بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبيّنا محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى قيام الدين.



فصل

في مكان المصلي

والمراد به (١) ما استقر عليه ولو بوسائط وما شغله من الفضاء في قيامه وقعوده وركوعه وسجوده ونحوها ، ويشترط فيه أُمور :

أحدها : إباحته (٢)

______________________________________________________

(١) لا يخفى أن المكان يطلق على معنيين :

أحدهما : ما يستقر عليه الشي‌ء ويثبت فيه ، ويكون كوعاء وظرف له.

ثانيهما : الفضاء والفراغ الذي يشغله الإنسان في قيامه وقعوده وركوعه وسجوده ، ومنه قول الفلاسفة : أن الجسم الطبيعي يحتاج في وجوده إلى المكان ، أي إلى حيّز وفراغ يحيط به ويستوعبه ، والمراد به في المقام المعنى العام الجامع بين المعنيين ، فان بعض الأحكام يختص بالمعنى الأول كاشتراط الاستقرار في المكان أو طهارته وبعضها يختص بالمعنى الثاني كاشتراط عدم الإتيان بالصلاة تحت سقف مشرف على الانهدام ، فان ذلك من شرائط الفضاء دون المقر وموقف المصلي كما لا يخفى. ومنها ما يعم كلا المعنيين كاشتراط الإباحة المعتبرة فيما يستقر عليه المصلي ولو بوسائط ، وما يشغله من الفضاء والفراغ.

(٢) المعروف والمشهور اعتبار الإباحة في المكان بكلا معنييه كما عرفت ، بل عليه الإجماع في كثير من الكلمات ، لكنه كما ترى ليس إجماعاً تعبدياً كاشفاً عن رأي المعصوم ، بعد استناد أكثر المجمعين إلى دعوى اتحاد الحركات الصلاتية مع الغصب وامتناع اجتماع الأمر والنهي.


والتحقيق : هو التفصيل في المكان بين معنييه فتعتبر الإباحة فيه بالمعنى الأول في الجملة دون الثاني. وقد استقصينا الكلام فيه في الأُصول في بحث اجتماع الأمر والنهي (١).

وملخصه : أن حقيقة الصلاة تتألف لدى التحليل من عدة من الأذكار كالقراءة ونحوها ، ومن الهيئات كالركوع والسجود والقيام وغيرها ، وشي‌ء من ذلك لا يتحد مع الغصب عدا السجود من أجل أنّ مفهومه متقوم بوضع الجبهة على الأرض.

توضيح ذلك : أن الأذكار كالقراءة والتسبيحات ونحوها وإن أوجبت تحركاً وتموّجاً في الهواء ، فكانت تصرفاً في الفضاء المغصوب بحسب الدقة العقلية إلا أنها لا تعدّ تصرفاً بالنظر إلى الصدق العرفي الذي هو المناط في تعلق الأحكام الشرعية ، فلا يقال للمتكلم المزبور أو لمن نفخ في أرض الغير أنه تصرف في ملك الغير بدون رضاه بحيث يكون عقاب المتكلم في الدار الغصبية أشد من عقاب الساكت باعتبار ارتكابه تصرفاً آخر في الفضاء زيادة على أصل الاستيلاء ، فلا تتحد الأذكار الصلاتية مع الغصب بوجه.

وأما الهيئات الخاصة : من الركوع والسجود ونحوهما فهي أيضاً لا تستوجب تصرفاً في المغصوب ، ضرورة أنّ الواجب منها إنما هو نفس الهيئة ، وهي بمجردها لا تكون مصداقاً للتصرف. نعم مقدماتها من الهوي والنهوض تصرف فيه ولكنها خارجة عن ماهية المأمور به ، فما هو الواجب لم يكن منهياً عنه ، وما هو المنهي عنه لم يكن مصداقاً للواجب ، فأين الاتحاد.

نعم ، في خصوص السجود بما أنه يعتبر فيه وضع الجبهة بل المساجد السبعة على الأرض ، والوضع متقوّم في مفهومه بالاعتماد وإلقاء الثقل ولا يكفي فيه مجرد المماسة ، فلا جرم يتحقق الاتحاد بالإضافة إلى هذا الجزء خاصة ، لكون الاعتماد المزبور مصداقاً بارزاً للتصرف في ملك الغير فيحرم ، وبما أنّ الحرام لا‌

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٤ : ٢٨٣ ٢٨٨.


فالصلاة في المكان المغصوب باطلة (١) ، سواء تعلق الغصب بعينه ، أو بمنافعه (١) كما إذا كان مستأجراً وصلّى فيه شخص من غير إذن المستأجر وإن كان مأذوناً من قبل المالك ، أو تعلّق به حق كحق الرهن (٢) (٢)

______________________________________________________

يقع مصداقاً للواجب فبطبيعة الحال تبطل الصلاة المشتملة على السجدة بهذه العلة.

وأما الفاقدة لها كالصلاة إيماءً أو الصلاة على الميت ، بل الواجدة إذا تجنب السجود على المغصوب كما لو تخطى قليلاً فسجد على الأرض المباحة ، أو وضع لوحة ونحوها بحيث منعت عن إلقاء ثقل الجبهة على موضع الغصب ، أو سجد ولو بفرض محال في الفضاء ما بين الأرض والسماء فلا مانع من الحكم بصحّتها ، لانتفاء المحذور المزبور ، ولم يبق إلا الكون في المكان الذي هو أمر تكويني غير معتبر في صحة الصلاة شرعاً ، سواء أكان مغصوباً أم مباحاً.

ومنه تعرف وجه التفصيل بين المعنيين للمكان في اعتبار الإباحة وعدمه ، كما وتعرف اختصاص البطلان في المعنى الأول للمكان بما إذا كان أحد مواضع السجود مغصوباً.

(١) لأنّ المناط صدق الغصب المتقوّم بالتصرّف في ملك الغير من غير استئذان ممن بيده الاذن ، أعني من يملك التصرف في العين فعلاً ، سواء أكان مالكاً لرقبتها أيضاً أم لخصوص منافعها كالمستأجر. ومنه تعرف عدم كفاية إذن المالك ، بل عدم جواز التصرف لنفس المالك أيضاً من دون إذن المستأجر.

(٢) على المشهور من عدم جواز التصرف في العين المرهونة بدون إذن المرتهن ، ويستدل لهم بأمور عمدتها الإجماع والنبوي الذي استدل‌

__________________

(١) الحكم بالبطلان إنّما هو فيما إذا كان أحد مواضع السجود مغصوباً ، وإلاّ فالصحة لا تخلو من قوة ، وبذلك يظهر الحال في جملة من الفروع الآتية.

(٢) في اقتضائه البطلان إشكال بل منع.


به غير واحد من الأصحاب من أنّ « الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف » (١) فإنه إذا لم يجز للراهن لم يجز لغيره أيضاً ولو بإذنه.

أقول : أما عدم جواز تصرف المرتهن بدون إذن الراهن فواضح ، ضرورة عدم جواز التصرف في ملك الغير من دون إذنه ، ومجرد الاستيثاق لاستيفاء الدين لدى بلوغ أجله لا يسوغ التصرف ما لم ينص عليه ، وهذا ظاهر.

وأما عدم جواز تصرف الراهن من دون إذن المرتهن ، فهو وإن كان مشهوراً بين الأصحاب إلا أنه لا يمكن المساعدة على إطلاقه ، بل لا بد من التفصيل بين التصرفات المنافية لحق الرهانة ، وغير المنافية ، فلا تجوز الاولى ، سواء أكانت اعتبارية كالوقف ، حيث إن الوقفية تضاد كونها وثيقة ، بداهة امتناع استيفاء الدين من العين الموقوفة بعد تعذر بيعها ، أم خارجية كالإتلاف التكويني بأكل ونحوه.

وأما الثانية ، فلا بأس بها ، سواء أكانت اعتبارية أيضاً كالبيع ، أم خارجية كاللبس ونحوه. فان بيع العين المرهونة وإن منعه المشهور ، وعلله بعضهم باعتبار طلقية الملك المفقودة في مورد الرهن ، إلا أنا ذكرنا في بحث المكاسب (٢) أن الأقوى جوازه ، نظراً إلى أن البيع لا يزيل حق المرتهن ولا يزاحمه ، بل ينتقل به متعلق حقه من ملك الراهن إلى ملك المشتري ، وهذا لا ضير فيه سيّما بعد ملاحظة جواز جعل ملك الغير رهناً باذنه ابتداءً كما في استرهان العين المستعارة بإجازة المعير ، فاذا ساغ حدوثاً ساغ بقاءً أيضاً بطريق أولى (٣)

__________________

(١) المستدرك ١٣ : ٤٢٦ / أبواب كتاب الرهن ، ب ١٧ ح ٦.

(٢) مصباح الفقاهة ٥ : ٢٣٨.

(٣) هذه الأولوية ادعاها المحقق الايرواني أيضاً في تعليقته على المكاسب : ص ١٩٠ ، ولكن السيد الأستاذ ( دام ظله ) لم يذكرها في بحث المكاسب وكأنه لم يرتض بها.

ولعل الوجه فيه : أن القائل بعدم جواز البيع يرى أن العين المرهونة متعلقة لحق المرتهن بما أنها مضافة إلى المالك المعيّن لا بما هي هي ، فالنقل من ملك المالك حين الرهن تصرف


غاية الأمر ثبوت الخيار للمشتري مع جهله بالحال ، لتخلف وصف الطلقية المنصرف إليه العقد لدى الإطلاق ولا دليل على اعتبار الطلقية في صحة البيع بقول مطلق.

كما أن التصرفات الخارجية من لبس وافتراش ونحوهما سائغ حتى من دون إذن المرتهن ما لم يشترط خلافها في متن العقد فإن الإجماع المدعى على عدم الجواز حسبما سمعت دليل لبّي يقتصر على القدر المتيقّن منه وهو التصرفات المنافية لحق الرهانة ، فلا يعم غير المنافية التي هي مورد البحث ، والنبوي المتقدم ضعيف السند لا يمكن التعويل عليه.

نعم ، للمرتهن الامتناع من تسليم العين والتصرف فيها لأنها متعلق حقه (١) إلا أنه لو أخذها الراهن من دون اطلاعه باختلاس ونحوه فتصرفه سائغ ، لكونه صادراً من أهله وواقعاً في محله.

وقد نطقت بذلك صريحاً صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام « في رجل رهن جاريته قوماً أيحل له أن يطأها؟ قال : فقال : إن الذين ارتهنوها يحولون بينه وبينها ، قلت : أرأيت إن قدر عليها خالياً؟ قال : نعم لا أرى به بأساً » ونحوها صحيحة الحلبي (٢).

فاذا جاز الوطء وهو من أهم التصرفات جاز غيره من سائر التصرفات‌

__________________

مناف لحق الغير ومضاد له ، لأنه إزالة لتلك الإضافة ، وعلى هذا الأساس يتجه التفكيك بين الابتداء والبقاء ، فإن الأول لا محذور فيه ، وأما الثاني فهو مستلزم للمحذور المزبور فلا يجوز إلا بإذن المرتهن ، إلا أن يقال : ان العين المرهونة متعلقة لحق المرتهن بما أن خسارتها تكون على الراهن اما لكونها ملكاً له ، أو لكون خسارتها الناشئة من استيفاء الدين منها تكون مضمونة عليه لمالكها معيراً كان أو مشترياً. وعليه فلا فرق بين الابتداء والبقاء كما أُفيد في المتن وإن لم تثبت به الأولوية.

(١) كونها متعلقة لحقه لا يسوّغ الامتناع المزبور بعد عدم كون التصرف منافياً لحقه كما هو المفروض.

(٢) الوسائل ١٨ : ٣٩٦ / أبواب أحكام الرهن ، ب ١١ ح ١ ، ٢.


وحق غرماء الميت (١) ، وحق الميت إذا أوصى بثلثه ولم يفرز بعد ولم يخرج منه (١)

______________________________________________________

غير المنافية بالأولوية القطعية ، ولا موجب لرفع اليد بعد قوة الدلالة وصحة السند ، وقد عرفت قصور الإجماع عن الشمول للمقام.

إذن فلا مانع للراهن من الصلاة في العين المرهونة ، كما له الإذن لغيره في الصلاة فيها.

(١) لا يخفى أن تعلق حق الغرماء بالمال واندراج المقام بذلك في كبرى التصرف في متعلق حق الغير مبني على القول بانتقال التركة بأجمعها إلى الورثة ، فالمال كله مملوك للوارث ، غايته أنه متعلق لحق الغريم ، أي له استنقاذه منه ما لم يؤده من غيره.

وأما على القول الآخر وهو الحق المطابق لظاهر الآيات والروايات من بقاء المقدار المقابل للدين على ملك الميت ، وأنه لا ينتقل إلى الوارث إلا ما زاد عليه كما هو ظاهر قوله تعالى ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) (١) وقد تضمنت بعض النصوص تقديم مصارف التجهيز أوّلاً ثم الدين ، ثم الوصية ثم الميراث (٢) ، فالمقام خارج عن تلك الكبرى حينئذ لحصول الشركة بين الميت والوارث في التركة بنسبة الدين من النصف أو الثلث ونحوهما. فلا بد في تصرف الوارث أو غيره من الاستئذان من ولي الميت وهو وصيه إن كان ، وإلا فالحاكم الشرعي. فيندرج المقام في الشق الأول من الفروض التي ذكرها في المتن ، أعني تعلق الغصب بنفس العين فإنه تصرف في ملك الغير لا في متعلق حقه ، غايته أنه ملك مشاع ، ولا ريب في عدم الفرق‌

__________________

(١) الظاهر أنّه لا حق للغرماء في مال الميّت ، بل إنّ مقدار الدين من التركة باق على ملك الميّت ، ومعه لا يجوز التصرف فيها من دون مجوّز شرعي.

(١) النساء ٤ : ١٢.

(٢) الوسائل ١٩ : ٣٢٩ / كتاب الوصايا ب ٢٨.


وحق السبق (١) كمن سبق إلى مكان من المسجد أو غيره فغصبه منه غاصب على الأقوى ، ونحو ذلك ، وإنما تبطل الصلاة إذا كان عالماً عامداً (١).

______________________________________________________

بينه وبين غير المشاع في ذلك.

هذا ، مع أن ثبوت الحق المبني على القول الأول لا يستدعي المنع من التصرف بمثل الصلاة ونحوها غير المزاحمة لحق الغريم ، بل هو كحق الرهانة الذي عرفت عدم التنافي بينه وبين مثل تلك التصرفات غير المصادمة لحق ذي الحق ، بل قد عرفت عدم مزاحمته للبيع فضلاً عن مثل الصلاة.

وبالجملة ، على القول الأول ، ألحق وإن كان ثابتاً لكنه لا يمنع عن مثل الصلاة لعدم المزاحمة. وعلى القول الثاني وإن كان المنع ثابتاً لكنه لا لأجل تعلّق الحق ، بل من جهة كونه تصرفاً في ملك الغير. وقد عرفت أن هذا القول هو الأقوى لمساعدة النصوص عليه ، ومعناه تأخر الميراث عن الدين حدوثاً وبقاءً ، فلا ينتقل جميع المال إلى الوارث إلا مع فقد الدين من أول الأمر ، أو في مرحلة البقاء إما بإبراء الغريم أو أداء الدين من غير التركة.

ومن جميع ما ذكرنا يظهر الحال في حقّ الميّت إذا أوصى بثلثه ، فإنه يجري فيه القولان المتقدمان مع ما يتفرع عليهما على النحو الذي بيناه حرفاً بحرف. وظاهر عبارة الماتن اختياره هنا القول الثاني ، أعني بقاء المال الموصى به على ملك الميت ، وعدم انتقاله إلى الوارث ، وحصول الشركة بينهما كما يفصح عنه تعبيره قدس‌سره بقوله : ولم يفرز بعد ، فإن الإفراز لا يكون إلا في فرض الشركة والإشاعة كما لا يخفى.

(١) لا ريب أن من سبق إلى مكان مباح يشترك فيه الكل كالصحراء أو المسجد أو الحرم الشريف ، فهو أحق بذلك المكان ما دام جالساً فيه ، بمعنى أنه لا يجوز مزاحمته ودفعه عنه ، ولو فعل أثم ، وهل يثبت له زائداً على ذلك حق‌

__________________

(١) فيه إشكال.


متعلق بذلك المكان بحيث لو تُصُرّف فيه بعد ارتكاب الإثم كان ذاك تصرفاً في متعلق حق الغير ويكون غصباً تبطل الصلاة فيه أم لا؟

المشهور هو الأول ، وذهب في الجواهر (١) تبعاً للسيد العلامة الطباطبائي في منظومته (٢) إلى الثاني فأنكرا الحق وحكما بجواز التصرف بعد الدفع وإخلاء اليد سيما إذا كان المتصرف غير الدافع.

أقول : أما في الفرض الأخير فلا ينبغي الإشكال في الجواز ، فلو تعدّى ظالم على السابق وأخذه إلى المحاكمة مثلاً سقط حقّه وجاز لغيره التصرف ، إذ لا يبقى المكان معطّلاً.

وأما في غير ذلك فالظاهر أيضاً هو الجواز ، لعدم نهوض دليل يقتضي ثبوت حق له بهذه المثابة ، أي يكون مانعاً حتى بعد إخلاء اليد كي يحتاج التصرف فيه إلى إذن ذي الحق.

وقصارى ما يمكن أن يستدل له روايتان :

إحداهما : رواية محمد بن إسماعيل عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قلت له ، نكون بمكة أو بالمدينة أو الحيرة أو المواضع التي يرجى فيها الفضل فربما خرج الرجل يتوضأ فيجي‌ء آخر فيصير مكانه ، فقال : من سبق إلى موضع فهو أحق به يومه وليلته » (٣).

الثانية : خبر طلحة بن زيد عن أبى عبد الله عليه‌السلام « قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : سوق المسلمين كمسجدهم فمن سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل ... » إلخ (٤).

وهاتان الروايتان بعد دفع ما يتراءى من المنافاة بينهما من حيث التحديد ، بأن ذلك من أجل الاختلاف في خصوصية المورد ، حيث إن المسجد معدّ‌

__________________

(١) الجواهر ٨ : ٢٨٦.

(٢) الدرّة النجفية : ٩٢.

(٣) ، (٤) الوسائل ٥ : ٢٧٨ / أبواب أحكام المساجد ب ٥٦ ح ١ ، ٢.


للعبادة التي لا يفرق فيها بين الليل والنهار ، بخلاف السوق المعدّ للاتّجار الذي ينتهي أمده غالباً بانتهاء النهار ، لعدم تعارف السوق في الليل في الأزمنة السابقة بل في العصر الحاضر أيضاً بالنسبة إلى القرى والبلدان الصغيرة لا يمكن الاستدلال بشي‌ء منهما ، لضعف سند الأُولى ، فإن محمد بن إسماعيل وإن كان الظاهر أنه ابن بزيع وهو موثق لكنها مرسلة.

وأما الثانية : فيمكن الخدش في سندها من جهة أنّ طلحة بن زيد عامي لم يوثق ، نعم له كتاب معتبر لكن لم يعلم أن الرواية عن كتابه أم عنه مشافهة ، إذ الراوي عنه هو الكليني (١) ولم يلتزم بنقل الرواية عمّن له أصل أو كتاب عن نفس الكتاب ، كما التزم الشيخ بمثل ذلك في التهذيب فمن الجائز روايته عن نفس الرجل لاعن كتابه ، وقد عرفت عدم ثبوت وثاقته ، هذا.

ولكن الظاهر وثاقة الرجل ، من جهة وقوعه في أسانيد كتاب كامل الزيارات ، وقد عرفت غير مرّة التوثيق العام من ابن قولويه لكل من يقع في أسانيد كتابه (٢). وحيث إنه سليم عن المعارض وجب الأخذ به. فالإنصاف أنّ الخدش من حيث السند في غير محله ، إلا أن الشأن في دلالتها ، فإنها غير ظاهرة في إثبات الحق بالمعنى المبحوث عنه ، بل المتيقن منها عدم جواز مزاحمة السابق ما دام شاغلاً للمحل ، وقد عرفت أنّ هذا مسلّم لا إشكال فيه ، بل هو ثابت حتى ببناء العقلاء من دون حاجة إلى تعبد شرعي.

بل ربما يقال : إن الحق بهذا المعنى أمر فطري يدركه كل أحد حتى الحيوانات ، فانا لو قذفنا قطعة لحم نحو هرتين تسابقتا إليها وربما يتحارشان في الاستيلاء عليها ، لكن بعد الغلبة وتحقق الاستيلاء من إحداهما تركتها الأُخرى‌

__________________

(١) الكافي ٢ : ٤٨٥ / ٧.

(٢) ولكنه ( دام ظله ) خصه أخيراً بمشايخ ابن قولويه بلا واسطة فلا يعم الرجل. على أنه عامي المذهب ومثله غير مشمول للتوثيق على كل تقدير ، نعم هو من رجال تفسير القمي راجع المعجم ١٠ : ١٧٨ / ٦٠٢١.


وأما إذا كان غافلاً أو جاهلاً أو ناسياً فلا تبطل (١) (١)

______________________________________________________

ولا تزاحمها ما دامت الاولى مسيطرة عليها ، فإذا أعرضت عنها أخذتها الأُخرى.

وبالجملة ، الحق المذكور في الرواية يدور أمره بين أن يكون المراد منه مجرد عدم جواز المزاحمة ، وبين أن يراد زائداً على ذلك تعلق حق من السابق بالعين بحيث لا يجوز التصرف فيها بدون إذنه حتى مع عدم كونه بالفعل شاغلاً للمحل ، والمتيقن هو الأوّل ، ومبنى الاستدلال هو الثاني ، ولا ظهور للرواية فيه كما لا يخفى.

(١) أما عدم البطلان في فرض الغفلة أو النسيان فظاهر ، لعدم كون التصرف في المغصوب حراماً حينئذ حتى واقعاً لامتناع توجيه التكليف إليه ، ومن هنا ذكرنا في محلّه أن الرفع في حديث الرفع بالنسبة إلى الناسي واقعي لا ظاهري (١) ، فإذا لم يكن دليل النهي عن الغصب شاملاً له وكان التصرف المزبور حلالاً واقعاً شمله إطلاق دليل الأمر بالصلاة من دون معارض ، ولا مزاحم لصحة التقرب به بعد عدم كونه مبغوضاً.

نعم ، هذا فيما إذا لم يكن صدوره منه مع حليته الواقعية متصفاً بالمبغوضية الفعلية ، وإلا كما لو كان الناسي هو الغاصب فالمتجه حينئذ البطلان (٢) إذ النهي السابق الساقط بالنسيان قد أثّر في اتصاف هذا التصرف بالمبغوضية ، غايته سقوط الخطاب حينئذ لامتناع توجيهه نحو الناسي كما عرفت. فالمولى لا يمكنه النهي الفعلي لعدم قابلية المحل ، لا لعدم وجود ملاكه ،

__________________

(١) عدم البطلان في فرض الجهل مع كون مسجد الجبهة مغصوباً لا يخلو من إشكال بل منع ، نعم الناسي فيما إذا لم يكن غاصباً يحكم بصحة صلاته.

(١) مصباح الأصول ٢ : ٢٦٥.

(٢) ينبغي تقييده بما إذا كان ذلك في السجدتين معاً ، فإن الإخلال بالسجدة الواحدة لا ضير فيه بمقتضى حديث لا تعاد وغيره كما لا يخفى.


وإلا فلا ريب في عدم الفرق في تحقق الاتصاف المزبور بين وجود مثل هذا النهي وعدمه.

وعليه ، بما أن المبغوض الفعلي لا يمكن أن يتقرب به فيمتنع شمول إطلاق الأمر بالنسبة إليه ، ونتيجة ذلك هو البطلان كما عرفت وهذا ظاهر.

وأما في فرض الجهل ، فان كان عن تقصير كما لو كانت الشبهة حكمية قبل الفحص أو مقرونة بالعلم الإجمالي بحيث كان الواقع منجزاً عليه من دون مؤمّن فلا ريب في البطلان حينئذ لإلحاق مثله بالعامد ، وهذا لا غبار عليه ، كما لم يقع فيه خلاف من أحد.

إنما الإشكال في الجاهل القاصر ، أي في من كان جهله عذراً له لعدم تنجز الواقع عليه من جهة وجود المؤمّن الشرعي كما في الشبهات الموضوعية البدوية أو الحكمية بعد الفحص ، لجريان البراءة حينئذ واتصاف الفعل بالحلية الظاهرية فهو معذور في جهله.

فالمشهور ذهبوا حينئذ إلى الصحة ، فحكموا بجواز الصلاة في الدار الغصبية وبجواز التوضي بالماء المغصوب إذا كان عن جهل قصوري ، ففصلوا بين صورتي العلم والجهل مع بنائهم على الامتناع في باب اجتماع الأمر والنهي.

لكنه في غاية الإشكال كما تعرضنا له في الأُصول (١) وقلنا إن التفصيل المزبور غير سديد ، بل إما أن يحكم بالصحة في الصورتين أو بالبطلان كذلك.

وملخص الكلام : أنهم استندوا في الحكم بالصحة مع الجهل إلى أن الحرمة الواقعية ما لم تتنجز ولم تبلغ حد الوصول لا تمنع عن صحة التقرب وصلاحية الفعل لأن يكون مشمولاً لإطلاق دليل الأمر ، إذ التمانع في المتزاحمين متقوّم بالوصول ، وإلاّ فمجرّد الوجود الواقعي غير الواصل لا يتزاحم به التكليف الآخر. فاذن لا مانع من فعلية الأمر لسلامته عن المزاحم ومعه يقع العمل‌

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٤ : ٢٣٨.


صحيحاً لعدم تأثير الحرمة الواقعية في المبغوضية بعد فرض كون الجاهل معذوراً.

أقول : هذا إنما يستقيم لو قلنا بجواز اجتماع الأمر والنهي وأن التركيب بين متعلقهما انضمامي ولا يسري الحكم من أحدهما إلى الآخر حتى يندرج المقام في باب التزاحم فيقال : إنّ هناك حكمين على موضوعين ولا يزاحم أحدهما الآخر إلا لدى التنجز والوصول ، فقبل وصول النهي لا تزاحم ، فيكون الأمر فعلياً لعدم المانع عنه فيحكم بالصحة.

لكن لازم ذلك الحكم بالصحّة في فرض العلم وفعلية المزاحمة أيضاً ، غايته أنه يكون عاصياً بمخالفة النهي ، ومطيعاً بموافقة الأمر ، إذ بعد فرض تعدد الحكم والموضوع والالتزام بعدم السراية في المتلازمين يكون المقام نظير النظر إلى الأجنبية حال الصلاة كما لا يخفى فتدبر جيداً.

وأما على القول بالامتناع وكون التركيب بينهما اتحادياً وأنّ متعلق أحدهما عين متعلق الآخر كما هو مبنى هذا القول ، فيخرج المقام حينئذ عن باب المزاحمة بالكلية ، ويندرج في كبرى التعارض ، لامتناع تعلق جعلين واعتبار حكمين في مقام التشريع على موضوع واحد ، وبعد تقديم جانب النهي يكون المقام من مصاديق النهي عن العبادة ، ولا ريب حينئذ في البطلان من دون فرق بين صورتي العلم والجهل ، لوحدة المناط في كلتا الصورتين وهو امتناع كون الحرام مصداقاً للواجب واستحالة التقرب بالمبغوض الواقعي ، فإن غاية ما يترتب على الجهل هو المعذورية وارتفاع العقاب وكون التصرف محكوماً بالحلية الظاهرية ، وشي‌ء من ذلك لا ينافي بقاءه على ما هو عليه من الحرمة الواقعية كما هو قضية اشتراك الأحكام بين العالمين والجاهلين ، وقد عرفت أنّ الحرام لا يعقل أن يكون مصداقاً للواجب ، فمثله خارج عن دائرة إطلاق الأمر خروجاً واقعياً ، ومعه كيف يحكم بصحته المستلزمة لانطباق المأمور به عليه.

وعلى الجملة ، في كل مورد حكمنا بالصحة في مورد الجهل من جهة البناء‌


نعم لا يعتبر العلم بالفساد (١) فلو كان جاهلاً بالفساد مع علمه بالحرمة والغصبية كفى في البطلان ، ولا فرق بين النافلة والفريضة في ذلك على الأصح (٢).

______________________________________________________

على جواز الاجتماع والاندراج في باب التزاحم لزمه الحكم بها في مورد العلم أيضاً. وفي كل مورد حكمنا بالبطلان في فرض العلم لأجل البناء على الامتناع وتقديم جانب النهي والإدراج في باب التعارض لزمه الحكم به في فرض الجهل أيضاً حرفاً بحرف ، لوحدة المناط في كلتا الصورتين ، وتمام الكلام في محلّه (١).

(١) لعدم مدخلية العلم بالحكم الوضعي وهو الفساد فيما هو مناط البطلان من العلم بالحكم التكليفي وموضوعه ، أعني الحرمة والغصبية على المشهور ، أو مجرد المبغوضية الواقعية على ما قررناه ، فيحكم بالبطلان بعد تحقق المناط حتى مع الجهل بالفساد كما ظهر وجهه مما بيناه.

(٢) خلافاً للمحقق حيث حكم بصحة النافلة في المغصوب معلّلاً بعدم اتحاد الأجزاء الصلاتية حينئذ مع الغصب (٢).

أقول : إن أراد بها النافلة المأتي بها على كيفية الفريضة بحيث لم يكن فرق بينهما من غير ناحية الوجوب والاستحباب ، ففيه : أنّ مجرد الاختلاف في ناحية الحكم من حيث قوة الطلب وضعفه والترخيص في الترك وعدمه لا يستوجب فرقاً فيما هو مناط البطلان ، فان مناطه أحد أمرين : إما اتحاد مصداق الطبيعة المأمور بها مع المنهي عنها في خصوص السجود من جهة اعتبار الوضع فيه المتقوم بالاعتماد على المختار أو فيه وفي غيره على المشهور ، أو من جهة امتناع اختلاف المتلازمين في الحكم وسراية الحكم من أحدهما إلى الآخر ، ولا شك في عدم الفرق في هذين الملاكين بين بلوغ الأمر حدّ الإلزام وعدمه لتضاد الأحكام بأسرها.

__________________

(١) محاضرات في أصول الفقه ٤ : ٢٣٤ وما بعدها.

(٢) لم نعثر عليه في كتب المحقق ولكن حكاه عنه في المستند ٤ : ٤٠٨ وفي الجواهر ٨ : ٢٨٦.


[١٣١٩] مسألة ١ : إذا كان المكان مباحاً ولكن فرش عليه فرش مغصوب فصلى على ذلك الفرش بطلت صلاته ، وكذا العكس (١).

[١٣٢٠] مسألة ٢ : إذا صلى على سقف مباح وكان ما تحته من الأرض مغصوباً ، فان كان السقف معتمداً على تلك الأرض تبطل الصلاة عليه ، وإلا فلا (٢).

______________________________________________________

وإن أراد بها النافلة غير المأتي بها على تلك الكيفية بأن تكون فاقدة للركوع والسجود مع الإيماء إليهما ، لجواز الإتيان بها كذلك اختياراً كما في حال السير ، فلما أفاده قدس‌سره حينئذ وجه ، لفقد السجود على الفرض الذي كان هو المنشأ للفساد على المختار ، وحديث امتناع اختلاف المتلازمين في الحكم ممنوع كما بيناه في الأُصول (١) ومجرد الإيماء إليهما لا يعدّ تصرّفاً في الغصب سيّما لو كان ذلك بغمض العين لا بتحريك الرأس ، فإن الأخير لا يخلو عن شوب من الاشكال لعدم البعد في صدق التصرف حينئذ عرفاً.

إلا أنه لو تمّ فلا يختص ذلك بالنافلة ، بل يجري في الفريضة أيضاً لو أتى بها كذلك أي مع الإيماء ، كما لو اضطر إلى السير المستلزم لترك الركوع والسجود ، إما لأجل الخوف والفرار من العدو أو من جهة ضيق الوقت ، فلا تختص النافلة بما هي نافلة بهذا الحكم كي يفرق بينها وبين الفريضة.

(١) لعدم الفرق في صدق التصرف في الغصب بين أن يكون ذلك مع الواسطة أو بدونها كما هو ظاهر.

(٢) فصّل قدس‌سره حينئذ بين ما إذا كان السقف معتمداً على تلك الأرض كما لو كانت الأسطوانات التي تحمل السقف مبنية على الأرض المغصوبة ، وبين صورة عدم الاعتماد كما لو كانت الأسطوانات خارجة عنها ، فحكم بالبطلان في الأول دون الثاني.

__________________

(١) محاضرات في أصول الفقه ٣ : ٣٦.


لكن إذا كان الفضاء الواقع فيه السقف مغصوباً أو كان الفضاء الفوقاني الذي يقع فيه بدن المصلي مغصوباً بطلت في الصورتين (١) (١).

______________________________________________________

أما في الفرض الأخير فلا ينبغي الإشكال في الصحة ، فإن مجرد وجود قطعة مغصوبة من الأرض مسامتة للسقف من دون مساس له بها لا موجب لتوهم الحكم بالبطلان من أجلها ، فإنّ حالها حال من صلى في غرفة مباحة مثلاً وفيها شي‌ء مغصوب من كتاب ونحوه.

وأما في الفرض الأول فربما يقال بالصحة أيضاً من جهة منع صدق التصرف في الغصب ، بل غايته الانتفاع به ولا دليل على حرمة الانتفاع بمال الغير ما لم يتحقق معه التصرف ، لاختصاص الأدلة بالثاني دون الأول.

لكنه كما ترى ، فانّ مجرد الانتفاع وإن لم يكن حراماً كالاصطلاء بنار الغير ، أو الاستضاءة بنوره ، أو الاستظلال بجداره ، أو النظر أو الشم ونحو ذلك مما قامت السيرة القطعية على جوازها ، لكن المتحقق في المقام زائداً على ذلك هو عنوان التصرف ، ضرورة أنّ الاعتماد على السقف المعتمد على المكان المغصوب تصرّف في ذاك المكان لكونه اعتماداً عليه ، والاعتماد في أمثال المقام من أظهر أنحاء التصرف ، غايته أنه مع الواسطة لا بدونها ، وقد مرّ قريباً عدم الفرق في صدقه بين كونه مع الواسطة أو بدونها. فالإنصاف أنّ منع صدق التصرف في مثل المقام مكابرة ظاهرة. وعليه فتبطل الصلاة بلحاظ حال السجود ، لتقومه بالوضع والاعتماد المتحد مع الغصب ، فانّ الاعتماد الحاصل حال السجود بعينه تصرّف في المكان المغصوب الواقع تحت السقف كما عرفت. فما أُفيد من التفصيل في المتن هو الصحيح.

(١) تعرّض قدس‌سره لفرعين :

أحدهما : ما إذا كان الفضاء الواقع فيه السقف ، أي الفضاء المتخلل بين الطابق الفوقاني والطابق التحتاني مغصوباً مع إباحة نفس الطابقين.

__________________

(١) يظهر حكم ذلك ممّا تقدّم.


[١٣٢١] مسألة ٣ : إذا كان المكان مباحاً وكان عليه سقف مغصوب فان كان التصرف في ذلك المكان يعدّ تصرفاً في السقف بطلت الصلاة فيه (١) وإلا فلا ، فلو صلى في قبة سقفها أو جدرانها مغصوب ، وكان بحيث لا يمكنه الصلاة فيها إن لم يكن سقف أو جدار ، أو كان عسراً وحرجاً كما في شدة الحرّ وشدة البرد بطلت الصلاة ، وإن لم يعدّ تصرفاً فيه فلا ، ومما ذكرنا ظهر حال الصلاة تحت الخيمة المغصوبة ، فإنها تبطل إذا عدّت تصرّفاً في الخيمة ، بل تبطل على هذا إذا كانت أطنابها أو مساميرها غصباً كما هو الغالب ، إذ في الغالب يعدّ تصرّفاً فيها ، وإلا فلا (١).

______________________________________________________

ثانيهما : ما إذا كان موقف المصلي مباحاً إلا أنّ الفضاء الفوقاني الذي يشغله بدن المصلي الواقع فوق سطح الموقف مغصوب وقد حكم قدس‌سره بالبطلان في كلتا الصورتين ، وكأنه لصدق التصرف في الفضاء في الأول ، وللاتحاد مع الغصب في الثاني ، لكن الظاهر الصحة فيهما كما يعلم وجهه مما مرّ ، لمنع صدق التصرف في الأول بعد عدم الاعتماد إلا على السقف المعتمد على الأرض المباحة على الفرض ، لا على الفضاء المغصوب ، فان الاعتماد عليها لا عليه كما لا يخفى.

وأما الثاني : فلأن المناط في بطلان الصلاة اتحادها مع الغصب في السجود خاصة كما عرفت ، ولا اتحاد فيه بعد فرض إباحة سطح المكان الذي يقع عليه السجود ويعتمد عليه ، وإن كان الفضاء الذي يشغله البدن مغصوباً ، نعم بناءً على التعدي من السجود إلى بقية الأجزاء الصلاتية ، ودعوى الاتحاد في جميعها المبني على القول بالامتناع ، كان الحكم بالبطلان في محلّه ، لكنه خلاف التحقيق.

(١) فصّل قدس‌سره في من صلى تحت سقف مغصوب أو خيمة مغصوبة‌

__________________

(١) الأظهر صحة الصلاة في جميع الصور المذكورة في المتن.


[١٣٢٢] مسألة ٤ : تبطل الصلاة على الدابة المغصوبة (١) (١) بل وكذا إذا كان رحلها أو سرجها أو وطاؤها غصباً ، بل ولو كان المغصوب نعلها.

______________________________________________________

مع إباحة نفس المكان والفضاء بين ما إذا عدّ ذلك تصرفاً في السقف أو الخيمة عرفاً ، كما لو كان بحيث لا يمكنه الصلاة إلاّ تحت السقف أو الخيمة لشدة الحر أو البرد ونحوهما مما يوجب العسر أو الحرج في إيقاع الصلاة خارج ذاك المكان ، فيحكم بالبطلان وإلا فالصحة ، وكذا الحال في أطناب الخيمة أو مساميرها لو كانت مغصوبة.

ويتوجه عليه أوّلاً : منع الصغرى ، لعدم صدق التصرف ، ومجرد التوقف المزبور وعدم التمكن من الصلاة إلا تحته لا يحققه ، بل غايته الانتفاع بالغصب كما لو لم يتمكن من الصلاة إلا في ظل جدار الغير ولا دليل على حرمة الانتفاع بمال الغير بما هو انتفاع ، فان المحرّم بحسب الأدلة ليس إلا أحد عناوين ثلاثة : إما إتلاف مال الغير ، أو الاستيلاء عليه ، أو التصرف فيه ، والصلاة تحت السقف لم يكن في شي‌ء منها ، وإنما هو انتفاع بحت ولم يقم دليل على حرمته بما هو كما عرفت.

وثانياً : منع الكبرى ، إذ ليس كل تصرّف محرّم موجباً للبطلان ما لم يتحد مع الصلاة ولا اتحاد معها في المقام بلحاظ حال السجود الذي هو المعيار في البطلان على المختار كما مرّ غير مرّة ، إذ المفروض إباحة المسجد والتصرف في الخيمة غير متحد معه بالضرورة.

نعم بناء على مسلك الماتن تبعاً للمشهور من كفاية الاتحاد في مطلق الأجزاء دون السجود خاصة اتجه البطلان حينئذ كما لا يخفى.

(١) فإنها كالصلاة على الفرش المغصوب المفروش على الأرض المباحة التي مرّ عدم الفرق بينه وبين نفس الأرض في صدق التصرف في الغصب ، وكذا‌

__________________

(١) إذا كانت السجدة بالإيماء فالحكم بالصحة لا يخلو من قوّة.


[١٣٢٣] مسألة ٥ : قد يقال ببطلان الصلاة على الأرض التي تحتها تراب مغصوب ولو بفصل عشرين ذراعاً وعدم بطلانها إذا كان شي‌ء آخر مدفوناً فيها ، والفرق بين الصورتين مشكل ، وكذا الحكم بالبطلان ، لعدم صدق التصرف في ذلك التراب أو الشي‌ء المدفون ، نعم لو توقف الاستقرار والوقوف في ذلك المكان على ذلك التراب أو غيره يصدق التصرف ويوجب البطلان (١).

______________________________________________________

الحال في الرحل أو السرج أو الوطاء ، بل وكذا النعل إذا كان شي‌ء منها مغصوباً كما مرّ من عدم الفرق في الصدق المزبور بين ما كان مع الواسطة أو بدونها.

لكن هذا كله فيما إذا صلى مع السجود مع كون مسجده مغصوباً ، أي يكون معتمداً في سجدته على الشي‌ء المغصوب ، وأما لو صلى مومئاً أو كان مسجده بالخصوص مباحاً فلا وجه للبطلان حينئذ ، لما مرّ غير مرّة من أنّ المدار في الفساد هو الاتحاد ، نعم بناء على التعميم كما هو المشهور اتجه البطلان على الإطلاق.

(١) حكى قدس‌سره عن بعض التفصيل بين التراب المغصوب الواقع تحت الأرض المباحة ولو بفصل عشرين ذراعاً ، وبين ما إذا كان مغصوب آخر مدفوناً فيها فحكم بالبطلان في الأول دون الثاني.

واعترض قدس‌سره عليه بعدم الفرق بين الصورتين وأن الحكم هو الصحة فيهما ، لمنع صدق التصرف إلا إذا توقف الاستقرار والوقوف في ذلك المكان على وجودهما بحيث صدق معه التصرف فيهما ، فالحكم حينئذ البطلان في كلتا الصورتين.

وما أفاده قدس‌سره في محلّه ، فانّ مجرّد وجود التراب تحت الأرض من دون توقف الاستقرار عليه بحيث كان وجوده كعدمه لا يحقق صدق التصرف بالاعتماد ولو مع الواسطة كما هو الحال في المدفون بعينه ، فالحال فيهما كما لو‌


[١٣٢٤] مسألة ٦ : إذا صلى في سفينة مغصوبة بطلت (١) وقد يقال بالبطلان إذا كان لوح منها غصباً ، وهو مشكل على إطلاقه ، بل يختص البطلان بما إذا توقف (١) الانتفاع بالسفينة على ذلك اللوح.

______________________________________________________

كان تحت الأرض خالياً عن كل منهما لفرض التساوي بين الوجود والعدم ، وحصول الاستقرار في ذاك المكان على كل حال. نعم لو كان الوقوف والاستقرار منوطاً به صدق معه التصرف المزبور واتجه البطلان حينئذ من دون فرق أيضاً بين الصورتين.

لكن البطلان مختص بصدق التصرف المزبور حالة السجود خاصة ، وإلا كما لو صلى مومئاً أو لم يكن في سجوده معتمداً على ذلك التراب أو المدفون صحت صلاته حينئذ كما مرّ مراراً.

(١) إذ لا فرق بينها وبين الأرض المغصوبة في صدق التصرف فيجري فيها ما يجري فيها ، فان قلنا هناك بالبطلان على الإطلاق للالتزام بالامتناع كما هو المشهور ، قلنا به في المقام أيضاً ، وإن خصصناه بذات السجود وحكمنا بالصحة للفاقدة له مع الإيماء إليه للالتزام بالجواز وعدم حصول الاتحاد في أجزاء الصلاة ما عدا السجود كما هو المختار ، جرى ذلك هنا أيضاً كما هو ظاهر ، هذا فيما إذا كانت السفينة كلها مغصوبة.

وأما إذا كان لوح منها مغصوباً فقد حكى في المتن عن بعضٍ القول بالبطلان ، ثم استشكل في إطلاقه وخصّه بما إذا توقف الانتفاع بالسفينة على ذلك اللوح ، ولعله يريد صدق التصرف حينئذ وإن كان خلاف ظاهر العبارة.

وكيف كان فقد ظهر مما مرّ الحكم بالصحة حتى في هذه الصورة إذا لم يسجد على ذاك اللوح ، والحكم بالبطلان لو سجد عليه ولو في غير هذه الصورة فالعبرة به لا بصدق الانتفاع.

__________________

(١) بل يختص بما إذا كان اللوح مسجداً.


[١٣٢٥] مسألة ٧ : ربما يقال ببطلان الصلاة على دابة خيط جرحها بخيط مغصوب وهذا أيضاً مشكل. لأن الخيط يعدّ تالفاً (١) ويشتغل ذمة الغاصب بالعوض إلا إذا أمكن ردّ الخيط إلى مالكه مع بقاء ماليته (١).

[١٣٢٦] مسألة ٨ : المحبوس في المكان المغصوب يصلي فيه قائماً (٢) مع الركوع والسجود إذا لم يستلزم تصرفاً زائداً على الكون فيه على الوجه المتعارف كما هو الغالب ، وأما إذا استلزم تصرفاً زائداً فيترك ذلك الزائد ويصلي بما أمكن من غير استلزام.

______________________________________________________

على أنه بمجرده لا حرمة فيه ما لم يتحقق معه التصرف إلا أن يريد منه ذلك كما أشرنا إليه.

(١) أما إذا عدّ الخيط تالفاً بحيث انتقل الضمان إلى القيمة فلا ينبغي الإشكال في الصحة لعدم بقاءٍ للعين على الفرض ، فلا موضوع للغصب كي يتحقق التصرف فيه ويبحث عن اتحاده مع الصلاة وعدمه.

وأما مع بقائه وإمكان الردّ على ما هو عليه من المالية فالظاهر أيضاً هو الصحة ، إذ لا تعدّ الصلاة على الدابة بل ولا الكون عليها تصرّفاً في ذلك الخيط بل ولا انتفاعاً به ، إذ ليس هناك نفع يعود إلى الراكب وإن انتفعت به الدابة ، فوجوده وعدمه بالنسبة إليه على حدّ سواء ، وليس نظير الاستظلال بجدار الغير أو الاستضاءة بنوره كما لا يخفى.

(٢) فإنه بعد اضطراره إلى إشغال الفضاء بالمقدار المعادل لحجم بدنه وإيقاع ثقله على الأرض بما يعادل وزنه وعدم اختلاف ذلك كمّاً ولا كيفاً باختلاف الطوارئ والهيئات ، من القيام والقعود والركوع والسجود والاضطجاع والاستلقاء وغيرها من سائر الأنحاء ، بل هو في جميع تلك الحالات على حد سواء ، ولم يختص اضطراره بأحد تلك الأكوان كما هو المفروض فلا محالة‌

__________________

(١) وعلى تقدير عدم عدّه من التالف تصحّ الصلاة أيضاً.


يتخير عقلاً بين الجميع لتساوي نسبة الغصب إلى الكل وعدم زيادة بعضها على بعض بشي‌ء.

ونتيجة ذلك وجوب الإتيان بصلاة المختار المشتملة على الركوع والسجود ، لعدم المانع عنها بعد استكشاف العقل بمقتضى الاضطرار المتعلق بجامع الكون في المكان المغصوب الترخيص العام لجميع تلك الافعال.

نعم ، هذا فيما إذا لم تستلزم تلك الصلاة تصرفاً زائداً على ما يقتضيه الكون في ذلك المكان ، وإلا كما لو حبس في قبة بعضها مفروش واستلزم الصلاة على غير المفروش منها السجود على الفرش المغصوب انتقل حينئذٍ إلى الصلاة إيماءً وسقطت الصلاة الاختيارية ، إذ السجود على الفرش تصرف زائد على ما تقتضيه طبيعة الكون في ذاك المكان الذي هو مصبّ الاضطرار دون التصرف في الفرش ، والضرورات تقدّر بقدرها.

وعلى الجملة : في فرض عدم استلزام الصلاة الاختيارية تصرّفاً زائداً على البقاء في المحبس وجبت وتعيّنت لما عرفت من أنّ الجسم لا يشغل من الفضاء أكثر من حجمه ، ولا يستوجب ثقلاً على الأرض أكثر من وزنه ، واختلاف الطوارئ والهيئات كيف ما اتفقت لا يؤثر فرقاً في شي‌ء من هاتين الجهتين بحكم العقل الكاشف عن أنّ الترخيص الشرعي في البقاء في ذلك المكان بمناط الاضطرار بعينه ترخيص في تلك الأفعال وإحداث تلك الهيئات بعد إذعانه بأنها من لوازم الوجود ولا تعدّ من التصرف الزائد.

فإن قلت : هذا إنما يستقيم بالإضافة إلى التصرف في الفضاء وأما بلحاظ التصرف في الأرض نفسها فكلاّ ، بداهة أنّ المصلي في حال القيام لا يتصرف في نفس الأرض إلا بمقدار موضع قدميه ، وأما في حال الجلوس فيتسع التصرف بمقدار مجلسه وبطبيعة الحال يكون الاتساع حال السجود أكثر ، وهذه تصرفات زائدة على ما يقتضيه طبع الكون في المكان الذي تعلق به الاضطرار. وبعبارة اخرى إشغال الفضاء لا يتغير عما هو عليه في شي‌ء من الأحوال‌


وأما المضطر إلى الصلاة في المكان المغصوب فلا إشكال في صحة صلاته (١)

______________________________________________________

بالبرهان المتقدم ، وأما إشغال الأرض فتغيره بذلك غير قابل للإنكار.

قلت : التصرف في الأرض الذي هو أمر في قبال الاستيلاء والإتلاف كما مرّ لا نعقل له معنى عدا إشغال الفضاء المجاور لها الذي لا يختلف الحال فيه ولا يتغير عما هو عليه باختلاف الطوارئ ، والهيئات باعتراف الخصم ، وأما مجرّد المماسة مع سطح الأرض فهي وإن اختلفت سعة وضيقاً ولم تكن من لوازم الكون كما ذكر لكنها بما هي مماسة لا تعدّ تصرفاً في الأرض بالضرورة وإلاّ لزم على المحبوس اختيار الوقوف على الجلوس مهما أمكن ، بل اختيار الوقوف على إحدى قدميه بقدر الإمكان تقليلاً للمماسة ، وليس كذلك قطعاً كما لا قائل به أصلاً.

وبالجملة : المتصرف في الأرض يتحقق معه أُمور ثلاثة : إشغال الفضاء ، وكون ثقله على الأرض ، ومماستها ، ومحقق التصرف هما الأوّلان ، والمفروض عدم تغيرهما عما هما عليه باختلاف الهيئات كما ذكر ، وأما الأخير فهو بمعزل عن الدخل في صدق التصرف كما لا يخفى.

والذي يكشف عن ذلك : أنه لو ركب على الدابة المغصوبة في الأرض المباحة فإن التصرف المحقق للغصب حينئذ إنما هو بجعل ثقله على الدابّة الذي لا يختلف الحال فيه بكونه قائماً عليها أو جالساً أو ساجداً أو نائماً. وأما المماسة فهي وإن اختلفت سعة وضيقاً باختلاف هذه الأفعال لكنها لا تعدّ عرفاً تصرفاً زائداً على الكون عليها بحيث يكون ممنوعاً عن السجود مثلاً زائداً على الكون لزعم أنه إحداث لمماسة زائدة.

والمتحصل من جميع ما ذكر : وجوب الصلاة على المحبوس اختياراً فيما إذا لم يلزم منها تصرف زائد لإباحة السجود له حينئذ ، وإلا فإيماءً.

(١) ربما يقال بعدم الفرق بين المضطر والمحبوس ، إذ الثاني من مصاديق‌


[١٣٢٧] مسألة ٩ : إذا اعتقد الغصبية وصلى فتبين الخلاف فان لم يحصل منه قصد القربة بطلت ، وإلا صحت (١).

______________________________________________________

الأول فلا موجب لتخصيص نفي الاشكال في الصحة بالأول ، بل هما واحد إشكالاً ووضوحاً.

أقول : الفرق هو أن المحبوس لم يكن مضطراً إلا إلى الكون في المكان المغصوب ولم يتعلق اضطرار من الجائر بالإضافة إلى الصلاة ، وحيث إن الصلاة لا تسقط بحال فهو بطبيعة الحال مضطر إلى جامع الصلاة الأعم من الاختيارية والاضطرارية ، وحكمه ما مرّ من لزوم اختيار الاولى لو لم تستلزم تصرفاً زائداً ، وإلا فالثانية.

وأما المضطر فمفروض كلامه قدس‌سره أنه مضطر إلى الصلاة في المكان المغصوب لا مجرد البقاء فيه كما في المحبوس ، فكان هناك جائر أجبره على الصلاة بحيث لا يمكنه التخلف عنه ، وظاهره أنّ متعلق الإجبار والاضطرار هي الصلاة الاختيارية ذات الركوع والسجود دون الأعم منها ومن الاضطرارية ، فلو أجبره الظالم على الصلاة الاختيارية أو أُقيمت هناك جماعة من قبل أبناء العامة بحيث لا يمكنه التخلف عنهم ، فلا إشكال حينئذ في صحة مثل هذه الصلاة وإن استلزمت تصرفاً زائداً في الغصب ، لارتفاع حرمته لدى الاضطرار حتى واقعاً ، ومعه لا وجه للحكم بالبطلان كما لو صلى فيه حال النسيان ، لانحصار المانع في الحرمة المفروض سقوطها.

(١) فصّل قدس‌سره حينئذ بين ما إذا لم يحصل منه قصد القربة فتبطل من أجل فقد الشرط ، أعني قصد التقرب المعتبر في تحقق العبادة ، وبين ما إذا حصل وتمشّى منه القصد فالصحة.

وما أفاده قدس‌سره هو الصحيح ، إذ لا مقتضي للبطلان في الثاني بعد حصول القصد وعدم ارتكاب الغصب ، فان المعتبر في صحة العبادة أمران :


صلاحية الفعل لأن يتقرب به ، وحصوله بداع قربي ، وكلا الركنين متحقق في المقام.

أما الأول : فلأن المفروض عدم غصبية المكان بحسب الواقع ، واعتقادها لا يغيّر الواقع عما هو عليه ، فلا تقصر الصلاة في هذا المكان عن غيره في صلاحيتها لأن يتقرّب بها.

وأما الثاني : فلأنه المفروض ، إنما الشأن في كيفية تمشّي قصد القربة بعد اعتقاد الغصبية والالتفات إلى الحكم والموضوع.

ويمكن فرضه فيما إذا كان جاهلاً بالحكم الوضعي أعني الفساد فلم يعلم ببطلان الصلاة في الدار المغصوبة ، وإن كان عالماً بالحكم التكليفي وموضوعه.

وقد يقال بالبطلان وإن تمشى منه القصد وحصلت النية ، من جهة أن الفعل المتجرّى به قبيح يستحق عليه العقاب ، فهو حرام بالعنوان الثانوي ، وإن لم يكن كذلك بعنوانه الأولي ، وصدوره منه مبغوض لا محالة ، ولا فرق في عدم إمكان التقرب بالمبغوض ، وعدم كون الحرام مصداقاً للواجب ، بين ما كان كذلك بعنوانه الأوّلي أو الثانوي لوحدة المناط.

وفيه : أنّ هذا وجيه بناء على القول بحرمة التجري شرعاً زائداً على قبحه عقلاً ، لكنه بمعزل عن التحقيق كما فصّلنا القول فيه في الأُصول. (١) وملخّصه : أن تعلق القطع بالشي‌ء لا يوجب تغيره عما هو عليه ، ولا يحدث فيه مصلحة أو مفسدة كي يستكشف منه الحكم الشرعي ، لقيام الملاكات بالموضوعات الواقعية عُلم بها أم جهل ، والقطع طريق بحت وليس بنفسه موضوعاً للحكم ، فلا يقاس بمثل الهتك المتضمن للمفسدة المستتبعة للحكم الذي متى انطبق على موضوع يحدث فيه مفسدة أو يوجب قلب صلاحه إلى الفساد.

نعم ، إنّ هذا الفعل المتجرّى به مضافاً إلى كشفه عن القبح الفاعلي وأنه خبيث الباطن سيّ‌ء السريرة يتصف بالقبح الفعلي بحكم العقل ، فإنه بنفسه‌

__________________

(١) مصباح الأُصول ٢ : ٢٢.


مصداق الطغيان على المولى ، والخروج عن زيّ الرقية ومراسم العبودية وتجاسر وتعد عليه ، ولا يشك العقل في قبح هذه العناوين بمحققاتها ، بعين الملاك الذي يدركه في المعصية الحقيقيّة ، إذ لا فرق بينها وبين التجري ، من هذه الجهة أصلاً ، لعدم صلوح المصادفة للواقع وعدمها التي هي أمر خارج عن الاختيار لأن يكون فارقاً بين البابين.

إلا أنّ هذا القبح العقلي لا يمكن أن يستكشف منه الحكم الشرعي بقاعدة الملازمة حتى يثبت بها حرمة الفعل المتجرّى به بالعنوان الثانوي كما ادّعي ، فان مورد القاعدة ما إذا كان الحكم العقلي واقعاً في سلسلة علل الأحكام لا ما إذا كان متأخراً عن الحكم الشرعي وواقعاً في طوله كما في المقام ، حيث إنّ حكم العقل بالقبح المزبور إنما هو بعد فرض ثبوت حكم من قبل الشارع كي تكون مخالفته طغياناً عليه وخروجاً عن زيّ الرقية كما هو الحال في المعصية الحقيقية ، غايته أنّ الحكم المفروض اعتقادي في المقام وواقعي في ذاك الباب وهو غير فارق كما لا يخفى.

فكما أنّ حكم العقل بقبح المعصية يستحيل أن يستتبع حكماً شرعياً وإلا لتسلسل ، إذ ذاك الحكم أيضاً يحكم العقل بقبح عصيانه فيستتبع حكماً شرعياً آخر وله أيضاً معصية أُخرى فيستتبع حكماً آخر وهلمّ جرّا ، فكذا في المقام حرفاً بحرف وطابق النعل بالنعل ، وتمام الكلام في محله.

وعليه فالفعل المتجرّى به باق على ما كان عليه من الجواز بالمعنى الأعم (١) ،

__________________

(١) ليت شعري بعد الاعتراف باتصاف الفعل المتجرّى به بالقبح الفعلي وكونه مصداقاً للطغيان المساوق للمبغوضية الفعلية كيف يمكن اتصافه بالعبادة ، وهل يكون المبغوض محبوباً والمبعّد مقرّباً ، وهل المناط في امتناع اجتماع الأمر والنهي الذي يبنى ( دام ظله ) عليه شي‌ء غير هذا. وعلى الجملة : ما يكون بالحمل الشائع مصداقاً للطغيان وموجباً للخروج عن زيّ الرقية والعبودية ، لا بد وأن يكون مبعّداً ، ومعه لا يعقل أن يكون مقرّبا. ومنه تعرف أنّ الحكم بالبطلان في المقام لا يبتني على استكشاف الحكم الشرعي ليناقش فيه بما


وأما إذا اعتقد الإباحة فتبين الغصبية فهي صحيحة من غير إشكال (١) (١).

[١٣٢٨] مسألة ١٠ : الأقوى صحة صلاة الجاهل بالحكم الشرعي (٢) وهي الحرمة (٢) وإن كان الأحوط البطلان خصوصاً في الجاهل المقصّر.

______________________________________________________

ولم يكن مصداقاً للحرام حتى بعنوان آخر ، فلا مانع من إمكان التقرب به واتصافه بالعبادية بعد صلوحه لها والإتيان به بداعٍ قربي كما هو المفروض.

(١) حكم قدس‌سره حينئذ بالصحة من غير اشكال ، وهو كذلك فيما إذا قطع بعدم الغصبية أو نسيها أو غفل عنها ، والجامع عدم احتمال الخلاف بحيث تكون الحرمة ساقطة حينئذ حتى واقعاً من جهة امتناع توجيه الخطاب اليه ، كما لعله منصرف كلام الماتن أو ظاهره لمكان التعبير بالاعتقاد فإن الصلاة حينئذ صحيحة بلا إشكال إلا في بعض الصور وهو ما إذا كان الناسي هو الغاصب كما مر لعدم المانع عنها لانحصاره بكون التصرف حراماً ولو واقعاً كي يمتنع أن يكون مصداقاً للواجب والمفروض عدمه كما عرفت.

وأما إذا كان ملتفتاً إلى الغصبية ومحتملاً لها ، بحيث كان الخطاب الواقعي شاملاً له وأمكن توجيهه إليه ولو بجعل الاحتياط الوجوبي أو الاستحبابي ، فالأظهر حينئذ البطلان كما مرّ غير مرّة ، فإن غاية ما يترتب على جهله العذري ارتفاع العقاب ، وإلا فالحرمة الواقعية بحالها وإن ثبتت الحلية ظاهراً ، ومن الواضح امتناع كون الحرام مصداقاً للواجب وعدم كون المبعد مقرّباً.

(٢) أفتى قدس‌سره أوّلاً بصحة صلاة الجاهل بالحكم أعني الحرمة ثم احتاط قدس‌سره أخيراً بالاحتياط الاستحبابي بالإعادة سيّما في الجاهل‌

__________________

أفاده ( دام ظله ).

ودعوى أنّ المناط في الامتناع هو كون المبغوض الشرعي محبوباً لا مطلق المبغوض ولو عقلاً ، غير واضحة.

(١) تقدم الاشكال بل المنع في بعض صوره.

(٢) حكمه حكم الجاهل بالموضوع ، وقد تقدّم.


[١٣٢٩] مسألة ١١ : الأرض المغصوبة المجهول مالكها لا يجوز التصرف فيها ولو بالصلاة ، ويرجع أمرها إلى الحاكم الشرعي (١) ، وكذا إذا غصب آلات وأدوات من الآجر ونحوه وعمر بها داراً أو غيرها ثم جهل المالك ، فإنه لا يجوز التصرف ويجب الرجوع إلى الحاكم الشرعي (١).

______________________________________________________

المقصّر.

وهذا كما ترى من غرائب الكلام ، ضرورة أنّ الجاهل المقصّر لا خلاف كما لا إشكال في إلحاقه بالعامد ، لتنجز الواقع عليه بعد عدم كون جهله عذراً له ، فالتصرف الصادر منه زائداً على استحقاقه العقاب عليه متصف بالحرمة الفعلية من جهة تمامية البيان وتقصيره في الفحص والسؤال كما يتفق كثيراً في بعض مسائل الإرث ، وقد صرح هو قدس‌سره بنفسه بالإلحاق المزبور في غير مورد من كلماته مما مرّ ويأتي.

وعليه فلا ريب في البطلان في الجاهل المقصّر ، وإنما الخلاف في الجاهل القاصر الذي لتوهم الصحة فيه مجال كما عليه المشهور ، بدعوى أنه حيث كان معذوراً في ارتكابه لعدم تنجز الواقع عليه بعد وجود المؤمّن الدافع لاحتمال العقاب ، فلا يصدر عنه بصفة المبغوضية ، فلا مانع من صحته ووقوعه عبادة ، وإن ناقشنا في هذه المقالة مراراً وقلنا إن غاية ما يترتب على العذر رفع استحقاق العقاب وإلا فالمبغوضية والنهي الواقعي باقيان على حالهما ، والحرام يمتنع أن يكون مصداقاً للواجب تنجّز أم لا.

وكيف كان ، فمورد الخلاف هو القاصر فقط ، واحتياطه بالإعادة إنما يتجه فيه بعد اختيار مسلك المشهور. وأما المقصّر فالبطلان فيه متعين اتفاقاً ، فلا وجه لتعميم الاحتياط بالنسبة إليه كما هو ظاهر.

(١) ذكر قدس‌سره أنه لا يجوز التصرف في الأرض المغصوبة المجهول‌

__________________

(١) على الأحوط.


مالكها ، وكذا آلاتها وأدواتها من الآجر ونحوه إذا كانت مغصوبة ولم يعرف لها مالك ، وذلك لإطلاق دليل المنع عن التصرف في مال الغير من دون إذنه الشامل لصورتي معلومية المالك ومجهوليته.

وذكر قدس‌سره أنه يجب الرجوع حينئذ إلى الحاكم الشرعي الذي هو ولي الغائب والاستئذان منه.

أقول : وجوب الرجوع إلى الحاكم في مثل المقام مبني على ثبوت الولاية المطلقة للفقيه وهو في حيّز المنع ، لقصور الأدلة عن إثبات ذلك كما تعرضنا له في بحث المكاسب (١).

نعم ، يجب الرجوع إليه في كل مورد كان مقتضى الأصل أو الدليل عدم جواز التصرف فيه ، وقد علمنا من الخارج عدم رضا الشارع باهماله والإعراض عنه ، ووجوب التصدي له والقيام به حسبة ، وهذا هو المعبّر عنه بالأُمور الحِسبية ، كما لو كان مال الغير في معرض التلف من غرق أو حرق ونحوهما ، وكما في أموال الأيتام والقاصرين الّذين لم يكن لهم قيّم وولي ، فإنه يجوز أو يجب التصرف والتصدي له ، فينقلب حينئذ مقتضى الأصل الأوّلي إلى الثانوي.

إلا أنّ المتيقن منه ما إذا كان ذلك بإذن الحاكم الشرعي ، لأن الواجب القيام إليه كفايةً ، ومن الجائز اختصاص ذلك بالحاكم ، لاحتمال ثبوت الولاية المطلقة له ، فيدور الأمر بين الاختصاص به أو التعميم له ولغيره ، فيكون من باب الدوران بين التعيين والتخيير ، والمتيقن من الخروج عن مقتضى الأصل الأولي إنما هو بالنسبة إلى الحاكم ، وأما غيره فحيث لا دليل عليه فيبقى تحت الأصل ، ونتيجة ذلك اختصاص التصرف به أو أن يكون باذنه ، فلا يجوز للغير التصدي من دون الرجوع إليه.

__________________

(١) مصباح الفقاهة ٥ : ٣٤.


[١٣٣٠] مسألة ١٢ : الدار المشتركة لا يجوز لواحد من الشركاء التصرف فيها إلا بإذن الباقين (١).

[١٣٣١] مسألة ١٣ : إذا اشترى داراً من المال غير المزكّى أو غير المخمّس (٢) يكون بالنسبة إلى مقدار الزكاة أو الخمس فضولياً (١) ، فإن أمضاه الحاكم ولاية على الطائفتين من الفقراء والسادات يكون لهم ، فيجب عليه أن يشتري هذا المقدار من الحاكم ، وإذا لم يمض بطل وتكون باقية على ملك المالك الأول.

______________________________________________________

هذا في غير مجهول المالك ، وأما فيه فلا حاجة للرجوع إليه (١) بعد عموم ما دل على أن المال المجهول مالكه يتصدق به عن صاحبه ويتصرف فيه ، الشامل بإطلاقه للمقام أعني المغصوب ، فإنه إذن من المالك الحقيقي وهو الله تعالى ، فيخرج عن موضوع التصرف في مال الغير بغير إذنه ، لتحقق الاذن كما عرفت ، فلا حاجة إلى الاستئذان من الحاكم. نعم لا ريب أنه أحوط.

(١) لما دل على المنع من التصرف في مال الغير بغير إذنه الشامل بإطلاقه للمال المشاع وغيره.

(٢) مفروض الكلام ما إذا اشترى الدار بعين المال الذي فيه الزكاة أو الخمس بحيث كان نفس المال طرفاً للإضافة في مقام المعاملة ثمناً أو مثمناً ، وأما إذا اشتراها بثمن كلي في ذمته وفي مقام التسليم والوفاء أداه من ذاك المال فلا إشكال حينئذ في الصحة كما لا يخفى.

__________________

(١) الظاهر هو الفرق بين الخمس والزكاة ، فان المال المشترى بما لم يخمّس ينتقل الخمس إليه في مورد التحليل بلا حاجة إلى إمضاء الحاكم ، وأمّا المشترى بما لم يزك فالحكم فيه كما في المتن ، إلا أنّ للمشتري تصحيح البيع بأداء الزكاة من ماله الآخر بلا حاجة إلى مراجعة الحاكم.

(١) وقد بنى ( دام ظله ) على ذلك في بحث المكاسب أيضاً [ مصباح الفقاهة ١ : ٥٢٢ ] ولكنه عدل عنه في كتاب الخمس واحتاط لزوماً بالاستئذان من الحاكم الشرعي ، لاحظ الخمس من كتابنا [ الخامس ممّا يجب فيه الخمس ، بعد المسألة ٢٩٠٣ ].


ويقع الكلام تارة : في المال غير المزكى وأُخرى غير المخمس فهنا مقامان :

أما المقام الأول : فالظاهر من نصوص الباب التي منها قوله عليه‌السلام : ما أنبتته الأرض ففيه الزكاة (١) أنّ الزكاة متعلق بنفس العين ، وإن اختلفوا في أنّ ذلك بنحو الكلي في المعيّن أو الإشاعة وحصول الشركة في العين ، أو الاشتراك في المالية.

وعلى أي حال فظاهر الأصحاب الاتفاق عليه كما يساعده ظواهر النصوص ، بل إنّ في بعضها التصريح بالشركة كما ورد إن الله تعالى شرّك الفقراء مع الأغنياء في أموالهم (٢) فليس ذلك حقاً ثابتاً في الذمة كما في الدين ، بل الحق ثابت في العين نفسها بأحد الأنحاء الثلاثة.

وعليه فلو اشترى بما فيه الزكاة شيئاً ، فبما أنّ مقدار الزكاة باقٍ بعد على ملك الفقراء ، فقد اشترى المبيع بالمال المشترك بينه وبين غيره ، فيتوقف نفوذ البيع الذي هو فضولي بالنسبة إليه على إذنه ، وبما أنّ المالك هو كلي الفقير دون المعيّن كي يعتبر إذنه ، إذ لم يدفع إليه بعد حتى يملكه ، فلا بدّ من الاستجازة من الحاكم الشرعي الذي هو ولي عليهم ، فإن أجاز وأمضى صحّ البيع في الجميع ، وانتقلت الشركة بينه وبين الفقراء من المال الزكوي إلى بدله وهو الدار مثلاً ، وإذا اشترى بعد ذلك حصتهم من الحاكم صار جميع الدار ملكاً له. وأما إذا لم يمض الحاكم ولم يجز البيع بطل بذلك المقدار وبقي على ملك المالك الأول ، هذا.

ويمكنه التخلّص بوجه آخر لا حاجة معه إلى الاستجازة من الحاكم ، وهو أن يؤدّي الزكاة من مال آخر ، إذ لا يعتبر أداؤها من نفس العين وإن كانت متعلقة بها ، كما تدل عليه صريحاً صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل لم يزك إبله أو شاته عامين فباعها ، على من اشتراها أن يزكيها لما مضى؟ قال : نعم تؤخذ منه زكاتها ويتبع بها‌

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٦٧ / أبواب ما تجب فيه الزكاة ب ١١ ح ٤. ( نقل بالمضمون ).

(٢) الوسائل ٩ : ٢١٩ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤ ح ٤. ( نقل بالمضمون ).


البائع أو يؤدي زكاتها البائع » (١) فان قوله عليه‌السلام « أو يؤدي ... » إلخ صريح في جواز الأداء من غير المال.

وعليه فبعد الأداء وسقوط الزكاة يملك المال بأجمعه وقد وقع عليه عقد قبل ذلك ، فيدخل في كبرى من باع شيئاً ثم ملك ، والأقوى صحته وإن توقف على إجازته كما تعرضنا له في محله (٢).

وأما المقام الثاني : أعني الشراء بمال فيه الخمس ، أو بيع ما فيه الخمس ، والضابط التصرف في المال غير المخمّس بجعله ثمناً أو مثمناً ، أو غير البيع من سائر التصرفات الناقلة من الهبة أو غيرها لاتحاد المناط في الجميع ، فالكلام يقع تارة : من حيث الحكم التكليفي ، وأُخرى : من حيث الحكم الوضعي ، أعني نفوذ المعاملة في المقدار المعادل للخمس وعدمه.

أما الجهة الأُولى : فالظاهر الحرمة ، فإن الخمس كالزكاة متعلق بالعين ، فالمقدار المعادل له ملك للغير ، فيشمله إطلاق ما دل على المنع من التصرف في ملك الغير الشامل للمشترك وغيره ، فالبيع بنفسه أعني إنشاء العقد وإن لم يكن تصرفاً ، إلا أنّ ما يستتبعه من التسليم الخارجي والوفاء والأداء مصداق للتصرف في مال الغير من دون إذنه فيحرم ، ولا فرق بين الخمس والزكاة من هذه الجهة كما لا يخفى لعين ما ذكر. وقد وردت بذلك نصوص كثيرة وفيها المعتبرة حتى أنّ صاحب الوسائل عقد لعدم جواز التصرف في الخمس باباً مستقلا (٣).

وأما الجهة الثانية : فالمشهور عدم نفوذ المعاملة ووقوعها فضولياً فيما يعادل الخمس كما ذكره في المتن فتحتاج إلى إجازة الحاكم ، فإن أمضاها ولاية على السادات وقع لهم فيجب شراء هذا المقدار من الحاكم ، وإلا بطل وبقيت الدار‌

__________________

(١) الوسائل ٩ : ١٢٧ / أبواب زكاة الأنعام ب ١٢ ح ١.

(٢) ربما يظهر من المحاضرات في الفقه الجعفري ٢ : ٤١١ ٤١٢ خلافه.

(٣) الوسائل ٩ : ٥٣٧ / أبواب الأنفال ب ٣.


المشتراة بهذا المال مثلاً على ملك المالك الأول في مقدار الخمس ، فهو والزكاة سيّان من هذه الجهة.

لكن الظاهر صحة المعاملة من دون احتياج إلى مراجعة الحاكم الشرعي ، وذلك لمكان أخبار التحليل ، وأنهم عليهم‌السلام أباحوا لشيعتهم التصرف فيما يصل إليهم مما فيه حقوقهم عليهم‌السلام تفضلاً عليهم وإرفاقاً بهم ، كي لا يقعوا في كلفة وضيق من حيث المناكح والمساكن والمتاجر ، فإنه لو كان حقهم فيه يشكل أمر النكاح (١) لو جعل صداقاً. بل لو تزوج الأمة أو اشتراها وكانت بنفسها من الغنائم أدى إلى الزنا ، وكذا المسكن للزوم الغصب ، وكذا الاتجار للزوم دفع المشتري الخمس زائداً على الثمن فيقعوا في ضيق وحرج ، ففسحوا عليهم‌السلام لهم المجال ووسّعوا عليهم وأباحوا لشيعتهم كل ما يقع في أيديهم مما فيه الخمس ، وقد نطقت بذلك جملة وافرة من النصوص وفي بعضها بعد ما سأله السائل بقوله : « جعلت فداك تقع في أيدينا الأموال والأرباح وتجارات نعلم أنّ حقك فيها ثابت ، قال عليه‌السلام : ما أنصفناكم إن كلّفناكم ذلك اليوم » (٢). وقد عقد لها في الوسائل باباً مستقلا (٣).

هذا ، والمشهور خصّوا مورد التحليل بمن يستحل الخمس ، فحملوا هذه الأخبار على ما إذا وصل المال إلى الشيعة ممن لا يعتقد بالخمس كأبناء العامة ، دون من يعتقد به ولا يؤديه كفسقة الشيعة ، ولم نعرف وجهاً للتخصيص بعد إطلاق الأخبار. وتمام الكلام في محله (٤).

وبالجملة : لا ريب أنّ الخمس كبقية الأحكام واجب على المخالف والموافق ، بل الكفار أيضاً بناء على تكليفهم بالفروع كالأُصول ، وأنه حق متعلق بالعين‌

__________________

(١) يختص الاشكال بل البطلان بالنكاح المنقطع ولا يجري في الدائم كما لا يخفى.

(٢) الوسائل ٩ : ٥٤٥ / أبواب الأنفال ب ٤ ح ٦.

(٣) الوسائل ٩ : ٥٤٣ / أبواب الأنفال ب ٤.

(٤) العروة الوثقى ٢ : ١٩٩ / ٢٩٧٩.


[١٣٣٢] مسألة ١٤ : من مات وعليه من حقوق الناس كالمظالم أو الزكاة أو الخمس لا يجوز لورثته التصرف في تركته (١) ولو بالصلاة في داره قبل أداء ما عليه من الحقوق (١).

______________________________________________________

كما مرّ يتبعها أينما تحققت وإن انتقلت إلى الغير ، ولازمه بطلان النقل بنسبته لكونه تصرفاً في ملك الغير بغير إذنه ، غير أنهم عليهم‌السلام أباحوا حقهم وأذنوا في هذا التصرف ، ولازمه انتقال الحق من العين إلى العوض لو كان له عوض ، وإلا كما في الهبة غير المعوضة ينتقل إلى ذمة مَن عليه الخمس ، سواء أكان ممن يعتقد به أم لا ، فاذا كان الموافق فضلاً عن المخالف له مال فيه الخمس فاشترى به داراً فمقتضى أخبار التحليل صحة هذا البيع ونفوذه من دون حاجة الى مراجعة الحاكم لصدور الاذن العام ممّن هو المالك لأمر الخمس ، أعني الإمام عليه‌السلام فيملك البائع جميع المال أعني الثمن وينتقل الخمس منه إلى بدله أعني الدار ، ولو نقله بلا عوض كما لو وهب المال صح وانتقل الخمس إلى الذمة.

