورة فهي
الوظيفة الفعلية ، لا أنّ الامتثال مختص بالوجود الأوّل حتى يكون العدول عنها من
تبديل الامتثال بالامتثال ، بل هو بنفسه مصداق للامتثال. فبهذه القرينة تنصرف تلك
الأخبار إلى الفرائض ولا تعمّ النوافل فتبقى تحت أصالة الجواز ، فتدبر جيداً.
(١) مراده قدسسره بالجواز المعنى
الأعم المقابل للحرمة والمجامع للوجوب لا المعنى الأخص المساوق للإباحة ، لوضوح
أنّ العدول في الموارد التي يذكرها واجب ، وليس بمباح.
وكيف كان ، فبعد
ما فرغ عن حكم العدول وأنّه غير جائز بعد تجاوز النصف ، استثنى عن ذلك مورد
الاضطرار والعجز بحيث لا يمكنه إتمام السورة التي شرع فيها ، وهو قد يكون تكوينياً
كما لو نسي بعض السورة ، أو تشريعياً كما لو خاف فوت الوقت بإتمامها ، فإنّه يجوز
العدول حينئذ ولو عن الجحد والتوحيد أو بعد تجاوز النصف أو الثلثين ، بل يجب بناءً
على وجوب السورة الكاملة ، وذلك لقصور شمول دليل المنع لمثل المقام ، لاختصاصه بما
إذا تمكن من إتمام السورة ، حيث إنّ ظاهره وجوب الإتمام المختص بصورة التمكن ،
والمفروض عجزه عن ذلك تكويناً أو تشريعاً ، فيبقى العدول حينئذ تحت أصالة الجواز.
وهذا ظاهر لا
إشكال فيه ، إذ طروء العجز والعذر يكشف عن عدم تعلق الأمر بهذه السورة من الأوّل ،
فلا يعدّ ذلك من تبديل الامتثال.
ومن ذلك ما لو نذر
أن يقرأ سورة معيّنة في صلاته فنسي وقرأ غيرها فانّ الظاهر جواز العدول وإن كان بعد بلوغ
النصف ، أو كان ما شرع فيه الجحد أو التوحيد.
______________________________________________________
(١) عدّ قدسسره من موارد العذر
التشريعي ما لو نذر قراءة سورة معيّنة في صلاته ثم غفل وشرع في سورة أُخرى ، فإنّه
يجوز له العدول عنها وإن كانت هي الجحد أو التوحيد ، أو بعد تجاوز النصف في غيرهما
، فيعدل عنها إلى السورة المنذورة ، لعدم التمكن من إتمام ما شرع ، لاستلزامه ترك
الوفاء بالنذر الممنوع شرعاً.
وليعلم أنّ محل
الكلام ما لو تعلق النذر بالأمر الوجودي ، وهو قراءة سورة معيّنة كما ذكرنا ،
وأمّا إذا كان متعلقه أمراً عدميا كنذر أن لا يقرأ سورة أُخرى غير ما عيّن ، فهو
خارج عن محل الكلام ، لبطلان مثل هذا النذر في نفسه ولو لم يكن مزاحماً بحكم آخر ،
ضرورة اعتبار الرجحان في متعلّق النذر ، ولا رجحان في ترك قراءة سائر السور ،
سيّما إذا لوحظ معها مثل التوحيد التي تستحب قراءتها مطلقاً ، أو بعض السور كهل
أتى ، والأعلى ، والغاشية التي يستحب قراءتها بخصوصها في بعض الأيام ، وفي بعض
الصلوات.
فمحل الكلام والذي
ينظر إليه في المتن إنّما هو القسم الأوّل بلا ريب ، إذ الكلام إنّما هو في النذر
الصحيح المنعقد في حد نفسه مع قطع النظر عن الابتلاء بالمزاحم ، ولا شك في صحة نذر
أن يقرأ سورة معيّنة في صلاته ، لرجحانها وإن كان غيرها أرجح منها ، إذ لا يعتبر
في صحة النذر إلاّ رجحان المتعلق في نفسه
__________________
لا أن لا يكون شيء
أرجح منه ، ومن هنا ترى صحة نذر زيارة مسلم عليهالسلام ليلة عرفة لرجحانها ، وإن كانت زيارة الحسين عليهالسلام في هذه الليلة أفضل.
وقد
يقال في محل الكلام :
بجواز ترك السورة المنذورة وقراءة غيرها حتى اختياراً ، إذ ليست فيه مخالفة للنذر
، فانّ نذر قراءتها كان مشروطاً باشتغال الذمّة بالسورة كما هو مقتضى تقييدها
بالصلاة ، ومعلوم أنّ النذر المشروط بشرط لا يقتضي حفظ شرطه ، بل له إعدامه ليرتفع
موضوع الوفاء ، فله تفويت الشرط بتفريغ ذمته عن السورة الواجبة في الصلاة بقراءة
سورة أُخرى غير المنذورة فلا يبقى موضوع لوجوب الوفاء.
وهذا كما ترى من
غرائب الكلام ، ضرورة أنّ الشرط هو اشتغال الذمة الذي يكفي في تحققه الاشتغال آناً
ما وقد تحقق بالشروع في الصلاة جزماً فالشرط حاصل والنذر معه نافذ لفعلية
المشروط بفعلية شرطه ، ومعه كيف يسوغ له التفويت المؤدي إلى مخالفة النذر ، وهذا
نظير ما لو نذر أن يدفع زكاته لزيد مهما اشتغلت ذمته بها ، فإنّه لا إشكال في حصول
الحنث لو دفعها إلى عمرو ، مع أنّ الموضوع حينئذ غير باقٍ ، لعدم اشتغال ذمته بالزكاة
بعد الدفع المزبور ، إلى غير ذلك من النظائر التي لا تخفى ممّا لا يمكن الالتزام
فيها بما ذكر. والسرّ أنّ شرط التكليف وإن لم يجب تحصيله أو التحفظ عليه ، لكنه لا
يجوز تفويته بعد حصوله وفعلية التكليف كما هو ظاهر.
ومما ذكرنا يظهر
أنّ ما ذكره هذا القائل من التخيير بين الإتمام والعدول لو قرأ غير المنذورة
نسياناً وكان مما يجوز العدول عنه كغير الجحد والتوحيد قبل بلوغ النصف ، لا يمكن
المساعدة عليه بوجه ، بل يجب عليه العدول وفاءً بالنذر
__________________
لنفوذه بعد حصول
شرطه.
وكيف ما كان ،
فاذا نذر قراءة سورة معيّنة في صلاته فشرع في أُخرى نسياناً وتذكّر بعد تجاوز
النصف على المشهور ، أو بعد تجاوز الثلثين على المختار ، أو كان ما شرع فيه
التوحيد أو الجحد ، فقد ذكر الماتن قدسسره أنّه يجوز أي يجب العدول حينئذ ، لعدم شمول دليل حرمة
العدول للمقام ، لاختصاصه بما إذا كان قادراً على الإتمام ، ولا قدرة عليه شرعاً
بعد وجوب الوفاء بالنذر المقتضي للإتيان بالسورة المنذورة.
وما أفاده قدسسره وجيه لو شمل دليل
الوفاء لمثل المقام لكنه غير شامل وهذا النذر باطل في نفسه كما اعترف به غير واحد
من الأعلام ، والوجه في ذلك : ما ذكرناه في الأُصول في بحث التزاحم في مسألة الترتب من أنّ أمثال المقام وإن كان داخلاً في باب
التزاحم فيتزاحم وجوب الوفاء بالنذر مع حرمة العدول ، لكن الترجيح مع الثاني ،
لقصور دليل النذر عن مزاحمة حكم من الأحكام ، لاشتراط نفوذه بأن لا يكون محللاً
للحرام ، أو محرّماً للحلال فلا يتغير من أجله حكم من الأحكام.
ومن هنا ذكرنا أنّ
في كل مورد وقع التزاحم بين الوفاء بالنذر وبين واجب آخر كان مشروطاً بالقدرة
عقلاً قدّم الثاني ، إذ القدرة مأخوذة في الأوّل في لسان الدليل ، فهي معتبرة فيه
شرعاً ، والقدرة العقلية مقدّمة على الشرعية لإطلاق دليلها الموجب للعجز عن الآخر.
وبذلك ينكشف عدم انعقاد النذر من أوّل الأمر فيحرم عليه العدول في المقام عملاً
بإطلاق دليله السليم عن المزاحم.
ولكن
التحقيق : أنّ ما ذكر إنّما
يتم فيما إذا كان متعلق النذر الصلاة الشخصية وأمّا إذا كان متعلقه طبيعي الصلاة
كما هو كذلك غالباً ، فلا موجب لرفع اليد
__________________
عن عموم دليل
الوفاء بالنذر ، إذ يمكن امتثاله برفع اليد عن هذه الصلاة وإعادتها مع السورة
المنذورة ، لعدم تعلق النذر بهذه الصلاة بخصوصها حسب الفرض. وهذا لا محذور فيه ،
إذ لا يصادم حكماً من الأحكام عدا حرمة قطع الصلاة على القول بها ، لكنّها لو
سلّمت فهي غير شاملة للمقام ، إذ لا دليل معتبر عليها إلاّ الإجماع وهو دليل لبّي
يقتصر على المتيقن منه الذي هو غير ما نحن فيه وما يضاهيه كما لو نذر زيارة الأمير
عليهالسلام مثلاً في ساعة معيّنة ، فنسي وشرع في الصلاة في تلك الساعة
، فإنّه لا ينبغي الإشكال في جواز القطع ، بل وجوبه والوفاء بنذره ، لما عرفت من
عدم شمول الإجماع على حرمة القطع لمثل ذلك.
فالأقوى
: نفوذ النذر في المقام
، فيقطع صلاته ويعيدها مع السورة المنذورة ولكن الأحوط حذراً عن احتمال حرمة القطع ضم ما ذكرناه إلى ما أفاده
__________________
[١٥١٢]
مسألة ٢٠ : يجب على الرجال
الجهر بالقراءة في الصبح والركعتين الأولتين من المغرب والعشاء ، ويجب الإخفات في
الظهر والعصر في غير يوم الجمعة ، وأما فيه فيستحب الجهر في صلاة الجمعة ، بل في
الظهر أيضاً على الأقوى .
______________________________________________________
في المتن ، فيتم
صلاته بعد العدول ثم يعيدها مع السورة المنذورة.
ومن جميع ما
ذكرناه يظهر : فساد الاحتمال الثالث الذي ذكر في المقام ، من رفع اليد عن كل من
دليلي وجوب الوفاء بالنذر وحرمة العدول ، لتساقط الدليلين المتزاحمين بعد عدم
ترجيح في البين ، ونتيجة ذلك هو التخيير بين العدول وعدمه.
إذ فيه : أنّ
النذر لو كان متعلقاً بالشخص فهو في نفسه منحل ، لقصور دليله عن الشمول للمقام كما
عرفت ، فالمتعيّن العمل بإطلاق الدليل الآخر وإن كان متعلقاً بالطبيعي كما ذكرنا
أنه الغالب ، فالمتعيّن الأخذ بإطلاق كلا الدليلين لعدم تزاحم في البين ، فلا يعدل
، بل يقطع ويعيدها بتلك السورة ، فاحتمال التخيير ساقط على التقديرين.
(١) المشهور بين
الأصحاب وجوب الجهر على الرجال في صلاة الغداة ، وفي الركعتين الأولتين من صلاة
المغرب والعشاء ، ووجوب الإخفات في ثالثة المغرب وفي الركعتين الأخيرتين من كل
رباعية. بل عن الخلاف الإجماع عليه ، ولم
__________________
ينسب الخلاف إلاّ
إلى السيد المرتضى وابن الجنيد قدسسرهما فذهبا إلى استحباب الجهر وعدم وجوبه ، بل صرّح السيد
المرتضى بتأكد الاستحباب للأمر بالإعادة لو أخل به في بعض الأخبار ، واختاره من
المتأخرين صاحب المدارك وتبعه السبزواري ، ومال إليه بعض
آخر. ومحل الكلام هو الرجال وأمّا النساء فسيأتي حكمها.
واستدل للمشهور بوجوه كلها ضعيفة ما عدا صحيحتين لزرارة سنذكرهما.
فمنها
: السيرة الجارية
على مراعاة الجهر في الموارد المذكورة المتصلة بزمان المعصومين : ولا بدّ من
التأسي بهم.
وفيه
: أنّ السيرة كفعل
المعصومين : لا يدل على الوجوب بل غايته الرجحان. وأمّا دليل التأسي من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم « صلّوا كما رأيتموني أُصلِّي » فلم يثبت من
طرقنا ، مضافاً إلى النقاش في الدلالة كما مرّ مراراً.
ومنها
: رواية الفضل بن
شاذان الواردة في علة الجهر في بعض الصلوات من أنّها في أوقات مظلمة فيجهر ليعلم
المارّ أنّ هناك جماعة .
وفيه
: أنّها واردة في
مقام حكم آخر ، فلا تدل على وجوب الجهر أو استحبابه بالمعنى الاصطلاحي المبحوث عنه
في المقام كما لا يخفى.
__________________
ومنها
: رواية يحيى بن
أكثم القاضي « أنّه سأل أبا الحسن الأوّل عليهالسلام عن صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقراءة وهي من صلوات النهار
، وإنما يجهر في صلاة الليل ، فقال : لأنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يغلس بها فقرّبها من الليل » .
وفيه
: أيضاً عدم الدلالة
على الوجوب ، فانّ كونه صلىاللهعليهوآلهوسلم يغلس بها أعم من ذلك.
ومنها
: غيرها من عدة
روايات لا تخلو عن الخدش في السند أو الدلالة على سبيل منع الخلو.
والعمدة في المقام صحيحتان لزرارة : إحداهما : عن أبي جعفر عليهالسلام « عن رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه ، وأخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه
فقال : أيّ ذلك فعل متعمداً فقد نقض صلاته وعليه الإعادة ، فإن فعل ذلك ناسياً أو
ساهياً أو لا يدري فلا شيء عليه وقد تمت صلاته » ، وقد رواها كل من الصدوق والشيخ بسند صحيح عن حريز عن زرارة .
والأُخرى
: ما رواه الشيخ
أيضاً بسند صحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : « قلت له رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي الجهر فيه
، أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه ، وترك القراءة فيما ينبغي القراءة فيه ، أو
قرأ فيما لا ينبغي القراءة فيه ، فقال : أيّ ذلك فعل ناسياً أو ساهياً فلا شيء
عليه » وقد دلّت الاولى منطوقاً والثانية مفهوماً على وجوب الجهر
والإخفات في الجملة.
__________________
وهاتان هما العمدة
في مدرك المشهور مؤيداً ببعض الأخبار ممّا تقدم وغيره.
وبإزائهما صحيحة
علي بن جعفر عن أخيه موسى قال : « سألته عن الرجل يصلي من الفريضة ما يجهر فيه
بالقراءة هل عليه أن لا يجهر؟ قال : إن شاء جهر وإن شاء لم يفعل » .
وقد
استدل بها صاحب المدارك
على عدم الوجوب ، وبها رفع اليد عن الصحيحتين المتقدمتين
وحملهما على الاستحباب ، وقال أنّها أظهر سنداً ودلالة فلا وجه لحملها على التقية
، بل مقتضى الجمع العرفي بينها وبين تينك الصحيحتين الحمل على الاستحباب كما
اختاره المرتضى قدسسره.
وأجاب عنها المتأخرون : بإعراض الأصحاب عنها ، فليست بحجة في
نفسها حتى تصلح للمعارضة. وهذا الجواب كما ترى لا يتم على مسلكنا من عدم قادحية
الاعراض.
فيبقى الكلام في
وجه الجمع بعد البناء على حجيتها في نفسها ، وهل ذلك بالحمل على الاستحباب كما
صنعه صاحب المدارك؟
الظاهر لا ، لتضمن
الصحيحتين المتقدمتين الأمر بالإعادة منطوقاً ، ومفهوماً على وجه وقد ذكرنا غير
مرّة أنّه ليس حكماً تكليفياً وإنّما هو إرشاد إلى الفساد وعدم سقوط الأمر الأوّل
، فوجوب الإعادة بحكم العقل ، وواضح أنّه لا معنى لاستحباب الفساد. فالصحيحتان غير
قابلتين للحمل على الاستحباب بل هما كالصريح في الوجوب.
ومن ذلك تعرف أنّ
ما ذكره في المدارك من أنّ صحيحة علي بن جعفر أقوى دلالة غير واضح. بل هما
متكافئتان في ميزان الدلالة فكما أنّ هذه
__________________
صريحة في الجواز ،
فكذلك هما صريحتان في الوجوب كما عرفت.
وأمّا ما ذكره قدسسره من أنّها أقوى
سنداً فلم يتضح وجهه أيضاً ، وقد اعتذر عنه في الحدائق بأنّه لم يلاحظ إلاّ طريق
الشيخ وهو كما ذكره ، ولم يقف على طريق الصدوق الذي هو في أعلى مراتب الصحة .
وفيه
: أنّ طريق الشيخ
إلى حريز أيضاً صحيح كطريق الصدوق ، فالإنصاف أنّهما متكافئتان سنداً ودلالة ،
فالأقوائية ممنوعة مطلقاً ، فهذا الجمع ساقط.
فلا بدّ من ملاحظة
الترجيح بعد استقرار المعارضة وامتناع الجمع الدلالي وحيث إنّ صحيحة علي بن جعفر
موافقة للعامة ، لأنّهم لا يرون وجوب الجهر أبداً ، فلا مناص من حملها على التقية كما صنعه الشيخ فتطرح ويكون الترجيح مع تينك الصحيحتين المخالفتين للعامّة ، فيتعيّن العمل بهما
كما عليه المشهور.
وأمّا ما ذكره في
المدارك من ترجيح صحيحة علي بن جعفر لموافقتها مع الأصل والكتاب فلم يظهر وجهه.
أمّا الأصل فهو وإن كان يقتضي الجواز لكنه لا أثر له بعد قيام الدليل على الوجوب ،
وهما الصحيحتان بل الصحاح الثلاث باعتبار رواية إحداهما بطريقين كما عرفت. على أنّ
موافقة الأصل ليست من المرجحات ، فإنّ الأصل مرجع لا مرجّح كما ذكر في محله.
وأمّا الكتاب فليس
فيه ما يرتبط بالمقام عدا قوله تعالى ( وَلا تَجْهَرْ
بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً ) وإذ من الضروري عدم خلوّ القراءة
__________________
عن الجهر أو
الإخفات ، وعدم ثبوت الواسطة بينهما حتى يؤمر بها وينهى عنهما فهذه قرينة قطعية
مضافاً إلى الروايات الواردة في تفسير الآية المباركة على أنّ المراد عدم الإفراط
في الجهر كالمؤذّن ، وعدم التفريط في الإخفات بحيث يكون مجرد تحريك الشفتين ولا
يسمع حتى نفسه ما يقول ، فلا دلالة في الآية على حكم الجهر والإخفات وجوباً أو
جوازاً ، فلا ينافي ذلك وجوب الجهر في بعض الموارد إذا ثبت من الخارج.
وكيف كان ، فمقتضى
قواعد الترجيح في المقام ليس إلاّ الحمل على التقية كما عرفت.
نعم ، ربما يناقش
في دلالة الصحيحتين كما عن صاحب الذخيرة من وجهين :
أحدهما
: أنّ المروي في
بعض النسخ « نقص » بالصاد المهملة ، الدال على نقصان الثواب الملازم للاستحباب لا
« نقض » كي يقتضي البطلان.
ثانيهما
: أنّ كلمة « ينبغي
» ظاهرة في الاستحباب ولا تناسب الوجوب وكلاهما ليس بشيء ، أما الأوّل فيردّه أوّلاً : أنّ الموجود في جميع كتب الروايات كما قيل
« نقض » بالضاد المعجمة ، ولم ينقل « نقص » إلاّ عن بعض
الكتب الفقهية ولا اعتبار بالرواية ما لم تؤخذ من مصدرها من كتب الحديث.
__________________
وثانياً : لو سلّم
فلا تضر بالدلالة ، إذ النقص في مقابل التمام المذكور في ذيل الصحيحة ، فمعناه
البطلان كما يدل عليه قوله : « وعليه الإعادة ».
وأمّا
الثاني ففيه أوّلاً :
أنّ كلمة لا ينبغي ظاهرة في عدم الجواز ، وأنّه لا يتيسر كما ذكرناه مراراً ،
فإنّه الموافق لمعناه اللغوي ، والاستعمالات القرآنية وغيرها على ذلك كما في قوله
تعالى ( لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ
الْقَمَرَ ) أي لا يتيسر لها ، لا أنّه لا يليق.
وثانياً : مع الغض
عن ذلك فهذه الكلمة واقعة في كلام السائل والاستدلال إنّما هو بكلام الإمام عليهالسلام المصرّح بأنّ عليه الإعادة الظاهرة في البطلان.
والمتحصل من جميع ما قدمناه : لزوم العمل بالصحيحتين ، وحمل صحيحة
ابن جعفر على التقية. هذا مع تسليم دلالة هذه الصحيحة وإلاّ فللمناقشة فيها مجال ،
نظراً إلى أنّ الظاهر من قوله « يصلي من الفريضة ما يجهر فيه بالقراءة » أنّ
المفروض في مورد السؤال أنّ القراءة جهرية ، إمّا على وجه الوجوب أو الاستحباب ،
وعلى أيّ تقدير فكون القراءة جهرية أمر مفروض مفروغ عنه ومع هذا فأيّ معنى لقوله ،
هل عليه أن لا يجهر ، فإنّه لا موقع لهذا السؤال بعد ذاك الفرض. فلا مناص من أن
يكون السؤال ناظراً إلى غير القراءة من سائر الأذكار كالتشهد وذكر الركوع والسجود
ونحوهما ، وأنّه هل يجب عليه أن لا يجهر في هذه الأذكار في صلاة يجهر منها
بالقراءة أو لا؟
وعليه فالصحيحة
أجنبية عمّا نحن فيه بالكلية ، فلا موضوع للمعارضة كي يتصدى للعلاج فليتأمل.
ويؤيد ما ذكرناه : أنّ لعلي بن جعفر نفسه رواية أُخرى سأل فيها
عن حكم هذه الأذكار من حيث الجهر والإخفات ، فإنّه يقرب دعوى كون السؤال في
__________________
هذه الصحيحة أيضاً
مسوقاً لذلك ، قال : « سألته عن الرجل هل يجهر بالتشهد والقول في الركوع والسجود
والقنوت؟ قال : إن شاء جهر وإن شاء لم يجهر » ورواها أيضاً في
الباب العشرين من أبواب القنوت الحديث الثاني ، لكن بتبديل
كلمة « هل » بكلمة « إن » وهو غلط.
ونحوه أيضاً :
صحيحة علي بن يقطين قال : « سألت أبا الحسن الماضي عليهالسلام عن الرجل هل يصلح له أن يجهر بالتشهد والقول في الركوع
والسجود والقنوت ، فقال : إن شاء جهر وإن شاء لم يجهر » . وقد ذكر في الجواهر هذا المتن وأسنده إلى علي بن جعفر مع أنّه لابن يقطين ،
والمتن السابق لعلي بن جعفر كما ذكرناه ، فألحق أحد المتنين بالسند الآخر وهذه
غفلة منه قدسسره نشأت من ذكر الخبرين متوالياً في الوسائل ، وكيف كان فالمطلب واحد والأمر
سهل.
وأمّا ما قيل في
صحيحة علي بن جعفر السابقة من أنّ بعض النسخ « هل له أن لا
يجهر » لا « هل عليه » ، فيتجه السؤال ويندفع الاشكال ، ففيه : أنّها مرويّة في
جميع كتب الحديث بلفظ « عليه » لا « له » ولم تنقل كذلك إلاّ عن بعض الكتب الفقهية
ولا عبرة بها. على أنّه لا أقل من احتمال ذلك ، فتسقط عن الاستدلال وصلاحية
المعارضة لعدم العلم بصحة النسخة.
__________________
وأمّا ما يقال من
احتمال قراءة همزة أن في قوله « هل عليه ان لا يجهر » مكسورة والمعنى هل عليه شيء
إن لم يجهر بالقراءة ، فعجيب ، أوّلاً
: أنّ لازمه تقدير
كلمة شيء ، والتقدير على خلاف الأصل. وثانياً : أنّ اللازم حينئذ ذكر كلمة « لم » الجازمة بدل « لا »
النافية كما لا يخفى .
وثالثاً
: أنّ الجواب على
هذا لا يطابق السؤال ، فإنّ اللازم حينئذ أن يجيب بقوله : لا ، أي لا شيء عليه ،
الذي هو مصب السؤال على الفرض ، لا أن يجيب بقوله : إن شاء جهر وإن شاء لم يفعل ،
لعدم كونه متعلقاً للسؤال.
وكيف ما كان ،
فالقراءة المذكورة لا ينبغي احتمالها ، والمتعيّن قراءة الهمزة مفتوحة ، وهي
محمولة على المعنى الذي ذكرناه فلا معارضة ، ومع التسليم فهي محمولة على التقية
كما عرفت ، فالأقوى ما عليه المشهور من وجوب الجهر.
إنّما الكلام في
مصداق ما يجهر فيه وأنّه يجب في أيّ صلاة من الصلوات اليومية ، وفي أيّ مورد من
الصلاة ، وكذا الحال في الإخفات فإنّ إثبات ذلك بحسب الروايات لا يخلو عن الإشكال.
أما من حيث المورد
فقد ورد التصريح بالقراءة في رواية محمد بن عمران ويحيى بن أكثم وغيرهما إلاّ أنّهما لأجل ضعف السند لا تصلحان للاستدلال والانجبار لا نقول به. نعم ،
تدل عليه صحيحة زرارة الثانية وصحيحة علي بن جعفر المتقدمة ، وبعض روايات باب الجمعة والجماعة كصحيحة الحلبي : « إذا
__________________
صليت خلف إمام
تأتم به فلا تقرأ خلفه ، سمعت قراءته أم لم تسمع ، إلاّ أن تكون صلاة تجهر فيها
بالقراءة » ، وصحيحة علي بن يقطين ، وغيرهما مؤيداً
بالروايات الضعاف المتقدمة ، فإنّه يظهر منها المفروغية عن ثبوت الجهر بالقراءة.
وهل يختص ذلك
بالركعتين الأوّلتين ، أو يعم الأخيرتين لو اختار القراءة فيهما؟ سيجيء الكلام
عليها عند تعرض الماتن لها في فصل مستقل إن شاء الله تعالى .
وأمّا بقيّة
الأذكار غير القراءة ، فمقتضى الأصل الجواز ، لعدم الدليل على وجوب الجهر فيها أو
الإخفات. مضافاً إلى التصريح بالتخيير في صحيحتي علي ابن جعفر وعلي بن يقطين
المتقدمتين ، والتسليم وإن لم يذكر فيهما ، فانّ المذكور هو التشهد ،
وذكر الركوع والسجود والقنوت ، لكنه ملحق بها قطعاً فانّ الظاهر منها أنّ ذكر هذه
الأُمور من باب المثال كما لا يخفى. على أنّه لم يقع في شيء ممّا ذكر خلاف ولا
إشكال ، هذا كله من حيث المورد.
وأمّا من حيث
تعيين الصلاة ، فلم يرد التصريح في شيء من الأخبار.
نعم ، تدل عليه
السيرة القطعية المتصلة إلى زمن المعصومين : الجارية على الجهر بالقراءة في صلاة الغداة والمغرب
والعشاء ، والإخفات في الظهرين ، وبذلك يتعين موضوع الروايات من قوله فيها : « جهر
فيما لا ينبغي » أو « أخفت فيما لا ينبغي » ، ويفسّر المراد
منهما ، وأنّ الصلوات كانت على نوعين :
__________________
يجهر في بعض ويخفت
في بعض ، كما هو المتعارف اليوم ، وليس هذا استدلالاً بتلك الصحيحة لتعيين المورد
، فانّ المورد مستفاد من السيرة التي أُشير إليها في هذه الصحيحة ، والحكم وهو
الوجوب مستفاد منها كما مرّ.
نعم ، يستفاد وجوب
الإخفات في الظهر من غير يوم الجمعة من بعض أخبار الجمعة الآتية. ويؤيّد الحكم
عدّة روايات متضمنة لتعيين الصلوات ممّا اشتمل على الجهر والإخفات ، كرواية محمد
بن عمران ( حمران ) ، ويحيى بن أكثم وغيرهما لكنها لضعف
أسانيدها لا تصلح إلاّ للتأييد.
بقي
الكلام في صلاة الجمعة
وظهرها.
أمّا صلاة الجمعة
، فقد ادعى غير واحد من الأعلام قيام الإجماع على استحباب الإجهار في قراءتها ،
وتشهد له جملة من النصوص كصحيح زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام في حديث في الجمعة « قال : والقراءة فيها بالجهر » . وصحيح عمر بن يزيد « قال : ليقعد قعدة بين الخطبتين ويجهر بالقراءة » وصحيح العرزمي عن أبي عبد الله عليهالسلام « قال : إذا أدركت الإمام يوم الجمعة وقد سبقك بركعة فأضف
إليها ركعة أُخرى واجهر فيها » وغيرها وظاهرها كما ترى هو الوجوب ، غير أنّهم حملوها على
الاستحباب بقرينة الإجماع المدعى في كلمات الأصحاب كما عرفت.
نعم ، ناقش صاحب
الجواهر قدسسره في قيام الإجماع على الاستحباب حيث لم يوجد تصريح بالندب
في كلمات من تقدم على المحقق فلا يبعد أن يكون مرادهم مطلق الرجحان القابل للحمل
على الوجوب في قبال وجوب الإخفات
__________________
في الظهر في غير
يوم الجمعة.
وما أفاده قدسسره متين جدّاً ، فلا
موجب لرفع اليد عن ظهور هذه الأخبار في الوجوب ، لعدم إحراز قيام الإجماع على
الخلاف ، فالقول بالوجوب لو لم يكن أقوى فلا ريب أنّه أحوط.
وأمّا
الظهر يوم الجمعة ، فلا
ينبغي الإشكال في استحباب الجهر فيها ، كما لا خلاف أيضاً إلاّ عن ابن إدريس حيث ذكر أنّ الأحوط الإخفات ، لقاعدة الاشتغال لكنه شاذ ، ومستند الحكم عدة
روايات كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « قال لنا صلّوا في السفر صلاة الجمعة جماعة بغير
خطبة ، واجهروا بالقراءة فقلت : إنّه ينكر علينا الجهر بها في السفر فقال : اجهروا
بها » .
وصحيحة عمران
الحلبي « عن الرجل يصلي الجمعة أربع ركعات ، أيجهر فيها بالقراءة؟ قال : نعم » ، ومصحح الحلبي « عن القراءة في الجمعة إذا صليت وحدي أربعاً أجهر بالقراءة؟
فقال : نعم » ، المؤيدة بخبر محمد بن مروان « عن صلاة الظهر يوم الجمعة
كيف نصليها في السفر؟ فقال : تصليها في السفر ركعتين والقراءة فيها جهراً » .
وظاهرها وإن كان
هو الوجوب لكنه يرفع اليد عنه وتحمل على الاستحباب من أجل القرينة
العامة التي تمسكنا بها في كثير من المقامات ، وهو أنّ الوجوب لو كان ثابتاً في
مثل هذه المسألة الكثيرة الدوران التي هي محل الابتلاء لجميع
__________________
المكلفين في كل
أسبوع لاشتهر وبان وشاع وذاع ، بل كان من المسلّمات الواضحات ولم يقع فيه خلاف من
أحد ، فكيف ذهب المشهور بل عامة الأصحاب ما عدا ابن إدريس إلى الاستحباب ، بل هو
المرتكز في أذهان المتشرعة وقد قامت سيرتهم وعملهم على عدم الوجوب حتى في زماننا
هذا ، وإن كان شيخنا الأُستاذ قدسسره يحتاط في ذلك برهة من الزمن بتكرار الصلاة تارة ، وبتكرار
القراءة قاصداً بإحداهما الواجب الواقعي مدة أُخرى.
فيظهر أنّ عدم
الوجوب كان أمراً مفروغاً مسلّماً عندهم ، حتى أنّ ابن إدريس جعل الإخفات أحوط كما
سمعت ، فلو كان الجهر واجباً أو محتمل الوجوب لم يكن ذاك احتياطاً كما لا يخفى.
فان
قلت : إنّ هذا الوجه
بعينه يجري في صلاة الجمعة ، فكيف اخترتم فيها وجوب الجهر ولم تلتزموا بالاستحباب.
قلت
: كلا ، ولا مجال
لقياس إحداهما بالأُخرى ، فإنّ صلاة الجمعة لم تكن شائعة عند الشيعة ، بل هي
متروكة مهجورة في عصر الغيبة ، فلم تكن محلاًّ للابتلاء ، ومن المسائل الكثيرة
الدوران الذي هو الضابط في التمسك بهذا الوجه فتبقى ظواهر النصوص الآمرة بالجهر
سليمة عن القرينة على الخلاف ، بخلاف الظهر من يوم الجمعة التي يبتلى بها عامة
المكلفين. فلا مناص من حمل نصوص المقام على الاستحباب كما عرفت.
بل إنّ هناك
صحيحتين ربما يستشكل من أجلهما حتى في الاستحباب لتضمنهما النهي عن الإجهار
بالقراءة فتعارض النصوص السابقة.
إحداهما
: صحيحة جميل قال :
« سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الجماعة يوم الجمعة في السفر ، فقال : يصنعون كما
يصنعون في غير يوم الجمعة في الظهر
ولا يجهر الإمام
فيها بالقراءة ، إنّما يجهر إذا كانت خطبة » وهذه وما بعدها
هي التي أشرنا فيما سبق أنّه يظهر من بعض أخبار الجمعة لزوم الإخفات في الظهر من
غير يوم الجمعة.
الثانية
: صحيحة محمد بن
مسلم قال : « سألت عن صلاة الجمعة في السفر فقال : تصنعون كما تصنعون في الظهر ولا
يجهر الإمام فيها بالقراءة وإنّما يجهر إذا كانت خطبة » .
لكن الاشكال
المزبور ضعيف ، إذ النهي فيهما واقع موقع توهم الوجوب ، لما عرفت من وجوب الجهر في
صلاة الجمعة الواقعة فيهما بإزاء صلاة الظهر فيتخيل وجوبه في ظهر الجمعة أيضاً ،
ولا فرق بين الأمر والنهي في ذلك ، فكما أنّ الأمر الواقع عقيب توهم الحظر لا يدل
على الوجوب بل غايته الجواز ، فكذا النهي الواقع عقيب توهم الوجوب لا يقتضي إلاّ
الجواز ولا يدل على التحريم فلا ينبغي الريب في ثبوت الاستحباب.
ولا فرق في ذلك
بين الإمام والمنفرد ، خلافاً للسيد المرتضى قدسسره حيث فصّل بين الإمام فيجهر ، والمنفرد فيخفت ، استناداً
إلى خبر علي بن جعفر قال : « سألته عن رجل صلى العيدين وحده ، والجمعة هل يجهر
فيهما بالقراءة؟ قال : لا يجهر إلاّ الإمام » لكنها ضعيفة
السند ، لمكان عبد الله بن الحسن الواقع في الطريق. مع أنّها معارضة بصحيحة الحلبي
المتقدمة الآمرة بالجهر مع تصريح السائل بأنّه يصلِّي وحده.
__________________
[١٥١٣]
مسألة ٢١ : يُستحب الجهر
بالبسملة في الظّهرين للحمد والسورة .
______________________________________________________
فالأقوى ثبوت
الاستحباب في الإمام والمنفرد ، وإن كان الإخفات أحوط.
(١) لا إشكال كما
لا خلاف في رجحان الجهر بالبسملة في الركعتين الأوّلتين من الصلوات الإخفاتية ،
والمشهور استحباب ذلك بل نسب إلى الأصحاب تارة وإلى علمائنا اخرى ، وعن الخلاف
دعوى الإجماع عليه ، ولم ينسب الخلاف إلاّ إلى الصدوق وابن البراج فذهبا إلى
الوجوب ، وكذا أبو الصلاح حيث خصّ الوجوب بالركعتين الأوّلتين ، ولا يبعد أن يكون مراد من أطلق هو ذلك.
وكيف كان ، فقد
استدل للوجوب بروايتين ، إحداهما
: ما رواه في
الكافي بإسناده عن سليم بن قيس عن أمير المؤمنين عليهالسلام في خطبة طويلة قال عليهالسلام فيها « ... وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ...
» إلخ .
الثانية
: ما رواه الصدوق
في الخصال بإسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمد عليهالسلام « قال : والإجهار ببسم الله الرّحمن الرّحيم في الصلاة
واجب » .
وربما يجاب بأنّ
ضعف الخبرين في نفسهما وإعراض الأصحاب عنهما مانع عن الاعتماد عليهما.
__________________
وفيه : أنّ الخدش
في السند وإن كان في محله بالإضافة إلى رواية الأعمش كما لا يخفى ، لكنه لا يتم في
الرواية الأُولى ، فإنّ سليم بن قيس وإن لم يوثق في كتب الرجال صريحاً ، لكن يمكن
استفادة توثيقه من كلام البرقي حيث قال : إنّه كان من أولياء أصحاب علي عليهالسلام فيظهر أنّه كان من خواص أصحابه ومن الطبقة الراقية الغنية
عن التوثيق ، بل يمكن استفادته أيضاً من كلام الشيخ في رجاله حيث قال : وقد صحب
عليّاً عليهالسلام ، إذ من المعلوم أنّ جميع من ذكره في باب أصحابه عليهالسلام قد صحبه ، فلا يختص هذا التوصيف به ، فيظهر أنّه كان يمتاز عن غيره بشدة
الملازمة به عليهالسلام وكونه من خواصه وأنّه كان من الأولياء كما ذكره البرقي.
فالمناقشة السندية
في هذه الرواية غير تامّة ، بل الظاهر أنّها صحيحة كما وصفها بها في الحدائق .
نعم ، يمكن النقاش
الدلالي فيهما ، أمّا
أوّلاً : فللقرينة العامة
التي تكررت منا في أمثال المقام ، وهو أنّ الوجوب لو كان ثابتاً في مثل هذه
المسألة الكثيرة الدوران لاشتهر وبان وشاع وذاع ، فكيف يمكن خفاؤه بحيث لم يفت به
إلاّ هؤلاء الثلاثة.
وثانياً
: أنّ رواية سليم
بن قيس لم يظهر أنّ المراد بها الجهر بالبسملة في
__________________
كافّة الصلوات حتى
الإخفاتية ، فإنّها حكاية قضية في واقعة ولا إطلاق لها كي يتمسك به ، ولعل المراد
الإجهار بها في خصوص الصلوات الجهرية ، فإنّ من تقدّمه عليهالسلام من الولاة تركوها من أصلها حتى فيها كما هو مذهب العامة ، فأمرهم بالإجهار بها لتزول البدعة.