ويؤيد ما ذكرناه من انتقال الخمس إلى العوض : رواية حارث بن حصيرة الأزدي الواردة في من وجد كنزاً فباعه بغنم ، حيث حكم الامام عليه‌السلام بتعلق الخمس بالغنم (١) والرواية وإن كانت ضعيفة السند لكنها مؤيدة للمطلوب.

(١) ذكر قدس‌سره في هذه المسألة أنه لا يجوز التصرف في تركة مَن مات وعليه من حقوق الناس شي‌ء من المظالم أو الزكاة أو الخمس قبل أداء ما عليه من الحقوق ، وذكر ( قدس سرّه ) في المسألة الآتية أنّ من مات وعليه دين‌

__________________

(١) إذا كان الحق ثابتاً في ذمة الميت فالحكم فيه ما نذكره في الفرع الآتي ، وإن كان ثابتاً في الأعيان فلا يجوز التصرف فيها قبل الأداء أو الاستئذان من الحاكم في غير ما كان الحق من الخمس بل فيه أيضاً على الأحوط.

(١) الوسائل ٩ : ٤٩٧ / أبواب ما يجب فيه الخمس ب ٦ ح ١.


لا يجوز التصرف فيها مع الاستيعاب ، ومع عدمه يجوز بشرط العلم برضا الديّان أو إذنهم فيه ، وكذا إذا كان بعض الورثة قاصراً أو غائباً.

وغير خفي أنّ المسألتين من وادٍ واحد ، فان المظالم أو الزكاة ونحوهما أيضاً من مصاديق الدين ، والكل بعد الموت متعلق بالعين ، فمناط البحث مشترك في الجميع ، ومعه لا حاجة الى عقد مسألتين وإفراد كل منهما بالذكر ، غاية الأمر أنّ الدائن في باب الخمس والزكاة ونحوهما حيث لم يكن شخصاً خاصاً ، إذ المالك هو الجهة أعني عنوان الفقراء أو السادات ، كان التصرف منوطاً بإذن الحاكم الذي هو ولي عليهم ، وفي باب الدين يكون المالك هو الغريم فيعتبر إذنه بخصوصه ، وهذا لا يكون فارقاً في مناط البحث بين البابين كما لا يخفى.

بل يلحق بها الحج ، فإنه أيضاً من مصاديق الدين وحق من الله تعالى متعلق بعد الموت بالعين يجب إخراجه منها كبقية الديون ، فهو أيضاً داخل في محل البحث.

وتفصيل الكلام في المقام : أنّ الأصحاب ( قدّس الله أسرارهم ) بعد اتّفاقهم على انتقال التركة إلى الورثة بمجرد الموت إذا لم يكن وصية ولا دين ، وعلى انتقال ما زاد عليهما مع وجودهما أو أحدهما ، اختلفوا في انتقالها مع الدين المستوعب وانتقال ما يقابل الدين غير المستوعب على قولين ، نسب كل منهما إلى جماعة كثيرين ، وليس أحدهما مشهوراً بالإضافة إلى الآخر.

أحدهما : الانتقال ، فجميع المال ينتقل إلى الوارث بمجرد موت المورّث ، غايته أنّه متعلق لحق الديان ، وكأنّ مبنى هذا القول امتناع بقاء الملك بلا مالك ، فبعد خروجه عن ملك المورّث بمجرد موته لعدم قابليته للملكية حينئذ ، ينتقل إلى ملك الوارث ، وإلا لزم المحذور المزبور.

ثانيهما : عدم الانتقال فيبقى الكل في فرض الاستغراق وبمقدار الدين على ملك الميت ، ولا يملك الورثة إلا ما زاد عليه ، فتحصل الشركة بينهم وبين الميت في العين ، فالدين مانع عن انتقال مقداره إلى الوارث ، لكنه مانع بقاء ما دام هو‌


باقياً ، فلو ارتفع كما لو أدى الوارث الدين من مال آخر أو تبرّع به شخص آخر أو أبرأه الغريم بحيث فرغت ذمة الميت عن الدين انتقل المال حينئذ بأجمعه إلى الوارث.

ويترتب على القول الأول جواز تصرف الوارث في العين لو رضي به ذو الحق ، فإنه تصرف في ملك نفسه ، غايته متعلق لحق الغير والمفروض إذنه في ذلك ، فلا يشمله عموم المنع عن التصرف في ملك الغير لعدم الموضوع له. وهذا بخلاف القول الثاني فإنه لا يجوز التصرف فيه وإن أذن به من له الحق ، إذ المفروض بقاؤه على ملك الميت فهو من التصرف في ملك الغير الممنوع عنه لا من التصرف في ملكه المتعلق لحق الغير كي يعتبر إذنه كما كان كذلك على القول الأول ، فلا بد من الاستئذان من المالك وهو الميت ، وحيث لا يمكن ، يستأذن من وليّه وهو الحاكم ، فالعبرة بإذنه لا بإذن الغريم.

هذا ، والظاهر من الماتن اختياره القول الأول لتجويزه التصرف في العين لو رضي به الديان الذي هو من لوازم هذا القول كما عرفت.

وحينئذ فيتوجه عليه أوّلاً : أنه لا وجه لتخصيص ذلك بالدين غير المستغرق كما صنعه قدس‌سره في المتن ، بل لازمه تجويز التصرف حتى في المستغرق لو رضي به الديان ، إذ المفروض بناء على هذا القول الذي استظهرنا اختياره من الماتن انتقال التركة بأجمعها إلى الوارث فهي ملك لهم ، غايته أنه متعلق لحق الغير ، فلو أذن جاز التصرف لوجود المقتضي وعدم المانع ، ولا مدخل للاستغراق وعدمه في ذلك كما لا يخفى.

وثانياً : أنه لا حاجة إلى الاذن حتى في المستغرق فضلاً عن غيره ، فان الممنوع إنما هو مزاحمة حق الغرماء التي لا تتحقق إلا بتصرف يوجب إعدام الموضوع وإفناء متعلق الحق كإتلافه الحقيقي أو الاعتباري ، مثل إحراقه أو إعتاقه أو وقفه ونحوها مما لا يبقى معه مجال لإعمال الحق ، وأما مجرّد التصرف كالصلاة واللبس ونحوهما مما لا يزاحم الحق ، فلا وجه لمنعه بعد كونه تصرفاً‌


في ملك المتصرف ، كما ذكرنا نظير ذلك في حق الرهانة ، بل لم نستبعد هناك التصرف بمثل البيع أيضاً فضلاً عن الصلاة ونحوها فراجع ولاحظ (١).

وعلى الجملة : بعد البناء على انتقال التركة بأجمعها إلى الورثة وأنه ليس في البين عدا تعلق حق الغير بها كما في العين المرهونة ، فاللازم رعاية للحق عدم جواز مزاحمته لا عدم جواز التصرف في متعلقه وبينهما عموم من وجه ، فالتصرف غير المزاحم لا دليل على حرمته بعد عدم كونه تصرفاً في ملك الغير ، فلا حاجة إلى الاستئذان وإن استغرق الدين كما لا يخفى.

ويتوجه على ما ذكرناه مما يترتب على القول الثاني من عدم جواز تصرف الوارث في التركة وإن أذن به الغريم لكونه من التصرف في ملك الغير ، وهو الميت الذي لا يفرق فيه بين المشترك وغيره أنّ ذلك إنما يستقيم لو كان الاشتراك الحاصل بين الوارث والميت من قبيل الإشاعة في العين بحيث يكون للميت ملك مشاع بنسبة حصته سارٍ في التركة ، فيكون كل جزء منها مشتركاً بينهما لا يجوز التصرف لأحدهما بدون رضا الآخر ، إلا أنّ هذا المبنى غير سديد ، إذ لازمه أنه لو تلف بعض التركة تلفاً غير مضمون على الوارث أي لم يكن مستنداً إليه كتلف سماوي من حرق ونحوه يكون التالف محسوباً عليه وعلى الميت بنسبة الاشتراك ، كما هو الحال في كل شريكين ، حيث إنّ الربح لهما والتاوي عليهما ، فلو كانت التركة ألفاً والدين مائة وقد تلف منها خمسمائة ، فاللازم أن لا يملك الميت حينئذ إلا خمسين ، فلا يعطى الديان أكثر من ذلك ، مع أنه باطل جزماً ولا قائل به ، فان التلف يحسب حينئذ على بقية التركة ولا ينقص عن الدين شي‌ء اتفاقاً ، فيكشف ذلك عن أنّ الشركة الحاصلة بينهما ليست بنحو الإشاعة ، بل الصواب أنها بنحو الكلي في المعيّن (٢). فمقدار مائة‌

__________________

(١) ص ٩ ، وراجع مصباح الفقاهة ٥ : ٢٣٨.

(٢) كونه على هذا النحو إنما يتجه فيما إذا كان الدين من جنس التركة ، ومن ثم التزم


دينار مثلاً يملكه الميت من مجموع التركة ، لا أنه شريك مع الوارث في كل جزء منها بنسبة دينه كما هو مقتضى الإشاعة ، ومن الواضح أنّ من باع صاعاً من الصبرة بنحو الكلي في المعيّن دون الإشاعة فله التصرف في تلك الصبرة إلى أن يبقى منها مقدار ما ينطبق عليه الكلي أعني الصاع من دون حاجة إلى الاستئذان من المشتري كما يحتاج إليه لو باعه إياه مشاعاً فإنه تصرف في ملكه لا في ملك الغير. نعم بعد بلوغ ذلك الحد حيث إن الكلي ينطبق على الباقي حينئذ قهراً فيستقر فيه الحق ولا يجوز التصرف فيه.

وعليه فيجوز في المقام التصرف للورّاث بمقدار يبقى معه ملك الميت من دون حاجة إلى الاستئذان لا من الغرماء ولا من الحاكم الشرعي كما لا يخفى.

هذا ، والأظهر من القولين المتقدمين (١) هو الثاني منهما ، أعني عدم الانتقال وبقاء مقدار الدين على ملك الميت ، فإنه بعد معقوليته في مقام الثبوت بداهة أن الملكية من الأُمور الاعتبارية ولا مانع من اعتبار العقلاء إياها حتى بالإضافة إلى الجماد فيما إذا ترتب أثر على هذا الاعتبار ، ومن هنا تعتبر مالكية المسجد أو الكعبة أو الجهة ونحوها ، ومنها الميت الذي لا يقصر عنها ، فلا يلزم من عدم الانتقال إلى الوارث بقاء الملك بلا مالك. على أنّ ذلك مقتضى الاستصحاب ، للشك في انقطاع العلاقة الملكية الأبدية الثابتة حال الحياة بمجرد الموت فيما عدا المتيقن منه.

أنّ ذلك مقتضى ظواهر الأدلة في مقام الإثبات من الآيات والروايات ، قال تعالى ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) (٢) وظاهره كما ترى أنّ مرتبة‌

__________________

( دام ظله ) في باب الزكاة ( العروة ٢ : ١١٣ / ٢٦٨٨ ) بأن الشركة فيه من قبيل الشركة في المالية لا الكلي في المعين. إلا أن يقال : إنّ الدين حينئذ هو كلي المالية المقدرة والمتحققة في المعيّن الخارجي.

(١) في ص ٤٠.

(٢) النساء ٤ : ١١.


[١٣٣٣] مسألة ١٥ : إذا مات وعليه دين مستغرق للتركة لا يجوز للورثة ولا لغيرهم التصرف في تركته قبل أداء الدين ، بل وكذا في الدين غير المستغرق ، إلا إذا علم رضا الديان (١) ، بأن كان الدين قليلاً والتركة كثيرة والورثة بانين على أداء الدين غير متسامحين ، وإلا فيشكل حتى الصلاة في داره ، ولا فرق في ذلك بين الورثة وغيرهم ، وكذا إذا لم يكن عليه دين ولكن كان بعض الورثة قاصراً أو غائباً أو نحو ذلك (١).

______________________________________________________

الإرث متأخرة عنهما ، فلا يورث إلا ما زاد عليهما ، ولا ينتقل إلى الوارث إلا المقدار الفاضل منهما. فهذا التعبير الوارد في الآية نظير ما ورد من أن الخمس بعد المئونة ، فكما أنّ المئونة لا تحسب من الخمس فكذا الدين والوصية لا يحسبان من الميراث.

وأما النصوص : فقد تضمن غير واحد منها الترتيب في مصرف التركة وأنه يبدأ أوّلاً بالتجهيز من الكفن والدفن ، ثم بعده الدين ثم الوصية ، ثم الميراث (١). ومفادها المطابق للآية المباركة أنّ موضوع الإرث هو ما يتركه الميت بعد إخراج هذه الأُمور ، فلا ينتقل إلى الوارث إلا ما زاد عليها ، فلا منافاة بينها وبين عموم ما تركه الميت من حق أو مال فلوارثه كما لا يخفى ، لتخصيص العموم بهذه الأدلة.

(١) قد ظهر من جميع ما ذكرناه الفرق بين التصرف في حق الديان وبين التصرف في ملك القاصر أو الغائب ، فإن الملكية في الأول على سبيل الكلي في المعيّن الذي لا يحتاج التصرف معه إلى الاستئذان ، بخلاف الثاني فإن المال حينئذ مشترك بين جميع الورثة ومنهم القاصر أو الغائب بنحو الإشاعة ، فلا‌

__________________

(١) الظاهر كفاية البناء على أداء الدين من غير مسامحة في جواز التصرف بلا حاجة إلى إحراز رضا الديّان.

(١) الوسائل ١٩ : ٣٢٩ / كتاب الوصايا ب ٢٨.


[١٣٣٤] مسألة ١٦ : لا يجوز التصرف حتّى الصلاة في ملك الغير إلا بإذنه الصريح أو الفحوى أو شاهد الحال والأوّل : كأن يقول : أذنت لك بالتصرف في داري بالصلاة فقط ، أو بالصلاة وغيرها (١).

والظاهر عدم اشتراط حصول العلم برضاه ، بل يكفي الظن (١) الحاصل بالقول المزبور ، لأن ظواهر الألفاظ معتبرة عند العقلاء.

والثاني : كأن يأذن في التصرف بالقيام والقعود والنوم والأكل من ماله ، ففي الصلاة بالأولى يكون راضياً ، وهذا أيضاً يكفي فيه الظن على الظاهر ، لأنه مستند إلى ظاهر اللفظ إذا استفيد منه عرفاً ، وإلا فلا بد من العلم بالرضا ، بل الأحوط اعتبار العلم مطلقاً.

والثالث : كأن يكون هناك قرائن وشواهد تدل على رضاه كالمضائف المفتوحة الأبواب والحمّامات والخانات ونحو ذلك ، ولا بدّ في هذا القسم من حصول القطع (٢) بالرضا ، لعدم استناد الاذن في هذا القسم إلى اللفظ ولا دليل على حجية الظن غير الحاصل منه.

______________________________________________________

يجوز التصرف من أحدهم إلا بإذن الآخرين ، لعموم المنع من التصرف في ملك الغير بغير إذنه الشامل للمشترك وغيره كما مرّ غير مرّة ، وعليه فلا بد من الاستئذان منهما ، وحيث لا يمكن فيجب الرجوع إلى الحاكم الشرعي الذي هو ولي عليهما.

(١) تفصيل الكلام يستدعي البحث في جهات :

الاولى : هل المناط في جواز التصرف في ملك الغير هو مجرد الرضا الباطني وطيب نفسه به ، أو أنّ العبرة بإبراز ذلك بإذن ونحوه كما هو المعتبر في باب‌

__________________

(١) لعلّه أراد به الظن النوعي ، وإلاّ فالظن الشخصي لا اعتبار به وجوداً وعدماً وكذا الحال فيما بعده.

(٢) وفي حكمه الاطمئنان به.


المعاملات بلا ارتياب ، ومن هنا لا تحصل الإجازة في العقد الفضولي إلا بإبراز المالك رضاه به وإمضاء العقد بما يدل عليه من قول أو فعل؟

الأقوى هو الأول ، ويدلّ عليه بعد السيرة الشرعية ، بل بناء العقلاء كافة الممضى لدى الشارع بعدم الردع على جواز التصرف في مال الغير بمجرد العلم برضاه وإن لم يصدر منه إذن في الخارج كما لا يخفى ، قوله عليه‌السلام في موثقة سماعة : « لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه » (١) والتقييد بالإسلام لمكان الاهتمام بشأنه ، وإلا فالحكم يعمّه والكافر الذمي مع قيامه بشرائط الذمة.

وكيف كان ، فقد أنيطت حلية المال وجواز التصرف فيه بمجرد طيب النفس ، سواء أُبرز ذلك بمثل الإذن أم لا بمقتضى الإطلاق. وتؤيدها رواية تحف العقول (٢) المشتملة على هذا المضمون وإن كانت ضعيفة السند.

نعم ، بإزائها التوقيع المروي عن الاحتجاج : « لا يجوز التصرف في مال الغير إلا بإذنه » (٣) الظاهر في اعتبار الاذن وعدم جواز التصرف بدونه وإن تحقق الطيب.

لكن التوقيع لا يصلح للمعارضة مع الموثق ، إذ مضافاً إلى ضعف سنده كما لا يخفى ، لا دلالة فيه على اعتبار الإذن بما هو كذلك ، بحيث يكون لهذا العنوان مدخلية في جواز التصرف ، بل المتبادر منه عرفاً بمناسبة الحكم والموضوع أنّ أخذه بعناية الطريقية وكونه كاشفاً نوعاً عن الرضا الباطني الذي هو مناط الجواز ، فهو مأخوذ في موضوع الدليل على سبيل الطريقية دون الموضوعية ، نظير التبين المعلّق عليه الإمساك في آية الصوم (٤) ، حيث إنّ الموضوع لوجوب‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٢٠ / أبواب مكان المصلي ب ٣ ح ١.

(٢) الوسائل ٥ : ١٢٠ / أبواب مكان المصلي ب ٣ ح ٣ ، تحف العقول : ٣٤.

(٣) الاحتجاج ٢ : ٥٥٩ / ٣٥١ ( نقل بالمضمون ).

(٤) البقرة ٢ : ١٨٧.


الإمساك هو طلوع الفجر واقعاً ، والتبين طريق إليه لا أنه هو الموضوع.

هذا مع أنه على تقدير تسليم المعارضة فحيث إنها بالإطلاق والنسبة عموم من وجه ، حيث دل الموثق على إناطة الحل بالطيب سواء قارنه الاذن أم لا ، ودل التوقيع على المنع عن التصرف مع عدم الاذن سواء كان معه طيب أم لا ، فيتعارضان في مادة الاجتماع وهي التصرف مع الطيب من دون إذن ، فإنه يجوز على الأول ويحرم على الثاني ، وبما أنّ المعارضة بالإطلاق كما عرفت فيسقطان ويرجع إلى بناء العقلاء القائم على جواز التصرف بمجرد العلم بالرضا من دون مدخلية للاذن كما مرّ.

الجهة الثانية : هل المدار في الجواز على الرضا الحاصل بالفعل أو يكفي الرضا التقديري ، بمعنى أنّ الطيب والرضا كامن في نفس المالك قطعاً إلا أنه غير متصف به فعلاً لأجل عدم التفاته إلى الموضوع ، لكونه نائماً أو غافلاً أو غائباً فلا واسطة بينه وبين الرضا الفعلي عدا الالتفات والتوجه إلى الموضوع؟

الظاهر هو الثاني ، إذ لو لم ندّع شمول الطيب في الموثق بمناسبة الحكم والموضوع للطيب التقديري بهذا المعنى كما لا يبعد وإن كانت الألفاظ في غير المقام منصرفة إلى المعاني الفعلية دون التقديرية ، يكفينا في ذلك ملاحظة بناء العقلاء والسيرة الشرعية القائمة على الجواز في مثل ذلك بلا إشكال ، فإن الأخ يدخل دار أخيه والصديق دار صديقه أو أحد أقاربه ممن يقطع برضاه مع الالتفات فيتصرف فيه كيف يشاء وهو نائم أو غافل أو غائب ولا ينتظر صدور الاذن منه والتفاته إلى الموضوع كي يتحقق منه الرضا فعلاً كما هو ظاهر.

نعم ، الظاهر عدم كفاية الرضا التقديري بالمعنى الآخر وهو عدم تمامية مبادئ الرضا فعلاً بحيث يحتاج إلى مقدمة أُخرى زائداً على مجرد الالتفات كسؤال المتصرف ، فلو كان المتصرف قاطعاً برضا المالك على تقدير السؤال والاستئذان ولم يقطع به بدونه لم يجز التصرف حينئذ لعدم تمامية مبادئ الرضا‌


الفعلي ودخل الاستئذان في تحقّقه. فمثل هذا التقدير الذي يتخلل بين المقدّر والمقدّر عليه شي‌ء آخر وراء الالتفات الى الموضوع لا دليل على كفايته في جواز التصرّف ، فلا يقاس ذلك على الرضا التقديري بالمعنى الأوّل كما لا يخفى.

ونحوه ما إذا كان في التصرف مصلحة للمالك ولم يعلم بها فلم يأذن ، بحيث لو كان عالماً بها لإذن ورضي بالتصرّف ، فمثله أيضاً لا يجدي لكون العلم بالصلاح من مبادئ فعلية الرضا كالاستئذان في المثال المتقدم ، ولا دليل على كفاية الرضا التقديري بهذا المعنى كما عرفت.

الجهة الثالثة : إذا كان تصرف واحد مصداقاً لرضا المالك وكراهته الفعليين بعنوانين فعورض أحدهما بالآخر ، فانّ هذا أمر ممكن في نفسه إذا كان المالك جاهلاً بانطباق أحد العنوانين ، كما لو منع عن دخول زيد في الدار لاعتقاد أنه عدوّه وهو في الواقع أبوه مثلاً وهو راضٍ بدخول الأب ، أو بالعكس بأن إذن باعتقاد أنه أبوه وفي الواقع عدوّه وهو كاره لدخول العدوّ ، فهل يحكم حينئذ بجواز الدخول في كلتا الصورتين فلا يلزم على الداخل في الصورة الأُولى إعلام المالك بأنه أبوه كي يتحقق منه الرضا الفعلي بشخصه ، أو يفصّل بين الصورتين فيخص الجواز بالثانية دون الاولى عملاً بما صدر منه من الاذن أو المنع؟

الأقوى هو الأول ، فإن المناط في جواز التصرف هو الرضا والطيب كما تضمّنه موثق سماعة على ما عرفت ، ولا عبرة بالإذن عدا كونه كاشفاً وطريقاً إليه.

وعليه ، فالمالك وإن لم يصدر منه في الصورة الأُولى إذن ، بل هو كاره بالفعل حسب اعتقاده ، لكنه راضٍ بالفعل أيضاً بدخول أبيه ، غير أنّه جاهل بانطباق هذا العنوان على زيد الداخل ، بحيث لو علم به والتفت إلى الانطباق لرضي بدخوله وتحقق منه الطيب بالنسبة إليه ، ونتيجة ذلك أنه راض بدخول زيد برضا تقديري بحيث لا يتوسّط بينه وبين الرضا الفعلي عدا التفاته إلى‌


الانطباق ، وقد مرّ آنفاً أنه يكفي في حلية التصرف الرضا التقديري بهذا المعنى ولا يتوقف على فعلية الرضا. ومقتضى إطلاق الموثق أن حصول الرضا فعلاً أو تقديراً في الجملة أي ولو بعنوان ما كافٍ في جواز التصرف ، سواء قارنته كراهة من جهة أُخرى وبعنوان آخر أم لا.

وفي المقام وإن اجتمع الرضا التقديري مع الكراهة الفعلية ، لكن الكراهة بما هي ليست موضوعاً للحكم كي تقع المعارضة أو المزاحمة بين حكمها وحكم الرضا ، وإنما الموضوع الرضا وعدمه كما تضمنه الموثق بعقده السلبي والإيجابي ، فالطيب موضوع لحلية التصرف كما أنّ عدمه موضوع للحرمة ، وبما أنّ الموضوع هو الطيب والرضا في الجملة وبنحو الموجبة الجزئية ، أي بأيّ عنوان كان بمقتضى الإطلاق كما عرفت ، فيكون الموضوع للحرمة التي تكفّلها الموثق بعقده السلبي هو عدم الرضا رأساً ، فإنّ نقيض الموجبة الجزئية سالبة كلية ، ومن الواضح عدم صدق هذا الموضوع في المقام بعد تحقق الرضا في الجملة كما هو المفروض فلا تعارض.

وبالجملة : العبرة بالرضا الأعم من التقديري وهو حاصل هنا ، وليس المقام من الرضا التقديري بالمعنى الآخر كالجهل بكون التصرف مصلحة له الذي منعنا عن اعتباره ، لوضوح الفرق بينهما ، فان العلم بالصلاح من مبادئ تحقق الرضا كالسؤال الذي مرّ التمثيل به ، فبدونه لم يتحقق الرضا أصلاً. وأما في المقام فالرضا بالعنوان متحقق فعلاً ، غايته أنّ المالك جاهل بالانطباق وغير ملتفت إليه ، فيكون من الرضا التقديري بالمعنى الأول الذي عرفت اعتباره وإلحاقه بالرضا الفعلي (١).

__________________

(١) لا يخفى خفاء الفرق بين المثالين ، إذ في صورة الجهل بالصلاح أيضاً يمكن أن يقال : إنّ المالك راضٍ بعنوان التصرف الذي فيه صلاحه وجاهل بالانطباق كرضاه بدخول الأب في الدار مع جهله بالانطباق فالرضا التقديري فيهما على حد سواء.


هذا ، مع ان السيرة قائمة على جواز التصرف في المقام ، فيدخل الممنوع أو غير المأذون بعد كونه أباه أو أخاه أو صديقه ونحوهم ممن يقطع برضا المالك على تقدير معرفته ، ولا يعدّ ذلك ظلماً وتعدّياً عليه كما لا يخفى.

ومما ذكرناه يظهر الحال في الصورة الثانية ، فإنّ الاذن في التصرف يكشف عن طيب نفسه ورضاه وإن كان ذلك لاعتقاد أنه الصديق ، فيصدق معه الرضا ولو في الجملة ، فيشمله عموم الموثق. بل إنّ شمول الموثق لهذه الصورة أظهر ، كما أنّ قيام السيرة وبناء العقلاء هنا أوضح ، بحيث لا يكاد يتطرقه الإنكار ، فإن الإنسان ربما يدعو جماعة لضيافته باعتقاد أنهم أصدقاؤه وأحبّاؤه ، وقد يكون فيهم منافق وهو من أعدى عدوّه بحيث لو علم به المالك لطرده ولم يرض بتصرفه ، مع أنه يجوز للمنافق التصرف بلا إشكال ولا يلام عليه لدى العقلاء بعد الاذن الصريح من المالك كما هو ظاهر.

الجهة الرابعة : في الكاشف عن الرضا وما يتحقق به الإذن الذي هو طريق إليه وهي أُمور ثلاثة كما تعرض لها في المتن :

أحدها : الإذن الصريح ، ولا ريب في كشفه نوعاً عن الرضا وحجيته ببناء العقلاء كما هو الشأن في كل لفظ ظاهر في معناه ، ومعه لا يعتبر العلم بالرضا ، بل ولا الظن الشخصي به ، بل ولا يقدح الظن بالخلاف ، وإنما القادح العلم به لاستقرار بناء العقلاء الذي هو المدار في حجية الظهور على الأخذ به في جميع تلك الفروض ما عدا الأخير كما قرّر في الأُصول (١).

__________________

وقد راجعناه دام ظله في ذلك فأفاد : أنّ عنوان ما فيه الصلاح من الجهات التعليلية الدخيلة في ملاك الحكم ، فهو بوجوده العلمي من المبادي الواقعة في سلسلة علل الرضا ، فلا يكون بنفسه متعلقاً للرضا ، وهذا بخلاف عنوان الأب أو الصديق الذي هو حيثية تقييدية ويتعلق الرضا به بنفسه بعد استكمال المبادئ وعدم قصور فيها. على أنه لم يعهد رضا الملاّك بكل تصرف فيه الصلاح بصورة عامة ، فإنه قد لا يرغب فيه فلا يكون ذلك مسوّغاً للتصرف بحيث يرفع به اليد عن عموم سلطنة الناس على أموالهم ، فتدبر جيداً.

(١) مصباح الأصول ٢ : ١١٧.


وما أُفيد في المتن من كفاية الظن الحاصل بالقول ، إن أراد به اعتبار الظن الشخصي فهو في حيّز المنع كما عرفت ، وإن أراد به الظن النوعي والكاشفية بحسب النوع المجامع حتى مع الظن الشخصي بالخلاف كما هو ظاهر العبارة بقرينة التعليل المذكور في الذيل فنعم الوفاق.

الثاني : الفحوى ، وقد مثّل لها في المتن بالإذن في التصرف بالقيام والقعود والنوم والأكل من ماله الدال على الاذن في الصلاة بطريق أولى.

أقول : الفحوى عبارة عن استتباع دلالة اللفظ على معنى دلالته على معنى آخر بالأولوية بحيث يكون المعنى الآخر مستفاداً من حاق اللفظ بطريق أولى من دون ضم قرينة خارجية ، وهذا كما في قوله تعالى ( فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ ) (١) فان هذا الكلام وما يرادفه من سائر اللغات لو القي على كل عارف باللغة يستفيد منه أنّ هذا أقل مراتب الإيذاء ، وأنّ النهي عنه يدل بنفسه على النهي عن سائر مراتب الإيذاء من الشتم والضرب ونحوهما بطريق أولى.

وهذا الضابط كما ترى غير منطبق على المثال ، ضرورة أنّ الاذن في القيام والقعود بما هو إذن لا يستتبع الاذن في الصلاة ولا يستلزمه فضلاً عن أن يكون ذلك بالأولوية ، فإن الآذن قد يكون كافراً أو بدوياً لا يرضى بالصلاة في محله لتشؤمه وتطيره بها كما يُحكى عن بعضهم ، فمجرد الاذن في سائر التصرفات لا يدل على الاذن في الصلاة إلا بعد ضم قرينة خارجية كالعلم بكون الآذن مسلماً خيّراً لا يعتقد بتلك الأوهام ، فيخرج عن كون الدلالة مستندة إلى حاق اللفظ كما هو المناط في صدق الفحوى على ما عرفت.

والأولى التمثيل بما إذا أذن المالك في إتلاف العين حقيقة ، كإراقة الماء أو إحراق الفرش أو هدم الدار ، أو حكماً كبيعها مع كون الثمن للمأذون ، فإن الإذن في الإتلاف الحقيقي أو الحكمي بحيث يكون اختيار العين بيد المأذون يدل‌

__________________

(١) الإسراء ١٧ : ٢٣.


بنفسه على الاذن بما دونه من سائر التصرفات من الوضوء أو الصلاة بطريق أولى.

وكيف كان ، فالمدار في هذا القسم على استفادة الإذن عرفاً من ظاهر اللفظ وهي تتحقق في موارد :

منها : الفحوى كما عرفت.

ومنها : الملازمة العقلية بين المأذون فيه وبين شي‌ء آخر بحيث لا يكاد يتخلف عنه لتوقفه عليه ، كما لو أذن في التوضي من حوض داره مثلاً ، فإنه إذن في المشي داخل الدار إلى أن يصل إلى الحوض ، لتوقفه عليه عقلاً ، فهو من اللزوم البيّن بالمعنى الأخص ، ولا يعتبر في مثله الالتفات التفصيلي إلى الملازمة فضلاً عن إذن آخر باللازم ، لكفاية الالتفات الارتكازي بعد ثبوت الملازمة العقلية الدائمية.

نعم ، لو كانت الملازمة اتفاقية كما لو أذن في التوضي من الحب وكان واقعاً خارج الدار فاتفق نقله إلى الداخل ، حيث إن التوضي من الحب فعلاً وإن توقف على الدخول إلا أنه توقف اتفاقي لم يكن كذلك حال الأمر كما في المثال الأول ، ففي مثله لا يكفي الإذن السابق ، بل لا بد من التفات المالك إلى الملازمة تفصيلاً وإذن جديد باللازم كما لا يخفى.

ونظيره : ما لو أذن لشخص بشراء متاع له فاتفق عدم وجوده في البلد ، فتوقف الشراء على السفر إلى بلد آخر ، فإنّ الإذن الأول لا يكون إذناً في السفر كي يكون الآمر ضامناً لمصارفه ، بل يحتاج إلى الالتفات إلى الملازمة وإصدار إذن جديد.

ومنها : الملازمات العادية التي تعدّ عرفاً من شؤون المأذون فيه ولوازمه ، وإن لم تكن كذلك عقلاً بحيث يستفيد العرف من الاذن به الاذن بها ، كما لو أذن المالك بالسكنى في داره ، فان العرف يستفيد من هذا الإذن الاذن في التخلي والمنام والأكل ونحوها من اللوازم العادية ، وإن كانت السكونة بما هي لا‌


تتوقف على شي‌ء من ذلك عقلاً ، لإمكان إيقاعها خارج الدار ، فنفس كون الشي‌ء من اللوازم العادية كاف في استكشاف الرضا ، فيكون بمثابة الملازمة العقلية الدائمية في كفاية الالتفات الإجمالي الارتكازي إلى التلازم وعدم الافتقار إلى الالتفات التفصيلي ، فضلاً عن الحاجة إلى إصدار إذن آخر باللازم.

وأما الصلاة في الدار فليست هي بنفسها من شؤون نفس السكنى ولوازمها العادية بحيث يكون الاذن بها مستفاداً من الاذن بها عرفاً كما في التخلي والمنام ، بل يحتاج إلى القطع بالرضا من شاهد حال ونحوه من قرينة حالية أو مقالية كما عرفت ، بخلاف سائر التصرفات المستفادة من نفس الإذن الأول ، فإنها لا تتوقف على القطع بل ولا الظن الشخصي كما لا يخفى.

فتحصل : أنّ التمثيل الذي ذكره في المتن ليس من مصاديق هذا القسم بشقوقه التي بيناها.

الثالث : شاهد الحال ، بأن تكون هناك قرائن وشواهد تدل على رضا المالك وطيب نفسه.

وتفصيل الكلام في المقام : أنه ربما يصدر عن المالك فعل يبرز عن رضاه الباطني بتصرف خاص بحيث يكون طريقاً مجعولاً وأمارة نوعية وحكاية عملية ، وهذا كفتح الحمامي باب الحمام ، فإنه بمثابة الإذن العام لكل من يريد الاستحمام ، ولا شك حينئذ في صحة الاعتماد على ذاك المبرز من دون حاجة إلى تحصيل العلم بالرضا ، لاستقرار بناء العقلاء بمقتضى التعهد الوضعي على كشف ما في الضمير بمطلق المبرز فعلاً كان أم لفظاً ، ومن هنا قلنا بصحة المعاطاة لعدم الفرق في إبراز الإنشاء بين الفعل والقول.

وبالجملة : فمثل هذا الفعل ملحق بالاذن اللفظي الصريح في الكشف عما في الضمير ، أعني الرضا بالتصرف الذي أُعدّ اللفظ أو الفعل كاشفاً عنه نوعاً.

وأما التصرف الآخر الخارج عن نطاق هذه الكاشفية كإرادة الصلاة في الحمام زائداً على الاستحمام ، فان عدّ ذلك من اللوازم العادية بحيث يستفيد‌


العرف الاذن فيه من نفس الإذن الأول ، لما يرى أنه من شؤونه وتوابعه كما هو كذلك في المثال فهو ملحق بالقسم السابق ، أعني استكشاف الاذن بمعونة الفهم العرفي من باب الملازمة العادية ، فلا يعتبر معه العلم بالرضا أيضاً ، كما عرفت سابقا ، ولعل فتح المضائف من هذا القبيل.

وإن لم يكن كذلك كما في فتح مجالس التعازي حيث لم يظهر منه إلا الاذن في الحضور لاستماع التعزية ، وليست الصلاة من لوازمه العادية ، فإن كانت هناك قرائن وشواهد توجب العلم برضا المالك فلا إشكال ، لعدم اعتبار الإذن إلا من حيث كونه طريقاً لاستكشاف الرضا ، والمفروض إحرازه ولو من طريق آخر.

إنما الإشكال فيما إذا لم توجب تلك الشواهد أكثر من الظن ، فان فيه خلافاً بين الأعلام ، فذهب جمع كثير إلى اعتبار العلم في شاهد الحال فلا يعوّل عليه بدونه ، واختار آخرون الاكتفاء بمطلق الظن ، بل قيل بجواز الصلاة في كل موضع لا يتضرر المالك ، وكان المتعارف عدم المضايقة في أمثاله ما لم تكن هناك أمارة على الكراهة.

وصاحب الحدائق (١) بعد أن أسند الاكتفاء بالظن إلى المشهور أيّده بما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً » (٢) بدعوى أنّ المناسب لسعة الامتنان الاكتفاء بمجرد الظن.

وهذا كما ترى ، ضرورة أنّ الرواية ليست إلا بصدد بيان الحكم الطبيعي ، وأنّ كل أرض فهو صالح في نفسه لإيقاع الصلاة فيه ، وأنّ الله تعالى وسّع على هذه الأُمة المرحومة ولم يضيّق عليهم بالإلزام بإيقاعها في مكان خاص ، كما كان كذلك في بعض الأُمم السالفة ، وليست في مقام بيان الحكم الفعلي كي يستفاد منه إلغاء شرطية الإباحة أو الطهارة ، كما يفصح عنه عطف الطهور على المسجد ، إذ لا إشكال في اعتبارهما في طهورية الأرض ، فكذا في مسجديته.

__________________

(١) الحدائق ٧ : ١٧٦.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٥٠ / أبواب التيمم ب ٧ ح ٢.


هذا ، واستدل في المستند على كفاية الظن بالرضا في جواز التصرف في ملك الغير مطلقاً بموافقته للأصل السليم عن الدليل على خلافه.

قال ما ملخصه : أنّ مقتضى الأصل جواز التصرف في كل شي‌ء ما لم يعلم بكراهة المالك ، ففرض الشك فضلاً عن الظن بالرضا محكوم بالجواز بمقتضى الأصل ، بل قد صرح قدس‌سره في طي كلماته أنّه لولا قيام الإجماع على عدم جواز التصرف بمجرد الاحتمال والشك في الرضا لقلنا بالجواز حينئذ عملاً بمقتضى الأصل السليم عن المعارض.

وأما صورة الظن الحاصل من شهادة الحال فهي باقية تحت الأصل ، لعدم المخرج ، لانحصاره في الإجماع والأخبار ، وشي‌ء منهما لم يثبت ، أما الإجماع فلاختصاصه بصورة الشك ولا إجماع مع الظن ، كيف وقد ادعى صاحب الحدائق أن المشهور حينئذ هو الجواز كما تقدم وأما الأخبار فهي ضعيفة سنداً أو دلالة على سبيل منع الخلو ، فان التوقيع ضعيف السند ، وكذا رواية محمد بن زيد الطبري : « لا يحل مال إلا من وجه أحله الله » (١) مضافاً إلى قصور الدلالة ، لعدم العلم بمتعلق عدم الحلية ، ومن الجائز أن يراد به الإتلاف دون مطلق التصرفات.

ومنه يظهر ضعف دلالة الموثق : « لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه » (٢) لما عرفت من احتمال أن يكون المقدّر خصوص التصرفات المتلفة لا مطلقها.

ثم ذكر قدس‌سره في ذيل كلامه : أنّ هذا كله في غير الصلاة ، وأما هي وما يضاهيها فيجوز التصرف بمثلها لكل أحد في كل مال ، ولا يؤثّر فيه منع المالك بعد عدم تضرره بها ، إذ لا يمنع العقل من جواز الاستناد أو وضع اليد أو الرجل في ملك الغير ، فإنها كالاستظلال بظلّ جداره والاستضاءة بنور‌

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٥٣٨ / أبواب الأنفال ب ٣ ح ٢.

(٢) الوسائل ٥ : ١٢٠ / أبواب مكان المصلي ب ٣ ح ١.


سراجه ، فهي ليست من التصرفات الممنوعة الموقوفة على إجازة الملاّك ، لقصور الأدلة عن الشمول لها (١). انتهى.

وفي كلامه قدس‌سره مواقع للنظر لا تخلو عن الغرابة مع ما هو عليه من الدقة والتحقيق ، بل لم نكن نترقب صدورها من مثله.

أما ما أفاده قدس‌سره أخيراً من إنكار صدق التصرف الممنوع على الصلاة في ملك الغير بغير رضاه ، وأنه مجرد استناد لا يمنع عنه العقل ما لم يتضرر به المالك ، فهو عجيب ، ضرورة أنّ الكون في ملك الغير والاستناد والاعتماد على مملوكه من دون رضاه من أظهر مصاديق التصرف وأوضح أنحاء المزاحمة مع سلطان الغير الذي يستقل العقل بقبحه ، وأنه بمجرده ظلم وتعد عليه سواء تضرّر به أم لا ، لعدم كون التضرر مناطاً في قبح التصرف المزبور كي يدور مداره قطعاً ، وإلا لجاز الدخول والمكث بغير رضاه والأكل والشرب من مال المتصرف والمقام مدة مديدة إذا فرض عدم تضرر المالك بها وإن كان كارهاً لها. وكل ذلك كما ترى لا يلتزم به المتفقّه فضلاً عن الفقيه.

نعم ، الاعتماد على ملك الغير مع كون المعتمد خارجه كالاتكاء من خارج الدار على الجدار جائز بلا إشكال ، لقيام السيرة القطعية العمليّة واستقرار بناء العقلاء على جوازه.

وأما قياس المقام بالاستظلال والاستضاءة كما صنعه قدس‌سره فهو مع فارق واضح ، بداهة أنّهما انتفاع بحت ولا دليل على حرمته بمجرده ، وأما المقام فهو من مصاديق التصرف كما عرفت.

وأما ما أفاده قدس‌سره من أنّ مقتضى الأصل جواز التصرف في مال الغير ، فهو من غرائب الكلام بعد استقلال العقل واتفاق أرباب الملل والنحل على قبحه ومنعه كما اعترف هو قدس‌سره به في صدر كلامه ، فإنه تعد وطغيان عليه وتصرف في سلطانه ولا ريب في بطلانه ما لم يثبت رضاه ، فليس‌

__________________

(١) المستند ٤ : ٤٠٣ ، ٤٠٦.


[١٣٣٥] مسألة ١٧ : تجوز الصلاة في الأراضي المتسعة اتساعاً عظيماً بحيث يتعذر أو يتعسر على الناس اجتنابها وإن لم يكن إذن من ملاّكها ، بل وإن كان فيهم الصغار والمجانين (١) ، بل لا يبعد ذلك وإن علم كراهة الملاّك (٢) ، وإن كان الأحوط التجنب حينئذ مع الإمكان (١).

______________________________________________________

مقتضى الأصل هو الجواز حتى نحتاج إلى المخرج ، فتتطرق المناقشة فيه من حيث قصور الأخبار سنداً أو دلالة ، بل مقتضى الأصل هو المنع ، والجواز يحتاج الى الدليل ، فبدونه يحكم بالمنع عملاً باستصحاب عدم الرضا كما لا يخفى.

وأما ما أفاده قدس‌سره من المناقشة في دلالة الموثق باحتمال كون المتعلق خصوص الإتلاف ، فهو أيضاً يتلو سوابقه في الضعف ، فان إسناد عدم الحل إلى المال حيث لا يمكن ، لكونه عيناً خارجية فلا مناص من كون المتعلق محذوفاً ، وقد تقرّر أن حذف المتعلق يفيد العموم ، فجميع التصرفات المناسبة للمال المتلفة منها وغيرها متعلقة للمنع بمقتضى الإطلاق ، بعد عدم قرينة على التعيين كما هو ظاهر.

والمتحصل من جميع ما ذكرناه : أنّ الأقوى اعتبار القطع في شاهد الحال وما في حكمه ، من قيام أمارة معتبرة كبيّنة ونحوها ، وأما الظن بمجرده الذي لم يقم دليل على اعتباره فهو ملحق بالشك وقد عرفت آنفاً أنّ الحكم في صورة الشك المنع عملاً بالاستصحاب.

(١) المعتمد في المسألة بعد وضوح خلوّها عن النص الخاص إنما هي السيرة القطعية العملية القائمة من المتشرعة حتى المبالين بالدين على التصرف في مثل هذه الأراضي ، وكذا الأنهار الكبيرة بالصلاة والتوضي وغيرهما من‌

__________________

(١) فيه إشكال بل منع.

(٢) الظاهر عدم الجواز في هذه الصورة.


أنحاء التصرفات وإن لم يعلم برضا الملاّك ، فيتصرفون ولا يستأذنون ، ولا ريب في اتصال هذه السيرة بزمن المعصومين عليهم‌السلام وإمضائها لديهم بعدم الردع ، إذ لو كانت حادثة لنقل تأريخها كما لا يخفى.

وهذا كله لا غبار عليه ، إنما الكلام في أنه هل يستكشف من السيرة إلغاء الشارع اعتبار رضا الملاّك في هذه الموارد ، فيكون ذلك بمنزلة التخصيص في دليل عدم جواز التصرف في ملك الغير بغير إذنه لصدور الإذن حينئذ من المالك الحقيقي وهو الشارع ، نظير التصرف في موارد حق المارة؟ أو أنّ السيرة قائمة على إحراز رضا الملاك من شاهد الحال وهو اتساع الأراضي وتركها بلا حيطان ، أو ترك أبوابها مفتوحة من دون حاجز ومانع ، فانّ ذلك كله كاشف نوعاً عن إذنه وطيب نفسه ، وإلا لما تركها كذلك ، وقد أمضى الشارع هذه الكاشفية بعدم الردع عنها؟

وبعبارة اخرى : هل السيرة قائمة على الحكم الواقعي وهو سقوط اعتبار رضا المالك حينئذ ، أو الظاهري وهو إحراز رضاه من تلك الشواهد؟

فعلى الأول يجوز التصرف حتى مع العلم بكراهة المالك ، لعدم العبرة بكراهته ورضاه بعد صدور الاذن من المالك الحقيقي.

وعلى الثاني لا يجوز لسقوط الحكم الظاهري مع العلم بالخلاف.

الظاهر هو الثاني فإنّ السيرة لا لسان لها كي يعرف وجهها ويستكشف أنها على النحو الأول بعد ما كان المتيقن منها هو الثاني ، بل إنّا لم نعهد متديناً واحداً فضلاً عن كثيرين فضلاً عن البلوغ من الشيوع حد السيرة العملية يُقدم على تلك التصرفات حتى بعد العلم بكراهة الملاك.

فما أفاده في المتن من عدم استبعاد الجواز في هذه الصورة غير ظاهر بل ممنوع.

ثم إن الماتن عمّم الحكم لما إذا كان فيهم الصغار والمجانين وهذا وجيه مع الشك ، لاستقرار السيرة من المتشرعة على الاقتحام في تلك التصرفات من‌


دون تفتيش وتحقيق عن حال المالك وأنه صغير أو كبير ، أو حال الملاّك وأنّ فيهم الصغار والمجانين أم لا ، فلا يعتنون بهذا الاحتمال ، بل يأخذون بظاهر الحال من كونه بالغاً عاقلاً.

وكذا مع العلم فيما إذا كان هناك ولي إجباري من أب أو جدّ ، إذ العبرة حينئذ باستكشاف رضا الولي فيحرز بعين ما كان يحرز به لو كان الولي هو المالك ، أعني السيرة القائمة على الاعتناء بشاهد الحال من عدم بناء الجدران أو فتح البيبان الكاشف عن فسح المجال وإطلاق السراح للمتصرفين كما مرّ.

وقد ذكرنا في محله (١) عدم لزوم مراعاة الغبطة في تصرفات مثل هذا الولي التي منها اذنه للغير ، بل يكفي خلوّها عن المفسدة ولا تلزم وجود المصلحة. وبالجملة : العبرة برضا من كان مالكاً للتصرف ، سواء أكان مالكاً للعين أيضاً أم لا.

وأما إذا كان له ولي اختياري كحاكم الشرع فيشكل الحال ، لعدم الاعتبار حينئذ بمجرد رضا الولي كي يستكشف بما ذكر ، بل لا بد من مراعاة الغبطة وكون التصرف صلاحاً للمولّى عليه ، على ما يقتضيه ظاهر قوله تعالى ( وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (٢) كما ذكرنا في محله فلا يجوز التصرف حتى مع العلم برضا الولي فضلاً عن إحرازه بشاهد الحال ونحوه ، لعدم كون تلك التصرفات بصلاحهم وإن لم تكن بفسادهم أيضاً. مع أنا لم نعهد ثبوت السيرة من متدين واحد فضلاً عن المتدينين على الاقتحام والإقدام في التصرف في مثل هذا الحال كما لا يخفى.

ومنه يظهر الإشكال في صورة الشك في كون الولي اختيارياً أو إجبارياً ، بعد العلم بوجود القصّر من الصغار أو المجانين ، لرجوعه إلى الشك في كفاية‌

__________________

(١) مصباح الفقاهة ٥ : ٢٤.

(٢) الأنعام ٦ : ١٥٢.


[١٣٣٦] مسألة ١٨ : تجوز الصلاة في بيوت من تضمنت الآية جواز الأكل فيها (١) بلا إذن مع عدم العلم بالكراهة كالأب والأُم والأخ والعم والخال والعمة والخالة ومن ملك الشخص مفتاح بيته والصديق ،

______________________________________________________

مجرد الرضا ، ومقتضى الأصل حينئذ عدم الجواز كما لا يخفى.

ثم إن الماتن خصّ الحكم بصورة التعذر أو التعسر في الاجتناب ، فإن أراد به العسر والحرج الشخصيين فلا شك أنّ السيرة التي هي مدرك الحكم كما عرفت أوسع من ذلك ، وكذا إن أراد النوعيين ، لعدم دوران الحكم مدار العسر والحرج كي يتبع صدقهما ، بل المدار على السيرة العملية ، وربما تثبت حتى مع انتفائهما ، كما لو كان خارج البلد في أوائل تلك الأراضي ، فان العود إلى البلد وإقامة الصلاة فيه لا عسر فيه حتى نوعاً ، فالتقييد المزبور في غير محله على أيّ تقدير.

(١) أما نفس الأكل فلا إشكال في جوازه بنص الآية المباركة (١) وأما غيره من سائر التصرفات كالصلاة والتوضي والمشي ونحوها فبالفحوى ، إذ لو جاز الأكل الذي هو تصرف متلف فغير المتلف بطريق أولى ، بل إن نفس الاذن في الأكل من بيوت هؤلاء إذن في مقدماته المتوقف عليها من الدخول والمكث والمشي ونحوها من باب الملازمة العقلية كما لا يخفى.

هذا ، وحيث إن الترخيص الثابت من الشارع في المقام ليس تخصيصاً واقعياً في دليل المنع عن التصرف في مال الغير بغير إذنه بالضرورة ، بل هو بمناط الإمضاء لما يقتضيه ظاهر الحال من رضا الملاّك بالأكل وما دونه من التصرفات ، فيختص الحكم بما إذا لم يعلم بالكراهة ، فمعه لا يجوز لفقد الرضا بعد النهي الصريح ، وحجية الطريق الظاهري منوطة بعدم انكشاف الخلاف. مضافاً إلى الإجماع بل الضرورة على عدم الجواز حينئذ الكاشف عما ذكرناه‌

__________________

(١) النور ٢٤ : ٦١.


وأما مع العلم بالكراهة فلا يجوز ، بل يشكل مع ظنها أيضاً (١) (١).

[١٣٣٧] مسألة ١٩ : يجب على الغاصب الخروج من المكان المغصوب (٢).

______________________________________________________

من عدم التخصيص الواقعي وإلا كان جائزاً كما في حقّ المارّة.

(١) ينبغي أن يعدّ هذا من غرائب كلماته قدس‌سره فإنّه قد صرّح في المسألة السابقة بجواز التصرف في الأراضي المتّسعة حتى مع العلم بكراهة الملاّك ، مع أنه لم يكن في تلك المسألة دليل لفظي يتمسك بإطلاقه ، وإنما كان المستند السيرة العملية التي هي دليل لبّي لا إطلاق لها ، وكان للنقاش في سعتها لصورة العلم مجال واسع وقد ناقشنا فيها على ما مرّ. فمع ذلك التصريح كيف ساغ له التشكيك هنا في شمول الحكم لصورة الظن بالكراهة بعد وجود دليل لفظي في المقام كعموم الكتاب. هذا مع العلم بأن مراده قدس‌سره من الظن غير المعتبر منه ، وإلا فالظن المعتبر ملحق بالعلم الذي نص فيه على عدم الجواز ، إذ لا ريب أنّ مراده قدس‌سره من العلم في قوله : وأما مع العلم بالكراهة فلا يجوز ، الأعم من الوجداني والتعبدي الشامل للظنون المعتبرة.

فاستشكاله قدس‌سره في قادحية الظن غير المعتبر الذي هو في حكم الشك بعد إطلاق الآية وشموله له في غير محله جزماً. ودعوى الانصراف المبنية على الغلبة كما ترى.

فالإنصاف : شمول الحكم للظن وغيره ، وإنما الخارج عن عموم الآية صورة العلم بالكراهة فحسب.

(٢) الوجوب المذكور في المقام عقلي إرشادي بمناط استقلال العقل بلزوم اختيار أخف القبيحين وأقل المحذورين ، حيث إن الخروج كالدخول والمكث متصف بالمبغوضية الفعلية ، لكون الجميع تصرفاً في ملك الغير بغير إذنه ،

__________________

(١) لا اعتبار بالظن إذا لم يكن من الظنون المعتبرة.


وإن اشتغل بالصلاة في سعة الوقت يجب قطعها (١).

______________________________________________________

والعقل يرشد إلى وجوب الخروج تخلّصاً عن الغصب وتقليلاً لارتكاب القبيح ، وليس هناك وجوب شرعي لا نفسي ولا مقدمي كما تعرضنا له في الأُصول في بحث اجتماع الأمر والنهي في حكم التوسط في الأرض المغصوبة بما لا مزيد عليه فراجع (١) ولاحظ.

(١) مراده قدس‌سره بوجوب القطع (٢) عدم جواز الاجتزاء بمثل هذه الصلاة بعد التمكن من الإتيان بها تامة الأجزاء والشرائط لفرض سعة الوقت ، فلو أتمها والحال هذه لم تكن مصداقاً للواجب لعدم انطباقه عليها ، لا أنّ القطع واجب في حد نفسه بحيث لو أتمها عصى ، وإن أعادها في المكان المباح كما لعله ظاهر.

ثم إن ما أفاده قدس‌سره من وجوب القطع بالمعنى المزبور إنما يتجه على مسلك المشهور القائلين بالامتناع ، لمكان الاتحاد بين الغصب والأكوان الصلاتية بأجزائها ، وأما على المختار من جواز الاجتماع وعدم الاتحاد في شي‌ء من أجزاء الصلاة ما عدا السجود فلا يتم على إطلاقه ، بل يختص بما إذا توقّف الإتمام على السجود على المغصوب ، فمع عدم على التوقف كما لو اشتغل بالصلاة وهو في آخر نقطة من المكان المغصوب بحيث لم يكن فصل بينه وبين الأرض المباحة إلا بمقدار خطوة مثلاً فتمكن من السجود على المكان المباح ، أو عدم وجوب السجدة ، بأن كانت وظيفته الصلاة ماشياً مومئاً إليها ، سواء أكان في المكان المغصوب أو المباح لأجل الفرار من عدو أو خوف لص أو سبع ، جاز‌

__________________

(١) محاضرات في أصول الفقه ٤ : ٣٦٦.

(٢) بل مراده عدم جواز المكث لإتمام الصلاة ووجوب القطع مقدمة للمبادرة إلى الخروج عن المغصوب الواجب عليه. فالحكم تكليفي لا وضعي فلا موقع للتفصيل الذي رتب عليه بين المسلكين لوجوب المبادرة إلى الخروج حتى على مسلكه ( دام ظله ).


وإن كان في ضيق الوقت يجب الاشتغال بها (١) حال الخروج مع الإيماء للركوع والسجود ، ولكن يجب عليه قضاؤها (٢) أيضاً إذا لم يكن الخروج عن توبة وندم ، بل الأحوط القضاء وإن كان من ندم وبقصد التفريغ للمالك (١).

______________________________________________________

الإتمام حينئذ ، لارتفاع المانع المنحصر في ناحية السجدة كما عرفت.

هذا كله حكم القطع بعد الاشتغال بالصلاة ومنه يظهر حكم الشروع والتشاغل بها وأنها باطلة حينئذ على المشهور ، وصحيحة على المختار مع رعاية التفصيل المتقدم.

(١) حكم قدس‌سره بوجوب الاشتغال بالصلاة حينئذ حال الخروج مومئاً للركوع أو السجود ، وبوجوب القضاء إن لم يكن خروجه عن توبة وندم ، وإلا فلا يجب وإن كان أحوط.

أما وجوب الاشتغال فلا ريب فيه بعد قيام الدليل على عدم سقوط الصلاة بحال ، فيومئ حينئذ للسجود للعجز عنه بعد اتحاده مع الغصب ، وكذا للركوع فإنه وإن لم يتحد مع الغصب بناء على المختار ، لكن حيث إن الركوع حال الخروج يستوجب زيادة المكث ، إذ السير حينئذ أبطأ منه حال القيام وتلك الزيادة محرمة ، ويكفي في صدق العجز عن الركوع المسوّغ للانتقال إلى البدل استلزامه للحرام وإن لم يكن بنفسه كذلك ، فيسقط الركوع حينئذ وتنتقل الوظيفة إلى الإيماء.

وأما وجوب القضاء مع عدم التوبة ، فإن كان المستند فيه التفويت الاختياري للصلاة الاختيارية كما قال به بعضهم ، حيث إنه بسوء اختياره دخل في المكان المغصوب ، ففوّت على نفسه صلاة المختار أعني الواقعة حال‌

__________________

(١) بالشروع فيها أو إتمامها على تقدير صحة ما أتى به من الأجزاء ، وكذا الحال في الفرع الآتي. والمراد بسعة الوقت هو التمكن من إدراك ركعة في الخارج.

(٢) على الأحوط.


الاستقرار مع الركوع والسجود ، ولذا يقال إنّ مَن سامح وفوّت على نفسه الصلاة مع الطهارة المائية حتى ضاق الوقت عنها يجب الإتيان بالصلاة الاضطرارية ، أي مع الطهارة الترابية ، ومع ذلك يجب عليه القضاء لمكان التفويت المزبور.

ففيه : أنّ لازمه بطلان الفرق بين التوبة وعدمها ، فيجب القضاء مع التوبة والندم أيضاً لعين الملاك ، إذ السبب الموجب له مشترك بين الصورتين ، فلا يتجه التفصيل.

وإن كان المستند عدم صلاحية الصلاة المأتي بها حال الخروج فيما لم يكن عن توبة وندم لوقوعها عبادة من جهة اتصافها بالمبغوضية الفعلية فلا يسقط بها الأمر ، بخلاف ما إذا كان الخروج عن توبة لارتفاع المبغوضية حينئذ ، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، فكأنه صلى في المكان المباح.

ففيه : أنّ التفصيل وإن كان وجيهاً حينئذ ، إلا أن لازمه سقوط الأداء فيما إذا لم يكن الخروج عن ندم ، للعجز (١) عن الامتثال ، بعد فرض الاتصاف بالمبغوضية الفعلية ، فما الموجب للجمع بين وجوبي الأداء والقضاء.

وبالجملة : الجمع بين هذين الأمرين أعني وجوب الأداء مطلقاً ، ووجوب القضاء في صورة عدم الندم لا يستقيم على أيّ تقدير ، بل إما أن يختص الأداء بصورة الندم ، أو يعمم القضاء لصورتي الندم وغيره.

والتحقيق : وجوب الأداء وعدم وجوب القضاء على التقديرين.

أما الأداء فلدليل عدم سقوط الصلاة بحال كما مرّ ، ولا مبغوضية حينئذ في الصلاة نفسها. أما على المختار من عدم الاتحاد مع الغصب فيما عدا السجود‌

__________________

(١) لا عجز بعد إمكان التوبة وإن لم يخترها بسوء الاختيار. ولو أورد ( دام ظله ) على هذا التقدير بأنّ لازمه تقييد متعلق الأمر بالأداء بالصلاة المأتي بها بعد الندم والتوبة ، لعدم صلاحية المأتي بها حال الخروج للعبادية ما لم يكن عن توبة ، مع أن ظاهر عبارة الماتن بل صريحه عدم الفرق في الأداء بين الندم وعدمه ، لسلم عن الاشكال.


[١٣٣٨] مسألة ٢٠ : إذا دخل في المكان المغصوب جهلاً أو نسياناً أو بتخيل الاذن ثم التفت وبان الخلاف ، فان كان في سعة الوقت لا يجوز له التشاغل بالصلاة ، وإن كان مشتغلاً بها وجب القطع والخروج ، وإن كان في ضيق الوقت اشتغل بها حال الخروج سالكاً أقرب الطرق مراعياً للاستقبال بقدر الإمكان ، ولا يجب قضاؤها وإن كان أحوط ، لكن هذا إذا لم يعلم برضا المالك بالبقاء بمقدار الصلاة ، وإلا فيصلي ثم يخرج ، وكذا الحال إذا كان مأذوناً من المالك في الدخول ثم ارتفع الاذن برجوعه عن إذنه أو بموته والانتقال إلى غيره (١).

______________________________________________________

فظاهر بعد فرض الإيماء إليه. وأما على المسلك المشهور فلاستكشاف عدمها من الدليل المزبور ، إذ بعد وقوع المزاحمة بين ملاكي الغصب والصلاة فترخيص الشارع في الثانية يكشف لا محالة عن رفع اليد عن مبغوضية الغصب ، لامتناع ترخيصه في ارتكاب ما يشتمل عليها ، فيكون ذلك بمنزلة التخصيص في دليل حرمة الغصب كما لا يخفى.

وأما القضاء : فلأنه بأمر جديد وموضوعه الفوت ، وظاهره بمقتضى إطلاق الدليل فوت طبيعي الفريضة المأمور بها في مجموع الوقت ، الجامع بين حصتي الاختيارية منها والاضطرارية حسب اختلاف الوظيفة الفعلية ، لا خصوص الأُولى ، إذ بعد الإتيان بالثانية عملاً بما تقتضيه الوظيفة لا يصدق معه الفوت بقول مطلق الذي هو ظاهر الدليل كما عرفت. وحيث إنّ المفروض صحة الصلاة الأدائية وإن كانت في ضمن الفرد الاضطراري ، فلم تفت عنه الفريضة بطبيعيها فلا موضوع للقضاء.

(١) تعرض قدس‌سره في هذه المسألة لحكم من توسط الأرض المغصوبة لا بسوء الاختيار ، بل عن عذر من جهل بالغصبية أو نسيان ، أو اعتقاد الاذن ثم التفت وبان الخلاف.


وتفصيل الكلام : أنه إما أن يفرض ذلك في سعة الوقت أو في الضيق ، وعلى أيّ تقدير لا ريب في وجوب الخروج بمجرد انكشاف الحال لارتفاع العذر بقاء ، كما هو ظاهر ، والكلام فعلاً في حكم الصلاة نفسها.

ولا يخفى أنّ عدّ الجهل من فروض المسألة إنما هو على مذاق القوم القائلين بصحة الصلاة عند الجهل العذري ، وأما على المختار من البطلان فالصلاة فاسدة في جميع التقادير.

وكيف ما كان ، ففي سعة الوقت لا ينبغي الإشكال في عدم جواز التشاغل بالصلاة بعد ما عرفت من ارتفاع العذر بقاءً وكون المكث حراماً ، واتحاده مع الصلاة في جميع الأجزاء أو في السجدة خاصة على الخلاف بيننا وبين المشهور.

وربما تصحح العبادة حينئذ بدعوى أنّ المكلف مضطر بالبقاء في الأرض المغصوبة بمقدار ما يسعه الوقت للخروج ، وليفرض أنها خمس دقائق ، فالمكث بمقدار زمان الخروج وهي الدقائق الخمس حلال حتى واقعاً بعد كونه مضطراً إليه ، كما أنه لا مبغوضية فيه بعد فرض عدم كونه بسوء الاختيار لمعذوريته في الدخول ، وعليه فاذا فرض أنّ زمان الصلاة معادل لزمان الخروج أو أقل فكما يمكنه صرف الدقائق الخمس المرخّص في البقاء بمقدارها في الخروج يمكنه صرفها في الصلاة ، ثم الخروج بعد ذلك. غايته أنّه على الثاني يستلزم زيادة التصرف في الغصب عند خروجه ، وذلك لا يضر بصحة العبادة بعد فرض عدم اتحادها مع الغصب.

أقول : هذه الدعوى وإن صدرت عن بعض الأساطين من مشايخنا (١) إلا أنها لعلها واضحة الفساد ، فان الخروج حيث إنه لا مناص عنه ولم يكن للمكلف بدّ من التصرف بهذا المقدار ، سواء أتحقق في الزمان الأول أو الأخير ،

__________________

(١) وتبعه بعض الأعاظم من تلامذته في المستمسك [ ٥ : ٤٤٨ ].


فهو محلل لمكان الاضطرار.

وأما التصرف الزائد عليه والمكث بمقدار الصلاة فلم يكن مضطراً إليه كي يقع محلّلاً.

وبالجملة : التصرف المعنون بعنوان الخروج حيث إنه مضطر إليه ترتفع عنه الحرمة مهما تحقق ، ولا مدخل للزمان الأول أو الأخير في ذلك ، لا أنّ الحرمة مرتفعة بمقدار هذا الزمان وإن لم يكن التصرف الواقع فيه متصفاً بعنوان الخروج كي يحكم بصحة الصلاة الواقعة فيه ، لعدم تعلق الاضطرار بالزمان ، بل بخصوص العنوان. ولعمري إن الدعوى ناشئة عن الخلط بين هذين الأمرين.

هذا كله إذا كان الالتفات قبل الشروع ، وأما إذا كان متشاغلاً بالصلاة فالتفت في الأثناء ، فقد حكم في المتن بوجوب القطع حينئذ ومراده قدس‌سره بذلك لزوم رفع اليد عن هذه الصلاة خارجاً ، لعدم التمكن من إتمامها صحيحة ، لأنه إن أتمها باقياً فقد أخلّ بشرط الإباحة ، لكون البقاء غصباً محرماً ، وإن أتمها خارجاً مومئاً فقد أخلّ بشرط الاستقرار بالركوع والسجود ، والمفروض تمكنه من الإتيان بها تامة الأجزاء والشرائط لفرض سعة الوقت ، فالصلاة والحال هذه باطلة في نفسها ، لا أنه يجب عليه إبطالها بالقطع كما هو ظاهر.

لكن هذا لا يتم على إطلاقه ، إذ ربما يتمكن من الإتمام كما لو التفت ولم يكن الفصل بينه وبين المكان المباح إلا بمقدار خطوة ، بحيث لا يكون الانتقال إليه مضراً بالصلاة. وكما لو كانت وظيفته الإيماء على أيّ تقدير أي سواء أكان في المكان المغصوب أو المباح لوجوب السير عليه خوفاً من السبع أو العدو ، بناء على ما هو التحقيق من عدم الاتحاد إلا من ناحية السجدة. هذا كله في السعة.

وأما في الضيق فيجب عليه الاشتغال بالصلاة حال الخروج أو الإتمام كذلك‌


لو التفت في الأثناء ، لدليل عدم سقوط الصلاة بحال ، سالكاً أقرب الطرق ، فتسقط حينئذ شرطية الاستقرار للعجز ، وكذا الاستقبال لو لم يتمكن ، وإلا فيراعي بقدر الإمكان ، كما أنه يومئ للسجود لما ذكر ، وكذا للركوع مع استلزامه لزيادة المكث كما هو الغالب وإلا أتى به.

وبالجملة : بعد فرض وجوب الإتيان بالصلاة حينئذ لدليل عدم سقوطها بحال ، فكلما تمكن من الأجزاء والشرائط أتى بنفسها ، وإلا فببدلها إن كان وإلا فتسقط.

وهل يجب القضاء حينئذ؟ الظاهر العدم ، لعدم الموجب له ، فان المستند فيه إن كان التفويت الاختياري للصلاة الاختيارية فغير متحقق في المقام بعد فرض كون الدخول في المكان لا بسوء الاختيار وكونه معذوراً فيه ، ولذا لا إشكال في عدم القضاء فيما لو كان نائماً من أول الوقت فاستيقظ ولم يبق من الوقت إلا بمقدار الصلاة مع الطهارة الترابية ، لعدم كون فوتها عن الطهارة المائية مستنداً إلى الاختيار.

وإن كان عدم وفاء الصلاة الأدائية بالغرض لعدم صلاحية المأتي بها حال الخروج لسقوط الأمر بها لاتصافها بالمبغوضية ، فهو أيضاً غير منطبق على المقام ، إذ المفروض حلية التصرف الخروجي حتى واقعاً ، لمكان الاضطرار وعدم اتصافه بالمبغوضية الفعلية ، لكونه لا بسوء الاختيار فلا موجب للقضاء وإن احتاط فيه في المتن ، إذ لم نعرف له وجهاً أصلاً عدا مجرد الاحتمال الثبوتي فتأمل (١).

ثم إن ما ذكرناه لحد الآن إنما هو فيما إذا لم يعلم برضا المالك بالبقاء بمقدار الصلاة من شاهد حال ونحوه ، وإلا فالصلاة صحيحة في جميع الفروض ، لانتفاء الموضوع وهو الغصب ، فيخرج عن محل الكلام كما هو واضح.

__________________

(١) إشارة إلى ما ذكره في المستمسك [ ٥ : ٤٤٩ ، ٤٥٠ ] وجهاً للاحتياط وعدم تماميته للفرق بين المقام والمسألة الآتية موضوعاً وحكماً.


[١٣٣٩] مسألة ٢١ : إذا أذن المالك بالصلاة خصوصاً أو عموماً ثم رجع عن إذنه قبل الشروع فيها وجب الخروج في سعة الوقت ، وفي الضيق يصلي حال الخروج على ما مرّ وإن كان ذلك بعد الشروع فيها فقد يقال بوجوب إتمامها مستقراً وعدم الالتفات إلى نهيه وإن كان في سعة الوقت ، إلا إذا كان موجباً لضرر عظيم على المالك لكنه مشكل ، بل الأقوى وجوب القطع في السعة والتشاغل بها خارجاً في الضيق خصوصاً في فرض الضرر على المالك (١).

______________________________________________________

(١) قد يكون الرجوع قبل الشروع في الصلاة ، وقد يكون أثناءها ، وعلى التقديرين إما أن يكون ذلك في سعة الوقت أو في الضيق ، فالصور أربع.

أما إذا كان قبل الشروع ، ففي سعة الوقت لا إشكال في وجوب الخروج وتعيّن إيقاع الصلاة تامة الأجزاء والشرائط في المكان المباح ، فان المكث غصب بقاء فيجب الخروج تخلصاً وهو متمكن من إتيان الصلاة صحيحة بعد فرض السعة فلا مزاحمة بين التكليفين ، ولم يقع فيه خلاف من أحد ، قبال الفرض الآتي أعني صورة الضيق الذي قيل فيه بعدم الخروج ولزوم إيقاع الصلاة في نفس المكان قاراً كما ستعرف. وهذا هو مراده قدس‌سره من قوله : وجب الخروج في سعة الوقت ، أي إنّ وجوب الخروج حينئذ مما لا إشكال فيه ، بخلافه في فرض الضيق فإنه محل للإشكال ، فتقييد وجوب الخروج بالسعة في محله ولا حاجة إلى التقدير كما قيل.

وأما في الضيق فالمشهور وجوب الصلاة مومئاً حال الخروج كما في المتن ، وقد ظهر وجهه مما تقدم في المسألة السابقة ، ولكن صاحب الجواهر مال إلى عدم الخروج فلا يعتني برجوع المالك بل يصلي في نفس المكان قاراً مع الركوع والسجود ، غير أنه قدس‌سره لم يجد قائلاً به ، بل ولا أحداً احتمله.

وملخص ما أفاده قدس‌سره في وجهه : أنّه تقع المزاحمة حينئذ بين دليل‌


حرمة الغصب ودليل الأجزاء والشرائط ، أعني ما دل على وجوب الإتيان بالصلاة قاراً مع الركوع والسجود ، لعدم قدرة المكلف على الجمع بين الامتثالين بعد فرض الضيق ، فإن الأوّل يقتضي الخروج ، والثاني يقتضي البقاء ولا يتيسّر الجمع ، ولكن حيث إن الخطاب بالصلاة تامة الأجزاء والشرائط سابق في الوجود على النهي عن الغصب ، لتحقق الأوّل بمجرّد دخول الوقت ، وعروض الثاني بعد رجوع المالك عن إذنه المفروض كونه في آخر الوقت وعند ضيقه ، ولا شك أنّ السبق الزماني من مرجحات باب التزاحم على ما هو المقرر في محله (١).

وعليه فيتقدم دليل الأجزاء والشرائط على دليل الغصب فيلغى الثاني ولا يعتنى برجوع المالك ، فيصلي صلاة المختار مقتصراً فيها على أقل الواجب مبادراً في أدائها ثم يخرج (٢).

هذا ، ولكنه كما ترى واضح الضعف ، فان السبق الزماني إنما يرجح به فيما إذا كانت القدرة معتبرة في كلا المتزاحمين شرعاً ، كما لو دار الأمر بين ترك الصوم في اليوم الأول من شهر رمضان أو الثاني ، وأما إذا كانت في أحدهما عقلية وفي الآخر شرعية كما في المقام ، حيث إنّ القدرة لم تعتبر في حرمة الغصب إلا من جهة حكم العقل بقبح خطاب العاجز ، وإلا فهي غير دخيلة في الملاك ، بخلاف الصلاة فإنها معتبرة في كل من أجزائها وشرائطها شرعاً ، كما يكشف عنه جعل البدل لكل منها لدى العجز ، فلا اعتبار حينئذ بالسبق الزماني بل الترجيح مع ما اعتبرت فيه القدرة عقلاً وإن كان بحسب الوجود متأخراً ، لكون التكليف فيه مطلقاً غير معلّق على شي‌ء بخلاف الآخر فإنه مشروط بالقدرة ، والأول بوجوده سالب للقدرة ومانع عن فعليّة التكليف ، لكونه معجّزاً عنه ورافعاً لموضوعه فلا يزاحم التعليقي مع التنجيزي.

__________________

(١) راجع مصباح الأصول ٣ : ٣٦١.

(٢) الجواهر ٨ : ٢٩٦.


وبالجملة : القدرة العقلية بنفسها من المرجحات لدى المزاحمة بينها وبين القدرة الشرعية ، ولا مدخل للسبق الزماني حينئذ كما تقرر في الأُصول (١).

وعليه فالنهي عن الغصب الحادث بعد رجوع المالك بنفسه يقتضي العجز عن كل شرط أو جزء صلاتي مناف للخروج فيسقط ، لاشتراطه بالقدرة كما عرفت ، وينتقل إلى بدله إن كان وإلا فيقتصر على الصلاة الفاقدة له التي هي بدل عن الواجدة لدى عدم القدرة.

والذي يوضح ما ذكرناه من تقديم دليل الغصب : أنّا لو فرضنا أنّ المكلف كان قادراً على الصلاة تامة الأجزاء والشرائط فعرض ما يوجب اضطراره إلى ترك الاستقرار والسجود كالسير فراراً من العدوّ ، فرأى في طريقه مكاناً مغصوباً يتمكن فيه من الصلاة تامة الأجزاء والشرائط ، فدار أمره بين الغصب وبين الصلاة الاضطرارية ، فهل يمكن الالتزام بالأول بمجرد سبق الخطاب بالصلاة الاختيارية وحدوث النهي عن الغصب متأخراً.

أو لو فرضنا أنّ المكلف كان واجداً للماء المباح في أول الوقت فأريق فاضطر إلى التيمم ، وبعدئذ جاء مَن عنده الماء لكنه لم يرض بالتصرف فيه ، فدار أمره بين الأخذ منه غصباً والتوضي به ، وبين الطهارة الترابية ، فهل يصح القول بتقديم الأول والتصرف في الماء وعدم الاعتناء بنهي المالك لمجرد سبق الخطاب بالصلاة مع الطهارة المائية ، ولحوق التكليف بالنهي عن الغصب؟ لا نحتمل أن يلتزم الفقيه بشي‌ء من ذلك ، وصاحب الجواهر أيضاً بنفسه لا يلتزم به قطعاً.

هذا كلّه فيما إذا كان الرجوع قبل الشروع.

وأما إذا كان في الأثناء ففي فرض الضيق يجري فيه ما مرّ آنفاً حرفاً بحرف وطابق النعل بالنعل ، لوقوع المزاحمة حينئذ بين دليل الغصب ودليل الأجزاء والشرائط ، غايته بقاء لا حدوثاً كما في سابقه ، فيتقدم الأول ، ويتم صلاته حال‌

__________________

(١) مصباح الأصول ٣ : ٣٥٨.


الخروج ، وعلى القول الآخر الذي مال إليه في الجواهر يتمه قاراً مع الركوع والسجود ثم يخرج.

إنما الكلام في الصورة الرابعة : أعني الرجوع في الأثناء مع سعة الوقت ، فان فيه أقوالاً ثلاثة :

إتمامها في نفس المكان قاراً راكعاً ساجداً فلا يعتني بنهي المالك. وإتمامها حال الخروج مومئاً. وقطع الصلاة والإتيان بها في الخارج تامة الأجزاء والشرائط.

والقولان الأوّلان مبنيّان على حرمة قطع الصلاة في هذه الحالة ، فمع إنكارها وفساد المبنى كما هو الحق على ما ستعرف يتعين القول الأخير.

نعم ، بعد البناء على الحرمة فحيث تقع المزاحمة حينئذ بين دليل الأجزاء والشرائط وبين دليل حرمة التصرف في الغصب ، للعجز عن الجمع بينهما في مقام الامتثال كما لا يخفى ، فان قدمنا الأوّل من أجل الترجيح بالسبق الزماني كما مال إليه في الجواهر على ما مرّ تعين القول الأول ، وإن قدّمنا الثاني لترجيح القدرة العقلية على الشرعية على ما عرفت ، تعين القول الثاني.

هذه مباني الأقوال ، وقد أشرنا إلى أنّ الأقوى هو القول الأخير ، لفساد مبنى القولين الأوّلين ، وهي حرمة القطع.

أمّا أوّلاً : فلأن مستند الحرمة إنما هو الإجماع الذي هو دليل لبّي والمتيقن منه غير المقام ، بل إنّا نجزم بعدم تحققه في المقام بعد اختلاف الأقوال في المسألة كما عرفت.

وثانياً : مع التنزل وتسليم استفادتها من دليل لفظي كقوله عليه‌السلام « تحريمها التكبير وتحليلها التسليم » (١) فهو قاصر الشمول لمثل المقام ، إذ القطع إنما يحرم بعد الفراغ عن تمكن المكلّف من إتمام الصلاة صحيحةً لولا القطع وإلا فهي بنفسها باطلة منقطعة فلا معنى لتحريم قطعها ، وفي المقام التمكن من الإتمام‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١١ / أبواب تكبيرة الإحرام ب ١ ح ١٠.


[١٣٤٠] مسألة ٢٢ : إذا أذن المالك في الصلاة ولكن هناك قرائن تدل على عدم رضاه وأنّ إذنه من باب الخوف أو غيره ، لا يجوز أن يصلي ، كما أنّ العكس بالعكس (١).

[١٣٤١] مسألة ٢٣ : إذا دار الأمر بين الصلاة حال الخروج من المكان الغصبي بتمامها في الوقت ، أو الصلاة بعد الخروج وإدراك ركعة أو أزيد ، فالظاهر وجوب الصلاة في حال الخروج (١) ، لأنّ مراعاة الوقت أولى من مراعاة الاستقرار والاستقبال والركوع والسجود الاختياريين (٢).

______________________________________________________

أوّل الكلام ، إذ مقتضى ملاحظة دليل الغصب بعد ضمه إلى أدلة الأجزاء والشرائط الاختيارية عدم التمكن من الإتمام ، ولزوم القطع والإيقاع خارج الغصب حتى يتحقق امتثال الدليلين ، فهما من حيث المجموع يعارضان دليل حرمة القطع ، لاقتضائهما جواز القطع واقتضائه المنع ، فلم يحرز التمكن من الإتمام كي يشمله الدليل المزبور.

وعليه فبعد إلغائه والبناء على جواز القطع يتعيّن رفع اليد عن هذه الصلاة وإيقاعها تامة الأجزاء والشرائط خارج الغصب ، لعدم المزاحمة حينئذ بين دليل الغصب ودليل الأجزاء والشرائط ، للتمكن من امتثالهما بذلك كما هو ظاهر.

نعم ، لا بد من تقييد الحكم بما إذا لم يكن الفصل بينه وبين المكان المباح بمقدار خطوة ونحوها ، بحيث لا يضر الانتقال إليه بصحة الصلاة كما أشرنا سابقاً وإلا فمعه لا يجوز القطع ، للتمكن من الإتمام حينئذ ، ومثله مشمول للإجماع كما هو ظاهر.

(١) قد ظهر حال المسألة مما قدمناه عند التكلم حول المسألة السادسة عشرة فراجع ولاحظ.

(٢) تقدم في مسألتي ٢٠ ، ٢١ أنه تجب الصلاة حال الخروج عند ضيق‌

__________________

(١) الظاهر وجوبها في الخارج كما أشرنا إليه.


الوقت ، ولم يتعرض قدس‌سره هناك لبيان المراد من الضيق ، وأنه هل هو عدم درك تمام الصلاة في الوقت ، أو حتى بمقدار ركعة منها ، فعقد هذه المسألة وتصدى فيها لبيان أن المراد هو الأول ، حيث قال إنه لو دار الأمر بين الصلاة حال الخروج من المكان الغصبي بتمامها في الوقت ، وبين الصلاة الاختيارية بعد الخروج وإدراك ركعة أو أزيد ، تعيّن الأول ، وعلّله قدس‌سره بأهمية الوقت ، فمراعاته أولى من مراعاة الاستقرار والاستقبال والركوع والسجود الاختياريين.

أقول : ما أفاده قدس‌سره مطابق لما هو المشهور بين الأعلام ومنهم شيخنا الأُستاذ (١) قدس‌سره من إدراج المقام وأمثاله مما دار الأمر فيه بين ترك أحد جزأي الواجب أو أحد شرطية ، أو أحد المختلفين في باب التزاحم ، ومن هنا راعوا قواعد هذا الباب ، وأعملوا مرجحاته التي منها الترجيح بالأهمية القطعية أو الاحتمالية.

لكنا ذكرنا غير مرّة في مطاوي هذا الشرح وبينّا في الأُصول (٢) أنّ أمثال المقام من المركّبات الارتباطية أجنبية عن باب المزاحمة بالكلية وداخلة في باب التعارض ، لعدم انطباق ضابط الباب عليها ، فان المدار فيه على وجود تكليفين مستقلين نفسيين وجوبيين أو تحريميين أو مختلفين بحيث كان لكل منهما طاعة وعصيان بحياله ، وقد عجز المكلف عن الجمع بينهما في مقام الامتثال كما في إنقاذ الغريقين ونحوهما.

وأما في باب المركبات الجعلية كالصلاة فليس هناك إلا أمر وحداني متعلق بالمجموع المركب من عدّة أجزاء وشرائط ليس له الا امتثال واحد وعصيان فأرد ، كما أنّه ليس في البين عدا ملاك واحد قائم بالمجموع بما هو مجموع.

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٢٨١.

(٢) محاضرات في أصول الفقه ٣ : ٢٩٣ ، ١٠٠.


وعليه فالعجز عن واحد منها يستوجب سقوط الأمر عن الجميع بمقتضى فرض الارتباطية الملحوظة بينها ، فلو كنّا نحن وذاك الأمر كان مقتضى القاعدة سقوط الصلاة حينئذ رأساً لمكان العجز ، إذ المركب ينتفي بانتفاء بعض الأجزاء.

لكنا علمنا من الخارج بالنص (١) والإجماع أنّ الصلاة لا تسقط بحال ، فنستكشف به تعلق أمر جديد بالمقدار الممكن من الأجزاء بعد القطع بسقوط الأمر الأول كما عرفت ، وحيث لم نعلم متعلق هذا الأمر الحادث وأنه الصلاة مع الركوع مثلاً أو هي مع القيام فيما لو دار الأمر بين ترك أحدهما فالمجعول بنفسه مجهول للشك فيما هو الصادر بالجعل الثانوي ، والترديد عائد إلى مقام الجعل الذي هو من شؤون التعارض ، لا إلى مرحلة الامتثال كما هو من خواص التزاحم ، فتقع المعارضة لا محالة في مقام استكشاف ذاك الحكم المجعول بين إطلاق دليل كل من الجزأين المفروض دوران الأمر بينهما كالركوع والقيام في المثال ، وكالوقت وما ذكر من الأجزاء والشرائط في المقام ، فإن إطلاق كل منهما يقتضي الإتيان به حتى مع العجز عن الآخر ، فلا بد من مراعاة قواعد التعارض والرجوع إلى مرجحات هذا الباب ، فان ثبت وإلا فالتخيير دون التساقط ، لما عرفت من قيام الدليل على عدم سقوط الصلاة بحال. فلا اعتبار بالترجيح بالأهمية القطعية ، فضلاً عن الاحتمالية كما لا يخفى.

هذا ، ومع الغض وتسليم اندراج المقام في باب التزاحم فما هو الكاشف عن أهمية ملاك الوقت ولو احتمالاً ، فانّ دعواها قول بلا برهان مطالب بالدليل.

نعم ، لو دار الأمر بين فوت الوقت رأساً وبين الأجزاء والشرائط الاختيارية ، بحيث تردد الأمر بين الأداء والقضاء ، قدّم الأول بلا إشكال ، لأهمية الوقت المستكشفة من دليل عدم سقوط الصلاة بحال. وأما عند‌

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٣٧٣ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥.


الدوران بين التحفظ على تمام الوقت في مجموع الصلاة ، وبين الأجزاء والشرائط الاختيارية مع وقوع بعض الركعات في الوقت بحيث لم تفته كُلا كما في المقام ، فلا كاشف حينئذ عن أهمية الوقت حتى في مثل ذلك كي يقدّم الأول ، لعدم الدليل عليه كما عرفت.

وعليه فلا بد في تقديم الوقت من التماس دليل خارجي حتى بناءً على اندراج المقام وأمثاله في باب التزاحم.

هذا ، وقد ذكرنا في محله (١) قيام الدليل على التقديم فيما لو دار الأمر بينه وبين الطهارة المائية ، بحيث لو أراد التحفظ على الوقت في تمام الركعات لم يتمكن إلا من التيمم ، ولو تصدى لتحصيل الطهارة المائية وقع مقدار من الصلاة خارج الوقت ولم يدرك منه إلا بمقدار ركعة أو أزيد ، والدليل هو الاستفادة من نفس آية التيمم ، أعني قوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ... ) (٢) فإنّ المراد بالصلاة فيها هو المراد منها في قوله تعالى ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (٣) المفسّر في الأخبار (٤) بوقوع أربع صلوات ما بين الحدين ، ثنتان منها وهما الظهران ما بين الزوال والغروب ، وثنتان وهما العشاءان ما بينه وبين منتصف الليل ، فالمراد بالصلاة بعد ملاحظة التفسير هي الفريضة المضروب لها وقت خاص المحدودة بين المبدأ والمنتهى ، كالظهرين المحدودين بزوال الشمس وغروبها.

وقد دلت الآية المباركة على أنّ من يقوم لهذه الفريضة إن تمكّن من الماء توضأ أو اغتسل وإلا تيمم ، فالشرط لتلك الصلاة هو جامع الطهارة الأعم من المائية والترابية دون الوضوء بخصوصه ، غايته مع رعاية الطولية والترتيب كما‌

__________________

(١) شرح العروة ٥ : ٣٥٨.

(٢) المائدة ٥ : ٦.

(٣) الإسراء ١٧ : ٧٨.

(٤) الوسائل ٤ : ١٥٧ / أبواب المواقيت ب ١٠ ح ٤.


عرفت ، ولذا ورد قوله عليه‌السلام : « لا صلاة إلا بطهور » (١) ولم يرد إلا بوضوء.

وعليه فالمكلف العاجز عن الماء قادر على تحصيل شرط الصلاة في الوقت الذي هو جامع الطهارة كما ذكر ، غايته في ضمن الفرد الاضطراري وهو التيمم ، فهو متمكن من التحفظ على كلا الأمرين وفي وسعه رعاية كلا الشرطين ، أعني الطهارة والوقت ، فلا معارضة ولا مزاحمة.

وقصارى ما يقال : إنّ لكل من الشرطين الاختياريين بدلاً في طوله ، فكما أن التيمم بدل عن الوضوء لدى العجز ، فكذا درك ركعة من الوقت بدل عن تمامه لمكان الاتساع في الوقت لدى العجز عنه المستكشف من حديث من أدرك ، فلا وجه لتقديم الأول على الثاني ، بل يمكن العكس فيتوضأ وإن وقع مقدار من الصلاة حينئذ خارج الوقت ، إذ لا ضير فيه بعد قيام الدليل على الاتساع مع الاضطرار المتحقق في المقام.

ويندفع : بأن الحديث خاص بما لو فات الوقت بحسب طبعه إلا مقدار ركعة فلا يشمل التعجيز الاختياري. فبعد التمكن الفعلي من درك الوقت في تمام الركعات مع التحفظ على جامع الطهارة الذي هو الشرط كما مرّ ، لا سبيل إلى تفويته اختياراً محافظة على الوضوء.

والحاصل : أنّ الحديث لا يسوغ التعجيز ، بل مفاده التوسعة على تقدير العجز ، فلا يجوز التفويت اختياراً وإن كان لو عصى وفوّت شمله الحديث ، لصدق العجز حينئذ ، فلا يجوز التأخير عنه وتفويت تلك الركعة كما هو ظاهر.

وبالجملة : فتقديم الوقت عند الدوران بينه وبين الطهارة المائية مما لا ينبغي الإشكال فيه لقيام الدليل عليه ، وهي الاستفادة من الآية المباركة.

وأما عند الدوران بينه وبين غيرها من سائر الأجزاء والشرائط الاختيارية كما في المقام فلا دليل على تقديم الوقت والانتقال إلى الأبدال ، فإن الركوع ـ

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٦٥ / أبواب الوضوء ب ١ ح ١.


مثلاً بنفسه جزء في الصلاة وهو غير صادق على الإيماء لا لغة ولا عرفاً ولا شرعاً ، نعم على تقدير العجز فالشارع اجتزأ بالإيماء بدلاً عنه ، وليس مرجع ذلك إلى اعتبار الجامع بينهما كما كان كذلك في الطهارة على ما مرّ ، بداهة أنّ الطهارة بجامعها شرط في الصلاة كما يقتضيه قوله عليه‌السلام « لا صلاة إلا بطهور » (١) لا خصوص الوضوء ، ولم يرد ما يقتضي جزئية الجامع المزبور ، بل الوارد جزئية الركوع خاصة غير الصادق على الإيماء كما عرفت. وكذا الحال في السجود والاستقبال والاستقرار.

هذا من ناحية ، ومن ناحية اخرى أن اعتبار الركوع والسجود في الصلاة إنما هو على سبيل الانحلال ، بمعنى أنه يعتبر في كل ركعة اشتمالها على الركوع والسجود لدى التمكن ، فلا يناط ذلك بالقدرة عليهما في تمام الركعات ، بحيث لو عجز عنهما في البعض سقط الاعتبار في البعض الآخر ، إذ ليس الأمر كذلك بالضرورة ، فليس الحال فيهما كالطهارة التي هي شرط وحداني بسيط لوحظ اعتباره في مجموع الصلاة من حيث المجموع ، ولا تنحل إلى شرائط عديدة مستقلة بحسب الركعات أو الآيات كما لعله ظاهر.

وعليه نقول : إنّ المكلف بعد فرض قدرته على الإتيان بذات الركوع والسجود في الركعة الأُولى كما هو المفروض فبأيّ مسوّغ يتركهما وينتقل إلى الإيماء الذي لم تشرع بدليته إلا بعد العجز المفقود في تلك الركعة ، والعجز عن رعايتهما في بقية الركعات مع التحفظ على الوقت لا يؤثر في سقوط الأمر بهما في تلك الركعة ، لما عرفت آنفاً من حديث الانحلال ، وأنّ لكل ركعة حكماً يخصها ، والعبرة بالتمكن من الركوع والسجود في كل ركعة سواء عجز عنهما في بقية الركعات أم لا. ولم يكن الأمر بالركوع [ مع التمكن ] وإلا فبالإيماء مقيداً في لسان الدليل بمن يريد الفريضة الأدائية ، أي الصلاة الواقعة بتمامها في الوقت كما كان كذلك في جانب الطهارة على ما استفدناه من الآية المباركة كما مرّ حتى‌

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٦٥ / أبواب الوضوء ب ١ ح ١.


يقال بأنّ المعتبر في الصلاة هو الجامع بين الركوع والإيماء ، وأنّ الفرض ينتقل إلى الثاني رعاية للوقت في مجموع الصلاة كما قلنا بمثله في ناحية الطهارة.

وحيث إن امتثال هذا التكليف أعني الركوع والسجود في الركعة الأُولى يستوجب لا محالة وقوع مقدار من الصلاة خارج الوقت ، فيشمله حينئذ دليل الاتساع المستفاد من حديث من أدرك ، إذ ليس التأخير وقتئذ مستنداً إلى المكلف كي يكون من التعجيز الاختياري المانع من شمول الحديث كما كان كذلك في ناحية الطهارة بالبيان المتقدم ، فلا يقاس أحدهما بالآخر.

وعلى هذا فلا مناص من الانتقال إلى الوقت الاضطراري والتحفظ على الجزء الاختياري بقدر الإمكان ، ونتيجة هذا البيان استكشاف تقديم الشارع الأجزاء الاختيارية على الوقت الاختياري.

ومما يؤكده ويدلُّ عليه : أنّ المراد من الركعة في حديث من أدرك (١) الوارد في صلاة الغداة ويتعدى إلى بقية الصلوات بالقطع بعدم الفرق الركعة الاختيارية ذات الركوع والسجود فإنها المتبادر منها قطعاً ، فلو كانت رعاية الوقت الأوّلي أهم في نظر الشارع من رعاية الأجزاء الاختيارية لم يبق مورد لهذا الحديث ، بداهة أنّ الزمان الذي تشغله الركعة الاختيارية وافٍ بنفسه لأربع ركعات اضطرارية فضلاً عن ركعتي الغداة التي هي مورد الحديث كما عرفت فانا لو فرضنا أنّ كل ركعة اختيارية تستوعب دقيقة من الزمان ، فيمكن الإتيان في هذه الدقيقة بتكبيرة والإيماء للركوع والسجود لكل ركعة ثم التسليم لسقوط القراءة والتشهد والأذكار لدى العجز ، بل يمكن الإتيان بأكثر من الأربع من مثل هذه الركعات كما هو واضح ، فرفض الشارع لهذه الكيفية وأمره بالإتيان بركعة اختيارية في الوقت وإن وقع الباقي خارجه ، أقوى شاهد على ما ذكرناه من تقديم الأجزاء الأولية على الوقت الأوّلي.

اللهم إلا أن يراد بالركعة في الحديث الركعة الاضطرارية الفاقدة للركوع‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٢١٧ / أبواب المواقيت ب ٣٠.


والسجود ، لكنه كما ترى ينصرف عنها الحديث قطعاً ، بل المتبادر الركعة الاختيارية كما لا يخفي.

ويؤيده أيضاً : صحيحة الحلبي الواردة في من نسي الظهرين وتذكر عند الغروب ، التي استدل بها لاختصاص أربع ركعات من آخر الوقت بالعصر ، قال عليه‌السلام فيها : « إن كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصلّ الظهر ثم يصلّ العصر ، وإن هو خاف أن تفوته فليبدأ بالعصر ولا يؤخّرها فتفوته فيكون قد فاتتاه جميعاً » (١) فان المراد بالظهر والعصر فيها الاختياريتان بلا إشكال.

وعليه فلولا تقديم الأجزاء والشرائط الاختيارية على الوقت لدى الدوران بينهما لم يكن وجه لتخصيص أربع ركعات من آخر الوقت بالعصر ، ناهياً عن التأخير ، معلّلاً بفوت الجميع ، لإمكان دركهما معاً بالإتيان بالظهرين الاضطراريتين ، فانّ الزمان الذي تقع فيه أربع ركعات اختيارية وافٍ بثمانية اضطرارية ، بل أزيد كما ذكرنا آنفاً.

ثم إنّ التعليل الذي ذكره في المتن لحكم المسألة من تقديم الوقت لمكان الأهمية على تقدير تسليمه لا يترتب عليه ما اختاره من لزوم إيقاع الصلاة بتمامها حال الخروج كما هو ظاهر العبارة ، بل اللازم حينئذ التلفيق بإيقاع ثلاث ركعات مومئاً حال الخروج وإيقاع الركعة الأخيرة في المكان المباح مع الركوع والسجود ، لعدم المزاحمة بين الوقت والأجزاء الاختيارية في الركعة الواحدة على الفرض ، وإنما المزاحمة بينه وبينها في تمام الركعات ، فغاية ما يقتضيه الترجيح بالأهمية تقديم الوقت بمقدار المزاحمة ، وحيث لا تزاحم بالإضافة إلى الركعة الأخيرة ، لفرض وقوعها في الوقت ، فلا مسوّغ لترك الأجزاء والشرائط الاختيارية بالنسبة إليها.

وبالجملة : فسواء أقدمنا الوقت كما يدعيه قدس‌سره أم لا ، فحيث إنّ‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ١٢٩ / أبواب المواقيت ب ٤ ح ١٨.


الثاني من شروط المكان : كونه قارّاً ، فلا يجوز الصلاة على الدابة أو الأرجوحة أو في السفينة ونحوها مما يفوت معه استقرار المصلي (١).

______________________________________________________

الوقت وافٍ بمقدار ركعة اختيارية لا مناص من الإتيان بها كذلك ، ولا فرق بيننا وبينه قدس‌سره إلا في احتساب تلك الركعة اولى الفريضة أو أخيرتها ، والمختار هو الأول ، فيأتي بالباقي اختياراً وإن وقع خارج الوقت الأوّلي ، لوقوع الجميع حينئذ داخل الوقت التنزيلي بحديث من أدرك. وعلى مختاره من تقديم الوقت يتعيّن الثاني فيصلي تلفيقاً كما عرفت.

(١) الاستقرار المعتبر في الصلاة له إطلاقان :

أحدهما : بلحاظ المصلي نفسه ، المعبّر عنه تارة بالطمأنينة قبال الاضطراب ، واخرى بالوقوف قبال المشي ، وسيجي‌ء البحث عنه في أفعال الصلاة إن شاء الله تعالى.

الثاني : بلحاظ المكان ، وإن كان المصلي نفسه واقفاً مطمئناً ، وهو المبحوث عنه في المقام ، المعدود من شرائط المكان ، فيبحث عن أنّ الحركة التبعية الحاصلة للمصلي الناشئة من عدم قرار المكان وانتقاله آناً بعد آن بحيث ليس هناك إلا التبدل في الفضاء من دون حركة للمصلي بالذات ، كالصلاة على وسائل النقل من الدواب والسيارات ولا سيّما الطائرات ، هل تكون قادحة في صحة الصلاة فيشترط فيها كون المحلّ قارّاً ثابتاً؟ أو أنها غير قادحة فلا يعتبر القرار؟

ولا يخفى أنّ محلّ الكلام ما إذا لم تستوجب الحركة التبعية المزبورة فوات بعض ما يعتبر في الصلاة من الاستقبال أو القيام أو الطمأنينة ونحوها ، وإلا فلا إشكال في البطلان من أجل فقد تلك الأُمور ، وهو خارج عن محل الكلام ، كما هو ظاهر.

والكلام هنا يقع في موردين :

أحدهما : في الصلاة على الدابة أو السيارة أو الطائرة ونحوها من المراكب.


الثاني : في الصلاة في السفينة ، وأنها هل تختص بخصوصية تمتاز بها عن غيرها بحيث يحكم بجواز الصلاة فيها اختياراً وإن استلزم الإخلال بما يعتبر في الصلاة أو لا؟

أما الكلام في المورد الأوّل : فقد استدل على اشتراط الاستقرار فيه بوجوه مزيّفة لا ينبغي الالتفات إليها :

منها : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « جُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً » (١) بدعوى أنّ المعتبر في السجود أن يكون على الأرض ، فلا تجوز الصلاة على الدابة ، لاستلزامها السجود على غير الأرض.

وفيه : ما لا يخفى ، فإن الرواية مسوقة لبيان عدم اختصاص الصلاة بمكان خاص من مسجد الحرام أو مطلق المساجد أو بيت المقدس كما كان كذلك في الأُمم السابقة ، وأنّ الأرض بأجمعها صالحة للسجود ، وليست بصدد بيان اشتراط الأرضية في المسجدية ، لجواز السجود على قلل الأجبال بلا إشكال ، وكذا الشجرة المرتفعة إذا كان أعلاها مسطّحاً ، بحيث يمكن الصلاة عليه ، وكذا السرير الثابت في المكان ، وكذا الثلج كالشط المنجمد مع عدم صدق الأرض على شي‌ء منها فهي في مقام التوسعة امتناناً دون التضييق.

ويؤيده : عطف الطهور إيعازاً إلى جواز التيمم بمطلق وجه الأرض وعدم الاختصاص بأعاليها ، كما قد يقتضيه لفظ الصعيد ، فالرواية بفقرتيها سيقت لبيان الإرفاق والتسهيل وعدم التضييق في أمر التيمم والصلاة ، لعدم اختصاصهما بمكان خاص كما هو واضح.

ومنها : قوله تعالى ( حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ ... ) إلخ (٢) بدعوى أنّ الصلاة على الدابة مع كونها معرضاً للبطلان من جهة احتمال الإخلال بالاطمئنان أو بالاستقبال خلاف المحافظة عليها.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٥٠ / أبواب التيمم ب ٧ ح ٢.

(٢) البقرة ٢ : ٢٣٨.


وفيه : أنّ الأمر بالمحافظة إرشاد إلى الاهتمام بالصلوات والمحافظة على أدائها في أوقاتها كما فسّرت الآية بذلك ، وأمّا مجرد المعرضية للبطلان مع البناء على الإعادة على تقدير حصول الخلل فليس ذلك منافياً للمحافظة بوجه كما لا يخفى.

نعم ، المعرضية مع الالتفات إليها منافٍ لحصول الجزم بالنية ، فإن اعتبرنا الجزم تبطل الصلاة حينئذ لفقده ، لا لعدم كون المكان قارّاً ، وإلا كما هو الأقوى ، للاكتفاء بقصد الرجاء كما هو محرّر في محلّه فلا وجه للبطلان أصلاً.

ومنها : وهي العمدة : طائفة من الأخبار كصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : لا يصلي على الدابة الفريضة إلا مريض يستقبل به القبلة ، ويجزئه فاتحة الكتاب ويضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شي‌ء ويومئ في النافلة إيماء » (١).

وموثقة عبد الله بن سنان قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أيصلي الرجل شيئاً من المفروض راكباً؟ فقال : لا ، إلا من ضرورة » (٢).

وموثقته الأخرى عنه عليه‌السلام « قال : لا تصلّ شيئاً من المفروض راكباً » ، قال النضر في حديثه : إلا أن يكون مريضاً (٣).

وقد عبّر في المدارك (٤) عن الرواية الاولى من روايتي ابن سنان بالموثقة كما عبّرنا واعترض عليه صاحب الحدائق بضعف السند حيث إن في الطريق أحمد بن هلال وهو فاسد العقيدة مرمي بالغلو تارة وبالنصب اخرى (٥).

لكنا ذكرنا في بعض المباحث السابقة (٦) أنّ الرجل وإن كان منحرف العقيدة‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٣٢٥ / أبواب القبلة ب ١٤ ح ١.

(٢) الوسائل ٤ : ٣٢٦ / أبواب القبلة ب ١٤ ح ٤ ، ٧.

(٣) الوسائل ٤ : ٣٢٦ / أبواب القبلة ب ١٤ ح ٤ ، ٧.

(٤) المدارك ٣ : ١٣٩.

(٥) الحدائق ٦ : ٤٠٨.

(٦) شرح العروة ١٢ : ٣٣٢.


لكنه موثق الحديث (١) ولا تنافي بين الأمرين. وقد مرّ تفصيل الكلام فيه مشروحاً فراجع ولاحظ.

وكيف كان ، فيستدل بهذه الأخبار على أنّ الحركة التبعية الناشئة من سير الراحلة توجب البطلان ، فلا تجزئ الصلاة عليها إلا لدى الضرورة من مرض ونحوه.

وفيه : أنّ الجمود على ظواهر النصوص يقضي بقادحية الصلاة على الراحلة بما هي كذلك حتى لو كانت واقفة وأمكن التحفظ على الأجزاء والشرائط ، كما لو صلى على بعير معقول ، فيكون ذلك شرطاً تعبدياً في الصلاة قبال سائر الشرائط كما أفتى به العلامة في القواعد (٢) والشهيدان (٣) وغيرهما في البعير المعقول الذي لم يتضح الفرق بينه وبين غيره.

وعلى هذا فهي أجنبية عن اعتبار القرار في المكلف ولا ربط لها بالمقام.

وإن بنينا على أنّ المراد منها المنع عن الصلاة حالة السير خاصة كما قد تقتضيه مناسبة الحكم والموضوع ولا سيما التعرض كما في الصحيحة لتوجيه المريض إلى القبلة وإجزائه السجود على ما يمكن ، والإيماء في النافلة ، واستثناء حال الضرورة كما في الموثقتين الكاشف عن عدم التمكن من رعاية الأجزاء‌

__________________

(١) اعتمد ( دام ظله ) في توثيق الرجل على تعبير النجاشي بأنه صالح الرواية [ رجال النجاشي : ٨٣ / ١٩٩ ] مضافاً الى وقوعه في أسناد الكامل والتفسير.

ولكنه معارض بالتضعيف المستفاد من استثنائه من رجال نوادر الحكمة [ رجال النجاشي : ٣٤٨ / ٩٣٩ ] ، ولمثل هذه المعارضة حكم ( دام ظله ) بضعف الحسن بن الحسين اللؤلؤي. المعجم ٥ : ٢٩٧ / ٢٧٩٣. ولم يتضح الفرق بينه وبين المقام إلا أن يقال : بابتناء استثناء ابن هلال على فساد العقيدة غير المنافي لتوثيق النجاشي ، فلا يقاس عليه اللؤلؤي.

ولكنه مجرد احتمال لا ينفع ما لم يبلغ حدّ الاستظهار الذي دعواه كما ترى ، فلا يقاوم ظهور الاستثناء في التضعيف كما لا يخفى.

(٢) القواعد ١ : ٢٥٢.

(٣) الذكرى ٣ : ١٨٩ ، مسالك الأفهام ١ : ١٥٩.


والشرائط الملازم عادة لسير الدابة.

ففي هذه الصورة كما لا قرار للمكان لم تراع الأجزاء والشرائط أيضاً من القيام والسجود والاستقرار والاستقبال ، فمن الجائز أن يكون الوجه في البطلان هو الثاني دون الأوّل ، لما عرفت من الملازمة العادية بينهما ، لا سيّما في مثل الدابة ، فإنّ الراكب عليها عاجز من رعاية ما ذكر إلا نادراً بعلاج ونحوه ، ومثله ينصرف عنه النص قطعاً.

والمنع عن الانصراف بدعوى استفادة الحكم من العموم الوضعي وهو وقوع النكرة في سياق النفي الشامل لجميع الأفراد ، ولا يصادم الانصراف إلا انعقاد الإطلاق دون العموم.

يدفعه أولاً : أنه لا فرق في قادحية الانصراف بين العموم والإطلاق ، ومن هنا يحكم باختصاص مانعية ما لا يؤكل بالحيوان لانصرافه عن الإنسان ، مع أنّ الحكم مستفاد من العموم الوضعي ، أعني لفظة كل الواردة في موثقة ابن بكير قال عليه‌السلام فيها : « فالصلاة في روثة وبوله وألبانه وكلّ شي‌ء منه فاسد ». (١).

وثانياً : منع دلالة النكرة الواقعة في سياق النفي على العموم بالوضع ، بل هو بالإطلاق كما حرّر في الأُصول (٢).

وبالجملة : فلا يكاد يستفاد من هذه الروايات اشتراط الاستقرار في المكان بما هو ، بحيث لو فرض التمكن من الصلاة على الدابة السائرة مراعياً للطمأنينة والقيام والركوع والسجود كانت مجرد الحركة التبعية قادحة في الصحة. نعم الفرض في نفسه نادر ولا سيما في الدواب التي كانت الوسائط النقلية منحصرة فيها في الأزمنة السابقة ، وإن كان في بعض الوسائل المستحدثة كالسكك الحديدية ولا سيّما الطائرات بمكان من الإمكان.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٣٤٥ / أبواب لباس المصلي ب ٢ ح ١. ( نقل بالمضمون ).

(٢) محاضرات في أصول الفقه ٥ : ١٥٨.


وتظهر ثمرة الخلاف في مثل الدابة فيما لو كانت وظيفة المكلف الصلاة جالساً مومئاً ، لعجزه بالذات عن القيام والركوع والسجود ، فإنه بناءً على قادحية الحركة التبعية واشتراط القرار في مكان يلزم إيقاعها على الأرض ، وبناءً على عدم القدح كما هو الصحيح على ما عرفت يجوز إيقاعها على الدابة السائرة ، لعدم الإخلال بالإجزاء حينئذ ، والاطمئنان العرفي حاصل حال الجلوس كما لا يخفي.

ثم إن مقتضى إطلاق الصحيحة المستثنية للمريض الاجتزاء بصلاة المريض على الدابة المستلزمة للإخلال بالأجزاء والشرائط عادة كما مرّ ، وإن لم تكن ضرورة تقتضيه لتمكنه من الصلاة على الأرض من غير مشقة ، إلا أنه معارض بإطلاق الموثقتين المانعتين عن إيقاع الصلاة عليها من غير ضرورة الشامل للمريض وغيره ، وحيث إنّ النسبة عموم من وجه ، فيتساقطان في مادة الاجتماع وهو المريض غير المضطر ، ويرجع إلى عموم أدلة الأجزاء والشرائط.

ثم إنه بناء على تسليم دلالة الأخبار على اشتراط القرار وقادحية الحركة التبعية بنفسها ، فالحكم خاص بموردها مما صدق معه الصلاة على الدابة أو على الراحلة ، أو الصلاة راكباً حسب اختلاف ألسنتها وإن كان الأخير أوسع مما سبق كما هو ظاهر ، فلا يعمّ الحكم ما إذا لم يتحقق معه الصدق المزبور وإن تضمّن الحركة التبعية كالصلاة على الأرجوحة ، لقصور المقتضي للمنع ، إذ لا تصدق في مثلها الصلاة راكباً فضلاً عن الصلاة على الدابة أو الراحلة. فلو فرض التمكن حينئذ من رعاية الأجزاء والشرائط وعدم الإخلال بشي‌ء منها ، فمجرد الحركة بتبع الأرجوحة مع المحافظة على استقرار المصلي واطمئنانه في نفسه لا يكون مانعاً عن صحة الصلاة.

مضافاً إلى قيام الدليل على الجواز ، وهي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال ؛ « سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي على الرفّ‌


المعلّق بين نخلتين؟ فقال : إن كان مستوياً يقدر على الصلاة فيه فلا بأس » (١). رويت بطريقين : في أحدهما ضعف لمكان عبد الله بن الحسن ، والعمدة الطريق الآخر الصحيح الذي رواها به الشيخ فلاحظ (٢).

فان المراد من تعليق الرف إما خصوص ما علّق بالحبال ، كما قد يساعده لفظ التعليق ، بل هو الظاهر منه كما لا يخفى ، أو الأعم منه ومن المسمر بالمسامير ، وعلى أيّ تقدير فتدل ولو بترك الاستفصال على أنّ المعلّق بالحبال المتحرك بطبيعة الحال تجوز الصلاة عليه إذا كان الرفّ مستوياً بحيث يتمكّن من الصلاة عليه من غير إخلال بها ، وأنّ الحركة التبعية الحاصلة لدى قيام المصلي وجلوسه وركوعه وسجوده غير قادحة.

نعم ، لو كان المراد خصوص المسمر بالمسامير كما احتمله بعضهم كانت أجنبية عن المقام ، لما فيه من الثبات والاستحكام ، فلا حركة أصلية ولا تبعية ، لكنه خلاف الظاهر منها قطعاً ، لمنافاته مع التعبير بالتعليق كما عرفت.

وأما الكلام في المورد الثاني : أعني الصلاة في السفينة ، فالبحث عنها يقع في جهات :

الأولى : لا إشكال كما لا خلاف في جواز الصلاة في السفينة لدى الاضطرار ، وعدم التمكن من الخروج عنها ، كما في الأسفار البعيدة ، فيأتي بما يتمكن من الأجزاء والشرائط الاختيارية ، وإلا فينتقل إلى إبدالها حسب ما تقتضيه الوظيفة الفعلية ، لعدم سقوط الصلاة بحال ، فصحتها حينئذ على طبق القاعدة من دون حاجة إلى ورود النص. على أنه وارد كما ستعرف ، وهذا ظاهر لا سترة عليه.

الثانية : إذا كان متمكناً من الخروج ، فالظاهر عدم الخلاف والإشكال أيضاً في صحة الصلاة في السفينة مع التمكن من مراعاة ما يعتبر فيها من الأجزاء‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٧٨ / أبواب مكان المصلي ب ٣٥ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٧٣ / ١٥٥٣.


والشرائط الاختيارية وعدم الإخلال بشي‌ء منها ، فمجرد الحركة التبعيّة الحاصلة من سير السفينة غير قادحة هنا جزماً ، ولا يلزم الخروج إلى الساحل وإيقاع الصلاة على الأرض ، وتدل عليه جملة من النصوص :

منها : صحيح (١) جميل بن دراج « أنه قال لأبي عبد الله عليه‌السلام : تكون السفينة قريبة من الجد ( الجدد ) فأخرج وأُصلي ، قال : صلّ فيها ، أما ترضى بصلاة نوح عليه‌السلام » (٢).

وموثقة (٣) يونس بن يعقوب « أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في الفرات وما هو أصغر منه من الأنهار في السفينة؟ فقال : إن صليت فحسن وإن خرجت فحسن » (٤).

ونحوها : رواية المفضل بن صالح المتحدة معها متناً مع اختلاف يسير (٥) وقد عبّر المحقق الهمداني عن الأخيرة بالصحيحة (٦) وعبّر عنها بعضٌ بالموثقة ، وكلاهما في غير محله ، والصواب أنّها ضعيفة لتصريح (٧) النجاشي بضعف الرجل‌

__________________

(١) صحة طريق الصدوق إلى جميل بن درّاج وحده من غير ضمّ محمد بن حمران محل تأمل عند الأُستاذ ، وإن صححه أخيراً في كتاب الحج من وجه آخر.

(٢) الوسائل ٤ : ٣٢٠ / أبواب القبلة ب ١٣ ح ٣.

(٣) في سند الصدوق إليه في المشيخة [ الفقيه ٤ ( المشيخة ) : ٤٦ ] : الحكم بن مسكين وتوثيقه مبني على الاعتماد على رجال الكامل وقد عدل ( دام ظله ) عنه.

(٤) الوسائل ٤ : ٣٢١ / أبواب القبلة ب ١٣ ح ٥ ، ١١.

(٥) الوسائل ٤ : ٣٢١ / أبواب القبلة ب ١٣ ح ٥ ، ١١.

(٦) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ١٠٦ السطر ١٢.

(٧) هذه العبارة غير صريحة في الضعف ، بل غايته عدم النقاش في التضعيف الذي نقله عن الجماعة ، وأقصاه الظهور دون الصراحة. بل يمكن الخدش فيه أيضاً ، فإنّ حكاية التضعيف ولا سيما في ترجمة شخص آخر من دون تعليق أو تعقيب بنفي ولا إثبات لا يكاد يكشف عن الإمضاء والارتضاء ، ومن ثم ترى النجاشي لم يضعف الرجل عند ترجمته [ لم يترجمه النجاشي مستقلا ] فلو تم الارتضاء لكان الأولى والأجدر التعرض له عند التصدي لترجمته ، كما أنّه حكى في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى [ ٣٤٨ / ٩٣٩ ] ان ابن الوليد استثنى


أي المفضل بن صالح أبو جميلة في ترجمة جابر بن يزيد ، حيث قال بعد ترجمة جابر وتوثيقه ما لفظه : « روى عنه جماعة غمز فيهم وضُعّفوا ، منهم : عمرو بن شمر ومفضل بن صالح .. إلخ » (١) وتبعه غيره. وكيف كان ففيما عداها غنى وكفاية.

نعم ، بإزائها ما يتراءى منه عدم الصحة كصحيح حماد بن عيسى قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يسأل عن الصلاة في السفينة فيقول إن استطعتم أن تخرجوا إلى الجدد فاخرجوا فان لم يقدروا ( هكذا في الوسائل ، والصواب لم تقدروا ) فصلوا قياماً ، فان لم تستطيعوا فصلّوا قعوداً وتحروا القبلة » (٢) رويت بطريقين كلاهما صحيح.

ومضمرة علي بن إبراهيم قال : « سألته عن الصلاة في السفينة ، قال : يصلي وهو جالس إذا لم يمكنه القيام في السفينة ، ولا يصلي في السفينة وهو يقدر على الشط ... » إلخ (٣) والعمدة هي الأولى ، فإنّ سند الأخيرة لا يخلو عن الخدش كما لا يخفى.

ومقتضى الجمع هو حمل الطائفة الثانية على الاستحباب ، أو على ما إذا لم يتمكن من استيفاء الأفعال ، لكن الأول كما ترى ، فان استحباب الخروج لا يلائم مع الترغيب في الاقتداء بصلاة نوح ، وكيف يمكن حمل قوله عليه‌السلام : « إن صليت فحسن وإن خرجت فحسن » الظاهر في المساواة في الحسن على التفاضل وأرجحية الخروج.

فالمتعين : هو الجمع الثاني كما يشهد له نفس الصحيح من الأمر بالصلاة‌

__________________

الحسن بن الحسين اللؤلؤي عن رجال نوادر الحكمة ومع ذلك وثقه بنفسه في ترجمته [ ٤٠ / ٨٣ ]. فلاحظ.

(١) رجال النجاشي : ١٢٨ / ٣٣٢.

(٢) الوسائل ٤ : ٣٢٣ / أبواب القبلة ب ١٣ ح ١٤.

(٣) الوسائل ٤ : ٣٢١ / أبواب القبلة ب ١٣ ح ٨.


قياماً وإلا فقعوداً وتحري القبلة مهما أمكن ، فإنه ظاهر في عدم التمكن من المحافظة على أفعال الصلاة كما هي والإخلال ببعض ما يعتبر ، لا أقل من الاستقبال ولو في بعض الأحوال.

الجهة الثالثة : قد عرفت عدم الخلاف في صحة الصلاة في السفينة اختياراً مع عدم الإخلال والتمكن من استيفاء الأفعال ، وأن الحركة التبعية بمجردها غير قادحة ، وهل تصح فيها اختياراً حتى مع الإخلال وعدم التمكن من الاستيفاء ، فتكون للسفينة خصوصية بها تمتاز عن غيرها ، وهي جواز الاقتصار على ما يتيسر من الأفعال ، وإن كان متمكناً من الخروج والإتيان بصلاة كاملة؟

فيه خلاف بين الأعلام ، فقد ذهب غير واحد من المتأخرين إلى الجواز ، بل حكي عن جمع من القدماء ، لكن الأقوى خلافه ، بل لعله هو المشهور.

ويستدل للجواز تارةً بمرسلة الصدوق في الهداية (١) وبالفقه الرضوي (٢) لكن التعويل على مثلهما في إثبات الحكم المخالف لإطلاقات الأدلة الأولية كما ترى ، ولم تذكر المرسلة في الفقيه كي يلاحظ سندها.

وأُخرى : بإطلاق ما دل على جواز الصلاة في السفينة اختياراً الشامل لصورتي التمكن من استيفاء الأفعال وعدمه كصحيحة جميل وموثقة يونس المتقدمتين (٣) وغيرهما.

ويندفع أوّلاً : بمنع الإطلاق في تلك الأخبار ، فإنها مسوقة سؤالاً وجواباً لبيان حكم الصلاة في السفينة من حيث هي ، وأنّ الحركة التبعية الملازمة لها حالة السير غير قادحة ، فلا بأس بالصلاة في هذا المكان ، ولا نظر فيها إلى سائر ما يعتبر في الصلاة كي ينعقد الإطلاق بلحاظها. ألا ترى أنّه إذا سئل عن حكم الصلاة في الحمام مثلاً فأُجيب بنفي البأس لم يكن للجواب إطلاق‌

__________________

(١) المستدرك ٣ : ١٨٧ / أبواب القبلة ب ٩ ح ٥ ، الهداية : ١٤٨.

(٢) المستدرك ٣ : ١٨٨ / أبواب القبلة ٩ ح ٦ ، فقه الرضا : ١٤٦.

(٣) في ص ٨٨.


بالإضافة إلى إيقاعها عارياً أو إلى غير القبلة ، أو من دون طهارة ، وكذا إذا أُجيب بصحة الصلاة في السفينة لم يكن له إطلاق من حيث الطهارة المائية أو الترابية أو عدمهما ، فهكذا في المقام لا إطلاق لهذه النصوص بالإضافة إلى استيفاء الأفعال وعدمه ، لكون النظر مقصوراً على الحيثية التي سيق من أجلها السؤال وهي مجرد الوقوع في السفينة السائرة ، وهذا واضح لا غبار عليه.

وثانياً : لو سلّمنا الإطلاق في تلك الأخبار فهي معارضة كما مرّ بما يقابلها مما تضمن المنع عن الصلاة في السفينة لدى التمكن من الخروج مثل صحيحة حماد بن عيسى المتقدمة (١) ومقتضى الجمع بعد امتناع الحمل على الاستحباب كما عرفت حمل الطائفة الأُولى على صورة التمكن من رعاية الأجزاء والشرائط الاختيارية ، والثانية على صورة العجز ، لما فيها من الشواهد على ذلك كما سبق. وعليه فلا إطلاق في هذه الأخبار يعمّ صورة العجز عن استيفاء الأفعال.

وثالثاً : مع الغض وتسليم امتناع الجمع بهذه الكيفية فيمكننا علاج المعارضة بوجه آخر. فنقول : إن النسبة بين الطائفتين كصحيحة جميل وصحيحة حماد وإن كانت هي التباين ابتداء لكنها تنقلب إلى العموم والخصوص المطلق بعد ملاحظة موثقة يونس بن يعقوب المتقدمة (٢) ، وبيانه : أن الموثقة وإن نوقش في سندها من جهة الحكم بن مسكين حيث لم يوثق في كتب الرجال صريحاً ، لكن يكفي في توثيقه وقوعه في أسانيد كامل الزيارات (٣) ومن هنا عبّرنا عنها بالموثقة ، هذا من حيث السند.

وأما الدلالة فهي في كمال الظهور في الاختصاص بالصلاة التي يتمكن فيها من استيفاء الأفعال ، بحيث لا فرق بينها وبين الصلاة الواقعة خارج السفينة‌

__________________

(١) في ص ٨٩.

(٢) في ص ٨٨.

(٣) تقدم [ في هامش ص ٨٨ ] أنّه ( دام ظله ) عدل عنه.


من غير ناحية المكان على ما يقتضيه قوله : « إن صلّيت فحسن وإن خرجت فحسن » فإنّه كالصريح في كون المفروض التساوي بين نفس الصلاتين بالذات ، وعدم الفرق إلا من حيث المكان ، فلا يحتمل فيها الإطلاق من حيث الاستيفاء وعدمه.

وعليه فبما أنها أخص من صحيحة حماد كما لا يخفى فتخصص بها ، فتبقى تحتها بعد التخصيص الصلاة التي لا يتمكن فيها من استيفاء الأفعال ، وبعدئذٍ تنقلب النسبة بين هذه الصحيحة وصحيحة جميل من التباين إلى العموم المطلق ، لكون الثانية أعم ، فتخصص بالأُولى وتكون النتيجة اختصاص صحيحة جميل بالصلاة التي يتمكن فيها من الاستيفاء ، فلا إطلاق لها بالإضافة إلى غيرها ، كما لا تعارض.

فتحصل : أنّ الأقوى عدم جواز الإخلال بالأجزاء والشرائط اختياراً ، من غير فرق بين السفينة وغيرها من سائر المراكب ، وأنه مع التمكن من الخروج والإتيان بصلاة تامة يتعين ذلك.

نعم ، مع العجز عنه يأتي بما يتيسر من الأفعال حسب ما تقتضيه الوظيفة الفعلية ، فيراعي الاستقبال لدى الشروع في الصلاة ، ثم إذا دارت السفينة يراعيه في بقية الأجزاء بقدر الإمكان ، وإلا سقط الاستقبال كما نطقت به عدة من الأخبار. ففي موثق (١) يونس « استقبل القبلة ثم كبّر ثم در مع السفينة حيث دارت بك » (٢).

وصحيح الحلبي : « يستقبل القبلة ويصفّ رجليه ، فاذا دارت واستطاع أن يتوجه إلى القبلة ، وإلا فليصلّ حيث توجهت به » (٣).

__________________

(١) تقدم ما في السند [ في هامش ص ٨٨ ولكن هذا المقطع من الرواية نقل في الوسائل ذيل ح ٧ بسند صحيح فراجع ].

(٢) الوسائل ٤ : ٣٢١ / أبواب القبلة ب ١٣ ح ٦.

(٣) الوسائل ٤ : ٣٢٠ / أبواب القبلة ب ١٣ ح ١.


نعم مع الاضطرار ولو لضيق الوقت (١) عن الخروج من السفينة مثلاً لا مانع ، ويجب عليه حينئذ مراعاة الاستقبال والاستقرار بقدر الإمكان ، فيدور حيثما دارت الدابة أو السفينة ، وإن أمكنه الاستقرار في حال القراءة والأذكار والسكوت خلالها حين الاضطراب وجب ذلك مع عدم الفصل الطويل الماحي للصورة (١).

______________________________________________________

ومضمرة علي بن إبراهيم : « يحوّل وجهه إلى القبلة ثم يصلي كيف ما دارت » (١).

وفي صحيحة حماد بن عثمان : « يستقبل القبلة فإذا دارت فاستطاع أن يتوجه إلى القبلة فليفعل وإلا فليصلّ حيث توجّهت به » (٢).

نعم ، ربما يظهر من بعض الأخبار أنه إذا لم يتمكن أن يدور إلى القبلة يصلي إلى صدر السفينة كما في مرسلة الهداية والفقه الرضوي المتقدمتين (٣) وكذا مرسلة الفقيه قال : « روي أنه إذا عصفت الريح بمن في السفينة ولم يقدر على أن يدور إلى القبلة صلى إلى صدر السفينة » (٤) لكنها لمكان الضعف وعدم الجابر والمعارضة بما سبق لا تصلح للاعتماد.

(١) تقدم سابقاً (٥) أنه لو ضاق الوقت حال الخروج عن الدار الغصبية فدار الأمر بين الصلاة مومئاً خارجاً وبين إدراك ركعة اختيارية في الوقت خارج الدار قدّم الثاني ، وأنّ المراد من الضيق هناك عدم التمكن من إدراك الصلاة في المكان المباح حتى بمقدار الركعة ، وقد مرّ وجهه فلاحظ.

__________________

(١) المراد به في المقام هو عدم التمكن من أداء تمام الصلاة بعد الخروج.

(١) الوسائل ٤ : ٣٢١ / أبواب القبلة ب ١٣ ح ٨.

(٢) الوسائل ٤ : ٣٢٢ / أبواب القبلة ب ١٣ ح ١٣.

(٣) في ص ٩٠.

(٤) الوسائل ٤ : ٣٢١ / أبواب القبلة ب ١٣ ح ٧ ، الفقيه ١ : ١٨١ / ٨٥٨.

(٥) في ص ٧٣.


وإلا فهو مشكل (١) (١).

[١٣٤٢] مسألة ٢٤ : يجوز في حال الاختيار الصلاة في السفينة أو على الدابة (٢) الواقفتين مع إمكان مراعاة جميع الشروط من الاستقرار والاستقبال ونحوهما ، بل الأقوى جوازها مع كونهما سائرتين إذا أمكن مراعاة الشروط ، ولو بأن يسكت حين الاضطراب عن القراءة والذكر مع الشرط المتقدم ، ويدور إلى القبلة إذا انحرفتا عنها ، ولا تضرّ الحركة التبعية بتحركهما وإن كان الأحوط القصر على حال الضيق والاضطرار.

______________________________________________________

وأما في المقام فالأمر بالعكس ، فيصلي في السفينة وإن أخلّ بالأفعال مهما لم يتمكن من الخروج والإتيان بصلاة اختيارية تمامها في الوقت ، سواء أتمكن من إدراك ركعة كذلك أم لا ، لإطلاق صحيحة حماد المتقدمة (١) ، فان ظاهر قوله عليه‌السلام : « فان لم تقدروا فصلوا قياماً ... » إلخ ، أي لم تقدروا من الخروج للإتيان بصلاة اختيارية كلها في الوقت ، سواء تمكن من إدراك الركعة أم لا ، فالمراد بالضيق في المقام عدم سعة الوقت لأداء تمام الصلاة بعد الخروج.

(١) بل لا إشكال في سقوط الاستقرار حينئذ ، إذ بعد فرض استلزام مراعاته محو صورة الصلاة المساوقة لعدم تحققها خارجاً يكون الأمر حينئذ دائراً بين ترك الاستقرار وبين ترك الصلاة رأساً ولا شك في تقدم الأول ، لعدم سقوط الصلاة بحال ، فلا مجال للإشكال وهذا واضح جدّاً.

(٢) بعد ما عرفت بما لا مزيد عليه جواز الصلاة في السفينة أو على الدابة اختياراً حال سيرها ، وأن الحركة التبعية بنفسها غير قادحة مع فرض استيفاء الأفعال وعدم الإخلال بشي‌ء منها ، فالجواز في فرض كونهما واقفتين بطريق أولى ، إذ لا يحتمل استثناؤهما من بقية الأمكنة ، فالصلاة عليهما‌

__________________

(١) لا ينبغي الإشكال في وجوب الاشتغال في هذه الصورة.

(١) في ص ٨٩.


[١٣٤٣] مسألة ٢٥ : لا يجوز الصلاة على صبرة الحنطة وبيدر التبن وكومة الرمل مع عدم الاستقرار ، وكذا ما كان مثلها (١).

الثالث : أن لا يكون مَعرضاً لعدم إمكان الإتمام والتزلزل في البقاء إلى آخر الصلاة (٢) ، كالصلاة في الزحام المعرض لإبطال صلاته ، وكذا في معرض الريح أو المطر الشديد أو نحوها ، فمع عدم الاطمئنان بإمكان الإتمام لا يجوز الشروع فيها (١) على الأحوط ، نعم لا يضر مجرد احتمال عروض المبطل.

______________________________________________________

وعلى الأرض على حد سواء كما هو ظاهر.

(١) للإخلال بالاستقرار ، أعني الاطمئنان المعتبر في القراءة والأذكار كما هو واضح.

(٢) هذا مبني على اعتبار الجزم بالنية في تحقق العبادة وعدم الاكتفاء بالامتثال الاحتمالي مع التمكن من التفصيلي ، لكنه بمعزل عن التحقيق كما فصلنا القول فيه في بحث الاجتهاد والتقليد (١) ، فإن العبادة تشترك مع غيرها في كون الواجب هو ذات العمل ، وإنما تمتاز عنها في لزوم إضافتها إلى المولى نحو إضافة ، وكما تتحقق الإضافة بالنسبة الجزمية وبالقصد التفصيلي فكذا تتحقق بقصد الرجاء وبالنسبة الاحتمالية الإجمالية كما في جميع موارد الاحتياط.

ودعوى تأخر الثاني عن الأول رتبة وكونه في طوله ولدي العجز عنه لا شاهد عليها.

وبالجملة : فهذا الشرط لا دليل على اعتباره ، فالأقوى صحة الصلاة على تقدير إتمامها جامعة للشرائط.

هذا فيما إذا كان احتمال عروض المبطل احتمالاً عقلائياً ، كما لو صلى في مكان معرض للبطلان من جهة الزحام أو هبوب الرياح أو المطر الشديد ونحوها ،

__________________

(١) لا يبعد الجواز ، وتصحّ الصلاة على تقدير إتمامها جامعة للشروط.

(١) شرح العروة ١ : ٤٩ وما بعدها.


الرابع : أن لا يكون مما يحرم البقاء (١) فيه كما بين الصفّين من القتال ، أو تحت السقف ، أو الحائط المنهدم ، أو في المسبعة ، أو نحو ذلك مما هو محل للخطر على النفس (١).

الخامس : أن لا يكون مما يحرم الوقوف والقيام والقعود عليه كما إذا كتب عليه القرآن ، وكذا على قبر المعصوم عليه‌السلام أو غيره ممن يكون الوقوف عليه هتكاً لحرمته (٢) (٢).

السادس : أن يكون مما يمكن أداء الأفعال فيه بحسب حال المصلي ، فلا تجوز الصلاة في بيت سقفه نازل بحيث لا يقدر فيه على الانتصاب ، أو بيت يكون ضيّقاً لا يمكن فيه الركوع والسجود على الوجه المعتبر.

______________________________________________________

وأما مجرد الاحتمال العقلي فلا إشكال في عدم قدحه كما نبّه عليه في المتن.

(١) حرمة البقاء في الموارد المذكورة وإن كانت مسلّمة من باب عدم جواز إلقاء النفس في التهلكة ، لكنها بمجرّدها لا تستوجب البطلان ما لم يتحد الحرام مع أفعال الصلاة ، وحيث لا اتحاد في المقام حتى من ناحية السجدة لفرض إباحة الأرض نفسها وإن حرم المكث ، وأن الاعتماد المقوّم لها متحقق في المكان المباح ، فالأقوى صحة الصلاة وإن كان آثماً.

(٢) الحال فيه يظهر مما مرّ آنفاً ، فان الوقوف على ما كتب عليه القرآن أو قبر المعصوم عليه‌السلام وإن لم يكن ريب في حرمته من جهة الهتك ، بل ربما يفضي بعض مراتبه إلى الكفر ، كما لو نشأ الوقوف المزبور عن الاستهزاء بكتاب الله أو إنكار نزوله من السماء ، لكن الحرام غير متحد مع القيام أو القعود أو الركوع أو السجود التي هي من أفعال الصلاة ، فإن المعتبر من هذه الأفعال‌

__________________

(١) حرمة البقاء في الأمكنة المذكورة لا توجب بطلان الصلاة فيها.

(٢) حرمة الفعل المزبور ممّا لا ريب فيه ، ولا يبعد إيجاب بعض مراتبه الكفر إلا انّ الحكم ببطلان الصلاة معه على إطلاقه مبنيّ على الاحتياط.


نعم في الضيق والاضطرار يجوز ويجب مراعاتها بقدر الإمكان (١).

ولو دار الأمر بين مكانين في أحدهما قادر على القيام لكن لا يقدر على الركوع والسجود إلا مومئاً ، وفي الآخر لا يقدر عليه ويقدر عليهما جالساً ، فالأحوط الجمع بتكرار الصلاة ، وفي الضيق لا يبعد التخيير (١) (٢).

______________________________________________________

المأخوذة في حقيقة الصلاة هي الهيئات الخاصة الحاصلة لدى ارتكاب هذه الأُمور كما مرّ توضيحه في أوائل هذا المبحث ، والهيئة بنفسها غير متحدة مع الوقوف المزبور ، كما أنّه بنفسه غير مأخوذ في الصلاة لا جزءاً ولا شرطاً كما لا يخفى.

نعم ، تصح دعوى الاتحاد في السجود خاصة من جهة اعتبار الاعتماد فيه كما مرّ غير مرّة ، فالبطلان إنما يتجه لو سجد على ما يحرم الاعتماد عليه دون ما إذا وقف على المكان المزبور وسجد في مكان آخر.

(١) هذا لا إشكال فيه لكنه ليس شرطاً قبال وجوب الأفعال ، فلا يحسن عدّه من شرائط المكان كما هو ظاهر جدّاً.

(٢) احتاط قدس‌سره بالجمع حينئذ بتكرار الصلاة في المكانين مع سعة‌

__________________

(١) بل الظاهر هو التخيير مطلقاً ، لأنّ المقام داخل في كبرى تعارض العامين من وجه بالإطلاق ، والمختار فيه سقوط الإطلاقين ، والرجوع إلى الأصل ، وحيث إنّ الأمر دائر في المقام بين التخيير والتعيين في كل من المحتملين فيرجع إلى البراءة من التعيين ، وأمّا ما هو المعروف من دخول المقام في كبرى التزاحم والترجيح باحتمال الأهميّة أو بغيره فيردّه أنّ الأمر بكلّ من الجزأين أمرٌ ضمني يسقط بسقوط الأمر بالمركب لا محالة ، ولكن يقطع معه بحدوث أمرٍ آخر يحتمل تعلّقه بما اعتبر فيه القيام وما اعتبر فيه الركوع والسجود ، وما اعتبر فيه أحد الأمرين تخييراً ، وعليه فإطلاق دليل وجوب الركوع والسجود يقتضي اعتبارهما في مفروض البحث ، كما أنّ إطلاق دليل وجوب القيام يقتضي اعتباره فيه ، وبما أنّه لا يمكن الأخذ بهما فلا محالة يسقطان بالتعارض وتصل النوبة إلى الأصل العملي ، وهو يقتضي التخيير ، وتمام الكلام في محلّه.


الوقت ولم يستبعد التخيير في الضيق ، وقد تعرّض قدس‌سره لنفس الفرع في بحث القيام مسألة ١٧ وحكم بعين ما حكم به في المقام.

وقد كتب شيخنا الأُستاذ قدس‌سره على الموردين تعليقتين متهافتتين فقدّم في المقام الركوع والسجود على القيام وقدّمه عليهما هناك ، ونظره الشريف هنا إلى الترجيح بالأهمية ، وهناك بالأسبقية ، وبينهما من التنافي ما لا يخفى فلاحظ.

وكيف كان فلا يمكن المساعدة على ما أفاده قدس‌سره في كلا الموردين ، ولا على ما أفاده الماتن من لزوم الاحتياط في السعة ، بل الأقوى التخيير مطلقا.

أما مقالة شيخنا الأُستاذ رحمه‌الله فمبنية على ما هو المعروف من إدراج المقام وأمثاله من المركبات الارتباطية التي تعذّر بعض أجزائها لا على التعيين في باب التزاحم ، حتى تراعى قواعد هذا الباب من الترجيح بالأهمية أو الأسبقية ، وليس كذلك ، بل هي داخلة في كبرى التعارض كما مرّ غير مرّة ، إذ لا تعقل المزاحمة إلاّ بين تكليفين مستقلين قد عجز المكلف عن الجمع بينهما في مقام الامتثال ، وليس في أمثال المقام إلاّ تكليف وحداني متعلق بالمجموع المركب من حيث المجموع ، كما هو مقتضى فرض الارتباطية. والانحلال إلى تكاليف عديدة ضمنية إنما هي بتحليل من العقل وإلاّ فليس في موردها إلاّ تكليف واحد له طاعة واحدة وعصيان فأرد ، فإذا طرأ العجز على شي‌ء من تلك القيود سقطت الأوامر الضمنية بأجمعها بمقتضى الارتباطية الملحوظة بينها ، ومرجع ذلك إلى سقوط الأمر المتعلق بالمركب لا محالة ، ومقتضى القاعدة حينئذ سقوط الصلاة رأساً ، لكنّا علمنا من الخارج عدم سقوط الصلاة بحال ، فنستكشف من ذلك تعلق أمر جديد بالباقي بعد سقوط الأمر الأول ، وبما أنّ المجعول الثانوي مجهول لدورانه بين أن يكون هي الصلاة قائماً مومئاً أو جالساً مع الركوع والسجود ، فلا محالة تقع المعارضة بين دليل القيام ودليل الركوع والسجود ، فلا بد من إعمال قواعد المعارضة ، ورعاية مرجحات هذا الباب ،


السابع : أن لا يكون متقدّماً على قبر معصوم ولا مساوياً له مع عدم الحائل المانع الرافع لسوء الأدب على الأحوط (١) ، ولا يكفي في الحائل الشبابيك والصندوق الشريف وثوبه (١).

______________________________________________________

وحيث إنّ النسبة بينهما عموم من وجه فان كان أحدهما بالوضع والآخر بالإطلاق قدّم الأول ، وإن كانا بالإطلاق كما في المقام تساقطا ويرجع إلى الأصل العملي ، وحيث إن الأمر حينئذ دائر بين التعيين والتخيير في مقام الجعل ، إذ كما يحتمل تعيّن الصلاة مع القيام خاصة ، أو مع الركوع والسجود خاصة ، كذلك يحتمل أن يكون المجعول الواقعي في هذا الظرف هو التخيير بينهما ، فيرجع حينئذ إلى البراءة عن التعيين ، لأنّ المتيقن هو جامع الصلاة وكل من الخصوصيتين مشكوكة تدفع بالبراءة ، فينتج التخيير ، إذ لا نحتمل عدم وجوب شي‌ء منهما بأن يصلّي من دون القيام ومن دون الركوع والسجود ، فانّ الضرورات تقدّر بقدرها ، فيجب أحدهما قطعاً إما تعيينا أو تخييراً ، وواضح أنّ التعيين كلفة زائدة تدفع بالبراءة.

ومن هذا البيان يظهر الجواب عن مقالة السيد الماتن قدس‌سره من الرجوع إلى الاحتياط عملاً بالعلم الإجمالي ، إذ هو إنما يتم لو كان المعلوم بالإجمال منحصراً في الاحتمالين الأوّلين ، بأن تعتبر الصلاة مع إحدى الخصوصيتين ، كي يكون من الدوران بين المتباينين حتى يجب الاحتياط بالتكرار. وأما مع وجود احتمال ثالث وهو التخيير كما عرفت فحيث لا علم حينئذٍ بإحدى الخصوصيتين فيؤخذ بالقدر المتيقن وهو الجامع ويدفع الزائد بالأصل.

(١) يقع الكلام تارةً في الصلاة مساوياً لقبر المعصوم عليه‌السلام وأُخرى مقدّماً عليه.

__________________

(١) والأظهر الجواز مع عدم استلزامه الهتك كما هو الغالب.


أما مع التساوي : فالمشهور على الكراهة ، وعن بعض المتأخرين المنع ، ولا وجه له عدا مرسلة الحميري في الاحتجاج عن صاحب الزمان عليه‌السلام « لا يجوز أن يصلي بين يديه ولا عن يمينه ولا عن يساره لأن الإمام لا يتقدم عليه ولا يساوى » (١) لكنها لمكان الضعف غير صالحة للاستدلال. مضافاً إلى معارضتها بروايته الأُخرى الآتية المصرّحة بالجواز عن اليمين والشمال. على أنّ هناك روايات كثيرة تضمنت أفضلية الصلاة عند رأس الحسين عليه‌السلام أو أبي الحسن عليه‌السلام المذكورة في كتب المزار (٢) ، ومن هنا يشكل الحكم بإطلاق الكراهة ، إلاّ أن يستند إلى المرسلة المتقدمة ، بناء على التسامح في أدلة السنن وجريانه في المكروهات.

وأما مع التقدم : فالمشهور الكراهة أيضاً ، وعن جمع ولعلّ أولهم البهائي قدس‌سره (٣) وتبعه جمع ممن تأخر عنه المنع ، ومستندهم فيه عدة أخبار :

منها : ما رواه الشيخ بسنده عن محمد بن عبد الله الحميري قال : « كتبت إلى الفقيه عليه‌السلام أسأله عن الرجل يزور قبور الأئمة هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟ وهل يجوز لمن صلى عند قبورهم أن يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة ، ويقوم عند رأسه ورجليه؟ وهل يجوز أن يتقدم القبر ويصلي ويجعله خلفه أم لا؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت : وأما السجود على القبر فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة ، بل يضع خدّه الأيمن على القبر. وأما الصلاة فإنها خلفه ويجعله الامام ولا يجوز أن يصلي بين يديه ، لأن الإمام لا يتقدم ويصلي عن يمينه وشماله » (٤).

ومنها : رواية الاحتجاج المتقدمة آنفا.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٦١ / أبواب مكان المصلي ب ٢٦ ح ٢ ، الاحتجاج ٢ : ٥٨٣.

(٢) المستدرك ١٠ : ٣٢٧ / أبواب المزار ب ٥٢ ح ٣ ، البحار ٩٨ : ١٨٦ ، ٢٠٠ ، ٢١٥.

(٣) الحبل المتين : ١٥٩.

(٤) الوسائل ٥ : ١٦٠ / أبواب مكان المصلي ب ٢٦ ح ١ ، التهذيب ٢ : ٢٢٨ / ٨٩٨.


ومنها : رواية هشام بن سالم المروية في كامل الزيارات عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال « أتاه رجل فقال له : يا ابن رسول الله هل يزار والدك؟ قال نعم ويصلى عنده ، وقال : يصلى خلفه ولا يتقدم عليه » (١).

أما الرواية الأخيرة فهي ضعيفة السند بعبد الله بن عبد الرحمن الأصم فقد ضعّفه النجاشي صريحاً (٢) ونحن وإن اعتبرنا كلّ من وقع في سلسلة أسانيد كامل الزيارات ، لكنه ما لم يكن معارضاً بتضعيف مثل النجاشي.

وأما سابقتها فقد عرفت ضعفها بالإرسال ، فالعمدة إنما هي الرواية الأُولى ، والكلام فيها يقع تارة من حيث السند ، وأخرى من ناحية الدلالة.

أما السند : فقد يناقش فيه من وجهين :

أحدهما : أنّ الشيخ رواها عن محمد بن أحمد بن داود وطريقه إليه غير مبيّن في المشيخة.

وجوابه : ما ذكره الميرزا الأسترآبادي في منهج المقال (٣) من عدم استقصاء الشيخ جميع طرقه في المشيخة ، بل ذكر جملة منها وأحال الباقي إلى الفهرست ، وطريقه إلى الرجل مذكور في الفهرست وهو صحيح كما نبّه عليه الأردبيلي (٤) وإن اشتبه في عطف المشيخة عليه ، فقال : إنّ طريقه إليه صحيح في الفهرست والمشيخة ، لما عرفت من خلوّ الثاني عنه وكم له نظائر هذا الاشتباه ، فأسند ما في الفهرست إلى المشيخة أو بالعكس ، أو إليهما معاً ، وليس إلاّ في أحدهما. وقد ظفرنا على هذا النوع من اشتباهاته ما يقرب الأربعين مورداً ، والعصمة لأهلها.

هذا ، وقد أجاب الميرزا أيضاً بإمكان استفادة طريقه إليه من ذكر طريقه إلى‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٦٢ / أبواب مكان المصلي ب ٢٦ ح ٧.

(٢) رجال النجاشي : ٢١٧ / ٥٦٦.

(٣) منهج المقال : ٤٠٧ السطر ١٨.

(٤) جامع الرواة ٢ : ٥١٢.


أبيه أحمد بن داود ، لوقوع الابن في طريق الأب.

وفيه : ما لا يخفى كما تنظّر هو قدس‌سره فيه ، فانّ غاية ذلك صحة طريقه إلى الرجل بالنسبة إلى ما يرويه من كتاب أبيه ، لا بالنسبة إلى كتاب نفسه الذي هو محل الكلام ، لنقل الرواية عن كتاب نفسه لا عن كتاب أبيه.

ثانيهما : أن الفقيه عليه‌السلام المروي عنه ظاهر في الكاظم عليه‌السلام لكونه من ألقابه ، وبعد ملاحظة تأخر طبقة الحميري عنه عليه‌السلام وعدم إمكان روايته عنه بلا واسطة ، فلا محالة يشتمل السند على السقط فيكون في حكم المرسل.

والإنصاف أن هذه المناقشة في محلها (١) فإن الرواية إما ظاهرة في إرادة الكاظم عليه‌السلام بقرينة قوله : « فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت » حيث إنّ استنساخ الحميري لا يستقيم لو كانت المكاتبة بينه وبين الصاحب عليه‌السلام وكان هو بنفسه صاحب التوقيع ، وإنما يتجه لو كان التوقيع صادراً من الكاظم عليه‌السلام إلى غيره فوصلت إليه فاستنسخ منه نسخة ، وحيث لم يعلم ذلك الغير ففي السند سقط يلحقه بالمرسل.

أو لا أقل من احتمال ذلك ، والترديد بين إرادة الكاظم أو الحجة ( عجل الله فرجه ) فلا جزم بالسند بعد احتمال الإرسال فتسقط عن الاستدلال. هذا ومكاتبات الحميري مع الحجة ( عجل الله فرجه ) استقصوها وليست هذه منها.

__________________

(١) لكنها مبنيّة على أن يكون الفقيه من الألقاب المختصّة بالكاظم عليه‌السلام وليس كذلك ، بل يطلق على الحجة وعلى العسكري عليهما‌السلام كما صرّح به في جامع الرواة [ ٢ : ٤٦١ ] وقد أطلق على العسكري في موارد منها : مكاتبة الصفار المروية في التهذيب ٦ : ٢٥٥ ومكاتبته الأُخرى المروية في ٧ : ٢٢٢ فمن الجائز أن يكون هو المراد في المقام.

وأما القرينة التي من أجلها استظهر ( دام ظله ) إرادة الكاظم عليه‌السلام فمبنية على عود ضمير التكلم في قول : « قرأت ... نسخت » إلى الحميري نفسه ، أما لو عاد إلى الراوي عنه أعني محمد بن أحمد أو والده كما لا يبعد فلا موقع لها كما لا يخفى.


فلا يصغي إلى ما يقال من أنّ الفقيه من ألقاب الحجة عليه‌السلام أيضاً كالكاظم ، أو أنّ المراد معناه الوصفي لا الاسمي ، مستشهداً بظاهر قول الحميري كتبت مؤيداً بالتصريح بصاحب الأمر عليه‌السلام في روايته الأُخرى المتقدمة (١) المروية عن الاحتجاج.

فإن الرواية الأخيرة ضعيفة السند فلا يعبأ بها ، والفقيه لم يعهد إطلاقه على الحجة عليه‌السلام ، ولفظة « كتبت » إنما تكشف عن إرادته عليه‌السلام لو علم أنّ قائلها هو الحميري ، ولم يثبت ، لما عرفت آنفاً من استظهار أنّه غيره ، أو لا أقل من الاحتمال ، فكيف يستدل بها على إرادة الحجة عليه‌السلام فالأقوى ضعف سند الرواية من جهة احتمال الإرسال لو لم يطمأن به كما عرفت.

وأما من حيث الدلالة : فمحتملات الرواية ثلاثة :

الأوّل : أن يكون المراد من قوله عليه‌السلام ، ويجعله الامام تنزيل القبر منزلة الامام عليه‌السلام وفرضه كأنه هو ، فكما لا يتقدم عليه عليه‌السلام فكذا على قبره.

وهذا كما ترى ، فانّ الجعل والفرض لا يترتب عليه أثر ولا يغيّر الواقع عما هو عليه ، فان القبر إن لم يجز التقدم عليه لا يحتاج إلى الفرض والتنزيل ، وإلاّ فمجرد الفرض لا يوجب إجراء حكم الامام عليه‌السلام عليه ، فلا يكون التعبير على هذا التفسير سَلِساً ، بل لا يخلو من الركاكة كما لا يخفى. على أن التقدم على الامام عليه‌السلام في نفسه لا حرمة فيه ما لم يستلزم الهتك المنفي في المقام.

الثاني : أن يراد من ذلك تنزيل القبر الشريف منزلة إمام الجماعة ، فكما لا يتقدم المأموم على الامام فكذا المصلي لا يتقدّم على القبر.

__________________

(١) في ص ١٠٠.


الثامن : أن لا يكون نجساً نجاسة متعدية (١) إلى الثوب أو البدن ، وأما إذا لم تكن متعدية فلا مانع إلا مكان الجبهة ، فإنه يجب طهارته وإن لم تكن‌

______________________________________________________

وهذا يتلو سابقه في الركاكة وعدم السلاسة ، وإن استقام معه التعليل ، أعني قوله عليه‌السلام : « لأن الإمام لا يتقدم » لعدم جواز التقدم على إمام الجماعة ، وذلك لما عرفت من أنّ الجعل لا يؤثر في صيرورة القبر بمنزلة الإمام كي تترتب عليه الأحكام ، فان ذلك تابع لواقعه ولا مدخل للجعل والفرض في ذلك كما هو ظاهر.

الثالث : وهو المتعيّن ، أن يكون الإمام في قوله : « ويجعله الأمام » بفتح الهمزة ، بمعنى القدّام ، وتكون الجملة تأكيداً لسابقتها ، وهي قوله : « فإنها خلفه » والمراد أنه يصلي خلف القبر الشريف ، ويجعل القبر قدّامه وأمامه ، وبهذا يتحفظ على سلاسة الكلام ، فإن مراعاة كيفية وضع القبر ونسبته إلى موقف المصلي باختياره وتابع لجعله ، فيمكنه جعل القبر خلفه أو قدّامه أو عن يمينه أو شماله ، فأمر عليه‌السلام بجعله قدّامه معللاً بأن الامام عليه‌السلام لا يتقدم عليه ، وحيث إنّ التعليل حكم تأدبي قطعاً ، لعدم المحذور في التقدم على شخص الامام عليه‌السلام فضلاً عن قبره ، إذ لم يعهد أنه عليه‌السلام عند مشيه في الطريق كان الناس يقفون على جانبيه حتى يتعدى ، ولا يمشون قدّامه ، فهو محمول على الكراهة ، فلا يتضمن الإلزام والمنع.