وأما النقاش في
دلالة رواية الأعمش فأظهر ، إذ الوجوب فيها بمعناه اللّغوي وهو الثبوت دون المصطلح
، فلا تدل على أكثر من الاستحباب. على أنّها ضعيفة السند كما عرفت.
هذا ، مضافاً إلى
معارضتهما بصحيحتين لصفوان ظاهرتين في الاستحباب قال : « صليت خلف أبي عبد الله عليهالسلام أياماً فكان يقرأ في فاتحة الكتاب ببسم الله الرحمن الرحيم ، فاذا كانت صلاة
لا يجهر فيها بالقراءة جهر ببسم الله الرحمن الرحيم وأخفى ما سوى ذلك » .
وقال في صحيحته
الأُخرى « صليت خلف أبي عبد الله عليهالسلام أيّاماً فكان إذا كانت صلاة لا يجهر فيها جهر ببسم الله
الرحمن الرحيم ، وكان يجهر في السورتين جميعاً » . والقاسم بن محمد الواقع في طريق الثاني المراد به الجوهري الذي هو ثقة
لوقوعه في أسانيد كامل الزيارات .
وقد دلّتا بوضوح
على عدم وجوب الجهر بالبسملة ، وأنّه كان أمراً مستحبّاً يلتزم به الصادق عليهالسلام في صلاته وكان من خواصه ، وإلاّ فلو كان واجباً لم يكن وجه للتخصيص بالذكر ،
فإنه نظير أن يقول صليت خلفه
__________________
( عليهالسلام ) وكان يركع أو يسجد.
ونظيرهما رواية
أبي حفص الصائغ .
هذا ، وربما يستدل
على عدم الوجوب بصحيحة الحلبيين عن أبي عبد الله عليهالسلام « أنّهما سألاه عمّن يقرأ بسم الله الرّحمن الرّحيم حين
يريد يقرأ فاتحة الكتاب ، قال : نعم ، إن شاء سرّاً وإن شاء جهراً ، فقالا أفيقرؤها
مع السورة الأُخرى؟ فقال : لا » وهي صريحة في عدم الوجوب لولا الاقتران بالذيل المشتمل على
النهي عن البسملة في السورة الأُخرى ، فإنّه يقرب ورودها مورد التقية فيمنع عن
الاستدلال بها ، والتفكيك بين الصدر والذيل مشكل كما لا يخفى.
وكيف كان ، فيكفي
في الدلالة على الاستحباب ما عرفت. ويؤيده عدّة روايات لا تخلو عن ضعف في السند أو
الدلالة ، كما روي في جملة من النصوص من عدّه من علامات المؤمن ، فإنّه من الجائز أن يراد بها الإجهار في الصلوات الجهرية ، إذ لا إطلاق لها
تعم الإخفاتية.
وكرواية الفضل بن
شاذان « قال : والإجهار ببسم الله الرّحمن الرّحيم في جميع الصلوات سنّة » ، فإنّها ضعيفة السند كرواية رجاء بن الضحاك عن الرضا عليهالسلام « أنّه كان يجهر ببسم الله الرّحمن الرّحيم في جميع صلواته بالليل والنهار » . وصاحب الحدائق اشتبه عليه الأمر فأسند هذا المتن إلى رواية الفضل مع أنّه
رواية رجاء كما نبّه عليه معلّق الحدائق .
__________________
ورواية أبي حمزة
قال : قال علي بن الحسين عليهالسلام « يا ثمالي إنّ الصلاة إذا أُقيمت جاء الشيطان إلى قرين
الإمام فيقول هل ذكر ربه؟ فان قال : نعم ذهب ، وإن قال : لا ، ركب على كتفيه فكان
إمام القوم حتى ينصرفوا. قال فقلت : جعلت فداك أليس يقرءون القرآن؟ قال : بلى ،
ليس حيث تذهب يا ثمالي إنّما هو الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم » فإنها ضعيفة بالإرسال.
ورواية هارون عن
أبي عبد الله عليهالسلام قال : « قال لي : كتموا بسم الله الرّحمن الرّحيم فنعم
والله الأسماء كتموها ، كان رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا دخل إلى منزله واجتمعت قريش يجهر ببسم الله الرّحمن
الرّحيم ويرفع بها صوته فتولى قريش فراراً » . وهذه الرواية
صحيحة السند فانّ المسمّى بـ ( هارون ) ممّن له كتاب المنصرف إليه اللفظ عند
الإطلاق مشترك بين عدّة أشخاص كلهم من أصحاب الصادق عليهالسلام وكلهم ثقات ، فلا يهمّنا التصدي للتعيين ، لكنّها قاصرة
الدلالة ، لعدم التعرّض فيها للصلاة الإخفاتية كي يستحب فيها بعنوانها. وبالجملة :
فهذه النصوص كلّها تؤيد المطلوب. والعمدة في الاستدلال ما عرفت فلا ريب في ثبوت
الاستحباب.
ويقع الكلام في
جهات.
الجهة
الأُولى : مقتضى إطلاق
الأدلة تعميم الحكم للإمام ولغيره كما عليه المشهور. وعن ابن الجنيد التخصيص بإمام الجماعة ، استناداً إلى صحيحتي صفوان المتقدمتين فإنّهما ظاهرتان في ذلك.
__________________
وفيه
: أنّ الظاهر أنّ
صفوان حكى ذلك عن الصادق عليهالسلام بما أنّه كان يصلي لا بما أنّه كان إمام الجماعة ، بل لم يعلم انعقاد الجماعة من الأوّل ولعلّه لحق الإمام عليهالسلام وصلّى خلفه في الأثناء ، لا أنّه ائتمّ به في افتتاح الصلاة.
واستدل أيضاً :
برواية أبي حمزة المتقدمة.
وفيه
: أنّها ضعيفة
بالإرسال كما عرفت. فالأقوى ثبوت الحكم للإمام وللمنفرد لإطلاق الأدلة.
الجهة
الثانية : هل يعمّ الحكم
للركعتين الأخيرتين لو اختار فيهما القراءة كما عليه المشهور تمسكاً بإطلاق النصوص
، أو يختص بالأوّلتين كما اختاره الحلِّي وذكر أنّ الإخفات
في الأخيرتين هو الأحوط؟
لا يخفى أنّ
روايات الباب لم يتم شيء منها عدا صحيحتين لصفوان ، فانّ بقية الأخبار كصحيحة
هارون وخبر الأعمش وابن شاذان ورجاء ورواية علائم المؤمن لم تخل عن النقاش سنداً
ودلالة كما مرّ.
فالعمدة هما
الصحيحتان ، وهما قاصرتان عن الشمول للركعتين الأخيرتين فإنهما حكاية فعل ، ومثله
لا إطلاق له ، بل إنّ الظاهر هو عدم الشمول ، إذ الأفضل فيهما هو التسبيح ، ومن البعيد جدّاً أنّ الإمام عليهالسلام يترك الأفضل ويختار المفضول مداوماً عليه في أيام عديدة
صلى فيها خلفه صفوان.
بل إنّ الصحيحة
الأُخرى كالصريح في الأوّلتين لقوله « وكان يجهر في
__________________
السورتين جميعاً »
إذ ليست في الأخيرتين سورة.
وبالجملة : فإثبات
الاستحباب من الأخبار مشكل جدّاً ، فان بنينا على التسامح في أدلّة السنن وقلنا
بشموله لفتوى الفقيه ثبت الاستحباب بقاعدة التسامح لفتوى المشهور بذلك كما عرفت ،
وإلاّ كما هو الصحيح فالجزم به مشكل.
والذي يهوّن الخطب
: أنّ دليل الإخفات في الأخيرتين أيضاً قاصر الشمول للبسملة ، فانّ دليل وجوب
الإخفات فيهما هو إطلاق قوله عليهالسلام في صحيحة زرارة المتقدمة « رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه » المتضمنة للبطلان لو كان متعمداً ،
والمتيقن ممّا لا ينبغي الإجهار فيه في الأخيرتين إنّما هو نفس القراءة بالسيرة
القطعية وغيرها كما سيجيء إن شاء الله تعالى. وأمّا بسملتها فلم يعلم كونها مما
لا ينبغي ، كيف وقد ذهب المشهور إلى استحباب الجهر فيها كما عرفت ، ومعلوم أنّ
الصحيحة لا تتكفل لحال الصغرى ولا تعيّن المصداق بل لا بدّ من إحراز ذلك من الخارج
ولم يحرز ، فدليل الإخفات قاصر الشمول كدليل استحباب الجهر على ما عرفت ، فهو
مخيّر بين الأمرين.
الجهة
الثالثة : هل يعمّ الحكم
للاخفات لعارض كالمأموم المسبوق بركعة في صلاة جهرية حيث يجب عليه إخفات القراءة
لعارض الجماعة ، فهل يستحب له أيضاً الجهر بالبسملة أو لا؟
الظاهر العدم ، بل
لا يشرع للأمر باخفات القراءة حينئذ بقوله عليهالسلام « يقرأ في نفسه » ومقتضى الإطلاق
وجوبه حتى في البسملة ، فإنّها جزء من السورة ، وما دلّ على استحباب الجهر
بالبسملة مورده الصلاة الإخفاتية بالذات كالظهرين ، فالتعدِّي منها إلى الإخفات
العرضي يحتاج إلى دليل مفقود في المقام فإطلاق دليل الخفت هو المحكّم فلم يثبت
مشروعية الجهر حينئذ فضلاً عن
__________________
[١٥١٤]
مسألة ٢٢ : إذا جهر في
موضع الإخفات ، أو أخفت في موضع الجهر عمداً بطلت صلاته ، وإن كان ناسياً ، أو
جاهلاً ولو بالحكم صحّت سواء كان الجاهل بالحكم متنبّهاً للسؤال ولم يسأل أم لا ،
لكن الشرط حصول قصد القربة منه ، وإن كان الأحوط في هذه الصورة الإعادة .
[١٥١٥]
مسألة ٢٣ : إذا تذكّر الناسي
أو الجاهل قبل الركوع لا يجب عليه إعادة القراءة ، بل وكذا لو تذكّر في أثناء
القراءة ، حتى لو قرأ آية لا يجب إعادتها ، لكن الأحوط الإعادة ، خصوصاً إذا كان
في الأثناء.
[١٥١٦]
مسألة ٢٤ : لا فرق في
معذورية الجاهل بالحكم في الجهر والإخفات بين أن يكون جاهلاً بوجوبهما ، أو جاهلاً
بمحلّهما ، بأن علم إجمالاً أنّه يجب في بعض الصلوات الجهر ، وفي بعضها الإخفات ،
إلاّ أنّه اشتبه عليه أنّ الصبح مثلاً جهرية والظهر إخفاتية بل تخيّل العكس ، أو
كان جاهلاً بمعنى الجهر والإخفات ، فالأقوى معذوريته في الصورتين ، كما أنّ الأقوى
معذوريته إذا كان جاهلاً بأنّ المأموم يجب عليه الإخفات عند وجوب القراءة عليه وإن
كانت الصلاة جهرية فجهر ، لكن الأحوط فيه وفي الصورتين الأوّلتين الإعادة.
______________________________________________________
استحبابه ، لما
عرفت من قصور الدليل.
(١) أمّا البطلان
في صورة العمد فقد ظهر وجهه ممّا مرّ.
وأمّا الصحة في
فرض النسيان أو الجهل ، فلا إشكال فيها كما لا خلاف فتوى ونصّاً ، لقوله عليهالسلام في صحيحة زرارة المتقدمة « فان فعل ذلك ناسياً
__________________
أو ساهياً أو لا
يدري فلا شيء عليه وقد تمّت صلاته ». وفي ثبوت العقاب وأنّه على مخالفة الواقع أو
شيء آخر ، كلام طويل الذيل تعرّضنا له في الأُصول .
والمتيقن من
الجاهل هو الجاهل المركب غير الملتفت إلى جهله رأساً ، وكذا الجاهل بالحكم عن قصور
وعذر وإن كان ملتفتاً ، كمن كان نظره أو نظر مقلده هو الجهر في مورد مثلاً ثم
انكشف الخلاف ، ويلحقه الجاهل المقصّر غير الملتفت الذي لم يتنبّه للسؤال كما هو
الغالب في العوام ، إذ يصدق في حقه أنّه لا يدري. ودعوى التخصيص بالقاصر لم يظهر
وجهه.
وأمّا شموله
للمقصّر المتردد وإن تمشّى منه قصد القربة ، كأن أتى به رجاءً ليسأل عن الحكم
بعدئذ ثم انكشف الخلاف فمشكل جدّاً ، بل الظاهر العدم ، لأنّ المنسبق من النص
الجاهل الذي يعتقد فراغ ذمته ويأتي به كما يأتي به غيره ، بحيث يرى أنّ هذا موجب
للتفريغ عن عهدة التكليف المشغول به الذمة من دون أن يحتاج إلى الإعادة ، وأمّا
المتردد فلا يرى ذلك ، بل وظيفته الإعادة بحكم العقل.
ثم
إنّ الماتن ذكر
بمناسبة المقام فروعاً ، ونتكلم في جهات يظهر منها حال تلك الفروع وغيرها مما لم
تذكر في المتن.
الجهة
الاولى : في بيان موضوع
الحكم ، هل الحكم بالصحة عند الجهل والنسيان خاص بالرجال أو يعم النساء؟
أمّا بالنسبة إلى
السهو والنسيان والجهل القصوري فلا إشكال في الصحة لحديث لا تعاد بناءً على ما هو
الصحيح من شمول الحديث للجاهل القاصر من دون حاجة إلى شمول هذه الأخبار. إنّما
الكلام في الجاهل المقصّر غير المعذور الذي لا يشمله الحديث ، ولا ينبغي الشك
أيضاً في شمول هذه النصوص لها
__________________
فانّ ذكر الرجل في
الصحيح من باب المثال ، فيثبت الحكم في غيره بقاعدة الاشتراك الثابتة بالإجماع ،
إلاّ فيما ثبت من الخارج اختصاص الحكم بأحدهما كما هو الحال في غير المقام ، فانّ
كثيراً من الأحكام مستفاد من أخبار قد ذكر فيها الرجل ومع ذلك يتعدى إلى النساء
بلا إشكال فكذا في المقام.
الجهة
الثانية : في بيان مورد
الحكم ، هل يختص بالركعتين الأوّلتين أو يعم الأخيرتين؟ أمّا في غير الجاهل
المقصّر فلا إشكال في الصحة لحديث لا تعاد كما عرفت ، وأمّا فيه فالظاهر أيضاً ذلك
لإطلاق النص ، فإنّه يصدق أنّه أجهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه وهو لا يدري ، ولا
وجه لدعوى الانصراف إلى الركعتين الأولتين كما لا يخفى.
كما أنّ مقتضى
الإطلاق شمول الحكم للاخفات الواجب لعارض ، كالمأموم المسبوق بركعة في صلاة جهرية
لعين ما ذكر ، خلافاً لجماعة حيث ذهبوا إلى انصراف الإطلاق إلى الجهر والإخفات
الذاتيين ، وأنّ المنسبق من النص الصلاة الجهرية في طبعها وبحسب ذاتها ، فلا يشمل
العارض.
ولم يظهر وجهه ،
فانّ موضوع الحكم عام وضابطه يشمل المقام ، وهو أنّه أجهر فيما ينبغي فيه الإخفات
وهو لا يدري سواء أكان الانبغاء لأمر ذاتي أو عارضي ، فإنّ الصلاة لها صنفان وهذا
الصنف مما لا ينبغي فيه الإخفات فعلاً وإن كانت في ذاتها جهرية. وبالجملة فهذا الإخفات
راجع إلى الصلاة ومن شرائطها وإن كان لأمر عارضي.
نعم ، لو وجب
الإخفات لأمر آخر ولجهة خارجية غير مرتبطة بالصلاة بحيث لا يعدّ من شرائطها لا
ذاتاً ولا عرضاً ، بل كان حكماً مستقلا في نفسه كما لو وجب الخفت خوفاً من العدو
لئلا يسمع صوته فيقع في المهلكة ، أو كان المصلي امرأة وعندها أجنبي وقلنا إنّ
صوتها عورة والإسماع حرام ولا نقول به فمثله غير مشمول للصحيحة ، لانصرافها إلى
الجهر والإخفات المربوطين
بالصلاة
والمعدودين من شرائطها بحيث لو أخلّ بهما بطلت الصلاة لفقد شرطها لا ما إذا اعتبرا
في أنفسهما. وعليه فبما أنّ هذه القراءة تقع مصداقاً للحرام لاتحاد الجهر مع
القراءة نفسها ، فهي واقعة على صفة المبغوضية ولا يمكن التقرب بها فلا بدّ من
إعادتها مع بقاء محل التدارك كما لا يخفى.
الجهة
الثالثة : في بيان خصوصيات
الجهل والنسيان.
أمّا النسيان ،
فالظاهر أنّه أعم من نسيان الحكم وموضوعه ، لإطلاق النص ، وإن أبيت إلاّ عن انصراف
النص إلى الثاني فيكفي اندراج الأول في قوله عليهالسلام « لا يدري » فإنّ ناسي الحكم
جاهل فعلاً وإن كان منشأ جهله هو النسيان.
وأمّا الجهل ،
فالمتيقن منه الجاهل المركب الغافل بالمرة ، وكذا الجاهل بالحكم عن قصور وعذر وإن
كان ملتفتاً ، كمن كان نظره أو نظر مقلده الجهر في مورد ثم انكشف الخلاف ، بل إنّ
هذا كالنسيان مشمول لحديث لا تعاد بناءً على ما هو الصحيح من شمول الحديث لمثل هذا
الجهل ، ويلحقه المقصّر إذا كان غافلاً حين العمل كأكثر العوام ، إذ يصدق في حقه أنّه
لا يدري ، فلا وجه لدعوى انصراف النص عنه.
وأمّا الجاهل
المقصّر المتردد المتمكن من الفحص والسؤال مع تمشّي قصد القربة منه ، كما لو أتى
به بقصد الرجاء ، فقد ذكروا أنه أيضاً مشمول لإطلاق النص ، لكنّه مشكل جدّاً كما
تقدم ، لانصرافه إلى مَن يصلي كما يصلي غيره معتقداً فراغ ذمته عن عهدة التكليف ،
ويرى صحة عمله من دون حاجة إلى الإعادة وفي المقام ليس كذلك ، فإنّ قاعدة الاشتغال
تقضي بالإعادة وإن لم ينكشف الخلاف. وقد قلنا بمثل هذا في حديث لا تعاد ومنعنا عن
شموله للمتردد الذي
__________________
لا يعتقد عدم
الإعادة ، لاختصاصه بمن يرى عدمها والاجتزاء به في مقام الامتثال كما لا يخفى.
وأولى بالإشكال أو
مثله ، ما لو كان جهله في التطبيق لا في أصل الحكم كما لو علم إجمالاً بوجوب الجهر
في صلاة الصبح أو الظهر فتخيل أنّ مورده الظهر فصلاها جهراً ، فإنّه لا يعتقد صحة
ما صدر منه ولا يراه مجزئاً ، لقضاء العقل بلزوم الإعادة ، عملاً بالعلم الإجمالي
وقاعدة الاشتغال ، وقد عرفت أنّ النص منصرف عن مثل ذلك فلا يشمل الجهل بالتطبيق
فتدبر جيداً.
نعم ، لو كان
جاهلاً بمعنى الجهر والإخفات فأتى ببعض مراتب الإخفات زاعماً أنّه جهر أو بالعكس ،
فالظاهر الصحة ، لصدق أنّه لا يدري.
هذا كله فيما إذا
كان الالتفات بعد الفراغ من الصلاة ، أو بعد الدخول في الركوع بحيث جاوز محل
التدارك ، وأمّا إذا كان قبله فسيأتي الكلام عليه.
الجهة
الرابعة : إذا أخلّ بالجهر
أو الإخفات وتذكر أثناء القراءة أو قبل الدخول في الركوع ، فهل هو محكوم بالصحة
أيضاً ويشمله النص؟
المشهور ذلك
للإطلاق. وقد يقال : بانصراف النص عنه ، لظهور قوله عليهالسلام : « فلا شيء عليه وقد تمت صلاته » فيما إذا مضى وتجاوز المحل بحيث لا يمكن التدارك إلاّ بإعادة الصلاة ، وأنّ
الإعادة غير واجبة في صورة عدم العمد ، وفي المقام لا حاجة إلى الإعادة بعد التمكن
من تدارك القراءة على ما هي عليها لعدم تجاوز المحل ، فالنص لا يشمل هذا الفرض
ومقتضى القاعدة وجوب التدارك.
لكن الظاهر الصحة
وعدم الحاجة إلى الإعادة ، أمّا بناءً على القول بوجوب الجهر أو الإخفات في الصلاة
مستقلا غايته أنّ ظرفهما القراءة من دون أن
__________________
يكونا شرطاً في
صحتها ومعتبراً فيها فظاهر ، لعدم إمكان التدارك ، إذ القراءة قد وقعت على صفة
الصحة ، لعدم خلل فيها في نفسها على الفرض فقد تحقق الجزء وسقط أمره ، فلو أعادها
فليست هي من أجزاء الصلاة ، ومحل الجهر أو الإخفات هي القراءة الواجبة في الصلاة
المعدودة من أجزائها ، فلا سبيل للتدارك بعدئذ لمضي المحل كما هو واضح.
لكن الظاهر فساد
المبنى وأنّهما معتبران في القراءة شرطاً لا مستقلا ، بل إنّ الحال كذلك في كل ما
هو معتبر في الصلاة ، فإنّ الجميع معتبر على وجه الشرطية كما هو مقتضى فرض
الارتباطية الملحوظة بين الأجزاء والشرائط ، فالقراءة الواجبة المعدودة من الأجزاء
هي المسبوقة بالتكبير والملحوقة بالركوع والمقارنة للجهر أو الإخفات ، وكذا الستر
والاستقبال ونحوهما ، فالفاقدة لشيء منها لا تكون جزءاً ، فانّ فرض الارتباطية
تلازم الشرطية وتنافي الاستقلالية كما لا يخفى.
وعليه فالقراءة
الفاقدة للجهر مثلاً المعتبر فيها ليست بجزء ، فوجودها كالعدم فمحل التدارك باقٍ
ما لم يركع ، ومقتضى القاعدة لزوم التدارك ، فلو قلنا بشمول النص له وأنّ الجهر
والإخفات شرط واقعي معتبر في القراءة لزمه الإعادة لبقاء المحل.
لكن
الأقوى مع ذلك الصحة ،
لقصور المقتضي في دليل الاشتراط عن الشمول لذلك ، فانّ الدليل منحصر في صحيحة
زرارة كما تقدّم ، وهي لا تدل على أكثر من اعتبار الجهر والإخفات بالنسبة
إلى خصوص العالم العامد وقوله عليهالسلام : « فان فعل ذلك ناسياً ... » إلخ بيان لمفهوم الشرطية
الأُولى فالمدار في وجوب الإعادة على العمد ، وحيث لا تعمّد في مفروض الكلام فلا
__________________
[١٥١٧]
مسألة ٢٥ : لا يجب الجهر
على النساء في الصلاة الجهرية بل يتخيّرن بينه وبين الإخفات مع عدم سماع الأجنبي ، وأمّا
معه فالأحوط إخفاتهنّ.
______________________________________________________
مقتضي للإعادة إذ
لم ينهض دليل يقضي بوجوب الجهر أو الإخفات على الإطلاق كي يكون شرطاً واقعياً حتى
تجب الإعادة والتدارك مع بقاء المحل فمقتضى الوجوب قاصر في حد نفسه ، والوجوب خاص
بالعالم العامد ، وغيره لا وجوب عليه ولو شكّ فيه يدفع بالأصل.
على
أنه يمكن أن يقال :
إنّ الصحيحة بنفسها تدل على عدم وجوب التدارك في المقام ، لإطلاق قوله عليهالسلام : « ولا شيء عليه » ، أي لا إعادة الصلاة ولا تدارك القراءة ، فالأقوى الصحة
سواء أكان التذكر بعد الفراغ عن الصلاة أم بعد الدخول في الركوع ، أم قبله أثناء
القراءة ، أو بعدها كما عليه المشهور.
ومن جميع ما
ذكرناه في الجهات المتقدمة يظهر حال الفروع المذكورة في المتن إلى نهاية المسألة
الرابعة والعشرين فلاحظ.
(١) بلا خلاف بل
إجماعاً كما عن غير واحد. ويدلُّ عليه :
أوّلاً
: قصور المقتضي ،
لتقييد موضوع الحكم بالرجل في صحيحتي زرارة المتقدمتين اللتين هما المدرك الوحيد في المسألة ، والتعدي يحتاج إلى دليل الاشتراك في
التكليف ، ومستنده الإجماع القائم على اتحادهما في الأحكام ، إلاّ ما خرج بالدليل
الثابت في كثير من المقامات ، ولم يقم إجماع في المقام ، كيف والإجماع قائم على
العدم كما عرفت.
وثانياً
: السيرة القطعية
العملية القائمة على عدم الوجوب المتصلة بزمن
__________________
المعصومين : ، مع أنّ المسألة
كثيرة الدوران ومحل الابتلاء ، ولو كان الوجوب ثابتاً كالرجال لاشتهر وبان ،
فالسيرة القولية والعملية كاشفة عن عدم الوجوب ، وهي بنفسها دليل مستقل.
وربما
يستدل للحكم : بخبر علي
بن جعفر قال : « وسألته عن النساء هل عليهنّ الجهر بالقراءة في الفريضة؟ قال : لا
... » إلخ .
لكنه ضعيف السند
من أجل عبد الله بن الحسن فليس بمعتمد. ودعوى الانجبار ممنوعة كبرى ، بل وكذا صغرى
، للقطع بعدم استناد الأصحاب إلى هذا الخبر ، فانّ البناء وكذا السيرة على عدم
وجوب الجهر عليهنّ كان ثابتاً في الأزمنة السالفة حتى قبل صدور هذه الرواية ، وقبل
أن يخلق علي بن جعفر.
وربما
يستدل أيضاً : بأنّ صوت
المرأة عورة فمن أجله سقط عنها الجهر.
وفيه
أوّلاً : أنّه لا دليل
عليه ، بل إنّ السيرة العملية منذ عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى زماننا هذا قائم على الاستماع والتكلم معهنّ وإسماعهنّ
الرجال ، فلم ينهض دليل على أنّ صوتها عورة كي يحرم السماع أو الإسماع.
وثانياً
: أنّ اللاّزم مع
التسليم اختصاص الحكم بما إذا سمع صوتها الأجنبي فمع عدمه وجب الجهر عليهنّ ، لفقد
المانع حينئذ بعد شمول دليل الجهر لهنّ كما هو المفروض ، مع أنّه لم يقل به أحد ،
بل هي مخيّرة فيه على التقديرين إجماعاً.
وثالثاً
: أنّ لازم ذلك
حرمة الجهر عليهنّ ، لحرمة الإسماع لا عدم الوجوب ولا قائل بالحرمة ، بل الفتوى
على سقوط الجهر وعدم الوجوب.
وممّا يدل على عدم
حرمة الجهر عليهن ويكشف أيضاً عن عدم كون
__________________
صوتها عورة :
صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي عليهالسلام قال : « سألته عن المرأة تؤمّ النساء ما حدّ رفع صوتها
بالقراءة والتكبير؟ فقال : بقدر ما تسمع » . ونحوها صحيحة
علي بن جعفر التي هي بعين هذا المتن إلاّ في قوله « فقال » العاري عن الفاء في هذه
الصحيحة فإنّ السائل قد فرض رفع الصوت الملازم للجهر وسأل عن حده ،
والإمام عليهالسلام أمضى أصل الجهر وحدده بأن تسمع الغير ، أو بأن تكون
القراءة مسموعة ، كما هو ظاهر قوله « تسمع » سواء قرئ مبنياً للمفعول ( تُسْمَع )
أو للفاعل من باب الافعال ( تُسمِع ).
وأمّا ما عن
الحدائق من احتمال قراءة « تَسْمَع » أي تسمع نفسها الملازم
للاخفات فلا تدل على جواز الجهر ، فساقط لبعده جدّاً ، لما عرفت من فرض رفع الصوت
الملازم للجهر والسؤال عن حده وقد أمضاه الإمام عليهالسلام وحدده بما عرفت ، ولو كان المراد ما ذكره كان اللازم أن
يجيب عليهالسلام بقوله : لا ترفع ، لا أن يحدد الرفع بما ذكر.
وبالجملة
: فالمستفاد من
النصوص جواز الجهر لهنّ.
وربما يقال بوجوبه
عليها إذا كانت إماماً ، لرواية علي بن جعفر المتقدمة « هل عليهنّ الجهر بالقراءة
في الفريضة؟ قال : لا ، إلاّ أن تكون امرأة تؤمّ النساء فتجهر بقدر ما تسمع
قراءتها » فانّ ظاهر كلمة « على » الوجوب.
وفيه
: مضافاً إلى ضعف
السند بعبد الله بن الحسن كما مرّ ، أنّ الإسماع غير
__________________
وأمّا في
الإخفاتية فيجب عليهنّ الإخفات كالرجال ويعذرن فيما يعذرون فيه .
______________________________________________________
واجب حتى على
الرجل فضلاً عن المرأة ، فسياقها سياق ما دلّ على استحباب الإسماع ، وأنّه يستحب للإمام
أن يسمع من خلفه ، فلا ظهور لها في الوجوب.
فتحصّل
: أنّ المرأة
تتخيّر بين الجهر والإخفات في الصلوات الجهرية مطلقاً إماماً كانت أم منفردة ، من
غير فرق بين سماع الأجنبي وعدمه ، فالاحتياط المذكور في المتن غير لازم.
(١) كما هو
المشهور ، وخالف فيه الأردبيلي وبعض من تبعه فذهب إلى التخيير كما في الجهرية ، مستنداً
إلى تقييد موضوع الحكم في صحيحة زرارة التي هي المدرك لوجوب الخفت بالرجل ، فلا
دليل في المرأة والمرجع الأصل.
وفيه
: ما لا يخفى ،
فانّ ذكر الرجل فيها كما في غيرها من الأخبار التي يستفاد منها أحكام الشكوك
والموانع والسهو في الركعات بل وغيرها من الأبواب المتفرقة في الفقه ، إنّما هو من
باب المثال وبعنوان أنّه مكلف ومصلّ ، لا بما أنّه رجل ، فيتعدى إلى المرأة بقاعدة
الاشتراك في التكليف إلاّ فيما ثبت الاختصاص بدليل خارجي الثابتة بالإجماع ، ولا
ينتقض بما قدّمناه من إنكار ذلك في الصلاة الجهرية ، لقيام الإجماع هناك على
الخلاف غير المتحقق في المقام.
(٢) لقاعدة
الاشتراك كما تقدم توضيحه في الجهة الاولى من المسألة السابقة فلاحظ.
__________________
[١٥١٨]
مسألة ٢٦ : مناط الجهر والإخفات
ظهور جوهر الصوت وعدمه ، فيتحقق الإخفات بعدم ظهور جوهرة وإن سمعه من بجانبه
قريباً وبعيداً .
______________________________________________________
(١) ذكر جمع أنّ
المناط في الجهر أن يسمع غيره ، وفي الإخفات أو أدنى الإخفات أن يسمع نفسه ، وهذا
مضافاً إلى أنّه لا دليل عليه ، غير قابل للتصديق إذ الظاهر عدم تحققه في الخارج ،
للملازمة بين سماع النفس وإسماع الغير ، ولو بأن يضع الغير اذنه على فم القارئ ،
ففرض الخفت على حد يصل الصوت إلى إذن القارئ ولا يصل إلى اذن غيره بوجه ، حتى
يتحقق سماع النفس دون سماع الغير ، مجرّد فرض لا واقع له ، ولو بدّلوا هذا التعريف
بأنّ الجهر ما يسمعه البعيد والإخفات ما لا يسمعه القريب أيضاً إلاّ همساً كما هو
مضمون مرسلة علي بن إبراهيم في تفسيره قال : وروى عن أبي جعفر الباقر عليهالسلام « قال : الإجهار أن ترفع صوتك تسمعه من بعد عنك ، والإخفات أن لا تسمع من معك
إلاّ يسيراً » لكان له وجه لمعقوليته في
نفسه ، وإن كان هذا أيضاً لا دليل عليه لضعف المرسلة.
__________________
ومن هنا ذكر جماعة
آخرون ومنهم الماتن أنّ مناط الجهر والإخفات ظهور الصوت وعدمه.
وهذا أيضاً لا
دليل عليه. على أنّ لازمه أن يكون الصوت الشبيه بالمبحوح إخفاتاً ، لعدم ظهور جوهر
الصوت معه مع أنّه لا يمكن الالتزام به.
فالظاهر إيكال
تحديدهما إلى الصدق العرفي ، فإنّ الإجهار هو الإعلان ويقابله الإخفات ، والمتبع
فيه نظر العرف ، فكلما صدق عليه عرفاً أنّه جهر أو أنّه إخفات ترتب عليه حكمه.
والظاهر أنّ الصوت
الشبيه بالمبحوح ليس من الإخفات في نظر العرف ، فان تمّ هذا الاستظهار فهو ، وإلاّ
فماذا يقتضيه الأصل العملي؟
ذكر المحقق
الهمداني قدسسره : أنّ مقتضى القاعدة حينئذ هو الاشتغال لأنّا مأمورون بالجهر أو الإخفات ،
ونشك في الصدق على هذا الفرد فاللاّزم تركه ، واختيار غيره تحصيلاً للفراغ عن عهدة
التكليف المقطوع .
وذكر بعضهم : أنّ
المرجع البراءة ، إذ ليس الشك في المصداق كي يكون من الشك في المكلف به ، بل هو من
الشك في التكليف للترديد في سعة المفهوم وضيقه ، وأنّ مفهوم الإخفات هل اعتبرت فيه
خصوصية بحيث لا تنطبق على المبحوح أو لا ، ومن المعلوم أنّ المرجع في الشبهة
المفهومية أصالة البراءة ، للعلم بالجامع والشك في الخصوصية الزائدة ، والأصل
عدمها.
ولا يخفى أنّ هذا
متين بحسب الكبرى. وقد ذكرنا نظائره كثيراً فيما مرّ كالصعيد ونحوه ، إلاّ أنّه لا
يمكن الالتزام به في خصوص المقام للعلم الإجمالي باعتبار عدمه ، إمّا في مفهوم
الجهر أو في مفهوم الإخفات لعدم الواسطة بين الأمرين ، فانّا مكلفون بالجهر في
صلاة الغداة وبالإخفات في صلاة الظهر مثلاً ونعلم إجمالاً بتقيّد أحد التكليفين
بعدم وقوع القراءة على صفة المبحوح ، وأصالة
__________________
[١٥١٩]
مسألة ٢٧ : المناط في صدق
القراءة قرآناً كان أو ذكراً ، أو دعاءً ما مرّ في تكبيرة الإحرام
، من أن يكون بحيث يسمعه نفسه تحقيقاً أو تقديراً بأن كان أصم أو كان هناك مانع من
سماعه ، ولا يكفي سماع الغير الذي هو أقرب إليه من سمعه.
______________________________________________________
عدم التقييد في كل
منهما معارض بالآخر ، فلا مناص من ترك هذا النوع من القراءة رأساً ، رعاية لتنجيز
العلم الإجمالي واختيار غيره ، تحصيلاً للقطع بالفراغ عن عهدة التكليف المعلوم.
(١) قد مرّ بعض
الكلام في مبحث التكبير ، وتوضيح المقام يستدعي التكلّم تارة في كفاية سماع الغير
في صدق القراءة وإن لم يسمعه نفسه ، كما لو كان الغير أقرب إليه من سمعه ، وعدم
الكفاية بل لا بدّ من سماع نفسه ، ولو تقديراً كما لو كان أصم أو كان هناك مانع
خارجي عن السماع. وأُخرى في أنّه على تقدير الكفاية فهل يجزئ ذلك في امتثال الأمر
بالقراءة في الصلاة أو لا؟ فهنا جهتان :
أمّا
الجهة الأُولى : فعلى تقدير تسليم الفرض وتحققه خارجاً مع أنّه محل تأمل بل منع ، إذ بعد تحقق
الصوت وتموّج الهواء فهو يسمع لا محالة كما يسمعه غيره ولا نعقل التفكيك فلا ينبغي
الريب في صدق الكلام والقراءة عليه ، ولذا لو تكلم بمثل ذلك وكان من كلام الآدمي
بطلت صلاته بلا إشكال ، إذ لم يعتبر في مفهوم الكلام ولا في مصداقه إسماع النفس ،
وهذا ظاهر.
وأمّا
الجهة الثانية : فالظاهر كما عليه المشهور عدم الاجتزاء بمثل ذلك في الصلاة وإن صدق عليه
عنوان القراءة ، للنصوص الكثيرة الناهية عن ذلك التي منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر
عليهالسلام « قال : لا يكتب من القراءة والدعاء إلاّ ما أسمع نفسه » ، وموثقة سماعة قال : « سألته عن قول الله عزّ وجلّ :
__________________
[١٥٢٠]
مسألة ٢٨ : لا يجوز من الجهر
ما كان مفرطاً خارجاً عن المعتاد كالصياح ، فان فعل فالظاهر البطلان.
______________________________________________________
( وَلا تَجْهَرْ
بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها )؟ قال : المخافتة ما دون سمعك ، والجهر أن ترفع صوتك شديداً
» ونحوهما غيرهما فلاحظ.
نعم ، بإزائها
صحيحة علي بن جعفر قال : « سألته عن الرجل يصلح له أن يقرأ في صلاته ويحرّك لسانه
بالقراءة في لهواته من غير أن يسمع نفسه؟ قال : لا بأس أن لا يحرّك لسانه يتوهم
توهماً » فإنّها صريحة في عدم اعتبار سماع النفس ، بل الاكتفاء
بمجرّد التوهّم وحديث النفس ، لكنّها مخالفة للكتاب والسنّة إذ مرجعها إلى عدم
اعتبار القراءة في الصلاة فيخالفها قوله تعالى ( فَاقْرَؤُا ما
تَيَسَّرَ مِنْهُ ) وكذا الأخبار الكثيرة الآمرة بقراءة الفاتحة في الصلاة أو
هي مع سورة أُخرى ، فلا بدّ من طرحها أو ردّ علمها إلى أهله.
وعن الشيخ حملها
على من يصلي خلف من لا يقتدى به ، وهو وإن كان بعيداً في نفسه جدّاً ، لظهور الصحيحة في
حال الاختيار دون التقية والاضطرار إلاّ أنّه لا بأس به حذراً عن طرحها رأساً.
(١) بلا خلاف فيه
، للأخبار الكثيرة الناهية عن ذلك الواردة في تفسير الآية المباركة ( وَلا
تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ ) كموثقة سماعة وصحيحة عبد الله بن
__________________
[١٥٢١]
مسألة ٢٩ : من لا يكون
حافظاً للحمد والسورة يجوز أن يقرأ في المصحف ، بل يجوز ذلك للقادر الحافظ أيضاً
على الأقوى .
______________________________________________________
سنان وغيرهما وهذا ممّا لا إشكال فيه ، وحيث إنّ ظاهر النهي الإرشاد إلى المانعية فالظاهر
البطلان كما أُفيد في المتن.
(١) أمّا مع العجز
فلا إشكال في الجواز حتى مع التمكن من الائتمام ، لإطلاق الأدلة كما هو ظاهر ، بل
لا خلاف فيه وعليه الإجماع في كثير من الكلمات ، إنّما الكلام في جواز ذلك مع
القدرة والتمكن من القراءة عن ظهر القلب كما يتفق كثيراً أنّ المصلي ربما يحب أن
يقرأ سورة طويلة لا يحفظها مع تمكنه من قراءة طبيعي السورة عن ظهر القلب ، فعن غير
واحد هو الجواز أيضاً لإطلاق الأدلّة.
وذهب جمع آخرون
إلى المنع ويستدل له بوجوه :
الأول
: دعوى الانصراف. وفيه : ما لا يخفى بل هو ممنوع جدّاً ، فإنّ القراءة من المصحف
أيضاً مصداق للقراءة ، ولذا لو قرأ الخطيب خطبة من كتاب نهج البلاغة ، أو رواية من
كتاب الوسائل ، أو قصيدة مكتوبة يتحقق في الجميع عنوان القراءة ، ويصدق الامتثال
لو كان مأموراً بشيء ممّا ذكر ، إذ لا يعتبر في مفهومها ظهر القلب بلا إشكال.
الثاني
: التأسي بالنبي
والمعصومين : إذ لم يعهد عنهم القراءة في الصلاة من المصحف. وفيه : مضافاً إلى ضعف
دليل التأسي ، وأنّ فعلهم لا يكشف عن الوجوب كما مرّ غير مرّة ، أنّهم : حافظون للقرآن
ومستغنون عن القراءة في المصحف فلا يقاس بهم غيرهم.
الثالث
: قاعدة الاشتغال
للشك في الامتثال لو قرأ عن المصحف ، والاشتغال
__________________
اليقيني يستدعي
الفراغ كذلك ، ولا يحصل إلاّ بالقراءة عن ظهر القلب.
وفيه
: مضافاً إلى أنّه
لا مجال للتمسّك بالأصل بعد إطلاق الدليل ، أنّ مقتضاه البراءة ، للشك في حدوث
تكليف زائد كما هو الشأن في موارد الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطي.
الرابع
: خبر ابن جعفر عن
أخيه موسى عليهالسلام قال : « سألته عن الرجل والمرأة يضع المصحف أمامه ينظر فيه
ويقرأ ويصلي ، قال : لا يعتد بتلك الصلاة » . وفيه : أنّ الدلالة وإن كانت تامة لكنه ضعيف السند بعبد الله بن
الحسن ، وليست في المقام شهرة على المنع حتى يدعى انجباره بالعمل لو سلّم كبرى
الانجبار ، فلا يمكن الاستدلال به.
الخامس
: أنّ القراءة من
المصحف مكروه إجماعاً ، ولا شيء من المكروه بواجب لتضاد الأحكام بأسرها.
ويردّه
أوّلاً : أنّ المكروه
إنّما هو النظر في المصحف لكونه شاغلاً ومانعاً عن حضور القلب في الصلاة لا نفس
القراءة وإن استلزمته ، فاختلف مورد الوجوب عن الكراهة ولم يردا على محل واحد.
وثانياً
: لو سلّم كراهة
القراءة نفسها فلا ينافي ذلك اتصافها بوقوعها مصداقاً للواجب ، لعدم تعلق الوجوب
بشخص تلك القراءة حتى تتحقق المنافاة ، بل الواجب طبيعي القراءة الجامع بين كونها
في المصحف أو عن ظهر القلب ، ولا مانع من انطباق الطبيعي على الفرد المكروه ، إذ
كل مكروه فهو مرخّص فيه غايته أن يكون فرداً مرجوحاً وثوابه أقل من غيره ، كما هو
الحال في سائر العبادات المكروهة.
فلا منافاة بين
وجوب الطبيعي وكراهة الفرد ، وإنّما التنافي بينه وبين حرمته
__________________
إذ مقتضى إطلاق
الأوّل الترخيص في التطبيق حتى على هذا الفرد ، ومقتضى الثاني عدمه ، فلا مناص في
مثله عن الالتزام بالتخصيص ، وأنّ دائرة المأمور به مقيدة بعدم انطباقها على هذا
الفرد ، وهذا بخلاف المكروه لما عرفت من اشتماله على الترخيص فلا ينافي الإطلاق.
السادس
: خبر عبد الله بن
أوفى « إنّ رجلاً سأل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : إنّي لا أستطيع أن أحفظ شيئاً من القرآن فماذا أصنع؟
فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم له : قل سبحان الله والحمد لله » فلو جازت القراءة من المصحف لأمره بذلك.
ولا يخفى أنّ هذا
من أردأ أنحاء الاستدلال ، إذ فيه : أوّلاً : أنّ الرواية عامية ولم ترد عن طرقنا فهي ضعيفة السند. وثانياً : أنّ موردها ليست القراءة في الصلاة التي هي محل الكلام ،
بل قراءة مطلق القرآن ، فهي أجنبية عمّا نحن فيه.
وثالثاً
: أنّ موردها صورة
الاضطرار ، ويجوز فيها القراءة في المصحف إجماعاً.
ورابعاً
: أنّ سياقها يشهد
أنّ السائل عامّي محض لا يستطيع القراءة في المصحف فلا يمكن أمره بذلك ، فلا يقاس
عليه من يتمكن منها الذي هو محل الكلام.
وقد ظهر من جميع
ما ذكرنا : أنّ الأقوى هو جواز القراءة في المصحف حتى مع الاختيار ، لإطلاق أدلة
القراءة وعدم نهوض ما يوجب التقييد.
هذا ، وربما يستدل
للجواز برواية الحسن بن زياد الصيقل قال : « قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : ما تقول في الرجل يصلي وهو ينظر في المصحف يقرأ فيه يضع السراج قريباً منه؟
فقال : لا بأس بذلك » .
__________________
كما يجوز له اتباع
من يلقّنه آية فآية لكن الأحوط اعتبار عدم القدرة على الحفظ وعلى الائتمام.
[١٥٢٢]
مسألة ٣٠ : إذا كان في لسانه
آفة لا يمكنه التلفظ يقرأ في نفسه ولو توهماً ، والأحوط تحريك لسانه بما يتوهمه .
______________________________________________________
لكنها ضعيفة السند
وإن عبّر عنها بالمصححة في بعض الكلمات ، فانّ الحسن ابن زياد الصيقل لم يوثق. نعم
، ورد في أسانيد كامل الزيارات الحسن بن زياد ولم يعلم أنّ المراد به الصيقل ، بل الظاهر أنّ المراد به الضبيّ مولى بني ضبة المعبّر عنه بالطائي أيضاً ،
فإنّه المعروف الذي له كتاب دون الصيقل ، ولا أقل من الشك فلم يثبت توثيقه ، فلا
يمكن الاعتماد عليها حتى يجمع بينها وبين خبر علي بن جعفر المتقدم في الوجه الرابع
بالحمل على الكراهة كما قيل ، لضعفهما معاً كما عرفت.
(١) كما مرّ في
التكبير ، فإنّ القدرة المعتبرة في التكليف إنّما هي القدرة الحاصلة في ظرف العمل
ولو تدريجاً ، ولا يعتبر فعلية القدرة على المجموع قبل الشروع ، فيجوز متابعة
الملقّن وإن تمكن من الحفظ والائتمام.
(٢) إذا كان
المصلي قادراً على القراءة الصحيحة فلا كلام ، وأمّا إذا كان عاجزاً ففروضه ثلاثة
: إذ قد يكون عاجزاً عن القراءة الصحيحة فيأتي بها ملحونة كما في الفأفاء والتمتام
ونحوهما ممّن لا يتمكن من تأدية الحروف عن مخارجها ، كأن يبدل الراء ياءً ، أو كان
أعجمياً غريباً عن اللغة العربية فيبدل
__________________
الضاد زاء مثلاً
ولا يستطيع أن يتعلم ، وقد يكون عاجزاً عن القراءة رأساً وهذا تارة يكون لمانع
ذاتي كما في الأخرس ، وأُخرى لمانع عرضي كمن به آفة في لسانه.
أمّا
القسم الأوّل : فلا شك أنّ وظيفته الإتيان بما يتمكن من القراءة وما يتيسر له ، فانّ هذه هي
قراءته ، و ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها ) ، وتدل عليه
موثقة السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم « إنّ الرجل الأعجمي من أُمتي ليقرأ القرآن بعجمية فترفعه
الملائكة على عربيته » وقد بنينا أخيراً على العمل بروايات السكوني واعتبارها ،
لأنّه موثق بتوثيق الشيخ وإن كان عاميا ، والنوفلي الراوي عنه موجود في أسانيد
كامل الزيارات وتفسير القمي.
وتؤيّده : معتبرة
مسعدة بن صدقة قال : « سمعتُ جعفر بن محمد عليهالسلام يقول : إنّك قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح وكذلك الأخرس في القراءة في
الصلاة والتشهد وما أشبه ذلك فهذا بمنزلة العجم والمحرم لا يراد منه ما يراد من
العاقل المتكلم الفصيح » .
وهل يجب عليه
الائتمام مع التمكن منه؟ الظاهر لا ، لأنّ وظيفته ذلك ، وهي منه بمنزلة القراءة
الصحيحة من الفصيح فيشمله إطلاق قوله عليهالسلام في صحيح زرارة « الصلوات فريضة وليس الاجتماع بمفروض في
الصلوات كلها ولكنها سنّة » .
__________________
وأمّا
القسم الثاني : وهو العاجز رأساً لمانع ذاتي كالأخرس ، فالمشهور كما في المتن أنّه يحرّك
لسانه ويشير بيده على حذو تفهيم سائر مقاصده ، بل إنّ هذا في الجملة ممّا لا إشكال
فيه ولا خلاف ، وتدل عليه موثقة السكوني عن أبي عبد الله عليهالسلام « قال : تلبية الأخرس وتشهده وقراءته القرآن في الصلاة ، تحريك لسانه وإشارته
بإصبعه » ، وتؤيّده معتبرة مسعدة بن صدقة المتقدمة.
إنّما الكلام في
أنّه يشير إلى أيّ شيء ، فانّ المعاني لا يلزم قصدها أو التوجه إليها حتى في
المختار ، فانّ كثيراً من الناس بل أكثرهم يصلّون ولا يدرون ما يقولون ، أو لا
يلتفتون ، فقصد المعنى غير معتبر قطعاً حتى تجب الإشارة إليه.
وأمّا الألفاظ ،
فقد يقال بامتناع إشارة الأخرس إليها ، إذ هو لكونه أصم لملازمة الخرس للصم لم
يسمع الألفاظ منذ عمره وطيلة حياته ، فكيف يشير إليها وهو لا يعرفها ، فهو بالنسبة
إلى الألفاظ كالأعمى بالنسبة إلى الألوان.
لكن الظاهر أنّه
يشير إلى اللفظ ، إذ هو يعلم ولو إجمالاً أنّه يخرج من الناس نوع صوت في مقام
تفهيم مقاصدهم ، لما يراه من تحريك اللسان والشفتين وسائر الملابسات كما يخرج عن
نفسه أيضاً ، وإن كان من نفسه مهملاً ، فيشير إلى تلك الأصوات والألفاظ عند
القراءة كما في غيرها فتدبر جيداً.
وأمّا آلة الإشارة
ففي المتن كغيره من سائر كلمات القوم أنّها اليد ، والمذكور في النص الإصبع ،
والظاهر أنّهما متلازمان ومآلهما واحد ، فإنّ الإصبع جزء من اليد فلو أشار به يصدق
أنّه أشار بيده كالعكس فلا فرق بين الأمرين.
وممّا ذكرنا تعرف
عدم وجوب الائتمام عليه ، لأنّ هذه هي قراءته وهي منه بمنزلة الصحيح من الفصيح.
مضافاً إلى إطلاق النص المعيّن للوظيفة الفعلية.
__________________
وأمّا
القسم الثالث : وهو العاجز عن القراءة لمانع عارضي كمن في لسانه آفة ، فقد ذكر في المتن
تبعاً لجمع أنّه يقرأ في نفسه ولو توهّماً مثل حديث النفس ، وهذا بخصوصه لم يرد في
شيء من الأخبار ، لكن صاحب الجواهر قدسسره استدلّ له تارة : بصحيحة علي بن جعفر المتقدمة : « سألته عن الرجل يصلح له
أن يقرأ في صلاته ويحرّك لسانه بالقراءة في لهواته من غير أن يسمع نفسه؟ قال : لا
بأس أن لا يحرّك لسانه يتوهم توهّماً » .
وقد أسلفنا الكلام
حولها وأنّه لا بدّ من رد علمها إلى أهله ، حيث إنّ ظاهرها المختار وهو على خلاف
الكتاب والسنة ، وتقدّم ما عن الشيخ من حملها على الائتمام خلف المخالف ، وعرفت
أنّ هذا وإن كان بعيداً جدّاً ، لكنه لا بأس به حذراً من الطرح. وعلى كل حال فهي
أجنبية عن محل الكلام كما لا يخفى.
وأُخرى
: بخبره الآخر
المروي عن قرب الاسناد لكنه مضافاً إلى ضعف سنده بعبد الله بن الحسن أجنبي عن
المقام أيضاً ولا شاهد على حمله عليه.
وثالثة
: بمرسل محمد بن
أبي حمزة « قال : يجزئك من القراءة معهم مثل حديث النفس » لكنها مضافاً إلى ضعفها بالإرسال كالصريح في الائتمام خلف المخالف لقوله عليهالسلام « معهم » ، فهي أيضاً أجنبية عن المقام.
وعلى الجملة :
فليس في البين نص يعتمد عليه ، وحينئذ فان قلنا بأنّ الأخرس بمفهومه شامل لمحل
الكلام ، وأنّه عبارة عن مطلق من لم يتمكن من التكلّم وإن
__________________
[١٥٢٣]
مسألة ٣١ : الأخرس يحرّك
لسانه ويشير بيده إلى ألفاظ القراءة بقدرها .
[١٥٢٤]
مسألة ٣٢ : من لا يحسن
القراءة يجب عليه التعلم وإن كان متمكناً من الائتمام ، وكذا يجب تعلم سائر أجزاء
الصلاة ،
______________________________________________________
كان لجهة عارضية ،
فيشمله حكمه لكونه من مصاديقه حينئذ ، وإلاّ كما لعله الأقوى لانصرافه إلى المانع
الذاتي كالعمى ، فكما أنّ الأعمى لا يصدق على من لا يبصر فعلاً لعارض موقّت مع
قبوله للعلاج ، فكذا الأخرس فإنّه ينصرف عمن طرأ عارض موقّت على لسانه يزول
بالعلاج فالظاهر أيضاً كذلك ، فإنّه وإن خرج عنه موضوعاً لكنه داخل حكماً ، إذ
مناسبة الحكم والموضوع تقضي بأنّ الخرس لا خصوصية له وإنّما أُخذ في لسان الدليل
باعتبار أنّه لا يتمكن من التكلم ، فهو الموضوع في الحقيقة والأخرس من أحد مصاديقه
، فيعمّ الحكم لمثل المقام أيضاً. فالأقوى أنّ وظيفته هي وظيفة الأخرس ، لكن
الأحوط أن يضمّ معها ما في المتن من القراءة في النفس ولو توهّماً فيحرّك لسانه
بما يتوهّمه لذهاب جماعة إليه.
(١) قد ظهر حالها
ممّا مرّ فلاحظ.
(٢) إن قلنا بأنّ
التعلم واجب نفسي كما اختاره المحقق الأردبيلي قدسسره أخذاً بظواهر بعض
النصوص كقوله « طلب العلم فريضة » ونحوه ، فلا
إشكال في الوجوب. وأمّا إذا أنكرنا ذلك وبنينا على أنّ الوجوب طريقي تحفّظاً على
الأحكام الواقعية كما هو الصحيح ، ويشهد له ما ورد من أنّ العبد يؤتى به
__________________
فان ضاق الوقت مع
كونه قادراً على التعلم فالأحوط الائتمام إن تمكّن منه .
______________________________________________________
يوم القيامة فيقال
هلاّ عملت؟ فيقول : ما علمت ، فيقال هلاّ تعلّمت؟ ... إلخ فلا دليل على وجوب التعلم في المقام حتى مع التمكن من الائتمام ، فإنّه أيضاً
طريق يوصل إلى الواقع ، والمفروض أنّ التعلم لا خصوصية له عدا الإيصال وعدم
الإخلال بالواقع ، فمع الأمن منه لا يجب التعلم ، ومن هنا ذكرنا وذكر الماتن أيضاً
في أوائل الكتاب في مبحث التقليد أنّ من يعلم أنّه لا يبتلى بمسائل الشك لا يجب
عليه تعلم أحكامه .
(١) تفصيل الكلام
في المقام : أنّه قد يفرض أنّ المكلف عاجز عن التعلم فلا يقدر عليه ، لقصور فيه
إمّا ذاتاً أو عرضاً كضيق الوقت أو لأنّه أسلم في مكان لا يجد من يعلّمه من بيداء
أو محبس ونحوهما ، وقد يفرض قدرته عليه غير أنّه فرّط وقصّر في التعلم إلى أن ضاق
الوقت فأصبح عاجزاً بسوء اختياره.
أمّا
العاجز القاصر ، فلا شك في سقوط القراءة عنه فإنّه تكليف بما لا يطاق وأنّ الوظيفة حينئذ
تنتقل إلى البدل وسيأتي الكلام عليه.
وهل يجب عليه
الائتمام حينئذ إن تمكن منه؟ لا ينبغي الإشكال في العدم والظاهر أنّه لا قائل به
أيضاً ، ووجهه ظاهر ، أمّا بناءً على أنّ الائتمام مسقط للقراءة كما هو الصحيح لا
أنّه عدل للواجب التخييري فالأمر واضح ، لأنّه
__________________
غير مأمور
بالقراءة رأساً لمكان العجز فلا تكليف بها حتى يحتاج إلى المسقط ولزوم الإتيان
بالمسقط في حد نفسه لا دليل عليه.
وأمّا على المبنى
الآخر ، فكذلك أخذاً بإطلاق أدلة البدلية كما ستعرف قريباً إن شاء الله تعالى ، من
أنّ الوظيفة حينئذ تنتقل إلى التكبير والتسبيح أو الإتيان بالميسور ، أو قراءة غير
الفاتحة من سور القرآن ، فانّ مقتضى الإطلاق في تلك الأدلة عدم الفرق بين صورتي
التمكن من الائتمام وعدمه ، ومن البيّن أنّ عدل الائتمام هو مطلق الفرادى الأعم من
المشتملة على القراءة أو على بدلها ، لا خصوص الاولى.
مضافاً إلى إطلاق
قوله عليهالسلام : « الصلوات فريضة وليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلّها
ولكنّها سنّة » فانّ مقتضاه استحباب الجماعة مطلقاً خرج عنه ما ثبت وجوبها
فيه كالجمعة فيبقى الباقي ومنه المقام تحت الإطلاق. ومع الغض عن الإطلاقين
المزبورين فاحتمال وجوب الجماعة أو اشتراطها منفي بأصالة البراءة كما لا يخفى.
فتحصّل
: أنّ الائتمام غير
واجب حتى على القول بالوجوب التخييري.
وأمّا
العاجز المقصّر الذي ترك التعلم مع قدرته عليه عالماً عامداً حتى ضاق الوقت ، فالكلام فيه
يقع في مقامين ، أحدهما : ما إذا لم يتمكن من الائتمام. وثانيهما : مع التمكن منه.
أمّا
المقام الأوّل ، فقد ذهب بعضهم إلى سقوط الأداء حينئذ وتعيّن القضاء ، إذ الواجب هي الصلاة
عن قراءة صحيحة وكان متمكناً منها وضيّعها على نفسه بتقصيره في التعلم بسوء
اختياره ، ولا دليل على الانتقال إلى البدل ، لاختصاص أدلّة البدلية بالعاجز
القاصر وانصرافها عن المقصّر ، كما لا دليل على الاجتزاء بالناقص بقاعدة الميسور
لعدم تماميتها ، فلا مناص عن الالتزام بسقوط الصلاة
__________________
والانتقال إلى
القضاء.
وذكر المحقق
الهمداني قدسسره في بعض موارد الاضطرار : أنّ القاعدة تقتضي ذلك ، أي سقوط
الأداء في كافة التفويتات الاختيارية ، فلو أراق الماء عمداً فقد فوّت على نفسه
الصلاة الاختيارية ، ولا دليل في مثله على الانتقال إلى التيمم ، لانصراف دليل
البدل إلى العجز القهري لا الاختياري العمدي ، نعم مقتضى دليل عدم سقوط الصلاة
بحال لزوم الانتقال إلى البدل وبذلك يخرج عن مقتضى القاعدة ، غير أنّه قد تردد في
شمول هذا الدليل لمثل المقام من جهة التشكيك في مفاده ، لاحتمال أن يراد بالحالة
الحالات الطارئة على المكلّف بحسب طبعه من مرض أو سفر ونحوهما دون حال العصيان ،
فمن الجائز أن لا يشمل حال التفويت الاختياري ، ومن هنا ذكر أنّ الأحوط في أمثال
المقام الجمع بين الأداء والقضاء عملاً بالعلم الإجمالي.
وهذا القول أعني
سقوط الأداء وجيه لولا قيام الدليل على عدم سقوط الصلاة بحال ، فإنّه وإن لم يرد
بلفظة في دليل معتبر لكن مضمونه مستفاد ممّا ورد في أخبار المستحاضة كقوله عليهالسلام في صحيحة زرارة « ولا تدع الصلاة بحال » للقطع بعدم
خصوصية للمستحاضة في هذا الحكم ، ولا ينبغي الريب في شمول الحال لمثل المقام فإنّه
من جملة الأحوال ، والتشكيك المزبور لم نعرف له وجهاً صحيحاً ، فلا مانع من التمسك
بالإطلاق بعد صدق اسم الصلاة على الفاقد للقراءة ، لعدم تقوّمها بأكثر من الركوع
والسجود والطهور.
فالمتعيّن هو
الأداء فقط دون القضاء ، إذ لا ينتهي الأمر إليه بعد تعيّن الوظيفة في الوقت ،
المانع من صدق الفوت الذي هو موضوع القضاء ، ودون الجمع ، إذ لا تصل النوبة إلى
العلم الإجمالي كما هو ظاهر.
__________________
وأمّا
المقام الثاني : فهل يجب الائتمام مع التمكن منه؟
يقع الكلام تارة
في الوجوب التكليفي ، وأُخرى في الوجوب الوضعي.
أمّا
الأوّل : فقد احتاط فيه في
المتن وإن لم يصرّح بالتكليفي وقد جزم قدسسره به في أوائل أحكام الجماعة ، حيث ذكر أنّها مستحبة لكنها
تجب في موارد وعدّ المقام فيها.
وربما
يقال : بعدم الوجوب ،
استناداً إلى أصالة البراءة ، بناءً على أنّ الائتمام مسقط كما هو الصحيح لا أنّه
عدل للواجب التخييري ، فإنّ الأمر بالقراءة ساقط ولو بالتعذر المستند إلى التقصير ،
وإيجاب المسقط يحتاج إلى الدليل وحيث لا دليل فيدفع بأصالة البراءة ، ويقتصر على
المقدار الممكن.
وربما
يستدل عليه أيضاً :
بصحيحة عبد الله بن سنان قال : « قال أبو عبد الله عليهالسلام : إنّ الله فرض من الصلاة الركوع والسجود ، ألا ترى لو أنّ
رجلاً دخل في الإسلام لا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يكبّر ويسبّح ويصلي » حيث إنّ مقتضى إطلاقها أنّ غير المتمكن من القراءة يجزئه التسبيح وإن كان
متمكناً من الائتمام ، فيظهر أنّ القراءة ليست من المقوّمات وإنّما المقوّم للصلاة
الركوع والسجود كما صرّح بهما في صدر الصحيحة ، وكذا الطهور كما يظهر من بعض
الأخبار.
والجواب
: أمّا عن الصحيحة
، فبأنّ القراءة وإن لم تكن مقوّمة لكنها من أجزاء الصلاة وواجبة مع التمكن بلا
إشكال ، لقوله عليهالسلام « لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب » ، والمفروض في المقام التمكن من تعلمها فتجب لا محالة ، غير أنّ المكلف
فوّتها على نفسه بتقصيره وسوء اختياره فكيف تشمله هذه الصحيحة
__________________
التي موردها
العاجز القاصر الذي لا يقدر على التعلم كما هو ظاهر قوله عليهالسلام : « لو أنّ رجلاً دخل في الإسلام ... » إلخ حيث إنّ المنسبق منه أنّ عدم
إحسانه للقراءة لكونه جديد عهد بالإسلام فمنصرفه العجز القصوري الذي هو أجنبي عن
محل الكلام.
وأمّا عن الأصل ،
ففيه : أنّ البراءة غير جارية في المقام ، إذ موردها الشك في التكليف ، ولا شك
أنّه كان مكلفاً بالصلاة مع القراءة لفرض قدرته على التعلم ، فهو مستحق للعقاب على
تفويته الاختياري جزماً. نعم ، في وسعه دفع العقاب بالائتمام ، إذ لم يفت عنه
حينئذ شيء ، فلا جرم يستقل به العقل فراراً عن العقاب المقطوع استحقاقه لا
المحتمل ، لما عرفت من أنّه كان قادراً ولم يتعلّم بسوء اختياره إلى أن ضاق الوقت
، فهو يعاقب لا محالة على تركه للمرتبة الراقية والصلاة الاختيارية.
وعلى الجملة :
فالائتمام وإن لم يكن واجباً في نفسه شرعاً بعد فرض كونه مسقطاً لا عدلاً للواجب
التخييري كما هو مبنى الكلام ، إلاّ أنّ العقل يستقل بوجوبه دفعاً للعقاب المقطوع
استحقاقه ، ومعه كيف يسوغ تركه رأساً استناداً إلى أصالة البراءة.
فتحصّل
: أنّ وجوب
الائتمام تكليفاً ممّا لا ينبغي الارتياب فيه.
وأمّا
الثاني : فالظاهر عدمه ،
لأصالة البراءة عن تقيّدها به ، فإنّه قيد زائد يشك في اعتباره في المأمور به
فيدفع بالأصل ، بناءً على ما هو الصحيح من الرجوع إلى البراءة في الأقل والأكثر
الارتباطي ، فلو لم يأتم صحّت صلاته وإن كان آثماً ، ومن الواضح عدم المنافاة بين
الوجوب تكليفاً وعدمه وضعاً ، فالمقام نظير ما لو نذر أن يأتي بالفريضة جماعة ،
فلو حنث وصلى منفرداً صحت صلاته وإن كان عاصياً.
[١٥٢٥]
مسألة ٣٣ : مَن لا يقدر
إلاّ على الملحون أو تبديل بعض الحروف ولا يستطيع أن يتعلم أجزأه ذلك ولا يجب عليه
الائتمام ، وإن كان أحوط وكذا الأخرس لا يجب عليه الائتمام .
[١٥٢٦]
مسألة ٣٤ : القادر على
التعلّم إذا ضاق وقته قرأ من الفاتحة ما تعلّم ، وقرأ من سائر القرآن عوض البقيّة ،
والأحوط مع ذلك تكرار ما يعلمه بقدر البقية ، وإذا لم يعلم منها شيئاً قرأ من سائر
القرآن بعدد آيات الفاتحة بمقدار حروفها .
______________________________________________________
(١) تقدّم الكلام في هذه المسألة مستقصى فلا حاجة إلى الإعادة فلاحظ.
(٢) المشهور أنّ
مَن لم يتعلّم القراءة إلى أن ضاق الوقت سواء أكان قادراً على التعلم فقصّر أم كان
قاصراً قرأ من الفاتحة ما تيسر ، فان عجز عنها بأن لم يتعلم شيئاً منها قرأ من
سائر القرآن ، فان عجز عن ذلك أيضاً كبّر وسبّح.
وظاهر المحقق في
الشرائع إلغاء الترتيب ، وأنّه بعد العجز عن الفاتحة يتخيّر بين
قراءة سائر القرآن وبين التسبيح.
وهذا مضافاً إلى
أنه لا قائل به عدا ما ينقل عن الشيخ في موضع من المبسوط فهو قول شاذ لا يعبأ به لا دليل عليه ، بل الدليل قائم على خلافه كما ستعرف ،
هذا.
__________________
وقد استدلّ على
المشهور من اعتبار الترتيب المزبور بوجوه كلها ضعيفة ، ما عدا صحيحة عبد الله بن
سنان المتقدمة حيث أُنيط فيها إجزاء التكبير والتسبيح بالعجز عن قراءة
القرآن لا عن خصوص الفاتحة ، فالانتقال إلى الذكر متفرع على العجز عن طبيعي
القراءة ، ولازم ذلك هو الترتيب والطولية فيسقط التخيير.
ويؤيّدها قوله
تعالى ( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ ) ، وما في خبر الفضل بن شاذان عن الرضا عليهالسلام من أنّ العلة في قراءة القرآن في الصلاة لئلاّ يكون القرآن
مهجوراً ، والعلة في اختصاص الفاتحة بالوجوب لاشتمالها على جوامع الكلم حيث يظهر منه تعدد المطلوب ، فاذا فات المطلوب الأرقى بقي المطلوب الأدنى
بحاله ، فوجب قراءة غير الفاتحة من سائر القرآن مهما أمكن رعاية لأدنى المطلوبين ،
لكن العمدة ما ذكرناه من الصحيحة ، إذ في هذين الوجهين ما لا يخفى وسنشير إليه فلا
يصلحان إلاّ للتأييد.
هذا إذا لم يتمكن
من الفاتحة أصلاً ، وأمّا إذا تمكن من بعضها ، فان كان المقدور هو معظم الفاتحة
فلم يرد النقص إلاّ على مقدار يسير منها كربعها بل وثلثها ، بحيث صدق على الباقي
عنوان الفاتحة ، فلا إشكال في وجوب الإتيان به ووجهه ظاهر ، وأمّا إذا كان الفائت
مقداراً معتنى به كالنصف أو الثلثين ، بحيث لم يصدق على المقدور عنوان الفاتحة ،
فقد استدلّ على وجوب قراءته حينئذ بوجوه ضعيفة كقاعدة الميسور ، وما لا يدرك ،
وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم » ، والاستصحاب ، والكل كما ترى.
__________________
والعمدة الاستدلال عليه بأحد وجهين :
أحدهما
: تسالم الأصحاب
واتفاقهم على ذلك بحيث لم ينقل الخلاف عن أحد.
ثانيهما : صحيحة
ابن سنان المتقدمة بضميمة العلم الخارجي بتقدم الفاتحة على غيرها من سائر القرآن
في الصلاة ، فإنّ مقتضى الصحيحة أنّ التسبيح إنّما يجزئ بعد العجز عن طبيعي القرآن
، غير المتحقق في المقام بعد تمكنه من بعض الفاتحة ، فإنّه مصداق للقرآن كما هو
ظاهر ، فلا تصل النوبة إلى التسبيح ، وحيث إنّا نقطع من الخارج أنّ الفاتحة مقدمة
على بقية سور القرآن في القراءة المعتبرة في الصلاة ولذا تتقدم على ما عداها لدى
الاختيار ، فلا نحتمل تقدم غيرها أو التخيير بينها وبين الفاتحة ولو بعضها في
المقام. فالصحيحة بضميمة هذا العلم الخارجي تنتج وجوب الإتيان بالفاتحة بالمقدار
الممكن.
وهل يجب التعويض
حينئذ عن الباقي؟ فيه خلاف نسب إلى المشهور الوجوب واستدلّ عليه بأُمور :
أحدها
: قاعدة الاشتغال ،
إذ لا جزم بفراغ الذمة عن عهدة التكليف المقطوع إلاّ بالتعويض.
والجواب
: عنه ظاهر ، فإنّه
من موارد الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطي والصحيح أنّه مجرى البراءة دون
الاشتغال.
ثانيها
: قوله تعالى (
فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ ) وظاهر الأمر الوجوب.
وفيه
أوّلاً : أنّ الآية
المباركة غير ناظرة إلى حال الصلاة ، بل هي مطلقة ومعلوم أنّ الأمر حينئذ محمول
على الاستحباب.
وثانياً
: على تقدير كونها
ناظرة إلى الصلاة ومختصة بها ، فليس المراد كل ما
__________________
تيسر ، وإلاّ وجب
بالمقدار الذي يمكنه وإن كان سورة البقرة مع أنّه غير واجب قطعاً ، بل المراد
طبيعي ما يتيسر ، الصادق على المقدار الممكن من القراءة ، فلا موجب للتعويض.
ثالثها
: قوله عليهالسلام : « لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب » ، فانّ ظاهره نفي
حقيقة الصلاة عن الفاقدة للفاتحة المستلزم للبطلان ، خرجت عنه ما اشتملت على
الفاتحة الناقصة المعوّضة بالإجماع ، فيبقى غيره تحت عموم النفي. ولعلّ هذه أحسن
الوجوه.
والجواب
: أنّ الاستدلال
مبني على أن تكون الرواية بصدد الإخبار عن الدخل في الحقيقة ، وليس كذلك ، بل هي
إرشاد إلى الجزئية ولو بضميمة العلم الخارجي بعدم دخل الفاتحة في حقيقة الصلاة
وأنّها لا تسقط بحال ، وأنّ المقوّم لها ليس إلاّ الركوع والسجود والطهور حسبما
ثبت بالنص .
وعليه فالجملة
المزبورة في قوة الأمر بالفاتحة ، المختص بحال التمكّن جزماً فيسقط لدى العجز لا
محالة ، فالأمر بالتعويض يحتاج إلى الدليل ، والأصل البراءة. وبالجملة : غاية ما
يثبت بهذه الرواية جزئية الفاتحة ، وأمّا وجوب البدل فكلاّ.
رابعها
: خبر الفضل بن
شاذان عن الرضا عليهالسلام « أنّه قال : أُمر الناس بالقراءة في الصلاة لئلاّ يكون
القرآن مهجوراً إلى أن قال وإنما بدئ بالحمد دون سائر السور لأنّه ليس شيء من
القرآن والكلام جمع فيه من جوامع الخير والحكمة ما جمع في سورة الحمد » الدال على وجوب كل من قراءة القرآن ومن خصوص سورة الحمد من باب تعدد المطلوب
، فإذا تعذّر
__________________
المطلوب الأرقى
لزم التحفّظ على المطلوب الأدنى ، فيجب التعويض محافظة على أدنى المطلوبين بعد
تعذر الآخر.
وفيه
: مضافاً إلى ضعف
السند كما لا يخفى ، قصور الدلالة ، بداهة أنّ المراد من قراءة القرآن الذي هو
المطلوب الأدنى الطبيعي الصادق على المقدار الميسور من الفاتحة ، فالمصلحة القائمة
بقراءة القرآن من عدم كونه مهجوراً حاصلة ، والقائمة بالفاتحة ساقطة بالعجز ،
والتبديل عن المقدار الفائت يحتاج إلى الدليل ، والأصل البراءة.
فتحصّل من جميع ما مرّ : أنّ ما ذكره بعضهم من عدم وجوب التعويض
هو الأظهر ، وإن كان مراعاته أحوط.
ثم
على تقدير الوجوب ،
فهل يتعيّن أن يكون العوض من سائر القرآن غير الفاتحة ، إذ لا أثر للتكرار ، فإنّ
الشيء الواحد لا يكون أصلاً وبدلاً فلا يجمع بينهما ، أو يتعيّن أن يكون منها ،
فيكرّر ما يعلمه حتى يستكمل مقدار الفاتحة لكونه أقرب إلى المتعذر من غيره ،
لاشتراكهما في كونهما من أجزاء الفاتحة؟
قيل بكلّ منهما ،
وكلاهما ليس بشيء ، إذ مستندهما وجه اعتباري لا يصلح لأن يكون مدركاً لحكم شرعي ،
وأيّ مانع من أن يكون الشيء الواحد باعتبار وجوده الأول أصلاً وبلحاظ الوجود
الثاني بدلاً ، والأقربية المزبورة لم يقم دليل على وجوب مراعاتها. فالتعيين لا
دليل عليه ، ولعلّه برعاية هذين الوجهين جمع الماتن بينهما وجعل ذلك أحوط.
نعم ، لا يبعد أن
يكون الجمع واجباً لو كان المستند في أصل وجوب التعويض قاعدة الاشتغال ، فانّ هذا
الاستدلال كما يقتضي أصل التعويض يقتضي وجوب الجمع في المقام بملاك واحد ، إذ لا
يحصل الجزم بالفراغ إلاّ بذلك ، لاحتمال وجوب كل منهما كما مرّ. كما أنّ الحال
كذلك لو كان المستند قوله ( عليهالسلام )
وإن لم يعلم شيئاً
من القرآن سبّح وكبّر وذكر بقدرها ، والأحوط الإتيان بالتسبيحات الأربعة بقدرها .
______________________________________________________
« لا صلاة إلاّ
بفاتحة الكتاب » إذ المتيقن خروجه عن عموم النفي صورة الجمع فيبقى ما عداها
تحت العموم المقتضي للبطلان بالتقريب المتقدم ، لعدم العلم بالخروج لو اقتصر على
واحد منهما ، ومن هنا كان الجمع أحوط ، وإن كان الأقوى عدم وجوب التعويض من أصله
كما عرفت.
ثم
على تقدير الوجوب فهل
يعتبر أن يكون البدل من الفاتحة أو من غيرها مساوياً للمقدار الفائت في الحروف
والآيات والكلمات أو لا؟
يجري فيه الكلام
المتقدم آنفاً بعينه ، فانّ المستند لو كان قاعدة الاشتغال أو قوله عليهالسلام : « لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب » فاللازم الاحتياط ، فلا بدّ من رعاية كل
ذلك مما يحتمل دخله في الواجب ، نعم ما لا يحتمل كعدد الحروف الساكنة أو المتحركة
وعدد الفتح والضم والكسر ونحوها ممّا يقطع بعدم اعتبارها لا يلزم رعايتها ، ولو
احتمل اعتبار هذه أيضاً وجب الاحتياط فيها.