فالأقوى ما عليه المشهور من الالتزام بالكراهة دون الحرمة ، بناء على التسامح في أدلة السنن وجريانه في المكروهات ، لما عرفت من ضعف سند الخبر كغيره مما سبق.

هذا مع عدم الحائل ، أما معه الرافع لسوء الأدب فلا كراهة ايضاً ، ولا يكفي فيه الشبابيك والصندوق والثوب ووجهه ظاهر.

(١) من الظاهر أنّ مرجع ذلك إلى شرطية طهارة البدن واللباس ، وليس‌


نجاسته متعدية ، لكن الأحوط طهارة ما عدا مكان الجبهة أيضاً مطلقاً ، خصوصاً إذا كانت عليه عين النجاسة.

التاسع : أن لا يكون محل السجدة أعلى أو أسفل من موضع القدم بأزيد من أربع أصابع مضمومات على ما سيجي‌ء في باب السجدة (١).

العاشر : أن لا يصلي الرجل والمرأة في مكان واحد ، بحيث تكون المرأة مقدّمة على الرجل أو مساوية له (٢).

______________________________________________________

شرطاً آخر معتبراً في نفس المكان. نعم تعتبر الطهارة في خصوص المسجد ، أعني مكان الجبهة ، وسيجي‌ء البحث حوله في مبحث السجود إن شاء الله تعالى.

(١) سيجي‌ء البحث عنه مفصلاً في باب السجدة عند تعرض الماتن له إن شاء الله تعالى.

(٢) نسب إلى غير واحد من المتقدمين ، بل إلى المشهور بينهم المنع عن صلاة الرجل والمرأة في مكان واحد مع تقدم المرأة أو كونها بحذاء الرجل.

وحكي عن غير واحد من المتأخرين بل عامتهم عدا النادر كما في مصباح الفقيه (١) القول بالجواز مع الكراهة ، وعن الجعفي التفصيل بين ما إذا كان البعد بينهما أقل من عظم الذراع أي الشبر فالمنع ، وإن كان بقدره أو أكثر فالكراهة (٢).

وكيف كان ، فلا خلاف بين الأصحاب في ارتفاع الحكم منعاً أو كراهة مع وجود الحائل أو الفصل بمقدار عشرة أذرع ، ومنشأ الخلاف اختلاف الأخبار فإنها على طوائف ثلاث.

الاولى : ما تضمنت المنع مطلقاً ، وهي عدة أخبار فيها الصحاح والموثقات :

__________________

(١) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ١٧٨ السطر ٦.

(٢) [ حكى عنه في الذكرى ٣ : ٨٢ المقطع الأوّل فقط ].


منها : صحيحة إدريس بن عبد الله القمي قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصلي وبحياله امرأة قائمة على فراشها جنباً ، فقال : إن كانت قاعدة فلا يضرك وإن كانت تصلي فلا » (١).

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « سألته عن المرأة تصلي عند الرجل ، فقال : لا تصلي المرأة بحيال الرجل إلاّ أن يكون قدامها ولو بصدره » (٢).

وموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث « أنه سئل عن الرجل يستقيم له أن يصلي وبين يديه امرأة تصلي ، قال : إن كانت تصلي خلفه فلا بأس ، وإن كانت تصيب ثوبه » (٣).

وصحيحة ابن مسلم عن أحدهما عليه‌السلام قال : « سألته عن المرأة تزامل الرجل في المحمل يصليان جميعاً ، قال : لا ولكن يصلي الرجل فإذا فرغ صلت المرأة » (٤) ونحوها غيرها.

الثانية : ما تضمنت الجواز مطلقاً :

منها : ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسن بن علي بن فضال عمّن أخبره عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يصلي والمرأة تصلي بحذاه ، قال : لا بأس » (٥) وهذه الرواية كما ترى مرسلة لا يعتمد عليها ولا جابر لها بعد ما عرفت من كون المسألة خلافية ، بل كون المشهور بين القدماء هو المنع. مع أنّ كبرى الانجبار ممنوعة كما مرّ غير مرّة.

وإنما تعرضنا لها دفعاً لما قد يتوهم من صحتها من جهة كونها من روايات بني فضال الذين قال العسكري عليه‌السلام في كتبهم : « خذوا ما رووا‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٢١ / أبواب مكان المصلي ب ٤ ح ١.

(٢) الوسائل ٥ : ١٢٧ / أبواب مكان المصلي ب ٦ ح ٢ ، ٤.

(٣) الوسائل ٥ : ١٢٧ / أبواب مكان المصلي ب ٦ ح ٢ ، ٤.

(٤) الوسائل ٥ : ١٢٤ / أبواب مكان المصلي ب ٥ ح ٢.

(٥) الوسائل ٥ : ١٢٥ / أبواب مكان المصلى ب ٥ ح ٦ ، التهذيب ٢ : ٢٣٢ / ٩١٢.


وذروا ما رأوا » وأوّل من صدرت عنه هذه الدعوى على الظاهر هو شيخنا الأنصاري قدس‌سره حيث نقل في أول صفحة من مبحث الجماعة رواية مرسلة في طريقها علي بن فضال ، وحكم بصحتها لما ذكر (١) ، وتبعه فيها جمع ممن تأخر عنه.

وفيه أوّلاً : أنّ الرواية في نفسها ضعيفة السند ، فإنها مروية عن عبد الله الكوفي خادم الشيخ حسين بن روح ، « قال : سئل الشيخ يعني أبا القاسم عن كتب ابن أبي العزاقر أي الشلمغاني بعد ما ذمّ وخرجت فيه اللعنة ، فقيل له : فكيف نعمل بكتبه وبيوتنا منها ملاء؟ فقال : أقول فيها ما قال أبو محمد الحسن ابن علي عليه‌السلام وقد سئل عن كتب بني فضال فقالوا : كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملاء؟ فقال عليه‌السلام : خذوا منها بما رووا وذروا ما رأوا » (٢) وعبد الله الكوفي مهمل في كتب الرجال.

وثانياً : مع الغض عن السند فغاية ما تقتضيه الرواية توثيق بني فضال بأنفسهم وأنّ انحراف عقيدتهم لا يضرّ بوثاقتهم كما كانوا عليه حال استقامتهم من الأخذ برواياتهم ، ومن الظاهر أنّ هذا لا يقتضي تصحيح كل خبر كانوا في طريقه حتى لو رووه مرسلاً عن مجهول بحيث يكونون أعظم شأناً من مثل زرارة ومحمد بن مسلم وأضرابهما من الثقات الذين لا يعمل بمراسيلهم حتى نفس بني فضال حال استقامتهم ، إذ لا يحتمل أن يكون انحرافهم موجباً لارتفاع شأنهم عن حال الاستقامة حتى يقتضي الأخذ بمراسيلهم.

وبالجملة : فلا ينبغي التشكيك في ضعف سند الخبر وعدم اعتباره.

__________________

(١) لم نعثر عليه في مبحث الجماعة وإنمّا وجدناه في مبحث المواقيت أول كتاب الصلاة ١ : ٣٦.

(٢) الغيبة : ٣٨٩ / ٣٥٥ ، الوسائل ٢٧ : ١٠٢ / أبواب صفات القاضي ب ٨ ح ٧٩.


ومنها : صحيح جميل (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه « قال : لا بأس أن تصلي المرأة بحذاء الرجل وهو يصلي ، فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يصلي وعائشة مضطجعة بين يديه وهي حائض ، وكان إذا أراد أن يسجد غمز رجليها فرفعت رجليها حتى يسجد » (٢).

ونوقش فيه : باضطراب المتن ، لعدم ارتباط التعليل بمورد الخبر ، وعدم انطباقه عليه ، إذ لا كلام في جواز صلاة الرجل وبين يديه أو بحذائه امرأة نائمة أو قائمة في غير صلاة. كما دل عليه غير واحد من الأخبار ، فالاستشهاد بقصة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مع عائشة وهي مضطجعة لا سيما وهي حائض ، وذكرها في مقام التعليل لجواز صلاة الرجل والمرأة بحذاء الآخر ، مما لا يناسبه ولا يلائمه.

ومن هنا استظهر في الوافي على ما في الحدائق حصول التصحيف في الخبر ، وأنّ الصواب في العبارة « أنه لا بأس أن تضطجع المرأة بحذاء الرجل وهو يصلي فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ... إلخ » (٣).

وفيه : ما لا يخفى ، فإن الرواية مذكورة في جميع كتب الحديث بصورة « تصلي » كما أثبتناها دون « تضطجع » فالرواية إذن تامة سنداً ودلالة ، وإنما الكلام في ربط التعليل بالحكم.

ويمكن توجيهه بناء على المشهور بين المتأخرين من الجواز عن كراهة بأن التقدم لو كان مانعاً فإنما هو من جهة وجود المرأة بين يدي الرجل من غير خصوصية لصلاتها ، وحيث قد ثبت صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعائشة بين يديه ، فلا مانع إذن من تقدمها عليه ، وإن كانت تفترق حالة الصلاة عن غيرها من حيث الكراهة وعدمها بمقتضى نصوص التفصيل والجمع بين الأخبار.

__________________

(١) المراد به جميل بن دراج وقد تقدم الكلام في سنده [ في هامش ص ٨٨ ].

(٢) الوسائل ٥ : ١٢٢ / أبواب مكان المصلي ب ٤ ح ٤.

(٣) الحدائق ٧ : ١٧٨ ، الوافي ٧ : ٤٨٠ / ٦٣٩٩.


نعم ، مفاد التعليل جواز التقدم وهو غير المحاذاة المذكورة في صدر الصحيحة ، ولكن جوازه يدل على جوازها بطريق أولى.

وكيف ما كان ، فلو سلّم فغايته تشويش الصحيحة من هذه الناحية وهو غير ضائر بما هو محل الاستشهاد بعد صراحتها فيه كما لا يخفى.

ومنها : صحيحة الفضيل عن أبي جعفر عليه‌السلام « قال : إنما سميت بكة ، لأنه تبك فيها الرجال والنساء ، والمرأة تصلي بين يديك وعن يمينك وعن يسارك ومعك ولا بأس بذلك ، وإنما يكره في سائر البلدان » (١) بناء على عدم الفصل بين مكة وغيرها جوازاً ومنعاً ، وإن ثبت الفصل كراهة بمقتضى نفس هذه الصحيحة بعد حمل الكراهة الواردة فيها على الكراهة المصطلحة. إذن فتكون الصحيحة صريحة في الجواز ، وبذلك يحمل المنع في الطائفة الأولى المفصّلة بين حالتي صلاة المرأة وعدمها على الكراهة ، فترتفع المنافاة بينها وبين الطائفة الثانية.

الطائفة الثالثة : ما تضمّنت التفصيل ، ففي موثقة عمار إناطة الجواز بالفصل بينهما بمقدار عشرة أذرع « عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه سئل عن الرجل يستقيم له أن يصلي وبين يديه امرأة تصلي؟ قال : لا يصلي حتى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع ، وإن كانت عن يمينه وعن يساره جعل بينه وبينها مثل ذلك ، فان كانت تصلي خلفه فلا بأس ... » إلخ (٢).

فلو كنا نحن وهذه الموثقة لأخذنا بها وحكمنا بهذا التفصيل ، إلاّ أنّ هناك روايات اخرى تضمّنت تحديد الفصل بمقدار شبر واحد ، وأنّه إذا كانت الفاصلة بهذا المقدار صحت الصلاة ، وإن كانت دونه بطلت.

ومقتضى الجمع العرفي بينها وبين الموثقة الالتزام بالكراهة فيما إذا كان الفصل‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٢٦ / أبواب مكان المصلي ب ٥ ح ١٠.

(٢) الوسائل ٥ : ١٢٨ / أبواب مكان المصلي ب ٧ ح ١.


عشرة أذرع فما دون ، والمنع لو كان أقل من الشبر. وهذا القول وإن كان شاذاً ولم يلتزم به إلاّ الجعفي كما سبق (١) إلاّ أنَّ نتيجة الجمع بين الأخبار هو ذلك.

ودعوى اختلاف ألسنة الروايات في بيان الحدّ ، ففي بعضها التحديد بموضع رحل ، وفي آخر بعظم الذراع أو ما لا يتخطى ، وفي ثالث بالشبر أو الذراع ، وفي رابع بعشرة أذرع ، وهذا الاختلاف كاشف عن اختلاف مراتب الكراهة حتى بالنسبة إلى الشبر ، لاتحاد السياق.

مدفوعة : بأنّ التحديد بالشبر الذي هو أقل تلك المراتب صريح في المانعية فيما دون هذا الحد من غير معارض ، وفي عدم المانعية في نفس هذا الحد فما فوق ، فيحمل ما دلّ على المنع في ذلك على الكراهة حسب اختلاف مراتبها من حيث قلة الفصل وكثرته ، وإليك تلك الأخبار :

فمنها : صحيحة معاوية بن وهب (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أنه سأله عن الرجل والمرأة يصليان في بيت واحد ، قال : إذا كان بينهما قدر شبر صلت بحذاه وحدها وهو وحده ولا بأس » (٣).

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام « قال : إذا كان بينها وبينه ما لا يتخطى أو قدر عظم الذراع فصاعداً فلا بأس » (٤) وعظم الذراع قريب من شبر.

وما رواه الشيخ بإسناده عن أبي بصير ليث المرادي قال : « سألته عن الرجل والمرأة يصليان في بيت واحد ، المرأة عن يمين الرجل بحذاه قال : لا ، إلاّ أن يكون بينهما شبر أو ذراع » (٥) ولكن في السند الحسن الصيقل ، وفيه‌

__________________

(١) في ص ١٠٥.

(٢) في طريق الصدوق إلى معاوية بن وهب محمد بن علي ما جيلويه ولم يوثق [ راجع الفقيه ٤ ( المشيخة ) : ٣١ ].

(٣) ، (٤) الوسائل ٥ : ١٢٥ / أبواب مكان المصلي ب ٥ ح ٧ ، ٨.

(٥) الوسائل ٥ : ١٢٤ / أبواب مكان المصلي ب ٥ ح ٣.


كلام ، بل هو مجهول على الأظهر.

وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « سألته عن الرجل يصلي في زاوية الحجرة وامرأته أو ابنته تصلي بحذاه في الزاوية الأُخرى ، قال : لا ينبغي ذلك ، فإن كان بينهما شبر أجزأه يعني إذا كان الرجل متقدّماً للمرأة بشبر » (١) هكذا رواها في التهذيب (٢) ولعل التفسير من الشيخ نفسه لا من الراوي كما يعضده خلو رواية الكافي (٣) عنه ، غير أنه يشكل على هذا باستبعاد كون الفاصلة بين زاويتي الحجرة بمقدار الشبر ، بل امتناعه عادة. ومن هنا يتقوى ما في نسخة الكافي من روايتها بصورة « ستر » بالسين المهملة والتاء المثناة من فوق بدلاً عن « شبر » (٤) فتكون الصحيحة عندئذ أجنبية عن محل الكلام وناظرة إلى اعتبار الستار بين الرجل والمرأة لدى صلاتهما بحيال الآخر ، ومطابقة مع ما رواه ابن إدريس بإسناده عن محمد الحلبي الواردة بنفس هذا المضمون (٥).

وكيف ما كان ، فكلمة « لا ينبغي » ظاهرة في الحرمة دون الكراهة المصطلحة كما مر غير مرّة.

والعمدة هما الروايتان الأولتان ، ومقتضى الجمع العرفي بينهما وبين بقية الروايات هو الالتزام بمقالة الجعفي من المنع فيما دون الشبر ، والجواز عن كراهة فيه فما فوق إلى عشر اذرع حسب اختلاف المراتب.

والمتلخص من جميع ما ذكرناه : أنّ المعتبر لدى اجتماع الرجل والمرأة للصلاة في مكان واحد تأخر المرأة وتقدّم الرجل ولو بصدره ، فان تقدّمت عليه ولم‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٢٣ / أبواب مكان المصلي ب ٥ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٣٠ / ٩٠٥.

(٣) الكافي ٣ : ٢٩٨ / ٤.

(٤) [ الموجود في نسخة الكافي المطبوعة هو « شبر » لا « ستر » ].

(٥) الوسائل ٥ : ١٣٠ / أبواب مكان المصلي ب ٨ ح ٣ ، السرائر ٣ ( المستطرفات ) : ٥٥٥.


إلا مع الحائل ، أو البعد عشرة أذرع بذراع اليد على الأحوط ، وإن كان الأقوى كراهته (١) إلا مع أحد الأمرين (١).

______________________________________________________

يكن فصل بمقدار شبر بطلت الصلاة ، وإن بلغ الشبر ولم يزد على عشرة أذرع ثبتت الكراهة ، وإن زاد عليها فلا كراهة.

(١) ذكر في المتن أُموراً أربعة يرتفع بها المنع أو الكراهة :

الأول : وجود الحائل ، ولا خلاف في زوال الحكم معه وإن كان الفصل بينهما أقل من الشبر ، سواء أكان الحائل قصيراً أم طويلاً. وتقتضيه جملة من النصوص :

منها : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام « في المرأة تصلي عند الرجل ، قال إذا كان بينهما حاجز فلا بأس » (١).

وصحيحة ابن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام في حديث قال : « سألته عن الرجل يصلي في مسجد حيطانه كوى كله قبلته وجانباه وامرأته تصلي حياله يراها ولا تراه قال : لا بأس » (٢).

وخبره الآخر عنه عليه‌السلام المروي في قرب الاسناد وإن كان ضعيفاً لمكان عبد الله بن الحسن قال : « سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي في مسجد قصير الحائط وامرأة قائمة تصلي وهو يراها وتراه ، قال : إن كان بينهما حائط طويل أو قصير فلا بأس » (٣).

ومقتضى الإطلاق في صحيح ابن مسلم عدم الفرق بين كون الحاجز ساتراً أي مانعاً عن المشاهدة أم لا ، كما لو كان زجاجة ونحوها.

نعم مقتضى خبر الحلبي الذي رواه ابن إدريس عن نوادر البزنطي اعتبار‌

__________________

(١) هذا إذا كان بينهما فصل بمقدار الشبر ، وإلا فالأظهر عدم الجواز.

(١) الوسائل ٥ : ١٢٩ / أبواب مكان المصلي ب ٨ ح ٢ ، ١.

(٢) الوسائل ٥ : ١٢٩ / أبواب مكان المصلي ب ٨ ح ٢ ، ١.

(٣) الوسائل ٥ : ١٣٠ / أبواب مكان المصلي ب ٨ ح ٤ ، قرب الاسناد : ٢٠٧ / ٨٠٥.


الأول ، قال : « سألته عن الرجل يصلي في زاوية الحجرة وابنته أو امرأته تصلي بحذائه في الزاوية الأُخرى ، قال : لا ينبغي ذلك إلاّ أن يكون بينهما ستر ، فان كان بينهما ستر أجزأه » (١).

لكن الخبر ضعيف السند من جهة المفضل. مضافاً إلى ضعف طريق ابن إدريس إلى النوادر ، وإن كنا نعتمد عليه سابقاً.

الثاني : البعد عشرة أذرع فصاعداً بلا خلاف. وهذا إن قام عليه إجماع تعبدي فهو المستند ، وإلاّ فتتميمه بالدليل مشكل ، لحصره في خبرين : أحدهما : قاصر سنداً ، وهي رواية علي بن جعفر قال : « سألته عن الرجل يصلي ضحى وأمامه امرأة تصلي ، بينهما عشرة أذرع ، قال : لا بأس ليمض في صلاته » (٢) فإنه ضعيف بعبد الله بن الحسن. والآخر : دلالة ، وهي موثقة عمار : « لا يصلي حتى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع ... » إلخ (٣) فإنها ظاهرة في لزوم كون البعد أكثر من العشرة ، فلا تكفي العشرة نفسها.

ودعوى أنّ المراد من مثل هذا التعبير العشرة فما زاد ، نظير قوله تعالى ( فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ ) (٤) حيث يراد اثنتان فما زاد بقرينة البنت الواحدة التي قوبلت مع هذه الجملة في صدر الآية ، وإلاّ لزم عدم التعرض لحكم الثنتين ، وهو بعيد عن سياقها.

ومن هنا لا يعفى عن الدم إذا كان بقدر الدرهم ، للمنع عما زاد عليه الشامل لنفس المقدار كما صرح به في الجواهر (٥).

يدفعها : أنّا لم نتحققها وعهدتها على مدعيها ، وإرادتها من الآية لمكان القرينة كما عرفت لا يقتضي التعدي إلى مثل المقام العاري عنها ، وشمول‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٣٠ / أبواب مكان المصلي ب ٨ ح ٣ ، السرائر ٣ ( المستطرفات ) ٥٥٥.

(٢) ، (٣) الوسائل ٥ : ١٢٨ / أبواب مكان المصلي ب ٧ ح ٢ ، ١.

(٤) النساء ٤ : ١١.

(٥) الجواهر ٦ : ١١٠.


والمدار على الصلاة الصحيحة (١) لولا المحاذاة أو التقدم دون الفاسدة لفقد شرط أو وجود مانع (١).

______________________________________________________

المنع لمقدار الدرهم ممنوع ، بل الظاهر شمول العفو له كما مرّ في محله (١).

وبالجملة : دعوى الظهور لأمثال هذا التعبير فيما ذكر قول بلا دليل ، فالاكتفاء بالعشرة مشكل جدّاً ما لم يقم الإجماع عليه.

الثالث : تأخر المرأة مكاناً بمجرد الصدق ، أي الصدق العرفي ، فلا يكفي الدقي بأن رسم خط من موقفهما فكانت المرأة متأخرة بمقدار إصبع أو إصبعين مع صدق المحاذاة العرفية.

وبالجملة : فمع صدق التأخر عرفاً لا ينبغي الإشكال في ارتفاع الحكم ، لعدم انطباق العناوين المأخوذة في لسان الأخبار من كون الرجل بحيال المرأة أو بحذائها أو كونها بين يديه ، أو عن يمينه أو شماله. فلا موضوع للمانعية أو الكراهة.

ومنه يظهر الحال في الرابع وهو ما إذا اختلف المكانان من حيث العلو والانخفاض ، فكان أحدهما في مكان عال على وجه لا يصدق معه التقدم أو المحاذاة عرفاً وإن لم يبلغ الفصل عشرة أذرع.

نعم إذا كان الارتفاع قليلاً بحيث لم يضرّ بصدق التقدم أو المحاذاة العرفية شمله الحكم فإذا كان بمقدار الشبر بطل على المختار ، وإلاّ كان مكروهاً ، ولا يهمّنا تشخيص المعيار في الصدق المزبور ، فإنّ الأمر في الكراهة هيّن.

(١) فلا أثر للصلاة الفاسدة في المنع أو الكراهة.

ويستدل له تارة : بأنّ الصلاة كغيرها من ألفاظ العبادات موضوعة للصحيح منه فلا تعم الفاسدة ، وحيث يمتنع إرادة الصحيح فعلاً من جميع‌

__________________

(١) بل على مطلق ما يصدق عليه الصلاة ولو كانت فاسدة.

(١) [ مرّ في شرح العروة ٣ : ٤٠٣ شمول المنع لمقدار الدرهم لا العفو ].


الجهات بعد فرض تعلق النهي ، فلا محالة يراد منها الصحيحة من غير ناحية تعلق النهي نظير قوله عليه‌السلام : « دعي الصلاة أيام أقرائك » (١).

وفيه : أنّ التحقيق أنها كألفاظ المعاملات أسامٍ للجامع بين الصحيح والفاسد كما حقق في الأُصول (٢).

وأُخرى : بالانصراف إلى الصحيحة وإن كان الوضع للأعم.

ويندفع : بأنَّ الانصراف بدوي لا يعبأ به ، فإنّ منشأه إن كانت الغلبة خارجاً ، فمع تسليمها ولعل الأمر بالعكس إنما تنفع لو كانت الأفراد الفاسدة قليلة في مقابل الصحيحة ، وليس كذلك بالضرورة ، لا سيما بعد ملاحظة صلوات أهل البوادي والقرى وجملة من النساء ، وكثير من العوام غير المبالين بالأحكام ، فليست هذه نادرة قبالها ، بل غايته أنّ الأفراد الصحيحة أكثر من الفاسدة ، ومثله لا يوجب الانصراف. على أنه لو سلّم أيضاً فإنما يجدي لو كانت الغلبة بمثابة توجب انس الذهن بحيث لا ينسبق إليه غيرها لدى الإطلاق ، وليس كذلك في المقام كما لا يخفى. وإن كانت كثرة الاستعمال في الصحيح ، فهو كما ترى ، فإن الاستعمال في الفاسد ، وكذا في الجامع بينهما ليس بقليل قبال الاستعمال في الصحيح.

فالإنصاف : عدم الفرق بين الصلاة الصحيحة والفاسدة في ترتب الأثر لو لم يقم إجماع على الاختصاص بالأُولى. على أنه لو كان فهو معلوم المدرك أو محتملة ، فلا يكون تعبدياً ، فالأقوى شمول الحكم لهما ، مع فرض صدق الصلاة عليه بأن لا يكون الفساد من جهة فقد الأركان المقوّمة لصدق اسم الصلاة كالطهارة أو الركوع والسجود ، وإلاّ فلا أثر له لخروجه عن حقيقة الصلاة وعدم صدق اسمها عليه ، وكذا لو كانت مثل صلاة الميت التي ليست هي من حقيقة الصلاة في شي‌ء.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٢٨٧ / أبواب الحيض ب ٧ ح ٢.

(٢) محاضرات في أُصول الفقه ١ : ١٤٠.


والأولى في الحائل (١) كونه مانعاً عن المشاهدة (١) ، وإن كان لا يبعد كفايته مطلقاً ، كما أنّ الكراهة أو الحرمة مختصة بمن شرع في الصلاة لاحقاً (٢) (٢) إذا كانا مختلفين في الشروع ، ومع تقارنهما تعمّهما. وترتفع أيضاً بتأخر المرأة مكاناً بمجرد الصدق ، وإن كان الأولى تأخرها عنه في جميع حالات الصلاة بأن يكون مسجدها وراء موقفه كما أنّ الظاهر ارتفاعها أيضاً بكون أحدهما في موضع عال على وجه لا يصدق معه التقدم أو المحاذاة ، وإن لم يبلغ عشرة أذرع.

______________________________________________________

(١) لخبر الحلبي المتقدم (١) الذي تضمن التعبير بالستر الظاهر فيما يكون مانعاً عن المشاهدة ، لكن عرفت ضعفه. مع احتمال أن تكون النسخة الشبر بالمعجمة دون الستر ، فيكون خارجاً عما نحن فيه ، فالمتبع إطلاق صحيح ابن مسلم المتقدم (٢) وغيره من الاجتزاء بمطلق الحاجز ، كان ساتراً أم لا.

(٢) كما عن غير واحد ، فلا تعمّهما إلاّ مع التقارن ، لكن الأقوى خلافه (٣) فيعم الحكم السابق كاللاحق كما عن جمع آخرين بل المشهور على ما ادعاه بعضهم ، بل في الحدائق (٤) وعن جامع المقاصد (٥) نسبته إلى إطلاق كلام الأصحاب.

والوجه فيه : أنّ الوارد في النصوص المنع تحريماً أو تنزيهاً على الخلاف‌

__________________

(١) وإن كان قصيراً أو مشتملاً على النوافذ.

(٢) بل هي عامّة للسابق أيضاً.

(١) في ص ١١٢.

(٢) في ص ١١٢.

(٣) كما أُشير إليه في تعليقته الشريفة ، وخلوّ الطبعة الأخيرة عن ذلك مبني على الغفلة دون العدول كما صرح ( دام ظله ) بذلك.

(٤) الحدائق ٧ : ١٨٧.

(٥) جامع المقاصد ٢ : ١٢١.


المتقدم عن أن يصلي الرجل وبحذائه امرأة تصلي أو بالعكس ، والمحتملات في كلمة « يصلي » في الموردين أُمور ثلاثة :

فإما أن يراد بهما الشروع ، أو التلبس ، أو بالاختلاف بأن يراد منها في أحدهما الشروع وفي الآخر التلبس.

أما الأخير فمضافاً إلى مخالفته لاتحاد السياق يلزمه قصور النصوص عن التعرض لصورة الاقتران ، وهو كما ترى ، وأما الأوّل فلازمه الاختصاص بصورة الاقتران وهو مضافاً إلى أنه من حمل المطلق على الفرد النادر كما لا يخفى ، لا مقتضي له ، ضرورة أنّ صيغة المضارع موضوعة لمطلق التلبس لا لخصوص حالة الشروع ، فانّ قولنا : زيد يخطب مثلاً ، صادق عند تلبسه بالمبدإ ، سواء أكان حين شروعه أم بعده ما لم يفرغ.

ومنه تعرف تعيّن الوجه الثاني ، وعليه فيكون المتحصّل من النصوص أنّ تلبس الرجل أو المرأة بالصلاة مشروط بعدم تلبس الآخر بها ، فلا فرق بين صورتي التقارن والتعاقب ، كما لا فرق بين السابق واللاحق ، لصدق العنوان المزبور ، أي « أن الرجل يصلي وبحياله امرأة تصلي » في جميع التقادير ، لاتحاد مناط الصدق وهو مطلق التلبس في الكل من غير اختصاص بصورة دون اخرى.

وإن شئت فقل : إنّ مناط المنع هو المحاذاة ونسبتها إلى السابق واللاحق والمقارن نسبة واحدة ، فلا جرم تتحقق الكراهة أو المانعية بالإضافة إلى الجميع ولو بقاءً.

ودعوى : أنّ الصلاة اللاحقة كيف تؤثّر في إبطال السابقة ، وكيف يبطل العمل الصحيح بفعل الغير.

مدفوعة : بأنه مجرد استبعاد محض ولا ينبغي الاستيحاش منه بعد مساعدة الدليل الذي نميل معه حيث يميل.

على أنّه يمكن دفعه من أصله ، بأنّ الموجب للبطلان هو بقاؤه في هذا‌


المكان ، حيث أوجب تحقيق المحاذاة المانعة عن صحة الصلاة أو عن كمالها ، وعلى تقدير استناد البطلان إلى فعل الغير لعجز هذا عن النقل والتحويل بعد التلبس بالصلاة ، فلا ضير في الالتزام به وإن نشأ عن فعل الغير حسبما سمعت ، بعد الاشتراك في صدق عنوان الاجتماع في الموقف المنهي عنه.

وبالجملة : سبق الانعقاد لا يمنع من طروء الفساد إذا اقتضاه الدليل ، والاستبعاد المزعوم استبعاد لغير البعيد بعد ظهور الأدلة فيه ، فلا مناص من رفع اليد والإتيان بها في مكان آخر ، هذا.

وربما يستدل لاختصاص البطلان باللاحقة بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : « سألته عن إمام كان في الظهر فقامت امرأته بحياله تصلي وهي تحسب أنها العصر ، هل يفسد ذلك على القوم؟ وما حال المرأة في صلاتها معهم وقد كانت صلت الظهر؟ قال : لا يفسد ذلك على القوم وتعيد المرأة » (١) حيث دلت على اختصاص الفساد بصلاة المرأة ، وأنها لا تستوجب فساد صلاة القوم السابقة عليها.

أقول : أما من حيث السند فلا ينبغي الشك في الصحة ، فإن صاحب الوسائل رواها عن الشيخ في موضعين : أحدهما : في مكان المصلي (٢) ، وهو ضعيف لضعف طريق الشيخ إلى العياشي (٣). مضافاً إلى أنّ في السند جعفر بن محمد وهو مجهول.

ثانيهما : في باب ٥٣ من أبواب صلاة الجماعة حديث ٢ (٤) والظاهر صحته ، لأنّ الشيخ يرويها بإسناده عن علي بن جعفر ، وظاهره بقرينة ما ذكره في آخر‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٣٠ / أبواب مكان المصلي ب ٩ ح ١.

(٢) المصدر المتقدم.

(٣) الفهرست : ١٣٦ / ٥٩٣.

(٤) الوسائل ٨ : ٣٩٩ / أبواب صلاة الجماعة ب ٥٣ ح ٢.


التهذيب (١) من أن من يبدأ به السند فإنما يرويه عن كتابه ، أنه يرويها عن كتابه ، وطريقه إلى الكتاب صحيح.

وأما من ناحية الدلالة ، فالظاهر أنها قاصرة ، لابتنائها على استناد فساد صلاة المرأة إلى المحاذاة ، إذ لو كانت فاسدة في حدّ ذاتها حتى مع الغض عن هذه الجهة فمثلها لا يستوجب فساد الصلاة السابقة ، إلا إذا قلنا إنه يكفي في البطلان مجرد مسمّى الصلاة عرفاً ولو كانت فاسدة مع قطع النظر عن المحاذاة.

ومن الجائز استناد الفساد في المقام إلى أحد أمرين آخرين :

أحدهما : اختلاف فرضها مع فرض الامام ، حيث إنها تقتدي عصرها بظهره ، وقد بنى بعضهم ومنهم الشيخ المفيد في المقنعة على بطلان الجماعة في هذه الصورة لاعتبار المساواة في الفريضة (٢) وقد ذكر الشيخ الطوسي (٣) هذه الرواية في ذيل تلك الفتوى دليلاً عليها.

ثانيهما : عدم تأخرها عن الامام لقيامها حياله ، ويعتبر في صحة الجماعة تأخرها عنه.

ومع تطرق هذين الاحتمالين كيف يمكن الاستشهاد بها على المدعى.

وبالجملة : لم يعلم أنّ الأمر بإعادة المرأة خاصة لأجل الاجتماع المفروض بينها وبين القوم كي تدل الصحيحة على صحة السابقة ، هذا أوّلاً.

وثانياً : مع الغض وتسليم كونها ناظرة إلى جهة المحاذاة كما قد يعضده ضم السؤال عن صحة صلاة القوم ، حيث لا يحتمل فساد صلاتهم من غير هذه الناحية فالحكم بصحة صلاتهم مطلق من حيث البعد وكمية الفصل ، ومن البعيد جدا أن تقف المرأة متصلة بالرجل خصوصاً على ما في‌

__________________

(١) التهذيب ١٠ ( المشيخة ) : ٤.

(٢) [ لم نجد هذا الحكم في المقنعة وإنمّا أضاف الشيخ الطوسي باب أحكام الجماعة في التهذيب وأورد هذه الرواية في هذا الباب ذيل فتوى أخرى ].

(٣) التهذيب ٣ : ٤٩ / ١٧٣.


[١٣٤٤] مسألة ٢٦ : لا فرق في الحكم المذكور كراهة أو حرمة بين المحارم وغيرهم والزوج والزوجة وغيرهما (١) وكونهما بالغين أو غير بالغين (١) (٢) أو مختلفين ، بناء على المختار من صحة عبادات الصبي والصبية.

______________________________________________________

بعض نسخ الرواية من ذكر « فقامت امرأة » بدل « فقامت امرأته » الشامل للأجنبية. إذن فلا بد من تنزيلها على ما تقتضيه طبيعة الحال من كون الفصل أكثر من الشبر ، فتصح صلاة القوم حينئذ لفقد المحاذاة القادحة ، وهذا وإن استوجب صحة صلاة المرأة أيضاً من هذه الناحية ، إلا أنه يمكن أن يكون فسادها لجهة أُخرى غير المحاذاة حسبما ذكرناه آنفاً ، بل لا مناص من ذلك بمقتضى افتراض وقوفها بحيال الامام (١).

وعليه فلا يمكن الاستدلال بها على اختصاص البطلان من ناحية المحاذاة بالصلاة المتأخرة ، بل الأقوى ما عرفت من تعميم البطلان أو الكراهة لكلتا الصلاتين ، سواء أكانتا متقارنتين أم متعاقبتين.

(١) لإطلاق النصوص بل التنصيص في بعضها مما اشتمل على التعبير بالزوجة أو البنت فلاحظ.

(٢) خلافاً للمشهور من اختصاص المنع بصلاة البالغ ، وهو الأقوى ، فإن مستند التعميم المذكور في المتن أحد أمرين :

إما دعوى أنّ التعبير بالرجل والمرأة الوارد في النص كناية عن مطلق الذكر والأُنثى من غير خصوصية للبلوغ كما ادعي مثل ذلك في موارد : منها تحريم بنت الموطوء وأُمه وأُخته فيما لو وطئ رجل غلاماً فأوقبه ، حيث حكموا بعدم اختصاص الحكم بما إذا كان الواطئ بالغاً والموطوء صبياً ، بل تنشر الحرمة حتى فيما إذا كانا بالغين أو صبيين.

__________________

(١) الأقوى اختصاص المنع بمحاذاة صلاة البالغ.

(١) لكن مقتضى ذلك بطلان جماعتها دون أصل الصلاة.


ويدفعها : أنه لا شاهد عليها فإنها دعوى غير بينة ولا مبينة وعهدتها على مدعيها بعد كونها على خلاف ظهور الكلام. وعلى تقدير تسليمها في مسألة الوطء لقرائن تقتضيه فلا نسلمها في المقام.

وإما دعوى أنّ الأحكام المتعلقة بغير البالغين تفهم ممّا ثبت في حق البالغين حيث يظهر من مثل قوله عليه‌السلام : « مروا صبيانكم بالصلاة ... » إلخ (١) الاتحاد في تمام الخصوصيات ، وأنّ الطبيعة هي تلك الطبيعة ما لم ينهض دليل على الخلاف. إذن فكل ما يعتبر في صلاة البالغين من الأجزاء والشرائط والموانع التي منها قادحية المحاذاة بين الرجل والمرأة في الموقف معتبر في الصلاة المطلوبة استحباباً من غير البالغين بمقتضى الإطلاق المقامي.

ويدفعها : أنّ هذه لعلها أغرب من سابقتها ، ضرورة أنّ مقتضى الاتحاد المزبور إلحاق صلاة غير البالغ بالبالغ في قادحية المحاذاة ، ومعنى ذلك أنّ صلاة الرجل كما أنها تبطل بمحاذاتها لصلاة المرأة وبالعكس ، فكذلك تبطل صلاة الصبي بمحاذاة صلاة المرأة ، وكذا الصبية بمحاذاة صلاة الرجل ، فانّ هذا هو قضية اتحاد صلاة غير البالغ مع البالغ في الأحكام باعتبار الإطلاق المقامي كما ادعي. وهذا شي‌ء لا نضايق منه.

وأما بطلان صلاة الرجل بمحاذاة صلاة الصبية أو صلاة المرأة بمحاذاة صلاة الصبي ، أو كل من الصبي والصبية بمحاذاة صلاة الآخر ، فلا يكاد يقتضيه الاتحاد المزبور بوجه ، ضرورة أنّ مانعية محاذاة الصبي أو الصبية لصلاة البالغ غير ثابتة ، فإنها عين الدعوى وأوّل الكلام ، فكيف يتعدى إلى غير البالغ ويحكم بثبوتها لصلاة الصبي.

إذن فالأقوى هو الصحة في الصور الثلاث المزبورة واختصاص البطلان بما عرفت.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ١٩ / أبواب أعداد الفرائض ب ٣ ح ٥.


[١٣٤٥] مسألة ٢٧ : الظاهر عدم الفرق أيضاً بين النافلة والفريضة (١).

[١٣٤٦] مسألة ٢٨ : الحكم المذكور مختص بحال الاختيار ففي الضيق (١) والاضطرار لا مانع ولا كراهة (٢).

______________________________________________________

(١) إذ مضافاً إلى أصالة الاتحاد بينهما في الأحكام ما لم يثبت خلافه كما تكرر في مطاوي هذا الشرح ، يقتضيه الإطلاق في غير واحد من نصوص الباب فلاحظ.

(٢) أما ارتفاع الكراهة ، فلأجل أنّ الخطاب التنزيهي مرجعه إلى الإيعاز إلى وجود منقصة وحزازة في الفرد المنهي عنه تستوجب في العبادات تقليل الثواب ، والإرشاد إلى اختيار فرد آخر أفضل وأكمل ، إما واجد لمزايا أو عارٍ على الأقل عن هذه النقيصة ، فان الطبيعة بالإضافة إلى الخصوصيات التي تكتنف بها الأفراد مختلفة ، ومن ثم تنقسم إلى المكروهة والمستحبة والمباحة حسب اختلافها نقصاً أو كمالاً.

ومن الواضح جدّاً أنّ الإرشاد المزبور متفرّع على قدرة المكلف على اختيار ما يشاء من تلك الأفراد ، أمّا لو انحصرت الطبيعة في الفرد الأوّل مثلاً كما لو كان محبوساً في الحمام بحيث دار أمره بين ترك الصلاة رأساً أو الإتيان بها في هذا المكان ، فلا موقع حينئذ للالتزام بمرجوحيته واتصافه بالكراهة كما لا يخفى.

وأما ارتفاع المانعية ، فلافتراض انحصار الطبيعة في الفرد المقترن بالمانع بحيث دار الأمر بين تركها رأساً أو الإتيان بها مقرونة به ، وحيث إنَّ الصلاة لا تسقط بحال ، لم يكن بدّ من اختيار الثاني كما هو الشأن في كل جزء أو شرط أو مانع اضطر إلى الإخلال به ، فإنه يرفع اليد عنه بمقتضى الدليل الثانوي حسبما عرفت.

__________________

(١) بأن لا يتمكن من إدراك ركعة واحدة واجدة للشرائط.


نعم إذا كان الوقت واسعاً يؤخر أحدهما صلاته (١) والأولى تأخير المرأة صلاتها (٢).

______________________________________________________

ثم لا يخفى أنّ المراد من الضيق في المقام عدم التمكن من إدراك ركعة واحدة جامعة للشرائط في الوقت ، فانّ ذلك هو مقتضى ملاحظة التوسعة المستفادة من حديث من أدرك حسبما تكرّرت الإشارة إليه في مطاوي هذا الشرح ، فلو تمكن من إدراك ركعة كذلك وبنينا على المانعية أخّر صلاته لإدراكها.

(١) وجوباً أو ندباً ، حذراً عن المانعية أو الكراهة حسب المبنيين في المسألة.

(٢) لصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « سألته عن المرأة تزامل الرجل في المحمل يصليان جميعاً؟ قال : لا ، ولكن يصلي الرجل فإذا فرغ صلّت المرأة » (١) المؤيدة برواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل والمرأة يصليان معاً في المحمل ، قال : لا ، ولكن يصلي الرجل وتصلي المرأة بعده » (٢).

ولعل في الصحيحة نوع دلالة على ما استقويناه من عدم الفرق في البطلان بالمحاذاة بين السابقة واللاحقة ، إذ الظاهر أنه عليه‌السلام بصدد بيان وظيفة كل من الرجل والمرأة ، ومن ثم حكم عليه‌السلام بعدم اقتران الصلاتين في شي‌ء من أجزائهما ، فلا يكفي شروع اللاحقة بعد الشروع في السابقة ، بل لا بدّ وأن تكون بعد الفراغ منها كي يحكم حينئذ بصحة الصلاتين ، وإلاّ فلا يصح شي‌ء منهما فتدبر جيداً.

وكيف ما كان ، فظاهرها وجوب التقديم ، ولكنّ الوجوب التعبدي غير محتمل كما لا يخفى ، وكذلك الشرطي ، للقطع بعدم دخله في صحة صلاة الآخر ، ومن ثم لو عصى الرجل فترك صلاته رأساً أو أخّرها إلى آخر‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٢٤ / أبواب مكان المصلي ب ٥ ح ٢.

(٢) الوسائل ٥ : ١٣٢ / أبواب مكان المصلي ب ١٠ ح ٢.


[١٣٤٧] مسألة ٢٩ : إذا كان الرجل يصلي وبحذائه أو قدّامه امرأة من غير أن تكون مشغولة بالصلاة ، لا كراهة ولا إشكال ، وكذا العكس ، فالاحتياط أو الكراهة مختص بصورة اشتغالهما بالصلاة (١).

[١٣٤٨] مسألة ٣٠ : الأحوط ترك الفريضة على سطح الكعبة وفي جوفها (١) اختياراً ولا بأس بالنافلة. بل يستحب أن يصلي فيها قبال كل ركن ركعتين. وكذا لا بأس بالفريضة في حال الضرورة. وإذا صلى على سطحها فاللازم أن يكون قباله في جميع حالاته شي‌ء من فضائها ويصلى قائماً (٢) والقول بأنه يصلي مستلقياً متوجهاً إلى البيت المعمور ، أو يصلي مضطجعاً ضعيف (٢).

______________________________________________________

الوقت صحت صلاة المرأة بلا إشكال.

مضافاً إلى التصريح بجواز تقديم المرأة في صحيحة ابن أبي يعفور قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أُصلي والمرأة إلى جنبي ( جانبي ) وهي تصلي ، قال : لا ، إلاّ أن تقدّم هي أو أنت ... » إلخ (١) بعد وضوح إرادة التقدم بحسب الزمان دون المكان ، لمنعها عن المحاذاة في الموقف ، فضلاً عن التقدم ، فلا جرم تحمل الصحيحة المزبورة على الأولوية.

(١) بلا إشكال فيه وفي عكسه ، وقد دلّ على الأول جملة من النصوص المتقدمة التي منها قوله عليه‌السلام في ذيل صحيحة ابن أبي يعفور المتقدمة آنفاً : « ... ولا بأس أن تصلي وهي بحذاك جالسة أو قائمة » (٢).

وعلى الثاني بل عليهما معاً صحيحة ابن مسلم الواردة في المرأة تزامل الرجل في المحمل ، وقد تقدمت قبل ذلك.

(٢) يقع الكلام تارة في الصلاة على سطح الكعبة ، وأُخرى في جوفها‌

__________________

(١) وإن كان الأظهر جواز فعلها في جوفها مع الركوع والسجود.

(٢) والأولى أن يجمع بينها وبين الصلاة مستلقياً.

(١) ، (٢) الوسائل ٥ : ١٢٤ / أبواب مكان المصلي ب ٥ ح ٥.


فهنا مقامان :

أما المقام الأوّل : فالصواب ما صنعه في المتن من الاحتياط المطلق في التجنب عنه. وذلك لا لما رواه الصدوق في حديث المناهي : « قال : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الصلاة على ظهر الكعبة » (١) لضعف طريق الصدوق إلى شعيب بن واقد الواقع في السند. مضافاً إلى جهالة شعيب نفسه. ولا لما رواه الكليني بإسناده عن عبد السلام بن صالح عن الرضا عليه‌السلام « في الذي تدركه الصلاة وهو فوق الكعبة ، قال : إن قام لم يكن له قبلة ، ولكن يستلقي على قفاه ويفتح عينيه إلى السماء ويعقد بقلبه القبلة التي في السماء البيت المعمور » (٢) لضعف سندها أيضاً. مضافاً إلى شذوذها بل ودعوى الإجماع على خلافها.

بل لأجل خروج هذا الموقف عن منصرف النصوص الآمرة بالتوجه نحو القبلة الشريفة الواردة في الكتاب والسنة ، فانّ المنسبق من التوجه المزبور مغايرة موقف المتوجه مع ما يتوجه إليه ، المنوط بكونه خارج البنية المشرّفة لكي يتمكن من التوجه نحوها والالتفات إليها ، فلا يصدق على الواقف على سطح الكعبة أنّه متوجه شطر المسجد الحرام إما جزماً أو لا أقل انصرافاً. ألا ترى أنّ من كان على سطح الغرفة وقيل له توجه إليها ، يرى نفسه عاجزاً عن الامتثال ما لم يخرج عنها ويستقبلها من مكان آخر. إذن يتعين عليه الخروج من الكعبة والصلاة في موضع آخر.

نعم ، لو اضطر إلى الصلاة على سطحها ، كما لو لم يتمكن من النزول وقد ضاق الوقت صلى حينئذ قائماً راكعاً وساجداً ، فإنّ ذلك غاية وسعه ، وإن كان الأولى ضم صلاة أُخرى مستلقياً متّجها إلى البيت المعمور رعاية للنص المزبور.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٣٤٠ / أبواب القبلة ب ١٩ ح ١ ، الفقيه ٤ : ٥ / ١.

(٢) الوسائل ٤ : ٣٤٠ / أبواب القبلة ب ١٩ ح ٢ ، الكافي ٣ : ٣٩٢ / ٢١.


وأما المقام الثاني : فبالنظر إلى الإطلاقات يجري ما مرّ ، لمشاركة الجوف مع السطح في انصرافها عنه ، فكما لا يتحقق التوجه إلى القبلة بحسب الصدق العرفي لمن صلى على سطحها حسبما عرفت ، فكذلك لا يتحقق لدى من صلى في جوفها بمناط واحد.

وأما بالنظر إلى الروايات ، فقد دلّ بعضها على المنع ، والبعض الآخر على الجواز ، ومقتضى الجمع العرفي الحمل على الكراهة.

ففي صحيح محمد بن مسلم المروي في الكافي والتهذيب عن أحدهما عليهما‌السلام « قال : لا تصلّ المكتوبة في الكعبة » (١).

وفي صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لا تصلّ المكتوبة في جوف الكعبة ، فإنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يدخل الكعبة في حج ولا عمرة ، ولكنه دخلها في الفتح فتح مكة وصلى ركعتين بين العمودين ومعه أُسامة بن زيد » (٢).

وظاهرهما البطلان ، إلاّ أنّ بإزائهما موثق يونس بن يعقوب قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام حضرت الصلاة المكتوبة وأنا في الكعبة أفأُصلي فيها؟ قال : صلّ » (٣).

وقد حملها الشيخ على الضرورة ، والأُوليين على غيرها (٤) ، وبذلك جمع بينهما. ولكنه كما ترى ، إذ مع أنه جمع تبرعي عارٍ عن الشاهد بل من الحمل على الفرد النادر ، مخالف للظاهر جدّاً ، فإنّ المنسبق منها السؤال عن الصلاة جوف الكعبة أوّل الوقت ، وحينما حضرت المكتوبة ، فهي ناظرة إلى البدار حال الاختيار ، فالحمل على صورة الاضطرار كالمحبوس في تمام الوقت بعيد‌

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٣٣٦ / أبواب القبلة ب ١٧ ح ١ ، الكافي ٣ : ٣٩١ / ١٨ ، التهذيب ٢ : ٣٧٦ / ١٥٦٤.

(٢) الوسائل ٤ : ٣٣٧ / أبواب القبلة ب ١٧ ح ٣ ، ٦.

(٣) الوسائل ٤ : ٣٣٧ / أبواب القبلة ب ١٧ ح ٣ ، ٦.

(٤) الاستبصار ١ : ٢٩٩.


عن سياقها غايته.

فالإنصاف : تعيّن الجمع بينهما بالحمل على الكراهة ، وحينئذ فان ثبتت الملازمة بين الجوف والسطح في الجواز وعدمه ، نظراً إلى عدم الانفكاك بين الفوق والتحت من حيثية الاستقبال كما ادعي ، حكم بجواز الصلاة على السطح أيضاً ، وإلاّ كما هو الأقوى لعدم نهوض برهان عليها ، ولا مانع من التفكيك (١) بعد مساعدة الدليل ، فلا جرم يفترق المقام عما سبق بالمنع هناك والالتزام بالجواز هنا عن كراهة حسبما عرفت.

ثم إنّ في المقام روايات أُخر.

منها : صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام « قال : لا تصلح صلاة المكتوبة في جوف الكعبة » (٢) فان قلنا بظهور « لا يصلح » في الكراهة ، كانت شاهدة للجمع الذي اخترناه. وإن قلنا بظهوره في الجامع بينها وبين الحرمة كما لعلّه الأظهر ، لحقت طبعاً بالنصوص المانعة وحملت على الكراهة ، فهي إمّا ظاهرة في الكراهة أو محمولة عليها.

ومنها : روايته الأُخرى عن أحدهما عليهما‌السلام : « تصلح الصلاة المكتوبة في جوف الكعبة » (٣) وهي لو تمّت سنداً لدلت على الجواز ، ولكنها لا تتم ، حيث إنّ المذكور في التهذيب (٤) « أبي جميلة » (٥) بدلاً عن « ابن جبلة » ‌

__________________

(١) لا يخفى أنّ الترخيص في الصلاة في جوف الكعبة لم يكن تخصيصاً في أدلة اعتبار الاستقبال ، بل بياناً لتحققه في هذا المضمار وكفايته بهذا المقدار ، وحيث إنّ الواجب استقبال الفضاء الذي حلّت فيه الكعبة الشريفة دون البنية نفسها ، سواء أكان موقف المصلي مساوياً لها في العلوّ والانخفاض أم لا ، فمقتضاه الجواز على سطحها أيضاً بمناط واحد.

(٢) الوسائل ٤ : ٣٣٧ / أبواب القبلة ب ١٧ ح ٤.

(٣) الوسائل ٤ : ٣٣٧ / أبواب القبلة ب ١٧ ح ٥.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٨٣ / ١٥٩٧.

(٥) ولكنه بقرينة الراوي والمروي عنه تحريف قطعاً ، فإنّ الذي يروي عنه الطاطري ويروي هو عن العلاء ليس إلا عبد الله بن جبلة لا أبا جميلة ، فما في الوسائل هو المتعيّن.


كما في الوسائل ، وهو المفضل بن صالح الضعيف جدّاً.

على أنّها رويت في بعض النسخ « لا تصلح » بدلاً عن « تصلح » ، وصاحب الوسائل وإن رجّح النسخة الخالية عن النفي ، نظراً لمطابقتها مع النسخة التي قوبلت بخط الشيخ ، لكن يؤيّد الأُخرى وجوده في روايته الاولى كما عرفت ، ومن البعيد جدّاً رواية المتناقضين مع اتحاد الراوي والمروي عنه.

وكيف ما كان فضعف سندها يغنينا عن البحث عن متنها.

ومنها : رواية محمد بن عبد الله بن مروان قال : « رأيت يونس بمنى يسأل أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل إذا حضرته صلاة الفريضة وهو في الكعبة فلم يمكنه الخروج من الكعبة ، قال : ليستلق على قفاه ويصلي إيماء » (١) ولكنها ضعيفة السند ، فإنّ أحمد بن الحسين المذكور في السند مردد بين الضعيف وهو ابن سعيد بن عثمان وبين الثقة (٢) ولكن طريق الشيخ إليه ضعيف ، فلا يمكن التعويل عليها على كل حال.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٣٣٨ / أبواب القبلة ب ١٧ ح ٧.

(٢) على أن الراوي بنفسه مجهول الحال.


فصل

في مسجد الجبهة من مكان المصلي

يشترط فيه مضافاً إلى طهارته أن يكون من الأرض أو ما أنبتته (١).

______________________________________________________

(١) أما اشتراط الطهارة فسيجي‌ء الكلام حوله في مبحث السجود عند تعرض الماتن له (١) إن شاء الله تعالى.

وأما كونه من الأرض أو ما أنبتته فلا خلاف بين المسلمين في جواز السجود عليهما ، نعم يشترط ذلك في المسجد عند الخاصة ، فلا يجوز السجود على غيرهما إجماعاً ، بل نسب ذلك إلى دين الإمامية خلافاً للعامة (٢). والمستند بعد الإجماع عدة نصوص مستفيضة وفيها المعتبرة :

منها : صحيحة هشام بن الحكم « أنه قال لأبي عبد الله عليه‌السلام : أخبرني عمّا يجوز السجود عليه وعما لا يجوز ، قال : السجود لا يجوز إلا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلاّ ما أُكل أو لبس. فقال له : جعلت فداك ما العلة في ذلك؟ قال : لأنّ السجود خضوع لله ( عزَّ وجلَّ ) فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل ويلبس ، لأن أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون ، والساجد في سجوده في عبادة الله ( عزَّ وجلَّ ) فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها » (٣) ونحوها غيرها فلاحظ.

__________________

(١) قبل المسألة [١٦٠٩] التاسع من واجبات السجود.

(٢) الفقه على المذاهب الأربعة ١ : ٢٣٢.

(٣) الوسائل ٥ : ٣٤٣ / أبواب ما يسجد عليه ب ١ ح ١.


غير المأكول والملبوس (١).

______________________________________________________

(١) فلا يجوز السجود عليهما بلا خلاف ، بل إجماعاً كما ادعاه غير واحد ، ويقتضيه غير واحد من النصوص المعتبرة التي منها صحيحة هشام المتقدمة.

نعم ، ورد في بعض النصوص جواز السجود على القطن والكتان ، وبعد ملاحظة انحصار الملبوس مما أنبتته الأرض فيهما إلاّ نادراً يكاد يلحق بالعدم كالمتخذ من الخوص ونحوه ، فلا محالة تقع المعارضة بين هذه النصوص وبين الروايات المتقدمة المانعة عن السجود على الملبوس ، فلا بد من العلاج. وهذه النصوص ثلاثة :

أحدها : خبر ياسر الخادم قال : « مرّ بي أبو الحسن عليه‌السلام وأنا أُصلّي على الطبري وقد ألقيت عليه شيئاً أسجد عليه ، فقال لي : ما لك لا تسجد عليه ، أليس هو من نبات الأرض » (١).

الثانية : رواية داود الصرمي قال : « سألت أبا الحسن الثالث عليه‌السلام : هل يجوز السجود على القطن والكتّان من غير تقية؟ فقال : جائز » (٢).

الثالثة : رواية الصنعاني قال : « كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه‌السلام أسأله عن السجود على القطن والكتّان من غير تقية ولا ضرورة ، فكتب إليَّ : ذلك جائز » (٣).

لكن الرواية الأولى مضافاً إلى ضعف سندها من جهة ياسر لعدم ثبوت وثاقته (٤) قاصرة الدلالة ، لعدم وضوح المراد من الطبري ، وإن قيل إنه ثوب منسوب إلى طبرستان مأخوذ من القطن أو الكتّان (٥) ، لكنه لم يثبت ، ولعله شبه الحصير ونحوه ، والمسلّم أنه شي‌ء منسوب إلى تلك البلدة.

والرواية الأخيرة ضعيفة السند من جهة الصنعاني فإنه مهمل.

__________________

(١) ، (٢) ، (٣) الوسائل ٥ : ٣٤٨ / أبواب ما يسجد عليه ب ٢ ح ٥ ، ٦ ، ٧.

(٤) لكنه من رجال تفسير القمي ، لاحظ المعجم ٢١ : ٩ / ١٣٤٣٨.

(٥) مجمع البحرين ٣ : ٣٧٦.


والعمدة إنّما هي الرواية الثانية ، فإن الصرمي وإن لم يوثّق في كتب الرجال ، لكنه مذكور في أسانيد كامل الزيارات. فالرواية موثقة (١) وقد جمع بينها وبين الروايات المتقدمة بالحمل على الكراهة.

لكنه كما ترى لا مسرح له في مثل المقام مما ورد النفي والإثبات على موضوع واحد بلسان الجواز وعدمه ، وإنما يتجه فيما إذا كان أحد الدليلين ظاهراً في المنع ، والآخر نصّاً في الجواز أو أظهر منه ، فيرفع اليد عن الظهور بنصوصية الآخر أو أظهريته ، كما إذا ورد النهي عن شي‌ء وورد الترخيص في ارتكابه ، كقوله : لا تفعل كذا مع قوله : لا بأس في الإتيان به.

وأما في المقام فالدلالتان على حد سواء ظهوراً أو صراحة ، وقد دلت هذه الرواية على الجواز صريحاً ، والروايات المتقدمة على عدم الجواز كذلك ، ومثلهما يعدّان متعارضين لدى العرف ، وليس أحدهما أظهر من الآخر ، فالحمل على الكراهة في مثله ليس من الجمع العرفي في شي‌ء كما لا يخفى.

فالمتعيّن هو الرجوع إلى المرجّح السندي بعد امتناع الجمع الدلالي ، وحيث إنّ تلك الروايات مضافاً إلى أشهريتها وأكثريتها مخالفة للعامة وهذه موافقة لهم ، فلتحمل هذه على التقية لا سيّما في مثل الرواية الأخيرة المشتملة على المكاتبة التي هي أقرب إلى التقية ، ولا ينافيه تصريح الراوي بقوله : من غير تقية ، فإنّ فرض عدم التقية من قبل الراوي لا يؤثّر في تشخيص وظيفة الإمام عليه‌السلام من إلقاء الحكم بنحو التقية لو رأى عليه‌السلام تمامية موازينها ، فإنه عليه‌السلام أعرف بوظيفته.

ثم إنه ربما يجمع بين الطائفتين بوجهين آخرين :

أحدهما : ما عن الشيخ قدس‌سره من حمل أخبار الجواز على الضرورة (٢).

__________________

(١) حسب الرأي السابق ، وقد عدل ( دام ظله ) عنه أخيراً.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٠٨.


وفيه : ما لا يخفى ، فإنه مضافاً إلى كونه جمعاً تبرعياً لا شاهد عليه ينافيه التقييد بعدم الضرورة في نفس الأخبار كما في خبر الصنعاني المتقدم ، ومن البعيد جدّاً إعراض الامام عليه‌السلام عن بيان حكم عدم الضرورة الذي فرضه السائل والتعرض لحكم الضرورة.

ثانيهما : حمل أخبار الجواز على مادة اللباس وهي القطن والكتّان قبل الغزل والنسج ، وأخبار المنع على ما بعدهما المتصف باللباس فعلاً ، ويجعل الشاهد على هذا الجمع رواية تحف العقول عن الصادق عليه‌السلام في حديث « قال : وكل شي‌ء يكون غذاء الإنسان في مطعمه أو مشربه أو ملبسه فلا تجوز الصلاة عليه ولا السجود ، إلاّ ما كان من نبات الأرض من غير ثمر قبل أن يصير مغزولاً ، فإذا صار غزلاً فلا تجوز الصلاة عليه إلاّ في حال ضرورة » (١).

وفيه : أنّ الرواية ضعيفة السند بالإرسال ، فلا تصلح شاهدة للجمع. على أنّ أخبار المنع في نفسها آبية عن هذا الحمل ، فإنّ ما أكل أو لبس استثناء عن نبات الأرض ، فلا بد من صدق عنوان النبات عليه رعاية لاتصال الاستثناء الذي هو الظاهر منه ، ولا يتحقق ذلك إلاّ قبل معالجته بالنسج أو الطبخ ، وإلاّ فبعد العلاج لا يصدق عليه نبات الأرض وإنما هو شي‌ء متخذ منه مع مباينته معه فعلاً ، فلا يكون الاستثناء متصلاً ، ومرجع ذلك إلى إرادة القابلية مما أُكل أو لبس ، فكما أنّ الحنطة مثلاً لا يجوز السجود عليها لكونها من نبات الأرض القابل للأكل وإن لم يكن مأكولاً فعلاً ، فكذا القطن فإنه قابل للبس بحسب طبعه وإن لم يكن كذلك فعلاً إلاّ بالعلاج من غزل ونسج.

نعم ، لو ورد في دليلٍ المنعُ عن السجود على الملبوس ، وفي دليل آخر جواز السجود على القطن ، أمكن الجمع المزبور بالحمل على ما قبل النسج وما‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٤٦ / أبواب ما يسجد عليه ب ١ ح ١١ ، تحف العقول : ٣٣٨.


نعم يجوز على القرطاس أيضاً (١).

______________________________________________________

بعده ، لكن قرينة الاستثناء في المقام مانعة عن ذلك كما عرفت.

ويؤيد ما ذكرناه : التعبير عن المستثنى بما أُكل أو لبس بصيغة الماضي دون المضارع الدالة على تحققه خارجاً ، فانّ ما أكل قد انعدم ، فلا موضوع له كي يسجد عليه ، فيكشف عن أنّ المراد ما أكله الناس خارجاً أو لبسه بعد إعمال العلاج ، لكونه بحسب طبعه قابلاً لذلك قبال ما يكون فاقداً لهذه القابلية من سائر أنواع نبات الأرض ، فيكون مصداقه نفس القطن أو الكتّان قبل اتصافهما بالملبوسية ، فتتحقق المعارضة لا محالة بينها وبين ما دل على الجواز ، فهذا الجمع أيضاً يتلو سوابقه في الضعف.

فلا مناص من اختيار ما ذكرناه في استقرار المعارضة بين الطائفتين ولزوم الرجوع إلى المرجّح السندي ، وقد عرفت أنّ مقتضاه حمل أخبار الجواز على التقية.

(١) الكلام هنا يقع من جهتين : إحداهما : في أصل جواز السجود على القرطاس ولو في الجملة.

ثانيتهما : في جواز السجود عليه حتى إذا كان متخذاً ممّا لا يصح السجود عليه في جنسه من قطن أو صوف أو حرير ونحوها.

أما الجهة الأُولى : فالظاهر عدم الخلاف في الجواز ، بل عليه الإجماع في كثير من الكلمات ، وتشهد له جملة من النصوص المتضمنة لقول المعصوم عليه‌السلام أو فعله :

منها : صحيحة صفوان الجمال قال : « رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام في المحمل يسجد على القرطاس وأكثر ذلك يومئ إيماءً » (١).

وصحيحة علي بن مهزيار قال : « سأل داود بن فرقد أبا الحسن ( عليه‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٥٥ / أبواب ما يسجد عليه ب ٧ ح ١.


السلام ) عن القراطيس والكواغذ المكتوبة عليها ، هل يجوز السجود عليها أم لا؟ فكتب : يجوز » (١).

وصحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « أنه كره أن يسجد على قرطاس عليه كتابة » (٢). قوله عليه‌السلام : « يسجد » في الصحيحة الأخيرة يمكن أن يكون بالبناء للمعلوم أو للمجهول ، وعلى أيّ حال فهي لا تعارض ما قبلها ، فإنّ الكراهة في لسان الأخبار وإن كانت أعم من المصطلحة ، لإطلاقها على الحرام أيضاً ، كما ورد أن علياً عليه‌السلام كان يكره بيع المثل بالمثل مع الزيادة أي الربا ـ (٣) لكن المراد بها في المقام هي الكراهة المصطلحة بقرينة الصحيحة السابقة المصرّحة بالجواز المتحد موردها مع هذه الصحيحة ، فغاية ما هناك أن يلتزم بالكراهة في خصوص القرطاس الذي عليه كتابة.

وأما الجهة الثانية : فقد تعرّض لها الماتن قدس‌سره في المسألة الثانية والعشرين الآتية ، لكنّا نقدّمها هنا للمناسبة.

فنقول الأقوال في المسألة ثلاثة :

جواز السجود على القرطاس مطلقاً.

وتقييده بالمتخذ من النبات ، فلا يجوز على ما اتخذ من الصوف أو الحرير.

وتقييد النبات بما كان من جنس ما يصح السجود عليه كالحشيش ونحوه ، فلا يجوز على ما كانت مادّته القطن أو الكتان ، إلاّ إذا قلنا بجواز السجود عليهما اختياراً.

ومنشأ الخلاف الاختلاف في مدلول الأخبار وهي النصوص المتقدمة من حيث السعة والضيق والدلالة على الإطلاق وعدمها.

أما صحيحة صفوان فهي قضية في واقعة وحكاية فعل مجمل العنوان ، فلا‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٥٥ / أبواب ما يسجد عليه ب ٧ ح ٢.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٥٦ / أبواب ما يسجد عليه ب ٧ ح ٣.

(٣) لم نعثر عليه.


دلالة فيها على الإطلاق بلا ارتياب.

وأما صحيحة علي بن مهزيار فقد رواها في الوسائل بعدّة طرق كلها معتبرة والجميع تنتهي إلى داود بن فرقد عن ابي الحسن موسى عليه‌السلام فإنّ أبا يزيد كنية فرقد ، فما نقله عن الشيخ (١) بإسناده عن داود بن يزيد سهو إما من قلم الشيخ أو النسّاخ ، والصواب أبو يزيد كما في طريق الصدوق (٢) كما أنّ كلمة « الثالث » المذكورة في طريق الصدوق عن أبي الحسن الثالث عليه‌السلام غلط ، لأنّ داود بن فرقد من أصحاب الكاظم عليه‌السلام وروى عن الصادق عليه‌السلام أيضاً ، فكيف يمكن روايته عن أبي الحسن الثالث وهو الهادي عليه‌السلام فذكره مستدرك ، والصواب ( أبي الحسن ) المراد به الكاظم عليه‌السلام كما نبّه عليه المعلّق.

هذا من حيث السند ، وأما فقه الحديث فالكواغذ المكتوبة إما عطف بيان على القراطيس ، أو من عطف الخاص على العام ، وعلى أيّ حال فهي تدل على الجواز في القرطاس الذي لم يكتب عليه. أما على الثاني فظاهر ، وأما على الأول فبالتقرير تارة وبالفحوى اخرى كما لا يخفى ، وكيف كان فمقتضى الإطلاق الناشئ من ترك الاستفصال عدم الفرق في القرطاس بين ما اتخدت مادته من نبات الأرض أو من غيره كالصوف والحرير فضلاً عن كون النبات مما يصح السجود عليه وعدمه.

وأما صحيحة جميل فبعد حمل الكراهة فيها على المصطلحة كما سبق ، فهي تدل على الجواز في القرطاس الذي ليست عليه كتابة بالفحوى ، ومقتضى الإطلاق شمول الحكم للقرطاس بأقسامه ، سواء أكان ( يسجد ) بالبناء للمعلوم أو للمجهول ، وإن كان الأمر على الثاني أظهر.

هذا وربما يناقش في دلالة النصوص على الإطلاق.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٣٥ / ٩٢٩.

(٢) الفقيه ١ : ١٧٦ / ٨٣٠.


أما الصحيحة الأُولى ، فلما مرّ وهو في محله كما عرفت. وأما الصحيحتان الأخيرتان ، فلأنهما لم تردا في مقام بيان تشريع السجود على القرطاس حتى ينعقد الإطلاق ، بل النظر فيهما مقصور على عدم مانعية الكتابة عن السجود على ما يصح السجود عليه من أنواع القرطاس ، فليس الامام عليه‌السلام إلا بصدد الذب عما تخيّله السائل من مانعية الكتابة ، وأنّه لا فرق بين المكتوب وغير المكتوب فيما يصح السجود عليه ، وأما أنّ مصداق ما يصح أيّ شي‌ء فلم يكن عليه‌السلام في مقام بيانه كي يتمسك بإطلاق كلامه.

وعليه فلا بد من الاقتصار على المقدار المتيقن ، رعاية لما دلّ على المنع عن السجود على غير الأرض ونبتها ، وحينئذ فان منعنا عن السجود على القطن والكتان اختياراً اختص الحكم بالمتخذ من نبات غيرهما كالحشيش ونحوه ، وإلا عمّهما أيضاً. وعلى أيّ حال فلا يشمل الحكم ما اتخذ من غير النبات كالصوف والحرير فضلاً عن الشمول لمطلق النبت وإن لم يصح السجود عليه.

وفيه أوّلاً : أنه لا ينبغي الريب في خروج القرطاس عن حقيقة ما اتخذ منه كائناً ما كان واستحالته إلى حقيقة أُخرى ، فهو بالفعل مباين مع مادته في نظر العرف وموجود آخر في قبالها لا يصدق عليه الأرض ولا نباتها ، وإن كانت المادة متخذة منها ، فلا وجه لمراعاة كونها مما يصح السجود عليه بعد تغيّر الصورة النوعية وتبدلها إلى حقيقة أُخرى ، ألا ترى أنّه لو صنع من قرطاس متخذ من الحرير ثوب فإنه يجوز لبسه والصلاة فيه ، لعدم كونه عرفاً من مصاديق الحرير.

على أن حمل هذه النصوص الواردة في القرطاس على المتخذ مما يصح السجود عليه ، حمل على الفرد النادر بعد ملاحظة المنع عن السجود على القطن والكتّان كما هو الأقوى على ما عرفت ، فانّ الغالب صنعه منهما دون مثل الحشيش ونحوه الذي هو فرد نادر.


مضافاً إلى لزوم اللغوية في هذه الأخبار ، لتعذر الاطلاع غالباً على مادة القرطاس ، وأنّها مما يصح السجود عليه أم لا ، إلا بالرجوع إلى أهل الخبرة ومهرة الفن غير المتيسر لأغلب الناس ، مع أنّ من أجزائه النورة التي لا يجوز السجود عليها بعد الطبخ عند المشهور ، وعليه فلا مناص من الإغضاء عن المادة وملاحظة حاله الفعلي ، وحيث إنّه بالفعل لا يعدّ من الأرض ولا من نبتها كما عرفت ، وقد دلت الأخبار على جواز السجود عليه كما مرّ ، فلا مناص من الالتزام بالتخصيص فيما دل على المنع عن السجود على غير الأرض ونباتها ، والالتزام باستثناء القرطاس عن الأدلة المانعة ، لكونه أخص منها مطلقاً ، وحيث لا دليل على تقييده بنوع خاص فيتمسك بالإطلاق في دليل التخصيص.

وثانياً : مع الغض عما ذكر وتسليم عدم الاستحالة نقول : إنّ النسبة بين دليل الجواز وما دل على المنع عن السجود على غير الأرض ونباتها عموم (١) من وجه ، لافتراق الأوّل في القرطاس المتخذ من مثل الحشيش ونحوه ، وافتراق الثاني في غير القرطاس مما لم يكن من الأرض ونبتها ، ومادة الاجتماع هو القرطاس المتخذ من غير الأرض ونبتها كالمتخذ من الصوف أو الحرير ، فيتعارضان فيها ، لكن الترجيح مع الأوّل ، أعني دليل جواز السجود على القرطاس ، إذ لا يلزم منه محذور عدا الالتزام بالتخصيص في الأدلة المانعة عن السجود على غير الأرض ونباتها ، بخلاف العكس ، إذ يلزم من تقديم الثاني وهي الأدلة المانعة المحذور وهو إلغاء عنوان القرطاسية ، وعدم دخله بخصوصه في ثبوت الحكم ، إذ العبرة حينئذ في الجواز بكون ما يسجد عليه من الأرض أو نباتها ، سواء أكان قرطاساً أم غيره ، مع أنّ ظاهر النصوص أن للقرطاس‌

__________________

(١) هذا مبني على أن يكون لدليل الجواز عموم أو إطلاق ، والمفروض أنّ المناقش ينكر ذلك ويرى أنه عليه‌السلام لم يكن في مقام البيان لينعقد الإطلاق فلاحظ.


بعنوانه موضوعية للحكم ، ولهذا الوصف العنواني مدخل في الجواز ، وقد تقرّر في محلّه أنّ العامين من وجه إذا لزم من تقديم أحدهما على الآخر محذور دون العكس قدّم الثاني (١).

ونظيره تقديم ما دلّ على أن كل طائر يطير بجناحيه فلا بأس ببوله وخرئه (٢) على قوله : « اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه » (٣) ، فإن النسبة بينهما وإن كانت عموماً من وجه ، إلا أنّ الترجيح مع الأوّل ، إذ لو قدّم الثاني لزم إلغاء عنوان الطيران المخالف لظهور دليل اعتباره كما لا يخفى.

مع أنّه يلزم من تقديم الأدلة المانعة محذور آخر وهو حمل دليل الجواز على الفرد النادر ، بل لغويته من جهة تعذّر الاطلاع غالباً على مادة القرطاس وما اتخذ منه كما أشرنا إليهما آنفاً فلاحظ.

وثالثاً : مع الغض عن جميع ذلك وتسليم استقرار المعارضة من دون مرجّح ، فالمرجع بعد التساقط أصالة البراءة عن تقييد المسجد بعدم كونه قرطاساً متخذاً مما لا يصح السجود عليه ، فانّ المتيقن من التقييد عدم جواز السجود على غير الأرض ونبتها في غير القرطاس ، وأمّا فيه فشك في أصل التكليف يدفع بالبراءة كما هو الشأن في كل ما دار الأمر فيه بين الأقل والأكثر الارتباطيين ، ولا مجال للرجوع إلى عموم عدم جواز السجود على غير الأرض ونباتها ، لابتلائه بالمعارض في خصوص القرطاس كما هو ظاهر.

فتحصل : أنّ الأقوى جواز السجود على القرطاس مطلقاً ، وإن كان الأحوط عدم السجود على المتخذ من غير النبات ، وأحوط منه اعتبار كون النبات مما يصح السجود عليه.

__________________

(١) مصباح الأصول ٣ : ٢٦٥.

(٢) ورد مضمونه في الوسائل ٣ : ٤١٢ / أبواب النجاسات ب ١٠ ح ١.

(٣) الوسائل ٣ : ٤٠٥ / أبواب النجاسات ب ٨ ح ٢.


فلا يصح على ما خرج عن اسم الأرض كالمعادن مثل الذهب والفضة والعقيق والفيروزج (١) والقير والزفت ونحوها (١).