(١) إذا لم يتمكّن
من قراءة القرآن أصلاً لا الفاتحة ولا غيرها فما هي الوظيفة حينئذ؟
نسب إلى المشهور
أنّه يسبّح الله ويهلّله ويكبّره ، وزاد بعضهم التحميد ، واكتفى بعضهم بمطلق الذكر
كما عن الشهيد في اللّمعة ، وذكر بعضهم أنّه يأتي بالتسبيحات الأربع الواجبة في
الركعتين الأخيرتين على هيئتها الخاصة.
وكل ذلك ممّا لا
دليل عليه ، فانّ الوارد في المقام نبويّان ، أحدهما : تضمّن
__________________
التكبير والتهليل والتحميد
، والآخر : تضمّن التسبيحات الأربع بزيادة قوله : ولا حول
ولا قوة إلاّ بالله ، أو مع إضافة العلي العظيم ، ومعلوم أنّ سند النبويين قاصر ولم يعمل بمضمونهما الأصحاب حتى ينجبر الضعف
بالعمل لو سلّم كبرى الانجبار ، فانّ التسبيح يلتزم به المشهور والنبوي الأوّل خال
عنه كما أنّ الزيادة التي يشتمل عليها النبوي الآخر لا يلتزمون بها.
وبالجملة : فلم
نعرف مستنداً صحيحاً لهذه الأقوال. إذن لا مناص من الرجوع إلى صحيحة عبد الله بن
سنان المتقدمة ، والمذكور فيها قوله عليهالسلام « أجزأه أن يكبّر ويسبّح ويصلّي ... » إلخ ، والمستفاد من
الصحيحة أنّ الركن المقوّم للصلاة إنّما هو الركوع والسجود ، وأمّا القراءة فهي
واجبة في حق المتمكّن ، وأمّا العاجز فيجزئه أن يكبّر ويسبّح ويصلّي.
ولا يبعد أن يكون
قوله عليهالسلام « ويصلي » بمعنى يركع ، أي يمضي في صلاته ، وإلاّ فهو من
الأوّل داخل في الصلاة. فعلى هذا ، الواجب بدلاً عن القراءة إنّما هو التسبيح فقط
، وأمّا التكبير المذكور قبله فهي تكبيرة الإحرام ، فما ذكره المحقق الأردبيلي من نفي البعد عن كون التكبير المزبور تكبيرة الصلاة لا أن يكون مع التسبيح
بدلاً عن القراءة وجه حسن جدّاً ، بل هو الظاهر من الصحيحة كما عرفت.
فالظاهر الاجتزاء
بالتسبيح فقط ، وإن كان الأولى والأحوط الإتيان بالتسبيحات الأربع جمعاً بين
الأقوال وتحصيلاً للقطع بالموافقة.
__________________
ويجب تعلّم السورة
أيضاً ، ولكن الظاهر عدم وجوب البدل لها في ضيق الوقت وإن كان أحوط .
[١٥٢٧]
مسألة ٣٥ : لا يجوز أخذ
الأُجرة على تعليم الحمد والسورة بل وكذا على تعليم سائر الأجزاء
الواجبة من الصلاة ، والظاهر جواز أخذها على تعليم المستحبات .
______________________________________________________
(١) لا ريب في
وجوب تعلّم السورة كالفاتحة بملاك واحد ، غير أنّ التعويض غير واجب في الثاني ،
فلو لم يتعلم السورة قصوراً أو تقصيراً سقطت واجتزأ بالفاتحة على التفصيل المتقدم
، لعدم الدليل على وجوب التعويض هنا ، والأصل البراءة.
بل يمكن إقامة
الدليل على العدم ، فانّ المستفاد من صحيحة ابن سنان المتقدمة أنّ الانتقال إلى البدل إنّما هو لدى العجز عن طبيعي القراءة ، فمع التمكن
منه لا تصل النوبة إلى التسبيح بدلاً عن السورة ، كما أنّه مع العجز عنه يجزئ
التسبيح بدلاً عن القراءة الواجبة لا أنّه يأتي بمقدار بدلاً عن الفاتحة ومقداراً
آخر بدلاً عن السورة ، فإنّ هذا يحتاج إلى مئونة يدفعها الإطلاق والأصل كما لا
يخفى.
(٢) لا ينبغي الشك
في أنّ التعليم كالتعلم واجب في مثل المقام ، لما دلّ على وجوب تبليغ أحكام
الشريعة المقدسة وبثّها ونشرها كما يرشد إليه قوله تعالى ( فَلَوْ لا
نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ ... ) إلخ ، حيث دلّت الآية المباركة على وجوب التعليم
__________________
للعالم كوجوب التعلم
للجاهل ، وهل يجوز أخذ الأُجرة عليه أو لا؟
تكلّمنا حول هذه
المسألة ونظائرها في بحث المكاسب المحرّمة وقلنا إنّ
المشهور وإن نسب إليهم عدم جواز أخذ الأُجرة على الواجبات ، بل عمّم المنع بعضهم
إلى الواجبات الكفائية إلاّ ما خرج بالدليل.
لكنّه لا يمكن المساعدة
عليه ، إذ الوجوب بما هو لا يقتضي إلاّ لزوم الإتيان بالعمل تكليفاً. وهذا بمجرده
لا يكون مانعاً عن الإيجار ، وإلاّ لمنع حتى في التوصّليات ، لعدم التنافي بين
الأمرين ، فإنّ الوجوب بنفسه لا يقتضي سقوط العمل عن المالية أو سلب سلطنة العامل
عليه أو خروجه عن ملكه كي لا يتمكن من تمليكه للغير حتى يتنافى مع أخذ الأُجرة
عليه ، فكما أنّ الواجب يمكن وقوعه شرطاً في ضمن عقد لازم ، فكذا يمكن إيجاره ،
غايته أنّه يجب حينئذ لملاكين وبوجوبين ، وجوبه لنفسه ، ووجوبه من قبل الأمر
الاستيجاري أو الأمر بالوفاء بالشرط ، فهذا الأمر ممّا يؤكد الوجوب ويعضده لا أنّه
ينافيه ويعارضه.
وبالجملة : حيثية
الوجوب في نفسها لا ينافي الإيجار ، فإنّ الأوّل باب التكليف ، والثاني باب الوضع
، فالحيثيّتان متغايرتان ، وكل منهما لا يأبى عن الآخر ، فما أُفيد من أنّ الوجوب
سالب للمالية ، أو أنّ المكلف بعد تعلق الوجوب بالعمل لا يكون مسلّطاً عليه لخروجه
عن ملكه وصيرورته ملكاً لله تعالى ، غير سديد ، ضرورة أنّ العمل لا يكون ملكاً له
تعالى تلك الملكية المصطلحة ، وإنّما ملكيته تعالى ليس إلاّ بمعنى الوجوب التكليفي
المحض ، غير المنافي لوقوعه
__________________
مورداً للإجارة ،
فهو باق على ملك العامل وتحت حيطته وسلطنته فله إيجاره كما أنّ للمستأجر إجباره لو
امتنع لا من باب الأمر بالمعروف ، بل من باب الوفاء بالعقد والمطالبة بالحق.
كما أنّ حيثية
العبادية بما هي أيضاً لا تنافيه ، ولذا التزموا بجواز الاستئجار في المستحبات حتى
العبادية ، ولو كانت مانعة لعمّ المنع للواجبات والمستحبات بملاك واحد مشترك
بينهما كما لا يخفى.
ودعوى منافاة
الإيجار للخلوص المعتبر في العبادة ، إذ العمل حينئذ يؤتى لله تعالى ولداعي أخذ
الأُجرة ، كما ترى ، ضرورة أنّ الأُجرة يستحقها المؤجر بمجرّد عقد الإيجار ، سواء
أتى بالعمل أم لا ، فلا داعي للعبادة إلاّ نفس الأمر الأوّل المتعلق بها المتأكد
بالأمر الثاني الناشئ من قبل الإجارة ، وأمّا الأُجرة فهي مملوكة بنفس العقد كما
عرفت من دون توقّف على الامتثال والوفاء ، فحيث إنّ شيئاً من الوجوب والعبادية لا
ينافي الإيجار ، فاجتماعهما في مورد أيضاً لا ينافيه.
وبذلك كلّه يظهر
أنّ الأقوى جواز أخذ الأُجرة على الواجب وإن كان عباديّاً سواء أكان عينياً أم
كفائياً كما في المقام.
نعم ، لا بدّ وأن
يكون هناك نفع عائد للمستأجر وأثر مترتب عليه فبدونه يبطل ، لكونه من أكل المال
بالباطل كما في غير الواجبات ، مثل ما لو استأجر زيداً أن ينام في بيته نفسه ،
فإنّ المستأجر لا ينتفع من مثل ذلك ويعدّ أخذ الأُجرة حينئذ من الأكل بالباطل ،
إلاّ أنّ المنع في هذه الصورة لم ينشأ من قبل الوجوب بل لجهة أُخرى مشتركة بين
الواجب وغيره ، فلو كان الواجب أو العبادة أو الواجب العبادي من هذا القبيل بطلت
الإجارة لهذه الجهة لا لجهة الوجوب أو العبادية ، إذ الكلام في الإجارة الصحيحة في
نفسها ، وإذا لم يكن من هذا القبيل صحّ مطلقا.
[١٥٢٨]
مسألة ٣٦ : يجب الترتيب بين
آيات الحمد والسورة وبين كلماتها وحروفها ، وكذا الموالاة ،
______________________________________________________
نعم ، ربما لا يصح
في بعض الموارد ، كما إذا علمنا من الخارج بناء العمل على المجانية لكونه مورداً
لحق الناس ، وأنّه ممّا يستحقونه على العامل ولو كفاية ، كما لا يبعد دعواه في
تجهيزات الميت كغسله وكفنه ودفنه والصلاة عليه ، لقيام ارتكاز المتشرعة على أنّه
حق للميت على المسلمين مجّاناً ، وأنّ الله تعالى أوجبه كذلك.
ومن جميع ما
ذكرناه تعرف : أنّ الأقوى جواز أخذ الأُجرة على تعليم القراءة وغيرها من أجزاء
الصلاة الواجبة والمستحبة ، فلا بأس بإمرار المعاش والارتزاق من هذه الناحية ، وإن
كان الأحوط تركه ، حذراً عن مخالفة المشهور.
(١) أمّا الترتيب
بين نفس الحمد والسورة بتقديم الأوّل على الثاني ، فقد تقدم الكلام فيه سابقاً
فلاحظ .
وأمّا بين الآيات
والكلمات والحروف ، فلا إشكال فيه كما لا خلاف ، فانّ مفهوم الحمد أو السورة
يتقوّم بتلك الآيات على النهج الخاص والترتيب المقرّر بينهما بمالها من الأجزاء ،
فمع الإخلال لا يصدق عنوان السورة التي هي متعلق التكليف ، فلم يتحقق المأمور به
فيحكم بالبطلان ، وإن تداركه بالتكرار مراعياً للترتيب ، من جهة الزيادة العمدية
المبطلة ، ضرورة أنّها تتحقق بنفس القراءة الأُولى على خلاف الترتيب لأنه أتى بها
بقصد الجزئية حسب الفرض ، نعم لو قصد بذلك مطلق القرآن دون الجزئية لم يكن به بأس
، لعدم كونه من الزيادة القادحة حينئذ.
(٢) بلا خلاف فيه
ولا إشكال ، لتقوّم مفهوم الكلمة أو الآية بذلك ، من جهة اعتبار الوحدة الاتصالية
العرفية بين الأجزاء ، بحيث لو تخلّل الفصل الطويل
__________________
فلو أخلّ بشيء من
ذلك عمداً بطلت صلاته .
______________________________________________________
بسكوت ونحوه
الماحي للصورة أو للهيئة الكلامية خرجت الكلمة أو الآية عن حقيقتها ، فلو قال : ما
، وبعد مدّة قال : لـ ، وبعد مدّة أُخرى قال : كـ ، لم يعد ذلك مصداقاً لكلمة مالك
، بل يعد غلطاً في العرف واللغة ، ويكون خارجاً عن العربية.
وكذا لو قال :
مالك ، وبعد فصل طويل قال : يوم ، وبعد فصل كذلك قال : الدين ، لم يكن ذلك مصداقاً
للآية المباركة ، بل كان خارجاً عن قانون المحاورة وعن الكلام العربي ، وكذا الحال
بين الآيات بعضها مع بعض ، فصدق عنوان السورة أو الآية أو الكلمة موقوف على مراعاة
تلك الهيئة الاتصالية الملحوظة بين أجزائها بحيث لو أخلّ خرج عن الكلام العربي ،
بل ربّما عد غلطاً كما عرفت. ومن المعلوم أنّ الواجب إنّما هو قراءة القرآن على
النهج العربي الصحيح ، ولأجل ذلك اعتبرنا الموالاة بين الإيجاب والقبول ، وبين
فصول الأذان والإقامة ونحوهما ممّا اعتبرت فيه الهيئة الاتصالية العرفية.
وعلى الجملة :
فالموالاة بهذا المقدار معتبرة جزماً ، وأمّا الزائد عليه فلا دليل على اعتباره ،
والظاهر أنّ المشهور أيضاً لا يعتبرون أكثر من ذلك.
(١) فيما إذا كان
بانياً على الإخلال من أوّل الأمر ، والوجه في البطلان حينئذ ظاهر ، وذلك لأجل
الزيادة العمدية المبطلة. مضافاً إلى صدق كلام الآدمي لخروج مورد الإخلال عن
القرآن والذكر والدعاء ، فيستوجب البطلان من ناحيتين ولا ينفعه التدارك بتكرار
القراءة بعد حصول ما يبطل معه الصلاة ، فما في بعض الكلمات من بطلان القراءة بذلك
في غير محله ، بل الظاهر بطلان الصلاة كما عرفت.
[١٥٢٩]
مسألة ٣٧ : لو أخلّ بشيء من
الكلمات أو الحروف أو بدّل حرفاً بحرف حتى الضاد بالظاء أو العكس بطلت ، وكذا لو
أخلّ بحركة بناء أو إعراب أو مد واجب أو تشديد أو سكون لازم ، وكذا لو أخرج حرفاً
من غير مخرجه بحيث يخرج عن صدق ذلك الحرف في عرف العرب .
______________________________________________________
نعم ، إذا لم يكن
بانياً عليه من الأوّل بل بدا له ذلك في الأثناء ، كما لو أخذه السعال أو العطاس
أو انقطع النفس أثناء الآية أو الكلمة بحيث تخلل الفصل المخل ، فالظاهر الصحة لو
تدارك ، بل لا ينبغي الإشكال فيها لعدم تحقق الزيادة المبطلة حينئذ ، لما مرّ غير
مرّة من أنّ المستفاد من قوله عليهالسلام : « من زاد في صلاته فعليه الإعادة » أنّ المبطل هو إحداث الزائد من أوّل الأمر لا إحداث صفة الزيادة لما تقدمه
كما في المقام ، فإنّه بعد التكرار والتدارك يتصف السابق بصفة الزيادة من دون أن
يكون متصفاً بها حين حدوثه ، فمثل هذا غير مشمول لتلك الأدلة.
ومن هنا ذكرنا أنّ
جواز العدول من سورة إلى أُخرى ، أو من الحمد إلى التسبيحات الأربع في الركعتين
الأخيرتين مطابق للقاعدة من دون حاجة إلى دليل خاص ، فانّ ذلك هو مقتضى التخيير
المفروض في المقام ، إذ لا دليل على تعيّن الواجب فيما اختاره أوّلاً ما لم يفرغ
عنه ، كما أنّ الزيادة العمدية غير متحققة في أمثال المقام لما عرفت آنفاً.
(١) أمّا الإخلال
في المواد بتغيير كلمة أو تبديل حرف ولو بما يقاربه في المخرج ، كالضاد بالظاء أو
بالعكس بناءً على تعدد الحرفين وتغاير المخرجين فلا إشكال في البطلان مع العمد ، للزوم
الزيادة المبطلة. مضافاً إلى كونه من
__________________
كلام الآدمي بعد
عدم كونه من القرآن ولا الذكر ولا الدعاء. وأمّا مع السهو فتبطل الكلمة خاصة ،
فتصح القراءة مع التدارك كما هو ظاهر.
وأمّا الإخلال في
الهيئات ، فإن كان بتغيير في ترتيب الحروف بتقديم وتأخير كتغيير الحمد بالمدح وإن
اتحد المعنى ، فحاله كالتغيير في المواد الذي مرّ حكمه من البطلان مع العمد ،
وبطلان خصوص الكلمة مع السهو ، فإنّه من مصاديق ذلك كما لا يخفى.
ويلحق بذلك
التغيير في حركات الكلمة من أوّلها أو وسطها أو آخرها إذا كانت مبنية ونعبّر عنها
بالحركات اللاّزمة ، فإنّه أيضاً تغيير في القرآن فلا يكون منه ، ويجري فيه ما مرّ
من بطلان الصلاة مع العمد ، وبطلان الكلمة مع السهو.
وأمّا التغيير في
الحركات غير اللاّزمة كالأعراب ، فان عدّ غلطاً في كلام العرب ، كقوله الحمد
بالكسر ، فهو أيضاً ملحق بما سبق ، لكونه مغايراً للكلام النازل على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ولا بدّ من قراءة القرآن قراءة صحيحة كما نزلت ، فيجري فيه أيضاً ما مرّ من
بطلان الصلاة أو الكلمة مع العمد أو السهو.
إنما
الكلام فيما إذا لم يكن
غلطاً ولا مغيّراً للمعنى ، وهذا كما في الصفة ككلمة الرب في قوله ( الْحَمْدُ
لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) ، وكلمة مالك في ( مالِكِ يَوْمِ
الدِّينِ ) ، حيث قالوا بجواز الوجوه الثلاثة في إعرابها الجر تبعاً
للموصوف كما هو الشائع الذائع والنصب بتقدير كلمة أعني ، والرفع خبراً لمبتدإ
محذوف ، فهل يجوز في الصلاة اختيار كل ذلك ، أو يتعين الأوّل كما هو المتعارف فلا
يتغير عما هو عليه؟
ربما يقال بالجواز
، نظراً إلى أنّ اللاّزم هو الإتيان بقراءة صحيحة وهي متحققة في كل ذلك ، لكن
الظاهر البطلان لأنّا مأمورون بقراءة القرآن كما انزل وكما يقرأه الناس ، للنصوص
الدالة على ذلك كما سيجيء ، لا بكل كلام عربي
[١٥٣٠]
مسألة ٣٨ : يجب حذف همزة
الوصل في الدرج مثل همزة ( الله ) و ( الرّحمن ) و ( الرّحيم ) و ( اهدنا
) ونحو ذلك ، فلو أثبتها بطلت ، وكذا يجب إثبات همزة القطع كهمزة ( أنعمت ) فلو
حذفها حين الوصل بطلت.
[١٥٣١]
مسألة ٣٩ : الأحوط ترك
الوقف بالحركة والوصل بالسكون .
______________________________________________________
صحيح فصيح ، فليس
كل صحيح مجزئاً ، بل اللاّزم قراءة القرآن على الوجه النازل ، فلا يجوز التغيير
عمّا هو عليه وإن لم يخرج بذلك عن الصحة ، وإلاّ لجاز التغيير والتبديل في المواد
أيضاً مع التحفظ على المعنى ، كأن يقول بدل قوله تعالى ( يس.
وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ. إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ) هكذا : يس والكتاب الحكيم إنّك لمن النبيين ، وهو كما ترى.
وعلى الجملة : فلا
يجوز التخطي عن القراءات المتعارفة لا في المواد ولا في الهيئات ، سواء صحت بحسب
اللغة والقواعد العربية أم لا.
وممّا قدّمنا يظهر
الحال في التشديد ، فلا يجوز تغييره والإخلال به ، فلو قال بدل إنّا أنزلناه ،
إننا أنزلناه بالتفكيك ، بطل لكونه على خلاف القرآن المنزل ، بل ربما يعد من الغلط
في كلام العرب كما لا يخفى.
وأمّا المدّ
الواجب وكذا تغيير الحروف عن مخارجها فسيجيء الكلام عليها.
(١) كما نصّ عليه
علماء الأدب من غير خلاف ، فلا يجوز الإظهار فإنّه يعدّ من الغلط في كلام العرب ،
إلاّ في ضرورة الشعر ، كما أنّ همزة القطع لا بدّ من إظهارها على ما صرّحوا به
أيضاً ، فلو أدرجها كان من الإخلال بالحروف الذي مرّ حكمه من بطلان الصلاة مع
العمد ، والقراءة مع السهو.
(٢) الظاهر أنّه
لا دليل على اعتبار شيء منهما بعد ما رأينا الخطباء والفصحاء
__________________
[١٥٣٢]
مسألة ٤٠ : يجب أن يعلم حركة
آخر الكلمة إذا أراد أن يقرأها بالوصل بما بعدها مثلاً إذا أراد
أن لا يقف على ( الْعالَمِينَ ) ويصلها بقوله (
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) يجب أن يعلم أنّ النون مفتوح وهكذا. نعم ، إذا كان يقف على
كل آية لا يجب عليه أن يعلم حركة آخر الكلمة.
[١٥٣٣]
مسألة ٤١ : لا يجب أن يعرف
مخارج الحروف على طبق ما ذكره علماء التجويد ، بل يكفي إخراجها منها وإن
لم يلتفت إليها ، بل لا يلزم إخراج الحرف من تلك المخارج ، بل المدار صدق التلفظ
بذلك الحرف وإن
______________________________________________________
من ادباء العرب لا
يلتزمون بذلك في محاوراتهم ، فلا يعدّ ذلك عيباً في الكلام ولا لحناً أو خروجاً عن
قانون اللغة أو القواعد العربية. نعم ، ربما يعدّ ذلك نقصاً في مقام الخطابة ، أو
نظم الشعر ، إلاّ أنّ اعتباره في صحة الكلام العربي بمثابة يورث الإخلال به اللحن
ممنوع ، ولو شكّ فيه فمقتضى الأصل البراءة عن مانعية كل منهما. وقد تقدم في بحث الأذان جواز الوصل بالسكون كما هو المتعارف ، فلا يقاس المقام بهمزتي
الوصل والقطع كما لا يخفى ، إلاّ أنّ الأحوط والأولى مع ذلك تركهما.
(١) إحرازاً للصحة
، وحذراً عن الوقوع في الغلط المحتمل ، كما هو الشأن في وجوب التعلم كلية ، نعم لا
يجب التعلم لو أراد الوقف ، لعدم كونه واجباً نفسياً بل طريق لإحراز الصحيح ، فلا
حاجة إليه بعد التمكن من الطريق الآخر.
(٢) غير خفي أنّ
أكثر العرب لا يعرفون المخارج على ما هي عليه ممّا ذكره علماء التجويد ، بل لا
يعرفها إلاّ أقل القليل منهم ، وإنّما يتكلمون على رسلهم وبمقتضى طبعهم ، وكذا
الحال عند غير العرب ، غايته أنّ المخارج عند العرب أكثر.
__________________
خرج من غير المخرج
الذي عيّنوه ، مثلاً إذا نطق بالضاد أو الظاء على القاعدة لكن لا بما ذكروه من
وجوب جعل طرف اللسان من الجانب الأيمن أو الأيسر على الأضراس العليا صح ، فالمناط
الصدق في عرف العرب وهكذا في سائر الحروف ، فما ذكره علماء التجويد مبني على
الغالب.
[١٥٣٤]
مسألة ٤٢ : المدّ الواجب
هو فيما إذا كان بعد أحد حروف المد وهي الواو المضموم ما قبلها ، والياء المكسور ما قبلها ،
والألف المفتوح ما قبلها همزة مثل جاء ، وسوء ، وجيء ، أو كان بعد
أحدها سكون لازم خصوصاً إذا كان مدغماً في حرف آخر مثل الضالّين.
______________________________________________________
ومنه يظهر أنّ
العبرة في أداء الحرف تميّزه عمّا عداه بحيث لا يلتبس بالآخر فالمناط الصدق عند
العرب ، وأمّا ما ذكره علماء التجويد من المخارج المعيّنة فإن توقف أداء الحرف على
رعايتها فلا كلام ، وأمّا إذا تمكن المتكلم من أداء نفس الحرف عن ذاك المخرج
المعيّن وعن غيره من دون أي تغيير فيه كما قد يتّفق فلا دليل حينئذ على لزوم رعاية تلك المخارج بخصوصها. فالمدار على صدق التلفّظ
بذلك الحرف ، سواء خرج عن المخرج الذي عيّنوه أم لا.
(١) مراده قدسسره بذلك اجتماع حرف
المدّ والهمزة في كلمة واحدة المُعبّر عنه بالمد المتّصل ، كالأمثلة المذكورة في
المتن ، وأمّا الواقع في كلمتين المُسمّى
__________________
[١٥٣٥]
مسألة ٤٣ : إذا مدّ في
مقام وجوبه أو في غيره أزيد من المتعارف لا يبطل إلاّ إذا خرجت الكلمة عن كونها
تلك الكلمة.
[١٥٣٦]
مسألة ٤٤ : يكفي في المد
مقدار ألفين وأكمله إلى أربع ألفات ، ولا يضرّ الزائد ما لم يخرج
الكلمة عن الصدق.
______________________________________________________
بالمد المنفصل
فغير واجب ، وكلامه قدسسره غير ناظر إليه بشهادة الأمثلة المزبورة.
وكيف كان ،
فالظاهر عدم الوجوب حتى في المتصل لعدم الدليل عليه. نعم المد بمقدار يظهر حرف
الألف أو الواو أو الياء الواقعة قبل الهمزة ممّا لا بدّ منه فالإخلال به بحيث
يقول : جَأَ بدل جاء ، أو : سُؤ بدل سوء ، أو جِئ بدل جيء قادح قطعاً ، فإنّه من
الإخلال بالحرف الذي تقدم حكمه من بطلان الصلاة مع العمد ، وبطلان القراءة مع
السهو.
وأمّا الزائد على
هذا المقدار حتى قيل إنّ أقله ألفان ، وأكثره أربعة ، فالظاهر عدم وجوبه لفقد دليل
معتبر عليه ، وإنّما هو تزيين للكلام في مقام إلقاء الخطب ونحوها ، وأمّا في غيره
كمقام المحاورة والتكلّم العادي فليس تزييناً بل ولا متعارفاً في كلام العرب ، فهل
ترى أنّ المولى إذا أعطى نقداً لعبده ليقسّمه بين المستحقين يقول له : أعطه
للفقراء بالمد وهكذا في سائر موارد المد ، ليس الأمر كذلك جزماً ، بل هو على خلاف
قانون المحاورة.
وكيف كان ، فصحة
القراءة غير متوقفة على ذلك بلا إشكال ، وإنّما اللاّزم إظهار الحرف فقط ، فلا يجب
المد أكثر من ذلك ، ولو شك فالمرجع هو البراءة.
وأمّا إذا مدّ
بأكثر من المقدار المتعارف ، أو مدّ في غير مورده ، فان خرجت
__________________
[١٥٣٧]
مسألة ٤٥ : إذا حصل فصل
بين حروف كلمة واحدة اختياراً أو اضطراراً بحيث خرجت عن الصدق بطلت ومع العمد
أبطلت .
[١٥٣٨]
مسألة ٤٦ : إذا أعرب آخر
الكلمة بقصد الوصل بما بعده فانقطع نَفَسه فحصل الوقف بالحركة ، فالأحوط إعادتها ،
وإن لم يكن الفصل كثيراً اكتفى بها.
[١٥٣٩]
مسألة ٤٧ : إذا انقطع نَفَسه
في مثل ( الصراط المستقيم ) بعد الوصل بالألف واللاّم وحذف الألف ، هل يجب إعادة
الألف واللاّم بأن يقول : المستقيم أو يكفي قوله مستقيم؟ الأحوط الأوّل ، وأحوط
منه إعادة الصراط أيضاً ، وكذا إذا صار مدخول الألف واللاّم غلطاً ، كأن صار
مستقيم غلطاً فإذا أراد أن يعيده فالأحوط أن يعيد الألف واللام أيضاً بأن يقول :
المستقيم ولا يكتفي بقوله : مستقيم ، وكذا إذا لم يصح المضاف إليه فالأحوط إعادة
المضاف ، فاذا لم يصح لفظ المغضوب فالأحوط أن يعيد لفظ غير أيضاً .
______________________________________________________
الكلمة بذلك عن
كونها تلك الكلمة كان من الإخلال بالكلمة الذي تقدّم حكمه من بطلان الصلاة أو
القراءة في صورتي العمد والسهو ، وإلاّ فلا ضير فيه كما نبّه قدسسره عليه في المسألة
الآتية.
ومن جميع ما
تلوناه عليك يظهر الحال في جملة من الفروع الآتية فلا حاجة إلى التعرض لها.
(١) قد عرفت
اعتبار الموالاة بين الآيات والكلمات والحروف وأنّها في الأخيرة أضيق ممّا قبلها ،
وهي أيضاً أضيق من سابقتها ، فتختلف دائرتها سعة وضيقاً
__________________
[١٥٤٠]
مسألة ٤٨ : الإدغام في مثل
مدّ وردّ ممّا اجتمع في كلمة واحدة مثلان واجب ، سواء كانا متحركين كالمذكورين ،
أو ساكنين كمصدرهما .
______________________________________________________
باختلاف الموارد ،
وعليه فحيث إنّ لام التعريف يعدّ جزءاً من الكلمة ، فإذا انقطع النَّفَس عليه في
مثل ( المستقيم ) فهل يجب حينئذ أداء الكلمة مع إعادة أداة التعريف أو مع إعادة
الموصوف وهو الصراط أيضاً ، أو مع إعادة الفعل وهو اهدنا؟ وجوه.
أمّا الأوّل ، فلا
ينبغي الشك فيه ، وإلاّ لزم الفصل بين أجزاء الكلمة ، لما عرفت من أنّ لام التعريف
يعد جزءاً منها فتفوت معها الموالاة المعتبرة بين أجزاء الكلمة الواحدة كما مرّ ،
إلاّ أن يكون الفصل يسيراً جدّاً بحيث لم يخل بالهيئة الاتصالية المعتبرة في
الكلمة ، وكذا الحال لو صار مدخول اللاّم غلطاً فاللازم إعادة اللام أيضاً لما
عرفت.
والأحوط في
الصورتين إعادة الموصوف أيضاً ، فيقول : الصراط المستقيم إذ الصفة والموصوف
كالمضاف والمضاف إليه أيضاً في حكم الكلمة الواحدة ، لما بينهما من شدة الارتباط ،
فالإخلال قادح ، لا لكونه من الفصل بالأجنبي لعدم كون الكلمة المعادة أجنبية ، بل
لاحتمال الإخلال بالهيئة الاتصالية كما عرفت ولذا كان التكرار أحوط.
وأحوط منه إعادة
الفعل أيضاً فيقول : اهدنا الصراط المستقيم ، لما ذكر من احتمال اعتبار الاتصال
بين الفعل ومتعلقاته.
وممّا ذكرناه من
اعتبار الاتصال بين المضاف والمضاف إليه ، يظهر أنّه إذا لم يصح لفظ المغضوب فوقع
غلطاً ، فالأحوط إعادة لفظ غير أيضاً ، ويقصد به كما في غيره ممّا سبق من موارد
الإعادة الجامع بين الجزئية والقرآنية.
(١) لا شك في وجوب
الإدغام فيما إذا اجتمع حرفان متماثلان في كلمة
[١٥٤١]
مسألة ٤٩ : الأحوط الإدغام إذا كان بعد النون الساكنة أو التنوين أحد
حروف يرملون مع الغنّة فيما عدا اللاّم والراء ، ولا معها فيهما لكن الأقوى عدم
وجوبه .
______________________________________________________
واحدة ، سواء أكانا
متحركين كمدّ وردّ ، أو ساكنين كمصدرهما ، لاعتبار ذلك في صحة الكلمة ووقوعها
عربية ، فالتفكيك على خلاف قواعد اللغة لا يصار إليه إلاّ لدى الضرورة ، كما قيل :
الحمد لله العلي الأجلل ، وكيف كان فهو في حال الاختيار غير جائز بلا إشكال كما نص
عليه علماء الأدب ، وأمّا الإدغام في كلمتين فسيأتي في المسألة الآتية.
(١) صرّح علماء
التجويد بوجوب الإدغام فيما إذا تعقب التنوين أو النون الساكنة أحد حروف يرملون مع
رعاية الغنّة فيما عدا اللاّم والراء ، ونسب الوجوب إلى الرضي قدسسره أيضاً ، لكن الظاهر أنّه لم يثبت الاعتبار بمثابة يستوجب الإخلال به الغلطية أو
الخروج عن قواعد اللغة وقانون المحاورة وإنّما هو من محسّنات الكلام. وعلى تقدير
الشك واحتمال الدخل في صحة القراءة فالمرجع أصالة البراءة كما في غيره من موارد
الأقل والأكثر.
وما يقال بل قيل :
من أنّ المقام من الدوران بين التعيين والتخيير الذي يتعين فيه الاشتغال ، قد تكرر
الجواب عنه في نظائر المقام مراراً ، من أنّ باب الدوران بين التعيين والتخيير هو
بعينه باب الدوران بين الأقل والأكثر ، ولا فرق بينهما إلاّ من حيث التعبير ،
فالمرجع ليس إلاّ البراءة كما عرفت.
وعليه فالأقوى عدم
وجوب الإدغام وإن كان الأحوط رعايته.
__________________
[١٥٤٢]
مسألة ٥٠ : الأحوط القراءة
بإحدى القراءات السبعة وإن كان الأقوى عدم وجوبها ، بل يكفي القراءة على النهج
العربي ، وإن كانت مخالفة لهم في حركة بنية أو إعراب .
______________________________________________________
(١) فصّلنا الكلام
حول القراءات في مبحث التفسير ، ومجملة : أنّه لا شك أنّ القرّاء السبعة المعروفين
الّذين أوّلهم نافع وآخرهم الكسائي ، متأخرون عن زمن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم يدركه واحد منهم ، وإن كان قبلهم قرّاء آخرون أدركوه صلىاللهعليهوآلهوسلم كابن مسعود وابن عباس وأُبيّ وغيرهم ، أمّا هؤلاء فكانوا معاصرين للصادق عليهالسلام وأدرك بعضهم الباقر عليهالسلام أيضاً ، وبقي بعض آخر منهم إلى ما بعد الصادق عليهالسلام آخرهم الكسائي الذي مات سنة ١٩٠ تقريباً.
وعليه فلا ينبغي
الريب في عدم كون هذه القراءات متواترة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بل ولا مسندة إليه حتى بالخبر الواحد ، ولم يدّع ذلك أحد
منهم ، ولا نسب قراءته إليه صلىاللهعليهوآلهوسلم لا بطريق مسند ولا مرسل ، وإنّما هو اجتهاد منهم ، أو من
أساتيذهم ورأي ارتأوه ، بل إنّ هذه القراءات لم يثبت تواترها حتى من نفس هؤلاء
القرّاء ، وإنّما أُسند إليهم بأخبار آحاد بتوسيط تلاميذهم. على أنّ بعض هؤلاء
التلاميذ معروفون بالفسق والكذب كحفص الراوي لقراءة عاصم على ما صرّح به في ترجمته
.
وعلى
الجملة : فلم تثبت هذه
القراءات ثبوتاً قطعياً عن نفس القرّاء فضلاً
__________________
عن النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم وإنّما حكيت عنهم بطريق الآحاد. هذا وحيث قد جرت القراءة الخارجية على طبق
هذه القراءات السبع لكونها معروفة مشهورة ظن بعض الجهلاء أنّها المعنيّ بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم على ما روى عنه « إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف » وهذا كما ترى غلط فاحش ، فإنّ أصل الرواية لم تثبت وإنّما رُويت من طريق
العامّة ، بل هي منحولة مجعولة كما نصّ الصادق عليهالسلام على تكذيبها بقوله عليهالسلام : « كذبوا أعداء الله ولكنّه نزل على حرف واحد من عند
الواحد » .
وعلى تقدير الصحة
فلها معنى آخر ، إذ لا يحتمل تطبيقها على هذه القراءات السبع المستحدثة المتأخر
أصحابها عن عصر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كما عرفت. وعليه فلا خصوصية ولا امتياز لهذه السبع من بين
القراءات جزماً.
إذن مقتضى القاعدة
الأوّلية بعد ورود الأمر بقراءة الفاتحة وبسورة بعدها هو الأخذ بالمقدار المتيقن
الذي لا اختلاف فيه ، وما تضمّن الاختلاف يكرّر القراءة ، فيقرأ مرّة مثلاً ملك
وأُخرى مالك ، ويختار من السورة المأمور بها ما اتفقت فيه القراءات ، ولو اختار
مورد الخلاف يكرّر عملاً بقاعدة الاشتغال وخروجاً عن عهدة التكليف المعلوم ، فيقصد
بأحدهما لا بعينه القرآن ، وبالآخر الذكر المطلق.
نعم ، وردت في
المقام عدة روايات تضمّنت الأمر بالقراءة كما يقرؤها الناس فيظهر منها الاجتزاء
بكل قراءة متعارفة بين
الناس ، ولا شك
أنّها غير محصورة في السبع ، وقد عدها بعضهم إلى أربع عشرة وصنّف في ذلك كتاباً
وأنهاها بعض آخر إلى سبعين ، وإن كانت جملة منها شاذة لا محالة ، وبذلك يخرج عن
مقتضى القاعدة المتقدمة لو تمت هذه النصوص فلا بدّ من التعرض إليها.
__________________
فمنها
: ما ذكره الطبرسي
في مجمع البيان مرسلاً عن الشيخ الطوسي قال روي عنهم : جواز القراءة بما اختلف القرّاء فيه وهي كما ترى مرسلة من جهتين ، ولعل المراد إحدى الروايات الآتية.
ومنها
: رواية سفيان بن
السمط قال : « سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن ترتيل القرآن ، فقال : اقرأوا كما علمتم » وهي أيضاً ضعيفة بسهل وبسفيان نفسه.
ومنها
: ما رواه الكليني
عن عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن سليمان عن بعض أصحابه عن أبي الحسن عليهالسلام قال : « قلت له جعلت فداك إنّا نسمع الآيات من القرآن ليس هي عندنا كما
نسمعها ولا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم فهل نأثم؟ فقال : لا ، اقرأوا كما
تعلّمتم فسيجيئكم من يعلّمكم » وهي ضعيفة أيضاً بسهل وبالإرسال.
ومنها
: وهي العمدة ما
رواه الكليني بسنده عن سالم أبي سلمة كما في الوسائل قال : « قرأ رجل على أبي عبد
الله عليهالسلام وأنا أستمع ، حروفاً من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس ،
فقال أبو عبد الله عليهالسلام كفّ عن هذه القراءة ، اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم
، فإذا قام القائم قرأ كتاب الله على حده وأخرج المصحف الذي كتبه علي عليهالسلام » إلخ .
وهي كما ترى ظاهرة
الدلالة ، إنّما الكلام في سندها ، فانّ الموجود في الوسائل عن سالم أبي سلمة كما
قدّمناه الذي هو سالم بن مكرم ، وهو ثقة على
__________________
الأظهر ، وإن نسب
العلامة إلى الشيخ أنّه ضعفه في مورد ، لكنه لا يتم ،
بل هو من الخطأ في التطبيق كما تعرّضنا له في المعجم والمذكور في الوافي والحدائق هكذا : سالم بن
سلمة ، بتبديل الأب بالابن وهو مجهول.
والموجود في
الطبعة الحديثة من الكافي في باب النوادر من القرآن : سالم ابن أبي سلمة بالجمع بين
الأب والابن وفي جامع الرواة أيضاً كذلك ، وهو ضعيف قد ضعّفه النجاشي والشيخ ، إذن يتردد الراوي الأخير بين الثقة والمجهول والضعيف ، فتسقط الرواية عن
الاستدلال .
فقد ظهر من جميع
ما مرّ أنّه ليست عندنا رواية يعتمد عليها في الحكم بالاجتزاء بكل قراءة متعارفة
حتى يخرج بذلك عن مقتضى القاعدة الأوّلية.
لكنه مع ذلك كله
لا ينبغي الشك في الاجتزاء ، لجريان السيرة القطعية من أصحاب الأئمة : على ذلك ، فانّ
اختلاف القراءات أمر شائع ذائع بل كان متحققاً بعد عصر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كقراءة ابيّ وابن عباس وابن مسعود وغيرهم ، وقد صنّف في ذلك كتب كالمصاحف
للسجستاني وغيره ، وقد أحرق عثمان جميع المصاحف سوى مصحف واحد حذراً عن الاختلاف
__________________
ومع ذلك تحقق
الاختلاف بعد ذلك كثيراً حتى اشتهرت القراءات السبع وغيرها في عصر الأئمة ، وكانت
على اختلافها بمرأى ومسمع منهم : ، فلو كانت هناك قراءة معيّنة تجب رعايتها بالخصوص لاشتهر
وبان وكان من الواضحات وكان ينقله بطبيعة الحال كابر عن كابر وراوٍ عن راوٍ ، وليس
كذلك بالضرورة ، فيظهر جواز القراءة بكل منها كما عليه العامّة وإلاّ لبيّنوه : ونقل إلينا بطريق
التواتر ، كيف ولم يرد منهم تعيين حتى بخبر واحد.
نعم ، إنّ هناك
رواية واحدة قد يظهر منها التعيين ، وهي رواية داود بن فرقد ، والمعلى بن خنيس
جميعاً قالا : « كنّا عند أبي عبد الله عليهالسلام فقال : إن كان ابن مسعود لا يقرأ على قراءتنا فهو ضال ، ثم
قال أما نحن فنقرؤه على قراءة أُبيّ » واحتمل ضعيفاً أن
تكون العبارة هكذا على قراءة أبي يعني الباقر عليهالسلام.
وكيف كان ، فهي
محمولة على إرادة مورد خاص كانت القراءة فيه شاذّة أو مغيّرة للمعنى ، لما عرفت من
أنّ التعيين لو كان ثابتاً لنقل بالتواتر وكان من الواضحات ، كيف وقد ادعي الإجماع
على جواز القراءة بكل قراءة متعارفة
__________________
[١٥٤٣]
مسألة ٥١ : يجب إدغام
اللاّم مع الألف واللاّم في أربعة عشر حرفاً وهي التاء ، والثاء ، والدال ، والذال
، والراء ، والزاي ، والسين ، والشين والصاد ، والضاد ، والطاء ، والظاء ، واللاّم
، والنون ، وإظهارها في بقيّة الحروف فتقول في ( الله ) ، و ( الرّحمن ) ، و (
الرّحيم ) ، و ( الصراط ) ، و ( الضالين ) ، مثلاً بالإدغام ، وفي ( الحمد ) ، و (
العالمين ) ، و ( المستقيم ) ، ونحوها بالإظهار .
______________________________________________________
متداولة. على أنّ
متن الخبر لا يخلو عن شيء ، فانّ الأنسب أن يقال : إن كان ابن مسعود لم يقرأ إلخ
، دون « لا يقرأ » لظهور الثاني في زمان الحال وأن ابن مسعود
حيّ حاضر مع أن زمانه متقدم عليه عليهالسلام بكثير.
وقد
تحصّل من جميع ما
قدّمناه : أنّ الأقوى جواز القراءة بكل ما قام التعارف الخارجي عليه ، وكان
مشهوراً متداولاً بين الناس ، كي لا تحصل التفرقة بين المسلمين ، ولا شك أنّ
المشهور غير منحصر في السبع المعهودة ، فلا خصوصية ولا امتياز لها من بين القراءات
أبداً ، فكل معروف يجزئ وإن كان من غير السبع ، فالعبرة بما يقرأه الناس وإن كان
الاختلاف من جهة اختلاف البلدان كالبصرة والكوفة ونحوهما.
(١) إذا دخل حرف
التعريف على أحد الحروف الشمسية أُدغم فيها وهي أربعة عشر : التاء والثاء من أوائل
حروف التهجي واللاّم والنون من آخرها والدال وما بعدها إلى الظاء. وإذا دخل على ما
عداها من بقية الحروف وهي المسمّاة بالحروف القمرية وجب الإظهار فتقول مثلاً :
الصراط والضالين بالإدغام والحمد والعالمين بالإظهار ، والمستند فيه دخل ذلك في
صحة اللفظ العربي كما تشهد به الاستعمالات الدارجة بينهم بحيث لو أُبدل فادغم في
مورد الإظهار أو
__________________
[١٥٤٤]
مسألة ٥٢ : الأحوط الإدغام
في مثل : اذهب بكتابي ، ويدرككم ممّا اجتمع المثلان في كلمتين مع كون الأوّل
ساكناً ، لكن الأقوى عدم وجوبه .
[١٥٤٥]
مسألة ٥٣ : لا يجب ما ذكره
علماء التجويد من المحسّنات كالإمالة ، والإشباع ، والتفخيم ، والترقيق ، ونحو ذلك ،
بل والإدغام غير ما ذكرنا ، وإن كان متابعتهم أحسن.
[١٥٤٦]
مسألة ٥٤ : ينبغي مراعاة
ما ذكروه من إظهار التنوين والنون الساكنة ، إذا كان بعدهما أحد حروف الحلق ،
وقلبهما فيما إذا كان بعدهما حرف الباء ، وإدغامهما إذا كان بعدهما أحد حروف
يرملون ، وإخفاؤهما إذا كان بعدهما بقيّة لحروف ، لكن لا يجب شيء من ذلك حتى
الإدغام في يرملون كما مرّ.
______________________________________________________
بالعكس عدّ لحناً
في الكلام ، وكان من الأغلاط كما لا يخفى فليتأمل.
(١) لعدم ثبوت
وجوب الإدغام في مثل المقام بمثابة يوجب الإخلال به اللحن في كلام العرب.
(٢) فانّ ما ذكروه
من القواعد التجويدية كالإمالة والإشباع والتفخيم والترقيق كلّها من محسّنات
الكلام وليست دخيلة في الصحة ، وكذا ما ذكروه من الحالات الأربع للتنوين أو النون
الساكنة ، من الإظهار فيما إذا وقع بعدهما أحد حروف الحلق ، وهي الهمزة ، والهاء ،
والحاء ، والخاء ، والعين ، والغين. والقلب فيما إذا وقع بعدهما حرف الباء ،
والإدغام فيما إذا كان الواقع أحد حروف يرملون مع مراعاة الغنّة فيما عدا اللاّم
والراء ، والإخفات لو كان الواقع بقية الحروف ، فانّ هذه كلّها من محسّنات الكلام
الفصيح فلا تجب مراعاتها بعد أداء الكلمة صحيحة وإن كان الأحسن ذلك . ومنه يظهر الحال في المسألة الآتية.
__________________
[١٥٤٧]
مسألة ٥٥ : ينبغي أن يميّز
بين الكلمات ، ولا يقرأ بحيث يتولّد بين الكلمتين كلمة مهملة كما إذا قرأ ( الحمد
لله ). بحيث يتولد لفظ دلل ، أو تولد من ( لله رب ) لفظ ( هرب ) وهكذا في ( مالك
يوم الدين ) تولد ( كيو ) وهكذا في بقية الكلمات ، وهذا معنى ما يقولون إنّ في
الحمد سبع كلمات مهملات وهي : دلل ، وهرب ، وكيو ، وكنع ، وكنس وتع ، وبع.
[١٥٤٨]
مسألة ٥٦ : إذا لم يقف على
( أحد ) في ( قل هو الله أحد ) ووصله بـ ( الله الصمد ) يجوز أن يقول : أحد الله
الصمد ، بحذف التنوين من أحد وأن يقول : أحدن الله الصمد ، بأن يكسر نون التنوين وعليه ينبغي أن
يرقق اللام من الله ، وأما على الأوّل فينبغي تفخيمه كما هو القاعدة الكلية من
تفخيمه إذا كان قبله مفتوحاً أو مضموماً ، وترقيقه إذا كان مكسوراً.
[١٥٤٩]
مسألة ٥٧ : يجوز قراءة
مالك وملك يوم الدين ، ويجوز في الصراط بالصاد والسين ، بأن يقول : السراط
المستقيم وسراط الذين.
______________________________________________________
(١) أمّا الوجه
الثاني ، فلا إشكال في صحته وأنّه على القاعدة ، فيكسر النون من أجل التقاء
الساكنين كما هو ظاهر.
وأمّا الوجه
الأوّل ، فصحته لا تخلو من إشكال ، بعد مخالفته للقاعدة المقتضية
__________________
[١٥٥٠]
مسألة ٥٨ : يجوز في ( كُفُواً أَحَدٌ
) أربعة وجوه : كفُؤاً بضم الفاء وبالهمزة ، وكفْؤاً بسكون الفاء وبالهمزة
وكفواً بضم الفاء وبالواو ، وكفْواً بسكون الفاء وبالواو وإن كان الأحوط ترك
الأخيرة .
[١٥٥١]
مسألة ٥٩ : إذا لم يدر
إعراب كلمة أو بناءها أو بعض حروفها أنّه الصاد مثلاً أو السين أو نحو ذلك ، يجب
عليه أن يتعلّم ، ولا يجوز له أن يكرِّرها بالوجهين لأنّ الغلط من
الوجهين ملحق بكلام الآدميين .
______________________________________________________
للزوم إظهار
التنوين ، فحذفه لا دليل عليه ، وإن نسب الطبرسي إلى أبي عمرو الذي هو أحد القرّاء أنّه قرأ كذلك ، لكنّه لم يثبت ، فلم يحرز
أنّه من القراءة المتعارفة. ومعه يشكل الحكم بالإجزاء.
نعم ، ربما يسقط
لدى الضرورة كما في الشعر ، وكذا يسقط عن العلم الواقع بعده لفظ الابن فيقال : علي
بن أبي طالب ، ومحمد بن عبد الله ، بحذف التنوين لثقله حينئذ. وأمّا فيما عدا ذلك
فالسقوط على خلاف القاعدة ، وعليه فالأحوط لزوماً اختيار الوجه الثاني فقط.
(١) الوجوه
الثلاثة الأُول ، أعني كفؤاً بالهمزة مع ضم الفاء وسكونه ، وكفواً مع ضم الفاء ،
كل منها قد ثبتت قراءتها ، بل هي معروفة متداولة فلا ريب في إجزائها ، وأمّا الوجه
الأخير ، أعني مع الواو وسكون الفاء ، فهو وإن نسب إلى بعضهم لكنه لم يثبت ،
فالأحوط تركه كما ذكره في المتن.
(٢) حكم قدسسره حينئذ بوجوب
التعلم وعدم جواز تكرار الكلمة
__________________
[١٥٥٢]
مسألة ٦٠ : إذا اعتقد كون
الكلمة على الوجه الكذائي (١) من حيث الأعراب أو البناء أو مخرج الحرف ، فصلى مدّة
على تلك الكيفية ، ثم تبين له كونه غلطاً ، فالأحوط الإعادة أو القضاء ، وإن كان
الأقوى عدم الوجوب.
______________________________________________________
بالوجهين ، لأنّ
الغلط من أحدهما ملحق بكلام الآدميين وموجب للبطلان.
وهذا الذي أفاده قدسسره إنّما يتم فيما إذا
كان الوجه الآخر غلطاً في كلام العرب ، وأمّا إذا كانت الكلمة صحيحة على التقديرين
غير أنّه لم يعلم أنّ القرآن المنزل أيّ منهما ، كإعراب الرّحمن الرّحيم ، حيث
يجوز في الصفة وجوه ثلاثة باعتبارات مختلفة ، وكل منها صحيح في لغة العرب ، لكنّه
لم يدر أنّ المنزل على النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم أيّ منها ، فلا مانع حينئذ أن يقصد بأحد الوجهين أو الوجوه
ما هو القرآن وبما عداه ذكر الله . فما أفاده في
المتن لا يتم على إطلاقه.
(١) حكم قدسسره بعدم وجوب
الإعادة ولا القضاء في من اعتقد صحة كلمة وصلّى مدة على تلك الكيفية ثم تبيّن
لحنها ، وإن كان ذلك أحوط.
وما ذكره قدسسره هو الصحيح ،
عملاً بحديث لا تعاد ، بناءً على ما هو الأقوى من عدم اختصاصه بالناسي وشموله
للجاهل القاصر الذي يرى صحة عمله ولا يحتمل الخلاف. نعم ، إذا كان مقصِّراً وإن
اعتقد الصحة ، أو كان ملتفتاً متردِّداً ومع ذلك صلّى ، فالأظهر البطلان حينئذ ،
لعدم شمول الحديث لمثل ذلك. وسيجيء تمام الكلام في مبحث الخلل إن شاء الله تعالى.
__________________
فصل
[ في الركعة
الثالثة والرابعة ]
في الركعة الثالثة
من المغرب والأخيرتين من الظهرين والعشاء يتخير بين قراءة الحمد أو التسبيحات
الأربع .
______________________________________________________
(١) على المعروف
والمشهور بين الأصحاب ، بل قد ادعي الإجماع عليه في الجملة في كثير من الكلمات ،
وإن كان هناك خلاف فيما هو الأفضل منهما. وذكر شيخنا الأنصاري قدسسره أنّ مورد الإجماع على التخيير إنّما هو المنفرد وأمّا في
الجماعة فليس إجماع.
وكيف ما كان ،
فيقع الكلام في المنفرد تارة وفي الإمام اخرى ، وفي المأموم ثالثة.
وقبل التعرض لذلك
ينبغي التنبيه على أمر : وهو أنّه قد ورد في التوقيع الذي رواه الطبرسي في
الاحتجاج ما يظهر منه تعيّن الحمد مطلقاً ، روى الحميري عن صاحب الزمان عليهالسلام « أنّه كتب إليه يسأله عن الركعتين الأخيرتين قد كثرت فيهما الروايات فبعض
يرى أنّ قراءة الحمد وحدها أفضل ، وبعض يرى أنّ التسبيح فيهما أفضل ، فالفضل لأيّهما
لنستعمله؟ فأجاب عليهالسلام قد نسخت قراءة أُم الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح ،
والذي نسخ التسبيح قول العالم عليهالسلام كل صلاة لا قراءة فيها فهي خداج إلاّ للعليل أو من
__________________
يكثر عليه السهو
فيتخوف بطلان الصلاة عليه » .
لكنّها كما ترى لا
تصلح للاعتماد عليها.
أمّا
أوّلاً : فلمخالفتها
للأخبار الكثيرة المتظافرة الآمرة بالتسبيح ، وفي بعضها أنّه أفضل من القراءة ،
وقد جرت سيرة المتشرعة على ذلك ، فهي ممّا يقطع ببطلانها فلا تكون حجة.
وثانياً
: أنّها ضعيفة
السند في نفسها لمكان الإرسال ، فإنّ الطبرسي يرويها مرسلة.
وثالثاً
: أنّ متنها غير
قابل للتصديق ، فانّ قول العالم عليهالسلام « كل صلاة لا قراءة » إلخ لا يدل إلاّ على اعتبار القراءة
في المحل المقرّر لها ، أعني الركعتين الأولتين ، ومثل هذا كيف يكون ناسخاً
للتسبيح المقرر في محل آخر وإلاّ فليكن ناسخاً للتشهّد أيضاً ، فاعتبار القراءة في
محل لا يصادم اعتبار التسبيح في محل آخر حتى يكون ناسخاً له ، إذ لكل منهما محل
مستقل وأحدهما أجنبي عن الآخر ، فالرواية ساقطة بكل معنى الكلمة.
وكيف كان ، فقد
عرفت أنّ الكلام يقع في موارد ثلاثة :
المورد
الأوّل : في المنفرد ، وهو
المتيقن من مورد الإجماع على التخيير ، وقد جرت السيرة عليه من غير نكير ، ويستدل
له بجملة من الأخبار :
منها
: رواية علي بن
حنظلة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « سألته عن الركعتين الأخيرتين ما أصنع فيهما؟ فقال
: إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب ، وإن شئت فاذكر الله فهو سواء ، قال : قلت : فأيّ
ذلك أفضل؟ فقال : هما والله سواء إن شئت سبّحت ، وإن شئت قرأت » .
__________________
لكنها ضعيفة السند
فانّ علي بن حنظلة لم يوثق ، إلاّ أن يدعى أنّ في السند الحسن بن علي بن فضال ، وقد
ورد في حق بني فضال بالأخذ بما رووا وطرح ما رأوا كما ادعاه شيخنا الأنصاري قدسسره . لكن الرواية لم تثبت في نفسها لضعف سندها. وعلى تقدير
الثبوت فلا تدل على أكثر من توثيق بني فضال وعدم سقوطهم بالانحراف عن الوثاقة ، لا
أنّ رواياتهم تقبل حتى لو رووا عن فاسق أو ضعيف أو مجهول بحيث يكونون أعظم شأناً
من زرارة ومحمد بن مسلم وأضرابهما بل ومنهم أنفسهم حال الاستقامة.
أو يدعى أنّ في
السند عبد الله بن بكير وهو من أصحاب الإجماع.
وفيه
: أيضاً ما لا يخفى
، لعين المناقشة المتقدمة ، فإنّ أصحاب الإجماع يصدقون فيما يقولون ، فهم موثوقون
في أنفسهم ، لا أنّ رواياتهم تقبل حتى عن ضعيف أو مجهول كما أشرنا إليه مراراً.
فهذه الرواية ساقطة والأولى الاستدلال بالروايات الآتية.
ومنها
: صحيحة عبيد بن
زرارة قال : « سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الركعتين الأخيرتين من الظهر ، قال : تسبّح وتحمد الله
وتستغفر لذنبك ، وإن شئت فاتحة الكتاب فإنّها تحميد ودعاء » وهي صحيحة السند ظاهرة الدلالة ، غير أنّها خاصة بالظهر فيتعدى إلى غيرها
بعدم القول بالفصل.
والعمدة في المقام
صحيحتان ، إحداهما : صحيحة معاوية بن عمار قال : « سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين
__________________
فقال : الإمام
يقرأ بفاتحة الكتاب ومن خلفه يسبّح ، فاذا كنت وحدك فاقرأ فيهما وإن شئت فسبّح » .
والأُخرى : صحيحة
منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليهالسلام « قال : إذا كنت إماماً فاقرأ في الركعتين الأخيرتين
بفاتحة الكتاب ، وإن كنت وحدك فيسعك فعلت أو لم تفعل » ومورد الاستدلال ذيل الصحيحتين كما هو ظاهر.
المورد
الثاني : في الإمام ، وقد
تضمنت جملة من الأخبار الأمر بقراءة الفاتحة كصحيحتي معاوية ومنصور المتقدمتين ،
وظاهر الأمر الوجوب ، غير أنّها حملت على التقية لموافقتها العامة ، حيث ينسب
إليهم تعينها في الركعات مطلقاً .
ويمكن
أن يقال : إنّ الأمر
المزبور وإن كان ظاهراً في الوجوب ، لكنه يحمل على الاستحباب أو
الجواز على الخلاف كما سيجيء بقرينة صحيحة سالم ابن أبي خديجة الذي هو سالم بن مكرم الجمال عن أبي عبد الله عليهالسلام « قال : إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين
الأولتين ، وعلى الذين خلفك أن يقولوا : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله
والله أكبر وهم قيام ، فاذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن يقرءوا
فاتحة الكتاب وعلى الإمام أن يسبّح مثل ما يسبّح القوم في الركعتين الأخيرتين » .
قوله عليهالسلام : « وعلى الذين خلفك أن يقولوا ... » إلخ لا بدّ من حمله
__________________
على صورة عدم
السماع ، وإلاّ وجب الإنصات ، أو على الصلاة الإخفاتية والضمير في قوله عليهالسلام « فاذا كان ... » إلخ عائد إلى الائتمام ، ولذا حكم عليهالسلام بوجوب القراءة على المأمومين حينئذ لأنها أوّل ركعتهم. ومحل الاستشهاد قوله عليهالسلام « وعلى الإمام أن يسبّح ... » إلخ وبذلك يرفع اليد عن ظهور الأمر بالقراءة في
الأخبار المتقدمة في الوجوب ، ويحمل على الجواز أو الاستحباب كما عرفت ، وأمّا أنّ
أيّهما أفضل فسيجيء الكلام حوله إن شاء الله تعالى ، فظهر أنّ الإمام حاله كالمنفرد في ثبوت التخيير.
المورد
الثالث : في المأموم ،
ويقع الكلام في الصلاة الإخفاتية تارة ، وفي الجهرية اخرى.
أمّا
الإخفاتية : فالظاهر أيضاً هو
التخيير ، لصحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام « قال : إن كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة
حتى يفرغ وكان الرجل مأموناً على القرآن فلا تقرأ خلفه في الأولتين ، وقال يجزئك
التسبيح في الأخيرتين ، قلت : أيّ شيء تقول أنت؟ قال : أقرأ فاتحة الكتاب » .
فانّ قوله عليهالسلام « يجزئ » يدل على التخيير وجواز الإتيان بكل منهما ، ولعل اختياره عليهالسلام للفاتحة لأفضليتها أو لوجه آخر.
وأمّا
في الجهرية : فمقتضى بعض
الأخبار تعيّن التسبيح ، إذ لم ترد رواية تدل على جواز القراءة بالنسبة إليه ،
إلاّ المطلقات المقيدة بهذه الأخبار فهي المحكّم وقد ورد ذلك أعني الأمر بالتسبيح
في صحيحتين :
إحداهما
: صحيحة سالم بن
أبي خديجة المتقدمة آنفاً ، فانّ قوله ( عليهالسلام )
__________________
« مثل ما يسبّح
القوم في الأخيرتين » يظهر منه أنّ التسبيح في الأخيرتين كان متعيّناً للمأموم
ولذا شبّه الإمام به.
الثانية
: التي هي أوضح
دلالة ، صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة أيضاً المتعرّضة لحكم الإمام والمأموم
والمنفرد قال عليهالسلام فيها « ومن خلفه يسبّح » وظاهر الأمر الوجوب التعييني ، وحيث لا معارض لذلك تعيّن الأخذ به.
نعم ، هي مطلقة من
حيث الجهر والإخفات ، فتقيد بصحيحة ابن سنان الدالّة على جواز القراءة في
الإخفاتية كما تقدم ، فتحمل على الجهرية إذ لا دليل على جواز القراءة فيها كما
عرفت. فاذن مقتضى القاعدة تعيّن التسبيح على المأموم في الجهرية عملاً بهاتين
الصحيحتين ولا سيما الثانية ، فإن كان هناك إجماع على ثبوت التخيير فيه أيضاً فهو
، وإلاّ فيتعيّن التسبيح في حقه ، ومن هنا كان الأحوط لزوماً اختيار التسبيح
بالنسبة إليه.
هذا كلّه حكم
الركعتين الأخيرتين بالعنوان الأوّلي ، وقد عرفت أنّه التخيير إلاّ في بعض الصور ،
وهل الحكم كذلك حتى لو نسي القراءة في الركعتين الأوّلتين أو تتبدّل الوظيفة إليها
حينئذ فتجب القراءة معيّناً عند نسيانها في الأولتين؟
المشهور هو الأوّل
، ونسب إلى الشيخ في الخلاف الثاني كي لا تخلو الصلاة عن القراءة ، وإن صرّح في
المبسوط بالتخيير ، وقد نسبه إليه جمع منهم الشهيد في الذكرى ، لكن نوقش في النسبة بأنّ عبارة الخلاف المحكية عنه
__________________
لا تدل على أكثر
من الاحتياط من جهة رواية الحسين بن حماد الآتية دون الفتوى ، وقد مال إلى هذا القول صاحب الحدائق ، مدعياً دلالة الصحيحة عليه ، غير أنّه توقف فيه أخيراً ، إذ لم يجد قائلاً
به صريحاً ، وناقش في عبارة الخلاف بما عرفت.
وكيف كان ، فلا
بدّ من النظر إلى الأخبار ، ولا شك أنّ مقتضى الإطلاقات هو بقاء التخيير كما عليه
المشهور ، فان ثبت التخصيص وإلاّ فالإطلاق هو المحكّم ، وقد استدلّ للوجوب بوجوه :
أحدها
: النبوي « لا صلاة
إلاّ بفاتحة الكتاب » وبمضمونه صحيحة محمد ابن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام قال : « سألته عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته ، قال : لا صلاة له
إلاّ أن يقرأ بها في جهر أو إخفات ... » إلخ حيث إنّ ظاهرها
نفي حقيقة الصلاة عن الفاقدة للفاتحة ، فلو نسيها في الأولتين لا مناص من الإتيان
في الأخيرتين كي لا تخلو الصلاة عنها.
وفيه
أوّلاً : أنها منصرفة إلى
العامد كما لا يخفى.
وثانياً
: لو سلّم الإطلاق
ودلالتها على الاعتبار في حقيقة الصلاة مطلقاً فغاية ما يُستفاد منها اعتبار
الفاتحة في المحل المعيّن المعهود المقرّر له شرعاً أعني الركعتين الأولتين ، فلو
كنا نحن والصحيحة مع قطع النظر عن حديث لا تعاد لحكمنا بالبطلان لدى الإخلال بها
ولو سهواً في محلها الموظف لها ، غير أنّ مقتضى الحديث الحاكم عليها هو الصحة.
وأمّا لزوم الإتيان بها في محل
__________________
آخر كالركعتين
الأخيرتين فهو محتاج إلى الدليل ، وهذه الصحيحة لا تتكفل بإثباته.
وعلى
الجملة : عند النسيان إمّا
أن يحكم بالبطلان مع قطع النظر عن حديث لا تعاد ، ومع قطع النظر عما ذكرناه أوّلاً
، من الانصراف إلى العامد ، أو يحكم بالصحة بملاحظة الحديث ، أو الانصراف المزبور
، فالأمر دائر بينهما ولا ثالث. وأمّا احتمال التدارك في محل آخر بحيث لو استمرّ
النسيان إلى ما بعد الركعتين الأخيرتين فتذكّر في ركوع الرابعة أو سجودها أو
التشهّد الأخير وجب التدارك كي لا تخلو الصلاة من الفاتحة ، فيحتاج إلى دليل آخر ،
وهذه الصحيحة قاصرة عن عهدة إثباته إذ لا تقتضي أكثر من الاعتبار في المحل المعهود
كما عرفت.
الثاني
: ما استدلّ به في
الحدائق من صحيحة زرارة المروية في الفقيه عن أبي جعفر عليهالسلام قال : « قلت له رجل نسي القراءة في الأولتين فذكرها في الأخيرتين ، فقال :
يقضي القراءة والتكبير والتسبيح الذي فاته في الأولتين ولا شيء عليه » . هكذا ذكرت في الوسائل.
وصاحب الحدائق قدسسره نقلها بزيادة
كلمة « في الأخيرتين » في آخر الخبر قبل قوله « ولا شيء عليه » وقال : إنّ بعض
المتأخرين نقلها عارية عن هذا اللّفظ والظاهر أنّ مراده صاحب الوسائل كما عرفت
فحملها على القضاء بعد التسليم والفراغ من الصلاة ، لكن المنقول عن كتب الأخبار ما
أثبتناه من الاشتمال على هذه الكلمة. وعليه فهي صريحة الدلالة على هذا القول من
تعيّن الفاتحة في الركعتين الأخيرتين ، وكأنّ من ذكر أنّه لم يجد دليلاً على هذا القول
__________________
لم يلتفت إلى هذه
الصحيحة ، انتهى ملخّصاً.
وفيه
أوّلاً : أنّه لم يثبت
اشتمال الصحيحة على تلك الزيادة ، بل قد قيل إنّ النسخ المصحّحة للفقيه كلّها
خالية عنها ، ولعلّ النسخة المشتملة عليها الموجودة عند صاحب الحدائق لم تكن
مصحّحة. وعليه فظاهر الصحيحة وجوب القضاء خارج الصلاة كما حملها عليه صاحب الوسائل لا في الأخيرتين ، وحيث لا يحتمل الوجوب ، بل
ولا قائل به ، فيحمل الأمر على الاستحباب جزماً للقطع بصحة الصلاة وأنّه لا شيء
عليه ، فتكون الصحيحة أجنبية عن محل الكلام رأساً.
وثانياً
: لو سلّم اشتمال
الصحيحة على تلك الزيادة ، وأنّ النسخ المصححة كذلك ، فغاية ما يستفاد منها وجوب
القضاء في الأخيرتين زائداً على الوظيفة المقررة فيهما من التخيير ، لا أنّ
الوظيفة تتبدل من التخيير إلى القضاء كي تتعيّن الفاتحة مقتصراً عليها ، فإنّها لا
تدل على ذلك بوجه ، وحيث لا يحتمل وجوب القضاء زائداً على الوظيفة المقررة فلا
مناص من الحمل على الاستحباب ، فظهر أنّ الصحيحة قاصرة الدلالة ، لا أنّ الشهيد لم
يلتفت إليها ، سواء أكانت مشتملة على تلك الزيادة أم لا.
الثالث
: رواية الحسين بن
حماد عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « قلت له : أسهو عن القراءة في الركعة الأُولى ، قال
: اقرأ في الثانية ، قلت : أسهو في الثانية ، قال : اقرأ في الثالثة ، قلت : أسهو
في صلاتي كلها ، قال : إذا حفظت
__________________
الركوع والسجود
فقد تمت صلاتك » .
وهذه هي العمدة
فيما استند إليه الشيخ في الخلاف من تعين القراءة على ما نسب إليه ، واستدل بها في
الحدائق أيضاً ، قائلاً إنّ ظاهر الأمر الإيجاب عيناً.
والإنصاف : أنّها
من حيث الدلالة تامة ، فإنّ قوله عليهالسلام « اقرأ في الثالثة » ظاهر في أنّ تمام الوظيفة في هذه
الحالة هي القراءة معيناً.
والإيراد عليها
بمعارضتها بروايات التخيير كما قيل ، ساقط جدّاً لأنّها مطلقة وهذه مقيّدة ، ولا
ريب أنّ ظهور المخصص مقدّم على ظهور العام. وإنّما الكلام في سندها ، فانّ الحسين
بن حماد مهمل لم يوثق في كتب الرجال ، وأمّا عبد الكريم الواقع في السند فهو ثقة
كما نصّ عليه النجاشي وإن صرّح الشيخ بأنّه واقفي خبيث ، فانّ العبرة بوثاقة الراوي لا عدالته ، فالمناقشة السندية إنّما هي من أجل
الحسين فحسب.
هذا ، وعلى تقدير
صحة الرواية فهي معارضة بروايتين يستظهر منهما عدم الوجوب :
إحداهما
: صحيحة معاوية بن
عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام قال « قلت : الرجل يسهو عن القراءة في الركعتين الأولتين
فيذكر في الركعتين الآخرتين أنّه لم يقرأ ، قال : أتمّ الركوع والسجود؟ قلت : نعم
، قال : إنّي أكره أن أجعل آخر صلاتي أوّلها » .
فانّ المراد
بكراهة جعل آخر الصلاة أوّلها إن كان كراهة قراءة الحمد فهي
__________________
وهي : سبحان الله
والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ، والأقوى إجزاء المرّة والأحوط الثلاث .
______________________________________________________
صريحة في المطلوب
من عدم الوجوب ، بل وأفضلية التسبيح حتى للساهي كما احتمله جماعة ، وإن كان المراد
ما استظهره في الحدائق من كراهة قراءة الحمد والسورة معاً ، حيث إنّها التي
يترتّب عليها قلب الصلاة ، فهي ظاهرة في المطلوب وإن لم تكن بتلك الصراحة ، حيث
يظهر من ذكر ذلك في مقام البيان أنّ الوظيفة في فرض النسيان هي التخيير أيضاً ،
وأنّ السهو لم يترتّب عليه شيء وإلاّ وجب التنبيه عليه.
وبالجملة
: ظهورها في عدم
ترتب أثر على السهو غير قابل للإنكار ، وإلاّ بقي السؤال بلا جواب كما لا يخفى.
فهي كالصريح في عدم لزوم تدارك الحمد وبقاء الحكم السابق ، أعني التخيير لولا
السهو على ما هو عليه ، وكأنّه عليهالسلام أشار بذلك إلى رد العامة حيث يوجبون قراءة الحمد .
الثانية
: موثقة أبي بصير
عن أبي عبد الله عليهالسلام « قال : إن نسي أن يقرأ في الأُولى والثانية أجزأه تسبيح
الركوع والسجود » .
والمتحصل من جميع ما قدمناه : أنّ ما ذكره المشهور من التخيير في
الركعتين الأخيرتين حتى لمن نسي القراءة في الأوّلتين هو الصحيح.
(١) قد وقع الخلاف
في تعيين التسبيح الذي هو طرف التخيير على أقوال :
أحدها
: أنّ صورته هكذا :
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر
__________________
يكرّرها ثلاثاً ،
فيكون المجموع اثني عشر تسبيحاً كما هو المتعارف. نسب ذلك إلى الشيخ في النهاية
والاقتصاد ، وإلى ابن أبي عقيل حيث ذكر أنّه يقولها أي التسبيحات
الأربعة سبعاً أو خمساً ، وأدناها ثلاث .
وقد استدل له
بأُمور : منها : الفقه الرضوي ، حيث صرّح فيه
بذلك.
وفيه
: ما تقدّم مراراً
من أنّه لم يثبت كونه رواية فضلاً عن أن يكون معتبراً.
ومنها
: رواية رجاء بن
أبي الضحاك « أنه صحب الرضا عليهالسلام من المدينة إلى مرو فكان يسبّح في الأُخراوين يقول : سبحان
الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ثلاث مرات ثم يركع » .
وفيه
: مضافاً إلى ضعف
السند ، وإلى أنّه حكاية فعل مجمل العنوان فلا يدل على الوجوب ، بل غايته
المشروعية أو الرجحان ولعل اختياره عليهالسلام لذلك لكونه أفضل الأفراد أو أحدها ، أنّها لم تثبت بهذا
المتن ، فقد ذكر المجلسي على ما حكى عنه صاحب الحدائق أنّ النسخ المصححة القديمة من العيون غير مشتملة على التكبير ، فيكون المجموع
تسع تسبيحات الذي هو أحد الأقوال في المسألة كما سيجيء.
على أنّه يكفي
مجرد الاحتمال الناشئ من اختلاف النسخ ، لعدم الوثوق حينئذ بما هو الصادر عن
المعصوم عليهالسلام.
ومنها
: وهو العمدة ما
رواه ابن إدريس في أوّل السرائر نقلاً عن كتاب
__________________
حريز عن زرارة عن
أبي جعفر عليهالسلام « أنه قال : لا تقرأنّ في الركعتين الأخيرتين من الأربع
الركعات المفروضات شيئاً إماماً كنت أو غير إمام ، قال قلت : فما أقول فيهما؟ قال
: إذا كنت إماماً أو وحدك فقل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله
أكبر ثلاث مرات ثم تكبّر وتركع » .
وهي صريحة في
المدعى ، إلاّ أنّ الشأن في سندها أوّلاً ومتنها ثانياً أمّا السند فقد ذكرنا غير
مرّة أنّ طريق ابن إدريس إلى كتاب حريز غير معلوم ، ولعلّ الكتاب الواصل إليه لم
يكن هو كتابه إمّا كلا أو بعضاً ، وعدم عمله بأخبار الآحاد لا يجدي ، إذ لعله اعتمد
على قرينة تفيد القطع له ولا تفيد لغيره.
وأمّا المتن فلم
يثبت كونه كذلك ، كيف وقد رواها ابن إدريس نفسه في آخر السرائر فيما استطرفه من
كتاب حريز بعين السند والمتن ، غير أنّه لم يذكر فيه التكبير ، بل قد ذكر المجلسي في البحار على ما حكاه عنه في الحدائق أنّ النسخ المتعددة التي رأيناها متفقة على ذلك ، وعليه فلم يعلم أنّ الصحيح
هو ما ذكره ابن إدريس في أوّل السرائر أم ما أثبته في آخره. ومن هنا احتمل بعض
ومنهم المجلسي أن تكونا روايتين قد رواهما زرارة على الوجهين ، وكذا حريز عنه في
كتابه ، فأثبتهما ابن إدريس في الموضعين ، وإن كان بعيداً غايته كما لا يخفى.
وكيف كان ، فلا
يخلو إمّا أنّهما روايتان ، أو هما رواية واحدة دائرة بين الزيادة والنقيصة ، فعلى
الثاني ، يدور الأمر بين الحجة واللاّحجة ، إذ الصادر ليس إلاّ أحدهما ، وبما أنّه
غير معلوم لاشتباهه بالآخر فلا يمكن الحكم بصحة المشتمل على التكبير ، لعدم الوثوق
بصدوره فيسقط عن الاستدلال.