______________________________________________________

(١) يقع الكلام في جهات :

الاولى : في تأسيس الأصل وأنّه إذا شك في جواز السجود على شي‌ء فهل أنّ مقتضى الأصل العملي هو الجواز إلا أن يثبت كونه مما لا يصح السجود عليه ، أو أنّ مقتضى الأصل عدم الجواز إلا أن يثبت خلافه؟

فنقول : قد تفرض الشبهة مفهومية من جهة إجمال اللفظ وتردده بين الأقل والأكثر ، لعدم العلم بحدود المعنى المراد من اللفظ من حيث السعة والضيق مع العلم بحال الموجود الخارجي وعدم الشك فيه ، نظير الترديد في مفهوم الماء وأنّه هل هو معنى عام ينطبق على ماء الزاج والكبريت ، أو أنّ خصوصية أُخذت فيه أوجبت ضيق المعنى بحيث لا تنطبق عليهما.

وأخرى : تفرض الشبهة مصداقية ، للجهل بما هو الموجود في الخارج مع العلم بحدود المعنى وعدم الترديد في المراد من اللفظ.

أما القسم الأوّل : كما لو شككنا في مفهوم الأرض الموضوع لوجوب السجود عليها ، وأنّ ما وُضع له اللفظ هل هو معنى عام بحيث يصدق على المعدن كالذهب والفضة ونحوهما ، أو أنّ المعنى ضيّق لاعتبار خصوصية فيه تمنع عن الصدق عليه.

والظاهر أنّ المرجع حينئذ أصالة البراءة عن اعتبار تلك الخصوصية ، لكون الشك حينئذ عائداً إلى مقام الجعل ، إذ نشك في حدوث التكليف زائداً على المقدار المتيقن ، فان المتيقن منه وجوب السجود على الجامع بين الفرد المشكوك كالمعدن ومتيقن الأرضية كالتراب ، وأما تقييد الواجب بخصوصية اخرى تمنع عن صدقه على المعدن فهو من أصله مشكوك ،

__________________

(١) على الأحوط ، والأظهر جواز السجود عليهما وعلى ما شاكلهما من الأحجار الكريمة.


للشك في دخله في مفهوم اللفظ ومسمّاه فيدفع التقييد بأصالة البراءة كما هو الشأن في كل واجب مردد بين الأقل والأكثر. وإن شئت فقل : إنّ الأفراد المتيقن عدم كونها من الأرض نقطع بعدم صحة السجود عليها ، وأنّ الواجب قد اعتبر مقيداً بعدمها ، وأمّا الفرد المشكوك فلا علم بالتقييد بعدمه ، والأصل البراءة.

وبالجملة : ما أُريد من اللفظ دائر بين الإطلاق والتقييد والمعنى الوسيع والضيّق ، لتردده بين ما لا ينطبق على المعدن مثلاً وبين ما يشمله ، ولا علم لنا إلا بالأعم ، أعني الجامع الصالح انطباقه عليهما ، لكونه الأقل المتيقن إرادته ، فإنّه الأخف مئونة ، وأمّا الزائد عليه ، أعني لحاظ الخصوصية وتقيد المأمور به بما يمتنع صدقه على الفرد المشكوك وهو المعدن ، فحيث إنه يحتاج إلى عناية خاصة ومئونة زائدة ، فنشك في تقيد الجعل به زائداً على المقدار المتقين ، والأصل عدمه. وهذا هو الشأن في كل مفهوم مجمل مردد بين الأقل والأكثر ، كمفهومي الفسق والغناء ونحوهما.

فلا يصغي إلى ما يقال : من أنّا علمنا بوجوب السجود على الأرض ، ولا يحصل العلم بالفراغ إلا بالسجود على متيقن الأرضية ، فلا يجزئ على الفرد المشكوك ، لأنّ الاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينية عملاً بقاعدة الاشتغال.

إذ فيه : أنّ المعلوم وجوبه ليس نفس المفهوم كي يشك في تحققه في الخارج ، وإنّما المعلوم وجوب السجود على ما أُريد من لفظ الأرض ، وحيث إنّ المراد منه مردد بين الأقل والأكثر ، فلا علم بالوجوب إلا بالنسبة إلى الجامع كما عرفت ، وأمّا تقيّده بما يمنع عن انطباقه على المعدن مثلاً ، فهو تكليف زائد يشك في حدوثه من أوّل الأمر ، فالشك راجع إلى مقام الجعل ، والمرجع فيه البراءة ، لا إلى مقام الامتثال كي يرجع إلى الاشتغال.

وأما في القسم الثاني : أعني الشبهة المصداقية ، كما لو شك أنّ الموجود‌


الخارجي تراب مثلاً أم غيره مما يقطع بعدم صحة السجود عليه ، فلا ريب أنّ المرجع حينئذ قاعدة الاشتغال ، لكون المفهوم وما تعلّق به الوجوب مبيناً على الفرض فلا شك في مقام الجعل ، وإنمّا الشك في انطباقه على الموجود الخارجي ، فلا بدّ من تحصيل القطع بالفراغ بعد العلم بالتكليف ، ولا يتحقق إلا بالسجود على متيقن الأرضية ، وهذا ظاهر.

الجهة الثانية : قد عرفت أنّ الموضوع لوجوب السجود هو عنوان الأرض ، فكل ما صدق عليه اسم الأرض جاز السجود عليه ، سواء أكان من المعادن أم غيرها ، إذ لم يؤخذ في مفهوم المعدن خروجه عن اسم الأرض لا لغة ولا عرفاً ، كما أنّ عنوان المعدن لم يؤخذ موضوعاً لجواز السجود ولا لعدمه في شي‌ءٍ من الروايات حتى الضعيفة كي يتكلّم في تحقيق هذا المفهوم سعة وضيقاً.

وبالجملة : الحكم دائر نفياً وإثباتاً مدار صدق اسم الأرض ، فمهما صدق العنوان جاز السجود عليه ، وإن صدق عليه اسم المعدن أيضا ، وإلا فلا ، وقد عرفت حكم الشك آنفاً.

الجهة الثالثة : في تحقيق حال الأمور المذكورة في المتن من أمثلة المعدن ، وأنها هل تصدق عليها اسم الأرض كي يصح السجود عليها كما عرفت أو لا؟

أمّا الذهب والفضة فلا ارتياب في عدم صحة السجود عليهما ، لخروجهما عن اسم الأرض ونباتها ، ضرورة أنّهما ليسا من الأرض ، وإنّما هما فلزّان مخصوصان يتكوّنان في الأرض بقدرته تعالى ، وإن كانت موادّهما متخذة من نفس الأرض على كلام فيه ، لذهاب جملة من متأخري الفلاسفة إلى كونهما بسائط بالذات مباينة مع الأرض في حقائقها وماهيتها.

وكيف كان ، فلا ريب في عدم صدق الأرض عليهما كنباتها.

وأما العقيق والفيروزج ونحوهما من الأحجار الكريمة ، ففي خروجها عن‌


اسم الأرض تأمل بل منع ، إذ لا نرى فرقاً بينها وبين بقية الأحجار كالحصاة ونحوها في صدق اسم الأرض عليها ، غايته أنّها تشتمل على صفات خاصة من الصفاء والجلاء واللون الخاص الموجب لرغبة العقلاء إليها ، وبذل المال بإزائها ، وبذلك أصبحت من الأحجار الكريمة. مع أنّ هذه الصفات ربما توجد بمثلها بل فوقها في غيرها من سائر الأحجار كبعض الحصيات الواقعة في قعر الأنهار ، أو كبعض أنواع الزجاج ، ومع ذلك لا تعدّ كريمة ولا يرغب فيها العقلاء.

وبالجملة : اتصاف تلك الأحجار بكونها كريمة وشرائها بأغلى الثمن لعلّة لا نعرفها ، لا يستوجب خروجها عن صدق اسم الأرض. وقد نقل أنّ بعض أراضي إفريقيا كلها عقيق ، فهل ترى فرقاً بينها وبين سائر الأماكن من بقية بقاع الأرض في صدق اسم الأرض عليها.

هذا ومع التنزل فلا أقلّ من الشك واحتمال صدق الأرض عليها وقد عرفت في الجهة الاولى أنّ المرجع عند الشك في موارد الشبهة المفهومية أصالة البراءة ، فتقيّد المسجد بعدم كونه من هذه الأحجار مشكوك يدفع بالأصل.

وعليه فالأقوى خلافاً للمشهور ومنهم الماتن جواز السجود عليها ، وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه ، حذراً عن مخالفة المشهور ، وقد يتفق أنّ السجود عليها مقتضى الاحتياط كما لا يخفى.

وأما القير والزفت والظاهر اتحادهما وعدم الفرق إلا بلحاظ حالتي الميعان وعدمه ، فالمائع يعبّر عنه بالزفت ، والجامد بالقير ، وقد يطلق عليه القار كما في بعض الأخبار الآتية فلو كنّا نحن ومقتضى القاعدة ، مع الغض عن الأخبار الخاصة الواردة في المقام ، لم يكن مجال للترديد في عدم جواز السجود عليها ، لخروجها عن اسم الأرض بالضرورة ، فإنّها مادة سوداء تتكون داخل الأرض تستخرج منها وينتفع بها بعد العلاج في طلي السفن وتعبيد الطرق ونحوها ، وكذا عن نباتها ، وإن أطلق عليها النبات في بعض‌


الأخبار الآتية لكنه مأوّل كما ستعرف.

إلا أن هناك أخباراً خاصة صحيحة السند قد دلت صريحاً على الجواز وبإزائها ما يعارضها ، فلا بد من النظر فيها وعلاجها.

فنقول : روى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار قال : « سأل المعلى بن خنيس أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا عنده ، عن السجود على القفر وعلى القير ، فقال : لا بأس به » (١) ، ورواه الصدوق أيضاً بسنده الصحيح عن المعلى بن خنيس (٢).

وفي صحيحته الأُخرى : « أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة على القار ، فقال : لا بأس به » (٣).

وفي صحيحته الثالثة قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في السفينة إلى أن قال ـ : يصلي على القير والقفر ويسجد عليه » (٤). وكون مورد الأخيرة السفينة لا قرينة فيه على إرادة حال الضرورة كما ادعاه صاحب الوسائل لعدم الملازمة بينهما ، لجواز التمكن مما يصح السجود عليه حينئذ من خشبة ونحوها.

وفي صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : القير من نبات الأرض » (٥) وقد عرفت أنّ القير ليس من نبات الأرض بالضرورة ، فلا بدّ من التأويل ، والمراد أنّه بمنزلة النبات بنحو الحكومة في جواز السجود عليه كقوله : الفقاع خمر ، فيشترك مع النبات في حكمها تعبداً.

وروى الشيخ بإسناده عن إبراهيم بن ميمون « أنه قال لأبي عبد الله عليه‌السلام في حديث ـ : نسجد ( فأسجد ) على ما في السفينة وعلى القير؟ قال :

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٥٤ / أبواب ما يسجد عليه ب ٦ ح ٤ ، التهذيب ٢ : ٣٠٣ / ١٢٢٤‌

(٢) الفقيه ١ : ١٧٥ / ٨٢٨.

(٣) الوسائل ٥ : ٣٥٤ / أبواب ما يسجد عليه ب ٦ ح ٥ ، ٦.

(٤) الوسائل ٥ : ٣٥٤ / أبواب ما يسجد عليه ب ٦ ح ٥ ، ٦.

(٥) الوسائل ٥ : ٣٥٥ / أبواب ما يسجد عليه ب ٦ ح ٨.


لا بأس » (١) لكن الرواية ضعيفة السند من جهة ضعف طريق الشيخ (٢) إلى إبراهيم بن ميمون. مضافاً إلى عدم ثبوت وثاقة الرجل في نفسه.

والعمدة إنما هي الروايات السابقة الصحيحة سنداً والصريحة دلالة. وبإزائها رواية محمد بن عمرو بن سعيد عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام « قال : لا تسجد على القير ولا على القفر ، ولا على الصاروج » (٣) لكن الرواية ضعيفة السند من جهة علي بن إسماعيل السندي الواقع في الطريق فإنه لم يوثق ، نعم وثقه نصر بن الصباح (٤) ، لكن نصراً في نفسه ضعيف فلا عبرة بتوثيقه ، فهذه الرواية لا تصلح للمعارضة مع الروايات السابقة.

وإنما الصالح لها هي صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « قلت له : أسجد على الزفت يعني القير؟ فقال لا ، ولا على الثوب الكرسف ، ولا على الصوف ، ولا على شي‌ء من الحيوان ، ولا على طعام ، ولا على شي‌ء من ثمار الأرض ، ولا على شي‌ء من الرياش » (٥) فلا بد من العلاج.

وقد جمع بينهما بحمل الطائفة السابقة على مورد الضرورة أو موارد التقية ، لكنه كما ترى جمع تبرّعي لا شاهد عليه.

وربما يجمع بحمل الرواية الأخيرة على الكراهة ، وهو أيضا يتلو سابقه في الضعف لما تقدم قريباً (٦) من أنّ هذا النوع من الجمع إنما يستقيم فيما إذا اختلفت الدلالتان في الظهور قوة وضعفاً فكانت إحداهما ظاهرة والأخرى نصاً أو‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٥٥ / أبواب ما يسجد عليه ب ٦ ح ٧ ، التهذيب ٣ : ٢٩٨ / ٩٠٨.

(٢) ولكنها مروية بطريق الصدوق أيضاً [ الفقيه ١ : ٢٩١ / ١٣٢٤ ] وطريقه إليه صحيح لاحظ المعجم ١ : ٢٨٣ / ٣٢١.

(٣) الوسائل ٥ : ٣٥٣ / أبواب ما يسجد عليه ب ٦ ح ١.

(٤) رجال الكشي : ٥٩٨ / ١١١٩.

(٥) الوسائل ٥ : ٣٤٦ / أبواب ما يسجد عليه ب ٢ ح ١.

(٦) في ص ١٣١.


أظهر ، فيرفع اليد عن الظهور بنصوصية الأُخرى أو أظهريتها ، بحيث لو اجتمعتا واقترنتا في دليل واحد لم تكونا من المتناقضين ، بل كان إحداهما قرينة صالحة للتصرف في الأُخرى كقوله : لا تفعل كذا ، مع قوله : لا بأس في ارتكابه ، أو قوله : افعل كذا ، مع قوله : لا بأس بتركه ، حيث إنّ النهي أو الأمر ظاهر في الحرمة أو الوجوب ، ونفي البأس صريح في الجواز ، فيرفع اليد عن الظهور بالنص ، ويحمل على الكراهة أو الاستحباب.

ومن الواضح أنّ هذا الضابط غير منطبق على المقام ، فانّ الروايات السابقة وإن كانت صريحة في الجواز ، للتصريح فيها بنفي البأس ، لكنّ الرواية الأخيرة أعني صحيحة زرارة المعارضة أيضاً صريحة في عدم الجواز ، فإنها وإن كانت بلسان النهي الظاهر في المنع إلا أن قرينة وقوعه في مقام التحديد تجعله كالنص فيه ، بشهادة عطف غيره من سائر ما لا يصح السجود عليه من ثوب الكرسف والصوف وشي‌ء من الحيوان والطعام ونحوها عليه ، فذكر القير في سياقها وعدّه من جملة الموارد المقطوع عدم جواز السجود عليها الكاشف عن كونه عليه‌السلام في مقام التحديد ، قرينة واضحة على إرادة المنع من النهي ، فهو صريح في عدم الجواز ، وقد عرفت أنّ صحيحة زرارة صريحة في الجواز ، فهما بمثابة التعبير ب : يجوز ، ولا يجوز ولا شك أنّ مثلهما من المتعارضين لدى العرف ، لورود النفي والإثبات على موضوع واحد ، بحيث لو جمع بينهما في دليل واحد عدّا من المتناقضين ، لتكافئهما في الصراحة وعدم صلاحية أحدهما للتصرف في الآخر ، فالحمل على الكراهة لا مسرح له في المقام كما هو ظاهر.

وقد يقال : إنّ الطائفة السابقة وإن كانت صحيحة السند صريحة الدلالة إلا أن إعراض المشهور عنها يسقطها عن الحجية ، فان السند كلما ازداد قوة ازداد بالاعراض وهناً ، فتبقى صحيحة زرارة الصريحة في المنع سليمة عن المعارض.

وفيه أوّلاً : منع الكبرى ، لما ذكرناه في الأُصول (١) من أنّ الاعراض لا‌

__________________

(١) مصباح الأُصول ٢ : ٢٠١ وما بعدها.


وكذا ما خرج عن اسم النبات كالرماد والفحم ونحوهما. ولا على المأكول والملبوس كالخبز والقطن والكتان ونحوها (١).

______________________________________________________

يستوجب الوهن ولا يسقط الخبر الصحيح عن الحجية ، كما أنّ العمل لا ينجبر به الضعف ، فالإعراض والعمل لا يؤثّران في السند قوة ولا ضعفاً ، وتمام الكلام في محله.

وثانياً : منع الصغرى ، لعدم ثبوت الاعراض ، إذ من الجائز إنّ عدم عملهم بها من جهة ابتلائها بالمعارض وهي صحيحة زرارة وترجيحه عليها لجهة من الجهات ، لا لأجل الاعراض عن السند لخلل فيه ، فان الاعراض إنما يوجب الوهن إذا كان الخبر في نفسه صالحاً للعمل ، لسلامته عن المعارض كما لا يخفى.

فالصحيح في طريقة الجمع : حمل الصحاح المتقدّمة (١) على صدورها تقية ، لموافقتها للعامة ، فيرجّح صحيح زرارة عليها بمخالفته لهم.

مضافاً إلى موافقته لعموم السنة ، وهي الأخبار المانعة عن السجود على ما عدا الأرض ونباتها ، حيث إنّ القير ليس في شي‌ء منهما كما عرفت ، فيجعل العموم مرجّحاً ثانياً للصحيح ، أو لا أقل من جعله مرجعاً بعد تساقط المتعارضين.

فالأقوى عدم جواز السجود على القير والزفت كما عليه المشهور بل لم ينقل الخلاف عن أحد ، استناداً بعد العمومات إلى صحيح زرارة ، بعد دفع معارضه ، المؤيد برواية محمد بن عمرو بن سعيد المتقدمة (٢).

(١) أمّا الرماد ، فلا شك في عدم جواز السجود عليه ، فانّ أصله وإن كان‌

__________________

(١) في ص ١٤٣.

(٢) في ص ١٤٤.


من النبات كالخشب ، والمادة المشتركة المعبّر عنها بالهيولى وإن كانت محفوظة ، إلا أنّه قد استحال وتبدلت صورته النوعية وانتقل إلى حقيقة أُخرى ، فهو بالفعل مباين مع أصله ذاتاً وصفة ، ولذا لو كان نجساً سابقاً يحكم بطهارته من جهة الاستحالة ، لانعدام الموضوع السابق وحدوث موضوع جديد ، فلا يصدق عليه فعلاً عنوان الأرض ولا نبتها ، فيشمله عموم المنع ، وهذا ظاهر جدّاً.

وأما الفحم ، فهو وإن كان يفترق عن الرماد في عدم تحقق الاستحالة في مورده ولذا لا يحكم بطهارة الحطب المتنجس بصيرورته فحماً لعدم تغيّره عما هو عليه بحسب الذات كما في الرماد ، إلا أنه مع ذلك لا يصح السجود عليه ، لتغيّر وصفه المقوّم لعدّه من النبات في نظر العرف.

وبالجملة : تغيّر الوصف العنواني لا يستوجب تبدّلاً في الصورة النوعية وانقلاباً في الذات والماهية الذي هو مناط الاستحالة ، ولذا لا يطهر الماء المتنجس بصيرورته ثلجاً ، فإنه ماء منجمد لا حقيقة أُخرى ، فالذات باقية غايته أنّ صفة الميعان المقوّمة لهذا العنوان قد تغيّرت وتبدّلت ، ولذا ترتفع الأحكام المترتبة على العنوان بزواله ، كالاعتصام المترتب على الكر من الماء ، فانّ موضع الملاقاة ينفعل عند صيرورة الكرّ منه ثلجاً ، لعدم صدق الماء حينئذ عنواناً وإن لم ينعدم ذاتاً.

وعليه فلا منافاة بين بقاء النجاسة وعدم جواز السجود عند صيرورة الحطب فحماً ، إذ العبرة في الأوّل ببقاء الذات في نظر العرف وعدم التبدل إلى حقيقة أُخرى ، فلا يحكم بالطهارة إلا عند الاستحالة وانقلاب الموضوع ذاتاً وصفة ، بحيث يعدّ موضوعاً جديداً مبايناً مع أصله ، وليس الفحم كذلك ، لبقاء ذات الحطب بحاله ، فإنه خشب محترق. وأمّا في الثاني فمناطه تبدل وصفه المقوّم ، وحيث إنّ الفحم لا يتصف فعلاً بصفة الحطبيّة لا يعدّ من النبات ، وإن كانت الذات باقية فلا يصح السجود عليه.


ويجوز السجود على جميع الأحجار إذا لم تكن من المعادن (١).

[١٣٤٩] مسألة ١ : لا يجوز السجود (١) في حال الاختيار على الخزف والآجر والنورة والجص المطبوخين ، وقبل الطبخ لا بأس به (٢).

______________________________________________________

(١) قد عرفت أنّ المدار على صدق اسم الأرض ، والمعدنية لا تنافي الصدق المزبور.

(٢) منع قدس‌سره عن السجود على الخزف والآجر ، وكذا النورة والجص المطبوخين دون غير المطبوخ.

أمّا الجواز في غير المطبوخ منهما فلا غبار عليه ، فانّ أرض الجص وحجر النورة قسم من الأحجار والأراضي ، فلا فرق بينهما وبين غيرهما في اشتراك الجميع في صدق اسم الأرض ، ومجرد الانتفاع الخاص منهما المفقود في غيرهما لا يوجب سلب العنوان ولا يخرجهما عن صدق اسم الأرض ، فيشملهما الإطلاق ، وهذا ظاهر.

وأمّا هما بعد الطبخ ، وكذا الخزف والآجر ، فالظاهر أيضاً جواز السجود على الجميع ، فانّ عروض الطبخ لا يستوجب الخروج عن صدق اسم الأرض ، غايته أنّه حجر محترق أو طين محترق قد تغيّر بالعلاج بعض أوصافه ، فهو كاللحم المطبوخ ، فكما أنّ الطبخ لا يغيّر حقيقة اللحم ولا يوجب سلب الاسم ، فكذا الطبخ العارض على هذه الأُمور.

وبالجملة : فصدق عنوان الأرضية المأخوذ موضوعاً لجواز السجود على هذه الأُمور ، وصدقه على غيرها كالتراب وسائر الأحجار كالصخر ونحوه على حدّ سواء فيشمله الإطلاق ، وعليه فجواز السجود عليها على طبق القاعدة.

__________________

(١) على الأحوط ، والأظهر جواز السجود على الجميع.


[١٣٥٠] مسألة ٢ : لا يجوز السجود على البلّور والزجاجة (١).

______________________________________________________

ويدل عليه مضافاً إلى ذلك : صحيح الحسن بن محبوب قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الجص توقد عليه العذرة وعظام الموتى ثم يجصّص به المسجد أيسجد عليه؟ فكتب عليه‌السلام إليّ بخطه : أن الماء والنار قد طهّراه » (١) فان التعليل المذكور في الجواب وإن كان لا يخلو من غموض وإشكال كما لا يخفى ، وسنتعرض له إن شاء الله تعالى مستقصى في مبحث السجود عند التكلّم عن اعتبار طهارة المسجد (٢) لانحصار المستند في هذه الصحيحة ، إلا أنّها صريحة في مفروغية جواز السجود على الجص في حد نفسه ، وأنّ ذلك كان أمراً مغروساً في ذهن السائل ، وقد أقرّه الإمام عليه‌السلام على ذلك ، وإنّما دعته إلى السؤال شبهة النجاسة ، فغايته إجمال الجواب عن هذه الشبهة ، وهو غير قادح في ظهورها ، بل صراحتها فيما نحن بصدده من صلاحية الجص للسجود عليه في حدّ نفسه كما هو ظاهر.

(١) لعدم كونهما من الأرض ولا من نباتها ، وإن كانت مادتهما متخذة من الأرض من رمل ونحوه ، لكنها قد استحالت وتبدّلت صورتها النوعية ، فهما بالفعل متباينان مع الأصل خارجان عن مفهوم الأرض.

ويؤيد الحكم في الزجاج : خبر محمد بن الحسين : « إنَّ بعض أصحابنا كتب إلى أبي الحسن الماضي عليه‌السلام يسأله عن الصلاة على الزجاج ، قال : فلمّا نفذ كتابي إليه تفكّرت وقلت : هو مما أنبتت الأرض ، وما كان لي أن أسأل عنه ، قال : فكتب إليّ : لا تصلّ على الزجاج ، وإن حدثتك نفسك أنّهُ مما أنبتت الأرض ، ولكنه من الملح والرمل وهما ممسوخان » (٣).

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٥٨ / أبواب ما يسجد عليه ب ١٠ ح ١.

(٢) قبل المسألة [١٦٠٩] التاسع من واجبات السجود.

(٣) الوسائل ٥ : ٣٦٠ / أبواب ما يسجد عليه ب ١٢ ح ١.


ورواه في كشف الغمة نقلاً من كتاب الدلائل لعبد الله بن جعفر الحميري في دلائل علي بن محمد العسكري عليه‌السلام قال : وكتب إليه محمد بن الحسن ابن مصعب يسأله ، وذكر مثله إلا أنّه قال : « فإنه من الرمل والملح ، والملح سبخ » (١).

ورواه الصدوق في العلل بسنده عن السياري مثله (٢).

ويقع الكلام في الرواية تارة من حيث السند وأُخرى من ناحية الدلالة.

أما السند : فالظاهر أنه مرسل ، وإن عبّر عنه غير واحد بالصحيح ، لأنّ محمد بن الحسين يروي أنّ بعض الأصحاب كاتب الهادي عليه‌السلام وهو مجهول ، وهذا بمجرّده وإن لم يكن قادحاً إذا كان محمد بن الحسين بنفسه شاهد خط الامام عليه‌السلام فحكى كتابته وروى عن شخصه عليه‌السلام بلا واسطة ، وإن كان المكاتب مجهولاً ، لكنه في المقام ليس كذلك لأنّ مرجع الضمير في قوله : « قال : فكتب إلى » هو بعض الأصحاب (٣) فهو الذي شاهد الخط الشريف دون الراوي عنه ، فمحمد بن الحسين لم يشهد بمقتضى حكايته إلا بأصل المكاتبة لا بكتابة الامام عليه‌السلام وإنما يرويها عن مكاتب مجهول لا نعرفه ، فيكون في حكم المرسل.

نعم ، قد صرح باسم المكاتب في رواية كشف الغمة نقلاً عن كتاب الدلائل وأنه محمد بن الحسن بن مصعب كما عرفت ، إلا أنّ طرق مؤلف كشف الغمة إلى كتاب الدلائل غير معتبر. مضافاً إلى أنّ الرجل بنفسه مجهول. وأما الطريق‌

__________________

(١) كشف الغمة ٢ : ٣٨٤.

(٢) علل الشرائع : ٣٤٢ / ٥ الباب ٤٢.

(٣) هذا بناء على نسخة الكافي [ الكافي ٣ : ٣٣٢ / ١٤ ] وأمّا في التهذيب فالعبارة هكذا : « قال : فكتب إليه » ج ٢ ص ٣٠٤ وبناء عليها فالمرجع هو محمد بن الحسين ، ومعه لا تكون الرواية مرسلة ، لكنّ الشأن في صحتها ، وحيث لم تثبت فتكون مرددة بين الإرسال والإسناد فلا تصلح للاعتماد.


[١٣٥١] مسألة ٣ : يجوز على الطين الأرمني والمختوم (١).

______________________________________________________

الثالث الذي ذكره الصدوق كما مرّ فهو أيضاً ضعيف من أجل السياري ، وبالجملة : فالرواية ضعيفة السند بطرقها.

وأمّا الدلالة : فالمراد بقوله عليه‌السلام : « وهما ممسوخان » استحالة الملح والرمل وخروجهما عن حقيقتهما ، إما بمجرد المزج المحقق لحدوث طبيعة ثالثة أو عند صيرورتهما زجاجاً.

وعلى أيّ حال فالزجاجة فعلاً ليست من الأرض وإن كان بعض موادّها وهو الرمل أرضاً بحسب الأصل ، كما أنّها ليست من نباتها لا قبل الاستحالة ولا بعدها ، ولا ندري ما ذا تخيله السائل حيث حدثته نفسه أنّه مما أنبتت الأرض.

وأما قوله في رواية كشف الغمة « فإنه من الرمل والملح ، والملح سبخ » فالمراد أنّ الملح الذي هو من أجزاء الزجاج ليس من الأرض ولا النبات ، حيث إنّه سبخ ، وهو عبارة عما يعلو على الأرض عند نزيز المياه (١) المعبّر عنه بالفارسية بـ ( شوره ) فهو وإن كان يخرج من الأرض عند كونها ذات نزّ ، ولعله بهذا الاعتبار تخيل السائل أنّه مما أنبتت الأرض ، لكنه في الحقيقة ليس من الأرض ولا نبتها ، فلا يجوز السجود على الزجاج المتخذ منه ، وكيف كان فالرواية صريحة في المنع عن السجود فتكون مؤيّدةً للبطلان.

(١) الأوّل طين أحمر ينتفع به ، والثاني طين أبيض كان يستعمل سابقاً وقد أدركناه بدل الصابون ينظّف به البدن. وعلى أيّ حال فهما كسائر أقسام الطين من مصاديق الأرض ، واللون الخاص أو الانتفاع المخصوص لا يخرجهما عن صدق اسم الأرض.

__________________

(١) القاموس المحيط ١ : ٢٦١.


[١٣٥٢] مسألة ٤ : في جواز السجدة على العقاقير والأدوية مثل لسان الثور وعنب الثعلب والخبة وأصل السوس وأصل الهندباء إشكال (١) ، بل المنع لا يخلو عن قوّة. نعم لا بأس بما لا يؤكل منها شائعاً ولو في حال المرض ، وإن كان يؤكل نادراً عند المخمصة أو مثلها (١).

[١٣٥٣] مسألة ٥ : لا بأس بالسجود على مأكولات الحيوانات كالتبن والعلف (٢).

______________________________________________________

(١) استشكل بل منع قدس‌سره عن السجود على الأدوية والعقاقير التي ذكرها في المتن ، وكأنّه لصدق المأكول عليها ولو في حال التداوي.

لكن الظاهر الجواز ، لعدم كون هذه الأمور بنفسها من المأكول ، بل إنَّ بعضها كأصل السوس مثل الخشب غير قابل للأكل أبداً. وإنّما ينتفع بها بصبّ الماء عليها وغليانه ، فيتأثر منها ويكتسب من مجاورتها رائحة خاصة وأثراً مخصوصاً ، فيشرب نفس الماء ويتداوى به ، وتطرح تلك الأجرام بعد ما صارت كالثفل كما في الشاي ، فالمأكول ليس هذه الأدوية بل الماء بعد إجراء العملية ، فهي من مصاديق النبات غير المأكول ، فيعمها دليل جواز السجود عليها.

وما ذكره في المتن من نفي البأس عمّا لا يؤكل منها شائعاً ولو حال المرض ، وإن كان ربما يؤكل نادراً كما في المخمصة والاضطرار ونحوهما وإن كان صواباً ، لانصراف المأكول المأخوذ موضوعاً للمنع إلى الشائع المتعارف ، فلا عبرة بالشاذ النادر الذي يتفق أحياناً لجهة عارضية كما لا يخفى ، لكنّه أجنبيّ عما نحن فيه وغير مرتبط بالمقام بعد ما عرفت من عدم كون هذه الأمور مأكولاً أصلاً لا شائعاً ولا نادراً.

(٢) لانصراف قوله عليه‌السلام : « إلا ما أُكل » إلى مأكول الإنسان بلا‌

__________________

(١) والأظهر هو الجواز.


[١٣٥٤] مسألة ٦ : لا يجوز السجود (١) على ورق الشاي ولا على القهوة وفي جوازها على الترياك إشكال (١).

______________________________________________________

إشكال ، خصوصاً بعد ملاحظة اقترانه بما لبس. ويؤكده : قوله عليه‌السلام في صحيحة هشام بن الحكم المتقدمة في صدر المبحث (١) « لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون » (٢).

(١) منع قدس‌سره عن السجود على ورق الشاي والقهوة ، واستشكل في الترياك.

أما في القهوة ، فالمنع في محلّه ، فإنّها بنفسها بعد سحقها وصنعها بالكيفية الخاصة تؤكل إما منفرداً أو مع السكر ، فيصدق عليها أنّها نبات مأكول ، الموضوع لعدم جواز السجود.

ومنه تعرف أنّ منعه في الشاي في غير محله ، لافتراقه عن القهوة في عدم كونه مأكولاً بنفسه ، بل يهدر فيصبّ عليه الماء وبعد التأثر منه واكتساب اللون والرائحة الخاصة الحاصلين من المجاورة يشرب ويطرح الثفل كما تقدّم في العقاقير والأدوية ، من دون فرق بين الشاي الأخضر المتداول استعماله في بلاد أفغان وپاكستان وفي بعض نقاط إيران ، وبين الأسود منه الرائج عندنا.

وبالجملة : ورق الشاي لا يعدّ من المأكول لا بحسب استعداده في نفسه ولا باعتبار إعداد الناس لذلك ، فلا يقاس بورق القهوة للفرق في كيفية الاستعمال كما عرفت. فالأقوى جواز السجود عليه ما لم يلوّن كثيراً بمثابة يعدّ اللون جرماً حائلاً بينه وبين الجبهة ، فهو في حدّ نفسه لا بأس بالسجود عليه.

__________________

(١) الأظهر جوازه على ورق الشاي ، وعدم جوازه على القهوة والترياك.

(١) في ص ١٢٩.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٤٣ / أبواب ما يسجد عليه ب ١ ح ١.


[١٣٥٥] مسألة ٧ : لا يجوز على الجوز واللوز (١) ، نعم يجوز على قشرهما بعد الانفصال (١) ، وكذا نوى المشمش والبندق والفستق.

______________________________________________________

وأما الترياك ، فليس الوجه في استشكاله قدس‌سره احتمال كونه من المأكول ، لعدم كونه منه قطعاً ، كيف وهو من السمومات ، وأكل القليل منه أحياناً كحبّة وأقل لأجل التداوي لا يجعله منه ، واعتياد الشاذ من أفراد الناس بأكله لا يوجب عدّه منه ، فانّ بعض الدراويش معتادون بأكل سمّ الفار كما قيل ، مع أنّه ليس من المأكول قطعاً ، كما أنّ بعض الناس معتادون بأكل الطين أو الجص مع أنّهما لا يعدّان بذلك من المأكول كي لا يصح السجود عليهما بالضرورة. فليس هذا الاحتمال منشأ للإشكال.

بل الوجه فيه : احتمال عدم كونه من النبات ، وهو المتعيّن ، فانّ ما تنبته الأرض إنما هو الخشخاش ، وأمّا الترياك فهو شي‌ء يتخذ منه شبه العصير ، فتستخرج من الخشخاش مادة تشبه الحليب وتغلى ثم تجرى عليها عملية خاصة فتتشكل منها هذه الطبيعة التي لا يصدق عليها فعلاً لا عنوان الأرض ولا نباتها ، وإن كان أصلها متخذاً من الثاني كما في بقية الأمور المستحالة من أحدهما. وعلى هذا فينبغي القطع بعدم جواز السجود عليه.

والمتحصّل مما ذكرناه : جواز السجود على ورق الشاي لكونه نباتاً غير مأكول ، وعدم جوازه على القهوة والترياك. أمّا الأوّل ، فلكونه مما يؤكل ، وأمّا الثاني ، فلعدم كونه من الأرض ولا من نبتها.

(١) الوجه في المنع أحد أمرين :

الأوّل : عدّ القشر من توابع اللب عرفاً حال الاتصال ، فكأنّهما من حيث المجموع يعدّان من المأكول في نظر العرف ، وإن كان أحدهما بمنزلة الوعاء‌

__________________

(١) لا يبعد الجواز حال الاتصال أيضاً ، وكذا الحال في النوى ، والاحتياط لا ينبغي تركه.


للآخر ، فيصدق السجود على المأكول وإن لم تلاصق الجبهة إلا القشر الذي ليس منه لو لا التبعية ، ولذا يجوز السجود عليه حال الانفصال بلا إشكال.

لكنه كما ترى ممنوع جدّاً ، فانّ القشر في مثل اللوز أو الجوز موجود مستقل بحياله في مقابل اللب ، حتى في نظر العرف بحيث لو سئلوا عمّا هو المأكول من هذا المجموع لما ترددوا في أن القشر الذي ربما يكون في الصلابة أشدّ من الخشب ليس منه ، وإنما المأكول اللب فقط والتبعية في الوجود لا تستدعي التبعية في صدق المأكولية ولو بضرب من المسامحة كما لا يخفى.

نعم ، لو سلّمنا التبعية فحكمنا بالمنع حال الاتصال لا مجال له بعد الانفصال بتوهم الاستصحاب ، إذ فيه بعد الغض عن عدم جريانه في الشبهات الحكمية أنّ الموضوع متعدد ، فانّ القشر إنّما كان يمنع عن السجود عليه لكونه من مصاديق المأكول ولو تبعاً على الفرض وإلا فهو من حيث إنّه قشر لم يكن موضوعاً للحكم قطعاً ، وبعد الانفصال قد زال العنوان وارتفع الموضوع لعدم كونه حينئذ مصداقاً للمأكول حتى تبعاً ، فإثبات الحكم بعدئذ من أسرائه من موضوع إلى موضوع آخر كما هو واضح.

الثاني : التمسك بإطلاق قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة المتقدمة قريباً : « ولا على شي‌ء من ثمار الأرض » (١) بدعوى صدق الثمر على كل من القشر واللب ، فيشمله إطلاق المنع وإن لم يكن من المأكول.

وفيه : أنّ لازم ذلك المنع عن القشر حتى بعد الانفصال ، بل عن عدّة من الثمار غير المأكولة كثمر الشوك ونحوه ، مع أن الأصحاب لم يلتزموا بذلك ، ولا ينبغي أن يلتزموا به لتقييد موضوع المنع في غير واحد من الأخبار بالمأكول بقوله عليه‌السلام : « إلا ما أُكل أو لبس » (٢). فلا بد من تقييد الثمر‌

__________________

(١) في ص ١٤٤.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٤٣ / أبواب ما يسجد عليه ب ١ ح ١.


[١٣٥٦] مسألة ٨ : يجوز على نخالة الحنطة (١) والشعير وقشر الأرز (١).

______________________________________________________

في هذه الصحيحة بذلك غير الصادق على القشر كما عرفت ، وغاية ما هناك أن يلتزم بكون النسبة بينهما عموماً من وجه ، لأنّ الصحيحة دلّت على المنع عن الثمر مأكولاً كان أم لا ، وتلك الأخبار دلّت على الجواز في النبات غير المأكول ثمراً كان كالشوك وقشر الجوز واللوز ، أم غير ثمر كالحشيش ، فيتعارضان في مادة الاجتماع وهو الثمر غير المأكول كقشر الجوز واللوز ، وبعد التساقط يرجع إلى عموم ما دلّ على جواز السجود على الأرض وما أنبتته ، ولا ريب أنّ القشر من نبات الأرض.

ومع الغض عنه والانتهاء إلى الأصل العملي فالمرجع أصالة البراءة عن تقيد المسجد بعدم كونه من القشر المشتمل على لبّ الجوز أو اللوز ، للشك في هذا التقييد زائداً على المقدار المتيقن فيدفع بالأصل كما مرّ التعرّض له سابقاً (١).

فتحصل : أن الأقوى جواز السجود على القشر المزبور ، من غير فرق بين حالتي الاتصال والانفصال ، وإن كان الأحوط تركه في الأوّل.

ومن جميع ما ذكرناه يظهر الحال في نوى المشمش والبندق والفستق فلاحظ.

(١) هذا مشكل جدّاً ، لتعارف أكلها ولو تبعاً ، بل قلّما يتفق خلوص دقيق الحنطة والشعير عن النخالة ، وكذا الأرز عن القشر ، بل إنّ البشر كان مدة مديدة من الزمن يأكل هذه الحبوب بقشورها قبل اختراع المطاحن والمكائن ، وعدم كونها مستقلة في الأكل ومقصودة بالأصل لا يقدح ، فانّ كثيراً من النباتات المأكولة لا تكاد تؤكل مستقلة ، بل بعد الضم بشي‌ء آخر من خبز ونحوه كما في اليقطين والباذنجان والفلفل ونحوها مما لا شك في عدم‌

__________________

(١) جواز السجود على المذكورات لا يخلو من إشكال.

(١) في ص ١٣٨ ، ١٣٩.


[١٣٥٧] مسألة ٩ : لا بأس بالسجدة على نوى التمر ، وكذا على ورق الأشجار وقشورها ، وكذا سعف النخل (١).

[١٣٥٨] مسألة ١٠ : لا بأس بالسجدة على ورق العنب بعد اليبس ، وقبله مشكل (١) (٢).

______________________________________________________

جواز السجود عليها.

فالأقوى عدم جواز السجود على النخالة وقشر الأرز لعدّها من المأكول.

(١) لعدّ الجميع من نبات الأرض غير المأكول كما هو ظاهر.

(٢) قد عرفت أنّ الأخبار قد دلّت على جواز السجود على الأرض ونباتها إلا ما أُكل أو لبس. والمراد بالاستثناء ليس ما أُكل أو لبس بشخصه ، فإنّه وإن أمكن فرضه في الملبوس ، لكنه غير ممكن في المأكول ، إذ لو فرض أكل شخصه خارجاً فقد انعدم فلا موضوع كي يمنع عن السجود عليه.

كما أنّ المراد ليس ما أُكل فرد من نوعه أو جنسه في الخارج ، للقطع بعدم مدخلية الأكل الخارجي في الحكم وإلا لانتقض ببعض الأثمار المستحدثة التي لم يكن منها عين ولا أثر في عصر صدور هذه الأخبار كالطماطة والبرتقال ، أو لو فرض العثور على بعض الفواكه في بعض الجزر البعيدة التي يقطع بعدم وصول البشر إليها ، وعدم أكل أحد منها لا شخصاً ولا نوعاً ، فإنه لا ريب في عدم جواز السجود عليها حتى أوّل زمان الاستكشاف ، مع أنّ فرداً من هذه الطبيعة لم يكن مأكولاً بعد في الخارج حسب الفرض.

فلا مناص من أن يكون المراد ما هو قابل للأكل في حد ذاته ويعدّ من مأكول الإنسان ، سواء أتحقق الأكل الخارجي لفرد منه أم لا ، بحيث لو قسّم نبات الأرض إلى المأكول وغيره وسئل عن أنّ هذا النبات من أيّ القسمين لُاجيب بأنه من قسم المأكول.

__________________

(١) هذا في أوان أكله ، وأمّا بعده فلا مانع من السجود عليه.


فالمراد مما أُكل في هذه الأخبار ما كان قابلاً وصالحاً في حدّ نفسه للأكل ، سواء أتوقف ذلك على العلاج والإتيان بمقدمات من طبخ ونحوه أم لا ، لصدق القابلية على التقديرين كما لا يخفى.

ويكشف عن هذا التعميم عطف الملبوس على المأكول في هذه الأخبار ، فإنّ المأكول من النباتات وإن لم يحتج بعض مصاديقه إلى العلاج كأصناف الفواكه ، إلا أنّ الملبوس منها يحتاج إليه دائماً من نسج أو غزل ونحوهما ، فوحدة السياق تكشف عن أنّ المراد ما هو الأعم من القسمين.

ثم إنّ القابلية المزبورة التي هي الموضوع للمنع في هذه الأخبار بالبيان المتقدم بما أنّها من العناوين الاشتقاقية ، والظاهر من أمثالها لزوم التلبس بالمبدإ والاتّصاف به فعلاً دون ما كان أو سيكون ، فيدور الحكم نفياً وإثباتاً حدوثاً وبقاءً مدار العنوان الاشتقاقي والوصف العنواني ، فما كان بالفعل واجداً لقابلية الأكل أو اللبس ولو بمعونة العلاج كما عرفت لم يجز السجود عليه ، وما كان فاقداً لها سواء اتصف بها سابقاً ثم زال أم لا ، وسواء يتصف به لاحقاً أم لا ، جاز السجود عليه ، فالمنع يدور مدار التلبس بالقابلية فعلاً كما هو الشأن في بقية العناوين الاشتقاقية المأخوذة موضوعاً لحكم من الأحكام كعدالة زيد ، وعلم عمرو ، وكرية الماء وأمثالها.

إذا تحقّقتَ المراد من الاستثناء في هذه الأخبار ، تعرف أنّه لا ينبغي الإشكال في عدم جواز السجود على ورق العنب حال كونه رطباً ، لصلاحيته حينئذ للأكل ولو بمعونة الطبخ بحيث يعدّ فعلاً من قسم المأكولات.

كما لا ينبغي الإشكال في الجواز بعد اليبس ، لخروجه بعدئذ عن تلك الصلاحية والاستعداد ، فهو بالفعل غير قابل للأكل في حدّ نفسه وإن كان قابلاً له سابقاً ، وقد عرفت آنفاً دوران الحكم مدار العنوان الاشتقاقي حدوثاً وبقاءً ، بل الحال كذلك قبيل اليبس وأواخر حالات رطوبته بحيث‌


زالت عنه تلك الطراوة فصار خشناً جدّاً ، فإنه أيضاً غير قابل للأكل فعلاً ، لصيرورته كالحشيش لا يأكله إلا الحيوان. وكذا الحال في بعض أقسام التمر الذي يخرج بعد اليبس عن قابلية الأكل ولا يعدّ فعلاً من مأكول الإنسان ، لصيرورته كالخشب كما تعرّضوا له في بحث الزكاة ، فيجوز السجود على جميع ذلك.

هذا فيما إذا كان عدم القابلية من حيث المنتهي بحيث كان الشي‌ء في نفسه قابلاً للأكل فانتهى أمره إلى زوال القابلية كورق العنب بعد اليبس وكالتمر كما عرفت.

وأما إذا كان ذلك من حيث المبدأ عكس الفرض المزبور ، بأن لم يكن في بدء أمره قابلاً للأكل ثم يصير كذلك كالثمرة قبل أوان أكلها التي تعرض لها الماتن في المسألة ١٣ الآتية ، فقد منع قدس‌سره عن السجود عليه ، ولعلّ نظره الشريف إلى أن الممنوع ما كان قابلاً للأكل ولو بالعلاج كما مرّ الذي لا فرق فيه بين مثل الطبخ وبين النضج بالشمس المتوقف على مرور الزمان ، فالقابلية متحققة في كلتا الصورتين.

وهذا كما ترى مشكل جدّاً بل ممنوع ، فانّا وإن عممنا القابلية لما يحتاج إلى العلاج كما عرفت ، إلا أنّه فرق واضح بين ما إذا كانت المعالجة متوقفة على مقدّمات اختيارية مثل الطبخ ونحوه ، وما إذا توقفت على مقدّمات خارجة عن تحت الاختيار كمرور الزمان ومضي وقت يصلح فيه الثمر للنضج ، فانّ القابلية متحققة في الأوّل بالفعل وإن توقف الأكل الخارجي على التصدي لمقدمات ، بخلافه في الثاني فإنّ القابلية لم توجد بعد ولم تتحقق ، لقصورٍ في المقتضي. نعم سيصير قابلاً بعد حين من دون دخل لاختيار المكلف فيه قبال ما لا يصير كذلك أبداً كالحنظل ، فالتمر مثلاً حينما كان بسراً وقبل أن يصير بلحاً وهو المسمى عند العامة بالچمري لا يعدّ من المأكولات ، لفقده فعلاً صلاحية الأكل ، وإنما يستعد له فيما بعد ، فالقابلية مفقودة بالفعل‌


[١٣٥٩] مسألة ١١ : الذي يؤكل في بعض الأوقات دون بعض لا يجوز السجود عليه مطلقاً ، وكذا إذا كان مأكولاً في بعض البلدان دون بعض (١).

______________________________________________________

عن هذا النبات ، وأمّا الحنطة مثلاً الموقوف أكلها على الطبخ فهي بالفعل متصفة بهذه القابلية ، وقد عرفت دوران الحكم مدار هذا العنوان حدوثاً وبقاءً.

نعم ، لو كان الموضوع للمنع مطلق الثمر كما يقتضيه إطلاق قوله عليه‌السلام في صحيح زرارة : « ولا على شي‌ء من ثمار الأرض » (١) اتجه المنع في المقام ، لكن عرفت لزوم تقييده بما دلّ على اختصاص الموضوع بالمأكول ، وأنّه مع الغضّ وتسليم كون النسبة عموماً من وجه فالمرجع بعد التساقط عموم ما دلّ على جواز السجود على مطلق الأرض ونباتها ، ولا أقل من الرجوع إلى أصالة البراءة عن التقيد الزائد على المقدار المعلوم كما تقدم كل ذلك قريباً فلاحظ (٢).

فما أفاده الماتن من المنع عن الثمار قبل أوان أكلها وإن كان أحوط لكنّ الأظهر خلافه كما عرفت.

(١) أمّا ما كان مأكولاً في بعض البلدان دون بعض ، فلا ينبغي الإشكال في عدم جواز السجود عليه مطلقاً ، لصدق كونه من مأكول الإنسان ولو بلحاظ طائفة منهم ، إذ لا يعتبر في صدق هذا العنوان كونه مأكولاً لجميع البشر ، فالشلغم مثلاً وإن تنفّر منه بعض الطباع بل لو لم يؤكل في بعض البلاد ، فإنّه يعدّ من المأكول كالجراد الذي يتنفر عنه أكثر الطباع لكنه واجد لصفة المأكولية عند آخرين ، فاختلاف البلدان لا يؤثّر في الفرق.

والسرّ أنّ الموضوع للحكم مجرد القابلية كما مرّ غير مرّة ، ويكفي في صدق هذا العنوان كونه مأكولاً في بعض البلدان ويأكله بعض أفراد الإنسان ،

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٤٦ / أبواب ما يسجد عليه ب ٢ ح ١.

(٢) في ص ١٣٨.


نعم لا يكتفى بالواحد والاثنين من الناس لانصراف النص عن مثله ، بل لا يصدق معه العنوان المزبور كما لا يخفى.

وبالجملة : فاختلاف البلاد لا يؤثّر في المقام. نعم ربما يؤثر في بعض الأحكام كما في الشي‌ء الذي ربما يعدّ من المكيل أو الموزون في بلد ويعدّ من المعدود في البلد الآخر ، فانّ كل بلد يلحقه حكمه في جريان الربا وعدمه لو بيع بمثله مع الزيادة.

والفارق بين المثال وما نحن فيه : أنّ الموضوع هناك عنوان المكيل أو الموزون الظاهر في الفعلية والمفروض عدم صدقه في البلد الآخر.

وأمّا في المقام فالموضوع القابلية للأكل المتحققة بتعارفه ولو عند بعض الطوائف كما عرفت.

وأمّا ما يؤكل في بعض الأوقات دون بعض ، فإن أراد قدس‌سره به مجرد الاختلاف في الزمان مع اتحاد المأكول بصفاته في الوقتين وعدم تغيره عمّا هو عليه بأن يؤكل في الصيف مثلاً ولا يؤكل نفس ذلك الشي‌ء في الشتاء ، فالمتجه لو كان له مصداق ما ذكره قدس‌سره من المنع مطلقاً ، لصدق القابلية للأكل التي هي الموضوع للحكم ولو بلحاظ الزمان الذي يؤكل ، نظير ما مرّ من الصدق المزبور بلحاظ بعض الأفراد.

وإن أراد به فرض تغير الشي‌ء في الوقتين واختلاف صفاته بخروجه عن قابلية الأكل في الزمان المتأخّر أو عروضها له ، فان كان من قبيل الأوّل كورق العنب بعد اليبس فقد تعرّض قدس‌سره له في المسألة السابقة وتقدّم حكمه (١) وإن كان من قبيل الثاني كالثمرة قبل أوان أكلها فسيتعرض له في المسألة ١٣ الآتية وقد تكلمنا حولها فيما مرّ (٢).

__________________

(١) في ص ١٥٧.

(٢) في ص ١٥٩.


[١٣٦٠] مسألة ١٢ : يجوز السجود على الأوراد غير المأكولة (١).

[١٣٦١] مسألة ١٣ : لا يجوز السجود على الثمرة قبل أوان أكلها (١) (٢).

[١٣٦٢] مسألة ١٤ : يجوز السجود على الثمار غير المأكولة أصلاً كالحنظل ونحوه (٣).

[١٣٦٣] مسألة ١٥ : لا بأس بالسجود على التنباك (٤).

[١٣٦٤] مسألة ١٦ : لا يجوز على النبات الذي ينبت على وجه الماء (٥).

______________________________________________________

وعليه فلا وجه لاستقلال هذا العنوان بالذكر وإفراده في مسألة مستقلة ، فإنه بين ما مضى وما سيأتي.

وعلى أيّ حال فلم يتضح المراد من هذه العبارة وهو قدس‌سره أعرف بما أراد فتدبر جيداً.

(١) ووجهه ظاهر.

(٢) على الأحوط ، والأقوى جوازه ، وقد مرّ الكلام حولها في ذيل المسألة العاشرة فراجع.

(٣) قد ظهر حالها من مطاوي الأبحاث السابقة فلاحظ.

(٤) ولعلّ مراده قدس‌سره ما يعمّ التتن ، وكيف كان فهما ليسا من الملبوس ولا المأكول بل ولا المشروب ، وإنما يدخن بهما فلا مانع من السجود عليهما.

(٥) لا يخفى أنّ مقتضى الإطلاق في بعض النصوص جواز السجود على مطلق النبات من غير تقييد بالأرض ، كما في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : قال : لا بأس بالصلاة على البوريا والخصفة وكل نبات إلا التمرة كما في التهذيب أو إلا الثمرة كما في الفقيه (١).

__________________

(١) على الأحوط.

(١) الوسائل ٥ : ٣٤٥ / أبواب ما يسجد عليه ب ١ ح ٩ ، لاحظ التهذيب ٢ : ٣١١ / ١٢٦٢ ، الفقيه ١ : ١٦٩ / ٨٠٠.


وصحيحة الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « ذكر أنّ رجلاً أتى أبا جعفر عليه‌السلام وسأله عن السجود على البوريا والخصفة والنبات ، قال : نعم » (١) وهذه الرواية صحيحة السند ، إذ ليس في الطريق من يتأمل فيه عدا الحسين بن أبي العلاء الذي هو الحسين بن خالد. مع أنّ توثيقه يستفاد من كلام النجاشي حيث صرّح بأنّ الرجل كان أوجه من أخويه علي وعبد الحميد (٢) ، وظاهره إرادة التفضيل في الحديث كما لا يخفى. وقد صرّح (٣) أيضاً بوثاقة عبد الحميد (٤) ، فيظهر أنّ الرجل كان أوثق من أخيه. على أنّه مذكور في أسانيد كامل الزيارات (٥). فلا ينبغي التأمل في صحة الرواية ، هذا.

وبإزاء هاتين الصحيحتين الأخبار الكثيرة وقد تقدمت (٦) التي قيّد النبات فيها بالأرض ، وأنّه لا يجوز السجود إلا على الأرض أو ما أنبتت الأرض ، فيدور الأمر بين رفع اليد عن الإطلاق في تلك الصحيحتين وتقييده بنبات الأرض ، وبين حمل القيد في هذه الأخبار على الغالب ، وأنّ المراد مطلق النبات وإن نبت على وجه الماء ، فتقع المعارضة بين أصالة الإطلاق وأصالة ظهور القيد في القيدية ، وحيث لا ترجيح لأحدهما على الآخر فيسقطان.

وبعبارة اخرى : حيث إنّ النسبة بين الطائفتين عموم من وجه ، لدلالة الأُولى على جواز السجود على مطلق النبات وإن لم يكن من الأرض ، ودلالة الثانية على عدم الجواز في غير الأرض ونباتها وإن نبتت على وجه الماء ، فيتعارضان في مادة الاجتماع ، وهي النبات على وجه الماء ، فيجوز‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٤٦ / أبواب ما يسجد عليه ب ١ ح ١٠.

(٢) رجال النجاشي : ٥٢ / ١١٧.

(٣) رجال النجاشي : ٢٤٦ / ٦٤٧.

(٤) ولكنه ( دام ظله ) استظهر في المعجم ٦ : ٢٠٠ / ٣٢٧٦ أنّ الذي وثقه النجاشي رجل آخر غير عبد الحميد أخي الحسين بن أبى العلاء.

(٥) لا عبرة به ، نعم قد وقع في اسناد تفسير القمي ، لاحظ المعجم ٦ : ١٩٨ / ٣٢٧٦.

(٦) في ص ١٢٩ وما بعدها.


[١٣٦٥] مسألة ١٧ : يجوز السجود على القبقاب والنعل المتخذ من الخشب مما ليس من الملابس المتعارفة ، وإن كان لا يخلو عن إشكال ، وكذا الثوب المتخذ من الخوص (١).

______________________________________________________

بمقتضى الأول ، ولا يجوز بمقتضى الثاني ، وبما أنّه لا ترجيح لأحد الأصلين اللفظيين المزبورين على الآخر ، فيسقط كلا الدليلين ويرجع حينئذ إلى العام الفوق إن كان ولم يكن في المقام كما لا يخفى وإلا فإلى الأصل العملي ومقتضاه أصالة البراءة عن تقييد المسجد بعدم كونه من نبات الماء ، للشك في هذا التقييد زائداً على المقدار المعلوم فيدفع بالأصل كما هو الشأن في الدوران بين الأقل والأكثر. وقد تقدم (١) نظيره عند الشك في جواز السجود على المعادن وعلى مطلق الثمار وإن لم تؤكل فلاحظ.

هذا ما تقتضيه القاعدة التي نتيجتها جواز السجود على ما ينبت على وجه الماء.

إلا أنّ الذي يهوّن الخطب أنّ الأمر لا ينتهي إلى المعارضة بين الطائفتين ، فإنّ النبات كما يظهر بمراجعة اللغة (٢) ويساعده العرف اسم لخصوص ما ينبت من الأرض ، فلا إطلاق في مفهومه لغة ولا عرفاً حتى يشمل النابت على وجه الماء ، وإنّما يطلق عليه توسّعاً ومجازاً بعلاقة المشاكلة والمشابهة ، وإلا فليس هو من حقيقة النبات في شي‌ء.

وعليه فلا تعارض بين الأخبار ، لتطابق الكل على عدم جواز السجود على غير الأرض ونباتها غير الصادق على نبات الماء. فالأقوى عدم جواز السجود عليه.

(١) قد عرفت أنّ المراد بما أُكل أو لبس ما كان فيه استعداد الأكل أو‌

__________________

(١) في ص ١٣٩.

(٢) لسان العرب ٢ : ٩٥.


اللبس وقابليتهما ، بحيث يعدّان منفعة خاصة للشي‌ء أو من منافعه البارزة المتعارفة.

ومنه يظهر جواز السجود على القبقاب والنعل المتخذ من الخشب ، لا لعدم صدق اللبس وأنّه أشبه بالموطوء كما قيل ، إذ لا مساغ لإنكار الصدق المزبور ، ولبس كل شي‌ء بحسبه ، والضابط اشتمال الشي‌ء وإحاطته على البدن ولو في الجملة كما في الخاتم ، ومن هنا لا ريب في عدم جواز اتخاذ القبقاب من الذهب للرجال ، لصدق لبس الذهب المحرّم عليهم بلا إشكال ، بل لعدم كون اللبس منفعة يختص بها الخشب ، ولا من منافعه البارزة بحيث يعدّ لدى العرف منفعة متعارفة له ، وصنع القبقاب منه أحياناً ولبسه ندرة لا يستوجب عدّ اللبس من منافعه الظاهرة كما لا يخفى ، وإلا لما جاز السجود على الخشب مطلقاً حتى قبل صنعه قبقاباً ولبسه.

وبعبارة اخرى : قد عرفت أنّ الأكل واللبس الخارجيين شخصاً أو نوعاً ليسا موضوعاً لعدم جواز السجود وأنّ الاستثناء في قوله : « إلا ما أُكل أو لبس » لا يراد به شي‌ء منهما كما مرّ توضيحه (١) ، بل المراد ما كانت مادته قابلة لهما ولو بالعلاج بحيث يعدّان على الأقل من المنافع المتعارفة ، سواء أتحقق الأكل أو اللبس خارجاً أم لا. ولا ريب أنّ اللبس ليس من منافع الخشب المتعارفة وإن انتفع به منه أحياناً ، وإلا فلو عدّ من منافع هذه المادة لامتنع السجود عليه مطلقاً ، اتصفت بهيئة القبقاب وتحقق اللبس في الخارج أم لا ، إذ المدار على القابلية لا الفعلية كما عرفت ، وحيث إنّ التالي باطل جزماً فالملزوم مثله.

ومنه يظهر الحال في الثوب المتخذ من الخوص من قلنسوة ونحوها ، فإنه يجري فيه الكلام المتقدم بعينه فلاحظ.

__________________

(١) في ص ١٥٧.


[١٣٦٦] مسألة ١٨ : الأحوط (١) ترك السجود على القنّب (١).

[١٣٦٧] مسألة ١٩ : لا يجوز السجود على القطن ، لكن يجوز على خشبه وورقه (٢).

[١٣٦٨] مسألة ٢٠ : لا بأس بالسجود على قراب السيف والخنجر إذا كان من الخشب ، وإن كانا ملبوسين ، لعدم كونهما من الملابس المتعارفة (٣).

[١٣٦٩] مسألة ٢١ : يجوز السجود على قشر البطيخ والرقّي والرمّان بعد الانفصال على إشكال ، ولا يجوز على قشر الخيار والتفاح ونحوهما (٤).

______________________________________________________

(١) بل هو الأقوى ، فإنّه نبات تصلح مادته للبس ولو بالعلاج ، من غزل ونسج كما في القطن والكتان ، فيشمله الاستثناء في قوله : « إلا ما لبس » ، فتصنع منه الأقمشة مما يسمى اليوم بالشعري ، وكذا غيره ولا يختص به ، كما تصنع منه الخيوط والحبال قبل التلطيف واستخراج الخليط. والظاهر أنّ ما يسمى بالفنطاز متخذ من هذه المادة.

وكيف ما كان فلا ينبغي التوقف في عدم الجواز لكون اللبس من منافعه المتعارفة كما عرفت.

(٢) قد مرّ الكلام حول هذه المسألة في صدر المبحث (١) وعرفت أنّ الأخبار في القطن والكتّان وإن كانت متعارضة إلا أنّ الأخبار المجوّزة محمولة على التقية ، فالأقوى عدم جواز السجود عليهما ، نعم لا بأس بالسجود على الخشب والورق ، ووجهه ظاهر.

(٣) الحال فيه هو الحال في القبقاب بعينه الذي عرفت جواز السجود عليه ، فانّ ذلك كله من الملابس غير المتعارفة فلا يشمله الاستثناء في قوله : « إلا ما أُكل أو لبس » كما هو واضح.

(٤) لا ينبغي الإشكال في الجواز في مثل قشر البطيخ والرقي والرمان بعد‌

__________________

(١) بل الأظهر ذلك.

(١) في ص ١٣٠.


[١٣٧٠] مسألة ٢٢ : يجوز السجود على القرطاس ، وإن كان متخذاً من القطن أو الصوف أو الإبريسم والحرير وكان فيه شي‌ء من النورة ، سواء كان أبيض أو مصبوغاً بلون أحمر أو أصفر أو أزرق أو مكتوباً عليه ، إن لم يكن مما له جرم حائل مما لا يجوز السجود عليه كالمداد المتخذ من الدخان ونحوه ، وكذا لا بأس بالسجود على المراوح المصبوغة من غير جرم حائل (١).

[١٣٧١] مسألة ٢٣ : إذا لم يكن عنده ما يصح السجود عليه من الأرض ، أو نباتها أو القرطاس ، أو كان ولم يتمكن من السجود عليه لحرّ أو برد أو تقية أو غيرها ، سجد على ثوبه (١) القطن أو الكتّان (٢).

______________________________________________________

الانفصال ، فانّ الحال فيها هو الحال في قشر اللوز والجوز بعده الذي عرفت جواز السجود عليه ، لعدم صلاحيته للأكل ، بل قد عرفت الجواز فيهما حتى حال الاتصال ، فكذا في المقام لوحدة المناط ، وإن لم يكن بذاك الوضوح.

واحتمال التمسك بالاستصحاب بناء على المنع لما بعد الانفصال الذي لعله هو منشأ استشكال الماتن في المقام ، قد عرفت فساده هناك فلاحظ.

وأما قشر الخيار والتفاح وكذا الباذنجان ، فحيث إنّه قابل للأكل ولو بالعلاج فالمنع عنه متعيّن.

(١) تكلمنا حول هذه المسألة في صدر المبحث مستقصى (١) ، وعرفت أنّ الأقوى جواز السجود على القرطاس ، سواء اتخذ مما يصح السجود عليه أم لا ، لإطلاق النصوص ، نعم لو كانت عليه كتابة لها جرم حائل متخذ مما لا يصح السجود عليه كالمداد المتخذ من الدخان ونحوه لا يجوز السجود عليه كما تعرّض له في المتن.

(٢) يقع الكلام في جهتين :

__________________

(١) لا يبعد جوازه على مطلق الثوب ، ولو كان من غير القطن والكتّان ، هذا في غير حال التقية ، وأمّا فيها فيجوز السجود على كلّ ما يتحقق به التقية.

(١) في ص ١٣٤.


إحداهما : في جواز الانتقال حال الاضطرار لفقد ما يصح السجود عليه ، أو عدم التمكن من استعماله لحرّ أو برد أو تقية إلى ما لا يصح السجود عليه اختياراً ومشروعية البدل ولو في الجملة.

الثانية : في ترتيب الأبدال بعضها على بعض ، وأنّ أياً منها يتقدم على الآخر.

أمّا الجهة الأولى : فالظاهر أنّ ذلك مما لا خلاف فيه ، وتقتضيه جملة من النصوص فيها الصحيح والموثق :

منها : رواية عيينة بيّاع القصب قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أدخل المسجد في اليوم الشديد الحرّ فأكره أن أُصلي على الحصى ، فابسط ثوبي فاسجد عليه ، قال : نعم ، ليس به بأس » (١) ، وهذا الرجل مذكور في الاستبصار بلفظ عيينة (٢) كما ذكر وفي التهذيب بلفظ عتيبة (٣). والظاهر اتحادهما بقرينة اتحاد الراوي والمروي عنه كما استظهره في جامع الرواة (٤) وأنّ الاختلاف من الناسخين. والمذكور في النجاشي (٥) عتبة من دون الياء ـ (٦) ووثقه صريحاً ، فان كان الرجل هو عتبة الذي وثقه النجاشي كما هو الظاهر ، بل لعله المطمأن به ، كانت الرواية صحيحة ، وإلا فالسند مخدوش لجهالة غيره.

هذا من حيث السند ، وأمّا الدلالة ، فقد يخدش فيها بكونها أجنبية عن محل الكلام ، إذ الغالب في مفروض السؤال تمكن السائل من السجود تحت السقف أو وضع شي‌ء مما يصح السجود عليه على ثوبه من تراب أو خشب‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٥٠ / أبواب ما يسجد عليه ب ٤ ح ١.

(٢) الاستبصار ١ : ٣٣٢ / ١٢٤٨ ، التهذيب ٢ : ٣٠٦ / ١٢٣٩ ، [ ولكن الموجود في التهذيب المطبوع هو عُيينة ].

(٣) الاستبصار ١ : ٣٣٢ / ١٢٤٨ ، التهذيب ٢ : ٣٠٦ / ١٢٣٩ ، [ ولكن الموجود في التهذيب المطبوع هو عُيينة ].

(٤) جامع الرواة ١ : ٥٣٢ ، ٦٥٦.

(٥) رجال النجاشي ٣٠٢ / ٨٢٥ ، [ والموجود في النسخة التي بأيدينا هو عُيينة ].

(٦) يظهر من المعجم ١٢ : ١١٢ / ٧٥٧١ خلافه.


ونحوهما. على أنّه لو سلّم العجز فلم يفرض ضيق الوقت ، بل الظاهر سعته فله التأخير إلى أن يتمكن من التحصيل ولو بتخفيف حرارة الشمس كي يتمكن من السجود على الحصى ولو قبيل الغروب ، والمدار في العجز المسوّغ للانتقال إلى البدل العجز المستوعب لمجموع الوقت المنفي في الفرض.

ويندفع : بأنّ الظاهر ولو بمعونة الغلبة أنّ مقصود السائل الدخول في مساجد العامة التي هي مواقع التقية ، ولا ريب أن الإعراض عن ذاك المكان أو وضع شي‌ء ممّا يصحّ السجود عليه على الثوب مخالف للتقية. وأما التأخير إلى آونة اخرى ترتفع معها التقية فغير لازم ، إذ العبرة فيها بالاضطرار حين العمل لا في مجموع الوقت كما تعرّضنا له في مبحث التقية (١) فالرواية تنطبق على محل الكلام وتعدّ من أدلّة المقام.

ومنها : صحيحة القاسم بن الفضيل قال : « قلت للرضا عليه‌السلام : جعلت فداك ، الرجل يسجد على كمّه من أذى الحرّ والبرد ، قال : لا بأس به » (٢).

وصحيحة أحمد بن عمر قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يسجد على كم قميصه من أذى الحرّ والبرد أو على ردائه إذا كان تحته مسح أو غيره مما لا يسجد عليه ، فقال : لا بأس به » (٣).

وصحيحة محمد بن القاسم بن الفضيل بن يسار قال : « كتب رجل إلى أبي الحسن عليه‌السلام : هل يسجد الرجل على الثوب يتقي به وجهه من الحرّ والبرد ومن الشي‌ء يكره السجود عليه؟ فقال : نعم لا بأس به » (٤).

ولا يقدح اشتمال سند الروايتين الأخيرتين على عبّاد بن سليمان المهمل في كتب الرجال ، لوجوده في أسانيد كامل الزيارات ، وقد عرفت غير مرّة‌

__________________

(١) شرح العروة ٥ : ٢٦٧.

(٢) ، (٣) ، (٤) الوسائل ٥ : ٣٥٠ / أبواب ما يسجد عليه ب ٤ ح ٢ ، ٣ ، ٤.


ثبوت وثاقة من كان في طريق هذا الكتاب ما لم يكن معارضاً بتضعيف مثل النجاشي ونحوه.

نعم ، من لا يعتمد على التوثيق من هذا الطريق كانت الروايتان ضعيفتين عنده لمكان الرجل ، فما في بعض الكلمات من التعبير عن الأخيرة بالصحيح من دون الاعتماد على هذا الطريق ، ليس على ما ينبغي.

هذه هي الأخبار المعتبرة الواردة في المقام ، ومقتضى الإطلاق فيها عدم الفرق في الثوب بين المتخذ من القطن أو الكتّان وما اتخذ من غيرهما من صوف أو شعر ونحوهما.

وقد يدعى تقييدها بالأوّلين ، استناداً إلى صحيحة منصور بن حازم عن غير واحد من أصحابنا قال : « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إنّا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج أفنسجد عليه؟ قال : لا ، ولكن اجعل بينك وبينه شيئاً قطناً أو كتّاناً » (١).

وفيه : أنّها ليست مما نحن فيه ، إذ لم يفرض فيها استيعاب الثلج لتمام الأرض بحيث لم يوجد مكان فارغ يصح السجود عليه ، بل غايته أنَّ الأرض باردة وأنّه يكون فيها الثلج ، ومجرد كونه فيها لا يقتضي الاستيعاب.

وعليه فيكون حاصل السؤال : إنا نكون في أرضٍ بعض مواضعها ثلج ، فهل يجوز السجود عليه أم يجب اختيار الموضع الفارغ عنه والتصدي لتحصيله كي يقع السجود على نفس الأرض؟ فأجاب عليه‌السلام بعدم الجواز ، وأنّه يجزئه أن يجعل بينه وبين الثلج شيئاً من القطن أو الكتّان.

وعلى هذا فتعدّ الصحيحة من الأخبار الدالة على جواز السجود على القطن والكتّان اختياراً ، التي تقدم (٢) لزوم حملها على التقيّة ، فلتحمل هذه أيضاً‌

__________________

(١) الوسائل ٥ / ٣٥١ / أبواب ما يسجد عليه ب ٤ ح ٧.

(٢) في ص ١٣١.


وإن لم يكن سجد على المعادن (١) أو ظهر كفه ، والأحوط تقديم الأوّل (١).

______________________________________________________

عليها ، فهي أجنبية عما نحن فيه ، فيبقى الإطلاق في تلك الأخبار على حاله فليتأمل. فما صنعه في المتن من تقييد الثوب بالقطن أو الكتّان في غير محلّه.

(١) هذه هي الجهة الثانية ، وقد ظهر لك مما سبق أنّ البدل الاضطراري الأوّل هو الثوب مطلقاً ، فهو مقدّم على غيره.

ثم إنّه بعد العجز عنه فما هي الوظيفة حينئذ؟ ذكر في المتن أنّه يتخير بين السجود على المعادن أو على ظهر كفه ، وأفاد قدس‌سره أنّ الأحوط تقديم الأوّل. وذكر بعضهم أنّ الأحوط تقديم الثاني.

أقول : لم يرد في المقام نص خاص يتضمن السجود على المعادن بل ولا على غيرها ، نعم هناك روايتان دلتا على السجود على ظهر الكف ، ولعلّهما المستند في الاحتياط الذي ذكره البعض المزبور.

إحداهما : رواية أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « قلت له : أكون في السفر فتحضر الصلاة وأخاف الرمضاء على وجهي كيف أصنع؟ قال : تسجد على بعض ثوبك ، فقلت : ليس عليّ ثوب يمكنني أن أسجد على طرفه ولا ذيله قال : اسجد على ظهر كفك فإنها إحدى المساجد » (١).

الثانية : روايته الأُخرى قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام جعلت فداك الرجل يكون في السفر فيقطع عليه الطريق فيبقى عرياناً في سراويل ولا يجد ما يسجد عليه يخاف إن سجد على الرمضاء أحرقت وجهه ، قال : يسجد على ظهر كفه فإنها إحدى المساجد » (٢).

لكنّ الأُولى ضعيفة السند بعلي بن أبي حمزة البطائني قائد أبي بصير ، فإنه كما ورد فيه كان كذّاباً متهماً ملعوناً.

__________________

(١) أو على غيرها ممّا لا يصح السجود عليه في حال الاختيار.

(١) ، (٢) الوسائل ٥ : ٣٥١ / أبواب ما يسجد عليه ب ٤ ح ٥ ، ٦.


وكذا الثانية بإبراهيم بن إسحاق الأحمري فإنه ضعيف ، ولا جابر لهما لو سلّم كبرى الانجبار لعدم عمل المشهور بهما.

وبعد وضوح خلوّ المقام عن نص آخر فلا بد من ملاحظة ما تقتضيه القاعدة.

فنقول : مقتضى القاعدة حينئذ وجوب السجود على كل ما يتحقق معه عنوان السجود من دون مدخل لمسجد خاص.

أما أصل وجوب السجود وعدم الانتقال إلى الإيماء ، فلقاعدة الميسور المعتبرة في خصوص باب الصلاة ، كما يكشف عنه ما دل على عدم سقوطها بحال ، حيث يظهر منه وجوب الإتيان بالأجزاء والشرائط بقدر الإمكان ، لا سيّما وأنّ السجود يعدّ من الأركان ومما تتألف منه ومن الركوع والطهور حقيقة الصلاة كما أُشير إليه في حديث التثليث (١). وبما أنّ المفروض التمكن من الإتيان بأصل السجود ، وإنما المتعذر رعاية القيد المعتبر في المسجد وهو كونه من الأرض أو نباتها أو الثوب كما عرفت فهو المختص بالسقوط ، فتبقى ذات المقيد بحالها.

ومنه تعرف عدم الانتقال إلى الإيماء ، لعدم كونه من مراتب السجود فإنه إيماء إليه ، والإشارة تباين المشار إليه ، فهو بدل شرع لدى العجز عنه ، والمفروض التمكن منه ، ولا إطلاق لدليل البدلية يشمل صورة العجز عن قيده ، لاختصاص مورده بالمريض ونحوه ممّن لا يتمكن من أصل السجود.

وأما عدم مدخلية مسجد خاص ، فلعدم الدليل بعد خلوّ النصوص ، والأصل البراءة.

ونتيجة ذلك : جواز السجود بعد فقد الثوب على كل شي‌ء ، وأنّ الأبدال كلها في عرض واحد وعلى حد سواء ، من دون فرق بين المعادن ونعني‌

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٣٨٩ / أبواب السجود ب ٢٨ ح ٢.


[١٣٧٢] مسألة ٢٤ : يشترط أن يكون ما يسجد عليه مما يمكن تمكين الجبهة عليه فلا يصح على الوحل والطين والتراب الذي لا تتمكن الجبهة عليه ، ومع إمكان التمكين لا بأس بالسجود على الطين ، ولكن إن لصق بجبهته يجب إزالته للسجدة الثانية (١) ، وكذا إذا سجد على التراب ولصق بجبهته يجب إزالته لها ، ولو لم يجد إلا الطين الذي لا يمكن الاعتماد عليه سجد عليه بالوضع (٢) من غير اعتماد (١).

______________________________________________________

بها ما لا يصح السجود عليه اختياراً كالذهب والفضة وغيرها حتى ظهر الكفّ. وما ذكره في المتن من الاحتياط في عدم السجود عليه مع وجود المعدن ، كأنّه ناظر إلى أنّه من أحد المساجد ، فهو مما يسجد به فلا يكون مما يسجد عليه ، لاستظهار المباينة بينهما ، فان تمّ ذلك فلا ينتقل إليه إلا بعد العجز عن كل ما يمكن السجود عليه ، وإلا كان في عرضها.

(١) تتضمن المسألة فروعاً أربعة :

الأوّل : أنّه يشترط في المسجد أن يكون ممّا يمكن وضع الجبهة عليه وتمكينها منه ، فلا يصح على الوحل أو الطين أو التراب الذي لا تتمكن الجبهة عليه.

وتدل عليه مضافاً إلى عدم تحقق مفهوم السجود حينئذ ، لتقومه بالوضع المتوقف على الاعتماد المنفي مع عدم التمكين ، فالاشتراط المزبور مطابق للقاعدة موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألت عن حدّ الطين الذي لا يسجد عليه ما هو؟ فقال إذا غرقت الجبهة ولم تثبت على الأرض » (١).

الثاني : أنّه لا بأس بالسجود على الطين إذا أمكن تمكين الجبهة وتثبيتها‌

__________________

(١) على الأحوط.

(٢) الظاهر وجوب الإيماء في هذا الفرض.

(١) الوسائل ٥ : ١٤٣ / أبواب مكان المصلي ب ١٥ ح ٩.


عليه ويدلُّ عليه مضافاً إلى إطلاقات الأدلة ، بعد وضوح عدم خروج الطين عن مفهوم الأرض ، فإنه تراب ممزوج مع الماء ، فهو أرض رطبة ، فيندرج تحت إطلاق الأدلة مفهوم موثقة عمار المتقدمة آنفاً ، إذ المفروض هنا عدم استغراق الجبهة وحصول الثبوت على الأرض.

الثالث : لو سجد على الطين أو التراب أو التربة الحسينية ( على مشرفها السلام ) فلصق بجبهته ، حكم قدس‌سره بوجوب إزالته للسجدة الثانية ، وهذا هو المعروف ، وكأنّ الوجه فيه أنّه بعد اللصوق لا يصدق وضع الجبهة على الأرض ، لحيلولة الطين مثلاً بينهما ، وإنما يصدق وضع الطين عليها دون الجبهة نفسها فإنها كانت موضوعة حال اللصوق ، ولا بدّ من إحداث هذا العنوان المنفي في المقام ، فإنه إبقاء لما كان لا إحداث للسجود.

أقول : مجرد اللصوق ليس من السجود في شي‌ء ، فإنه متقوم بالوضع المتوقف على الاعتماد ، فقبل وضع الجبهة بما عليها من الطين على الأرض لا سجود ، وإنما هناك مجرد اللصوق بجزء من أجزاء الأرض ، وبعد وضع المجموع على الأرض أو على غيرها وإن لم يصح السجود عليه يتحقق اعتماد الجبهة على الطين ، فيتحقق السجود حينئذ ويحدث بعد ما لم يكن.

والحاصل : أنّا لا نضايق من اعتبار الأحداث في امتثال الأمر بالسجود وغيره من سائر الأفعال ، ولا يجزئ الإبقاء ، ومن هنا استشكلنا في صحة الوضوء أو الغسل الترتيبي بمجرد التحريك تحت الماء كما مرّ في محله (١). لكن الإحداث متحقق في المقام من دون حاجة إلى الإزالة ، فكما أنّا لو ألصقنا أحد الجسمين بالآخر ووضعنا المجموع على الرف يصدق معه حدوث وضع الجسم الفوقاني على التحتاني بعد أن لم يكن موضوعاً عليه ، بل كان مجرد اللصوق معه ، فكذا في المقام لا يصدق وضع الجبهة على الطين أو التراب أو‌

__________________

(١) شرح العروة ٥ : ١٠٢ ، العروة ١ : ٢٠٠ / ٦٦٤.


التربة إلا عند الاعتماد عليها والهوي إلى السجود ، فلا حاجة إلى الإزالة لتحقق مفهوم السجود بدونها ، وإلا لجاز له السجود مرّة أو مرّات عمداً أو سهواً بعنوان الشكر أو بغيره مع تلك الحالة ، لعدم استلزام الزيادة في السجدة قبل الإزالة ، لاعتبارها في تحقق مفهومه حسب الفرض ، ولا يظن الالتزام به من أحد.

فما أفاده في المتن من الوجوب مبني على الاحتياط ، والأقوى عدمه (١) فتدبر جيداً.

الرابع : ذكر قدس‌سره أنّه إذا لم يجد إلا الطين الذي لا يمكن الاعتماد عليه سجد عليه بالوضع من غير اعتماد ، وهذا مشكل جدّاً لما عرفت آنفاً من تقوم السجود بالاعتماد ، فمجرد الإلصاق والوضع العاري عنه ليس من حقيقة السجود في شي‌ء ، بل هو مباين له ماهية ، ومنه تعرف أنّه لا مجال للاقتصار عليه استناداً إلى قاعدة الميسور ، لعدم كونه من مراتبه بعد مباينته له ذاتاً ، فلا يعدّ ميسوراً منه ، فلا مناص من الانتقال إلى الإيماء المجعول بدلاً لكل من كان عاجزاً عن السجود.

وبعبارة اخرى : بعد سقوط السجود لمكان العجز ، فجواز الاقتصار على الوضع من غير اعتماد يحتاج إلى الدليل ، وحيث لا دليل فالمتعيّن هو الإيماء الثابت بدليته لمن لم يتمكن من السجود.

ويشهد لما ذكرناه : موثق عمار المتقدم (٢) الصريح في عدم الأمر بالسجود لدى عدم التمكن من تثبيت الجبهة على الأرض.

وموثق أبي بصير قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : من كان في مكان لا‌

__________________

(١) ولكنه ( دام ظله ) عدل عن ذلك في مبحث السجود وجعل الأقوى وجوب الرفع لاحظ [ العروة ١ : ٤٩٧ / ١٦١٠ ].

(٢) في ص ١٧٣.


[١٣٧٣] مسألة ٢٥ : إذا كان في الأرض ذات الطين بحيث يتلطخ به بدنه وثيابه في حال الجلوس للسجود والتشهد ، جاز له الصلاة مومئاً للسجود ولا يجب الجلوس للتشهد ، لكن الأحوط مع عدم الحرج الجلوس (*) لهما ، وإن تلطّخ بدنه وثيابه ، ومع الحرج أيضاً إذا تحمله صحت صلاته (**) (١).

______________________________________________________

يقدر على الأرض فليوم إيماء » (١) ، ولا يقدح اشتمال السند على أحمد بن هلال لما مرّ في بعض المباحث السابقة من قبول رواياته ، ولا ريب أنّ إطلاقه شامل للمقام ، لصدق عدم القدرة على الأرض.

ومنه تعرف أنّ قاعدة الميسور على تقدير تماميتها لا تعمّ المقام ، لاختصاصها بما إذ لم يعيّن الشارع شيئاً بدلاً عن المعسور ، وقد ثبتت بدلية الإيماء عن السجود في المقام كما عرفت ، فالحكم بالوضع من غير اعتماد يشبه الاجتهاد في مقابل النص.

(١) يقع الكلام في جهتين :

الأُولى : إذا كان في أرضٍ ذات طين بحيث لو جلس للسجود والتشهد تلطّخ بدنه وثيابه ، فلا إشكال في جواز الصلاة مومئا إذا كان السجود حرجياً ، لعموم دليل نفي الحرج الحاكم على الأدلة الأولية. مضافاً إلى صريح موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته : الرجل يصيبه المطر وهو في موضع لا يقدر على أن يسجد فيه من الطين ، ولا يجد موضعاً جافاً ، قال يفتتح الصلاة فإذا ركع فليركع كما يركع إذا صلى ، فاذا رفع رأسه من الركوع فليوم بالسجود إيماء وهو قائم ، يفعل ذلك حتى يفرغ من الصلاة ، ويتشهد وهو قائم ويسلم » (٢).

__________________

(*) بل هو الأظهر.

(**) الحكم بالصحة لا يخلو من إشكال ، والأحوط الصلاة مع الإيماء.

(١) الوسائل ٥ : ١٤١ / أبواب مكان المصلي ب ١٥ ح ٢.

(٢) الوسائل ٥ : ١٤٢ / أبواب مكان المصلي ب ١٥ ح ٤.


إنّما الكلام في أنّ الحكم هل يختص بمورد الحرج ، أو يعمّه وما إذا لم يترتب سوى تلطخ الثياب والبدن من دون حرج في ذلك ، كما إذا كان متّزراً وهو على الساحل والهواء حارّ بحيث لو سجد يمكنه التنظيف بعدئذ من غير مشقة؟

مقتضى الجمود على النص هو الأوّل ، فإنّ الظاهر من قول السائل : « وهو في موضع لا يقدر .. » إلخ بعد امتناع الحمل على عدم القدرة عقلاً لندرته جدّاً كما لا يخفى ، هو عدم القدرة عرفاً المساوق للحرج ، فيحتاج التعدي والتعميم لما لا يستلزمه إلى دليل أو قرينة تقتضيه.

وقد يقال : إنّ القرينة عليه هو قوله : « ولا يجد موضعاً جافاً » ، حيث إنّ فرض عدم وجدان موضع جاف بمقدار ما تسعه الجبهة المستلزم لكون السجود حينئذ حرجياً فرض نادر ، فلا بدّ وأن يكون الموضوع لبدلية الإيماء مجرد تلطخ الثياب وتلوّثها بالطين من دون فرق بين أن يكون السجود والجلوس له وللتشهد حرجياً وأن لا يكون.

وفيه أوّلاً : أنّ السؤال عن الفرد النادر على تقدير تسليمه لا قبح فيه ، وإنّما القبيح حمل المطلق على الفرد النادر ، والمقام من قبيل الأوّل ، والفرق بين الأمرين لا يكاد يخفى.

وثانياً : أنّ مفروض السؤال إصابة المطر المستوجب لاستيعاب وجه الأرض ، وبطبيعة الحال لا يوجد معه مكان جاف بمقدار ما يسعه بدن المصلي حين صلاته في قيامه وقعوده وركوعه وسجوده ، فلا يكون ذلك من الفرد النادر. نعم لو أريد عدم وجدان موضع جاف لخصوص المسجد وموضع الجبهة تمت الندرة حينئذ ، لكنّ المراد ما ذكرناه كما لا يخفى.

وعليه ، فلا مقتضي لرفع اليد عن ظهور قوله : « لا يقدر .. » إلخ في إرادة عدم القدرة العرفية المساوقة للحرج.

فالإنصاف : أنّه لا دليل على جواز الانتقال إلى الإيماء بمجرد التلطخ‌


والثلوث ، بل الحكم خاص بمورد الحرج ، والمتعيّن في غيره السجود عملاً بإطلاق دليله.

الجهة الثانية : لو تحمّل الحرج في مورده فصلى مع السجود ، فهل يحكم بصحة الصلاة حينئذ؟

قد يقال بذلك كما اختاره الماتن قدس‌سره ، بدعوى أنّ دليل نفي الحرج حيث شرع لأجل الامتنان فلا يرتفع به إلا الإلزام دون أصل المحبوبية ، لعدم المنّة في رفعها ، فالمقتضي لصحة العبادة موجود ومعه لا وجه لفسادها.

أقول : قد تقدّم نظير الفرع في كتاب الطهارة (١) وهو ما لو كان الوضوء أو الغسل حرجياً فتحمّله وأتى بالطهارة المائية ، وقلنا هناك إنّ مقتضى القاعدة هو الحكم بالبطلان ، لأنّ دليل نفي الحرج حاكم على الأدلة الأوليّة وموجب لتخصيص موضوعاتها بغير موارد العسر والحرج ، فلا أمر في هذه الموارد ، وواضح أنّ الأمر تكليف بسيط وحداني لا ينحل خارجاً إلى طلب وإلزام كي يبقى الجنس بعد ارتفاع الفصل ، ولا طريق لنا إلى استكشاف الملاك من غير ناحية الأمر.

وعليه فبعد سقوطه ولو بدليل نفي الحرج ، لا دليل على وجود المقتضي لصحة العبادة كي يصح التعبد بها. نعم الدليل في خصوص موردي الوضوء والغسل موجود ، وهو ما دلّ على استحبابهما النفسي غير القابل لارتفاعه بدليل نفي الحرج بعد وضوح كون الحكمة في تشريعه هو الامتنان ، إذ لا منة في رفع الحكم الاستحبابي بعد كون المكلف مرخصاً في تركه ، فلا مانع من الإتيان بالطهارة المائية بقصد أمرها النفسي وإن استلزم الحرج ، لاتصافها حينئذ بالعبادية.

وبعبارة اخرى : للطهارة المائية حيثيّتان : حيثية الاستحباب النفسي ،

__________________

(١) شرح العروة ١٠ : ١١٥.


[١٣٧٤] مسألة ٢٦ : السجود على الأرض أفضل (١) من النبات والقرطاس ، ولا يبعد كون التراب أفضل من الحجر ، وأفضل من الجميع التربة الحسينية ، فإنها تخرق الحجب السبع وتستنير إلى الأرضين السبع.

[١٣٧٥] مسألة ٢٧ : إذا اشتغل بالصلاة وفي أثنائها فقد ما يصح السجود عليه قطعها في سعة الوقت ، وفي الضيق (١) يسجد على ثوبه القطن أو الكتّان أو المعادن أو ظهر الكف على الترتيب (٢) (٢).

______________________________________________________

وحيثية الوجوب الشرطي وتقيد الصلاة مثلاً بها ، والمرتفع بدليل الحرج إنما هي الحيثية الثانية المتضمنة للإلزام ووقوع المكلف في كلفة وضيق ، وأمّا الحيثية الأُولى فبما أنّه لا إلزام فيها والمكلف مخيّر بين الفعل والترك ، فلا يرتفع بذاك الدليل لعدم منّة في رفعه ، فعبادية العمل محرزة ، فيمكن التقرب به وإن تحمّل الحرج.

وأما غيرها ومنه المقام فحيث لم يكن في مورده إلا أمر واحد وقد سقط على الفرض ، فلم تحرز عباديته كي يحكم بصحته.

فالأقوى في المقام عدم صحة الصلاة مع السجود ، ولزوم الانتقال إلى الإيماء الثابت بدليته لدى سقوط الأمر بالسجود كما مرّ.

(١) لروايات (١) دلت عليه وعلى أفضلية التراب ، وكذا أفضلية التربة الحسينية ( على مشرّفها آلاف السلام والتحية ) وأنّها تخرق الحجب السبع وتستنير إلى الأرض كما لا يخفى على من لاحظها ، ولا يهم التعرض لها.

(٢) فصّل قدس‌سره حينئذ بين السعة والضيق ، فيقطعها في الأوّل ، وفي الثاني يسجد على ثوبه القطن أو الكتّان أو المعادن أو ظهر الكف على الترتيب.

__________________

(١) بأن لا يتمكن من إدراك ركعة جامعة للشرائط.

(٢) على النحو المتقدّم [ في المسألة ١٣٧١ ].

(١) راجع الوسائل ٥ : ٣٦٧ / أبواب ما يسجد عليه ب ١٧ ، ٣٦٥ ب ١٦.


أقول : قد عرفت أنّ الترتيب المزبور لا دليل عليه ، وعليه ففي الضيق حتى عن درك ركعة واحدة مشتملة على السجود على ما يصح السجود عليه إن تمكّن من السجود على الثوب مطلقاً ، وإلا فيسجد على كل ما يمكن السجود عليه من دون ترتيب.

وأما في السعة ، فالصحيح هو ما أفاده من وجوب القطع ، من غير فرق بين قدرته فعلاً على ما يصح السجود عليه لوجوده عنده في مكان آخر وبين عدم قدرته عليه إلا بانتظار زمان آخر قبل خروج الوقت. وبعبارة اخرى : لا فرق في ذلك بين الأفراد العرضية والطولية ، والوجه في ذلك : أنّ الواجب عليه هو الصلاة المشتملة على السجود على ما يصح السجود عليه في مجموع الوقت ، والمفروض قدرته على هذه الطبيعة ، فلا وجه لسقوط أمرها. فكلّ ما صدقت عليه هذه الطبيعة يحكم بصحته وإلا فلا ، وحيث لا يمكنه تطبيقها على هذا الفرد فلا يسعه الاجتزاء به ، لعدم تحقق الامتثال المنتزع من مطابقة المأتي به مع المأمور به ، وعليه فالصلاة بنفسها باطلة ومحكومة بالفساد ، فإنه في باب العبادات عبارة عن عدم انطباق المأمور به على المأتي به ، كما أنّ الصحة عبارة عن تطابقهما ، وهذا هو المراد من وجوب القطع في المقام كما لا يخفى.

وربما يفصّل بين الأفراد العرضية والطولية ، فيحكم بالفساد في الأوّل لما ذكر ، وأما في الثاني فيبتني على جواز البدار لذوي الأعذار وعدمه ، والمختار هو الثاني ، إلا أن تكون لدليل البدلية خصوصية تقتضي الجواز ، ونصوص المقام من هذا القبيل ، لإطلاقها من حيث التمكن مما يسجد عليه فيما بعد وعدمه ، بل إنّ بعضها كالصريح في الأوّل ، فإنّ حرارة الرمضاء المانعة عن السجود على الحصى إنما تكون في أوائل وقت الظهر فجوّز عليه‌السلام البدار إلى السجود على الثوب مع زوال العذر بعدئذ والتمكن من الفرد الطولي.

ويرد عليه : بعد تسليم الإطلاق في هذه الأخبار ، فإنّها مسوقة لبيان أصل مشروعية البدل ولا نظر فيها إلى التمكن بعدئذ وعدمه حتى ينعقد الإطلاق‌


كما لا يخفى ، وبعد الغض عن أنّ مواردها هي التقية كما عرفت التي يكتفى فيها بالمعذورية حين العمل وإن ارتفع العذر بعدئذ ، فلا يتعدى إلى غيرها من بقية الأعذار ، فبعد الغض عن كل ذلك.

يتوجه عليه أوّلاً : أنّ الإطلاق في هذه الأخبار معارض بالإطلاق في موثقة عمار ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصلي على الثلج ، قال : لا ، فان لم يقدر على الأرض بسط ثوبه وصلى عليه » (١) ، فانّ تعليق الانتقال إلى الثوب على عدم القدرة على الأرض بقول مطلق من غير تقييد بالعجز الفعلي ، يقتضي كون المعلّق عليه هو عدم القدرة على سبيل الإطلاق الشامل للأفراد العرضية والطولية ، إذ مع التمكن من الفرد الطولي لا يصدق أنّه غير قادر على الأرض كما لا يخفى.

وموردها وإن كان هو الثلج لكنه لا خصوصية له قطعاً ، بل الموضوع كلّ من لم يكن قادراً على السجود على الأرض إما لأجل الثلج أو لجهة أُخرى.

ويؤيّد الموثق : خبر علي بن جعفر قال : « سألته عن الرجل يؤذيه حرّ الأرض وهو في الصلاة ولا يقدر على السجود ، هل يصلح له أن يضع ثوبه إذا كان قطناً أو كتّاناً؟ قال : إذا كان مضطراً فليفعل » (٢) وإن كان ضعيف السند لمكان عبد الله بن الحسن ، فإن إطلاق الاضطرار يعم الفرد الطولي كالعرضي.

وثانياً : أنّ الإطلاق المدعي لو تمّ لعمّ وشمل الأفراد العرضية كالطولية بمناط واحد ، فما هو الموجب لاختصاصه بالثانية.

فتحصل : أنّ التفصيل المزبور لا وجه له ، بل الصواب التفصيل بين الضيق والسعة على النهج الذي عرفت.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٦٤ / أبواب مكان المصلي ب ٢٨ ح ٢.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٥٢ / أبواب ما يسجد عليه ب ٤ ح ٩.


[١٣٧٦] مسألة ٢٨ : إذا سجد على ما لا يجوز باعتقاد أنه مما يجوز ، فان كان بعد رفع الرأس مضى ولا شي‌ء عليه (١) (١).

______________________________________________________

(١) هذا وجيه بناء على ما هو المشهور بينهم من أنّ الوضع على ما يصح السجود عليه واجب حال السجود ، بحيث يكون السجود ظرفاً للواجب على سبيل تعدد المطلوب ، وذلك لفوات المحل بمجرد رفع الرأس ، بعد أن كان المحل هو طبيعي السجود المنطبق على صرف الوجود المنقطع بالرفع المزبور ، إذ لا سبيل حينئذ للتدارك إلا بإعادة الصلاة المنفية بحديث لا تعاد ، لاندارج الواجب المذكور في عقد المستثنى منه من الحديث.

وأما بناء على ما هو الأصح من كونه قيداً فيه على نحو وحدة المطلوب ، بأن يكون السجود المأمور به حصة خاصة وهي المتقيّدة بذلك على ما هو شأن الارتباطية الملحوظة بين أجزاء المركب من تقيّد كل جزء بالمسبوقية أو الملحوقية أو المقارنة بما سبقها أو يلحقها أو يقارنها من سائر الأجزاء كما تقدم في مطاوي هذا الشرح غير مرّة فلا مناص حينئذ من إعادة السجود ، لمكان عدم انطباق المأمور به على المأتي به ، وإن كان الأحوط إعادة الصلاة أيضاً لاحتمال كونه من الزيادة العمدية.

هذا كله فيما إذا كانت الغلطة في سجدة واحدة.

وأما إذا كانت في السجدتين معاً ، فلا حاجة إلى الإعادة على مبنى الظرفية ، سواء كان التذكّر قبل الدخول في الركوع أم بعده ، لفوات المحل حسبما عرفت.

وأما على مسلك القيدية ، فقد يكون التذكر قبل الدخول في الركوع وقد يكون بعده.

__________________

(١) فيه إشكال ، والأحوط إعادة السجدة الواحدة حتى إذا كانت الغلطة في سجدتين ثم إعادة الصلاة.


وإن كان قبله جرّ جبهته (١) إن أمكن (١) ،

______________________________________________________

أمّا في الموضع الأوّل : فتارةً نبني على أنّ المراد من السجود في عقد الاستثناء من حديث لا تعاد هو ذات السجود ، أعني ما صدق عليه السجود عرفاً ، المتحقق بمجرد وضع الجبهة على الأرض سواء كانت ممّا يصح السجود عليه شرعاً أم لا. وأُخرى نبني على أنّ المراد خصوص السجود الشرعي.

فعلى الأوّل ، وهو الأظهر على ما بيناه في محله (١) لا سبيل لإعادة السجدتين ، للزوم زيادة الركن. نعم لا محيص من إعادة السجدة الثانية خاصة ، لانكشاف فسادها مع بقاء محل التدارك وانتفاء المحذور المزبور ، وأما الأولى فيحكم بصحتها (٢) بمقتضى حديث لا تعاد بعد امتناع تداركها واندراجها في عقد المستثنى منه.

كما أنّه على الثاني لا محيص من إعادتهما معاً لعين ما ذكر ، ضرورة عدم الزيادة في السجود الشرعي الذي هو المدار في تحقق الركن حسب الفرض ، وإن كان الأحوط إعادة الصلاة بعد ذلك لاحتمال كونه من الزيادة العمدية حسبما سبق.

وأمّا في الموضع الثاني : فلا مناص من إعادة الصلاة ، للزوم زيادة الركن لو تدارك ، ونقيصته لو لم يتدارك كما لا يخفى.

(١) إلى ما يصح السجود عليه لبقاء المحل.

ولكنه لا يستقيم بناءً على ما هو الأصح من اعتبار الإحداث وإيجاد السجود بعد ما لم يكن ، وعدم كفاية الإبقاء.

__________________

(١) لا يبعد وجوب الرفع والوضع على ما يصح السجود عليه مع التمكن وسعة الوقت ، والأحوط إعادة الصلاة بعد ذلك.

(١) بعد المسألة [١٦٠٨] فصل في السجود.

(٢) ولكنه ( دام ظله ) ناقش في ذلك في مبحث السجود لاحظ [ المسألة ١٦١٨ ].


وإلا قطع الصلاة في السعة ، وفي الضيق (١) أتم على ما تقدم (١) (٢) إن أمكن ، وإلا اكتفى به.

______________________________________________________

ويعضده : أنّ لازم الكفاية جواز الجرّ حتى في صورة الالتفات والعمد ، بأن يسجد ابتداء على ما [ لا ] يصح عامداً ثم يجرّ ، وهو كما ترى.

نعم ، ثبت الجرّ في بعض الموارد بالنص الخاص (١) ، لكنه لمّا كان على خلاف القاعدة لم يكن بدّ من الاقتصار على مورده وعدم التعدي عنه.

(١) أي العجز عن إدراك ركعة واحدة جامعة للشرائط حسبما تقدم في المسألة السابقة.

(٢) وقد تقدم ما هو الأصح في كيفية الترتيب في المسألة الثالثة والعشرين فلاحظ (٢).

__________________

(١) على ما مرّ من جهة الترتيب ومعنى الضيق [ في المسألة ١٣٧١ ، ١٣٧٥ ].

(١) الوسائل ٦ : ٣٥٣ / أبواب السجود ب ٨ ح ١ ، ٢.

(٢) ص ١٦٧.


فصل

في الأمكنة المكروهة

وهي مواضع ، أحدها : الحمام وإن كان نظيفاً (١).

______________________________________________________

(١) على المشهور ، بل ادعي عليه الإجماع في بعض الكلمات وعن أبي الصلاح الحلبي الحرمة وإن تردد في فساد الصلاة (١).

ومستند الحكم جملة من النصوص تضمنت النهي عن الصلاة في الحمام غير أنّها برمّتها ضعيفة السند ما عدا رواية واحدة رواها الشيخ بإسناده عن عبيد بن زرارة قال « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : الأرض كلها مسجد إلا بئر غائط أو مقبرة أو حمام » (٢) فإنّ الطريق وإن اشتمل على سليمان مولى طربال وقد وقع الكلام في اتحاده مع سليم الفراء الذي وثقه النجاشي صريحاً (٣) وعدمه ، إلا أنّه ثقة على التقديرين لوقوعه في أسانيد كامل الزيارات (٤).

فلو كنا نحن وهذه المعتبرة لحكمنا بحرمة الصلاة كما يرتئيها أبو الصلاح ، إلا‌

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١٤١.

(٢) الوسائل ٥ : ١١٨ / أبواب مكان المصلي ب ١ ح ٤ ، الإستبصار ١ : ٤٤١ / ١٦٩٩.

(٣) رجال النجاشي : ١٩٣ / ٥١٦.

(٤) وقد اشتمل أيضاً على القاسم بن محمد وهو الجوهري ولا توثيق له أيضاً إلا من جهة الكامل ، ولكنه لا ينفع حسب رأيه الأخير ( دام ظله ) لعدم كونهما من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة.


أنّ بإزائها بعض النصوص الظاهرة في الجواز كصحيحة علي بن جعفر « أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر عليه‌السلام عن الصلاة في بيت الحمام فقال : إذا كان الموضع نظيفاً فلا بأس ، يعني المسلخ » (١).

ورواية عمار قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في بيت الحمام قال : إذا كان موضعاً نظيفاً فلا بأس ». (٢) وقد عبّر عنها بالموثقة في كلمات القوم ، وليس كذلك ، فانّ في الطريق علي بن خالد ولم يوثق. وكيف ما كان فقد جمع المحقق الهمداني قدس‌سره بينهما بحمل الاولى على الموضع غير النظيف ، والأخيرتين على الموضع النظيف حسبما صرح فيهما بذلك (٣).

وفيه أوّلاً : أنّ لازم ذلك إلغاء عنوان الحمام وكون الاعتبار بنظافة المكان والتجنب عن كلّ موضع معرض للنجاسة ، ولعلّ من أبرز مصاديقه مذابح الحيوانات التي هي أشدّ نجاسة من الحمام ، فلا خصوصية لذكره. مع أنّ الظاهر أنّ للحمام خصوصية في هذا الحكم.

وثانياً : أنّه بناء عليه لم يبق مدرك للكراهة ، ضرورة أن الموضع النظيف تجوز الصلاة فيه من غير كراهة ، وغيره لا يجوز فما هو مستند الكراهة (٤).

فالصحيح حمل الاولى على الكراهة بقرينة الأخيرتين مع الاختصاص بالموارد النظيفة (٥) ، وأمّا غيرها فلا يجوز ، فانّ هذا هو الأوفق في مقام الجمع بحسب النظر العرفي كما لا يخفى.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٧٦ / أبواب مكان المصلي ب ٣٤ ح ١.

(٢) الوسائل ٥ : ١٧٧ / أبواب مكان المصلي ب ٣٤ ح ٢.

(٣) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ١٨٥ السطر ٣٣.

(٤) لو أراد المحقق الهمداني قدس‌سره من الموضع غير النظيف خصوص ما تكون نجاسته غير مسرية لم يرد عليه شي‌ء من الإشكالين كما لا يخفى.

(٥) ليت شعري كيف يجمع بين الحملين مع ارتفاع التعارض البدوي بأحدهما ، والمعروف بينهم أنّ الجمع بحسب المادة كالتخصيص مقدّم على الجمع بحسب الهيئة كحمل النهي على الكراهة.


حتى المسلخ منه عند بعضهم (١).

______________________________________________________

(١) كما عن النهاية (١) والأردبيلي (٢) استناداً إلى شمول الحمام الوارد في النص له ، ولكنّ المشهور أنكروا ذلك ، نظراً إلى تفسير بيت الحمام بالمسلخ ، ونفي البأس عنه في صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة.

وهو وجيه لو كان التفسير من الامام عليه‌السلام ، أو من الراوي ، ولكنه غير واضح ، لجواز كونه من الصدوق نفسه (٣) ، على ما هي عادته من إبداء نظره عقيب نقل الرواية.

ويعضده مضافاً إلى خلوّ موثقة عمار المتحدة مضموناً مع الصحيحة عن هذا التفسير أنّ الذي يكون معرضاً للنجاسة بحيث يحتاج إلى التقييد بالنظافة إنما هو المغتسل دون المسلخ ، ضرورة أنّ شأنه شأن سائر الأمكنة مما هو خال عن المعرضية. فلا يحسن التقييد بنظافة المكان الذي تضمنه النص ، وهذا خير شاهد على أنّ المراد من الحمام داخله لا مسلخه ومنزعه ، وأنّ التفسير المزبور اجتهاد من الصدوق نفسه. هذا ، ولا أقل من الإجمال لتطرق احتماله بلا إشكال ، فتسقط عن الاستدلال ، ونبقى نحن وإطلاق موثقة عمار وصحيحة عبيد الشامل للمسلخ وغيره والمعتضد بالانسباق العرفي ، حيث يطلق عليهما معاً في العصر الحاضر من غير تخصيص بأحدهما ، وقد عرفت أنّ مقتضى الجمع بينهما الحمل على الكراهة ، فتكون النتيجة ما ذكره في النهاية من شمول الكراهة لهما معاً ، هذا.

ولكن الذي يهوّن الخطب عدم ثبوت كلمة « أو حمام » في متن الصحيحة ، فإنّ الشيخ وإن رواها في الاستبصار كذلك حسبما تقدم (٤) ، ولكنه ( قدس‌سره )

__________________

(١) النهاية : ٩٩.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ١٣٥.

(٣) الفقيه ١ : ١٥٦ / ٧٢٧.

(٤) في ص ١٨٥.


ولا بأس بالصلاة على سطحه (١). الثاني : المزبلة. الثالث : المكان المتخذ للكنيف ولو سطحاً متخذاً لذلك. الرابع : المكان الكثيف الذي يتنفر منه الطبع. الخامس : المكان الذي يذبح فيه الحيوانات أو ينحر. السادس : بيت المسكر (٢). السابع : المطبخ وبيت النار. الثامن : دور المجوس ، إلا إذا رشّها ثم صلى فيها بعد الجفاف. التاسع : الأرض السبخة.

______________________________________________________

رواها بعين السند والمتن في التهذيب (١) خالية عن هذه الكلمة ، فلم يعلم صدورها عن المعصوم عليه‌السلام.

وتقديم أصالة عدم الزيادة لدى الدوران بينها وبين النقيصة ، نظراً إلى غلبة السقط على التصرف الزائد ، مدفوع بأنّ غايته الظن ، وهو لا يغني عن الحق شيئاً.

إذن فالمنع عن الصلاة في الحمّام لم يثبت من أصله في رواية معتبرة كي تصل النوبة إلى الجمع بينه وبين دليل الجواز بالحمل على الكراهة. فلم يبق لدينا ما يدل على الكراهة إلا الروايات الضعيفة ، فإن بنينا على التسامح في أدلة السنن وعمّمناه للمكروهات ثبتت الكراهة في المقام ، وإلا فلا ، وحيث إنّ الأظهر هو الثاني كما بينّاه في الأُصول (٢) فالحكم غير ثابت من أصله.

(١) كما صرّح به جماعة ، لانصراف النص عنه فلا دليل على الكراهة بالإضافة إليه.

(٢) وعن بعضهم عدم الجواز ، ومستند الحكم موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : لا تصل في بيت فيه خمر أو مسكر » (٣).

وغير خفي أنّ بين العنوان الثابت في المتن والوارد في النص عموماً من‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٥٩ / ٧٢٨.

(٢) مصباح الأُصول ٢ : ٣١٩.

(٣) الوسائل ٥ : ١٥٣ / أبواب مكان المصلّي ب ٢١ ح ١.


العاشر : كل أرض نزل فيها عذاب أو خسف. الحادي عشر : أعطان الإبل وإن كنست ورشّت (١).

______________________________________________________

وجه ، لظهور بيت المسكر فيما أُعدّ لصنعه أو الادخار فيه ، سواء أكان المسكر موجوداً فيه بالفعل أم لا على العكس مما هو الظاهر من بيت فيه مسكر ، إلا أنّه يتعدى عن مورد النص إلى الأوّل لمكان التعليل الوارد في ذيله وهو قوله عليه‌السلام : « لأن الملائكة لا تدخله » (١) ، فإن الملائكة إذا لم تدخل بيتاً فيه خمر لا تدخل ما أُعدّ لصنعه أو ادخاره بمناط واحد لو لم يكن أقوى. ومنه تعرف وجه الحكم بالكراهة بالرغم من ظهور النهي في التحريم ، إذ التعليل المزبور يناسب الكراهة كما لا يخفى ، فالقول به ساقط.

(١) يقع الكلام في تفسير الموضوع أوّلاً ثم في بيان الحكم.

أما الموضوع ، فالذي يظهر من اللغويين اختصاص المعاطن بمبارك الإبل حول الماء ، أي المحل الذي تمكث فيه للشرب. قال في الصحاح : العطن والمعطن واحد الأعطان والمعاطن ، وهي مبارك الإبل عند الماء ، لتشرب علا بعد نهل (٢). وفي القاموس العطن محرّكة وطن الإبل ومنزلها حول الحوض (٣).

لكن الذي يظهر من غير واحد أنّه في عرف الفقهاء أوسع من ذلك ، فقد صرّح ابن إدريس في السرائر بعد تفسير المعطن بما ذكر بما لفظه « هذا حقيقة المعطن عند أهل اللغة ، إلا أنّ أهل الشرع لم يخصصوا بمبرك دون مبرك (٤).

إذن فلا يختص بموضع الشرب ، بل يعمّ المبارك التي تأوي الإبل إليها‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٤٧٠ / أبواب النجاسات ب ٣٨ ح ٧.

(٢) الصحاح ٦ : ٢١٦٥.

(٣) القاموس ٤ : ٢٤٨.

(٤) السرائر ١ : ٢٦٦.


وتستريح دائماً ، وهذا هو الصحيح ويشهد له أمران :

أحدهما : أنّ المنسبق من النصوص الناهية عن الصلاة في معاطن الإبل أنّ الوجه فيه استقذار المكان لأجل تلوّثه بالبول والروث ، وهذا المناط يشترك فيه الموضعان ، بل لعلّه في مواطن الاستراحة أقوى وأشدّ من مواضع الشرب.

ثانيهما : ما سيأتي في النصوص من تجويز الصلاة في أعطان الإبل لدى خوف ضياع المتاع ، فانّ من الواضح أنّ هذا الخوف إنّما هو في مساكن الإبل ومقرّها الدائمي حيث يوضع المتاع هناك غالباً ، فيكون معرضاً للضياع ومقصداً للصوص ، دون مواضع الشرب التي تبرك الإبل فيها قليلاً ثم تعود.

وكيف ما كان ، فلا ينبغي الإشكال في عموم الموضوع في اصطلاح الشرع.

وأما الحكم ، فالمشهور كراهة الصلاة فيها. وعن أبي الصلاح (١) ، وظاهر المقنعة (٢) التحريم ، أخذاً بظاهر النهي الوارد في جملة من الروايات كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته ... إلى أن قال ـ : لا تصلّ في أعطان الإبل الا أن تخاف على متاعك الضيعة فاكنسه ورشّه بالماء وصلّ فيه » (٣).

وصحيحة محمد بن مسلم قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في أعطان الإبل ، قال : إن تخوّفت الضيعة على متاعك فاكنسه وانضحه ... » إلخ ونحوهما موثقة سماعة ، وصحيحة علي بن جعفر (٤).

ولكن الصحيح لزوم حمله على الكراهة كما فهمه المشهور ، لعدم كشف النهي المزبور عن خساسة في المحل مانعة عن صحة الصلاة ، وإلا لما ارتفعت بالكنس والرش ، وإنما هو من أجل استقذاره وتلوثه بالبول والروث ، وحيث‌

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١٤١.

(٢) المقنعة : ١٥١.

(٣) الوسائل ٥ : ١٤٥ / أبواب مكان المصلي ب ١٧ ح ٢.

(٤) الوسائل ٥ : ١٤٤ / أبواب مكان المصلي ب ١٧ ح ١ ، ٤ ، ٦.


الثاني عشر : مرابط الخيل والبغال والحمير والبقر ومرابض الغنم (١). الثالث عشر : على الثلج والجمد (٢).

______________________________________________________

لا يحتمل بطلان الصلاة في المكان القذر ، فلا جرم يحمل النهي على التنزيه باعتبار أنّ الصلاة عبادة ينبغي الإتيان بها في مكان نظيف.

ويعضده : أنّ المسألة عامّة البلوى وكثيرة الدوران لا سيما في الأزمنة السالفة فلو كان المنع ثابتاً لاشتهر وبان وشاع وذاع ، فكيف لم يذهب إليه إلا نفر يسير ممّن عرفت.

(١) أمّا مرابض الحمير فلم ترد إلا في مقطوعة سماعة « قال : لا تصلّ في مرابط الخيل والبغال والحمير » (١) فلا يعتمد عليها بعد عدم إسنادها إلى المعصوم عليه‌السلام على أنّ في عثمان بن عيسى الراوي عنه كلاماً ، وإن كان الأظهر وثاقته ، بل قيل إنّه من أصحاب الإجماع ، ولكنه لم يثبت.

وأمّا مرابض البقر والغنم فقد وردت كأعطان الإبل في موثقة سماعة المتقدمة (٢) وقد عرفت الحال فيها.

وأمّا مرابض الخيل والبغال فقد ورد النهي عنها مطلقاً في تلك الموثقة أيضاً ، ولكنه إما محمول على التقية ، لما يرتؤونه من نجاسة بولهما وروثهما ، أو على الكراهة من أجل استقذار المكان. على أنّ المسألة عامّة البلوى وكثيرة الدوران ، فلا يحتمل في مثلها الحرمة حسبما عرفت آنفاً.

(٢) أما السجود عليهما فقد مرّ سابقاً (٣) عدم جوازه ، فإنهما ماء منجمد ، ولا يصح السجود على غير الأرض ونبتها.

وأمّا الصلاة فقد ذهب المشهور إلى الكراهة ، استناداً إلى موثق عمار في حديث قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصلي على الثلج ،

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٥ : ١٤٥ / أبواب مكان المصلي ب ١٧ ح ٣ ، ٤.

(٣) في ص ١٧٠.


الرابع عشر : قرى النمل وأوديتها وإن لم يكن فيها نمل ظاهر حال الصلاة. الخامس عشر : مجاري المياه وإن لم يتوقع جريانها فيها فعلاً ، نعم لا بأس بالصلاة على ساباط تحته نهر أو ساقية ، ولا في محلّ الماء الواقف. السادس عشر : الطرق وإن كانت في البلاد ما لم تضر بالمارّة (١).

______________________________________________________

قال : لا ، فإن لم يقدر على الأرض بسط ثوبه وصلى عليه » (١) ، بل قيل إنّه لولا الإجماع على عدم الحرمة لقلنا بها ، لظهور النهي في التحريم.

لكن الظاهر أنّ الرواية أجنبية عن المقام ولا دلالة لها على الكراهة فضلاً عن الحرمة التي لا قائل بها. وإنما تعرّضنا لهذا الفرع دفعاً لهذا التوهم ، وذلك لأن الظاهر أنّ السؤال عن الصلاة باعتبار السجود على الثلج لا مجرد إيقاع الصلاة عليه ، إذ لا مقتضي لتوهم المنع في الثاني بخلاف الأوّل حيث ذهب العامة إلى جوازه ، فالموثق سؤالاً وجواباً ناظر إلى السجود دون أصل الصلاة.

ويشهد لما ذكرناه قوله عليه‌السلام في الذيل « فان لم يقدر على الأرض بسط ثوبه » فإنّ الصلاة على الثوب جائزة مطلقاً من دون توقف على العجز عن الأرض بالضرورة ، بخلاف السجود عليه ، فإنه مشروط بفقد ما يصح السجود عليه من الأرض ونباتها كما مرّ سابقاً (٢).

وبالجملة : وزان الموثق وزان بقية الأخبار الدالة على جواز السجود على الثوب لدى العجز عن الأرض ، فهي أجنبية عن محلّ الكلام بالكلية.

(١) على المشهور خلافاً لجمع منهم الصدوق (٣) والمفيد (٤) والشيخ (٥) حيث ذهبوا إلى الحرمة ، ومستند الحكم روايات عديدة :

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٦٤ / أبواب مكان المصلي ب ٢٨ ح ٢.

(٢) في ص ١٦٧.

(٣) الفقيه ١ : ١٥٦.

(٤) المقنعة : ١٥١.

(٥) النهاية : ١٠٠.


منها : صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث « قال : لا بأس أن تصلي بين الظواهر ، وهي الجوادّ جوادّ الطريق ، ويكره أن تصلي في الجوادّ » (١).

وصحيحة الحلبي : « سألته عن الصلاة في ظهر الطريق ، فقال : لا بأس أن تصلي في الظواهر التي بين الجواد ، فأمّا على الجواد فلا تصلّ فيها » (٢).

وصحيحة محمّد بن مسلم : قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام « عن الصلاة في السفر ، فقال : لا تصل على الجادة واعتزل على جانبيها » (٣).

وظاهر هذه النصوص هو الحرمة ، لكنّها محمولة على الكراهة ، لأنّ مناسبة الحكم والموضوع تقضي بأن النهي لم يكن لأجل منقصة ذاتية في الطريق مانعة عن صحة الصلاة ، وإنّما هو لأحد أمرين على سبيل منع الخلو :

إمّا المزاحمة للمارّة أو لكونه معرضاً للخطر وتوجه الضرر كما قد يؤيّد الثاني ما في رواية الخصال : « ثلاثة لا يتقبل الله لهم بالحفظ : رجل نزل في بيت خرب ، ورجل صلى على قارعة الطريق ... » إلخ (٤) فلو أمن المصلي من كلا الأمرين لم يكن محذور في البين. إذن فالمنع مستند إلى المعرضية لأحد الأمرين ، فيكون مناسباً للكراهة.

وتعضدها : موثقة الحسن بن الجهم عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام « قال : كل طريق يوطأ فلا تصلّ عليه ، قال قلت له : إنه قد روي عن جدّك أن الصلاة في الظواهر لا بأس بها ، قال : ذاك ربما سايرني عليه الرجل ، قال : قلت فان خاف الرجل على متاعه؟ قال : فان خاف فليصلّ » (٥) فانّ من الواضح أنّ التحريم لا يرتفع بمصاحبة الرجل ومسايرته في الطريق ، فيظهر أنّ النهي‌

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٥ : ١٤٧ / أبواب مكان المصلي ب ١٩ ح ١ ، ٢.

(٣) الوسائل ٥ : ١٤٨ / أبواب مكان المصلّي ب ١٩ ح ٥.

(٤) الوسائل ٥ : ١٤٨ / أبواب مكان المصلي ب ١٩ ح ٧ ، الخصال : ١٤١ / ١٦١.

(٥) الوسائل ٥ : ١٤٨ / أبواب مكان المصلي ب ١٩ ح ٦.


وإلا حرمت وبطلت (١). السابع عشر : في مكان يكون مقابلاً لنار مضرمة أو سراج (٢).

______________________________________________________

تنزيهي مستند إلى أحد الأمرين المزبورين ، ومن ثمّ يرتفع بوجود المصاحبة الموجب لحصول الأمن.

أضف إلى ذلك : أنّ المسألة عامة البلوى وكثيرة الدوران ، فلو كان التحريم ثابتاً لاشتهر وبان وشاع وذاع. فكيف ذهب المشهور الى خلافه ، فلا مناص من الالتزام بالكراهة.

(١) ينبغي التفصيل بين الطرق الواقعة في الأراضي المتسعة الباقية على إباحتها الأصلية ، فإنّه لا حرمة حينئذ ولا بطلان ، لجواز الانتفاع منها لأيّ أحد كيف ما شاء بعد أن كان الناس كلهم فيها شرعاً سواء. فكما يحق للمارّة المرور عليها فكذا للمصلين الصلاة فيها ، ولغيرهم الانتفاع بشكل آخر من غير أحقيّة لأحد بالإضافة إلى غيره.

وبين الطرق الواقعة في المدن الحضارية التي تحدثها الحكومة لغرض الاستطراق بحيث يستوجب حقاً عرفياً للمارّة مع فرض بقائها على الإباحة الأصلية ، فإنّ المزاحمة وإن حرمت حينئذ كما لا يخفى ، إلا أنّها لا تستوجب البطلان بعد افتراض إباحة المكان.

نعم ، لو فرض أنّ تلك الطرق موقوفة لهذه الغاية ولم تكن من المباحات الأصلية بطلت الصلاة حينئذ أيضاً ، لأنّ حكمها حكم الصلاة في الأرض الغصبية التي حكمنا فيها بالبطلان من جهة اتحاد المأمور به مع المنهي عنه حال السجود ، وامتناع التقرب بالمبغوض حسبما سبق في محله (١).

فتحصّل أن الصور ثلاث : فقد يثبت الحكم التكليفي والوضعي معاً ، وقد يثبت أحدهما دون الآخر ، وقد لا يثبت شي‌ء منهما.

(٢) لنصوص عمدتها صحيحة علي بن جعفر عن أبي الحسن ( عليه‌السلام )

__________________

(١) في ص ٧.


الثامن عشر : في مكان يكون مقابله تمثال ذي الروح ، من غير فرق بين المجسّم (١) وغيره ، ولو كان ناقصاً نقصاً لا يخرجه عن صدق الصورة والتمثال ، وتزول الكراهة بالتغطية.

______________________________________________________

قال : « سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي والسراج موضوع بين يديه في القبلة؟ قال : لا يصلح له أن يستقبل النار » (١).

وموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في حديث « قال : لا يصلي الرجل وفي قبلته نار أو حديد ، قلت : إله أن يصلي وبين يديه مجمرة شبه؟ قال : نعم ، فإن كان فيها نار فلا يصلي حتى ينحّيها عن قبلته. وعن الرجل يصلي وبين يديه قنديل معلّق فيه نار إلا أنّه بحياله ، قال : إذا ارتفع كان أشر لا يصلي بحياله » (٢).

وقد ذهب أبو الصلاح الحلبي إلى الحرمة أخذاً بظاهر النهي الوارد في النص (٣). ولكن الصحيح ما عليه المشهور من المصير إلى الكراهة ، فإن الصحيحة غير ظاهرة في الحرمة ، بل في الجامع بينها وبين الكراهة المصطلحة كما مرّ غير مرّة.

وأما الموثقة فهي وإن كانت ظاهرة فيها في بادئ الأمر ، لكن يوهنه عطف الحديد ، حيث لم يفت أحد بحرمة استقباله في الصلاة ، كما أنّ التعبير بالأشرّية الكاشف عن اختلاف المرتبة مما يناسب الكراهة. فهذا التعبير مع قرينة اتحاد السياق يستوجب رفع اليد عن الظهور المزبور ، والحمل على الكراهة.

ثم إن مقتضى إطلاق النص عدم الفرق في النار بين المضرمة وغيرها ، فالتقييد بها في المتن غير ظاهر الوجه.

(١) لصحيحة محمد بن مسلم قال : « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام أُصلّي‌

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٥ : ١٦٦ / أبواب مكان المصلي ب ٣٠ ح ١ ، ٢.

(٣) حكاه عنه في الحدائق ٧ : ٢٢٨.


التاسع عشر : بيت فيه تمثال وإن لم يكن مقابلاً له (١).

______________________________________________________

والتماثيل قدّامي وأنا أنظر إليها ، قال : لا ، اطرح عليها ثوباً » (١) ونحوها غيرها ، ولكنّها محمولة على الكراهة ، لعدم احتمال الحرمة في مسألة عامّة البلوى قد ذهب المشهور إلى خلافها كما مرّ غير مرّة.

(١) لم تثبت كراهة ذلك فضلاً عن الحرمة ، بل قد ورد الأمر بالجواز في ذيل الصحيحة المتقدمة من غير معارض لكي يحمل على الكراهة.

نعم ، يظهر من بعض النصوص كراهة وجود التماثيل في البيوت صُلي أم لا ، معلّلاً بعدم دخول الملائكة فيها التي منها صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : إنّ جبرئيل عليه‌السلام قال : إنّا لا ندخل بيتاً فيه صورة ولا كلب ، يعني صورة إنسان ، ولا بيتاً فيه تماثيل » (٢).

إذن لا بأس بالالتزام بكراهة الصلاة فيها تجوّزاً من باب كراهة المكث فيها لا لخصوصية في الصلاة نفسها ، هذا.

وأمّا الصلاة على بساط فيه تماثيل ، فقد تضمّنت صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة (٣) جواز ذلك ، ونحوها غيرها ، إلا أنّ بإزائها ما يظهر منه خلافه ، وهي رواية سعد بن إسماعيل عن أبيه قال : « سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن المصلي والبساط يكون عليه التماثيل أيقوم عليه فيصلّي أم لا؟ فقال : والله إنّي لأكره ، وعن رجل دخل على رجل عنده بساط عليه تمثال ، فقال : أتجد هاهنا مثالاً؟ فقال : لا تجلس عليه ولا تصل عليه » (٤).

وهي إن تمّت سنداً حملت على الكراهة ، ولكنه لم يتم ، لأنّ سعداً لم يوثق لا هو ولا أبوه.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٧٠ / أبواب مكان المصلي ب ٣٢ ح ١.

(٢) الوسائل ٥ : ١٧٥ / أبواب مكان المصلي ب ٣٣ ح ٢.

(٣) ، (٤) الوسائل ٥ : ١٧٠ / أبواب مكان المصلي ب ٣٢ ح ١ ، ٣.


العشرون : مكان قبلته حائط ينزّ من بالوعة يبال فيها أو كنيف (١) وترتفع بستره.

______________________________________________________

وهناك روايات تضمّنت التفصيل بين العين والعينين كمرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في التمثال يكون في البساط فتقع عينك عليه وأنت تصلي ، قال إن كان بعين واحدة فلا بأس وإن كان له عينان فلا » (١).

ومرفوعته قال : « لا بأس بالصلاة والتصاوير تنظر إليه إذا كانت بعين واحدة » (٢).

وما رواه الصدوق بإسناده عن ليث المرادي « ... إن كان لها عين واحدة فلا بأس ، وإن كان لها عينان وأنت تصلي فلا » (٣).

ولكنها بأجمعها ضعيفة السند. أمّا الأُوليان فظاهر ، وأمّا الأخيرة فلجهالة طريق الصدوق إلى ليث المرادي.

(١) لروايات منها : ما رواه الصدوق بإسناده عن محمد بن أبي حمزة عن أبي الحسن الأوّل عليه‌السلام « قال : إذا ظهر النزّ من خلف الكنيف وهو في القبلة ، يستره بشي‌ء » (٤).

ومنها : مرسلة البزنطي « عمّن سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن المسجد ينزّ حائط قبلته من بالوعة يبال فيها ، فقال : إن كان نزّه من البالوعة فلا تصلّ فيه ، وإن كان نزّه من غير ذلك فلا بأس » (٥).

ومنها : ما عن البحار عن كتاب الحسين بن عثمان أنه قال : « روي عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : إذا ظهر النزّ إليك من خلف الحائط من كنيف في‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٧١ / أبواب مكان المصلي ب ٣٢ ح ٦.

(٢) الوسائل ٥ : ١٧٣ / أبواب مكان المصلي ب ٣٢ ح ١٣.

(٣) الوسائل ٥ : ١٧٢ / أبواب مكان المصلي ب ٣٢ ح ٨ ، الفقيه ١ : ١٥٩ / ٧٤٢.

(٤) الوسائل ٥ : ١٤٦ / أبواب مكان المصلي ب ١٨ ح ١ ، الفقيه ١ : ١٧٩ / ٨٤٧.

(٥) الوسائل ٥ : ١٤٦ / أبواب مكان المصلي ب ١٨ ح ٢.


وكذا إذا كان قدّامه عذرة (١). الحادي والعشرون : إذا كان قدّامه مصحف أو كتاب مفتوح أو نقش شاغل بل كل شي‌ء شاغل (٢).

______________________________________________________

القبلة سترته بشي‌ء » (١).

والكل ضعيف ، أمّا الأُولى فلجهالة طريق الصدوق إلى محمد بن أبي حمزة.

وأمّا الثانية فللإرسال. وأمّا الثالثة فلضعف طريق البحار. إذن فلا دليل على الكراهة إلا من باب التسامح لو قلنا بشموله للمقام.

(١) لرواية الفضيل بن يسار قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أقوم في الصلاة فأرى قدّامي في القبلة العذرة ، قال : تنحّ عنها ما استطعت ولا تصلّ على الجواد » (٢) ولكنّها ضعيفة بسهل بن زياد (٣).

(٢) يستدل له بروايتين :

إحداهما : موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قلت في الرجل يصلّي وبين يديه مصحف مفتوح في قبلته ، قال : لا ، قلت فان كان في غلاف ، قال : نعم » (٤).

ثانيهما : رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل هل يصلح له أن ينظر في نقش خاتمه وهو في الصلاة كأنه يريد قراءته أو في المصحف ، أو في كتاب في القبلة؟ قال : ذلك نقص في الصلاة وليس يقطعها » (٥).

لكنّ الأُولى قاصرة الدلالة ، لجواز كون النهي من أجل بقاء القرآن معطّلاً وبلا قراءة ، وهو نوع هتك له ، ولذا جوّزه عليه‌السلام لو كان في غلاف ،

__________________

(١) [ لم نجده في البحار وإنما وجدناه في المستدرك ٣ : ٣٣٨ / أبواب مكان المصلي ب ١٣ ح ١ ].

(٢) الوسائل ٥ : ١٦٩ / أبواب مكان المصلي ب ٣١ ح ١.

(٣) نعم ، ولكنها مروية في المحاسن [ ٢ : ١١٣ / ١٠٩ بطريق صحيح لا غمز فيه ].

(٤) الوسائل ٥ : ١٦٣ / أبواب مكان المصلي ب ٢٧ ح ١ ، ٢.

(٥) الوسائل ٥ : ١٦٣ / أبواب مكان المصلي ب ٢٧ ح ١ ، ٢.


الثاني والعشرون : إذا كان قدّامه إنسان مواجه له (١). الثالث والعشرون : إذا كان مقابله باب مفتوح (٢). الرابع والعشرون : المقابر (٣).

______________________________________________________

وليس ذلك من جهة الحزازة في الصلاة نفسها ، فلا يمكن الاستدلال بها للكراهة في محل الكلام.

وأما الثانية : فهي ضعيفة السند بعبد الله بن الحسن. نعم لا بأس بذلك بناء على قاعدة التسامح لو قيل بها وبشمولها للمقام.

(١) لرواية علي بن جعفر قال : « وسألته عن الرجل يكون في صلاته ، هل يصلح أن تكون امرأة مقبلة بوجهها عليه في القبلة قاعدة أو قائمة؟ قال : يدرؤها عنه ، فان لم يفعل لم يقطع ذلك صلاته » (١).

وما في دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام « أنه كره أن يصلي الرجل ورجل بين يديه قائم » (٢) وحيث إنّ سنديهما ضعيف كما لا يخفى ، فالحكم مبني على قاعدة التسامح.

(٢) ذهب إليه أبو الصلاح الحلبي (٣) ، ولكنه لم يظهر له أيّ مستند كما اعترف به غير واحد ، منهم صاحب الحدائق (٤). ومن ثم التجأ المحقق في المعتبر (٥) إلى القول بأنّه أي أبو الصلاح أحد الأعيان ، فلا بأس باتباع فتواه ، وغرضه قدس‌سره بذلك التمسك بقاعدة التسامح بناءً على التعدي إلى قول الفقيه.

(٣) نصوص المقام على طوائف ثلاث :

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٨٩ / أبواب مكان المصلي ب ٤٣ ح ٣.

(٢) المستدرك ٣ : ٣٣٢ / أبواب مكان المصلي ب ٤ ح ٢ ، دعائم الإسلام ١ : ١٥٠.

(٣) حكاه عنه في التذكرة ٢ : ٠٤١١‌

(٤) الحدائق ٧ : ٢٣٨.

(٥) المعتبر ٢ : ١١٦.


الاولى : ما تضمّن نفي البأس مطلقاً كصحيحة علي بن جعفر « عن الصلاة بين القبور هل تصلح؟ فقال : لا بأس به » (١).

وصحيحة علي بن يقطين قال : « سألت أبا الحسن الماضي عليه‌السلام عن الصلاة بين القبور هل تصلح؟ قال : لا بأس » (٢).

الثانية : ما تضمّن نفي البأس شريطة عدم اتخاذ القبر قبلة كصحيحة معمّر ابن خلاّد عن الرضا عليه‌السلام « قال : لا بأس بالصلاة بين المقابر ما لم يتخذ القبر قبلة » (٣). وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام « قال : قلت له الصلاة بين القبور ، قال : بين خللها ولا تتخذ شيئاً منها قبلة ... » إلخ (٤).

الثالثة : ما تضمّن المنع إلا إذا كان الفصل بعشرة أذرع من كل جانب ، كموثقة عمّار « عن الرجل يصلي بين القبور ، قال : لا يجوز ذلك إلا أن يجعل بينه وبين القبور إذا صلى عشرة أذرع من بين يديه ، وعشرة أذرع من خلفه ، وعشرة أذرع عن يمينه ، وعشرة أذرع عن يساره ثم يصلي إن شاء » (٥) هذا.

والمشهور حملوا النهي في الأخيرة على الكراهة ، جمعاً بينها وبين نفي البأس الثابت في الأولتين على اختلاف مراتب الكراهة من حيث استقبال القبر وعدمه.

ولكن صاحب الحدائق (٦) خصّ الجواز بما عدا صورة الاستقبال ، فالتزم بالتحريم في هذه الصورة بعد استثناء قبور الأئمة عليهم‌السلام لما يرتئيه من أنّ ذلك هو مقتضى الجمع بين الطائفتين الأُوليين ، حملاً للمجمل على المفصّل والمطلق على المقيد.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٥٨ / أبواب مكان المصلي ب ٢٥ ح ١.

(٢) ، (٣) الوسائل ٥ : ١٥٩ / أبواب مكان المصلي ب ٢٥ ح ٤ ، ٣.

(٤) الوسائل ٥ : ١٦١ / أبواب مكان المصلي ب ٢٦ ح ٥.

(٥) الوسائل ٥ : ١٥٩ / أبواب مكان المصلّي ب ٢٥ ح ٥.

(٦) الحدائق ٧ : ٢٢٦.


الخامس والعشرون : على القبر (١).

______________________________________________________

وهو كما ترى ، إذ قلّما يوجد مكان فيما بين القبور لا يكون القبر قبلة للمصلي ، فيلزم حمل المطلق على الفرد النادر. فلا مناص من التعميم مع تأكد الكراهة في هذه الصورة كما عرفت. إلا أن يراد من اتخاذ القبر قبلة استقبالها بدلاً عن الكعبة المشرّفة كما قد يفعله بعض الجهلة بالنسبة إلى قبور الأئمة ، فتتجه الحرمة في هذه الصورة.

هذا مضافاً إلى أنّ ثبوت البأس المستفاد من مفهوم الصحيحة أعم من أن يكون على سبيل الكراهة أو الحرمة. وكيف ما كان فالجمع المزبور ضعيف.

وأضعف منه تقييد الأُوليين بالأخيرة لينتج اختصاص الجواز بما إذا كان البعد من كل جانب عشرة أذرع ، إذ لازم ذلك ابتعاد كل قبر عن غيره عشرين ذراعاً على الأقل بحيث يكون أحدهما أجنبياً عن الآخر. ومن البيّن أنّ افتراض ذلك في المقابر العامة والمواضع المتخذة مقبرة للموتى كوادي السلام ونحوه التي هي المنصرف من نصوص المقام من البعد والندرة بمكان ، فكيف يمكن حمل المطلقات على هذا الفرد النادر الذي يكاد لا يصدق على مثله عنوان الصلاة بين القبور ، ومن ثم احتمل بعضهم أن يكون الاستثناء في الموثقة من قبيل المنقطع.

وكيف ما كان فالحمل المزبور كسابقه أبعد بكثير مما صنعه المشهور من حمل الموثقة على الكراهة كما لا يخفى.

(١) من الواضح أنّ الموضوع لهذا الحكم هو عنوان الصلاة على القبر بوضع المساجد عليه وإن كان منفرداً ولم يكن معه قبر آخر ويستدل له بجملة من الأخبار كحديث النوفلي « قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الأرض كلها مسجد إلا الحمام والقبر » (١).

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٦٠ / أبواب مكان المصلي ب ٢٥ ح ٧.


السادس والعشرون : إذا كان القبر في قبلته ، وترتفع بالحائل (١).

______________________________________________________

ومرسلة عبد الله بن الفضل عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : عشرة مواضع لا يصلى فيها منها القبور » (١) بناء على أنّ المراد من القبور الجنس الشامل للواحد لا الجمع كي لا يصح الاستدلال بها للمقام.

ورواية يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى أن يصلى على قبره ... » إلخ (٢). ولكنها بأجمعها ضعاف السند كما لا يخفى ، فلا يصح الاستدلال بها ما عدا رواية واحدة وهي معتبرة عبيد ابن زرارة قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : الأرض كلها مسجد إلا بئر غائط أو مقبرة أو حمام » (٣). فان القاسم بن محمد الواقع في السند هو الجوهري ، وهو كسليمان مولى طربال من رجال كامل الزيارات (٤).

ومقتضى الجمود على ظاهرها عدم الجواز ، ولم يقل به أحد ، ومن ثم حملها بعضهم على أنّ سبب المنع ارتفاع القبر عن الأرض بأكثر من قدر لبنة ، أو كونه ممّا لا يصح السجود عليه ، ولكنه مخالف لما تقتضيه وحدة السياق من استناد المنع إلى خسّة الأرض وحزازته ، لا إلى وجود مانع خارجي.

ولا يبعد القول بأنّها ناظرة إلى السجود على القبر ، وبينه وبين الصلاة عليه التي هي محل الكلام عموم من وجه ، فهي أجنبية عن المدعى وخارجة عن المقام ، فليتأمل.

إذن فالقول بالكراهة مبني على قاعدة التسامح.

(١) لما تقدّم من صحيحتي معمّر بن خلاّد وزرارة ، وقد مرّ البحث‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٥٩ / أبواب مكان المصلي ب ٢٥ ح ٦.

(٢) الوسائل ٥ : ١٦٠ / أبواب مكان المصلي ب ٢٥ ح ٨.

(٣) الوسائل ٥ : ١١٨ / أبواب مكان المصلي ب ١ ح ٤.

(٤) عدل ( دام ظله ) عنه أخيراً ، لعدم كون الرجلين من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة.


السابع والعشرون : بين القبرين (١) من غير حائل (٢) ويكفي حائل واحد من أحد الطرفين.

______________________________________________________

حولهما (١).

(١) هذا بعنوانه لم يرد في شي‌ء من الأخبار ، وإنّما الوارد فيها عنوان « بين القبور » ومقتضى الجمود على ظاهر صيغة الجمع اعتبار أكثر من القبرين ، إلا أن يتعدى إليهما نظراً إلى ما ذكره في الجواهر من أنّ العبرة بالبينية من غير خصوصية للعدد (٢) وهو غير بعيد.

(٢) لم يرد لفظ الحائل في شي‌ء من نصوص الباب ، وإنّما استندوا إليه في رفع الكراهة لأجل انصراف النص مع وجوده نظراً إلى ارتفاع عنوان البينية مع تحقق الحائل.

وعليه فلا يكفي مطلق الحائل ، بل لا بدّ وأن يكون شيئاً معتداً به كجدار ونحوه بحيث لا يصدق معه العنوان المزبور عرفاً.

فما ذكره المحقق (٣) وغيره من كفاية حيلولة العنزة ، بل عن الروض (٤) قدر لبنة أو ثوب موضوع ونحوه ، في غاية الإشكال. فإنّ دعوى انصراف الأخبار عن مثل هذه الأُمور مما يطلق عليه الحائل توسعاً ، غير قابلة للتصديق. واكتفاء الشارع في ارتفاع الكراهة بمثل ذلك ، بل بوضع العصا في بعض الموارد كمن يصلي وقدّامه إنسان مواجه له لا يستدعي التعدي إلى المقام بعد عرائه عن النص وكون العبرة بصدق البينونة وعدمها كما عرفت ، فلا يقاس أحدهما بالآخر وإن عوّل عليه القائلون بالكفاية ظاهراً فلاحظ.

__________________

(١) في ص ٢٠٠.

(٢) الجواهر ٨ : ٣٥٨.

(٣) الشرائع ١ : ٨٦.

(٤) روض الجنان : ٢٢٨ السطر ٢٤.


وإذا كان بين قبور أربعة يكفي حائلان أحدهما في جهة اليمين أو اليسار والآخر في جهة الخلف أو الإمام ، وترتفع أيضاً ببعد عشرة أذرع من كل جهة فيها قبر. الثامن والعشرون : بيت فيه كلب غير كلب الصيد (١).

التاسع والعشرون : بيت فيه جنب (٢). الثلاثون : إذا كان قدّامه حديد من أسلحة أو غيرها (٣). الواحد والثلاثون : إذا كان قدّامه ورد عند بعضهم.

الثاني والثلاثون : إذا كان قدّامه بيدر حنطة أو شعير.

______________________________________________________

(١) لمرسلة الصدوق قال : « قال الصادق عليه‌السلام : لا يصلى في دار فيها كلب إلا أن يكون كلب الصيد » (١) ولكن ضعفها للإرسال يمنع عن صلوحها للاستدلال.

نعم ، ورد في غير واحد من الأخبار أنّ الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب (٢) ، الكاشف عن خسة المكان ، ولعلّ هذا المقدار كاف في الكراهة.

(٢) لما رواه البرقي في المحاسن بإسناده عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله « أنّ جبرئيل قال : إنّا لا ندخل بيتاً فيه كلب ولا جنب ولا تمثال يوطأ » (٣) ولكنها ضعيفة السند ، فتبتني الكراهة على قاعدة التسامح.

(٣) لموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث « قال : لا يصلي الرجل وفي قبلته نار أو حديد ... » إلخ (٤).

والجمود على ظاهرها يقتضي الحرمة بل الفساد ، وحيث لا قائل بذلك مع كثرة الابتلاء بالأسلحة من السيوف ونحوها لا سيّما في تلك الأعصار ، فلا جرم تحمل على الكراهة.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٧٥ / أبواب مكان المصلي ب ٣٣ ح ٤.

(٢) الوسائل ٥ : ١٧٤ / أبواب مكان المصلي ب ٣٣ ح ١ ، ٢ ، ٣.

(٣) الوسائل ٥ : ١٧٦ / أبواب مكان المصلي ب ٣٣ ح ٦ ، المحاسن ٢ : ٤٥٤ / ٢٥٦٨.

(٤) الوسائل ٥ : ١٦٦ / أبواب مكان المصلي ب ٣٠ ح ٢.


[١٣٧٧] مسألة ١ : لا بأس بالصلاة في البيع والكنائس وإن لم ترش (١) ، وإن كان من غير إذن من أهلها كسائر مساجد المسلمين.

______________________________________________________

(١) على المشهور من الجواز من غير كراهة ، ولا حاجة إلى الرش. وذهب بعضهم إلى الكراهة وارتفاعها بالرش ، ومنشأ الخلاف اختلاف الأخبار.

فقد دل بعضها على الجواز مطلقاً كصحيحة العيص بن القاسم قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن البِيَع والكنائس يصلى فيها؟ قال : نعم ، وسألته هل يصلح بعضها مسجداً؟ فقال : نعم » (١) هكذا في نسخة من التهذيب ، وفي نسخة اخرى « نقضها » ، بدل بعضها (٢) ، وكذلك في رواية الكافي (٣) وظاهرها بمقتضى الإطلاق عدم الحاجة إلى الرش.

وبإزائها ما يظهر منه الكراهة مع الرفع بالرش ، وهي صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن الصلاة في البِيَع والكنائس وبيوت المجوس ، فقال : رش وصل » (٤).

فإنّ المشهور حملوا الرش فيها على الأفضلية ، ولكنّ الاقتران ببيوت المجوس المحكومة بكراهة الصلاة فيها من دون الرش في عبارة المتن ، بعد وضوح عدم اشتراط صحة الصلاة بالرش وإن كان ظاهر النص هو الشرطية ، يكشف عن أنّ الأمر به لأجل رفع الكراهة بذلك.

فالنتيجة : أنّ هذه الصحيحة تستوجب التقييد في صحيحة العيص فيكون الجواز من غير كراهة مختصة بصورة الرش.

نعم ، قد يقال : إنّ لسان بعض الأخبار آب عن هذا التقييد كرواية الحكم‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٢١١ / أبواب أحكام المساجد ب ١٢ ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٢٢ / ٨٧٤ ( في النسخة الجديدة نقضها ).

(٣) الوسائل ٥ : ٢١٢ / أبواب مكان المساجد ب ١٢ ح ٢ ، الكافي ٣ : ٣٦٨ / ٣.

(٤) الوسائل ٥ : ١٣٨ / أبواب مكان المصلي ب ١٣ ح ٢.


[١٣٧٨] مسألة ٢ : لا بأس بالصلاة خلف قبور الأئمة عليهم‌السلام (١) ، ولا على يمينها وشمالها ، وإن كان الأولى الصلاة عند جهة الرأس (٢)

______________________________________________________

ابن الحكم قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول ، وسئل عن الصلاة في البيع والكنائس ، فقال : صلّ فيها قد رأيتها ما أنظفها ، قلت : أيصلى فيها وإن كانوا يصلون فيها؟ فقال نعم ، أما تقرأ القرآن ( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً ) صلّ إلى القبلة وغرّبهم » (١).

وفيه : مضافاً إلى ضعف السند لجهالة الحكم بن الحكم (٢) انّ الأمر لمّا كان وارداً موقع توهم الحظر كما يكشف عنه الذيل فلا دلالة له إلا على أصل الجواز القابل لاتصافه بالكراهة. إذن فلا تنافي بينه وبين ما تقدم مما يظهر منه اختصاص الجواز عن غير كراهة بصورة الرش حسبما عرفت.

(١) تقدم (٣) انّ الممنوع في لسان الأدلة ولو على سبيل الكراهة إنما هو الصلاة في المقابر أو بين القبور ، وأمّا الصلاة خلف القبر فلا منع إلا إذا اتخذه قبلة. ومع تسليم الكراهة فيستثنى من ذلك مراقد الأئمة الطاهرين عليهم‌السلام فقد نطق النص بجواز الصلاة خلف قبورهم ، ففي مكاتبة الحميري « ... وأمّا الصلاة فإنها خلفه ويجعله الامام ، ولا يجوز أن يصلي بين يديه لأنّ الإمام لا يتقدم ويصلي عن يمينه وشماله » (٤).

(٢) للروايات المستفيضة الناطقة باستحباب الصلاة عند رأس الحسين عليه‌السلام (٥) وفي موثقة ابن فضال : « رأيت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام الى أن قال ـ : فألزق منكبه الأيسر بالقبر قريباً من الأسطوانة المخلقة التي عند‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٣٨ / أبواب مكان المصلي ب ١٣ ح ٣.

(٢) المراد به الحكم بن الحكيم وهو ثقة لاحظ المعجم ٧ : ١٧٥ / ٣٨٥٨.

(٣) في ص ٢٠٠.

(٤) الوسائل ٥ : ١٦٠ / أبواب مكان المصلي ب ٢٦ ح ١.

(٥) المستدرك ١٠ : ٣٢٧ / أبواب المزار ب ٥٢ ح ٣ ، البحار ٩٨ : ١٨٦ ، ٢٠٠ ، ٢١٥.


على وجه لا يساوي الامام عليه‌السلام (١).

[١٣٧٩] مسألة ٣ : يستحب أن يجعل المصلي بين يديه سترة (٢) إذا لم يكن قدّامه حائط أو صف ، للحيلولة بينه وبين من يمرّ بين يديه إذا كان في معرض المرور ، وان علم بعدم المرور فعلاً. وكذا إذا كان هناك شخص حاضر. ويكفي فيها عود أو حبل أو كومة تراب ، بل يكفي الخط. ولا يشترط فيها الحلية والطهارة ، وهي نوع تعظيم وتوقير للصلاة ، وفيها إشارة إلى الانقطاع عن الخلق والتوجه إلى الخالق.

[١٣٨٠] مسألة ٤ : يستحب الصلاة في المساجد ، وأفضلها مسجد الحرام ، فالصلاة فيه تعدل ألف ألف صلاة ، ثم مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والصلاة فيه تعدل عشرة آلاف ، ومسجد الكوفة وفيه تعدل ألف صلاة ، والمسجد الأقصى وفيه تعدل ألف صلاة أيضاً ، ثم مسجد الجامع وفيه تعدل مائة ، ومسجد القبيلة وفيه تعدل خمساً وعشرين ، ومسجد السوق وفيه تعدل اثني عشر. ويستحب أن يجعل في بيته مسجداً ، أي مكاناً معدّاً للصلاة فيه وإن كان لا يجري عليه أحكام المسجد ، والأفضل للنساء الصلاة في بيوتهن ، وأفضل البيوت بيت المخدع ، أي بيت الخزانة في البيت.

______________________________________________________

رأس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فصلى ست ركعات أو ثمان ركعات ... » إلخ (١).

(١) للنهي عن المساواة في بعض النصوص التي منها المكاتبة المتقدمة آنفاً.

(٢) استحباب جعل السترة هو المشهور بين الأجلّة ، لكنّ الذي يظهر من الأدلة استحباب أمرين على سبيل الاستقلال ، وإن كان ظاهر الكلمات الخلط بينهما.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٦١ / أبواب مكان المصلي ب ٢٦ ح ٤.


[١٣٨١] مسألة ٥ : يستحب الصلاة في مشاهد الأئمة عليهم‌السلام وهي البيوت التي أمر الله تعالى أن ترفع ويذكر فيها اسمه ، بل هي أفضل من المساجد ، بل قد ورد في الخبر أنّ الصلاة عند علي عليه‌السلام بمائتي ألف صلاة. وكذا يستحب في روضات الأنبياء ومقام الأولياء والصلحاء والعلماء والعبّاد ، بل الأحياء منهم أيضاً.

[١٣٨٢] مسألة ٦ : يستحب تفريق الصلاة في أماكن متعددة لتشهد له يوم القيامة ، ففي الخبر سأل الراوي أبا عبد الله عليه‌السلام يصلّي الرجل نوافله في موضع أو يفرقها؟ قال عليه‌السلام لا ، بل هاهنا وهاهنا ، فإنها تشهد له يوم القيامة ، وعنه عليه‌السلام صلّوا من المساجد في بقاع مختلفة ، فإنّ كل بقعة تشهد للمصلّي عليها يوم القيامة.