__________________
وعلى الأوّل ، فمع
بعده في نفسه كما عرفت سيّما من مثل زرارة ، إذ بعد أن سأل حكم المسألة عن الإمام عليهالسلام كيف يسأله مرّة أُخرى فغاية ما هناك أنّهما روايتان تضمّنت إحداهما الأمر
بالتكبير ، والأُخرى عدم الأمر الظاهر بمقتضى الإطلاق في جواز تركه ، لكونه مسوقاً
في مقام البيان وتعيين تمام الوظيفة ولا شك أنّ مقتضى الجمع العرفي بينهما هو
الحمل على الاستحباب وأنّ الواجب هي التسبيحات التسع ، والثلاث الزائدة في الرواية
الأُخرى مستحبّة هذا.
وممّا يؤيد زيادة
كلمة التكبير في الرواية وأنّها سهو من قلم النساخ من جهة انس الذهن الناشئ من
المعهودية الخارجية : أنّ الصدوق رواها بعينها بطريق صحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام من دون ذكر التكبير مصرّحاً بالتسع ، بحيث لا يحتمل معه النقص ، حيث قال : «
... فقل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله ثلاث مرات تكمله تسع تسبيحات ثم
تكبِّر وتركع » .
فتحصّل
: أنّ هذا القول
ساقط لعدم الدليل عليه.
القول
الثاني : أنّها عشر
تسبيحات فيقول هكذا : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله ثلاث مرات ، ثم
يقول : الله أكبر ، فيكون المجموع عشراً. نسب ذلك إلى السيد المرتضى والشيخ في الجمل والمبسوط ، وابن إدريس وسلاّر وابن البراج ، ومال إليه في الحدائق معترفاً كغيره من جملة من الأصحاب
__________________
بعدم الوقوف على
رواية تدل عليه ، غير أنّه قدسسره تصدى لإثباته بضم بعض الأخبار إلى بعض.
هذا ، ويمكن أن
يستدل لهذا القول بصحيحة زرارة على رواية الصدوق المتقدمة آنفاً ، بناءً على حمل
التكبير في قوله عليهالسلام « ثم تكبّر وتركع » على ما هو من متمم التسبيح الواجب في
الركعتين الأخيرتين لا على تكبير الركوع.
لكنه كما ترى بعيد
جدّاً ، فانّ ظاهرها أنّ تمام الواجب إنّما هو التسع وأنّ التكبير هو تكبير الركوع
، ولذا عطفه على سابقه بكلمة « ثم » الظاهر في الانفصال وإلاّ كان الأحرى أن يقال
: تكمله تسع تسبيحات وتكبّر ثم تركع ، أو تكمله عشر تسبيحات ثم تكبّر وتركع.
وكيف كان ، فلا
ينبغي الريب في ضعف هذا القول أيضاً ، وصاحب الحدائق قد استند في التسع إلى هذه الصحيحة وفي التكبير المتمم للعشر إلى الروايات
الأُخر ، وهو أيضاً لا يتم كما لا يخفى.
القول
الثالث : أنّها تسع
تسبيحات : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله يكرّرها ثلاث مرّات. نسب إلى
الصدوق ووالده وأبي الصلاح . ونسب أيضاً إلى
حريز الراوي للتسع وهو من قدماء الأصحاب. فيظهر أنّ فتواه أيضاً كذلك ،
مضافاً إلى روايته.
والدليل عليه : هو
صحيح حريز عن زرارة المتقدم آنفاً ، الذي نقله الصدوق
__________________
وقدر مرّ أنّ ابن
إدريس أيضاً رواه كذلك في آخر السرائر نقلاً عن كتاب حريز عن زرارة.
وهذا القول لا بأس
به ، فإنّ الرواية صحيحة صريحة ، فان ثبت جواز الاكتفاء بما دونه وإلاّ فلا بدّ من
الالتزام به.
القول
الرابع : الاجتزاء
بالتسبيحات الأربع مرة واحدة ، اختاره جمع كثير بل نسب ذلك إلى المشهور.
وتدل عليه صريحاً
: صحيحة زرارة قال : « قلت لأبي جعفر عليهالسلام ما يجزئ من القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال : أن تقول :
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ، وتكبّر وتركع » ، وهي واضحة الدلالة للتصريح بالإجزاء ، فالزائد عليه من الأذكار فضل وندب ،
وبذلك نرفع اليد عن القول السابق ، أعني التسع ويحكم باستحبابها ، ويؤيّده : رواية
محمد بن عمران ومحمد ابن حمزة .
وقد
يستدل لذلك كما في
الحدائق بصحيحة سالم بن مكرم أبي خديجة عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأولتين ، وعلى الذين
خلفك أن يقولوا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر وهم قيام ،
فاذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن يقرءوا فاتحة الكتاب وعلى
الإمام أن يسبّح مثل ما
يسبّح القوم في
الركعتين الأخيرتين » .
__________________
وهذه الرواية
صحيحة السند ، إذ ليس في الطريق من يغمز فيه عدا الراوي الأخير ، والظاهر أنّه
سالم بن مكرم المكنى بأبي خديجة مرّة وأبي سلمة اخرى فأبو خديجة كنية له لا لأبيه
، فما وقع في الوسائل في المقام من قوله : سالم بن أبي خديجة سهو من قلمه الشريف
أو من النسّاخ. وقد ذكر قدسسره هذه الرواية بعينها في باب ٣٢ من الجماعة بحذف كلمة ابن
فقال : عن سالم أبي خديجة ، وكذا في التهذيب ٣ : ٢٧٥ / ٨٠٠ وهو صحيح كما عرفت.
وهذا الرجل أعني
سالم بن مكرم قد وثقه النجاشي وقال : إنّه ثقة ثقة إلاّ أنّ الشيخ قدسسره قد ضعّفه في الفهرست صريحاً وإن وثقه
في موضع آخر على ما حكاه العلاّمة ولكن الظاهر أنّ
تضعيف الشيخ يبتني على تخيل اتحاده مع سالم بن أبي سلمة الكندي السجستاني وهو سهو
منه بلا شك ، وقد أوضح ذلك سيدُنا الأُستاد ( دام ظله ) في المعجم ٩ : ٢٧ / ٤٩٦٦ فليلاحظ.
وكيف كان ، فلا
ينبغي الريب في صحة السند ، ومن هنا عبّر عنها في الحدائق بالصحيحة .
ولكنّها قاصرة
الدلالة على الاجتزاء بالمرّة وإن ادعاها صاحب الحدائق ولعلّه باعتبار ذكر التسبيح
مرّة واحدة في الركعتين الأوّلتين ، وهو كما ترى فانّ
__________________
النظر فيها مقصور
على بيان التفرقة بين الركعتين الأوّلتين والأخيرتين ، وأنّ الإمام يقرأ في
الأوّلتين والمأموم يسبّح ، وأمّا في الأخيرتين فهما سواء ، وأمّا أنّ كيفية
التسبيح في الأخيرتين أيّ شيء فهي ساكتة عنه بالكلية ، ومجرد ذكر تسبيح خاص في
الأوّلتين لا يقتضي كونه في الأخيرتين كذلك ، فهذا الاستدلال ساقط ، والعمدة فيه
صحيحة زرارة المؤيّدة بالروايتين كما تقدم.
القول
الخامس : ما نسب إلى ابن
الجنيد من كفاية ثلاث تسبيحات بأن يقول : الحمد لله وسبحان الله
والله أكبر ، وهذا القول أيضاً غير بعيد ككفاية التسبيحات الأربع ، إذ قد دلت عليه
صحيحة الحلبي صريحاً ، فقد روى الشيخ في الصحيح عنه عن أبي عبد الله عليهالسلام « قال : إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما ، فقل الحمد لله وسبحان
الله والله أكبر » .
وقد رواها في
الاستبصار والتهذيب غير أنّ كلمة « الأخيرتين » غير مذكورة في الثاني ، ولعلها
سقطت من قلمه الشريف. وكيف كان ، فالدلالة ظاهرة سواء جعلنا قوله عليهالسلام « لا تقرأ فيهما » صفة « للأخيرتين » أو جزاء للشرط بأن تكون نهياً أو نفياً
تفيده ، لكونها في مقام الإنشاء.
القول
السادس : ما نسب إلى ابن
أبي عقيل من كفاية التسبيح ثلاثاً بأن يقول : « سبحان الله سبحان
الله سبحان الله » وقد استدلّ له برواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليهالسلام « قال : أدنى ما يجزئ من القول في الركعتين الأخيرتين ثلاث تسبيحات أن تقول :
سبحان ، الله سبحان الله ، سبحان الله » .
__________________
وفيه : أن الدلالة
وإن كانت تامة لكن السند ضعيف لضعف طريق الصدوق إلى وهيب بن حفص بشيخه محمد بن علي
ماجيلويه فإنه لم يوثق ، وبمحمد بن علي الهمداني الذي استظهر الأردبيلي في جامعه أنه محمد بن علي القرشي أبو سمينة المعروف بالكذب ولكنه في غير محله بل هو
محمد بن علي بن إبراهيم الهمداني وكيل الناحية وإن كان ضعيفاً أيضاً حيث استثناه
ابن الوليد من رجال نوادر الحكمة ، ولأجل ذلك لا
يمكن الاعتماد على رواياته. فهذا القول ساقط. نعم ، بناءً على جواز الاكتفاء بمطلق
الذكر وانه ليس في التسبيح شيء موقت كما هو أحد الأقوال وسيجيء الكلام عليه ان
شاء الله تعالى أمكن الاكتفاء به حينئذ لا لخصوصية فيه بل لكونه مصداقاً للذكر
المطلق.
والمتحصل
: من جميع ما
قدمناه لحد الآن جواز الاقتصار على التسبيحات التسع ، بل الاكتفاء بالتسبيحات
الأربع مرة واحدة ، بل بالتسبيحات الثلاث لورود النص الصحيح على كل ذلك ، كما تقدم
في بيان القول الثالث والرابع والخامس.
بل لا يبعد
الاكتفاء بالتسبيح والتهليل والتكبير والدعاء ، لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام « قال : عشر ركعات ، ركعتان من الظهر وركعتان من العصر ، وركعتا الصبح ،
وركعتا المغرب ، وركعتا العشاء الآخرة لا يجوز فيهنّ الوهم إلى أن قال ـ : وهي
الصلاة التي فرضها الله ، وفوّض إلى محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم فزاد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في الصلاة سبع ركعات هي سنّة ليس فيهنّ قراءة ، إنّما هو
تسبيح وتهليل وتكبير ودعاء فالوهم إنّما هو فيهنّ » الحديث . وبمضمونها روايته الأُخرى الواردة في المأموم
__________________
المسبوق .
كما لا يبعد
الاجتزاء بأقل من ذلك ، أعني التسبيح والتحميد والاستغفار لوروده في صحيحة عبيد بن
زرارة قال : « سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الركعتين الأخيرتين من الظهر ، قال : تسبّح وتحمد الله
وتستغفر لذنبك ، وإن شئت فاتحة الكتاب فإنها تحميد ودعاء » .
بل يظهر من ذيلها
جواز الاكتفاء بأقل من ذلك أيضاً ، أعني مجرد التحميد والدعاء ، فلا حاجة إلى
التسبيح والاستغفار إلاّ من جهة كونه مصداقاً للدعاء لتعليل الاجتزاء بالفاتحة
باشتمالها على التحميد والدعاء ، ومن الواضح أنّها غير متضمنة للاستغفار ، فيظهر
أنّ العبرة بالدعاء ، كان استغفاراً أم لا. ومن جميع ما سردناه يظهر قوّة :
القول
السابع : من التخيير بين
جميع هذه الصور وجواز العمل بكل ما تضمنته النصوص الصحيحة المتقدمة ، المنسوب إلى
ابن طاوس والمحقق في المعتبر ، ومال إليه جملة
من المتأخرين ، فإنّ هذا القول قريب جدّاً ، لصحة تلكم الأخبار سنداً ودلالة كما
عرفت ، ولا تعارض بينها ، غايته أنّ الأمر في كل منها ظاهر في الوجوب التعييني
فيحمل على التخيير جمعاً. بقي الكلام في القول الأخير وهو :
القول
الثامن : من الاجتزاء
بمطلق الذكر وإن لم يكن بإحدى الصور المتقدمة في النصوص السابقة كما نسب إلى بعض ،
ويمكن أن يستدل له بوجوه :
الأوّل
: أنّ الاختلاف
الكبير الواقع في الأخبار في تعيين الأذكار كما مرّ
__________________
يكشف عن أنّ
الاعتبار بمطلق الذكر وأنّه ليس هناك شيء مؤقّت. فالواجب إنّما هو طبيعي ذكر الله
ولا خصوصية للمذكور في النصوص وإنّما هي أمثلته وبيان بعض مصاديقه. فالمقام نظير
الأخبار الواردة في باب صلاة الميت ، فكما أنّا استفدنا من الاختلاف الكثير الواقع
في كيفية تعيين الأدعية أنّ العبرة بمطلق الدعاء وليس هناك شيء موقّت ، فكذا في
المقام طابق النعل بالنعل.
وفيه
: أنّ القياس مع
الفارق ، فإنّ الأمر وإن كان كذلك في باب صلاة الميت لكنه ليس لأجل اختلاف الأخبار
فحسب ، بل للتصريح في تلك الأخبار بأنّه ليس هناك شيء موقّت. ومثل هذا التصريح لم
يرد في نصوص المقام حتى يلتزم بإلغاء تلك الخصوصيات الواردة فيها ، إذ من الواضح
أنّ مجرّد الاختلاف وإن كثر لا يقتضي ذلك بل لا بدّ من مراعاتها ، غاية الأمر أنّ
الأمر الوارد في كل خبر ظاهر في نفسه بمقتضى الإطلاق في الوجوب التعييني فيرفع
اليد عنه ويحمل على التخييري جمعاً بينها كما تقدم ، فلا يجوز له اختيار ذكر لا نص
فيه لعدم الدليل عليه.
الثاني
: رواية علي بن
حنظلة وقد تقدمت قال : « سألته عن الركعتين الأخيرتين ما أصنع فيهما؟ ، فقال
: إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب ، وإن شئت فاذكر الله فهو سواء ، قال قلت : فأيّ ذلك
أفضل؟ فقال : هما والله سواء إن شئت سبّحت وإن شئت قرأت » فيظهر منها أنّ العبرة بمطلق ذكر الله كيف ما تحقق.
وفيه
أوّلاً : أنّها ضعيفة
السند كما مرّ وإن عبّر عنها بالموثقة في كلمات بعض فانّ علي بن حنظلة لم يوثق وإن كان أخوه عمر تقبل رواياته ويعبّر عنها
__________________
بالمقبولة.
وثانياً
: مع الغض عن السند
فالدلالة قاصرة ، إذ غايتها أنّها بالإطلاق فيقيد بما ورد في سائر الأخبار من
التقييد بالذكر المخصوص كما هو مقتضى صناعة الإطلاق والتقييد ، بل يمكن دعوى منع
انعقاد الإطلاق من أصله ، للتصريح في الذيل بقوله عليهالسلام « إن شئت سبّحت ... » إلخ ، الكاشف عن أنّ المراد بالذكر
في الصدر خصوص التسبيح لا مطلق الذكر فتدبر جيداً.
الثالث
: ما ادّعاه المحقق
الهمداني قدسسره من أنّ الظاهر من قوله عليهالسلام في صحيحة زرارة المتقدمة « إنّما هو تسبيح وتهليل وتكبير
ودعاء ... » إلخ هو الاجتزاء بكل واحد من هذه الأُمور ، وأنّ ذلك من باب
التنويع. ثم قال قدسسره ولو سلّم عدم ظهور الصحيحة في نفسها في ذلك فلتحمل عليه
بقرينة رواية علي بن حنظلة المتقدمة ، انتهى ملخصاً .
وهذه الدعوى كما
ترى لم نتحققها ، فانّ ظاهر الواو هو الجمع ، فارادة التنويع كي يكون بمعنى أو
خلاف الظاهر لا يصار إليه من دون قرينة. وأضعف من ذلك : الاستشهاد برواية علي بن
حنظلة ، إذ قد عرفت أنّها في نفسها ضعيفة سنداً ودلالة فكيف يستشهد بها.
فظهر أنّ القول
بالاجتزاء بمطلق الذكر ساقط.
وقد
تحصل لك من جميع ما
قدمناه : أنّ الأقوى هو الاجتزاء في التسبيح بكل ما ورد في النصوص الصحيحة كما
ذكره جماعة ، لكن الأحوط اختيار التسبيحات الأربعة مرة واحدة ، وأحوط من ذلك
تكرارها ثلاثاً ، فإنه مجزٍ ومبرئ للذمة قطعاً ، لعدم الخلاف فيه من أحد كما عرفت.
__________________
والأولى إضافة
الاستغفار إليها ولو بأن يقول : اللهمّ اغفر لي.
______________________________________________________
(١) للأمر به في
صحيحة عبيد بن زرارة المتقدمة قال عليهالسلام : « تسبّح وتحمد الله وتستغفر لذنبك ... » إلخ المحمول على الاستحباب لخلو سائر الأخبار عنه. مضافاً إلى عدم القائل
بالوجوب. نعم ، ربما يستظهر أو يستشعر من كلام العلاّمة في المنتهي وجود القائل به
، حيث إنّه بعد أن سلّم دلالة الصحيحة عليه قال : الأقرب عدم وجوب الاستغفار ، فإنّ التعبير بالأقرب يشعر بوجود الخلاف ، لكن الظاهر أنّ مراده قدسسره الأقرب بالنظر
إلى الصحيحة لا في قبال قول آخر.
وكيف ما كان ،
فالظاهر عدم الوجوب لقصور الصحيحة في نفسها عن الدلالة عليه ، فانّ ذيلها يشهد
بأنّ الاستغفار إنّما ذكر لكونه مصداقاً للدعاء لا لخصوصية فيه ، لقوله عليهالسلام : « وإن شئت فاتحة الكتاب فإنّها تحميد ودعاء » فيكشف عن أنّ العبرة بالدعاء
، والاستغفار المذكور في الصدر من مصاديقه ، ولا يحتمل
العكس لخلوّ الفاتحة عن الاستغفار.
على أنّه مع
التسليم فغايته وجوب الاستغفار فيما لو اكتفى بالتحميد والتسبيح المشتمل عليهما هذه
الصحيحة ، أمّا لو اختار ذكراً آخر مذكوراً في بقية النصوص فلما ذا؟ فما ذكره
الفقهاء من الاستحباب هو المتعيّن.
__________________
ومن لا يستطيع
يأتي بالممكن منها ، وإلاّ أتى بالذكر المطلق وإن كان قادراً
على قراءة الحمد تعيّنت حينئذ .
[١٥٥٣] مسألة ١ :
إذا نسي الحمد في الركعتين الأُوليين ، فالأحوط اختيار قراءته في الأخيرتين ، لكن
الأقوى بقاء التخيير بينه وبين التسبيحات .
______________________________________________________
(١) وهذا هو الصحيح
، لا لقاعدة الميسور لعدم تماميتها ، بل لأنّ المستفاد من الأخبار بمقتضى الفهم
العرفي أنّ كلا من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير جزء مستقل ، لا أنّ المجموع
جزء واحد ، وعليه فلو عجز عن البعض لم يسقط الأمر بالباقي لإطلاق دليله.
(٢) لا يمكن
المساعدة عليه ، لما مرّ من أنّ الاكتفاء بالذكر المطلق لا دليل عليه ، فلا يجزئ في
المقام حتى لو بني على تمامية قاعدة الميسور ، إذ الإتيان بفرد آخر من الذكر غير
ما هو الموجود في النصوص الصحيحة ، كقوله : الله خالق أو رازق ونحو ذلك مباين لما
هو الواجب المذكور في تلك النصوص من التسبيح والتحميد والتهليل ونحوها ، لا أنّه
ميسور لها ومن مراتبها كما لا يخفى.
(٣) بلا إشكال كما
هو الحال في كل واجب تخييري تعذّر ما عدا الواحد من أطرافه ، فانّ الواجب يتعين
فيه عقلاً ، ولا تنتقل الوظيفة إلى البدل الواقع في طوله.
(٤) تقدم الكلام
في هذه المسألة مفصلاً ، وظهر حالها بما لا مزيد عليه ، فلا حاجة إلى الإعادة.
__________________
[١٥٥٤]
مسألة ٢ : الأقوى كون
التسبيحات أفضل من قراءة الحمد في الأخيرتين ، سواء كان منفرداً أو إماماً
أو مأموماً .
______________________________________________________
(١) كما نسب ذلك
إلى جمع كثير من الأصحاب ، وقيل بأفضلية القراءة إمّا لخصوص الإمام أو مطلقاً ،
وقيل بالتساوي وعدم ترجيح في البين ، وحيث إنّ منشأ الخلاف اختلاف الأخبار الواردة
في المقام فلا بدّ من التعرّض إليها ، فنقول : مقتضى طائفة كثيرة من النصوص
وأغلبها صحيح أو موثق أفضلية التسبيح وقد تقدم التعرض لها ونشير إليها إجمالاً وهي
:
صحيحة زرارة التي
رواها الصدوق وصحيحته الأُخرى وبمضمونهما
صحيحتان أخريان له .
وصحيحة الحلبي « إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما ، فقل : الحمد لله وسبحان
الله والله أكبر » ، سواء أكان قوله عليهالسلام « لا تقرأ فيهما » صفة للأخيرتين أم جزاءً للشرط ، وإن كان
الأول أظهر ، والجزاء هو قوله : فقل ... إلخ ، وإن كان الأنسب دخول الفاء على هذه
الجملة كما لا يخفى.
وكيف كان ، فالنهي
عن القراءة أو نفيها وإن كان ظاهراً في عدم المشروعية لكنه محمول على المرجوحية
بقرينة الأخبار الأُخر كما مرّ ، فينتج أفضلية التسبيح.
__________________
وصحيحة محمد بن
قيس فانّ التعبير بـ « كان » يدل على الاستمرار الكاشف عن
أفضلية التسبيح ، وظاهرها الإطلاق ، لأنّه عليهالسلام كان يصلي إماماً ومأموماً ومنفرداً.
هذه جملة الروايات
المعتبرة الدالّة على أفضلية التسبيح مطلقاً. ويؤيدها روايات أُخر ، وإن كانت
أسانيدها لا تخلو عن الخدش كرواية رجاء بن الضحاك ورواية محمد بن عمران المصرّحة بأفضلية التسبيح وغيرهما ممّا لا يخفى على
المراجع.
وبإزائها طائفة
أُخرى من الأخبار تقتضي أفضلية الحمد مطلقاً ، وهي روايتان إحداهما : رواية محمد بن حكيم قال : « سألت أبا الحسن عليهالسلام أيّهما أفضل القراءة في الركعتين الأخيرتين أو التسبيح؟ فقال : القراءة أفضل
» لكنها ضعيفة السند بمحمد بن الحسن بن علان ومحمد بن حكيم ،
فإنّهما لم يوثقا.
الثانية
: رواية الطبرسي في
الاحتجاج عن الحميري عن صاحب الزمان عليهالسلام « أنّه كتب إليه يسأله عن الركعتين الأخيرتين إلى أن قال
فأجاب عليهالسلام قد نسخت قراءة أُم الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح والذي
نسخ التسبيح قول العالم عليهالسلام « كل صلاة لا قراءة فيها فهي خداج ... » إلخ ، وقد تقدّم التعرّض لها في أوّل الفصل ، وعرفت أنّها
ضعيفة السند بالإرسال أوّلاً ، ومشوّشة المتن ثانياً. ولو تمت لكانت حاكمة على
جميع
__________________
أخبار الباب.
فظهر أنّه ليست
هناك رواية يعتمد عليها تقتضي أفضلية الحمد مطلقاً حتى تعارض الطائفة السابقة من
الأخبار المقتضية لأفضلية التسبيح مطلقاً ، فهذا القول ساقط.
يبقى
الكلام : في التفصيل الذي
قيل به بين الإمام وغيره. ويقع الكلام تارة : في المنفرد ، واخرى : في الإمام ،
وثالثة : في المأموم.
أمّا
المنفرد ، فلم يرد في شيء
من النصوص ما تضمن الأمر بالفاتحة خاصة بالنسبة إليه ، عدا رواية جميل بن دراج «
... ويقرأ الرجل فيهما إذا صلى وحده بفاتحة الكتاب » لكنها ضعيفة السند بعلي بن السندي ، فإنّه لم يوثق إلاّ من نصر بن صباح ولا عبرة به ، لعدم ثبوت وثاقته في نفسه. ومن هنا لا يبعد القول بأفضلية
التسبيح بالإضافة إليه كما نبّه عليه سيدنا الأُستاذ ( دام ظله ) في تعليقته
الشريفة عملاً بالنصوص المتقدمة ، وإن كان هذا أيضاً لا يخلو عن شيء
كما ستعرف.
وأمّا
الإمام ، فمقتضى النصوص
المتقدمة أفضلية التسبيح له ، بل قد يظهر من صحيحة سالم أبي خديجة تعيّنه كما لا يخفى.
لكن بإزائها
صحيحتان تضمّنتا الأمر بالفاتحة خاصة ، وهما : صحيحة معاوية ابن عمار « عن القراءة
خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين ، فقال : الإمام يقرأ بفاتحة الكتاب ومن خلفه
يسبِّح ، فاذا كنت وحدك فاقرأ فيهما وإن شئت فسبّح »
__________________
وصحيحة منصور بن
حازم « إذا كنت إماماً فاقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب وإن كنت وحدك
فيسعك فعلت أو لم تفعل » .
وقد جمع المحقق
الهمداني قدسسره بينهما بالالتزام بالتخصيص ، وأنّ خصوص الإمام تتعين عليه
الفاتحة ، فتحمل النصوص السابقة على غير الإمام وهو كما ترى فانّ في بعض تلك
النصوص التصريح بالتسبيح في خصوص الإمام كصحيحة سالم أبي خديجة المتقدمة آنفاً ،
فتقع المعارضة لا محالة ، ولا سبيل للتخصيص ، بل إنّ مقتضى الجمع العرفي بينهما هو
الحمل على التخيير ، لظهور كل منهما في التعيين ، فيرفع اليد عن خصوصية التعينية
ويحمل على التخيير.
ومنه تعرف أنّه لا
مجال لحمل الصحيحتين على التقية كما ارتكبه صاحب الحدائق ، إذ الحمل المزبور فرع تعذر الجمع العرفي وقد عرفت إمكانه بما ذكرناه ونتيجة
ذلك هو الحكم بالتخيير من دون ترجيح لأحدهما على الآخر.
هذا ، والتحقيق
عدم إمكان الحمل على التقية في نفسه ، فإنّ الأمر بالقراءة في الصحيحتين ظاهر في
الوجوب ، فامّا أن يراد به الوجوب التعييني أو التخييري لا سبيل للثاني للتصريح في
ذيلهما بثبوت التخيير للمنفرد أيضاً ، فلم يبق فرق بينه وبين الإمام ، ومن الواضح
أنّ التفصيل قاطع للشركة.
كما لا سبيل
للأوّل أيضاً ، إذ لم يقل به أحد حتى من العامة ، فإنّ مذهبهم أفضلية القراءة في
الأخيرتين لا تعيّنها فكيف يحمل على التقية.
ودعوى حمل الأمر
على الاستحباب ، ثم الحمل على التقية ، كما ترى ، إذ لا مقتضي لحمل اللفظ على خلاف
ظاهره ثم الحمل على التقية.
__________________
وممّا ذكرنا تعرف
أنّ ما قدّمناه من الجمع العرفي أيضاً ساقط ، لما عرفت من تعذر الحمل على
التخيير ، فلا مناص من الالتزام باستقرار المعارضة بينهما وبين صحيحة سالم أبي
خديجة المتقدمة الصريحة في تعيّن التسبيح للإمام فيتساقطان لا محالة ، والمرجع
بعدئذ إطلاق صحيحة عبيد بن زرارة القاضية بالتخيير
والمساواة بين القراءة والتسبيح من دون ترجيح.
فان
قلت : قد ورد النهي عن
القراءة في بعض النصوص المحمول على الكراهة جمعاً ، ولازمه أفضلية التسبيح فكيف
يلتزم بالتخيير.
قلت
: النهي عن القراءة
لم يرد إلاّ في صحيحتين ، إحداهما
: صحيحة زرارة عن
أبي جعفر عليهالسلام « قال : إن كنت خلف إمام فلا تقرأنّ شيئاً في الأولتين ،
وأنصت لقراءته ، ولا تقرأنّ شيئاً في الأخيرتين ، فإنّ الله عزّ وجل يقول للمؤمنين
( وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ ) يعني في الفريضة
خلف الإمام ( فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ
تُرْحَمُونَ ) ، فالأخيرتان تبعاً للأوّلتين » .
وهي كما ترى ظاهرة
في المنع عن القراءة في الصلوات الجهرية ، ولا معارض لها في موردها ، فلو كنّا نحن
وهذه الصحيحة لحكمنا بعدم جواز القراءة في الأخيرتين للمأموم في الصلاة الجهرية ،
إذ لا مقتضي لحمل النهي على خلاف ظاهره بعد سلامته عن المعارض في مورده ، غير أنّ
المشهور لم يلتزموا بذلك.
ومن هنا كان
الأحوط وجوباً اختيار التسبيح بالنسبة إليه ، كما نبّه عليه سيدُنا الأُستاذ ( دام
ظله ) في التعليقة .
__________________
الثانية
: صحيحته الأُخرى
عنه عليهالسلام « أنّه قال : لا تقرأنّ في الركعتين الأخيرتين من الأربع
الركعات المفروضات شيئاً إماماً كنت أو غير إمام ... » إلخ لكن هذا النهي باعتبار تأكيده بالنون المثقلة وتنكير لفظ الشيء غير قابل
للحمل على الكراهة كما لا يخفى ، ومقتضى الجمع بينها وبين سائر الأخبار المرخّصة
للقراءة ، هو إرادة النهي عن القراءة بعنوان الوظيفة المقررة في الركعتين
الأخيرتين ، فلا يجوز الإتيان بها فيهما بهذا العنوان ، أي بعنوان الوظيفة الأصلية
والواجب الأوّلي ، على حد الإتيان بها في الأوّلتين كما تفعله العامة كذلك ، فلا
ينافي ذلك جواز الإتيان بها فيهما بعنوان أنّها مصداق للتسبيح ، وباعتبار اشتمالها
على التحميد والدعاء كما صرح بذلك في صحيحة عبيد بن زرارة المتقدمة.
وملخّص
الكلام في المقام : أنّ
المستفاد من الأخبار بعد ضمّ بعضها إلى بعض ، أنّ الوظيفة الأوّلية في الركعتين
الأخيرتين اللتين هما ممّا سنّة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ويدخلهما الوهم ، إنّما هو التسبيح فقط في مقابل الركعتين
الأوّلتين اللتين هما من فرض الله ولا يدخلهما الوهم ، فإن الوظيفة فيهما القراءة
فحسب ، وقد جعل هذا الفرق امتيازاً لما فرضه الله عمّا سنّة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كما أُشير إلى ذلك في بعض النصوص ، فالقراءة
بعنوانها الأوّلي غير مشروعة في الأخيرتين ، بل المقرر إنّما هو التسبيح كما تشهد
بذلك الصحاح الثلاث لزرارة المصرّحة بأنّه ليس فيهنّ قراءة .
فلو كنا نحن وهذه
النصوص ، لحكمنا بعدم مشروعية القراءة في الأخيرتين مطلقاً ، إلاّ أنّه يظهر من
صحيحة عبيد بن زرارة المتقدمة جواز القراءة فيهما
__________________
أيضاً ، لا
بعنوانها الأوّلي ، بل لمكان اشتمالها على التحميد والدعاء ، فتكون أيضاً فرداً من
أفراد التسبيح ، فهي والتسبيحات المقررة على حد سواء ، والمكلف مخير عقلاً بين
الأمرين ، لأنّ المأمور به هو جامع التسبيح وطبيعيه ، وبما أنّ القراءة من أفراده
بمقتضى هذه الصحيحة ، فيكون التخيير بينهما عقلياً ، فهذه الصحيحة حاكمة على جميع
أخبار الباب ومثبتة للتساوي بين الأمرين من غير ترجيح في البين ، وقد عرفت أنّ الأمر بالقراءة للإمام في صحيحتي معاوية ومنصور معارض بالأمر بالتسبيح في
صحيحة سالم أبي خديجة ، وبعد التساقط يرجع إلى إطلاق هذه الصحيحة المثبتة للتخيير
على الإطلاق من غير فرق بين الإمام والمأموم والمنفرد ، إلاّ قسماً خاصاً من
المأموم كما تقدم ، لورود النص الخاص فيه السليم عن المعارض.
ويدلُّ على ما
ذكرناه من التخيير مطلقاً : مضافاً إلى صحيحة عبيد ، موثقة علي بن حنظلة بل هي أصرح منها ، لتضمنها الحلف على التساوي بين القراءة والتسبيح ، ونحن
وإن ناقشنا فيما سبق في سند هذه الرواية ، بل حكمنا بضعفها من جهة عدم ثبوت
وثاقة علي بن حنظلة ، ولا أخيه عمر في كتب الرجال ، وإن تلقّى الأصحاب روايات
الثاني بالقبول وأسموها مقبولة عمر بن حنظلة.
لكن الظاهر وثاقة
الرجل علي بن حنظلة فإن ما تقدم من التضعيف كان مبنياً على الغفلة عمّا ورد في
شأنه من رواية صحيحة تدل على وثاقته بل ما فوقها ، وهي ما رواه في بصائر الدرجات بسند صحيح عن عبد الأعلى بن
__________________
أعين قال : « دخلت
أنا وعلي بن حنظلة على الصادق عليهالسلام فسأله علي ابن حنظلة فأجابه فقال : فإن كان كذا وكذا
فأجابه فيها حتى أجابه بأربعة وجوه ، فالتفت إليّ علي بن حنظلة قال : يا أبا محمد
قد أحكمناه فسمع الصادق عليهالسلام فقال : لا تقل هكذا يا أبا الحسن فإنّك رجل ورع ، إنّ من
الأشياء أشياء ضيّقة ... » إلخ ، فإن أبا الحسن كنية علي بن حنظلة وقد وصفه الإمام
بالورع الذي هو فوق العدالة فضلاً عن الوثاقة. فلا ينبغي التشكيك في وثاقه الرجل.
وعليه فروايته في
المقام موثقة ، ولو لا وقوع عبد الله بن بكير والحسن بن علي بن فضال في السند
لعبّرنا عنها بالصحيحة ، لكنّها موثقة من أجلهما ومقتضاها كصحيحة عبيد هو التخيير
والتساوي بين الأمرين مطلقاً كما عرفت.
ومن جميع ما
ذكرناه يظهر الحال
في المأموم ، فإنّ الروايات
فيه أيضاً متعارضة كالإمام. فيظهر من بعضها أنّ الوظيفة هي التسبيح كرواية سالم
أبي خديجة حيث قال عليهالسلام : « وعلى الإمام أن يسبّح مثل ما يسبّح القوم في الركعتين
الأخيرتين ». فإنّ ظاهرها أنّ كون وظيفة المأمومين هي التسبيح أمر مسلّم بحيث شبّه
به تسبيح الإمام.
ويظهر من بعضها
أنّ الوظيفة إنّما هي القراءة ، كصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليهالسلام « قال : إن كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتى يفرغ وكان
الرجل مأموناً على القرآن فلا تقرأ خلفه في الأوّلتين. وقال : يجزئك التسبيح في
الأخيرتين قلت : أيّ شيء تقول أنت؟ قال : أقرأ فاتحة الكتاب » .
__________________
[١٥٥٥]
مسألة ٣ : يجوز أن يقرأ
في إحدى الأخيرتين الحمد وفي الأُخرى التسبيحات ، فلا يلزم اتحادهما في ذلك .
[١٥٥٦]
مسألة ٤ : يجب فيهما
الإخفات سواء قرأ الحمد أو التسبيحات .
______________________________________________________
فانّ التعبير
بالإجزاء يكشف عن أنّ الوظيفة الأوّلية إنّما هي القراءة وإن أجزأ عنها التسبيح ،
ولا سيّما بملاحظة قوله عليهالسلام في الذيل « أقرأ فاتحة الكتاب » فيعارض مضمونها الصحيحة
الأُولى وبعد التساقط يرجع إلى إطلاق صحيحة عبيد وموثقة علي بن حنظلة الدال على
التخيير بين الأمرين والتساوي بينهما كما عرفت.
والمتحصّل من جميع ما قدمناه : أنّه لم تثبت أفضلية شيء من التسبيح
أو القراءة ، بل الأقوى هو التخيير والمساواة بينهما ، من غير فرق بين الإمام
والمأموم والمنفرد ، ما عدا صورة واحدة وهي المأموم في الصلوات الجهرية ، فانّ
الأحوط وجوباً اختياره التسبيح حينئذ كما عرفت وجهه .
(١) لإطلاق نصوص
التخيير ، فانّ الموضوع فيها كل واحدة من الأخيرتين لا مجموعهما.
(٢) على المشهور
المعروف ، بل عليه دعوى الإجماع ، وذهب بعض منهم صاحب الحدائق إلى التخيير ، ولا يخفى أنّه لم يرد في شيء من الأخبار التعرّض لحكم الأخيرتين من حيث
الجهر أو الإخفات ، وإنّما هي مسوقة لبيان حكم الأوّلتين أو سائر الأذكار من ذكر
الركوع والسجود والتشهد ونحوها.
__________________
ومع ذلك فالأقوى
ما عليه المشهور ، للسيرة القائمة من الأئمة : وأصحابهم ، بل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وكذا المتشرعة متصلة بهم على مراعاة الإخفات في الأخيرتين
، بحيث لم ينقل الجهر عن أحدهم ، وهذه السيرة بمجرّدها وإن لم تدل على الوجوب ،
لإمكان قيامها على أمر راجح كالقنوت الذي تلتزم به الخاصة مع استحبابه ، بل غايتها
عدم وجوب الجهر وأنّ الإخفات مشروع إباحة أو ندباً ، لكنها تحقق صغرى لكبرى
تضمنتها صحيحة زرارة من عدم جواز الإجهار متعمداً في كل ما لا ينبغي الإجهار فيه
قال : عليهالسلام « في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه وأخفى فيما لا
ينبغي الإخفاء فيه ، فقال : أيّ ذلك فعل متعمداً فقد نقض صلاته وعليه الإعادة » فبضم الصغرى الثابتة بالسيرة وهي إنّ الإجهار في الأخيرتين ممّا لا ينبغي إلى
الكبرى المستفادة من الصحيحة وهي البطلان في صورة العمد ينتج المطلوب.