[١٣٨٣] مسألة ٧ : يكره لجار المسجد أن يصلي في غيره لغير علة كالمطر ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا صلاة لجار المسجد إلا في مسجده. ويستحب ترك مؤاكلة من لا يحضر المسجد ، وترك مشاربته ومشاورته ومناكحته ومجاورته.

[١٣٨٤] مسألة ٨ : يستحب الصلاة في المسجد الذي لا يصلى فيه ، ويكره تعطيله ، فعن أبي عبد الله عليه‌السلام : ثلاثة يشكون إلى الله ( عزّ وجل ) مسجد خراب لا يصلي فيه أهله ، وعالم بين جهّال ، ومصحف معلّق قد وقع عليه الغبار لا يقرأ فيه.

[١٣٨٥] مسألة ٩ : يستحب كثرة التردد إلى المساجد ، فعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من مشى إلى مسجد من مساجد الله فله بكل خطوة خطاها حتى يرجع إلى منزله عشر حسنات ومحي عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات.

______________________________________________________

أحدهما : استحباب السترة إذا كان المصلي في معرض المارّة لتكون ساتراً بينه وبين من يمرّ بين يديه.


ففي صحيح علي بن جعفر « أنه سأل أخاه موسى بن جعفر عليه‌السلام عن الرجل يصلي وأمامه حمار واقف ، قال : يضع بينه وبينه قصبة أو عوداً أو شيئاً يقيمه بينهما ويصلي فلا بأس » (١).

وروى الكليني بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : كان طول رحل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذراعاً ، فاذا كان صلى وضعه بين يديه يستتر به ممّن يمرّ بين يديه » (٢).

وهذا الستار عمل مستحب يعدّ من آداب الصلاة ، لا يقدح تركه في الصحة.

ففي صحيح أبي بصير يعني المرادي عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : لا يقطع الصلاة شي‌ء ، لا كلب ولا حمار ولا امرأة ، ولكن استتروا بشي‌ء. وإن كان بين يديك قدر ذراع رافع من الأرض فقد استترت. والفضل في هذا أن تستتر بشي‌ء وتضع بين يديك ما تتقي به من المارّ ، فان لم تفعل فليس به بأس ، لأنّ الذي يصلي له المصلي أقرب إليه ممن يمرّ بين يديه ، ولكن ذلك أدب الصلاة وتوقيرها » (٣).

وفي صحيح ابن أبي يعفور قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل هل يقطع صلاته شي‌ء مما يمرّ بين يديه؟ فقال : لا يقطع صلاة المؤمن شي‌ء ولكن ادرءوا ما استطعتم » (٤).

ثانيهما : استحباب وضع المصلي شيئاً بين يديه ولو كان عوداً أو حبلاً أو كومة تراب ، بل خطّاً يخطّه على الأرض حتى مع الأمن من المارّة بحيث لا يبقى معه معنى للستر والحيلولة ، إيعازاً إلى الانقطاع عن الحق والتوجه إلى الخالق ، فكأنّه لا يفكّر إلا فيما بينه وبين ذاك الحد ولا ينظر إلا ما بين مصلاه‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٣٢ / أبواب مكان المصلي ب ١١ ح ١.

(٢) الوسائل ٥ : ١٣٦ / أبواب مكان المصلي ب ١٢ ح ٢ ، الكافي ٣ : ٢٩٦ / ٢.

(٣) ، (٤) الوسائل ٥ : ١٣٤ / أبواب مكان المصلي ب ١١ ح ١٠ ، ٩.


[١٣٨٦] مسألة ١٠ : يستحب بناء المسجد ، وفيه أجر عظيم ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من بنى مسجداً في الدنيا أعطاه الله بكل شبر منه مسيرة أربعين ألف عام مدينة من ذهب وفضة ولؤلؤ وزبرجد. وعن الصادق عليه‌السلام : من بنى مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة.

______________________________________________________

ومسجده. وهذا في نفسه عمل مستقل ومستحب نفسي غير مرتبط بما سبق بمقتضى إطلاق النص.

ففي معتبرة السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام « قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا صلى أحدكم بأرض فلاة فليجعل بين يديه مثل مؤخرة الرحل ، فان لم يجد فحجراً ، فان لم يجد فسهماً ، فان لم يجد فليخطّ في الأرض بين يديه » (١).

وروى الشيخ بإسناده عن محمد بن إسماعيل عن الرضا عليه‌السلام « في الرجل يصلي ، قال : يكون بين يديه كومة من تراب أو يخط بين يديه بخط » (٢).

وفي صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يجعل العنزة بين يديه إذا صلى » (٣) ونحوها غيرها.

وقد تفطّن صاحب الوسائل إلى تغاير العنوانين فمن ثمّ أفرد لكل منهما باباً مستقلا ، فقال في الباب الثاني عشر من أبواب مكان المصلي : باب استحباب جعل المصلي شيئاً بين يديه ... إلخ. وفي الباب الحادي عشر : باب عدم بطلان الصلاة بمرور شي‌ء .. إلخ ولكن الفقهاء قد وقع الخلط بينهما في كلماتهم كما سمعت فحكموا كما في المتن باستحباب السترة لأجل المارّة ولو بخطّ في الأرض.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ١٣٧ / أبواب مكان المصلي ب ١٢ ح ٤.

(٢) الوسائل ٥ : ١٣٧ / أبواب مكان المصلي ب ١٢ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ٣٧٨ / ١٥٧٤.

(٣) الوسائل ٥ : ١٣٦ / أبواب مكان المصلي ب ١٢ ح ١.


[١٣٨٧] مسألة ١١ : الأحوط إجراء صيغة الوقف بقصد القربة في صيرورته مسجداً ، بأن يقول : وقفته قربة إلى الله تعالى (١) لكن الأقوى كفاية البناء بقصد كونه مسجداً مع صلاة شخص واحد فيه بإذن الباني ، فيجري حينئذ حكم المسجدية وإن لم تجر الصيغة.

______________________________________________________

(١) ربما توهم العبارة لزوم التلفظ بقصد القربة ، ولكنه غير مراد جزماً ، لعدم اعتبار التلفظ به في شي‌ء من العبادات وكفاية النية المجردة إجماعاً.

نعم ، في خصوص باب الحج ورد الأمر بالتلفظ بما ينويه ، المحمول على الاستحباب ، وهو أمر آخر غير مرتبط بالمقام.

وإنما المحتمل اعتباره في المقام أمران : أحدهما : قصد التقرب. ثانيهما : إجراء صيغة الوقف. فلا تكفي المعاطاة في تحققه ، وإليه تنظر عبارة المتن.

أما الأول : فلم ينهض على اعتباره أيّ دليل ، ومقتضى الإطلاقات عدم الاعتبار من غير فرق بين الوقف للمسجد أو غيره. نعم ترتب الثواب يتوقف عليه كما هو ظاهر.

وأمّا الثاني : فقد نسب إلى المشهور اعتبار الصيغة في صحة الوقف ، نظراً إلى أنّه يتقوّم في ذاته باللزوم ، كما أنّ الرهن أيضاً متقوم به ، فكما لا رجوع في العين المرهونة وإلا خرجت عن كونها وثيقة ، فكذا لا رجوع في العين الموقوفة بضرورة الفقه ولا سيما في مثل وقف المسجد الذي هو من سنخ التحرير. وحيث إنّ المعاطاة لا تفيد اللزوم إجماعاً ، بل هي إما باطلة أو جائزة على الخلاف المحرّر في محله ، فلا جرم لا ينعقد الوقف بها.

ويندفع : بما حققناه في محله (١) من أنّ المعاطاة عقد عرفي وهو بمثابة العقد اللفظي في إفادة اللزوم بمقتضى إطلاق قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٢) إلا ما‌

__________________

(١) مصباح الفقاهة ٢ : ١٤٢.

(٢) المائدة ٥ : ١.


[١٣٨٨] مسألة ١٢ : الظاهر أنّه يجوز أن يجعل الأرض فقط مسجداً دون البناء والسطح ، وكذا يجوز أن يجعل السطح فقط مسجداً ، أو يجعل بعض الغرفات أو القباب أو نحو ذلك خارجاً ، فالحكم تابع لجعل الواقف والباني في التعميم والتخصيص (١) كما أنّه كذلك بالنسبة إلى عموم المسلمين أو طائفة دون اخرى (٢) على الأقوى (١).

______________________________________________________

خرج بالدليل كالطلاق والنكاح.

ودعوى الإجماع على عدم اللزوم ، موهونة بأنّ المحصّل منه غير حاصل والمنقول غير مقبول.

وعليه فلو بنى المكان بقصد كونه مسجداً ووقعت الصلاة فيه بإذن الباني التي هي بمثابة القبض ، تحقق الوقف المعاطاتي وشملته إطلاقات اللزوم ، وجرى عليه أحكام المسجد كما أفاده في المتن.

(١) فانّ عنوان المسجدية عارض على المكان المملوك الذي هو قابل للانقسام بحسب أبعاده الثلاثة ، والمالك مسلّط على ماله في جميع أبعاده. فله اختيار التحرير في بعض تلك الأبعاد دون بعض ، كما له الاختيار في الكل بمناط واحد ، فالحكم إذن مطابق لمقتضى القاعدة بعد وضوح أنّ الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها.

(٢) كالعلماء أو الفقراء أو السادة كما هو الحال في سائر الأوقاف ، من جواز التخصيص بصنف خاص ، ولكنه في غاية الإشكال والقياس مع الفارق ، فإن المالك في سائر الأوقاف له تمليك ماله لطائفة خاصة ولا ضير فيه.

وأمّا وقف المسجد فهو عبارة عن تحرير الأرض لله وإزالة الملكية من أصلها فان الأراضي وإن كانت كلها له سبحانه إلا أنّها تملك باذنه ، فاذا أوقفها فقد حرّرها وأزال علاقة الملكية وأرجعها إلى مالكها الأصلي وجعلها بيتاً من‌

__________________

(١) فيه منع ، نعم يجوز جعل مكان معبداً لطائفة خاصّة لكنّه لا يجري عليه أحكام المسجد.


[١٣٨٩] مسألة ١٣ : يستحب تعمير المسجد إذا أشرف على الخراب (١) وإذا لم ينفع يجوز تخريبه وتجديد بنائه (٢) بل الأقوى جواز تخريبه (٣) مع استحكامه لإرادة توسيعه من جهة حاجة الناس.

______________________________________________________

بيوت الله ، وأصبح هو أجنبياً عنها ، فكيف يسوغ له التخصيص بطائفة دون اخرى. مع أنّ الجميع بالنسبة إليه سبحانه على حدّ سواء ، وكلهم خلقه وعبيده وقد اشترك الكل في الاستفادة من المسجد بنسبة واحدة وبمناط واحد. فالتخصيص المزبور من غير مخصّص (١) ظاهر ، فإنه صادر من غير أهله وفي غير محله.

نعم ، يمكن وقف مكان مصلى لطائفة خاصة دون أُخرى كسائر الأوقاف مثل المدرسة ونحوها ، فيكون ملكاً لهم ثم لطبقة اخرى بعدهم من غير أن يباع أو يورث ، إلاّ أنّه لا يكون مسجداً ولا تجري عليه أحكامه ، فيجوز دخول الجنب فيه ، كما يجوز تنجيسه ، ولكنّه خارج عن محل الكلام.

(١) بل قد يجب فيما إذا كان معرضاً للانهدام وخوف تلف النفس المحترمة.

(٢) لأنه إنّما جعل مسجداً لغاية العبادة ، فإذا سقط عن الانتفاع جاز هدمه وبناؤه ، تحصيلاً لتلك الغاية التي أُسّس من أجلها.

(٣) والوجه فيه : أنّ المسجد لم يكن ملكاً لأحد ليحتاج التصرف فيه إلى الاستئذان منه ، وإنّما هو معبد لله سبحانه ، فلا مانع إذن من التصرف فيه بكل ما يكون الانتفاع أكثر والمعبدية أشمل.

ومنه تعرف فساد دعوى أنّ التغيير ولو على سبيل التوسيع تصرف في متعلق الوقف ومخالف للكيفية التي أوقفها الواقف وبنى عليها ، وذلك لما عرفت من أنّ الواقف قد حرّر المسجد وأخرجه من ملكه وأزال العلقة بحيث صار‌

__________________

(١) المخصص هو ما دل على أنّ الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها الشامل للمساجد كما اعترف ( دام ظله ) به آنفاً فتدبّر جيداً.


أجنبياً ، وأصبح ملكاً لله تعالى لغاية العبادة ، فكل تصرّف يستوجب مزيد التمكين من هذه الغاية مع مسيس الحاجة سائغ بمقتضى القاعدة.

مضافاً إلى النص الخاص وهو صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سمعته يقول إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بنى مسجده بالسميط ثم إنّ المسلمين كثروا فقالوا : يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فزيد فيه ، فقال : نعم ، فزيد فيه وبناه بالسعيدة ... » إلخ (١).

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٢٠٥ / أبواب أحكام المساجد ب ٩ ح ١.


فصل

في بعض أحكام المسجد‌

الأول : يحرم زخرفته أي تزيينه بالذهب (١) ـ (١)

______________________________________________________

(١) على المشهور كما قد يظهر من الجواهر حيث قال : بل هو المشهور نقلاً في كشف اللثام والكفاية إن لم يكن تحصيلاً وإن ناقش فيه أخيراً بقوله : ويمكن منع حصول شهرة معتد بها هنا (١) ويعضده أنّ الدروس نسب التحريم إلى القيل (٢).

وكيف ما كان فيستدل له تارة بالإسراف ، وأُخرى بعدم معهوديته في عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فاحداثه بعد ذلك بدعة محرّمة.

وكلاهما كما ترى ، لتقوّم الإسراف بفقد الغرض العقلائي ، ومِن البيّن أنّ تعظيم الشعائر من أعظم الدواعي العقلائية كما هو المشاهد في المشاهد المشرّفة.

وأما البدعة فهي متقوّمة بالإسناد إلى الشرع ما ليس فيه ، فلا بدعة من دون الاسناد ، ومجرد كونه من الأُمور المستحدثة لا يستوجبها ، كيف ولو تمّ لعمّ وسرى إلى غير الذهب كالفضة للمشاركة في العلة.

مع أنّ الأُمور المستحدثة من الكثرة ما لا يخفي ، التي منها تزيين المساجد بالأنوار الكهربائية ، أفهل يمكن القول بحرمتها بدعوى عدم كونها معهودة في عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله. فالحكم إذن مبني على الاحتياط ، حذراً عمّا‌

__________________

(١) على الأحوط ، ولا يبعد الجواز.

(١) الجواهر ١٤ : ٨٨ ٨٩.

(٢) الدروس ١ : ١٥٦.


بل الأحوط ترك نقشه بالصور (١).

الثاني : لا يجوز بيعه ولا بيع آلاته وإن صار خراباً ولم تبق آثار مسجديّته ، ولا إدخاله في الملك ، ولا في الطريق ، ولا يخرج عن المسجدية أبداً (٢).

______________________________________________________

لعله خلاف المشهور ، وأمّا بحسب الصناعة فالأقوى الجواز.

(١) إن أُريد بها تصوير ذوات الأرواح ، فلا يختص التحريم بالمساجد على ما استوفينا البحث حول ذلك بنطاق واسع في كتاب المكاسب (١).

وإن أُريد بها تصوير غيرها كالأشجار ونحوها ، فلم ينهض دليل على التحريم مطلقاً. نعم ربما يستدل له في المقام برواية عمرو بن جميع قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في المساجد المصوّرة فقال : أكره ذلك ، ولكن لا يضرّكم ذلك اليوم ولو قد قام العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك » (٢).

ولكنها ضعيفة السند بعدّة من المجاهيل كما ناقش فيه جماعة أوّلهم صاحب المدارك (٣) مضافاً إلى أنّها قاصرة الدلالة ، فإن الكراهة في لسان الرواية أعمّ من الكراهة المصطلحة والحرمة ، بل إن قوله : « لا يضرّكم ذلك اليوم » كالصريح في عدم المنع قبل قيام الحجة.

على أنّ رواية علي بن جعفر قد دلت على الجواز قال : « سألته عن المسجد ينقش في قبلته بجص أو أصباغ قال : لا بأس به » (٤). وإن كانت ضعيفة السند بعبد الله بن الحسن.

والمتحصّل : أنّه لم ينهض أيّ دليل على تحريم زخرفة المسجد ، ولا على نقشه بالصور غير ذوات الأرواح.

(٢) والوجه في ذلك كله ما عرفت من أنّ عروض عنوان المسجديّة‌

__________________

(١) مصباح الفقاهة ١ : ٢٢٠.

(٢) الوسائل ٥ : ٢١٥ / أبواب أحكام المساجد ب ١٥ ح ١ ، ٣.

(٣) المدارك ٤ : ٣٩٨.

(٤) الوسائل ٥ : ٢١٥ / أبواب أحكام المساجد ب ١٥ ح ١ ، ٣.


ويبقى الأحكام من حرمة تنجيسه ووجوب احترامه (١) وتصرف آلاته في تعميره (٢) وإن لم يكن معمر تصرف في مسجد آخر ، وإن لم يمكن الانتفاع بها أصلا يجوز بيعها وصرف القيمة في تعميره ، أو تعمير مسجد آخر.

الثالث : يحرم تنجيسه (٣) وإذا تنجّس يجب إزالتها فوراً وإن كان في وقت الصلاة مع سعته ، نعم مع ضيقه تقدّم الصلاة. ولو صلى مع السعة أثم ، لكن الأقوى صحة صلاته.

______________________________________________________

يستوجب الخروج عن الملكية وفكّ الرقبة وتحريرها وزوال علقتها بالمرّة ، ومعه كيف يمكن بيعها ، ولا بيع إلا في ملك ، أم كيف يمكن إدخالها في الملك أو في الطريق ونحو ذلك مما ينافي عنوان المسجديّة التي هي باقية بطبيعتها ، إذ لا مزيل لها وإن أُزيلت آثارها.

نعم ، لو تعذّرت الاستفادة للعبادة بالكلية وأمكن بعض الانتفاعات على نحو لا يستوجب الهتك كالاستفادة للزراعة ، لم يكن بها بأس لعدم الدليل حينئذ على المنع.

وهذا بخلاف سائر الأوقاف ، فإنّها وإن لم يجز بيعها أيضاً إلا أنّها لما كانت فيها شائبة الملكية ، نظراً إلى أنّ الواقف ملّكها للموقوف عليهم لا أنّه حرّرها ، فلا مانع حينئذ من بيعها لدى عروض المسوّغات التي منها الخراب.

(١) لوضوح بقاء الأحكام بتبع بقاء الموضوع.

(٢) فإنها وقف للمسجد فكانت ملكاً له ، ولا غرابة في استناد الملكية إليه بعد أن كانت من الأُمور الاعتبارية ، فلا يجوز صرفها في غير شؤون المسجد ما دام يمكن الانتفاع بها فيه.

نعم ، لو تعذّر ذلك أيضاً ، جاز صرفها في مسجد آخر ، لأنّه الأقرب إلى نظر الواقف ، ولو تعذر ذلك جاز بيعها ويصرف ثمنها حينئذ في تعمير المسجد نفسه إن أمكن وإلا ففي مسجد آخر.

(٣) الفروع المذكورة في المقام قد تقدم البحث حولها مستوفى وبنطاق واسع‌


ولو علم بالنجاسة أو تنجس في أثناء الصلاة لا يجب القطع للإزالة وإن كان في سعة الوقت ، بل يشكل جوازه (١) ولا بأس بإدخال النجاسة غير المتعدية إلا إذا كان موجباً للهتك كالكثيرة من العذرة اليابسة مثلاً. وإذا لم يتمكن من الإزالة بأن احتاجت إلى معين ولم يكن سقط وجوبها ، والأحوط إعلام الغير إذا لم يتمكن. وإذا كان جنباً وتوقفت الإزالة على المكث فيه فالظاهر عدم وجوب المبادرة إليها ، بل يؤخّرها إلى ما بعد الغسل ، ويحتمل (٢) وجوب التيمم والمبادرة إلى الإزالة (١).

[١٣٩٠] مسألة ١ : يجوز أن يتخذ الكنيف ونحوه من الأمكنة التي عليها البول والعذرة ونحوهما مسجداً ، بأن يطمّ ويلقى عليها التراب النظيف (٢) ،

______________________________________________________

في أحكام النجاسات من كتاب الطهارة (١) فراجع ولا نعيد.

(١) هذا الاحتمال لم يسبق التعرض إليه فيما تقدم ، وهو ضعيف جدّاً ، فانّ وجوب المبادرة لم يثبت بدليل لفظي لنتمسك بإطلاقه ، وإنّما ثبت بالإجماع والقدر المتيقن منه غير الجنب.

(٢) هذا مما لا إشكال فيه ، وقد دلت عليه جملة من النصوص كصحيحة الحلبي في حديث أنه قال لأبي عبد الله عليه‌السلام : « فيصلح المكان الذي كان حشاً زماناً أن ينظّف ويتّخذ مسجداً؟ فقال : نعم إذا القي عليه من التراب ما يواريه فانّ ذلك ينظفه ويطهّره » (٢).

وصحيحة عبد الله بن سنان في حديث قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المكان يكون حشاً زماناً فينظف ويتخذ مسجداً ، فقال : ألق عليه‌

__________________

(١) الظاهر تخيير المصلي بين إتمام صلاته وقطعها وإزالة النجاسة فوراً.

(٢) لكنّه ضعيف جدّاً.

(١) شرح العروة ٣ : ٢٥١ وما بعدها.

(٢) الوسائل ٥ : ٢٠٩ / أبواب أحكام المساجد ب ١١ ح ١.


ولا تضرّ نجاسة الباطن في هذه الصورة ، وإن كان لا يجوز تنجيسه (١) في سائر المقامات (١) لكن الأحوط (٢) إزالة النجاسة أوّلاً ، أو جعل المسجد خصوص المقدار الطاهر من الظاهر.

______________________________________________________

من التراب حتى يتوارى ، فانّ ذلك يطهّره إن شاء الله » (١) وغيرهما.

(١) ظاهره استثناء المقام عن عموم وجوب إزالة النجاسة عن المسجد.

وفيه أوّلاً : أنّه سالبة بانتفاء الموضوع ، إذ لا نجاسة حتى تحتاج إلى التطهير ، لصراحة النصوص المتقدمة في حصول الطهارة هنا بالطم ، لا أنّ النجاسة باقية وغير ضائرة ليلتزم بالتخصيص في عموم وجوب التطهير.

وثانياً : أنّ عمدة الدليل على وجوب إزالة النجاسة عن المسجد حسبما تقدّم في محلّه (٢) إنّما هو الإجماع ، والقدر المتيقن منه تطهير المكان الذي يصلى فيه أعني ظاهر المسجد ، وكذا جدرانه وحيطانه ، وأمّا الباطن ولا سيما إذا كان عميقاً ، كما لو نزّت النجاسة من بالوعة الجار إلى باطن المسجد ، فشمول الإجماع له غير معلوم لو لم يكن معلوم العدم ، فالمقتضي لوجوب التطهير قاصر في حد نفسه.

وثالثاً : مع الغضّ والتسليم ، فالحكم مختص بالنجاسة الطارئة ، وأمّا السابقة على الاتصاف بالمسجدية كما في المقام ، فلعلّ من المطمأن به عدم شمول الإجماع له كما لا يخفى.

(٢) هذا الاحتياط ضعيف ، لما عرفت من أنّ ظاهر النصوص بل صريحها طهارة المحل بالطم ، فلا نجاسة لكي تحتاج إلى الإزالة. كما أنّ مقتضى إطلاقها جعل المسجد مجموع الظاهر والباطن على حد سائر الأماكن ، فلا مجال للاحتياط الذي ذكره قدس‌سره ثانياً من الاختصاص بالظاهر.

__________________

(١) على الأحوط.

(١) الوسائل ٥ : ٢١٠ / أبواب أحكام المساجد ب ١١ ح ٤.

(٢) شرح العروة ٣ : ٢٥١.


الرابع : لا يجوز إخراج الحصى منه (١) وإن فعل ردّه إلى ذلك المسجد أو مسجد آخر (١).

______________________________________________________

(١) على المشهور ، وذهب جماعة إلى الكراهة ، ويستدل له بوجهين :

أحدهما : أنّ الحصى جزء من الوقف فلا يجوز إخراجه لمنافاته للوقفية.

وفيه : أنّ هذا إنما يتجه فيما إذا كان المأخوذ مقداراً معتدّاً به بحيث يستوجب نقصاً في المسجد ، أمّا دون هذا الحدّ ممّا لا يستوجبه كحصاة أو حصاتين فلا منافاة ، ومن ثمّ لا ينبغي الاستشكال في جواز إخراج ما يعدّ من شؤون الانتفاع من المسجد واللوازم العادية له ، وكذا من سائر الأوقاف بل الأملاك المأذون في الدخول فيها ، كما لو تعلّق بثيابه أو ردائه شي‌ء من ترابها أو التصق بنعله شي‌ء من حصاها ، فإنّه لا يجب ردّها قطعاً ، ولم يقل به أحد ، فلو كان مطلق الإخراج منافياً للوقفية لزم القول به في هذا المقدار أيضاً ، لعدم الفرق بين المتعارف وغيره في مناط المنع كما لا يخفى.

فهذا الوجه لا ينهض لإثبات الحكم ، ولو نهض للزم الرد إلى خصوص المسجد المأخوذ منه لا إلى مسجد آخر ، فلا وجه للتخيير بينهما كما في المتن.

ثانيهما : الروايات الخاصة الواردة في المقام :

فمنها : صحيحة محمد بن مسلم قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا ينبغي لأحد أن يأخذ من تربة ما حول الكعبة ، وإن أخذ من ذلك شيئاً ردّه » (١).

وربما يناقش في دلالتها بأنّ كلمة « لا ينبغي » ظاهرة في الكراهة ، فيكون ذلك قرينة على حمل الأمر بالرد على الاستحباب.

ويندفع : بما تقدم غير مرّة من إنكار الظهور المزبور ، بل الكلمة إمّا ظاهرة‌

__________________

(١) هذا مع عدم التمكّن من ردّه إلى ذلك المسجد.

(١) الوسائل ٥ : ٢٣١ / أبواب أحكام المساجد ب ٢٦ ح ١.


نعم لا بأس بإخراج التراب الزائد المجتمع بالكنس أو نحوه (١).

______________________________________________________

في الحرمة ، وأنّها بمعنى لا يتيسر كما في قوله تعالى ( لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها ... ) (١) إلخ ، أو غير ظاهرة لا فيها ولا في الكراهة بل في الجامع بينهما. إذن فيبقى ظهور الأمر بالرد في الوجوب على حاله ، بل يكون هذا الظهور قرينة على إرادة الحرمة من تلك الكلمة.

ومنها : صحيحة معاوية بن عمار قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّي أخذت سكاً من سك المقام وتراباً من تراب البيت وسبع حصيات ، فقال : بئس ما صنعت ، أما التراب والحصى فردّه » (٢) والمراد بالسك : المسمار ، ولعل عدم الأمر برده لسقوطه غالباً عن النفع بعد قلعه ، فيكون زائداً في المسجد كالقمامة والكناسة.

وكيف ما كان فهاتان الصحيحتان تدلان بوضوح على المنع عن الأخذ ، وعلى وجوب الرد على تقدير الأخذ ، وظاهرهما وجوب الرد إلى نفس المسجد ، ولكن يظهر من صحيحة زيد الشحام التخيير بينه وبين الطرح في مسجد آخر. قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أُخرج من المسجد حصاة ، قال : فردّها أو اطرحها في مسجد » (٣) فانّ طريق الصدوق إلى الشحام (٤) وإن كان ضعيفاً بأبي جميلة ، لكن طريق الكليني معتبر. فالحكم المذكور في المتن مما لا ينبغي الإشكال فيه.

(١) لوضوح خروجها عن منصرف تلك النصوص وعدّها من قبيل النفايا والأنقاض التي ينبغي تنظيف المسجد عنها.

__________________

(١) يس ٣٦ : ٤٠.

(٢) ، (٣) الوسائل ٥ : ٢٣٢ / أبواب أحكام المساجد ب ٢٦ ح ٢ ، ٣.

(٤) الفقيه ٤ ( المشيخة ) : ١١.


الخامس : لا يجوز دفن الميت في المسجد (١) إذا لم يكن مأموناً من التلويث بل مطلقاً على الأحوط (١).

السادس : يستحب سبق الناس في الدخول إلى المساجد ، والتأخر عنهم في الخروج منها.

______________________________________________________

(١) يقع الكلام تارة في حكم الدفن في نفسه مع الغض عن التلويث ، وأُخرى بلحاظ التلويث ، فهنا جهتان :

أمّا الجهة الأُولى : فالظاهر عدم الجواز ، لمنافاة الدفن مع غرض الواقف ، فإنّه إنّما حرّر الأرض وجعلها مسجداً لتكون الصلاة فيه أفضل والثواب أكثر ، والدفن المزبور لمّا كان مستلزماً للصلاة على القبر أو إلى القبر وهي مكروهة كما سبق (١) ، فلا جرم يستوجب تقليل الثواب ، فيكون طبعاً مصادماً لمقصود الواقف.

وعلى الجملة : التصرفات التي لا تنافي العبادة كالنوم والجلوس ونحوهما لا ضير فيها ، أمّا المنافية كالدفن ونحوه مما يستوجب حزازة ونقصاً في الصلاة فيحتاج جوازها إلى الدليل ، لو لم يكن ثمة دليل على العدم ، وهو ما عرفت من عدم جواز المخالفة لغرض الواقف إلا إذا أقدم بنفسه على ذلك ، كما لو اشترط حين الوقف دفن نفسه أو من ينتمي به في المسجد ، إذ لا تنافي في هذه الصورة كما هو واضح والوقوف على حسب ما يوقفها أهلها (٢).

وأمّا الجهة الثانية : فلا ريب أنّ المرجع مع الشك في التلويث أصالة العدم ،

__________________

(١) حتى إذا كان مأموناً من التلويث ، لمنافاة الدفن جهة الوقف ، نعم إذا اشترط الواقف ذلك ، لا يبعد جوازه واحتمال التلويث يدفع بالأصل.

(١) في ص ٢٠١.

(٢) مقتضى ذلك جواز اشتراط أن يكون المسجد مقبرة عامة للمسلمين لوحدة المناط ، وهو كما ترى.


السابع : يستحب الإسراج فيه وكنسه والابتداء في دخوله بالرجل اليمنى ، وفي الخروج باليسرى ، وأن يتعاهد نعله تحفظاً عن تنجيسه ، وأن يستقبل القبلة ويدعو ويحمد الله ويصلي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأن يكون على طهارة.

الثامن : يستحب صلاة التحية بعد الدخول ، وهي ركعتان ، ويجزئ عنها الصلوات الواجبة أو المستحبة.

التاسع : يستحب التطيب ، ولبس الثياب الفاخرة عند التوجه إلى المسجد.

العاشر : يستحب جعل المطهرة على باب المسجد.

الحادي عشر : يكره تعلية جدران المساجد ورفع المنارة عن السطح ، ونقشها بالصور غير ذوات الأرواح ، وأن يجعل لجدرانها شرفاً ، وأن يجعل لها محاريب داخلة.

الثاني عشر : يكره استطراق المساجد إلا أن يصلي فيها ركعتين ، وكذا إلقاء النخامة والنخاعة والنوم إلا لضرورة ، ورفع الصوت الاّ في الأذن ونحوه وإنشاد الضالّة ، وحذف الحصى وقراءة الأشعار غير المواعظ ونحوها ، والبيع والشراء والتكلم في أُمور الدنيا ، وقتل القمّل ، وإقامة الحدود ، واتخاذها محلا للقضاء والمرافعة ، وسلّ السيف وتعليقه في القبلة ، ودخول من أكل البصل والثوم ونحوهما مما له رائحة تؤذي الناس ، وتمكين الأطفال والمجانين من الدخول فيها ، وعمل الصنائع ، وكشف العورة والسرّة والفخذ والركبة ، وإخراج الريح.

______________________________________________________

وأمّا مع القطع به فيبتني الحكم على ما تقدم في المسألة السابقة من جواز تنجيس باطن المسجد وعدمه ، وحيث قد عرفت أن الأظهر هو الأوّل ، فلا مانع من الدفن من هذه الجهة ، والعمدة ما عرفت من عدم الجواز حتى مع الغض عن التلويث لمنافاته مع الوقفية ، هذا.


[١٣٩١] مسألة ٢ : صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد.

[١٣٩٢] مسألة ٣ : الأفضل للرجال إتيان النوافل في المنازل والفرائض في المساجد.

______________________________________________________

وقد اقتصر سيدنا الأُستاذ ( دام ظله ) على هذا المقدار من أحكام المساجد وترك التعرض للأُمور المستحبة جرياً على عادته من إهمالها في هذا الشرح.


فصل

في الأذان والإقامة

لا إشكال في تأكد رجحانهما في الفرائض اليومية أداءً وقضاءً ، جماعة وفرادى ، حضراً وسفراً ، للرجال والنساء. وذهب بعض العلماء إلى وجوبهما ، وخصّه بعضهم بصلاة المغرب والصبح ، وبعضهم بصلاة الجماعة ، وجعلهما شرطاً في صحتها ، وبعضهم جعلهما شرطاً في حصول ثواب الجماعة. والأقوى استحباب الأذان مطلقاً (١).

______________________________________________________

(١) المشهور بين الأصحاب قديماً وحديثاً استحباب الأذان والإقامة ، جماعة وفرادى ، سفراً وحضراً ، للرجال والنساء ، أداءً وقضاءً ، في جميع الفرائض الخمس ، وإن كان الاستحباب في الإقامة آكد ، ويتأكّدان في بعض الفرائض كالمغرب والفجر ، وهناك أقوال أُخر شاذّة.

منها : ما حكي عن الشيخين (١) ، وابن البراج (٢) ، وابن حمزة (٣) من وجوبهما في الجماعة خاصة ، بل نسب إليهم وإلى أبي الصلاح (٤) القول بالوجوب الشرطي وأنّ الجماعة بدونهما باطلة.

ومنها : ما عن السيد المرتضى في الجمل من التفصيل بين الرجال والنساء ،

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٩٧ ، الطوسي في النهاية : ٦٤.

(٢) المهذّب ١ : ٨٨.

(٣) الوسيلة : ٩١.

(٤) الكافي في الفقه : ١٤٣.


وبين الجماعة والفرادى ، وبين أنواع الصلوات فحكم بوجوبهما في صلاة الغداة والمغرب والجمعة مطلقاً. وأمّا في غيرها من بقية الصلوات فيجبان على خصوص الرجال في الجماعة خاصة. وأما الإقامة بخصوصها فهي واجبة على الرجال على كل حال (١). فكلامه قدس‌سره يتألف من تفاصيل ثلاثة كما عرفت.

ومنها : ما عن ابن أبي عقيل من التفصيل بين الصبح والمغرب فيجبان فيهما ، وبين غيرهما من بقية الفرائض فلا يجب إلا الإقامة (٢).

ومنها : ما عن ابن الجنيد من وجوبهما على الرجال خاصة في خصوص الصبح والمغرب والجمعة ، من غير فرق بين الجماعة والفرادى والحضر والسفر (٣).

هذه هي حال الأقوال البالغة بضميمة القول المشهور خمسة.

والأقوى : ما عليه المشهور كما سيتضح لك إن شاء الله تعالى.

وقد علم ممّا مرّ أنّ القول بوجوب الأذان والإقامة مطلقاً كما قد يتراءى من عبارة المتن لم نعثر على قائله ، بل الظاهر أنّه لا قائل به. وكيف كان فيقع الكلام تارة في الأذان وأُخرى في الإقامة. فهنا مقامان :

المقام الأوّل : في الأذان ، وقد عرفت أنّه لا قائل بوجوبه على سبيل الإطلاق.

ويكفينا في الاستدلال على عدم وجوبه الأخبار المستفيضة الدالة على أنّ من صلى بأذان وإقامة صلى خلفه صفّان من الملائكة ، ومن صلى بإقامة وحدها صلى خلفه صف واحد. كصحيح محمد بن مسلم قال : « قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : إنك إذا أذّنت وأقمت صلى خلفك صفّان من الملائكة ،

__________________

(١) جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٢٩.

(٢) حكاه عنه في التذكرة ٣ : ٧٦.

(٣) حكاه عنه في المختلف ٢ : ١٣٥.


وإن أقمت إقامة بغير أذان صلى خلفك صف واحد » (١) ونحوه صحيح الحلبي (٢) وغيره من الأخبار الكثيرة المشتملة على هذا المضمون ، وتحديد الصف بالسنة مختلفة الواردة في الباب الرابع من أبواب الأذان والإقامة من الوسائل.

فإن الحكم باقتداء صف من الملائكة خلف من يقتصر على الإقامة ويترك الأذان أقوى شاهد على عدم وجوبه ، وإلا فكيف يأتم الملك بصلاة فاسدة ، فيستفاد منها أنّ تركه لا يستوجب إلا فوات مرتبة عظيمة من الكمال تقتضي فقدان اقتداء صف آخر من الملك من دون استلزامه بطلان الصلاة.

نعم ، هناك روايات ربما يستأنس منها الوجوب ، قد استدل بها القائلون به تارة في خصوص مورد الجماعة ، وأُخرى في خصوص صلاتي الغداة والمغرب ، فانّ هذين الموردين هما محل الإشكال في المقام لورود النصوص فيهما ، وأمّا فيما عداهما فلا ينبغي الإشكال في عدم الوجوب كما عرفت ، فينبغي التعرض لهما.

أمّا الجماعة : فقد استدل لوجوب الأذان فيها بعدّة أخبار.

إحداها : رواية أبي بصير عن أحدهما عليه‌السلام قال : « سألته أيجزئ أذان واحد؟ قال : إن صليت جماعة لم يجز إلا أذان وإقامة » (٣).

الثانية : موثقة عمار قال : « سئل عن الرجل يؤذّن ويقيم ليصلي وحده ، فيجي‌ء رجل آخر فيقول له : نصلي جماعة هل يجوز أن يصليا بذلك الأذان والإقامة؟ قال : لا ، ولكن يؤذّن ويقيم » (٤). وقد رواها المشايخ الثلاثة (٥) بطرق كلها معتبرة.

الثالثة : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال :

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٥ : ٣٨١ / أبواب الأذان والإقامة ب ٤ ح ٢ ، ١.

(٣) الوسائل ٥ : ٣٨٨ / أبواب الأذان والإقامة ب ٧ ح ١.

(٤) الوسائل ٥ : ٤٣٢ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٧ ح ١.

(٥) الكافي ٣ : ٣٠٤ / ١٣ ، الفقيه ١ : ٢٥٨ / ١١٦٨ ، التهذيب ٢ : ٢٧٧ / ١١٠١.


يجزِئك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان » (١) دلت بالمفهوم على عدم الإجزاء إذا لم يصلّ في بيته وحده ، الظاهر في إرادة الجماعة.

الرابعة : موثقة عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أنه كان إذا صلى وحده في البيت أقام إقامة ولم يؤذّن » (٢). والتقريب ما مرّ.

والجواب : أمّا عن الرواية الأخيرة فإنّها حكاية فعل مجمل العنوان لا دلالة فيه على الوجوب ، فغايته أنّه عليه‌السلام كان إذا صلى خارج البيت جماعة كان يؤذّن ، وأمّا أنّ ذلك كان على سبيل الوجوب أو الاستحباب فلا دلالة فيها على شي‌ء منهما.

وأمّا الرواية الأُولى ، فهي ضعيفة السند ولا أقل بعلي بن أبي حمزة ، فلا يعتمد عليها.

وأمّا الرواية الثانية : فلا قائل بوجوب العمل بها حتى في موردها ، فانّ ظاهرها أنّ الجائي يستدعي الاقتداء خلف من أذّن وأقام ، ولا ريب في عدم وجوب إعادة الأذان حينئذ حتى من القائلين بوجوبه في الجماعة ، لعدم اعتبار قصد الإمامة في الأذان والإقامة بالضرورة ، فهي محمولة على الاستحباب قطعاً.

والعمدة إنما هي الرواية الثالثة الدالة بالمفهوم على عدم الاجتزاء بالإقامة وحدها في الجماعة ، وأنّه لا يجزئ فيها إلا الاقتران بينها وبين الأذان.

ويمكن الذبّ عنها : بابتناء الاستدلال على أن يكون المراد بالمجزأ عنه هو الأمر الوجوبي المتعلق بالأذان والإقامة ، أو المتعلق بالصلاة لو أُريد به الوجوب الشرطي وهو أوّل الكلام ، ومن الجائز أن يراد به الأمر الاستحبابي المتعلق بهما ، فيكون حاصل المعنى أنّه يجتزي عن ذاك الأمر الاستحبابي بإقامة واحدة لو صلى منفرداً ، فيتحقق الامتثال ويثاب عليهما إرفاقاً وتسهيلاً بمجرد الإقامة. وأمّا عند الجماعة فلا يتحقق امتثال الأمر الاستحبابي‌

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٥ : ٣٨٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ٥ ح ٤ ، ٦.


ولا يجزئ عنه إلا الإتيان بالأذان والإقامة معاً ، ولا دلالة في الصحيحة على تعيّن شي‌ء من الاحتمالين ، فلا يستفاد منها أكثر من الاستحباب.

هذا ، ومع الغض وتسليم دلالة الأخبار المتقدمة على الوجوب ، فيكفي في رفع اليد عنه ما دل على عدم الوجوب في مورد الجماعة المقتضي للزوم الحمل على الاستحباب جمعاً ، كموثقة الحسن بن زياد قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إذا كان القوم لا ينتظرون أحداً اكتفوا بإقامة واحدة » (١) فان القدر المتيقن من موردها الجماعة كما لا يخفى.

ونحوها صحيحة علي بن رئاب قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام قلت : تحضر الصلاة ونحن مجتمعون في مكان واحد أتجزئنا إقامة بغير أذان؟ قال عليه‌السلام نعم » (٢) ومعلوم أنّ موردها الجماعة.

وأمّا بالنسبة إلى صلاة الصبح والمغرب : فقد استدل لوجوب الأذان أيضاً بعدة أخبار :

منها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام « أنه قال : أدنى ما يجزئ من الأذان أن تفتتح الليل بأذان وإقامة ، وتفتتح النهار بأذان وإقامة ، ويجزئك في سائر الصلوات إقامة بغير أذان » (٣).

وفيه : أنّها قاصرة عن الدلالة على الوجوب ، لكونها مسوقة لبيان أقلّ مراتب الوظيفة ، وأدنى ما يجزئ عنها ، من دون تعرض لحكم تلك الوظيفة من كونها على سبيل الوجوب أو الاستحباب ، فإنّ الأجزاء أعمّ من ذينك الأمرين كما لا يخفى.

فحاصل الصحيحة : أنّ من يريد التصدي لتلك الوظيفة المقرّرة في الشريعة ، فالمرتبة الراقية أن يؤذّن ويقيم لكل فريضة ، ودونها في المرتبة أن يأتي بهما في صلاة الغداة والمغرب ، وهذا كما ترى لا دلالة له على الوجوب بوجه.

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٥ : ٣٨٥ / أبواب الأذان والإقامة ب ٥ ح ٨ ، ١٠.

(٣) الوسائل ٥ : ٣٨٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ٦ ح ١.


نعم ، لو كان مفادها الإجزاء عن الأمر الصلاتي اقتضى الوجوب ، وليس كذلك ، بل المجزأ عنه الأذان كما صرّح به فيها ، دون الصلاة.

ومنها : رواية الصباح بن سيابة قال : « قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : لا تدع الأذان في الصلوات كلها ، فان تركته فلا تتركه في المغرب والفجر فإنه ليس فيهما تقصير » (١).

وفيه : مضافاً إلى ضعف السند بابن سيابة ، أنّها قاصرة الدلالة ، فإنّ لسانها أشبه بالاستحباب كما لا يخفى.

ومنها : صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : تجزئك في الصلاة إقامة واحدة إلا الغداة والمغرب » (٢). وهذه لا بأس بدلالتها للتصريح فيها بالإجزاء عن الصلاة لا عن الأذان.

اللهم إلا أن تحمل على الثاني بقرينة صحيحة زرارة المتقدمة بعد العلم بوحدة المراد منهما.

وكيف كان ، فتدلنا على عدم الوجوب صحيحتان :

إحداهما : صحيحة عمر بن يزيد قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الإقامة بغير الأذان في المغرب ، فقال : ليس به بأس ، وما أُحبّ أن يعتاد » (٣) فإنّها صريحة في جواز الترك ، وموردها وإن كان هو المغرب لكن يتعدى إلى صلاة الفجر ، للقطع بعدم القول بالفصل وتساويهما في عدم التقصير المصرّح به في خبر ابن سيابة المتقدم ، وفي صحيحة صفوان الآتية ، وفي كونهما مفتتح صلوات الليل والنهار كما صرّح به في صحيحة زرارة المتقدمة.

الثانية : صحيحة صفوان بن مهران عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : الأذان مثنى مثنى ، والإقامة مثنى مثنى ، ولا بدّ في الفجر والمغرب من أذان وإقامة في الحضر والسفر ، لأنّه لا يقصر فيهما في حضر ولا سفر ، وتجزئك إقامة‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٨٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ٦ ح ٣.

(٢) ، (٣) الوسائل ٥ : ٣٨٧ / أبواب الأذان والإقامة ب ٦ ح ٤ ، ٦.


بغير أذان في الظهر والعصر والعشاء الآخرة ، والأذان والإقامة في جميع الصلوات أفضل » (١).

فانّ التصريح في ذيلها بأفضلية الأذان والإقامة في جميع الصلوات ، الشامل بإطلاقه حتى لصلاتي الفجر والمغرب المذكورين في الصدر ، أقوى شاهد على الاستحباب ، ويكون ذلك قرينة على أنّ المراد بقوله « ولا بد في الفجر والمغرب ... » إلخ اللابدية في مقام امتثال الأمر الاستحبابي لا الوجوبي.

ويمكن أن يستأنس للحكم أيضاً : بصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما‌السلام « أنه كان إذا صلى وحده في البيت أقام إقامة ولم يؤذن » (٢) فان التعبير بـ « كان » المشعر بالاستمرار ، يدل على عدم التزامه عليه‌السلام بالأذان غالباً ، وعدم مبالاته به في بيته حتى بالإضافة إلى المغرب والفجر بمقتضى الإطلاق.

وقد تحصّل من جميع ما ذكرناه : أنّ القول بوجوب الأذان لصلاتي الغداة والمغرب ، استناداً إلى الروايات المتقدمة ، بدعوى كونها مقيدة لما ظاهره إطلاق نفي الوجوب ، كروايات الصف والصفين من الملك المتقدمة (٣) ، وكصحيح الحلبي « عن الرجل هل يجزئه في السفر والحضر إقامة ليس معها أذان؟ قال : نعم ، لا بأس به » (٤) ونحوهما مما ظاهره عدم الوجوب مطلقاً ، ساقط لقصور تلك الروايات في حدّ نفسها سنداً أو دلالة على سبيل منع الخلو كما مرّ. مضافاً إلى معارضتها في موردها بالصحاح النافية للوجوب كما عرفت ، كما أنّ القول بوجوبه في الجماعة أيضاً ضعيف كما تقدم (٥).

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٨٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ٦ ح ٢.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٨٥ / أبواب الأذان والإقامة ب ٥ ح ٦.

(٣) في ص ٢٢٦.

(٤) الوسائل ٥ : ٣٨٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ٥ ح ٣.

(٥) في ص ٢٢٧.


فالأقوى عدم وجوب الأذان مطلقاً كما عليه المشهور.

المقام الثاني : في الإقامة ، وقد ذهب ابن أبي عقيل كما مرّ (١) وجمع إلى وجوبها حتى على النساء ، وخصّه الشيخان (٢) والسيد (٣) وابن الجنيد (٤) بالرجال ، ومال إليه الوحيد البهبهاني (٥) واختاره صاحب الحدائق (٦) واحتاط فيه السيد الماتن قدس‌سره وقد عرفت أنّ المشهور هو عدم الوجوب ، هذا.

ولا يخفى أنّ القول بالوجوب بالنسبة إلى النساء ساقط جزماً ، للتصريح بنفيه عنهنّ في غير واحد من النصوص بحيث لو سلّم الإطلاق في بقية الأخبار وجب تقييده بها ، كصحيحة جميل بن دراج قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة أعليها أذان وإقامة؟ فقال : لا » (٧) وغيرها من الأخبار الكثيرة وإن كانت أسانيدها مخدوشة. ولا ندري كيف أفتى ابن أبي عقيل بوجوبها عليهن مع وجود هذه الأخبار ، ولعله لم يعثر عليها. وكيف كان فما ينبغي أن يكون محلا للكلام إنما هو الوجوب بالإضافة إلى الرجال.

وقد استدل القائل بالوجوب بعدّة أخبار ادعى ظهورها فيه مع سلامتها عن المعارض ، فهنا دعويان : إحداهما : وجود المقتضي ، والأُخرى : عدم المانع ، ويتوقف الوجوب على إثبات كلتيهما.

أمّا الدعوى الاولى : فقد استدل لها كما عرفت بطوائف من الأخبار.

منها : الروايات الواردة في النساء المتقدمة آنفاً المتضمّنة أنّه لا أذان ولا إقامة عليهن من صحيحة جميل وغيرها ، بتقريب أنّ المنفي إنما هو اللزوم دون‌

__________________

(١) في ص ٢٢٦.

(٢) المفيد في المقنعة : ٩٩.

(٣) جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٢٩.

(٤) حكاه عنه في المختلف ٢ : ١٣٥.

(٥) في حاشيته على المدارك : ١٧٤.

(٦) الحدائق ٧ : ٣٥٧.

(٧) الوسائل ٥ : ٤٠٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٤ ح ٣.


المشروعية ، لثبوتها فيهن بالضرورة ، ومن البيّن أنّ نفي اللزوم عنهنّ يدل بالمفهوم على ثبوته بالإضافة إلى الرجال.

وفيه : أنّا وإن بنينا على ثبوت المفهوم للوصف (١) في الجملة ، لكنه مذكور في الصحيحة في كلام السائل دون الامام عليه‌السلام فلا عبرة به ، وفي غيرها وإن ذكر في كلام الامام عليه‌السلام إلا أنّها بأجمعها ضعيفة السند كما عرفت فلا تصلح للاستدلال. مضافاً إلى أنّ اقتران الإقامة بالأذان وبالجماعة في جملة من هذه النصوص مع وضوح استحبابهما على الرجال يكشف بمقتضى اتحاد السياق عن أنّ المنفي عن النساء هي المرتبة الراقية من الاستحباب دون اللزوم ، وأنّها هي الثابتة بمقتضى المفهوم للرجال ، فكأنّ لهذه الأُمور مرتبتين تضمّنت هذه النصوص نفي المرتبة القوية عن النساء.

كما قد يشهد لذلك بالإضافة إلى الأذان صحيحة ابن سنان قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عن المرأة تؤذّن للصلاة ، فقال : حسن إن فعلت ، وإن لم تفعل أجزأها أن تكبّر وأن تشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمّداً رسول الله » (٢).

حيث يظهر من ذكر البدل وهو التكبير والشهادتان عدم تأكد الاستحباب بالإضافة إليها ، ولذا كانت مخيّرة بين الأمرين وكان المطلوب منها مطلق الذكر بأحد النحوين.

ومنها : النصوص المتقدمة (٣) وعمدتها صحيحة عبد الله بن سنان المتضمّنة لإجزاء الإقامة عن الأذان إذا صلى وحده ، فانّ التعبير بالإجزاء الكاشف عن أنّه أدنى ما يقتصر عليه ، دال على الوجوب.

__________________

(١) المفهوم الثابت للوصف مختص بالمعتمد على الموصوف ، دون غير المعتمد كما في المقام ، فإنّه ملحق باللقب كما نبّه ( دام ظله ) عليه في الأُصول [ في محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ١٢٧ ].

(٢) الوسائل ٥ : ٤٠٥ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٤ ح ١.

(٣) في ص ٢٢٧.


وفيه : ما تقدم (١) من جواز أن يراد به الإجزاء عن الأمر الاستحبابي المتعلق بهما أي بالأذان والإقامة فيما إذا صلى وحده ، وأنّ هذا المقدار يجزئ في مقام أداء الوظيفة الاستحبابية إرفاقاً وتسهيلاً.

وبالجملة : لا دلالة فيها إلا على مجرد الإجزاء عن تلك الوظيفة ، وأمّا أنّها وجوبية أو استحبابية فلا تدل عليه بوجه.

ومنها : قوله عليه‌السلام في موثقة عمّار الواردة في المريض « لا صلاة إلا بأذان وإقامة » (٢) دلت على وجوب الأمرين معاً خرجنا في الأذان بالنصوص الخاصة فتبقى الإقامة على وجوبها.

ويندفع : بأنّا وإن ذكرنا في محلّه أنّه إذا تعلّق أمر بشيئين قد ثبت الترخيص في ترك أحدهما من الخارج يؤخذ بالوجوب في الآخر ، نظراً إلى أنّ الوجوب والاستحباب مستفادان من حكم العقل ومنتزعان من الأمر المقرون بالترخيص في الترك أو بعدمه ، فلا مانع من التفكيك بعد أن ثبت الترخيص في أحدهما دون الآخر ، (٣) إلا أنّ هذه الكبرى غير منطبقة على المقام ، لأنّ الوجوب لم يكن مستفاداً من الأمر بالفعل أو بعدم الترك ، وإنما استفيد على تقدير تسليمه من أداة النفي المقرونة بالاستثناء في قوله عليه‌السلام : « لا صلاة إلا بأذان وإقامة ».

وعليه فإمّا أن تكون الأداة لنفي الحقيقة أو لنفي الكمال أو بالتفصيل بأن تكون في الأذان لنفي الكمال ، وفي الإقامة لنفي الحقيقة بعد وضوح عدم احتمال العكس.

أما الأخير فلا سبيل إليه ، إما لعدم جواز استعمال اللفظ الواحد في أكثر من معنى ، وإما لأنّه على تقدير جوازه فلا شبهة في أنّه خلاف المتفاهم العرفي.

__________________

(١) في ص ٢٢٨.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٤٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٥ ح ٢.

(٣) محاضرات في أصول الفقه ٢ : ١٣٨.


وأما الأول فهو أيضاً باطل ، لمنافاته مع النصوص الناطقة بجواز ترك الأذان والكاشفة عن عدم الدخل في الحقيقة كما تقدم (١). فلا جرم يتعيّن الاحتمال الثاني الذي مرجعه إلى أنّ الصلاة من دون الأذان أو من دون الإقامة فاقدة لصفة الكمال ، وكأنّها لأجل قلّة ثوابها تستوجب نفي الحقيقة عنها بقولنا « لا صلاة » ولو على سبيل الادّعاء والتنزيل.

إذن فالموثقة لأن يستدل بها على استحباب الإقامة أولى من أن يستدل بها على الوجوب.

ومنها : النصوص الدالة على اعتبار الطهارة والقيام وعدم التكلم في صحة الإقامة كصحيح الحلبي : « ... ولا يقيم إلا وهو على وضوء » (٢) ، وصحيح محمد ابن مسلم : « ... ولا يقيم إلا وهو قائم » (٣).

فإنها لو كانت مستحبة لما أضرّ بها تخلّف شي‌ء من ذلك ، كما لا يضرّ تخلفها في الأذان ، إذ لا معنى للزوم رعاية قيد في عمل يجوز تركه من أصله. فالاعتبار المزبور كاشف عن اللزوم.

وفيه : مع أنّ اعتبار عدم التكلم غير واضح ، لمعارضة النصوص في ذلك وستعرف أنّ الأظهر الجواز لا سيّما إذا تكلم بما يعود إلى الصلاة كتقديم إمام للجماعة ونحو ذلك ، أنّ اشتراط شي‌ء في صحة عمل لا يكشف عن وجوب ذلك العمل بوجه ، للفرق الواضح بين الوجوب الشرطي والوجوب النفسي. ألا ترى اشتراط النوافل بجملة من شرائط الفرائض كالطهارة والإباحة والستر والاستقبال ما لم يكن ماشياً ، مع جواز ترك النافلة من أصلها.

ومنها : النصوص الدالة على أنّ الإقامة من الصلاة ، فإنّ التنزيل كاشف عن الوجوب ، كقول الصادق عليه‌السلام في رواية أبي هارون المكفوف : « يا أبا‌

__________________

(١) في ص ٢٢٩.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٩١ / أبواب الأذان والإقامة ب ٩ ح ٢.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٠٢ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٣ ح ٥.


هارون الإقامة من الصلاة ، فإذا أقمت فلا تتكلّم ولا تؤم بيدك » (١) ، وقوله عليه‌السلام في رواية يونس الشيباني : « ... إذا أقمت الصلاة فأقم مترسلاً فإنّك في الصلاة ... » إلخ (٢).

وفيه : مضافاً إلى ضعف تلك النصوص بأسرها ، أنّها قاصرة الدلالة ، إذ [ لا ] يخلو إمّا أن يراد بها أنّها من الصلاة حقيقة أو تنزيلاً.

لا سبيل إلى الأوّل بالضرورة ، لمنافاته مع النصوص المستفيضة الصريحة في أنّ أولها التكبيرة وآخرها التسليم ، ومن ثم لا يبطلها منافيات الصلاة من الاستدبار ونحوه ، فيتعّين الثاني ، ومن البيّن أنّ التنزيل ناظر إلى خصوص الأُمور المذكورة في تلك النصوص كعدم التكلم والإيماء باليد المذكورين في رواية أبي هارون ، فيراد أنّ الداخل في الإقامة بمثابة الداخل في الصلاة في أنّه لا ينبغي التكلم ولا الإيماء باليد ، فالتنزيل ناظر إلى هذا المقدار لا إلى جميع الآثار ليدل على الوجوب.

ومنها : النصوص الواردة في ناسي الأذان والإقامة حتى دخل الصلاة الآمرة بقطعها لتداركهما ، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا افتتحت الصلاة فنسيت أن تؤذّن وتقيم ثم ذكرت قبل أن تركع فانصرف وأذّن وأقم واستفتح الصلاة ، وإن كنت قد ركعت فأتمّ على صلاتك » (٣).

وتقريب الاستدلال بها من وجهين :

أحدهما : أنّ قطع الفريضة محرّم في نفسه ، فلو كانت الإقامة مستحبة كيف ساغ ارتكاب الحرام لإدراك ما لا يلزم دركه ، فتجويز القطع خير دليل على الوجوب ، بل كونه أهمّ من حرمة القطع.

ثانيهما : أنّ الصحيحة ظاهرة في وجوب القطع ومقتضى استحباب الإقامة‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٩٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ١٢.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٠٣ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٣ ح ٩.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٣٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٩ ح ٣.


جواز تركها اختياراً ، فكيف يجب قطع الفريضة لدرك ما لا يجب الإتيان به من الأوّل ، فوجوب القطع كاشف قطعي عن وجوب الإقامة.

وفي كلا الوجهين ما لا يخفى.

أمّا الأوّل : فلابتنائه على أن يكون المقام من باب التزاحم وليس كذلك ، وإنّما هو من باب التعارض ، وتخصيص دليل حرمة القطع بغير الناسي ، ولا بدع ، إذ الحرمة لم تكن عقلية لتأبى عن التخصيص ، وإنّما هي شرعية وليس هو فيها بعزيز ، وقد ثبت جواز القطع في موارد عديدة كحفظ المال ونحوه. هذا على المشهور من حرمة القطع ، وإلا فالأمر ظاهر.

وأمّا الثاني : فلتوقفه على الالتزام بوجوب القطع ، ولا وجه له ، لمعارضة الصحيحة المتقدمة في موردها بصحيحة زرارة قال : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة ، قال : فليمض في صلاته فإنّما الأذان سنّة » (١) فغايته جواز القطع لدرك فضيلة الإقامة ، وهو لا يكشف عن الوجوب بوجه كما هو واضح.

والمتحصّل من جميع ما قدمناه لحد الآن : أنّ النصوص المتقدمة بمختلف طوائفها لا يمكن الاستدلال بشي‌ء منها على وجوب الإقامة.

نعم يمكن أن يستدل له بوجهين آخرين :

أحدهما : ما ورد في صلاتي المغرب والغداة كموثقة سماعة قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا تصلّ الغداة والمغرب إلا بأذان وإقامة ، ورخّص في سائر الصلوات بالإقامة ، والأذان أفضل » (٢). وكذا ما ورد في مطلق الصلوات كموثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : إذا قمت إلى صلاة فريضة فأذّن وأقم وافصل بين الأذان والإقامة بقعود أو بكلام أو بتسبيح » (٣)

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٣٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٩ ح ١.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٨٧ / أبواب الأذان والإقامة ب ٦ ح ٥.

(٣) الوسائل ٥ : ٣٩٧ / أبواب الأذان والإقامة ب ١١ ح ٤.


فانّ ظاهرهما وجوب الأذان والإقامة معاً ، إما مطلقاً أو في خصوص صلاتي المغرب والغداة ، بل ظاهر الثانية وجوب الفصل أيضاً ، وقد خرجنا في الأذان وفي الفصل بما دل على جواز الترك ، فيحمل الأمر فيهما على الاستحباب وتبقى الإقامة على ظاهر الوجوب ، ولا مانع من التفكيك ولا يضر بوحدة السياق ، بناءً على المختار من استفادة الوجوب والندب من حكم العقل المنتزع من الاقتران بالترخيص في الترك وعدمه ، وقد اقترن أحدهما به دون الآخر فيعمل في كل مورد بموجبه.

ثانيهما : صحيحة زرارة الواردة في القضاء عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث « قال : إذا كان عليك قضاء صلوات فابدأ بأوّلهنّ فأذّن لها وأقم ثم صلّها ، ثم صلّ ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة » (١). فإنه إذا وجبت الإقامة لصلاة القضاء كما هو ظاهر الصحيحة ففي الأداء بطريق أولى.

ولم أر من استدل بها في المقام مع أنّها أولى من كل دليل وأحسن من جميع الوجوه المتقدمة ، فإنّ ظهورها في الوجوب ممّا لا مساغ لإنكاره بوجه ، فليتأمل.

وعليه فما ذكره غير واحد من قصور المقتضي وعدم نهوض دليل لإثبات الوجوب موهون بما سمعته من الوجهين لا سيما الأخير منهما ، فالمقتضي تام والدعوى الأُولى ثابتة. فلا بد إذن من النظر في :

الدعوى الثانية : أعني وجود المانع عن الالتزام بالوجوب ، وقد استدل لها بوجوه :

أحدها : النصوص الكثيرة (٢) وقد تقدم بعضها (٣) المتضمنة أنّ من صلى مع الأذان والإقامة صلى خلفه صفّان من الملائكة ، ومن صلى مع الإقامة‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٤٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٧ ح ١.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٨١ / أبواب الأذان والإقامة ب ٤.

(٣) في ص ٢٢٦.


وحدها صلى خلفه صف واحد. بدعوى أنّ لسان هذا النوع من الأخبار هو الاستحباب ، حيث يظهر منها أنّ أثر الإتيان بهما أو بأحدهما هو اقتداء صف من الملائكة أو صفين ، فغاية ما يترتب على تركهما بعد وضوح عدم وجوب الجماعة هو فقد الاقتداء المستوجب لقلة الثواب دون البطلان ، كما هو شأن صلاة المنفرد حيث لا خلل فيها ما عدا كون ثوابها أقل من الجماعة ، فكأنّه قيل في ذيل تلك النصوص هكذا : ومن صلى بلا إقامة لم يصلّ خلفه أحد من الملائكة. بل قد حكي التذييل بمضمون هذه العبارة عن بعض العامة ، فلأجل ذلك ترفع اليد عن ظهور النصوص المتقدمة في الوجوب وتحمل على الاستحباب. ولعل هذا الوجه أحسن ما استدل به لاستحباب الإقامة.

ويندفع : بجواز كون اقتداء صف من الملائكة من آثار الصلاة الصحيحة التي هي معراج المؤمن ، فإنّ استطراق هذا الاحتمال ممّا لا مساغ لإنكاره ، ولم يظهر من النصوص برهان على خلافه بحيث يدل على صحة الصلاة الخالية عن الإقامة لكي تصلح لرفع اليد بها عن النصوص المتقدمة ، بل الذي يبدو منها أنّ الاقتداء في الجملة إمّا بصف واحد من الملائكة أو الملكين اللذين عن يمين المصلي ويساره أو ملك واحد على اختلاف ألسنتها دخيل في الصحة ، وهو متوقف على الإقامة دون الأذان فيجب الإتيان بها.

والتذييل المذكور لا يمكن التعويل عليه بعد أن لم يكن مروياً من طرقنا ، بل الوارد من طرقنا الذي يؤيد ما استظهرناه ما حكاه الصدوق في ذيل ما رواه بإسناده عن العباس بن هلال عن الرضا عليه‌السلام بقوله : « ... ثم قال : اغتنم الصفين » (١) حيث يظهر منه أنّ لزوم درك الصف الواحد مفروغ عنه ، والذي ينبغي اغتنامه هو الصفّان ، ومن ثم أكّد ونبّه عليه ، أمّا الأول فوضوح لزومه يغني عن التعرض له والتنبيه عليه.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٨١ / أبواب الأذان والإقامة ب ٤ ح ٤ ، الفقيه ١ : ١٨٦ / ٨٨٨.


وبالجملة : دعوى كون لسان الروايات لسان الاستحباب غير واضحة ، فإنّها غير بينة ولا مبينة.

ثانيها : صحيحة حماد الواردة في كيفية الصلاة وبيان أجزائها (١) ولم يتعرض فيها للإقامة.

وفيه : أنّ وجوب الإقامة على القول به إمّا نفسي أو غيري ، وعلى التقديرين لا ينبغي التعرض إليها.

إذ هي على الأوّل عمل مستقل خارج [ عن ] الصلاة ، والصحيحة بصدد بيان الصلاة نفسها بمالها من الأجزاء دون ما كان واجباً بغير الوجوب الصلاتي. وعلى الثاني فهي شرط كسائر الشرائط من الطهارة والاستقبال ونحوهما ، وقد عرفت أنّ الصحيحة بصدد بيان الأجزاء دون الشرائط.

ثالثها : خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن رجل نسي أن يقيم الصلاة حتى انصرف أيعيد صلاته؟ قال : لا يعيدها ولا يعود لمثلها » (٢).

فإنّ النهي عن العود كاشف عن إرادة العمد من النسيان ، بداهة امتناع تعلق النهي بما هو خارج عن الاختيار ، وعليه فالنهي عن إعادة الصلاة الفاقدة للإقامة عامداً خير دليل على الاستحباب.

وفيه أوّلاً : أنّ الرواية ضعيفة السند بعلي بن السندي ، فلا يمكن التعويل عليها.

وثانياً : أنّ غايتها الدلالة على نفي الوجوب الشرطي فلا حاجة إلى الإعادة ، دون الوجوب النفسي الذي ذهب إليه جماعة بل ربما يكون النهي عن العود مع عدم الإعادة دليلاً عليه ، فهي تعاضد الوجوب النفسي لا أنّها تضاده وتعارضه.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٥٩ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٣٣ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٨ ح ٢.


وثالثاً : أنّ حمل النسيان على العمد بعيد غايته ، بل غريب جدّاً ، والقرينة المزعومة غير مسموعة ومن الجائز أن يراد من النهي عن العود شدّة المحافظة ورعاية الاهتمام كي لا يعرض النسيان.

رابعها : صحيحة زرارة قال : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة ، قال : فليمض في صلاته فإنّما الأذان سنة » (١). فانّ المراد من الأذان ما يشمل الإقامة بقرينة الصدر ، والوصف بالسنة التي هي في مقابل الوجوب يكشف عن الاستحباب.

وفيه : أنّه مبني على تفسير السنة بما يقابل الواجب وهو غير واضح ، فإنّها كثيراً ما تطلق على ما يقابل الفريضة ، أي التي افترضها الله في كتابه ، فيراد بها ما سنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كإطلاقها على الركعتين الأخيرتين والتشهد والقراءة مع أنّها واجبة. ومن الجائز أن يكون المقام من هذا القبيل.

خامسها : الإجماع المركب ، بدعوى أنّ الأصحاب بين قائل باستحباب الأذان والإقامة كما هو المشهور. وبين قائل بوجوبهما معاً كما عن جماعة. فالتفكيك بالمصير إلى استحباب الأوّل ووجوب الثاني قول بالفصل وخرق للإجماع المركب ولم يقل به أحد ، وأوّل من تمسك بهذا الإجماع في المقام العلامة في المختلف (٢) وتبعه جماعة ممّن تأخر عنه.

وفيه أوّلاً : أنّه لم يحرز انعقاد الإجماع التعبدي على الملازمة بين الأذان والإقامة في الوجوب والاستحباب بحيث يكون كاشفاً عن رأي المعصوم عليه‌السلام ، كيف وقد استند كل من أرباب القولين إلى ما يستفيدونه من نصوص الباب وأخبار المقام ، فهو معلوم المدرك ، فلا بد إذن من النظر في نفس المدرك ومن الجائز أن يستفيد ثالث ما ينتج التفكيك فيدعي دلالة بعض الاخبار على استحباب الأذان ، والبعض الآخر على وجوب الإقامة ، والإجماع‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٣٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٩ ح ١.

(٢) المختلف ٢ : ١٣٨.


والأحوط عدم ترك الإقامة (١) (١) للرجال في غير موارد السقوط (٢)

______________________________________________________

دليل لبّي لا بد فيه من القطع بالملازمة وعهدته على مدعية.

وثانياً : أنّ الصغرى ممنوعة لوجود القول بالفصل ، فقد ذهب السيد المرتضى كما سبق (١) إلى وجوب الإقامة مطلقاً على الرجال دون الأذان ، كما نسب إلى ابن أبي عقيل التفصيل بين الصبح والمغرب فيجبان فيهما وبين غيرهما من الفرائض فلا تجب إلا الإقامة ، وكذا إلى ابن الجنيد فلاحظ (٢).

وقد تحصّل لحد الآن : أنّ الوجوه المتقدمة المستدل بها لاستحباب الإقامة كلها مخدوشة ومنظور فيها ، والعمدة في المقام ما يخطر بالبال من :

الوجه السادس : الذي تمسكنا به في كثير من المقامات ، والمقام من أحراها وأظهر مصاديقها : وهو أنّ الإقامة من المسائل العامة البلوى والكثيرة الدوران ، بل يبتلي بها كل مكلف في كل يوم خمس مرّات على الأقل ، فلو كانت واجبة لاشتهر وبان وشاع وذاع ، بل أصبح من الواضحات التي يعرفها كل أحد ، لما عرفت من شدة الابتلاء وعموم الحاجة ، فكيف لم يذهب إلى وجوبها ما عدا نفراً يسيراً من الأصحاب ، وهاتيك النصوص المستدل بها للوجوب بمرأى منهم ومسمع ، وهذا خير دليل على أنّهم لم يستفيدوا من مجموعها أكثر من الاستحباب غير أنّه في الإقامة آكد.

إذن فالأقوى عدم الوجوب ، وإن كان الاحتياط في الإقامة ممّا لا ينبغي تركه والله سبحانه أعلم.

(١) وإن كان الأقوى هو الجواز حسبما عرفت.

(٢) كما سيأتي البحث حولها عند تعرض الماتن لها (٣).

__________________

(١) لا بأس بتركها وإن كان رعاية الاحتياط أولى.

(١) ، (٢) في ص ٢٢٦.

(٣) في ص ٢٨٤.


وغير حال الاستعجال والسفر وضيق الوقت (١). وهما مختصان بالفرائض اليومية (٢).

______________________________________________________

(١) لا يخفى أنّ الأدلة المستدل بها لوجوب الإقامة إمّا على سبيل الفتوى أو الاحتياط الوجوبي كما صنعه في المتن لا يفرق فيها بمقتضى الإطلاق بين حال دون حال ، ولا تمتاز الموارد الثلاثة المذكورة في المتن عن غيرها.

أما الاستعجال فلم يرد فيه أيّ نص في المقام ، نعم ورد في بعض الأخبار سقوط السورة لدى الاستعجال ، أمّا الإقامة فلم ترد فيها ولا رواية ضعيفة.

وأما السفر فقد ورد في كثير من النصوص سقوط الأذان فيه ، وأمّا الإقامة فلم ترد في سقوطها ولا رواية واحدة. أجل ، ورد في بعض النصوص سقوط بعض الفصول والاكتفاء بفصل واحد عن الفصلين في حالتي السفر والعجلة ، وهو بحث آخر غير سقوط أصل الإقامة الذي هو محل الكلام ، وسيأتي البحث حوله عند تعرض الماتن له (١).

وأمّا الضيق فكذلك. ومقتضى القاعدة وقوع المزاحمة بين الإقامة بناءً على وجوبها وبين رعاية الوقت في تمام الصلاة كما هو الحال في سائر الشرائط ، فلا بد من ملاحظة ما هو الأهمّ منها (٢).

(٢) على المشهور ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه ، بل لم ينقل الخلاف حتى من أهل الخلاف. مضافاً إلى السيرة القطعية العملية المستمرة إلى زمن المعصومين ، ولم ترد حتى رواية ضعيفة تشعر بالأذان والإقامة لغير الصلوات اليومية مع كثرة الابتلاء بها ، فيكشف ذلك عن عدم المشروعية ، بل يكفي في العدم مجرد عدم الدليل بعد أن كانت العبادة توقيفية.

__________________

(١) في ص ٢٦٣.

(٢) هذا وجيه لو كان الوجوب على القول به نفسياً ، وأمّا لو كان شرطياً فلا وجه للادراج في باب المزاحمة وملاحظة مرجّحاته على ما تكرر عنه ( دام ظله ) نظير ذلك في غير مورد.


أجل ، قد يقال باستفادة ذلك إمّا في مطلق الصلوات ، أو في خصوص الصلوات الواجبة من بعض الروايات

منها : موثقة عمار الواردة في المريض : « لا بدّ من أن يؤذّن ويقيم ، لأنّه لا صلاة إلا بأذان وإقامة » (١) ، فإنّ إطلاقها يشمل عامّة الصلوات.

وفيه : أنّها لم تكن بصدد بيان المشروعية ليتمسّك بإطلاقها ، بل هي ناظرة إلى أنّهما في موطن مشروعيتهما لا يفرق الحال فيها بين الصحيح والسقيم ، وأنّ ما يؤذن ويقيم له الصحيح يؤذّن ويقيم له المريض أيضاً ، وإن كان شديد الوجع ، وأنّ المرض لا يسقط الحكم ، من غير نظر إلى نفس المورد وتعيينه لينعقد الإطلاق (٢).

ومنها : موثقته الأُخرى عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا قمت إلى صلاة فريضة فأذّن وأقم وافصل بين الأذان والإقامة ... » إلخ (٣) فإنها تدل على المشروعية في مطلق الفرائض وإن لم تشمل النوافل كالسابقة.

ويندفع : بابتنائه على تفسير الفريضة بما يقابل المندوب ، وليس كذلك ، بل المراد كما مرّ ما يقابل السنة ، أي الذي فرضه الله تعالى في كتابه ، ومن المعلوم أنّ المفروض في الكتاب العزيز من الصلوات منحصر في اليومية ، وفي صلاة العيدين المشار إليهما في قوله تعالى ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) (٤) ، وقوله تعالى ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى ) (٥) حيث فسّرت الآية الأولى بصلاة عيد الأضحى والثانية بصلاة عيد الفطر ، لكن النصوص الكثيرة‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٤٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٥ ح ٢.

(٢) لا يبعد استفادة الإطلاق من الكبرى الكلية المذكورة في التعليل الوارد في مقام التطبيق فلاحظ.

(٣) الوسائل ٥ : ٣٩٧ / أبواب الأذان والإقامة ب ١١ ح ٤.

(٤) الكوثر ١٠٨ : ٢.

(٥) الأعلى ٨٧ : ١٤ ١٥.


وأمّا في سائر الصلوات الواجبة (١) فيقال « الصلاة » ثلاث مرات (١).

______________________________________________________

تضمّنت نفي الأذان والإقامة عن صلاة العيدين التي منها صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : صلاة العيد ركعتان بلا أذان ولا إقامة » (١).

وصحيحة زرارة قال : « قال أبو جعفر عليه‌السلام : ليس يوم الفطر ولا يوم الأضحى أذان ولا إقامة » (٢) فيبقى تحت الموثقة من الفرائض خصوص الصلوات اليومية.

(١) أي غير اليومية من غير فرق بين العيدين وغيرهما ، وبين الجماعة والفرادى ، وهذا الإطلاق لم يرد فيه نص. نعم ، ورد ذلك في خصوص صلاة العيدين ، فقد روى الصدوق والشيخ بإسنادهما عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قلت له : أرأيت صلاة العيدين هل فيهما أذان وإقامة؟ قال : ليس فيهما أذان ولا إقامة ، ولكن ينادى الصلاة ثلاث مرات ... » الحديث (٣) والكلام يقع في سندها تارةً والدلالة اخرى.