فانّ المراد بكلمة
« ينبغي » في هذه الصحيحة ليس هو الوجوب ولا الاستحباب قطعاً لوضوح الحكم على
التقديرين ، وهو أنّ الإخلال بالجهر مع وجوبه يقتضي البطلان ، ومع استحبابه لا
يقتضي ، فلا حاجة إلى السؤال ، بل المراد به في المقام ما هو اللائق بحال الصلاة
والمناسب لها بحسب التداول والتعارف الخارجي ، وحيث إنّ الوظيفة المقررة في
الأخيرتين من التسبيح أو القراءة ممّا يليق بها الإخفات كما كشفت عنه السيرة
والتداول الخارجي على ما عرفت ، فكان هو ممّا ينبغي ، والإجهار فيها مما لا ينبغي
فتشملها الصحيحة حينئذ من أنّ الإجهار في مثله موجب للإعادة.
نعم ، في الصحيحة
الأُخرى لزرارة تخصيص الحكم بالقراءة فلا تعم التسبيح
__________________
لو اختاره في
الأخيرتين لكن المستند هي الصحيحة الأُولى المطلقة ، إذ لا تنافي بين
المثبتين حتى تراعى صناعة الإطلاق والتقييد كما لا يخفى.
وربما يستدل للحكم
بصحيحة علي بن يقطين قال : « سألت أبا الحسن عليهالسلام عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام أيقرأ فيهما بالحمد
وهو إمام يقتدى به؟ فقال : إن قرأت فلا بأس ، وإن سكتّ فلا بأس » بناءً على إرادة الإخفات من الصمت ، إذ لا صمت للإمام في شيء من الركعات
إجماعاً وإرادة الأخيرتين من الركعتين ، فانّ توصيفهما بذلك يكشف عن معهودية الحكم
كذلك ، وأنّ الخفت فيهما شيء مسلّم مفروغ عنه.
لكنه كما ترى ،
فانّ المراد بالركعتين الأولتان قطعاً ، بشهادة الجواب بتخيير المأموم بين القراءة
والسكوت ، إذ لا سكوت في الأخيرتين ، لعدم تحمل الإمام هنالك بالضرورة ، وإنّما
مورده الأولتان اللتان يتحمل فيهما الإمام. فالصحيحة ناظرة إلى حكم الأوّلتين من
الصلوات الإخفاتية ، فتكون أجنبية عمّا نحن فيه بالكلية.
ويؤيد ما ذكرناه : أنّ لابن يقطين صحيحة أُخرى بعين هذا السند عن
أبي الحسن عليهالسلام وقد سأله عن حكم الأوّلتين في الصلوات الجهرية فسأله عليهالسلام عن حكم المأموم في الركعتين الأوّلتين تارة في الجهرية
وأُخرى في الإخفاتية فأجاب عليهالسلام فيهما بالتخيير بين القراءة والسكوت. فالعمدة في الاستدلال
ما عرفت. وأمّا بقية الوجوه المذكورة في المقام فكلها ساقطة لا ينبغي الالتفات
إليها.
__________________
نعم ، إذا قرأ
الحمد يُستحب الجهر بالبسملة على الأقوى وإن كان الإخفات فيها أيضاً أحوط .
______________________________________________________
(١) يقع الكلام
تارة في جواز الجهر بالبسملة ، وأُخرى في استحبابه على تقدير الجواز ، أمّا أصل
الجواز فالمشهور ذلك ، وخالف فيه ابن إدريس فذهب إلى المنع ، واستدل له تارة : بأنّه مقتضى الاحتياط ، إذ لا يحتمل وجوب الجهر.
وفيه : أنّ المورد
من موارد الأقل والأكثر ، والمختار فيه البراءة دون الاشتغال.
وأُخرى : بأنّ ذلك
هو مقتضى إطلاق ما دلّ على وجوب الإخفات في الأخيرتين ، فإنّه يشمل الفاتحة
بأجزائها لو اختار القراءة ، ولا شك أنّ البسملة جزء لها. فالقائل بالتقييد وجواز
الجهر فيها لا بدّ له من إقامة الدليل وإلاّ فالإطلاق حجة عليه ، ولعله من أجل ذلك
ذكر في المتن أنّ الإخفات أحوط.
والجواب
: أنّ هذا إنّما
يتم لو كان الإخفات في الأخيرتين مستفاداً من دليل لفظي فيتجه حينئذ التمسك
بإطلاقه ، لكنك عرفت أنّ المستند فيه إنّما هي السيرة والتعارف الخارجي المحققة
لصغرى ما لا ينبغي الإجهار فيه ، بضميمة صحيحة زرارة بالتقريب المتقدم ، وحيث إنّ السيرة دليل لبي فلا إطلاق لها كي يتمسك به ، بل لا يحتمل الإطلاق
بعد ذهاب المشهور إلى جواز الجهر في البسملة بل استحبابه كما عرفت ، ولم يثبت أنّ
سيرة الأئمة : وأصحابهم كانت على الإخفات فيها لخلوّ الأخبار إلاّ ما شذّ عن التعرّض
__________________
[١٥٥٧]
مسألة ٥ : إذا أجهر عمداً
بطلت صلاته ، وأما إذا أجهر جهلاً أو نسياناً صحت ، ولا يجب الإعادة
وإن تذكّر قبل الركوع.
______________________________________________________
لاختيارهم : القراءة في
الأخيرتين فضلاً عن بيان الإخفات في بسملتها فدعوى قيام السيرة منهم أو من غيرهم
على الخفت فيها ساقطة جدّاً ، سيّما بعد كون الغالب اختيار التسبيح في الأخيرتين.
وبالجملة :
فالقائل بالجواز يكفيه عدم الدليل على المنع ، ولا يحتاج إلى إقامة الدليل على
الجواز بعد كونه مطابقاً للأصل كما عرفت.
وأمّا الاستحباب
فالمشهور أيضاً ذلك إلاّ أنّ إثباته بحسب الدليل مشكل فانّ ما استدل به جملة من
النصوص قد تقدّمت الإشارة إليها في المسألة الحادية والعشرين من الفصل
السابق ، وهي قاصرة سنداً ودلالة من أجل انصرافها إلى القراءة في الركعتين
الأوّلتين ولا تعمّ الأخيرتين.
نعم ، قد يظهر من
موثقة هارون استحباب الجهر بالبسملة مطلقاً ، لكنه لا يختص بحال الصلاة
، فإثبات الاستحباب بهذا العنوان مشكل إلاّ أنّ يستند فيه بقاعدة التسامح بناءً
على شمولها لفتوى المشهور ، لكن القاعدة لم تثبت ، وعلى تقدير ثبوتها فالمبنى ضعيف
كما مرّ غير مرّة ، فالأولى لمن أراد الجهر بها بهذا العنوان أن يقصد الرجاء ،
وإلاّ فالأحوط الإخفات.
(١) مرّ الكلام
حوله مفصلاً في المسألة الثانية والعشرين من الفصل السابق فلاحظ .
__________________
[١٥٥٨]
مسألة ٦ : إذا كان عازماً
من أوّل الصلاة على قراءة الحمد يجوز له أن يعدل عنه إلى التسبيحات ، وكذا العكس ، بل يجوز العدول
في أثناء أحدهما إلى الآخر ، وإن كان الأحوط عدمه.
[١٥٥٩]
مسألة ٧ : لو قصد الحمد
فسبق لسانه إلى التسبيحات فالأحوط عدم الاجتزاء به ، وكذا العكس.
______________________________________________________
(١) إذ لا دليل
على تعين الواجب التخييري فيما عزم على اختياره من أحد الطرفين بمجرد القصد ،
فيبقى إطلاق دليل التخيير بحاله ، بل الحال كذلك حتى لو شرع في أحدهما ثم بدا له
في الأثناء العدول إلى الآخر ، فانّ مقتضى القاعدة حينئذ جوازه أيضاً ، ومن هنا
ذكرنا فيما سبق أنّ العدول من سورة إلى أُخرى على طبق القاعدة إلاّ ما خرج بالنص
كالعدول من الجحد أو التوحيد أو فيما بعد تجاوز النصف أو الثلثين على تفصيل تقدم في
محله ، وذلك لأنّ المأمور به هو الطبيعي الجامع وما لم يسقط
أمره بالفراغ عما اختاره من الفرد له رفع اليد عنه واختيار الفرد الآخر ، إذ لا
يترتب عليه محذور عدا توهم الزيادة المبطلة وقد أشرنا غير مرّة إلى أنّ أدلّة
الزيادة قاصرة الشمول لأمثال المقام ، لانصرافها إلى ما لو أوجد الزائد من أوّل
الأمر لا ما لو أحدث صفة الزيادة لما وقع سابقاً كما فيما نحن فيه ، فالأقوى هو
الجواز وإن كان الأحوط تركه كما في المتن حذراً عن هذه الشبهة.
(٢) بل الأقوى ذلك
، لفقد القصد مع السبق ، ولا بدّ في تحقّق العبادة من القصد والاختيار. وبالجملة :
سبق اللسان مساوق للسهو ولذا لا يوجب البطلان لو وقع مثله في كلام الآدمي فهو
مقابل للعمد فينتفي معه القصد المعتبر في صحة العبادة.
__________________
نعم ، لو فعل ذلك
غافلاً من غير قصد إلى أحدهما فالأقوى الاجتزاء به ، وإن كان من عادته خلافه.
[١٥٦٠]
مسألة ٨ : إذا قرأ الحمد
بتخيل أنّه في إحدى الأولتين فذكر أنّه في إحدى الأخيرتين ، فالظاهر الاجتزاء به
______________________________________________________
(١) فسّرت العبارة
بانتفاء القصد السابق على أحدهما مع صدور ما وقع منه عن قصد ، بأن يكون حين الشروع
في الصلاة غافلاً عن وظيفة الأخيرتين فلم يكن قاصداً وقتئذ لا للتسبيح ولا القراءة
، لكنه في ظرف العمل قصد وامتثل لكنه كما ترى فان حكم هذا قد ظهر من المسألة
السابقة بالأولوية القطعية حيث ذكر هناك أنّه لو كان عازماً أوّل الصلاة على
أحدهما جاز له العدول إلى الآخر ، فاذا جاز ذلك مع قصد الخلاف من أوّل الأمر
فالجواز مع انتفاء القصد من أصله لمكان الغفلة بطريق أولى ، فالتعرّض له هنا
مستقلا يصبح لغواً مستدركاً.
فالظاهر أن مراده قدسسره بذلك على ما
يقتضيه ظاهر العبارة أيضاً ما لو صدر منه أحدهما من غير قصد إليه بخصوصه ، مع تعلق
القصد بالطبيعي الجامع ، فخصوصية الصادر مغفول عنها فلا قصد إليها ، لكن الطبيعي
المأمور به مقصود كما يتفق ذلك كثيراً ، ونظيره اختيار السورة ، فإنّ المصلي بعد
الانتهاء من الفاتحة ربما يشرع في سورة من غير قصد إليها بخصوصها لأجل غفلته عنها
، وإنّما يقصد طبيعي السورة المأمور بها. والأقوى حينئذ الصحة وإن كان من عادته
خلافه كما أفاده في المتن ، لوضوح أنّ الخصوصية غير مأمور بها فلا مقتضي لقصدها ،
وإنّما الواجب هو الطبيعي وقد قصده حسب الفرض ، فلم يلزم منه الإخلال فيما تتقوّم
به العبادة.
(٢) أمّا إذا قرأ
الحمد بتخيل أنّه في إحدى الأولتين ، فذكر أنّه في إحدى
ولا يلزم الإعادة
، أو قراءة التسبيحات وإن كان قبل الركوع ، كما أنّ الظاهر أنّ العكس كذلك ، فإذا
قرأ الحمد بتخيل أنّه في إحدى الأخيرتين ثم تبيّن أنّه في إحدى الأُوليين لا يجب
عليه الإعادة.
______________________________________________________
الأخيرتين ، فلا
ينبغي الشك في الصحة ، فإنّ المأمور به حينئذ وإن كان هو الطبيعي الجامع بين الحمد
والتسبيح لا خصوص أحدهما ، إلاّ أنّ تعلّق القصد بخصوص الحمد بزعم أنّه في إحدى
الأولتين لا ينفك عن تعلق القصد بالطبيعي المأمور به ، فانّ الفرد يتضمن الطبيعي وزيادة ، فقصده
ملازم لقصده لا محالة ، فلا قصور في ناحية العبادة بوجه. ومن هنا ترى أنّ كثيراً
من العوام يأتون بالتسبيح في الأخيرتين قاصدين خصوصيته ، غافلين عن أنّ الواجب هو
الطبيعي بينه وبين الحمد ، أو يقرءون التوحيد بعد الفاتحة بزعم أنّه بخصوصه واجب
لا طبيعي السورة ، ولم يستشكل أحد في صحة صلاتهم ، وسرّه ما عرفت من أنّ قصد الفرد
لا ينفك عن قصد الجامع. فلا خلل في تحقق المأمور به بوجه.
وأمّا عكس ذلك
أعني ما لو قرأ الحمد بتخيل أنّه في إحدى الأخيرتين فبان أنّه في إحدى الأولتين
فربما يتوهم عدم الاجتزاء به حينئذ ، بدعوى أنّه لم يقصد بالحمد حسب زعمه إلاّ الطبيعي
، وأما خصوصية الحمد الواقع في الأولتين فغير مقصودة ولا بدّ من تعلق القصد بهذه
الخصوصية كما هو شأن الوظيفة المقررة في الأوّلتين ، فيلزم الخلل في العبادة ، إذ
ما هو الواجب غير مقصود ، وما هو المقصود غير واجب.
ولكنه ليس بشيء ،
ضرورة أنّ الواجب إنّما هو ذات الحمد وقد حصل ، ولا يعتبر قصد خصوصية كونه واقعاً
في إحدى الأوّلتين ، فإنّ هذا القصد غير دخيل في موضوع الأمر قطعاً ، ومن هنا ترى
أنّه لو ركع أو سجد بتخيل أنّه
نعم ، لو قرأ
التسبيحات ثم تذكّر قبل الركوع أنّه في إحدى الأولتين يجب عليه قراءة الحمد وسجود
السهو بعد الصلاة لزيادة التسبيحات .
[١٥٦١]
مسألة ٩ : لو نسي القراءة
والتسبيحات وتذكّر بعد الوصول إلى حدّ الركوع صحت صلاته وعليه سجدتا السهو للنقيصة
، ولو تذكّر قبل ذلك وجوب الرجوع .
______________________________________________________
في الأُولى فقصد
بهما هذا العنوان الخاص ثم بان أنّه في الثانية مثلاً أجزأ عنه بلا إشكال ، لعدم
مدخلية لقصد الأوّلية والثانوية في حصول الواجب بلا ريب.
(١) حكم قدسسره بوجوب قراءة
الحمد وبسجود السهو بعد الصلاة لزيادة التسبيحات ، أمّا الأخير فهو مبني على القول
بوجوب سجدة السهو لكل زيادة ونقيصة ، لكنه لم يثبت ، وإنّما الثابت وجوبها في
موارد خاصة ليس المقام منها ، كما سيجيء التعرّض له في محلِّه إن شاء الله تعالى.
وأمّا الأوّل فوجهه ظاهر ، لعدم الإتيان بوظيفة الأولتين والمحل باق على الفرض ،
لكون التذكر قبل الركوع فلا مناص من تداركها ، فهو على طبق القاعدة مضافاً إلى
ورود النص الخاص في ناسي القراءة المتضمن لوجوب التدارك ما لم يركع ، كموثق سماعة
« عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب إلى أن قال ـ : ليقرأها ما دام لم
يركع ... » .
(٢) حكم قدسسره حينئذ بصحة
الصلاة وبوجوب سجدتي السهو للنقيصة إمّا سجدة السهو فقد مرّ الكلام عليها آنفاً ،
وأمّا الصحة فهي على طبق القاعدة من أجل حديث لا تعاد ، بعد أن لم تكن القراءة من
الخمسة
__________________
[١٥٦٢]
مسألة ١٠ : لو شكّ في قراءتهما
بعد الهويّ للركوع لم يعتن وإن كان قبل الوصول إلى حدّه ، وكذا لو دخل في
الاستغفار .
______________________________________________________
المستثناة. مضافاً
إلى النصوص الخاصة التي منها صحيحة منصور قال : « قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : إنّي صليت المكتوبة فنسيت أن أقرأ في صلاتي كلّها ، فقال : أليس قد أتممت
الركوع والسجود؟ قلت : بلى ، قال : قد تمّت صلاتك إذا كانت نسياناً .
هذا كله إذا كان
التذكر بعد الوصول إلى حدّ الركوع ، وأمّا لو تذكّر قبل ذلك ، سواء أكان في حال
الهوي أم قبله ، وجب الرجوع وتدارك القراءة بلا إشكال كما ذكره في المتن ، لما
عرفت في المسألة السابقة من كونه مطابقاً للقاعدة. مضافاً إلى النص الخاص الوارد
فيه كما عرفت بالنسبة إلى القراءة.
(١) هذا مبني على
كفاية الدخول في المقدمات في جريان قاعدة التجاوز وعدم اعتبار الدخول في نفس الجزء
المترتب على المشكوك ، فيكفي الدخول في الهوي أو النهوض اللذين هما مقدمة للركوع
وللقيام لو شكّ في تحقق الجزء السابق ، لكنه لم يثبت ، بل الأقوى عدم الكفاية كما
تعرضنا له عند البحث عن القاعدة مستقلا وفي بعض المباحث
السابقة ، وسيأتي الكلام عليه في بحث الخلل إن شاء الله تعالى.
(٢) هذا أيضاً
مبني على كفاية الدخول في الجزء الاستحبابي في جريان قاعدة التجاوز ، وعدم اختصاصه
بالجزء الوجوبي ، وبما أنّ الاستغفار من الأجزاء المستحبة فالدخول فيه كافٍ في
الحكم بعدم الاعتناء.
__________________
[١٥٦٣]
مسألة ١١ : لا بأس بزيادة
التسبيحات على الثلاث إذا لم يكن بقصد الورود بل كان بقصد الذكر المطلق.
______________________________________________________
وفيه
أوّلاً : أنّ المبنى غير
تام ، فانّا لا نعقل الجزء الاستحبابي ، لمنافاة الجزئية مع الاستحباب ، فان مقتضى
الأول الدخل في الماهية ، ومقتضى الثاني عدم الدخل ، فهو في نفسه لا تعقّل له كي
يبحث عن كفاية الدخول فيه وعدمها ، بل إنّ ما يسمى بالجزء المستحب كالقنوت فهو في
الحقيقة مستحب ظرفه الواجب لا أنّه من الجزء المترتب.
وثانياً
: على تقدير
التسليم وتصور الكبرى فالاستغفار ليس من هذا القبيل إذ هو لم يرد في شيء من
الأخبار إلاّ في صحيحة عبيد المتقدمة وقد عرفت فيما
مرّ أنّ المراد به بقرينة الذيل هو الدعاء ، والاستغفار من
مصاديقه فالمأمور به هو مطلق الدعاء لا خصوص الاستغفار ، وحيث قد بيّنا فيما سبق
عند التعرض لكيفية التسبيح أنّ المأمور به هو كل تسبيح وارد في النصوص الصحيحة
التي منها هذه الصحيحة ، غايته أنّ الوجوب حينئذ تخييري لا تعييني فلو اختار العمل
بهذه الصحيحة المشتملة على الدعاء وأتى بالاستغفار بهذا العنوان فهو حينئذ جزء
وجوبي وإن كان تخييرياً لا أنّه جزء استحبابي وحيث إنّ الظاهر من كل واحد من
النصوص مراعاة الترتيب بين أجزاء التسبيح الواردة فيها ، فلو كان في الاستغفار وشك
في تحقق الجزء السابق جرت قاعدة التجاوز بالنسبة إليه بناءً على جريانها في جزء
الجزء كما سيجيء ، لكنّه من باب الدخول في الجزء الوجوبي دون الاستحبابي كما
عرفت.
(١) فان التحديدات
الواردة في التسبيح التي أقصاها اثنتا عشرة تسبيحة
__________________
[١٥٦٤]
مسألة ١٢ : إذا أتى
بالتسبيحات ثلاث مرات فالأحوط أن يقصد القربة ولا يقصد الوجوب والندب حيث إنّه يحتمل أن يكون الأُولى
واجبة والأخيرتين على وجه الاستحباب ، ويحتمل أن يكون المجموع من حيث المجموع
واجباً ، فيكون من باب التخيير بين الإتيان بالواحدة والثلاث ويحتمل أن يكون
الواجب أيّاً منها شاء مخيّراً بين الثلاث ، فحيث إنّ الوجوه متعددة فالأحوط
الاقتصار على قصد القربة ، نعم لو اقتصر على المرّة له أن يقصد الوجوب .
______________________________________________________
تكون لا بشرط
بالإضافة إلى الزائد عليها إذا لم يكن بقصد الورود ، فلا بأس بالزيادة على المقدار
المقرّر إذا قصد بالزائد الذكر المطلق ، لما دلّ على جواز الذكر والدعاء والقرآن
في الصلاة ، وأنّ كل ما ذكرت به ربّك في الصلاة فهو من الصلاة.
(١) ذكر قدسسره أنّ مقتضى
الاحتياط فيما إذا أتى بالتسبيحات ثلاثاً أن لا يقصد بها الوجوب ولا الندب ، بل
يقصد بها القربة المطلقة ، لما تقدّم من اختلاف
الأقوال في ذلك ، فيحتمل أن يكون المجموع من حيث المجموع واجباً من باب التخيير
بين الواحدة والثلاث ، كما يحتمل أن يكون الواجب خصوص الاولى ، والأخيرتان على وجه
الاستحباب ، كما يحتمل أن يكون الواجب أيّاً منها شاء مخيّراً بين الثلاث ، فلأجل
اختلاف الوجوه وتعدّدها كان قضية الاحتياط الاقتصار على قصد القربة من دون تعرّض
للوجه من الوجوب والندب. نعم لدى الاقتصار على المرّة جاز له قصد الوجوب كما هو
ظاهر ، هذا.
وقد اتضح لك من
جميع ما أسلفناه أنّ الواجب من بين الثلاث إنّما هو
__________________
فصل في
مستحبات القراءة
وهي أُمور :
الأوّل
: الاستعاذة قبل
الشروع في القراءة في الركعة الأُولى بأن يقول : « أعوذ بالله من الشيطان الرجيم » ، أو يقول :
« أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم » وينبغي أن يكون بالإخفات.
______________________________________________________
طبيعي التسبيح
الصادق على الوجود الأوّل ، فإنّ الانطباق قهري والإجزاء عقلي فلا سبيل إلى اختيار
المكلف في التطبيق كما لا سبيل إلى التخيير بين الواحدة والثلاث ، لامتناع التخيير
عقلاً بين الأقل والأكثر في الوجودات المستقلّة ، وما إذا كان للأقل وجود منحاز
بحياله في مقابل الأكثر كما في أمثال المقام.
وعليه فلا مناص من
اتصاف التسبيحة الأُولى بالوجوب ، والأخيرتين بالاستحباب ، فله قصد الوجوب
بالأُولى سواء اقتصر عليها فكانت مرّة ، أم أتى بها ثلاث مرات.
(١) ذكر قدسسره في هذا الفصل
جملة من المستحبات ونحن نتعرّض للبعض منها لوضوح الباقي.
(٢) كما هو
المشهور المعروف ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه ، ولم ينسب الخلاف إلاّ إلى
الشيخ أبي علي بن الشيخ الطوسي من القول بالوجوب وعلى تقدير صدق النسبة فهو قول شاذ منفرد به محجوج عليه بالإجماع قبله وبعده
على خلافه.
__________________
الثاني
: الجهر بالبسملة
في الإخفاتية وكذا في الركعتين الأخيرتين إن قرأ الحمد ، بل وكذا في القراءة خلف الإمام حتى في الجهرية ،
وأمّا في الجهرية فيجب الإجهار بها على الإمام والمنفرد.
______________________________________________________
وكأنه استند فيه إلى
الأمر بها في صحيحة الحلبي الظاهر في الوجوب .
وفيه
أوّلاً : أنّ الأمر الواقع
فيها غير ظاهر في الوجوب في حد نفسه ، لاقترانه بجملة من المستحبات كرفع الكف
وبسطها والإتيان بتكبيرات الافتتاح والأدعية في خلالها وغير ذلك مما يشهد بمقتضى
اتحاد السياق بإرادة الاستحباب من الأمر في الجميع بمثابة يورث القطع بعدم إرادة
الوجوب من هذا الأمر كما لا يخفى.
وثانياً
: مع الغض عن هذه
القرائن الداخلية فالقرينة الخارجية تشهد بعدم إرادة الوجوب ، فإنّ المسألة كثيرة
الدوران ومحل الابتلاء لكل مكلف في كل يوم ، فلو كانت الاستعاذة واجبة لكانت ظاهرة
واضحة ولم يقع فيها الخلاف كيف والمشهور ذهبوا إلى عدم الوجوب بل لم ينسب القول
بالوجوب إلاّ إلى ابن الشيخ كما عرفت ، فهو محمول على الاستحباب قطعاً.
هذا ، مضافاً إلى
ما يظهر من بعض النصوص من عدم الوجوب كخبر فرات ابن أحنف ، ومرسل الصدوق لكنها لضعف أسانيدها لا تصلح إلاّ للتأييد. والعمدة ما
عرفت من قصور المقتضي للوجوب.
(١) أمّا في
الجهرية فلا إشكال في وجوب الجهر بالبسملة بعد ما عرفت من
__________________
جزئيتها لكل سورة
كما تقدّم ، وأمّا فيما عداها فقد ذكر في المتن استحباب الجهر بالبسملة
في مواضع ثلاثة : في الأولتين من الإخفاتية إماماً كان أو منفرداً ولا يتصوّر في
المأموم لسقوط القراءة عنه وفي الركعتين الأخيرتين إن اختار الحمد ، وفيما إذا وجب
الإخفات لعارض الائتمام كالمأموم المسبوق حتى في الجهرية.
أمّا الأوّلان فقد
تقدم حكمهما ، وعرفت ثبوت الاستحباب في الأولتين للنصوص الكثيرة
الدّالة عليه ، كما عرفت الإشكال في ثبوته في الأخيرتين بعنوان أنّها من الصلاة ،
لعدم دليل يعتمد عليه عدا فتوى المشهور بناءً على قاعدة التسامح كما مرّ مستقصى
فلاحظ.
وأمّا الأخير أعني
المأموم المسبوق فلم يتقدم حكمه ، والظاهر عدم مشروعية الجهر بالنسبة إليه حتى في الجهرية
، فضلاً عن الاستحباب ، للأمر باخفات القراءة في محل الكلام وأنّه يقرأها في نفسه
في صحيحة زرارة الواردة في المأموم المسبوق ، « قال ... إن أدرك من الظهر أو من
العصر أو من العشاء ركعتين وفاتته ركعتان قرأ في كل ركعة ممّا أدرك خلف الإمام في
نفسه بأُم الكتاب وسورة ... » إلخ .
ومقتضى الإطلاق
وجوب الإخفات في جميع أجزاء القراءة التي منها البسملة ولا معارض لهذا الأمر في
المقام لا خصوصاً كما هو ظاهر ، ولا عموماً لانصراف إطلاقات الجهر بالبسملة إلى
الركعتين الأولتين كما عرفت سابقاً.
إذن فالأحوط
وجوباً لو لم يكن أقوى مراعاة الإخفات في المقام ، فالقول بالجواز مشكل جدّاً
فضلاً عن الاستحباب.
__________________
الثالث
: الترتيل أي
التأنّي في القراءة وتبيين الحروف على وجه يتمكن السامع من عدّها.
الرابع
: تحسين الصوت بلا
غناء.
الخامس
: الوقف على فواصل
الآيات.
السادس
: ملاحظة معاني ما
يقرأ والاتعاظ بها.
السابع
: أن يسأل الله عند
آية النعمة أو النقمة ما يناسب كلا منها.
الثامن
: السكتة بين الحمد
والسورة ، وكذا بعد الفراغ منها بينها وبين القنوت أو تكبير الركوع.
التاسع
: أن يقول بعد
قراءة سورة التوحيد : كذلك الله ربي مرّة ، أو مرّتين أو ثلاث ، أو كذلك الله ربنا
، وأن يقول بعد فراغ الإمام من قراءة الحمد إذا كان مأموماً : الحمد لله رب
العالمين ، بل وكذا بعد فراغ نفسه إن كان منفرداً.
العاشر
: قراءة بعض السور
المخصوصة في بعض الصلوات كقراءة عمّ يتساءلون ، وهل أتى ، وهل أتاك ، ولا اقسم ،
وأشباهها في صلاة الصبح وقراءة سبّح اسم ، والشمس ونحوهما في الظهر والعشاء ،
وقراءة إذا جاء نصر الله ، وألهيكم التكاثر في العصر والمغرب ، وقراءة سورة الجمعة
في الركعة الأُولى ، والمنافقين في الثانية في الظهر والعصر من يوم الجمعة ، وكذا
في صبح يوم الجمعة ، أو يقرأ فيها في الأُولى الجمعة ، والتوحيد في الثانية وكذا في
العشاء في ليلة الجمعة يقرأ في الأُولى الجمعة ، وفي الثانية المنافقين وفي مغربها
الجمعة في الأُولى ، والتوحيد في الثانية ، ويستحب في كل صلاة قراءة إنا أنزلناه
في الأُولى والتوحيد في الثانية ، بل لو عدل عن غيرهما إليهما لما فيهما من الفضل
أُعطي أجر السورة التي عدل عنها مضافاً إلى أجرهما ، بل ورد
أنّه لا تزكو صلاة
إلاّ بهما ، ويستحب في صلاة الصبح من الاثنين والخميس سورة هل أتى في الأولى ، وهل
أتاك في الثانية.
[١٥٦٥]
مسألة ١ : يكره ترك سورة
التوحيد في جميع الفرائض الخمسة.
[١٥٦٦]
مسألة ٢ : يكره قراءة
التوحيد بنَفَس واحد ، وكذا قراءة الحمد والسورة بنَفَس واحد.
[١٥٦٧]
مسألة ٣ : يكره أن يقرأ
سورة واحدة في الركعتين إلاّ سورة التوحيد.
[١٥٦٨]
مسألة ٤ : يجوز تكرار
الآية في الفريضة وغيرها والبكاء ، ففي الخبر : كان علي بن الحسين عليهالسلام إذا قرأ مالك يوم الدِّين يكرِّرها حتى يكاد أن يموت. وفي آخر : عن موسى بن
جعفر عليهالسلام عن الرّجل يصلي ، له أن يقرأ في الفريضة فتمرّ الآية فيها
التخويف فيبكي ويردِّد الآية؟ قال عليهالسلام يردّد القرآن ما شاء وإن جاءه البكاء فلا بأس.
[١٥٦٩]
مسألة ٥ : يستحب إعادة
الجمعة أو الظهر في يوم الجمعة إذا صلاّهما فقرأ غير الجمعة والمنافقين ، أو نقل
النية إلى النفل إذا كان في الأثناء وإتمام ركعتين ثم استئناف الفرض بالسورتين.
[١٥٧٠]
مسألة ٦ : يجوز قراءة
المعوّذتين في الصلاة ، وهما من القرآن.
[١٥٧١]
مسألة ٧ : الحمد سبع آيات ،
والتوحيد أربع آيات .
______________________________________________________
(١) أمّا الأوّل
فلا إشكال فيه كما لا خلاف. وأمّا الثاني فقيل إنّ آياته أربع بل إنّ هذا هو
المعروف عند العامة بناءً على مسلكهم من عدم عدّ البسملة
__________________
[١٥٧٢]
مسألة ٨ : الأقوى جواز
قصد إنشاء الخطاب بقوله إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ إذا قصد القرآنية أيضاً ، بأن يكون قاصداً للخطاب
______________________________________________________
جزءاً من السورة ، وقيل إنّها ثلاث بناءً على أنّ لم يلد ولم يولد إلى آخر السورة آية واحدة.
والصحيح أنّ آياته
خمس ، بناءً على ما هو المعروف عند معظم الإمامية وهو الصواب كما تقدم من أنّ البسملة جزء من كل سورة ، وأنّ لم يلد ولم يولد ... إلى أحد ، آيتان.
ثم إنّه لا يترتب
هناك أثر مهم على تحقيق عدد الآيات لوجوب الإتيان بسورة كاملة على كل حال ، عدا ما
يقال من ظهور الأثر في صلاة الآيات لو أراد تقطيع السورة ، وتقسيط الآيات على
الركعات ، فإنّه إنّما يصح لو كانت الآيات خمساً كي يأتي قبل كل ركوع بآية تامة ،
لاشتمال كل ركعة على خمسة ركوعات. لكنّا سنذكر في محله إن شاء الله تعالى عدم لزوم
الإتيان بآية تامة لكل ركوع لعدم الدليل عليه. وإنّما اللازم قراءة بعض السورة
سواء أكانت آية كاملة أم لا. وعليه فيجوز التقطيع في سورة التوحيد مطلقاً كانت
الآيات خمساً أم أقل.
نعم ، ربما يظهر
أثر غير مهم بالنسبة إلى الجنب والحائض ، حيث يكره لهما قراءة أكثر من سبع آيات ،
فيختلف الحال حينئذ في مقدار آيات التوحيد لو أراد احتسابها من السبع.
(١) قد يقال بعدم
جواز الجمع بين قصد الإنشاء وقصد القرآنية ، فلا يجوز إنشاء الخطاب بقوله ( إِيّاكَ
نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ ) ، ولا إنشاء الحمد بقوله الحمد لله
__________________
بالقرآن ، بل وكذا
في سائر الآيات ، فيجوز إنشاء الحمد بقوله ( الْحَمْدُ لِلّهِ
رَبِّ الْعالَمِينَ ) ، وإنشاء المدح في ( الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ ) ، وإنشاء طلب الهداية في ( اهْدِنَا الصِّراطَ
الْمُسْتَقِيمَ ، ) ولا ينافي قصد القرآنية مع ذلك.
______________________________________________________
ربّ العالمين ،
ولا إنشاء الدعاء وطلب الهداية في قوله ( اهْدِنَا الصِّراطَ
الْمُسْتَقِيمَ ) وهكذا ، للزوم استعمال اللفظ المشترك في معنيين ، فانّ قصد
القرآنية يتقوّم باستعمال اللفظ في شخص الألفاظ التي نزل بها الروح الأمين على قلب
سيد المرسلين صلىاللهعليهوآلهوسلم ، إذ القرآن عبارة عن ذاك الفرد المعيّن النازل ، فقصده لا
يتحقق إلاّ بالاستعمال في شخص ذاك الفرد من اللفظ ، فهو من باب استعمال اللفظ في
اللفظ كما في قولك : زيد في ضرب زيد فاعل ، فانّ المستعمل فيه لكلمة زيد الأوّل هو
لفظ زيد الواقع بعد ضرب ، ولم يستعمل في معناه ، وإلاّ فهو باعتباره مبتدأ لا فاعل
، وقصد الإنشاء بها يتقوّم بالاستعمال في نفس المعنى كما لا يخفى ، فيلزم الجمع
بين استعمال اللفظ في المعنى واللفظ ، وهو ما عرفت من استعمال المشترك في معنيين.
ويندفع
: بأنّ قصد
القرآنية خارج عن باب الاستعمال رأساً ، وإنّما هو حكاية عن الطبيعي بإيجاد الفرد
المماثل لما هو النازل.
وتوضيحه : أنّ
قوام القرآن وما يترتب عليه من الفصاحة والبلاغة والإعجاز كغيره من قصيدة أو شعر
أو نثر إنّما هو بطبيعي تلك الألفاظ المترتبة على هيئة معيّنة وشكل خاص. وأمّا شخص
الفرد النازل أو الصادر من الشاعر أو الخطيب فلا دخالة له في صدق هذا العنوان
بالضرورة. نعم ، النازل أو الصادر إنّما هو الفرد والشخص الخاص ، لامتناع وجود
الطبيعي في الخارج إلاّ في ضمن فرد معيّن ، إلاّ أنّ المناط بالطبيعي الموجود في
ضمنه ، وأمّا خصوصية الفرد الذي يوجد وينصرم فلا دخل لها في صدق القرآن أو الشعر
ونحوهما قطعاً ، فلا
مقتضي لاستعمال
اللفظ فيه.
وعليه فقصد ذاك
العنوان في مقام التلفظ مرجعه إلى الحكاية عن ذاك الطبيعي بإيجاد فرد آخر مشابه
للفرد الأوّل الذي نزل على قلب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أو صدر عن الشاعر أو المتكلم ، فكما أنّ قراءة شعر
المتنبّي أو قصيدة امرئ القيس عبارة عن إيجاد فرد من تلك الألفاظ المنسّقة على
النهج الخاص المماثل لما صدر منه بقصد الحكاية عن الطبيعي ، فكذا في القرآن.
ونظير المقام ما
لو سألك أحد عن العصفور مثلاً وأنّه أيّ شيء ، ولم يره طيلة عمره ، فأخذت عصفوراً
بيدك وأريته وقلت هذا العصفور ، فإنّك قصدت بذلك إراءة الطبيعي الذي وضع له هذا
اللفظ باراءة هذا الفرد ، فقد حكيت عن الطبيعي باراءة المصداق ، لا أنّ لفظ
العصفور موضوع لفرد معيّن وقد أريته باراءة هذا الفرد.
وعلى
الجملة : فلا نعقل لقصد
القرآنية معنى آخر وراء هذا ، وليس ذلك من استعمال اللفظ في اللفظ لعدم خصوصية فيه
، وإنّما هو حكاية عن الطبيعي بإيجاد الفرد المماثل كما عرفت ، هذا.
ومن المعلوم أنّ
الحكاية عن ذاك الطبيعي بالإضافة إلى قصد المعنى من خبر أو إنشاء تكون لا بشرط ،
سواء فسّرنا الإنشاء بإيجاد المعنى باللفظ كما عليه القوم ، أو بمعنى آخر ، إذ لم
تتقيد بعدمه بالضرورة ، فإذا اقترنت الحكاية المزبورة بقصد المعنى كان هناك
استعمال للفظ في معناه زائداً على الحكاية ، وإلاّ فهي حكاية صرفة وليست من
الاستعمال في شيء.
وعليه فلا مانع من
أداء المقاصد بالحكاية عن القرآن كغيره من شعر ونحوه سواء أكانت خبرية كما لو أردت
الاخبار عن مجيء رجل من أقصى البلد فقلت جاء رجل من أقصى المدينة ، أم كانت
إنشائية كما لو أردت إنشاء الحمد أو
[١٥٧٣]
مسألة ٩ : قد مرّ أنّه يجب
كون القراءة وسائر الأذكار حال الاستقرار ، فلو أراد حال القراءة التقدم أو التأخر قليلاً ، أو
الحركة إلى أحد الجانبين ، أو أن ينحني لأخذ شيء من الأرض أو نحو ذلك ، يجب أن
يسكت حال الحركة وبعد الاستقرار يشرع في قراءته ، لكن مثل تحريك اليد أو أصابع
الرجلين لا يضر ، وإن كان الأولى بل الأحوط تركه أيضاً.
______________________________________________________
الخطاب بقولك :
الحمد لله ربّ العالمين أو إيّاك نعبد ، وهكذا.
فظهر لك بما
سردناه بوضوح : أنّ الجمع بين الأمرين ليس من ضم استعمالين في استعمال واحد ، كي
يلزم استعمال اللفظ المشترك في معنيين ، وإنّما هو استعمال واحد في المعنى فقط ،
مقترناً بالحكاية عن الطبيعي بإيجاد الفرد المماثل التي هي خارجة عن باب الاستعمال
رأساً كما عرفت بما لا مزيد عليه. على أنّ بطلان الاستعمال المزبور وإن كان هو
المشهور إلاّ أنّ الحق جوازه كما بيّناه في الأُصول هذا.
ويؤيد ما ذكرناه : أنّ قصد المعاني يعدّ من كمال القراءة ، وقد
أُمرنا بتلاوة القرآن عن تدبر وخشوع وتضرع وخضوع وحضور للقلب المستلزم لذلك لا
محالة ، وإلاّ فمجرد الألفاظ العارية عن قصد تلك المعاني ، أو المشتملة على مجرّد
التصور والخطور لا يخرج عن مجرّد لقلقة اللسان المنافي لكمال قراءة القرآن.
(١) بمعنى السكون
في مقابل الحركة والمشي ، وقد عرفت أنّ المستند فيه
موثقة السكوني الآمرة بالكف عن القراءة لو أراد التقدم أو التأخر قليلاً
كالخطوة مثلاً ، أو الانحناء لأخذ شيء من الأرض ، فالواجب عليه حينئذ
__________________
[١٥٧٤]
مسألة ١٠ : إذا سمع اسم
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في أثناء القراءة يجوز بل يستحب أن يصلّي عليه ، ولا ينافي
الموالاة كما في سائر مواضع الصلاة ، كما أنّه إذا سلّم عليه مَن
يجب ردّ سلامه يجب ولا ينافي.
[١٥٧٥]
مسألة ١١ : إذا تحرّك حال
القراءة قهراً بحيث خرج عن الاستقرار فالأحوط إعادة ما قرأه في تلك الحالة .
______________________________________________________
الإمساك عن
القراءة ، وبعد الاستقرار يسترسل فيها من حيث أمسك كما تضمنته الموثقة.
وأمّا الاستقرار
بمعنى الاطمئنان في مقابل الاضطراب ، فقد عرفت أنّ العمدة في
مستنده الإجماع ، وحيث إنّه دليل لبي يقتصر على المتيقن منه. وعليه فلا يضر مثل
تحريك اليد أو أصابع الرجلين حال القراءة أو الإشارة بتحريك الرأس خفضاً أو رفعاً
في مقام الجواب بـ « لا » أو « نعم » مثلاً ، لعدم إطلاق للإجماع يعمّ أمثال ذلك
كما هو ظاهر.
(١) لعموم صحيح
زرارة « وصلّ على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كلّما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك » إلخ .
(٢) أي المعتبرة
بين الآيات ، وأمّا المعتبرة بين الكلمات المترابطة من الآية الواحدة ، فربما تفوت
بذلك ولا سيّما مع التكرار مرات عديدة ولا بدّ حينئذٍ من تداركها.
(٣) احتاط قدسسره حينئذ بإعادة ما
قرأه في تلك الحالة ، وكأنه استناداً إلى إطلاق ما دلّ على اعتبار الاستقرار حالها
الشامل لصورتي الاختيار والاضطرار.
__________________
[١٥٧٦]
مسألة ١٢ : إذا شكّ في
صحّة قراءة آية أو كلمة يجب إعادتها إذا لم يتجاوز ويجوز بقصد
الاحتياط مع التجاوز ، ولا بأس بتكرارها مع تكرّر الشك ما لم يكن عن وسوسة .
______________________________________________________
وفيه
: أنّ الدليل
المزبور لو كان لفظياً اتجه ما أُفيد ، لكنك عرفت أنّه لبي وهو الإجماع على اعتبار
الاطمئنان في القراءة ، والمتيقن منه حال الاختيار ، فلم ينهض دليل على اعتباره
حال الاضطرار ، ومع الشك فالمرجع أصالة البراءة كما هو الشأن في باب الأقل والأكثر
الارتباطي ، فالأقوى عدم وجوب الإعادة حينئذ وإن كانت أحوط.
(١) قد ذكرنا في
محله عند التكلم حول قاعدة الفراغ والتجاوز أنّه إذا شكّ في شيء فالمشكوك فيه
إمّا أن يكون أصل وجود الشيء أو صحته بعد العلم بوجوده ، وعلى التقديرين لا ريب
في عدم الاعتناء مع التجاوز عنه للنصوص الخاصة المعتبرة الحاكمة على الاستصحاب.
غير أنّ صدق
التجاوز يختلف في الموردين.
فعلى الأوّل ،
يراد به التجاوز عن محله ، لا عن نفس المشكوك للشك في أصل تحققه حسب الفرض فكيف
يحرز التجاوز عنه ، ومن الواضح أنّ التجاوز عن المحل لا يكاد يتحقق إلاّ بالدخول
في الجزء المترتب عليه ، ومن هنا يعتبر الدخول في الغير في جريان قاعدة التجاوز
كما نطقت به الصحيحة « إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء » .
وأمّا على الثاني
، فيراد به التجاوز عن نفس الشيء المتحقق بمجرّد الفراغ عنه ومن هنا حكمنا بعدم
اعتبار الدخول في الغير في جريان قاعدة الفراغ لعدم
__________________
المقتضي للاعتبار
بعد صدق التجاوز بدون ذلك كما عرفت ، وإليه يشير ما في بعض نصوص الباب من قوله : «
كل ما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو » .
وعلى
الجملة : إذا كان المشكوك
أصل الوجود فهو مورد لقاعدة التجاوز وإذا كان صحته فهو مورد لقاعدة الفراغ ،
ويعتبر فيهما التجاوز عن المشكوك إلاّ أنّ صدقه في الأوّل يتوقف على الدخول في
الغير دون الثاني.
ثم إنّ قاعدة
الفراغ لا يختص جريانها بما بعد الفراغ عن مجموع العمل المركّب بل يجري في الأثناء
أيضاً كقاعدة التجاوز لإطلاق الأدلّة ، فلو شكّ في الأثناء في وجود الجزء السابق
أو في صحته جرت القاعدتان وحكم بعدم الاعتناء ، إنّما الكلام في أنّه هل يختص
بالأجزاء المستقلّة كالقراءة والركوع والسجود ونحوها أو يعمّ أجزاء الأجزاء كأبعاض
القراءة من الفاتحة والسورة ، وما تشتملان عليه من الآيات والكلمات.
اختار شيخنا
الأُستاذ قدسسره الأوّل ، نظراً إلى أنّها المذكورة في صحيحة زرارة المتقدمة فيقتصر عليها ، إذ لا دليل على التعدِّي .
لكن الظاهر أنّ
المذكورات من باب المثال حيث أكثر زرارة في السؤال ، فسأله أوّلاً عمّن شكّ في
الأذان وهو في الإقامة ، ثم عن الشك في التكبير ، ثم القراءة ثم الركوع ، ثم
السجود ، فأراد الإمام عليهالسلام قطع أسئلته فأعطاه ضابطة كلية فقال عليهالسلام في ذيلها كما تقدّم « يا زرارة إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس
بشيء » وهذا بإطلاقه يعمّ جميع موارد الشك حتى في جزء الجزء كما لا يخفى ، فيشمل
ما لو شكّ في الفاتحة وهو في السورة بل لو شكّ في آية وهو في آية أُخرى ، كما أنّ
الصحيحة الأُخرى المتقدمة المتعرضة
__________________
ومعه يشكل الصحة
إذا أعاد .
______________________________________________________
لقاعدة الفراغ
تعمّ بإطلاقها ذلك أيضاً. إذن فلا اختصاص للقاعدتين بالأجزاء الأصلية المستقلة ،
بل تعم غيرها.
نعم ، الظاهر أنّه
لا مسرح لهما بالإضافة إلى الكلمات فضلاً عن الحروف فلو شكّ عند قوله نستعين أنّه
هل أتى بكلمة إياك أو لا ، أو أنّه أتى بها صحيحة أو لا ، لزمه الاعتناء ، فإنّ
إطلاق النص وإن لم يأب عن الشمول له كما عرفت ، إلاّ أنّ الفهم العرفي لا يساعد
عليه ، فانّ الجملة أو الآية المؤلّفة من عدة كلمات يعدّ في نظرهم موجوداً واحداً
، فالشك فيها شك في أثناء شيء واحد لا بعد التجاوز أو الفراغ ، وإن كان بحسب
التدقيق كذلك ، لكن العرف لا يساعد عليه. وأوضح حالاً ما لو شكّ في حروف الكلمة
الواحدة كهمزة ( إيّاك ) عند التلفّظ بالكاف ، فانّ عدم المساعدة حينئذ أظهر.
ومن جميع ما
ذكرناه يظهر : أنّ ما أفاده في المتن من التعميم عند الشك في الصحة للكلمة لا يمكن
المساعدة عليه ، كما أنّ قوله « إذا لم يتجاوز » المعلّق عليه وجوب الإعادة ،
يفسّر على مسلكنا بعدم الفراغ لا بعدم الدخول في الغير لما عرفت من عدم اعتباره في
جريان قاعدة الفراغ التي هي المفروض في هذه المسألة ، لكون الشك في الصحة لا في
الوجود ، وإن كان الظاهر من مسلكه الثاني لاعتباره الدخول في الغير حتى في جريان
قاعدة الفراغ كما يظهر من حكمه في نظائر المقام.
(١) لا ريب في
جواز الإعادة بقصد الاحتياط مع التجاوز ، فان العمل وإن كان معه محكوماً بالصحة
ظاهراً ، لكن الاحتياط لإدراك الواقع حسن على كل
__________________
[١٥٧٧]
مسألة ١٣ : في ضيق الوقت
يجب الاقتصار على المرّة في التسبيحات الأربعة.
[١٥٧٨]
مسألة ١٤ : يجوز في إياك
نعبد وإياك نستعين القراءة بإشباع كسر الهمزة وبلا إشباعه.
[١٥٧٩]
مسألة ١٥ : إذا شكّ في
حركة كلمة أو مخرج حروفها لا يجوز أن يقرأ بالوجهين مع فرض العلم ببطلان أحدهما ،
بل مع الشك أيضاً كما مرّ ، لكن لو اختار أحد الوجهين مع البناء على إعادة الصلاة لو
كان باطلاً لا بأس به.
______________________________________________________
حال ، بل لا بأس
بتكرارها مع تكرر الشك ما لم يكن عن وسوسة ، للنهي عن العمل على مقتضى الوسواس
المحرّم عند المشهور.
وهل يحكم بالبطلان
لو ارتكب الحرام؟ استشكل فيه في المتن ، لكن الأقوى الصحة كما مرّ غير مرّة من أنّ
القراءة المحرّمة لا تخرج بذلك عن كونها قرآناً غايته أنّه قرآن محرّم فلا تندرج
في كلام الآدمي كي يستوجب البطلان.
والحاصل : أنّ
الاستشكال في الصحة إمّا من أجل صدق الزيادة العمدية المبطلة ، وهو منفي بعد فرض
الإتيان بقصد الرجاء والاحتياط دون الجزئية وإلاّ لحكم بالبطلان حتى في غير
الوسواس ، وإن كان من جهة الحرمة فهي بمجرّدها لا تقتضي البطلان ما لم ينطبق عليها
كلام الآدمي ، والقرآن أو الذكر أو الدعاء بحرمتها لا تندرج في ذلك ، بل هي بعد
قرآن غايته أنّه قرآن محرّم.
__________________
[١٥٨٠]
مسألة ١٦ : الأحوط فيما يجب قراءته
جهراً أن يحافظ على الإجهار في جميع الكلمات حتى أواخر الآيات بل جميع حروفها ، وإن كان لا
يبعد اغتفار الإخفات في الكلمة الأخيرة من الآية فضلاً عن حرف آخرها .
______________________________________________________
(١) لإطلاق دليل
الجهر الشامل لجميع أجزاء القراءة.
(٢) لكنه غير واضح
، فانّ المستند فيه إمّا دعوى صدق الجهر عرفاً لو اتصف معظم الأجزاء به ، فلا يضر
الإخفات في الكلمة الواحدة.
ويردّها : أنّ
الصدق المزبور مبني على المساهلة والمسامحة قطعاً ، ولا دليل على حجية الصدق
العرفي المبني على ذلك بعد وضوح المفهوم الذي تعلّق به الأمر. على أنّه لو سلّم
فلا وجه للتخصيص بآخر الآية ، بل يعمّ الأوّل والوسط لصدق الجهر بالمعظم في
الجميع.
وإمّا دعوى قيام
التعارف الخارجي على أنّ المتكلم أو الخطيب يخفت غالباً عند أداء الكلمة الأخيرة ،
والأمر بالجهر بالقراءة منصرف إلى ما هو المتعارف في كيفية الإجهار. وهذه الدعوى
وإن لم تكن بعيدة في الجملة ، إلاّ أنّ كون التعارف بمثابة يوجب الانصراف بحيث
تتقيد به إطلاقات الجهر مشكل بل ممنوع وإلاّ جرى مثله في القراءة الإخفاتية ، فانّ
التعارف أيضاً قائم على عدم قدح الجهر في الكلمة الواحدة من الكلام الإخفاتي ، وهل
يمكن الالتزام باغتفار الجهر حتى في كلمة واحدة من القراءة الإخفاتية؟ فالأقوى عدم
الاغتفار مطلقاً والله سبحانه أعلم.
__________________
هذا ما أردنا
إيراده في هذا الجزء ، ويتلوه الجزء الرابع مبتدءاً بـ « فصل : في الركوع » ،
والحمد لله أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً ، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين ،
وكان الفراغ في السلخ من شهر رجب المرجّب سنة ألف وثلاثمائة وثمانين من الهجرة
النبوية صلىاللهعليهوآلهوسلم في جوار القبّة العلويّة عليهالسلام في النجف الأشرف ، وقد حرّره بيمناه الداثرة مرتضى بن علي
محمّد البروجردي أصلاً ، والنجفي مولداً ومسكناً ومدفناً إن شاء الله تعالى.
فهرس الموضوعات
فهرس الموضوعات
واجبات
الصلاة وأركانها........................................................ ١
تعداد
واجبات الصلاة......................................................... ١
الفرق
بين الجزء والشرط...................................................... ١
تعداد
أركان الصلاة........................................................... ٣
هل
النية جزء أو شرط؟....................................................... ٥
فصل
في النية................................................................... ٨
ما
يعتبر في نية الصلاة.......................................................... ٨
كراهة
التلفظ بالنية............................................................ ٨
مراتب
ودرجات قصد القربة................................................... ٩
اعتبار
التعيين عند النية ولو إجمالا............................................. ١١
عدم
اعتبار قصد الأداء والقضاء والقصر والتمام والوجوب والندب............... ١٣
قصد
الأداء مكان القضاء أو الوجوب مكان الندب.............................. ١٤
التفصيل
بين التقييد وبين الاشتباه في التطبيق.................................... ١٤
العدول
من القصر إلى التمام وبالعكس في مواضع التخيير......................... ١٧
عدم
وجود تصور الصلاة تفصيلا حين النية.................................... ٢٠
عدم
منافاة نية الوجوب مع اشتمال الصلاة على المستحب........................ ٢٠
التلفظ
بالنية................................................................ ٢١
من
لا يعرف الصلاة يستعين بمن يلقنه......................................... ٢٢
اشتراط
العبادات بالخلوص عن الرياء.......................................... ٢٢
أقسام
الرياء في العبادة........................................................ ٢٣
أقسام
ضم الرياء إلى القربة................................................... ٢٣
الرياء
في الأجزاء الواجبة وخلاف الهمداني ( قدس سره ) فيه..................... ٢٦
كلام
النائيني ( قدس سره ) في الرياء في الأذكار إذا لم يقصد بها الجزئية........... ٢٧
الرياء
في الأجزاء المستحبة.................................................... ٣٠
الرياء
من حيث المكان....................................................... ٣١
الرياء
من حيث الزمان....................................................... ٣٢
الرياء
من حيث أوصاف العمل................................................ ٣٢
الرياء
من حيث مقدمات العمل............................................... ٣٣
الرياء
في بعض ما هو خارج عن الصلاة........................................ ٣٣
الصلاة
بحيث يعجبه أن يراه الناس............................................. ٣٣
عدم
البأس بالخطور القلبي.................................................... ٣٤
عدم
البأس بالرياء بترك الأضداد.............................................. ٣٤
الرياء
المتأخر................................................................ ٣٥
الصلاة
مع العجب المقارن أو المتأخر........................................... ٣٦
الصلاة
مع غير الرياء من الضمائم............................................. ٤١
الإتيان
ببعض الأجزاء بقصد الصلاة وغيرها.................................... ٤٣
حكم
رفع الصوت بالذكر أو القراءة لاعلام الغير............................... ٤٧
وقت
النية.................................................................. ٤٨
وجوب
استدامة النية......................................................... ٤٩
نية
القطع أو القاطع أثناء الصلاة.............................................. ٥٠
لو
تردد في القطع ثم استمر في العمل........................................... ٥٢
لو
استمر في العمل بعد نية القطع.............................................. ٥٣
نية
صلاة مع تلفظ أو خطور غيرها............................................ ٥٦
لو
شك فيما فريضة فأتمها بزعم أنها نافلة وبالعكس............................. ٥٦
لو
شك فيما بيده أنه الظهر أو العصر ، المغرب أو العشاء........................ ٥٩
عدم
جواز العدول من صلاة إلى أخرى إلا في موارد............................. ٦٣
جواز
العدول من اللاحقة إلى السابقة ( العدول من الحاضرة إلى الحاضرة )......... ٦٤
الكلام
في بطلان العشاء قبل المغرب مع تجاوز محل العدول........................ ٦٦
لو
تذكر عدم الاتيان بالمغرب بعد القيام إلى الرابعة.............................. ٦٧
العدول
من الفائتة اللاحقة إلى الفائتة السابقة.................................... ٦٩
العدول
من الحاضرة إلى الفائتة................................................ ٧١
العدول
من الجمعة إلى النافلة لمن قرأ غير سورة الجمعة........................... ٧٢
العدول
من الفريضة إلى النافلة لادراك الجماعة.................................. ٧٣
العدول
من الجماعة إلى الانفراد............................................... ٧٤
العدول
من إمام إلى إمام آخر................................................. ٧٤
العدول
من القصر إلى التمام وبالعكس......................................... ٧٥
العدول
من الفائتة إلى الحاضرة................................................ ٧٨
العدول
من النفل إلى الفرض أو إلى نفل آخر.................................... ٧٨
العدول
في موضع لا يجوز العدول.............................................. ٧٨
العدول
من الظهر إلى العصر.................................................. ٧٩
لو
عدل من اللاحقة إلى السابقة ثم انكشف الخلاف............................. ٧٩
ترامي
العدول............................................................... ٨١
العدول
بعد الفراغ من الصلاة................................................ ٨٢
كفاية
مجرد النية في تحقق العدول.............................................. ٨٣
بلوغ
حد الترخص أثناء الصلاة............................................... ٨٤
إذا
عين صلاة ثم تبين أن ما في ذمته صلاة أخرى................................ ٨٦
عدم
اعتبار قصد عنوان الركعات في النوافل.................................... ٨٧
فصل
في تكبيرة الإحرام........................................................ ٨٨
كون
التكبيرة ركنا ، وتفسير الركن........................................... ٨٩
بطلان
الصلاة بترك التكبيرة.................................................. ٩٠
زيادة
تكبيرة الإحرام......................................................... ٩٢
لو
كبر أثناء الصلاة لصلاة أخرى............................................. ٩٦
كيفية
تكبيرة الإحرام........................................................ ٩٨
وصل
التكبيرة بما سبقها..................................................... ١٠٤
وصل
التكبيرة بما بعدها..................................................... ١٠٥
وجوب
إخراج حروف التكبيرة من مخارجها.................................. ١٠٧
لو
قال : الله تعالى أكبر..................................................... ١٠٧
لو
قال : الله أكبر من أن يوصف............................................ ١٠٧
لو
قال : الله أكبر باشباع فتحة الباء أو تشديد راء أكبر........................ ١٠٨
تفخيم
اللام من ( الله ) والراء من ( أكبر )................................... ١٠٨
اعتبار
القيام في التكبيرة..................................................... ١٠٩
تفصيل
الطوسي ( قدس سره ) بين المأموم وغيره.............................. ١٠٩
الكلام
في اختصاص القيام بحال الذكر........................................ ١١٢
اعتبار
الاستقرار في تكبيرة الإحرام........................................... ١١٢
اعتبار
سماع النفس في صدق التلفظ بالتكبيرة والأدعية......................... ١١٥
وجوب
تعلم التكبيرة....................................................... ١١٧
الاجتزاء
بالملحونة مع ضيق الوقت للتعلم..................................... ١١٨
وجوب
الترجمة للعاجز عن التعلم وعن أدائها ملحونة.......................... ١٢١
تكبير
الأخرس............................................................. ١٢٤
حكم
التكبيرات المندوبة حكم تكبيرة الإحرام................................. ١٢٥
حكم
تارك تعلم التكبيرة حتى ضاق وقتها..................................... ١٢٥
التكبيرات
الافتتاحية وتعيين ما به الافتتاح.................................... ١٢٧
قصد
الافتتاح بأحدها المبهم................................................. ١٤٤
استحباب
التكبيرات في عامة الصلوات....................................... ١٤٥
الاستدلال
على اختصاص التكبيرات بسبعة مواضع............................ ١٤٦
ما
يستحب في التكبيرات الافتتاحية.......................................... ١٤٨
الذكر
المستحب بعد تكبيرة الإحرام.......................................... ١٥٠
استحباب
جهر الإمام بتكبيرة الإحرام........................................ ١٥٠
استحباب
رفع اليدين بالتكبيرات............................................ ١٥٠
أدلة
وجوب رفع اليدين.................................................... ١٥٢
حكم
الشك في تكبيرة الإحرام.............................................. ١٦٢
حكم
الشك في صحة التكبيرة بعد العلم باتيانها................................ ١٦٥
الشك
في كون التكبيرة للإحرام أو للركوع.................................. ١٦٦
فصل
في القيام................................................................ ١٦٦
دليل
وجوب القيام في الصلاة في الجملة....................................... ١٦٦
ركنية
القيام حال التكبيرة الإحرام........................................... ١٦٧
وجوب
القيام حال القراءة................................................... ١٦٨
ركنية
القيام المتصل بالركوع................................................ ١٦٨
معنى
استحباب القيام حال القنوت........................................... ١٧٢
القيام
المباح في الصلاة...................................................... ١٧٢
وجوب
القيام قبل التكبيرة وبعدها من باب المقدمة العلمية...................... ١٧٢
هل
القيام حال القراءة والتسبيحات شرط أو واجب مستقل؟................... ١٧٣
القنوت
جالسا............................................................. ١٧٥
نسيان
القيام حال القراءة.................................................... ١٧٦
معنى
ركنية القيام المتصل بالركوع........................................... ١٧٧
حكم
زيادة القيام.......................................................... ١٧٧
الشك
في القيام حال التكبيرة................................................ ١٧٨
الشك
في القيام المتصل بالركوع............................................. ١٧٩
الشك
في القيام بعد الركوع بعد الدخول في السجود.......................... ١٧٩
الشك
في القيام بعد الركوع بعد الهوي إلى السجود............................ ١٧٩
الكلام
في كفاية الدخول في مقدمات الأجزاء في جريان قاعدة التجاوز........... ١٨٠
اعتبار
الانتصاب والاستقرار في القيام......................................... ١٨٤
الكلام
في اعتبار الاستقلال حال القيام........................................ ١٨٤
هل
يعتبر الاستقلال حال النهوض؟.......................................... ١٨٨
اختصاص
اعتبار الاستقلال بحال الاختيار..................................... ١٨٩
اعتبار
الاستقلال بحال القيام................................................. ١٩٠
هل
يجب تسوية الرجلين في الاعتماد؟........................................ ١٩٣
هل
يجب الوقوف على تمام القدمين؟......................................... ١٩٤
هل
يجوز الوقوف على إحدى القدمين؟...................................... ١٩٦
انتصاب
العنق أو الإطراق................................................... ١٩٦
الاخلال
بشروط القيام نسيانا............................................... ١٩٧
جواز
الاعتماد على كل شيء للمضطر إليه................................... ١٩٩
وجوب
تحصيل ما يعتمد عليه للمضطر....................................... ٢٠٠
صور
دوران الأمر بين القيام الاضطراري وبين الجلوس......................... ٢٠١
عدم
جريان التزاحم في الأجزاء والشرائط..................................... ٢٠١
دوران
الأمر بين ترك القيام رأسا وترك الاستقلال............................. ٢٠٤
دوران
الأمر بين ترك القيام رأسا وترك الاستقرار.............................. ٢٠٤
دوران
الأمر بين ترك القيام رأسا وبين تفريج الرجلين.......................... ٢٠٦
صور
المعارضة بين القيود المعتبرة في القيام..................................... ٢٠٧
انتقال
الفرض إلى الجلوس للعاجز عن القيام................................... ٢١١
انتقال
الفرض إلى الاضطجاع للعاجز عن الجلوس.............................. ٢١٣
نقد
الروايات الدالة على الانتقال إلى الاستلقاء دون الاضطجاع................. ٢١٦
هل
يجب اختيار الجانب الأيمن لدى الاضطجاع؟.............................. ٢١٧
لو
تعذر الأيمن فهل ينتقل إلى الجانب الأيسر.................................. ٢١٩
تعين
الاستلقاء إذا تعذر كل من الجانبين...................................... ٢٢٠
كفاية
الإيماء للركوع والسجود وعدم وجوب الانحناء.......................... ٢٢٢
دوران
الأمر بين مراعاة السجود وبين الإيماء له مستقبلا........................ ٢٢٣
تغميض
العينين بدلا ع الإيماء بالرأس........................................ ٢٢٤
أخفضية
الإيماء للسجود منه للركوع......................................... ٢٢٦
هل
يعتبر زيادة غمض العين للسجود على غمضها للركوع..................... ٢٢٨
الأقوال
في اعتبار وضع المومئ المسجد على جبهته.............................. ٢٢٨
الإيماء
بالمساجد الأخر...................................................... ٢٣٢
عدم
وجود حد موظف بعد تعذر المراتب المذكورة............................. ٢٣٢
لو
تمكن من القيام وعجز عن الركوع قائما................................... ٢٣٣
دوران
الأمر بين الصلاة قائما مومئا أو جالسا مع الركوع والسجود............. ٢٣٦
دوران
الأمر بين الصلاة جالسا وأمكنه الركوع عن قيام....................... ٢٤١
دوران
الأمر بين ادراك أول الصلاة قائما أو آخرها............................ ٢٤٢
دوران
الأمر بين الصلاة ماشيا أو راكبا....................................... ٢٤٤
إذا
احتمل التمكن من الصلاة قائما في آخر الوقت فهل يجوز البدار؟............. ٢٤٤
عدم
وجوب القيام مع خوف حدوث المرض أو بطء برئه....................... ٢٤٦
دوران
الأمر بين مراعاة الاستقبال أو القيام.................................... ٢٤٧
حكم
تجدد العجز في أثناء مرتبة من مراتب الصلاة............................ ٢٤٩
تجدد
القدرة على المرتبة المتقدمة أثناء المرتبة المتأخرة............................ ٢٥١
لو
ركع قائما ثم عجز عن القيام............................................. ٢٥٥
اعتبار
الاستقرار في الصلاة.................................................. ٢٥٦
هل
يعتبر الاستقرار في الأذكار المستحبة؟..................................... ٢٥٧
العاجز
عن السجود يرفع موضع سجوده..................................... ٢٥٩
تخيير
المصلي جالسا بين أنحاء الجلوس......................................... ٢٥٩
ذكر
ما يستحب للمصلي من أنحاء الجلوس................................... ٢٥٩
معنى
التربع................................................................ ٢٥٩
المستحبات
حال القيام في الصلاة............................................. ٢٦٠
فصل
في القراءة............................................................. ٢٦٢
أدلة
وجوب قراءة الفاتحة في الأولتين......................................... ٢٦٢
الأخبار
الدالة على وجوب السورة........................................... ٢٦٤
الأخبار
المتوهم دلالتها على عدم وجوب السورة.............................. ٢٧٥
كيفية
الجمع بين الروايات في المقام........................................... ٢٧٥
موارد
سقوط وجوب السورة................................................ ٢٨٤
بطلان
الصلاة بتقديم السورة على الفاتحة عمدا................................ ٢٩٠
حكم
تقديم السورة على الفاتحة سهوا........................................ ٢٩٤
حكم
ترك القراءة سهوا..................................................... ٢٩٧
حكم
قراءة السور الطوال المفوتة للوقت...................................... ٢٩٩
قراءة
سور العزائم عمدا.................................................... ٣٠٥
قراءة
سور العزائم سهوا.................................................... ٣١٥
قراءة
آية من سور العزائم................................................... ٣٢٠
جواز
ترك السورة في النوافل................................................ ٣٢١
عدم
وجوب السورة في النافلة المنذورة........................................ ٣٢٢
النوافل
التي تستحب بسورة معينة............................................ ٣٢٣
قراءة
العزائم في النوافل..................................................... ٣٢٤
سورة
العزائم.............................................................. ٣٢٥
جزئية
البسملة لكل سورة عدا براءة......................................... ٣٢٦
اتحاد
سورة الفيل ولإيلاف ، والضحى وألم نشرح............................. ٣٢٧
الكلام
في وجوب الجمع بين السورتين بناء على التعدد......................... ٣٢٧
ما
يمكن أن يستدل به على اتحاد السورتين.................................... ٣٢٩
ما
يمكن أن يستدل به على التعدد............................................ ٣٢٩
الأصل
العملي في المقام...................................................... ٣٣٢
هل
يجب الفصل بين السورتين بالبسملة؟..................................... ٣٣٣
القران
بين السورتين....................................................... ٣٣٤
تعيين
السورة قبل البسملة................................................... ٣٣٧
توقف
صدق قراءة القرآن على قصد الحكاية.................................. ٣٣٧
كفاية
قصد حكاية الجامع في صدق القرآن................................... ٣٣٨
تعيين
البسملة للسورة...................................................... ٣٣٩
لو
عين البسملة لسورة ثم عدل إلى سورة أخرى............................... ٣٤١
إذا
عين البسملة لسورة ثم نسيها............................................. ٣٤٢
إذا
كان بانيا على قراءة سورة معينة فنسي وقرأ غيرها......................... ٣٤٢
إذا
بسمل مع عدم تعيين سورة خاصة........................................ ٣٤٣
لو
شك في تعيين البسملة لسورة معينة........................................ ٣٤٤
لو
شك بعد البسملة في أنه هل عينها لهذه السورة أو سورة أخرى............... ٣٤٤
الأقوال
في موارد جواز العدول من سورة إلى أخرى............................ ٣٤٧
العدول
من الجحد أو التوحيد إلى غيرهما...................................... ٣٥٣
جواز
العدول يوم الجمعة من كل سورة إلى الجمعة والمنافقين.................... ٣٥٥
هل
يختص الحكم بصلاة الجمعة؟............................................ ٣٥٧
هل
يختص الحكم بما إذا لم يتجاوز النصف؟.................................. ٣٦١
هل
يختص الحكم بالناسي؟.................................................. ٣٦٢
العدول
من الجمعة والمنافقين إلى غيرهما يوم الجمعة............................. ٣٦٣
العدول
من سورة إلى أخرى في النوافل....................................... ٣٦٤
العدول
إلى سورة أخرى عند الضرورة....................................... ٣٦٥
العدول
إلى سورة المنذورة................................................... ٣٦٦
الاستدلال
على وجوب الجهر في الأوليين من العشائين وفي الصبح............... ٣٧٠
ما
استدل به على عدم وجوب الجهر والكلام في وجه الجمع.................... ٣٧٣
في
تعيين المورد الذي يجهر فيه............................................... ٣٧٨
الجهر
في صلاة الجمعة وظهرها.............................................. ٣٨٠
التسوية
بين الإمام والمنفرد.................................................. ٣٨٣
استحباب
الجهر بالبسملة في الظهرين......................................... ٣٨٤
عموم
الحكم للإمام ولغيره.................................................. ٣٨٨
هل
يعم الحكم للأخيرتين إذا قرأ فيهما الفاتحة؟............................... ٣٨٩
هل
يعم الحكم للاخفات لعارض كالمأموم المسبوق؟............................ ٣٩٠
الجهر
في موضع الإخفات وبالعكس.......................................... ٣٩١
هل
الحكم مختص بالرجال؟................................................. ٣٩٢
هل
الحكم يختص بالأولتين؟................................................. ٣٩٣
بيان
خصوصيات الجهل والنسيان............................................ ٣٩٤
إذا
أخل بالجهل وتذكر أثناء القراءة أو بعدها................................. ٣٩٥
وظيفة
المرأة في الجهر والإخفات............................................. ٣٩٧
حد
الجهر والإخفات....................................................... ٤٠١
مناط
صدق القراءة......................................................... ٤٠٣
الافراط
في الجهر........................................................... ٤٠٤
القراءة
في المصحف........................................................ ٤٠٥
متابعة
الملقن في القراءة...................................................... ٤٠٨
صور
العاجز عن القراءة.................................................... ٤٠٨
قراءة
الأخرس............................................................. ٤١٢
وجوب
تعلم القراءة........................................................ ٤١٢
الكلام
في وجوب الائتمام على العاجز القاصر................................. ٤١٣
حكم
الجاهل المقصر في تعلم القراءة.......................................... ٤١٤
حكم
من لم يتعلم القراءة حتى ضاق الوقت................................... ٤١٨
من
لم يعلم شيئا من القرآن.................................................. ٤٢٣
وجوب
تعلم السورة........................................................ ٤٢٥
الأجرة
على تعليم الصلاة................................................... ٤٢٥
وجوب
الترتيب بين آيات الحمد والسورة وكذا الموالاة......................... ٤٢٨
الاخلال
بالكلمات والحروف والحركات..................................... ٤٣٠
وجوب
حذف همزة الوصل وإثبات همزة القطع................................ ٤٣٢
الوقف
بالحركة والوصل بالسكون........................................... ٤٣٢
وجوب
معرفة حركة آخر الكلمة لو أراد وصلها بما بعدها...................... ٤٣٣
الجهل
بمخارج الحروف..................................................... ٤٣٣
الكلام
في المد الواجب...................................................... ٤٣٤
حول
القراءات السبع....................................................... ٤٣٩
الحروف
الشمسية والقمرية................................................. ٤٤٤
فروع
في المقام............................................................. ٤٤٤
فصل
في الركعة الثالثة والرابعة................................................ ٤٤٩
التخيير
بين الحمد والتسبيح في الثالثة والرابعة................................. ٤٤٩
نقد
ما دل على تعيين الحمد في الأخيرتين..................................... ٤٤٩
ما
دل على تخيير المنفرد..................................................... ٤٥٠
ما
دل على تخيير الإمام..................................................... ٤٥٢
ما
دل على تخيير المأموم في الإخفاتية......................................... ٤٥٣
ما
دل على تعين التسبيح للمأموم في الجهرية.................................. ٤٥٣
ما
دل على تعيين القراءة لمن نسيها في الأولتين................................. ٤٥٤
الأقوال
الثمانية في تعيين التسبيحات في الأخيرتين.............................. ٤٥٩
المختار
في المقام............................................................ ٤٧٠
استحباب
الاستغفار عقيب التسبيحات....................................... ٤٧١
حكم
العاجز عن التسبيحات................................................ ٤٧١
حكم
العاجز عن التسبيحات................................................ ٤٧٢
الجمع
بين الروايات المتعارضة في الأفضلية..................................... ٤٧٤
البحث
حول التفصيل بين الإمام وغيره....................................... ٤٧٥
جواز
قراءة الحمد في الثالثة والتسبيح في الرابعة................................ ٤٨١
وجوب
الإخفات في الأخيرتين............................................... ٤٨١
استحباب
الجهر بالبسملة لو قرأ الحمد في الأخيرتين........................... ٤٨٤
الجهر
موضع الإخفات...................................................... ٤٨٥
العدول
من القراءة إلى التسبيح وبالعكس..................................... ٤٨٦
لو
قصد الحمد فسبق لسانه إلى التسبيحات................................... ٤٨٦
قراءة
الحمد بتخيل أنه في إحدى الأولتين..................................... ٤٨٩
لو
قرأ التسبيحات فتذكر أنه في إحدى الأولتين............................... ٤٨٩
نسيان
القراءة والتسبيحات.................................................. ٤٨٩
الشك
في قراءة الحمد والتسبيحات........................................... ٤٩٠
حكم
زيادة التسبيحات على الثلاث......................................... ٤٩١
حكم
قصد الوجه في التسبيحات............................................ ٤٩٢
فصل
في مستحبات القراءة................................................... ٤٩٣
الاستعاذة
قبل الشروع في القراءة............................................ ٤٩٣
الجهر
بالبسملة في الإخفاتية وغيرها.......................................... ٤٩٤
الكلام
في سائر المستحبات.................................................. ٤٩٦
مكروهات
القراءة.......................................................... ٤٩٧
تكرار
الآية في الفريضة وغيرها مع البكاء..................................... ٤٩٧
استحباب
إعادة الجمعة أو الظهر يوم الجمعة إذا قرأ غير الجمعة والمنافقين......... ٤٩٧
قراءة
المعوذتين في الصلاة................................................... ٤٩٧
عدد
آيات الحمد والتوحيد.................................................. ٤٩٧
الجمع
بين قصد الانشاء والقرآن............................................. ٤٩٨
لو
أراد الحركة حال القراءة لزمه السكوت................................... ٥٠١
الصلاة
على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لمن سمع اسمه في أثناء القراءة....... ٥٠٢
إعادة
ما قرأه في الحركة غير الاختيارية....................................... ٥٠٢
الشك
في صحة قراءة آية أو كلمة........................................... ٥٠٣
الاقتصار
على تسبيحة واحدة عند الضيق..................................... ٥٠٦
الإخفات
في أواخر الآيات في الجهرية........................................ ٥٠٧
فهرس
الموضوعات.......................................................... ٥٠٩
|