أمّا السند : فقد عبّر عنها المحقق الهمداني بخبر إسماعيل الجعفي (٤) ولكن الصحيح كما في الفقيه : إسماعيل بن جابر ، فانّ هذا الرجل وإن كان جعفياً أيضاً إلا أنّ إسماعيل الجعفي في كلام الصدوق يراد به إسماعيل بن عبد الرحمن الجعفي ، كما يظهر من المشيخة (٥) وقد رواها الشيخ أيضاً في التهذيب عن إسماعيل بن جابر ، وطريقه كطريق الصدوق إليه صحيح ، فإنّ الثاني وإن اشتمل على محمد‌

__________________

(١) الظاهر اختصاص الاستحباب بالصلاة جماعة.

(١) ، (٢) الوسائل ٧ : ٤٢٩ / أبواب صلاة العيد ب ٧ ح ٧ ، ٥.

(٣) الوسائل ٧ : ٤٢٨ / أبواب صلاة العيد ب ٧ ح ١ ، الفقيه ١ : ٣٢٢ / ١٤٧٣ ، التهذيب ٣ : ٢٩٠ / ٨٧٣.

(٤) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٢٠٦ السطر ٣٥.

(٥) لكن يظهر من المعجم خلافه لاحظ المعجم ٤ : ٣١ / ١٣١٠.


ابن موسى المتوكل إلا أنّنا اعتمدنا عليه أخيراً.

إنّما الكلام في الرجل نفسه ، فقد ذكره النجاشي (١) وقال : إسماعيل بن جابر روى حديث الأذان ، له كتاب ، وهكذا الشيخ في الفهرست (٢) ، ولم يوثقه أيّ منهما.

نعم ، ذكر في رجاله قائلاً : إسماعيل بن جابر الخثعمي الكوفي ثقة ممدوح له أُصول رواها عنه صفوان بن يحيى (٣).

والظاهر بل المطمأن به أنّ المراد به هو إسماعيل بن جابر الآنف الذكر ، والتوصيف بالخثعمي سهو من قلمه الشريف قدس‌سره أو غلط من النسّاخ فأُبدل الجعفي بالخثعمي وأنّهما شخص واحد.

ويدلنا على ذلك أُمور :

أحدها : أنّ الخثعمي لو كان شخصاً آخر وله كتاب روى عنه صفوان فلما ذا لم يذكره الشيخ بنفسه في فهرسته ، ولا النجاشي في كتابه ، مع أنّه ذو كتاب ومعروف بطبيعة الحال ، بل ولماذا لم يذكر الشيخ إسماعيل بن جابر في رجاله مع أنّه أيضاً له كتاب. فمن عدم تعرض كل منهما لما تعرض إليه الآخر يستكشف الاتحاد.

ثانيها : أنّه لم يرد عن الخثعمي ولا رواية واحدة ، ولو كان غير الخثعمي وله كتاب فلما ذا لم يرو عنه الشيخ في كتابيه واقتصر على الرواية عن الجعفي فحسب ، فلولا أنّهما شخص واحد لم يتضح وجه لهذا التفكيك مع فرض اشتراكهما في أنّ لكل منهما كتاباً وهو معروف فليتأمل.

نعم ، ورد في كتاب الحج عن الكافي رواية عن إسماعيل الخثعمي (٤) ورواها‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٢ / ٧١.

(٢) الفهرست : ١٥ / ٤٩.

(٣) رجال الطوسي : ١٢٤ / ١٢٤٦.

(٤) الكافي ٤ : ٥٤٥ / ٢٦.


بعينها في الوافي (١) ولكن عن إسماعيل بن الخثعمي. وكيف ما كان ، فعلى تقدير صحة النسخة فهو مجهول الحال كما لا يخفي.

ثالثها : أنّ العلامة في الخلاصة (٢) عند ما عنون إسماعيل بن جابر ترجمه بعين العبارة المتقدمة عن الشيخ في رجاله حيث قال : ثقة ممدوح ... إلخ فمن المطمأن به أنّه أخذ ما ذكره من رجال الشيخ ، وكانت النسخة الموجودة عنده مشتملة على الجعفي دون الخثعمي.

ويؤكده : أنّ نسخة الرجال التي كانت عند المولى الشيخ عناية الله على ما ذكره في مجمع الرجال كانت هو الجعفي دون الخثعمي (٣) ، وكذلك الموجود في نسخة النقد للفاضل التفريشي (٤). ومن ذلك كله يتضح أنّ إسماعيل بن جابر موثق ، لتوثيق الشيخ إياه في رجاله. مضافاً إلى وقوعه في أسانيد كامل الزيارات (٥) فالرواية إذن معتبرة السند.

وأمّا من ناحية الدلالة : فلا شبهة في دلالتها على سقوط الأذان والإقامة واستحباب التكبير ثلاثاً بدلاً عنهما ، وإنّما الكلام في أمرين :

أحدهما : في أنّ ذلك هل يختص بالصلاة جماعة أو يعمّ الفرادى؟ الظاهر هو الأوّل لقوله عليه‌السلام : ولكنه ينادى ... إلخ ، فإنّ النداء إنّما هو لأجل اجتماع الناس وإعلامهم بدلاً عن الأذان.

فلا دليل إذن على الاستحباب في صلاة المنفرد.

ثانيهما : هل الحكم يختص بمورده ، أعني صلاة العيدين ، أو يتعدى إلى بقية الصلوات غير اليومية كصلاة الاستسقاء والآيات وغيرهما؟

__________________

(١) الوافي ١٤ : ١٣٠٩ / ١٤٣٢١.

(٢) الخلاصة : ٥٤ / ٣٠.

(٣) مجمع الرجال ١ : ٢٠٧.

(٤) نقد الرجال ١ : ٢١٢.

(٥) ولكنه لم يكن من مشايخه بلا واسطة ، فلا توثيق من هذه الناحية.


نعم يستحب الأذان في الاذن اليمنى من المولود والإقامة في اذنه اليسرى (١)

______________________________________________________

مقتضى الجمود على النص هو الأوّل ، ولكن مناسبة الحكم والموضوع تستدعي الثاني ، وهو الأظهر ، لإلغاء خصوصية المورد بحسب الفهم العرفي بعد أن كانت الغاية من النداء هو الاجتماع الذي لا يختص بمورد دون مورد.

(١) لمعتبرة السكوني عن ابي عبد الله عليه‌السلام « قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من ولد له مولود فليؤذّن في اذنه اليمنى بأذان الصلاة ، وليقم في اذنه اليسرى ، فإنّها عصمة من الشيطان الرجيم » (١).

ومعتبرة حفص الكناسي عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : مروا القابلة أو بعض من يليه أن يقيم الصلاة في اذنه اليمنى فلا يصيبه لمم ولا تابعة أبداً » (٢) فإنّه لا غمز في سند هذه الرواية إلا من ناحية معلى بن محمد حيث إنّه لم يوثق ، بل قال ابن الغضائري أن حديثه يعرف وينكر ، (٣) ولكنا لا نعتمد على تضعيفه ولا على توثيقه ، فإنّه وإن كان ثقة جليل القدر إلا أنّه لم يثبت لدينا صحة إسناد كتابه إليه.

نعم ، وصفه النجاشي بأنّه مضطرب الحديث والمذهب (٤) لكن هذا التعبير لا ينافي التوثيق كما مرّ غير مرّة إذن فلم يثبت جرح للرجل ليكون معارضاً مع التوثيق المستفاد من وقوعه في أسناد تفسير القمي ، كما أنّ الكناسي بنفسه أيضاً من رجال التفسير وإن لم يرد فيه توثيق صريح.

فالنتيجة : أنّ الروايتين معتبرتان سنداً وأمّا من حيث الدلالة فظاهرهما المنافاة ، لدلالة الأُولى على أنّه يؤذّن في اليمنى والثانية على أنّه يقيم ، ومن ثمّ‌

__________________

(١) الوسائل ٢١ : ٤٠٥ / أبواب أحكام الأولاد ب ٣٥ ح ١.

(٢) الوسائل ٢١ : ٤٠٦ / أبواب أحكام الأولاد ب ٣٥ ح ٣.

(٣) مجمع الرجال ٦ : ١١٣.

(٤) رجال النجاشي : ٤١٨ / ١١١٧.


يوم تولّده (١) أو قبل أن تسقط سرّته (٢).

وكذا يستحب الأذان في الفلوات عند الوحشة من الغول وسحرة الجن (٣).

وكذا يستحب الأذان في اذن من ترك اللحم أربعين يوماً ، وكذا كلّ من ساء خلقه (٤).

______________________________________________________

جمع بينهما بحمل الإقامة على الأذان.

وفيه : أنّ الأذان وإن أُطلق على الإقامة في بعض النصوص المتقدمة ، إلا أنّ العكس غير معهود والأولى الجمع بالحمل على التخيير.

(١) كما هو الظاهر من معتبرة الكناسي المتقدمة ، حيث إنّ القابلة المأمورة بالإقامة في اذن المولود تمضي ليومها غالباً ولا تبقى إلى أن تنقطع السرة ، فيكون ظرف الاستحباب هو هذا اليوم ، بل لعله المنصرف من معتبرة السكوني أيضاً كما لا يخفى.

(٢) كما في رواية أبي يحيى الرازي عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : إذا ولد لكم المولود إلى أن قال ... وأذّن في اذنه اليمنى وأقم في اليسرى يفعل ذلك قبل أن تقطع سرته ... » إلخ (١).

ولكنها لضعف سندها من أجل جهالة كل من أبي إسماعيل وأبي يحيى لا يمكن التعويل عليها ، إذن يختص الاستحباب بيوم الولادة عملاً بمعتبرة الكناسي.

(٣) قد نطقت بذلك جملة من النصوص ، غير أنّها بأجمها ضعيفة السند ، فيبتني الحكم بالاستحباب على قاعدة التسامح. نعم إنّ ذكر الله حسن على كل حال ، إلا أنّ عنوان الأذان بخصوصه لا دليل معتبر عليه.

(٤) دل على الحكم فيهما صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله ( عليه‌

__________________

(١) الوسائل ٢١ : ٤٠٦ / أبواب أحكام الأولاد ب ٣٥ ح ٢.


والأولى أن يكون في اذنه اليمنى (١). وكذا الدابة إذا ساء خلقها (٢).

ثم إنّ الأذان قسمان : أذان الإعلام وأذان الصلاة (٣).

______________________________________________________

السلام ) « قال : اللحم ينبت اللحم ، ومن تركه أربعين يوماً ساء خلقه ومن ساء خلقه فأذّنوا في أُذنه » (١) فإنّ الصحيحة كما دلت على الاستحباب في تارك اللحم أربعين يوماً دلت عليه في من ساء خلقه ولو من غير جهة ترك اللحم ، حيث إنّه عليه‌السلام طبّق الكبرى على المورد.

(١) صحيحة هشام المتقدمة خالية عن هذا التقييد. نعم ورد ذلك في رواية الواسطي (٢) ولكنها ضعيفة السند ، ولا بأس برعاية القيد رجاء وعلى سبيل الأولوية.

(٢) ففي رواية أبي حفص الأبار « ... وإذا ساء خلق أحدكم من إنسان أو دابة فأذّنوا في اذنه الأذان كله » (٣) ولكن ضعفها من جهة الإرسال وجهالة الأبار يمنع عن الاعتماد عليها إلا من باب قاعدة التسامح ، وقد عبّر عنها المحقق الهمداني (٤) وبعض من تأخر عنه برواية حفص ، والصحيح أبي حفص.

(٣) يقع الكلام تارةً في مشروعية كل من القسمين ، وأُخرى في الفرق بين الأذانين ، فهنا جهتان :

أمّا الجهة الاولى : فلا شبهة في مشروعية أذان الصلاة وقد دلت عليه النصوص المتقدمة بأسرها ، التي منها حديث الصفّ والصفّين من الملائكة ، وما تضمّن أنّه لا صلاة إلا بأذان وإقامة ، بل قد عرفت أنّ جمعاً استفادوا الوجوب منها فضلاً عن المشروعية والاستحباب.

__________________

(١) الوسائل ٢٥ : ٤٠ / أبواب الأطعمة المباحة ب ١٢ ح ١.

(٢) الوسائل ٢٥ : ٤١ / أبواب الأطعمة المباحة ب ١٢ ح ٧.

(٣) الوسائل ٢٥ : ٤٢ / أبواب الأطعمة المباحة ب ١٢ ح ٨.

(٤) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٢٣٢ السطر ٢١.


فدعوى اختصاص التشريع بأذان الاعلام ، نظراً إلى ما تقتضيه نفس التسمية بالأذان ، حيث إنّه بمعنى الاعلام ، لا وجه لها ، إذ المستفاد من تلك النصوص استحبابه لأجل الصلاة سواء أتحقق معه الاعلام أيضاً أم لا.

وأمّا مشروعيته للاعلام بدخول الوقت وإن لم يرد المؤذّن الصلاة ، فتدل عليه السيرة القطعية المتصلة بزمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ويظهر من معتبرة زرارة أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان له مؤذّنان : ابن أُمّ مكتوم وبلال ، وأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله « قال : فإذا أذّن بلال فعند ذلك فأمسك » (١).

وقد دلت على استحبابه نصوص كثيرة ، كصحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أذّن في مصر من أمصار المسلمين سنة وجبت له الجنة » (٢).

وعن أبي جعفر عليه‌السلام « قال : من أذّن عشر سنين محتسباً يغفر الله له مدّ بصره وصوته في السماء » (٣).

وروى الشيخ بإسناده عن سليمان بن جعفر عن أبيه قال : « دخل رجل من أهل الشام على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال له : إنّ أوّل من سبق إلى الجنة بلال ، قال : ولم؟ قال : لأنه أوّل من أذّن » (٤) إلى غير ذلك مما دل على استحباب أذان الاعلام في نفسه.

وبالجملة : فكلّ من النوعين سائغ يستحب في حد نفسه ، وبما أنّ النسبة بينهما عموم من وجه فربما يتداخلان ويكون أذان واحد مجمعاً للعنوانين ، فيقصد به الاعلام والصلاة معاً ، كما قد يفترقان. ومقتضى إطلاق الدليل في كل‌

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ١٢٠ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤٩ ح ٣.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٧١ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢ ح ١.

(٣) الوسائل ٥ : ٣٧٢ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢ ح ٥.

(٤) الوسائل ٥ : ٣٧٣ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢ ح ٧.


ويشرط في أذان الصلاة كالإقامة قصد القربة ، بخلاف أذان الاعلام فإنه لا يعتبر فيه ، ويعتبر أن يكون أوّل الوقت ، وأما أذان الصلاة فمتصل بها وإن كان في آخر الوقت (١).

______________________________________________________

من الطرفين ثبوت الاستحباب في كلتا الصورتين.

(١) وأمّا الجهة الثانية ، فقد ذكر في المتن الفرق بينهما من وجهين :

أحدهما : اعتبار قصد القربة في أذان الصلاة دون الإعلام ، فالأوّل عبادي دون الثاني.

أما الاعتبار في الأوّل ، فلم ينهض عليه دليل لفظي. نعم ، بالإضافة إلى الإقامة يمكن الاستئناس له بالنصوص المتقدمة (١) الناطقة بأنّ الإقامة من الصلاة ، وأنّ الداخل فيها بمثابة الداخل في الصلاة ، بدعوى أنّ مقتضى عموم التنزيل ترتيب جميع الأحكام التي منها كونها عبادية.

وأمّا الأذان ، فالنصوص الواردة فيه عارية حتى عن مثل هذا اللسان ، إلا أنّ الصحيح مع ذلك اعتباره فيه ، لأنّه المتسالم عليه بين الفقهاء ، بل المرتكز في أذهان المتشرعة ، فإنّهم يرونه بلا ريب عملاً قربيّاً عباديا كسائر أجزاء الصلاة ، فلا ينبغي التأمل في ذلك.

وأما عدم الاعتبار في الثاني ، فلأنّ الغاية من تشريعه هو الاعلام الحاصل بدون قصد التقرب أيضاً ، ومع الشك فالمرجع إطلاق الدليل بعد إمكان التقييد به وإن أنكره صاحب الكفاية حسبما فصّلنا البحث حوله في الأُصول (٢).

ومع الغض عن الإطلاق فالمرجع الأصل العملي ، أعني استصحاب عدم الجعل ، فإنّه أمر حادث مسبوق بالعدم ، والمتيقن منه تعلقه بطبيعة الأذان. وأمّا جعل التقييد بقصد القربة زائداً على ذلك لتنتزع منه الشرطية فهو مشكوك‌

__________________

(١) في ص ٢٣٥.

(٢) محاضرات في أصول الفقه ٢ : ١٥٥.


وفصول الأذان ثمانية عشر (١) الله أكبر أربع مرّات ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمّداً رسول الله ، وحيّ على الصلاة ، وحي على الفلاح ، وحيّ على خير العمل ، والله أكبر ، ولا إله إلا الله ، كل واحدة مرّتان.

______________________________________________________

مدفوع بالأصل (١).

وأمّا التمسك بأصالة البراءة فلا مجال له ، لا العقلية لعدم احتمال العقاب بعد فرض الاستحباب ، ولا الشرعية إذ المرفوع فيما لا يعلمون هو إيجاب الاحتياط غير المحتمل (٢) في المقام ، واستحبابه ثابت على كل حال ، فلا معنى لرفعه. وتمام الكلام في محله.

ثانيهما : اختصاص أذان الإعلام بأوّل الوقت ، ووجهه ظاهر ، فإنّه شرّع للاعلام بدخوله فلا مقتضي لاستحبابه بعد انقضائه ، كما لا مقتضي له قبل دخوله إلا في أذان الفجر ، حيث لا يبعد جواز تقديمه على الفجر للايقاظ والتهيؤ كما سيجي‌ء البحث عنه (٣).

وأمّا أذان الصلاة ، فلأجل أنّه متصل بها فهو من توابعها ومقارناتها ، فلا جرم يمتد وقته حسب امتداد وقت الصلاة فيستحب حتى في آخر الوقت.

(١) إجماعاً كما ادعاه غير واحد ، وقد دلت عليه طائفة من الأخبار نقتصر على المعتبرة منها.

__________________

(١) لا يخفى أنّ كلا من الإطلاق والتقييد ، أعني لحاظ الطبيعة بنحو بشرط شي‌ء ولحاظها بنحو اللا اقتضائيّ بشرط القسمي أمر وجودي وحادث مسبوق بالعدم ، وأصالة عدم تعلق الجعل بكل منهما معارض بأصالة عدم تعلقه بالآخر ، ومن ثم التجأ ( دام ظله ) في مبحث الأقل والأكثر [ في مصباح الأُصول ٢ : ٤٢٩ ] إلى التمسك بأصالة البراءة عن التقييد ، السليمة عن المعارضة بأصالة البراءة عن الإطلاق كما لا يخفى.

(٢) نعم ، ولكنّ الوجوب الشرطي محتمل فيمكن دفعه بأصالة البراءة الشرعية كما صرح ( دام ظله ) بذلك في الأُصول. لاحظ الدراسات ٣ : ٢٤٦.

(٣) في ص ٣٣٨.


فمنها : ما رواه الكليني بإسناده عن إسماعيل الجعفي قال : « سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : الأذان والإقامة خمسة وثلاثون حرفاً ، فعدّ ذلك بيده واحداً واحداً ، الأذان ثمانية عشر حرفاً ، والإقامة سبعة عشر حرفاً » (١).

وقد تقدم قريباً (٢) نبذ من الكلام حول إسماعيل الجعفي الذي هو مردد بين ابن جابر وابن عبد الرحمن وابن عبد الخالق ، حيث إنّه يطلق على كل واحد من هؤلاء الثلاثة كما يظهر من مشيخة الفقيه ، ولم يعلم المراد منهم في المقام بعد أن كان الراوي عنه أبان بن عثمان الذي هو من أصحاب الصادق عليه‌السلام. نعم ، لو صدرت الرواية بعد زمانه عليه‌السلام لتعيّن إرادة الأوّل لموت الأخيرين في زمان حياته عليه‌السلام ولكنّها وردت عن الباقر عليه‌السلام ، فلا معيّن في البين.

غير أنّ من المطمأن به أنّ المراد به هو الأوّل ، لما ذكره النجاشي من أنّه هو الذي روى حديث الأذان (٣).

وكيف ما كان ، فهو معتبر على كل تقدير ، إذ الأوّل قد وثّقه الشيخ في رجاله كما سبق (٤) ، والأخيران بين موثوق وممدوح. فالرواية إذن معتبرة السند.

وأمّا من حيث الدلالة ، فهي وإن كانت مجملة حيث لم يبيّن فيها الكيفية إلا على سبيل الإشارة والإجمال وأنّها ثمانية عشر حرفاً ، إلا أنّ السيرة العملية والتعارف الخارجي يكشفان القناع عن هذا الإجمال بعد انطباق العدد على عملهم من الإتيان بالتكبيرات أربعاً وبباقي الفصول مثنى مثنى.

ومنها : موثقة المعلى بن خنيس (٥) المتضمنة لذكر الفصول الثمانية عشر على‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤١٣ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٩ ح ١ ، الكافي ٣ : ٣٠٢ / ٣.

(٢) في ص ٢٤٥.

(٣) رجال النجاشي : ٣٢ / ٧١.

(٤) في ص ٢٤٦.

(٥) الوسائل ٥ : ٤١٥ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٩ ح ٦.


النهج المذكور في المتن. فإنّ الرجل وإن كان فيه كلام ولكنه موثق على الأظهر.

ومنها : ما رواه الشيخ بإسناده عن أبي بكر الحضرمي وكليب الأسدي جميعاً عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) المشتملة على الكيفية المذكورة في المتن ، ولا غمز في السند إلا من ناحية الرجلين المزبورين ، وهما من رجال كامل الزيارات (٢).

ولكن بإزائها روايات اخرى دلت على أنّ فصول الأذان كلها مثنى مثنى كالإقامة وهي :

صحيحة صفوان الجمّال قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : الأذان مثنى مثنى ، والإقامة مثنى مثنى » (٣).

وصحيحة عبد الله بن سنان قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الأذان فقال : تقول : الله أكبر الله أكبر » إلى آخر الفصول كلها مثنى مثنى (٤).

وما رواه الشيخ بإسناده عن زرارة والفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه‌السلام وقد تضمنت بيان الفصول كما ذكره (٥) وقد عبّر عن الأخيرة أيضاً بالصحيحة ، وليس كذلك ، لاشتمال السند على ابن السندي ولم يوثق ، فالعمدة ما عرفت من الصحيحتين.

والجمع العرفي بين الطائفتين يستدعي حمل الطائفة الأُولى على الأفضلية ، لصراحة الثانية في إجزاء مثنى مثنى في عامّة الفصول. أما الأُولى فغايتها الظهور في لزوم الأربع في التكبيرات الأُول ، فتحمل على الندب ، ومن المعلوم أنّ مجرد قيام السيرة العملية على مضمون الاولى لا يستوجب تعينها ، كيف وربما تجري سيرتهم على ما يقطع بعدم وجوبه كالقنوت ، فلا يستكشف منها‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤١٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٩ ح ٩ ، التهذيب ٢ : ٦٠ / ٢١١.

(٢) ولكنه لا ينفع كما مرّ غير مرّة.

(٣) الوسائل ٥ : ٤١٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٩ ح ٤ ، ٥.

(٤) الوسائل ٥ : ٤١٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٩ ح ٤ ، ٥.

(٥) الوسائل ٥ : ٤١٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٩ ح ٨ ، التهذيب ٢ : ٦٠ / ٢١٠.


وفصول الإقامة سبعة عشر (١) : الله أكبر في أوّلها مرّتان ويزيد بعد حيّ على خير العمل قد قامت الصلاة مرّتين ، وينقص من لا إله إلا الله في آخرها مرّة.

______________________________________________________

أزيد من المشروعية دون اللزوم ، هذا.

وربما يظهر من بعض النصوص زيادة الفصول عمّا ذكر. ففي مرسلة النهاية : « أنّها سبعة وثلاثون فصلاً ، يضيف إلى ما ذكر التكبير مرتين في أوّل الإقامة » (١).

وفي مرسلته الأُخرى « أنّها ثمانية وثلاثون فصلاً ، يضيف إلى ذلك لا إله إلا الله مرّة أُخرى في آخر الإقامة » (٢). وفي مرسلته الثالثة « إنّها اثنان وأربعون فصلاً ، يضيف إلى ذلك التكبير في آخر الأذان مرّتين وفي آخر الإقامة مرتين » (٣) لكن ضعفها بأجمعها بالإرسال يمنع عن الاتكال عليها ، إلا بناءً على قاعدة التسامح أو الإتيان بقصد الرجاء.

(١) إجماعاً كما ادعاه غير واحد بالسنة مختلفة ، غير أنّ النصوص الواردة في المقام لا تشهد بذلك ، ما عدا موثقة إسماعيل الجعفي المتقدمة (٤) المتضمنة أنّ الإقامة سبعة عشر حرفاً بضميمة السيرة الخارجية المفسرة لذلك ، والمبيّنة أنّ نقصها بحرف واحد من حروف الأذان الثمانية عشر هو نتيجة نقص تهليل من الأخير بعد تبديل التكبير مرتين من أوّلها بقول : قد قامت الصلاة مرّتين فيما قبل التكبير من آخرها. وأمّا بقية النصوص فهي مختلفة :

فمنها : ما دل على أنّ الإقامة مثنى مثنى كصحيحة صفوان المتقدمة.

ومنها : صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال :

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٢١ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٩ ح ٢٠ ، النهاية : ٦٨.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٢٢ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٩ ح ٢١ ، النهاية : ٦٨.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٢٢ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٩ ح ٢٢ ، النهاية : ٦٩.

(٤) في ص ٢٥٤.


ويستحب الصلاة على محمّد وآله عند ذكر اسمه (١).

______________________________________________________

الأذان مثنى مثنى ، والإقامة واحدة واحدة » (١).

ومنها : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : الإقامة مرّة مرّة ، إلا قول الله أكبر الله أكبر فإنه مرّتان » (٢).

والجمع بين الأخيرتين بارتكاب التقييد بأن يراد من الواحد في صحيحة معاوية ما عدا التكبير غير وجيه ، إذ مضافاً إلى ما يراه العرف من التنافي بينهما لدى عرضهما عليه كما لا يخفى فتدبر جيداً ، أنّ هذا النوع من الجمع خاص بالواجبات ، أمّا المستحبات فيحمل المقيد فيها على أفضل الأفراد حسبما تقرر في محله (٣).

إذن فمقتضى الصناعة في مقام الجمع بين هذه النصوص بأجمعها هو الحمل على اختلاف مراتب الفضل كما ذكره جماعة.

بيد أنّ هناك رواية واحدة تكون شاهدة للجمع بوجه آخر ، وهي صحيحة أبي همام عن أبي الحسن عليه‌السلام « قال : الأذان والإقامة مثنى مثنى ، وقال : إذا أقام مثنى ولم يؤذّن أجزأه في الصلاة المكتوبة ، ومن أقام الصلاة واحدة واحدة ولم يؤذّن لم يجزئه إلا بالأذان » (٤) ، حيث تضمنت التفصيل بين اقتران الإقامة بالأذان فتجزئ فيها واحدة واحدة ، وبين الاقتصار عليها ، فلا بدّ وأن تكون مثنى مثنى. وبذلك يجمع بين النصوص ، وهذا الجمع هو المتعيّن.

(١) لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : في حديث « قال : وصلّ على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كلّما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في أذان أو‌

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٥ : ٤٢٤ و٤٢٥ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢١ ح ١ ، ٣.

(٣) محاضرات في أصول الفقه ٥ : ٣٨٤.

(٤) الوسائل ٥ : ٤٢٣ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٠ ح ١.


وأمّا الشهادة لعلي عليه‌السلام بالولاية وإمرة المؤمنين فليست جزءاً منهما (١).

______________________________________________________

غيره » (١) مضافاً إلى العمومات الآمرة بالصلاة عليه عند ذكره من غير فرق بين الأذان وغيره ، الواردة في أبواب الذكر من الوسائل (٢).

بل ، إنّ ظاهر الأمر هو الوجوب ، وحيث لا معارض له فينبغي الفتوى به كما أفتى به صاحب الوسائل حيث أخذه في عنوان بابه في المقام.

لكن الذي يمنعنا عنه أنّ المسألة كثيرة الدوران جدّاً ، بل من أعظم ما تعمّ به البلوى ، فلو كان الوجوب ثابتاً والحالة هذه لاشتهر وبان وشاع وذاع ، بل كان من أوضح الواضحات ، فكيف لم يفت به معظم الفقهاء ما عدا نفراً يسيراً ، بل وكيف لم تجر عليه سيرة المتشرعة إلا القليل ، لو لم ندّع جريان سيرة أكثرهم على عدم الالتزام كما لا يخفى. فالأقوى إذن ما عليه المشهور من الاستحباب.

(١) قال الصدوق في الفقيه ما لفظه : والمفوّضة ( لعنهم الله ) قد وضعوا أخباراً وزادوا بها في الأذان محمّد وآل محمّد خير البرية مرتين ، وفي بعض رواياتهم بعد أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، أشهد أنّ علياً ولي الله مرتين ، ومنهم من روى بدل ذلك أشهد أنّ علياً أمير المؤمنين حقاً مرتين ، ولا شك أنّ علياً ولي الله وأنّه أمير المؤمنين حقاً وأنّ محمداً وآله خير البرية ، ولكن ذلك ليس في أصل الأذان ... إلخ » (٣).

وعن الشيخ في النهاية : فأمّا ما روي في شواذ الأخبار من قول : أنّ علياً ولي الله وآل محمد خير البرية ، فممّا لا يعمل عليه في الأذان والإقامة ، فمن عمل‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٥١ / أبواب الأذان والإقامة ب ٤٢ ح ١.

(٢) الوسائل ٧ : ٢٠١ / أبواب الذكر ب ٤٢.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٢٢ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٩ ح ٢٥ ، الفقيه ١ : ١٨٨ / ذيل ٨٩٧.


به كان مخطئاً ، (١) ونحوه عن المبسوط ثم قال : ولو فعله إنسان لم يأثم به غير أنّه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله. (٢) ونحوه ما في المنتهي (٣) وغيره من كلمات الأصحاب. هذا وربما يتمسك لإثبات الاستحباب بقاعدة التسامح ، نظراً إلى ما سمعته من ورود الشهادة الثالثة في شواذ الأخبار.

وفيه : مضافاً إلى أنّ القاعدة غير تامة في نفسها ، إذ لا يثبت بها إلا الثواب دون الاستحباب ، لتكون الشهادة من فصول الأذان واجزائها المستحبة كما فصلنا البحث حوله في الأُصول (٤) أنّه على تقدير تسليمها فهي خاصة بصورة بلوغ الثواب فحسب لا بلوغه مع بلوغ عدمه كما في المقام ، حيث إنّ الراوي وهو الشيخ والصدوق قد بلغنا عنه القطع بكذب تلك الرواية وعدم الثواب على الشهادة.

أضف إلى ذلك : أنّها لو كانت جزءاً من الأذان لنقل ذلك عن المعصوم عليه‌السلام ولفعله ولو مرّة واحدة ، مع أنّ الروايات الحاكية للأذان خالية عن ذلك بتاتاً.

نعم ، قد يقال : إنّ رواية الاحتجاج تدل عليه بصورة العموم فقد روى الطبرسي في الاحتجاج عن القاسم بن معاوية عن الصادق عليه‌السلام « أنه إذا قال أحدكم لا إله إلا الله محمّد رسول فليقل علي أمير المؤمنين » (٥) ، لكنّها لضعف سندها غير صالحة للاستدلال إلا بناءً على قاعدة التسامح ، ولا نقول بها كما عرفت.

ولعلّ ما في البحار من كون الشهادة من الأجزاء المستحبة (٦) مستند إلى‌

__________________

(١) النهاية : ٦٩.

(٢) المبسوط ١ : ٩٩.

(٣) المنتهي ٤ : ٣٨١.

(٤) مصباح الأُصول ٢ : ٣١٩.

(٥) الاحتجاج ١ : ٣٦٦ / ٦٢.

(٦) البحار ٨١ : ١١١.


ولا بأس بالتكرار في حيّ على الصلاة أو حيّ على الفلاح (١) للمبالغة في اجتماع الناس ، ولكن الزائد ليس جزءاً من الأذان.

______________________________________________________

هذه الرواية ، أو ما عرفته من شهادة الصدوق والشيخ وغيرهما بورود النصوص الشاذة ، هذا.

ولكنّ الذي يهوّن الخطب أنّنا في غنى من ورود النص ، إذ لا شبهة في رجحان الشهادة الثالثة في نفسها بعد أن كانت الولاية من متممات الرسالة ومقوّمات الايمان ، ومن كمال الدين بمقتضى قوله تعالى ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (١) بل من الخمس التي بني عليها الإسلام ، ولا سيّما وقد أصبحت في هذه الأعصار من أجلي أنحاء الشعار وأبرز رموز التشيع وشعائر مذهب الفرقة الناجية ، فهي إذن أمر مرغوب فيه شرعاً وراجح قطعاً في الأذان وغيره ، وإن كان الإتيان بها فيه بقصد الجزئية بدعة باطلة وتشريعاً محرّماً حسبما عرفت.

(١) ويستدل له برواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : لو أنّ مؤذّناً أعاد في الشهادة أو في حيّ على الصلاة أو حيّ على الفلاح المرتين والثلاث وأكثر من ذلك إذا كان إماماً يريد به جماعة القوم ليجمعهم لم يكن به بأس » (٢).

بل هي تدل على جواز التكرار في الشهادة أيضاً ، كل ذلك إذا لم يكن بقصد الجزئية ، بل لغاية اجتماع الناس على ما نطقت به الرواية ، ولكنها ضعيفة السند وإن عبّر عنها بالموثقة في بعض الكلمات لمكان علي بن أبي حمزة الراوي عن أبي يصير ، فإنه البطائني المعروف بالكذب كما مرّ غير مرّة.

نعم ، تدل على التكرار في خصوص حيّ على الفلاح صحيحة زرارة قال : « قال لي أبو جعفر عليه‌السلام في حديث : إن شئت زدت على التثويب حيّ‌

__________________

(١) المائدة ٥ : ٣.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٢٨ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٣ ح ١.


ويجوز للمرأة الاجتزاء عن الأذان بالتكبير والشهادتين (١)

______________________________________________________

على الفلاح مكان الصلاة خير من النوم » (١).

غير أنّ في سندها عبد الله بن أبي نجران في الوسائل وهكذا في التهذيب (٢) وهو مجهول ، ولكن الظاهر أنّه من غلط النسخة ، وصحيحها عبد الرحمن بن أبي نجران كما ذكره صاحب الوسائل عند تعرضه لصدر هذا الحديث في الباب التاسع عشر من أبواب الأذان والإقامة حديث ٢ ، وكذلك الشيخ في الاستبصار (٣) ، والفيض في الوافي حيث عبّر بالتميمي الذي هو لقب عبد الرحمن على ما ذكره في مقدمة كتابه (٤) ، ولأجله عبّر عنها في الحدائق بالصحيحة (٥) ، وهو الصحيح.

ولكنّ الذي يهوّن الخطب أنّ التكرار بعد عدم قصد الجزئية كما هو المفروض مطابق للقاعدة ، لجواز ذكر الحيّعلات قبل الشروع في الأذان ، وبعد الفراغ عنه للحث على الاجتماع بلا إشكال ، فكذا في الأثناء بعد وضوح عدم بطلانها حتى بكلام الآدمي فضلاً عن مثل ذلك ، فلا حاجة إلى ورود نص بالخصوص.

(١) يدل على الاجتزاء المزبور بعد الفراغ عن أصل المشروعية للنساء كما تقدم (٦) صحيح عبد الله بن سنان قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تؤذّن للصلاة؟ فقال : حسن إن فعلت ، وإن لم تفعل أجزأها أن تكبّر وأن تشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمّداً رسول الله » (٧).

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٢٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٢ ح ٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٦٣ / ٢٢٤.

(٣) الاستبصار ١ : ٣٠٩ / ١١٤٨.

(٤) الوافي ١ : ٣٦.

(٥) الحدائق ٧ : ٤٢٠.

(٦) في ص ٢٢٥.

(٧) الوسائل ٥ : ٤٠٥ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٤ ح ١.


بل بالشهادتين (١). وعن الإقامة بالتكبير ، وشهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله (٢).

______________________________________________________

(١) لصحيحة زرارة قال : « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : النساء عليهنّ أذان؟ فقال : إذا شهدت الشهادتين فحسبها » (١).

(٢) لصحيحة أبي مريم الأنصاري قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إقامة المرأة أن تكبّر وتشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله » (٢).

وأبو مريم المزبور اسمه عبد الغفار بن القاسم كما في النجاشي (٣) وهو ثقة ، فما في خاتمة الوسائل (٤) من أنّ اسمه عبد الله بن القاسم وهو مجهول سهو من قلمه الشريف أو من غلط النسّاخ ، هذا.

ويظهر مما رواه الصدوق في العلل جواز الاجتزاء بالشهادتين فقط ، فقد روى بسنده عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « قلت له المرأة عليها أذان وإقامة؟ فقال : إن كانت سمعت أذان القبيلة فليس عليها أكثر من الشهادتين » (٥).

وروى في الفقيه مرسلاً قال : « قال الصادق عليه‌السلام ليس على المرأة أذان ولا إقامة إذا سمعت أذان القبيلة ، وتكفيها الشهادتان ولكن إذا أذّنت وأقامت فهو أفضل » (٦) ولا يبعد (٧) أن تكونا رواية واحدة رواها في العلل‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٠٥ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٤ ح ٢.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٠٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٤ ح ٤.

(٣) رجال النجاشي : ٢٤٦ / ٦٤٩.

(٤) الخاتمة ٣٠ : ٥٢٧‌

(٥) الوسائل ٥ : ٤٠٧ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٤ ح ٨ ، علل الشرائع : ٣٥٥ / ١.

(٦) الوسائل ٥ : ٤٠٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٤ ح ٥ ، الفقيه ١ : ١٩٤ / ٩٠٩.

(٧) بل هو بعيد جدّاً بعد تعدد المروي عنه.


ويجوز للمسافر والمستعجل الإتيان بواحد من كل فصل منهما (١).

______________________________________________________

مسنداً وفي الفقيه مرسلاً.

وكيف ما كان فالدلالة وإن كانت تامة لتضمّنها إجزاء الشهادتين عن الإقامة ، وأمّا الأذان فهو ساقط لسماع أذان الغير وهو القبيلة من غير فرق فيه بين الرجل والمرأة كما سيجي‌ء (١) ، لكن السند ضعيف لإرسال الثانية ، ولأنّ في سند الاولى عيسى بن محمّد ولم يوثّق ، ولعله لذلك لم يتعرض له في المتن لفقد الدليل إلا بناءً على قاعدة التسامح.

(١) أمّا في حال السفر فيدل على تقصير الأذان خبر بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه‌السلام « قال : الأذان يقصّر في السفر كما تقصّر الصلاة ، الأذان واحداً واحداً ، والإقامة واحدة » (٢). ولا يبعد أن يراد من الأذان بقرينة الذيل ما يعمّ الإقامة.

ولكنّه ضعيف السند بالقاسم بن عروة فإنّه لم يوثق. نعم قد وثّق في الرسالة الصاغانية المطبوعة المنسوبة إلى الشيخ المفيد (٣) ، ولكنه لم يثبت كون هذا المطبوع له بعد اشتماله على أشياء يطمأن بعدم صدورها منه ، فإنّه وإن كانت له رسالة بهذا الاسم إلا أنّ انطباقها على هذا الموجود غير معلوم ، فلا يسعنا الاعتماد عليه. إذن فالحكم مبني على قاعدة التسامح.

ويدلُّ على تقصير الإقامة رواية نعمان الرازي قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : يجزئك من الإقامة طاق طاق في السفر » (٤) ولكنّ الرازي لم تثبت وثاقته إلا بناءً على ما ذكره المفيد من أنّ أصحاب‌

__________________

(١) في ص ٣٠٧.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٢٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢١ ح ٢.

(٣) المسائل الصاغانية ( مصنفات الشيخ المفيد ٣ ) : ٧٢.

(٤) الوسائل ٥ : ٤٢٥ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢١ ح ٥.


الصادق عليه‌السلام كلّهم ثقات (١) ، وهو كما ترى.

وربما يستدل له برواية بريد بن معاوية المتقدمة ، بناءً على أن يكون متنها ما أثبته في الحدائق (٢) من قوله : « والإقامة واحدة واحدة ».

ولكنه لم يثبت ، فانّ الموجود في الوسائل والوافي (٣) ما عرفت من ذكر كلمة « واحدة » مرّة واحدة ، أي إنّ الإقامة في السفر والحضر بشكل واحد. فلا تقصير فيها ، وإنّما هو في الأذان فقط. مضافاً إلى ما عرفت من ضعف السند.

نعم ، يمكن أن يستدل له ببعض المطلقات كصحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : الأذان مثنى مثنى ، والإقامة واحدة واحدة » (٤) ، بناءً على أنّ القدر المتيقن منها حال السفر والعجلة. وقد حملها الشيخ على ذلك (٥).

وأمّا في حال الاستعجال فيدل على التقصير في الأذان صحيحة أبي عبيدة الحذاء قال : « رأيت أبا جعفر عليه‌السلام يكبّر واحدة واحدة في الأذان ، فقلت له : لم تكبّر واحدة واحدة؟ فقال : لا بأس به إذا كنت مستعجلاً » (٦) بناءً على أنّ المراد من التكبير ما يشمل بقية الفصول بقرينة قوله : « واحدة واحدة » إذ التكرار في الواحدة لا يكون إلا بلحاظ سائر الفصول.

وأمّا التقصير في الإقامة فلم يرد فيه نص خاص ، إلا أن يستدل له بإطلاق صحيحة معاوية بن وهب المتقدمة آنفاً حسبما عرفت.

__________________

(١) الإرشاد ٢ : ١٧٩.

(٢) الحدائق ٧ : ٤٠٥.

(٣) الوافي ٧ : ٥٧٩ / ٦٦٢٩.

(٤) الوسائل ٥ : ٤٢٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢١ ح ١.

(٥) التهذيب ٢ : ٦٢ ، ذيل ح ٢١٥.

(٦) الوسائل ٥ : ٤٢٥ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢١ ح ٤.


كما يجوز ترك الأذان والاكتفاء بالإقامة (١). بل الاكتفاء بالأذان فقط (١) (٢).

______________________________________________________

(١) لجملة من النصوص : منها : صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق عليه‌السلام : أنّه « قال : يجزئ في السفر إقامة بغير أذان » (١).

وروايته الأُخرى وإن كانت ضعيفة السند بعلي بن السندي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سمعته يقول : يقصّر الأذان في السفر كما تقصّر الصلاة ، تجزئ إقامة واحدة » (٢).

وصحيحة محمد بن مسلم والفضيل بن يسار عن أحدهما عليه‌السلام « قال : يجزئك إقامة في السفر » (٣).

ويظهر من هذه النصوص اشتمال السفر على خصوصية تستوجب الاجتزاء بالإقامة ، وإلا فيجوز ذلك في الحضر أيضاً ، كما نطقت به صحيحة الحلبي « عن الرجل هل يجزئه في الحضر إقامة ليس معها أذان؟ قال : نعم لا بأس به » (٤). هذا كله في حال السفر. وأمّا في حال الاستعجال فلم يرد فيه نص ما عدا رواية أبي بصير عن أحدهما عليه‌السلام في حديث « قال : إن كنت وحدك تبادر أمراً تخاف أن يفوتك تجزئك إقامة ، إلا الفجر والمغرب فإنه ينبغي أن تؤذّن فيهما وتقيم ... » إلخ (٥).

ولكنها مضافاً إلى أنها أخص من المدعى ، ضعيفة السند بعلي بن أبي حمزة.

(٢) هذا لم نقف على مستنده ، لا في المسافر ولا في المستعجل ولا في غيرهما من سائر الحالات ، إذ لم ترد في ذلك ولا رواية ضعيفة ، والمنسبق من نصوص الأذان للصلاة اختصاص المشروعية بصورة الاقتران بالإقامة ، وأمّا الإتيان به‌

__________________

(١) لم نقف على مستنده ، ولا بأس بالإتيان به رجاءً‌

(١) الوسائل ٥ : ٣٨٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ٥ ح ١.

(٢) ، (٣) الوسائل ٥ : ٣٨٥ / أبواب الأذان والإقامة ب ٥ ح ٩ ، ٧.

(٤) الوسائل ٥ : ٣٨٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ٥ ح ٣.

(٥) الوسائل ٥ : ٣٨٧ / أبواب الأذان والإقامة ب ٦ ح ٧.


ويكره الترجيع على نحو لا يكون غناء وإلا فيحرم (١) وتكرار الشهادتين جهراً بعد قولهما سرّاً أو جهراً (٢) بل لا يبعد كراهة مطلق تكرار واحد من الفصول إلا للإعلام.

______________________________________________________

منفرداً ومنعزلاً عنها فلا دليل على مشروعيته حينئذ حتى في الحاضر غير المستعجل.

نعم ، لا بأس بالاكتفاء به رجاءً كما جاء في تعليقة الأُستاذ ( دام ظله ).

(١) أمّا الحرمة لدى البلوغ حدّ الغناء فلا شبهة فيها في المقام.

وأمّا دون البلوغ هذا الحد فلا دليل على الكراهة عدا ما في الفقه الرضوي حيث إنّه بعد ذكر فصول الأذان وعددها « قال : ليس فيها ترجيع ولا تردد » (١) بناءً على تفسيره بترجيع الصوت كما احتمله في البحار (٢) في قبال من فسّره بتكرار التكبير والشهادتين كما ستسمع ، وكيف ما كان ، فبما أنّ الفقه الرضوي لا نعتمد عليه فالحكم المزبور غير ثابت إلا على قاعدة التسامح وشمولها للمكروهات.

(٢) لا شبهة في عدم جواز التكرار مطلقاً ، إذا كان بقصد الجزئية والمشروعية فإنه تشريع محرم ، كما لا ينبغي الشك في الجواز إذا كان بقصد الاعلام ، لكونه مطابقاً لمقتضى القاعدة كما تقدم ، مضافاً إلى خبر أبي بصير الوارد في تكرار بعض الفصول وإن كان ضعيف السند حسبما سبق (٣).

وأمّا من دون أيّ القصدين فقد يقال بالكراهة ، بل في الحدائق (٤) عن العلامة دعوى الإجماع عليها ، إمّا لمفهوم القضية الشرطية في خبر أبي بصير المزبور ، أو لتفسير الترجيع المذكور في الفقه الرضوي المتقدّم آنفاً بذلك ، ولكن‌

__________________

(١) المستدرك ٤ : ٤٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٩ ح ١ ، فقه الرضا : ٩٦.

(٢) البحار ٨١ : ١٥٠.

(٣) في ص ٢٦٠.

(٤) الحدائق ٧ : ٤١٧.


[١٣٩٣] مسألة ١ : يسقط الأذان في موارد (١) : أحدها : أذان عصر يوم الجمعة إذا جمعت مع الجمعة أو الظهر (١).

______________________________________________________

التفسير لم يثبت. مضافاً إلى ضعف سند الخبرين. فالحكم إذن مبني على قاعدة التسامح لو قلنا بها وبانسحابها إلى المكروهات.

(١) على المشهور ، بل عن الغنية (١) والسرائر (٢) والمنتهى (٣) دعوى الإجماع عليه ، ويستدل له بوجوه :

أحدها : الإجماع.

وفيه : مضافاً إلى أنّه منقول وليس بحجة ، أنّ دعواه موهونة ، والصغرى ممنوعة ، فإن ابن إدريس الحاكي للإجماع خص السقوط بمن صلى الجمعة دون الظهر ، ومثله ابن البراج (٤) ومال إليه في الجواهر (٥) بل عن جماعة كالمحقق الأردبيلي (٦) وصاحب المدارك (٧) والمفيد في المقنعة على ما حكاه عنه في المدارك (٨) المنع عن السقوط مطلقاً ، وإن كانت نسخة المقنعة التي بأيدينا خالية عن ذلك ، إذ الموجود فيها هكذا : ثم قم وأقم لصلاة العصر (٩).

__________________

(١) الظاهر سقوط الأذان في عصر عرفة وعشاء المزدلفة حال الجمع على نحو العزيمة ، وأمّا في غيرهما من الموارد المذكورة فلم يثبت السقوط ولو بعنوان الجمع ، وقد مرّ حكم المسلوس والمستحاضة.

(١) الغنية : ٩١.

(٢) السرائر ١ : ٣٠٥.

(٣) المنتهي ٤ : ٤١٩.

(٤) المهذب ١ : ١٠٢.

(٥) الجواهر ٩ : ٣٠.

(٦) مجمع الفائدة ٢ : ١٦٥.

(٧) المدارك ٣ : ٢٦٤.

(٨) المدارك ٣ : ٢٦٤.

(٩) المقنعة : ١٦٢ [ ولكن الموجود فيه ثم قم فأذن للعصر وأقم ... ].


وكيف ما كان فالإجماع غير ثابت ، بل غايته الشهرة الفتوائية ولا اعتبار بها.

ثانيها : موثقة حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه‌السلام « قال : الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة » (١).

ونوقش في سندها بأنّ حفصاً عامي المذهب كما عن الشيخ في العدة (٢) والكشي في رجاله (٣).

وفيه : أنّ ذلك لا يقدح بوثاقته التي شهد بها الشيخ في كتاب العدة ، حيث صرح بأنّ الأصحاب قد عملوا برواياته ، فانّ الظاهر من ذلك أنّ العمل من أجل وثاقته في نفسه لا لمجرد التعبد بذلك.

فما هو المشهور من زمن صاحب المدارك من تضعيفه كأنه في غير محله. وأمّا السند إلى حفص ، فهو وإن كان ضعيفاً في طريق الكليني بمحمّد بن الحسين (٤). ولكنه صحيح في طريق الشيخ ، فلا ينبغي الخدش في السند.

نعم ، هي قاصرة الدلالة ، لابتنائها على تفسير الأذان الثالث بأذان العصر ، إمّا باعتبار كونه ثالثاً لأذاني الفجر والظهر ، أو لكونه ثالثاً للأذان لصلاة الظهر والإقامة لها. وإمّا بناءً على تفسيره بالأذان الثاني للظهر الذي قيل إنّه ابتدعه عثمان أو معاوية لبعد داره عن المسجد والتعبير بالثالث لأحد الاعتبارين المزبورين. ويعضده التعبير بالبدعة كما لا يخفى ، فتكون الموثقة حينئذ أجنبية عن محل الكلام.

ثالثها : النصوص الكثيرة الدالة على الاكتفاء بأذان وإقامتين لدى الجمع بين صلاتين المستفاد منها كبرى كلية ، وهي سقوط الأذان للصلاة الثانية لدى‌

__________________

(١) الوسائل ٧ : ٤٠٠ / أبواب صلاة الجمعة ب ٤٩ ح ١.

(٢) عدة الأصول ١ : ٥٦ السطر ١٢.

(٣) رجال الكشي : ٣٩٠ / ٧٣٣.

(٤) الظاهر أنّ المراد به هو محمد بن الحسين بن أبي الخطاب الثقة فلاحظ.


الجمع ، وقد تعرّض الفقهاء لهذه الكبرى وجعلوها برأسها من المسقطات ، ومن العجيب إهمال الماتن قدس‌سره لها.

وحيث لا نافلة بين الظهرين يوم الجمعة فلا جرم يجمع بين الصلاتين وبذلك يندرج المقام تحت تلك الكبرى ، فمن تلك النصوص :

صحيحة رهط منهم الفضيل وزرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام « أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين ، وجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين » (١).

وصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام « أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين ، وجمع بين المغرب والعشاء في الحضر من غير علّة بأذان واحد وإقامتين » (٢).

وما رواه الكليني بإسناده عن صفوان الجمال قال : « صلى بنا أبو عبد الله عليه‌السلام الظهر والعصر عند ما زالت الشمس بأذان وإقامتين ، وقال : إنّي على حاجة فتنفّلوا » (٣).

ونحوها غيرها ، وفي جملة منها تعليل الحكم بإرادة التخفيف عن الأُمّة والتوسيع عليهم.

وفيه : أنّه لم يظهر من تلك النصوص سقوط الأذان عن الاستحباب بحيث يستوجب تخصيصاً في دليل مشروعيته ، وإنّما هو لأجل التخفيف والتوسيع كما سمعته من النصوص ، فمن الجائز بقاء الاستحباب على حاله ، وإنّما لم يعمل به لأنّ البدار والاستعجال لصلاة العصر أفضل لمصلحة تقتضيه كالتسهيل على الأُمة ، أو الحاجة المهمة التي أُشير إليها في رواية صفوان ، فيكون من باب تقديم الأرجح على الراجح ، لا من باب التخصيص ، فالكبرى المزبورة غير ثابتة.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٤٥ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٦ ح ٢.

(٢) الوسائل ٤ : ٢٢٠ / أبواب المواقيت ب ٣٢ ح ١.

(٣) الوسائل ٤ : ٢١٩ / أبواب المواقيت ب ٣١ ح ٢ ، الكافي ٣ : ٢٨٧ / ٥.


وأمّا مع التفريق فلا يسقط (١).

______________________________________________________

رابعها : استقرار سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والمعصومين عليهم‌السلام على ترك الأذان لصلاة العصر يوم الجمعة لدى الجمع ، فإنّه لو لم يكن ساقطاً وكان مشروعاً لصدر منهم ولنقل إلينا بطبيعة الحال ، فمن الالتزام بالمطروحية يستكشف عدم المشروعية ، وقد اختار صاحب الجواهر هذا الوجه لكن مع الاختصاص بما إذا صلى الجمعة دون الظهر ، لاختصاص السيرة الجارية بذلك.

وفيه : أنّ السيرة وإن كانت مستقرة إلا أنّ الجزم بنشئها عن عدم المشروعية غير واضح ، لجواز كون الأذان مشروعاً في نفسه وراجحاً ، ولكن الإسراع في تقديم صلاة العصر وتفريغ الذمة عنها رعاية لحال ضعفاء المأمومين حيث لا نافلة يشتغلون بها ، أو لغير ذلك من العناوين الراجحة الحاصلة بترك الأذان المسبوق بأذان يمكن الاكتفاء به أرحج ، فكان الالتزام بالترك لأجل أفضليّة التسريع في الجمع ، فاذا لم يرد الإسراع وأخّر ولو في الجملة بقي الأذان على استحبابه.

وبعبارة اخرى : الأذان للعصر راجح والاستعجال لها أرجح ، فمن ثمّ التزم به الأئمة عليهم‌السلام فإنّ السيرة عمل لا لسان له. وأما ما يقال : من جريان سيرتهم عليهم‌السلام على ترك الأذان في جميع موارد الجمع بين الصلاتين حتى الاختياري منه ، ففيه : منعه أوّلاً ، وعلى تقدير تسليمه يجرى فيه ما عرفته آنفاً.

وقد تحصّل من جميع ما تقدم : أنّ ما اختاره صاحب المدارك تبعاً للمحقق الأردبيلي من عدم السقوط لدى الجمع مطلقاً ، سواء أكان في عصر الجمعة أم غيرها ، وسواء صلى صلاة الجمعة أم الظهر ، هو الصحيح ، فلا مجال معه للبحث عن أنّه بنحو الرخصة أو العزيمة.

(١) لقصور المقتضي للسقوط ، إذ هو إمّا الإجماع ، والمتيقن منه صورة الجمع ولا سيّما مع تصريح جماعة كثيرة من المجمعين بذلك ، أو السيرة وموردها‌


الثاني : أذان عصر يوم عرفة إذا جمعت مع الظهر لا مع التفريق.

الثالث : أذان العشاء في ليلة المزدلفة مع الجمع أيضاً لا مع التفريق (١).

______________________________________________________

أيضاً ذلك ، إذ لم تثبت مع التفريق ، فيرجع حينئذ إلى إطلاقات المشروعية.

(١) على المشهور ، بل إجماعاً كما عن غير واحد ، وقد دلت عليه جملة من النصوص بعضها تضمّن الحكم في كلا الموردين ، أعني عصر عرفة وعشاء المزدلفة ، كصحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله عليه‌السلام « قال : السنّة في الأذان يوم عرفة أن يؤذّن ويقيم للظهر ثم يصلي ، ثم يقوم فيقيم للعصر بغير أذان ، وكذلك في المغرب والعشاء بمزدلفة » المؤيدة بمرسلة الصدوق (١).

وبعضها يختص بالعشاء في المزدلفة ، كصحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : صلاة المغرب والعشاء بجمع بأذان واحد وإقامتين ، ولا تصلّ بينهما شيئاً ، وقال : هكذا صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله » (٢).

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : لا تصلّ المغرب حتى تأتي جمعاً فصلّ بها المغرب والعشاء الآخرة بأذان وإقامتين » الحديث (٣).

وهذا الحكم في الجملة مما لا إشكال فيه ، وإنّما الكلام في جهات :

الاولى : لا إشكال في اختصاص الحكم في عشاء ليلة المزدلفة بمن كان فيها لاختصاص النصوص بذلك ، وهل الحكم في عصر عرفة أيضاً كذلك ، فيختص بمن كان في عرفات ، أو أنّه من أحكام هذا اليوم وإن لم يكن فيها؟

المشهور هو الأوّل ، ولكنه قد يقال بالثاني ، نظراً إلى الإطلاق في صحيح ابن سنان ، إذ الموضوع فيها يوم عرفة لا من كان بعرفة ، فهو من أحكام الزمان لا المكان.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٤٥ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٦ ح ١ ، ٣ ، الفقيه ١ : ١٨٦ / ٨٨٥.

(٢) الوسائل ١٤ : ١٥ / أبواب الوقوف بالمشعر ب ٦ ح ٣.

(٣) الوسائل ١٤ : ١٤ / أبواب الوقوف بالمشعر ب ٦ ح ١.


ويندفع أولاً : بأنّ فاعل « يؤذّن ويقيم » في قوله : « السنة في الأذان ... » إلخ ضمير يعود إلى غائب معهود ، وليس هو بمقتضى سياق الكلام إلا الحاج ، إذ لو أُريد به مطلق المصلي لكان الأحرى بمقتضى قانون المحاورة توجيه العبارة بصورة الخطاب لا الغياب بأن يقول عليه‌السلام : تؤذّن وتقيم ... إلخ بدل « يؤذّن ويقيم » كما لا يخفى فاذا كان الفاعل هو الحاج اختص الحكم بمن في عرفة بطبيعة الحال.

وثانياً : أنّ عطف عشاء المزدلفة في ذيل العبارة كاشف بمقتضى اتحاد السياق عن أنّ الحكمين من سنخ واحد وأنّهما معاً من خواص المكان ، فما عليه المشهور هو الأصح.

الثانية : هل الحكم بالسقوط خاصّ بصورة الجمع بين الظهرين أو العشاءين أو يعمّ صورة التفريق؟

الظاهر هو الأوّل ، فإنّه المنصرف والمنسبق من نصوص المقام المعتضد بالتصريح به في مرسلة الصدوق ، ولا سيّما وأنّ الجمع هو الوظيفة المقررة في هذين الموردين.

الثالثة : هل السقوط في المقام رخصة أو عزيمة؟

الظاهر هو الثاني لقوله عليه‌السلام في صحيحة ابن سنان : « السنة في الأذان ... » إلخ ، الظاهر في أنّ خلافه مخالف للسنّة المساوق للتشريع ، فلا جرم يكون السقوط على سبيل العزيمة ، إذ هو بمثابة الأذان لغير الصلوات اليومية الذي لم تجر عليه السنة ، وسيتعرض الماتن لهذه الجهة بنطاق عام بعد حين فانتظر.

الرابعة : ظاهر صحيحة منصور المتقدمة عدم مشروعية التنفل بين العشاءين ، وكذا معتبرة عنبسة بن مصعب (١) لكن ظاهر صحيحة أبان بن‌

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١٥ / أبواب الوقوف بالمشعر ب ٦ ح ٤.


الرابع : العصر والعشاء للمستحاضة التي تجمعهما مع الظهر والمغرب (١).

الخامس : المسلوس (٢)

______________________________________________________

تغلب (١) هو الجواز ، ومقتضى الجمع بقاء الاستحباب والمشروعية بمرتبة ضعيفة.

(١) لم يرد نص خاص في المقام وإن ادعاه في الجواهر (٢) فانّا لم نقف عليه ، ولا يبعد أن يكون سهواً من قلمه الشريف ، وإنّما الوارد في نصوص المستحاضة أنّها تجمع بين الظهرين بغسل ، وبين العشاءين بغسل.

إذن فالقول بالسقوط يبتني على أحد أمرين :

إمّا دعوى أنّه من أحكام الجمع في كافة موارده ومنه المقام كما عوّل عليها في الحدائق (٣) ، ولكن هذه الكلية لم يتعرض إليها الماتن ، وقد سبق أنّه لا دليل عليها.

أو دعوى أنّ فعل الأذان للثانية موجب للتأخير ، ولا بد للمستحاضة من التعجيل جموداً على المقدار المتيقن من العفو عن هذا الدم ، فانّ الثابت هو المقدار الخارج في صورة العجلة دون الزائد عليه.

وفيه : أنّ المدار على الاستعجال العرفي لا الدقي. فهذا المقدار غير ضائر بصدق الجمع ، إذ لا يلزمها الاقتصار على الواجبات ، ولا مانع من الإتيان بنبذ من السنن المتعارفة المتعلقة بالصلاة التي من أظهرها الأذان ، وإلا لما ساغ الإتيان بالأذان للأُولى أيضاً.

إذن فلا دليل على السقوط في المقام والمتبع حينئذ إطلاقات المشروعية.

(٢) لصحيحة حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه « قال : إذا كان الرجل يقطر منه البول والدم إذا كان حين الصلاة أخذ كيساً وجعل فيه قطناً ثم‌

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١٥ / أبواب الوقوف بالمشعر ب ٦ ح ٥.

(٢) الجواهر ٩ : ٣٤.

(٣) الحدائق ٧ : ٣٨٤.


علّقه عليه وأدخل ذكره فيه ثم صلى ، يجمع بين صلاتين الظهر والعصر ، يؤخّر الظهر ويعجّل العصر بأذان وإقامتين ، ويؤخّر المغرب ويعجّل العشاء بأذان وإقامتين » (١).

والدلالة واضحة ، كما أنّ السند تام ، وإنّما الكلام في أنّ السقوط هل هو على نحو الرخصة أو العزيمة؟

ذهب صاحب الحدائق إلى الثاني مصرّاً عليه بدعوى أنّ العبادة توقيفية ، وبعد تقييد إطلاقات المشروعية بهذه الصحيحة لم يبق ثمة أمر بالأذان ، وبدونه يكون الإتيان به تشريعاً محرّماً ، فكيف يصح القول بأنّ السقوط على سبيل الرخصة ، بل هو بدعة وكل بدعة ضلالة (٢).

ويندفع : بأنّ التقييد إنّما يتجه لو دلت الصحيحة على لزوم الجمع ووجوبه ، وليس كذلك ، بل مفادها الترخيص فيه لحكمة التسهيل والتخفيف ، وإلا لما جاز التفريق بين الصلاتين بوضوءين مع جوازه بالضرورة.

وبالجملة : غاية ما يستفاد من الصحيحة أنّ الاكتفاء بوضوء واحد خاص بما إذا لم يتخلل بينه وبين الصلاتين غير أذان وإقامتين ، فالأذان الثاني لا يترتب عليه إلا عدم الطهورية لا عدم المشروعية ، فدعواه العزيمة لا سيّما مع الإصرار عليها غريبة.

ومثلها في الغرابة ما أصرّ عليه أيضاً من الالتزام بالسقوط في جميع موارد الجمع ، مدّعياً أنّ ذلك من آثاره وأحكامه حتى في الجمع بين الظهرين والعشاءين في عرفات ومزدلفة ، فانّ ذلك عار عن الدليل ومجرد استحسان محض ، والمعصومون عليهم‌السلام وإن كانوا ملتزمين بذلك ، إلا أنّك عرفت أنّ الالتزام عمل ولا لسان له ، فلا يكشف عن السقوط ، ومن الجائز مشروعية الأذان في نفسه وإن كان الترك لغاية أُخرى أفضل.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٢٩٧ / أبواب نواقض الوضوء ب ١٩ ح ١.

(٢) الحدائق ٧ : ٣٨٢.


ونحوه (١) في بعض الأحوال التي يجمع بين الصلاتين ، كما إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين بوضوء واحد. ويتحقق التفريق بطول الزمان بين الصلاتين (٢) ، لا بمجرد قراءة تسبيح الزهراء أو التعقيب والفصل القليل ، بل لا يحصل بمجرد فعل النافلة مع عدم طول الفصل.

______________________________________________________

(١) كالمبطون والمسلوس سلس الريح ، ولكن إلحاقهما بالمسلوس بالبول الذي هو مورد النص يتوقف على أحد أمرين : إمّا دعوى أنّ السقوط من أحكام مطلق الجمع بين الصلاتين ، وقد عرفت ما فيها ، والماتن أيضاً لم يلتزم بها لعدم تعرضه إليها.

أو دعوى إلغاء خصوصية المورد ، وعهدتها على مدّعيها ، فإنّها وإن كانت محتملة من النص ، لكنّها لم تبلغ حدّ الظهور العرفي بحيث يمكن التعويل عليه. إذن فلم يثبت السقوط فيما عدا مورد النص ممّن يستمرّ به الحدث.

(٢) اختلفت كلمات الفقهاء ( قدّس الله أسرارهم ) في تفسير التفريق الذي به يزول عنوان الجمع المعلّق عليه سقوط الأذان في موارد الجمع على القول به ، وفي الظهرين والعشاءين في عرفات ومزدلفة على ما هو ظاهر النص كما تقدم.

فعن جماعة منهم السيد الماتن قدس‌سره أنّه عبارة عن الفصل الطويل بين الصلاتين بمثابة لا يصدق عرفاً عنوان الجمع بينهما وإيقاعهما في زمان واحد ، فلا يصدق التفريق بمجرد التعقيب أو التسبيح ونحوهما ممّا يعدّ من توابع الصلاة الاولى ، بل ولا بمجرد فعل النافلة ونحوه مما لا يستوعب إلا فصلاً قليلاً.

وعن جماعة آخرين : تفسيره بفعلهما في وقتيهما في قبال الجمع الذي هو عبارة عن فعل الفريضتين معاً في وقت إحداهما ، كالاتيان بالعصر في وقت فضيلة الظهر أو بالعكس ، وهكذا في العشاءين.

وعن ثالث : أنّ العبرة بتخلل النافلة بينهما ، فان تنفّل فقد فرّق وإلا فقد جمع.


وعن رابع : اعتبار الفصل الطويل عرفاً مع إلحاق التنفّل به تعبداً ، فمع تخلل النافلة يصدق التفريق للنص وإن لم يتحقق الفصل المعتد به.

والصحيح هو الوجه الأوّل ، فإنّه المنسبق إلى الذهن والمتبادر إلى الفهم من اللفظين : الجمع والتفريق لدى الإطلاق كما لا يخفي.

وأمّا الوجه الثاني ، فيردّه مضافاً إلى أنه خلاف الانسباق العرفي كما عرفت ، أنّ لازمه صدق التفريق فيما لو أتى بالظهر في آخر وقت فضيلتها متصلة بالعصر في أوّل وقتها وهو كما ترى.

وأمّا الوجهان الأخيران فمبنيّان على الاعتداد بالنصوص الدالة على حصول التفريق بالنافلة ، مع أنّها مخدوشة فإنّها روايات ثلاث :

الاولى : ما رواه الكليني بإسناده عن محمد بن حكيم قال : « سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول : الجمع بين الصلاتين إذا لم يكن بينهما تطوّع ، فاذا كان بينهما تطوّع فلا جمع » (١).

الثانية : روايته الأُخرى عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : « سمعته يقول : إذا جمعت بين صلاتين فلا تطوّع بينهما » (٢).

الثالثة : موثقة الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد عليه‌السلام « قال : رأيت أبي وجدّي القاسم بن محمد يجمعان مع الأئمة المغرب والعشاء في الليلة المطيرة ، ولا يصلّيان بينهما شيئاً » (٣).

أمّا الأُولى : فهي ضعيفة السند ، لأنّ محمد بن موسى الواقع في الطريق مردد بين الملقب بـ « خوراء » الثقة ، وبين الهمداني الضعيف ، كما أنّ من يروي عنه هذا الرجل مردد أيضاً حسب اختلاف النسخة بين محمد بن عيسى الثقة ، وبين علي بن عيسى ، ولم يوثق ، أضف إلى ذلك أنّ محمد بن حكيم بنفسه لا توثيق له (٤).

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٤ : ٢٢٤ / أبواب المواقيت ب ٣٣ ح ٣ ، ٢ ، الكافي ٣ : ٢٨٧ / ٤.

(٣) الوسائل ٤ : ٢٢٥ / أبواب المواقيت ب ٣٣ ح ٤.

(٤) ولكنه ممدوح لاحظ المعجم ١٧ : ٣٦ / ١٠٦٤٧.


وأمّا الثانية : فكذلك ، إذ مضافاً إلى ما عرفت من ضعف الراوي بنفسه ، قد اشتمل السند على سلمة بن الخطاب وهو وإن ورد في أسناد كامل الزيارات ولكنه معارض بتضعيف النجاشي (١) له صريحاً ، وكذلك العلامة (٢) وابن الغضائري (٣) ، والعمدة هو الأوّل. وأمّا الحسين بن يوسف فهو من رجال كامل الزيارات.

وبالجملة : فالروايتان كلتاهما ضعيفتان سنداً ولم يتضح وجه لتعبير صاحب الحدائق (٤) عن الأُولى بالموثقة.

على أنّهما قاصرتان دلالة أيضاً ، نظراً إلى أنّهما قد تضمّنتا تنزيل الجمع المقرون بالتطوع منزلة التفريق ، وله أثران كل منهما يصلح أن يكون التنزيل بلحاظه أحدهما عدم سقوط الأذان ، والثاني استحبابه في نفسه ، حيث إنّه يستحب إيقاع كل صلاة في وقت فضيلتها وهو أمر مرغوب فيه عند الشارع ، وقد دلت النصوص الكثيرة أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يفرّق بين الصلاتين ، فكان الناس ينصرفون إلى بيوتهم ثم يرجعون لإقامة الصلاة الثانية ، فدلّت هذه على حصول التفريق بتخلل النافلة من دون حاجة إلى الصبر وانتظار دخول الوقت كما هو المتعارف في عصرنا بالإضافة إلى العشاءين ، فيكون مفادها مفاد ما في غير واحد من الأخبار من أنّه إذا زالت الشمس فقد دخل الوقتان ، ولا يمنعك إلا سبحتك وهي النافلة. وقد ذكرنا في مبحث الأوقات أنّ التحديد بالقدم والقدمين أو الذراع والذراعين إشارة إلى ذلك (٥).

وكيف ما كان : فلم يعلم أنّ التنزيل في الروايتين بلحاظ أيّ من الأثرين ،

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٨٧ / ٤٩٨.

(٢) الخلاصة : ٣٥٤ / ١٤٠٢.

(٣) مجمع الرجال ٣ : ١٥٢.

(٤) الحدائق ٧ : ٣٧٩.

(٥) شرح العروة ١١ : ١٥٦.


ولعله بلحاظ الثاني الذي هو أظهر الأثرين وأبرزهما كما لا يخفى ، فتكونان حينئذ أجنبيتين عن محل الكلام.

وأمّا الثالثة : فهي أجنبية عن محل الكلام بالكلية ، إذ ليس مفادها ما عدا أنّه عليه‌السلام هو وجدّه جمعا بين الصلاتين في ليلة مطيرة ولم يتنفلا بينهما ، وأمّا أنّ التنفّل هل هو قادح في الجمع أو لا ، فلا إيعاز إلى ذلك فضلاً عن الدلالة ، فإنّها حكاية فعل مجمل العنوان كما لا يخفى.

والمتحصل : أنّه لم ينهض ما يدل على أنّ الإتيان بالنافلة بمجرده يستوجب التفريق المنافي للجمع المحكوم بسقوط الأذان معه على القول به.

والذي ينبغي أن يقال : إنّ سقوط الأذان تارة يكون لأجل الجمع وأُخرى لجهات اخرى.

أمّا الجمع : فقد عرفت أنّ كبرى السقوط تحت هذا العنوان لا دليل عليها وإن ذهب إليها المشهور ، فلا مجال للبحث عن أنّ تخلل النافلة قادح أم لا.

وأمّا المسلوس فقد تقدم أنّ سقوط الأذان فيه رخصة لا عزيمة ، ومعه لا جدوى للبحث عن قدح تخلل النافلة وعدمه كما لا يخفى. وإنّما تظهر النتيجة فيما إذا كان السقوط على سبيل العزيمة كما في عرفات ومزدلفة حيث نطقت صحيحة ابن سنان بجريان السنّة على سقوط الأذان حسبما تقدّم (١) لكنّ الغالب في عرفات سقوط النافلة ، لكون الحاج مسافراً ، ووضوح سقوط نوافل الظهرين في السفر.

وأمّا لو كان حاضراً فتنفّل أو تنفّل بين العشاءين في المزدلفة ، فهل يكون هذا التخلل قادحاً في سقوط الأذان؟

مقتضى إطلاق صحيح ابن سنان المشار إليه هو العدم ، إذ لم يؤخذ فيه عنوان الجمع كي يتوهم انثلامه بالتنفل ، بل المأخوذ فيه القيام إلى الثانية بعد‌

__________________

(١) في ص ٢٧١.


والأقوى أنّ السقوط في الموارد المذكورة رخصة لا عزيمة (١) وإن كان الأحوط الترك ، خصوصاً في الثلاثة الأُولى.

[١٣٩٤] مسألة ٢ : لا يتأكد الأذان لمن أراد إتيان فوائت في دور واحد لما عدا الصلاة الأُولى (٢) ، فله أن يؤذّن للأُولى منها ويأتي بالبواقي بالإقامة وحدها لكل صلاة.

______________________________________________________

الاولى ، ولا شبهة في صدق هذا العنوان ولو تنّفل ، ولا سيّما إذا تنفّل جالساً ، إذ النافلة تعدّ من توابع الاولى ، فلا تقدح في صدق المبادرة إلى الثانية عرفاً والقيام إليها.

يبقى الكلام في أنّ التنفّل المزبور هل هو مشروع في المزدلفة؟ فإنّ النصوص في ذلك متعارضة ، ومقتضى قوله عليه‌السلام في صحيحة منصور : « ولا تصلّ بينهما شيئاً » (١) هو العدم ، لكن صريح صحيحة أبان (٢) هو الجواز.

ويمكن الجمع بحمل الاولى على نفي التأكيد ، حيث إنّ المقام مقام توهم تأكد الاستحباب كما لا يخفى ، ومع التعارض والتساقط فالمرجع إطلاقات الأمر بالتنفل بين العشاءين.

(١) بل قد عرفت اختلاف الحال فيها ، وأنّه في المورد الثاني والثالث عزيمة وفي الخامس رخصة ، وفي غيرها لم يثبت السقوط من أصله فلاحظ.

(٢) هذا الحكم في الجملة مما لا كلام فيه ، وقد نطقت به جملة من النصوص كصحيحة محمد بن مسلم قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل صلى الصلوات وهو جنب اليوم واليومين والثلاثة ، ثم ذكر بعد ذلك ، قال : يتطهر ويؤذّن ويقيم في أوّلهنّ ثم يصلي ويقيم بعد ذلك في كل صلاة فيصلي بغير أذان حتى يقضي صلاته (٣).

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ١٤ : ١٥ / أبواب الوقوف بالمشعر ب ٦ ح ٣ ، ٥.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٥٤ / أبواب قضاء الصلوات ب ١ ح ٣.


وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام « قال : إذا نسيت الصلاة أو صليتها بغير وضوء وكان عليك قضاء صلوات فابدأ بأوّلهنّ فأذّن لها وأقم ثم صلّها ثم صلّ ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة » (١) ونحوهما غيرهما.

فأصل الحكم مما لا إشكال فيه ، وإنما الكلام في أمرين :

أحدهما : في أنّه مع الغض عن هذه النصوص فهل هناك دليل على مشروعية الأذان لصلاة القضاء ، أو أنّ المقتضي في نفسه قاصر ويختص المشروعية بالصلوات الأدائية فلا يشرع للقضاء ، كما لم يشرع لجملة أُخرى من الصلوات كالآيات والأموات ونحوهما؟

ثانيهما : أنّه بعد الفراغ عن المشروعية فهل السقوط في المقام رخصة أو أنّه عزيمة؟

أمّا الأمر الأوّل : فقد استدل العلامة في المنتهي (٢) لمشروعية الأذان في الفوائت بروايتين :

إحداهما : قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة ؛ « ... يقضي ما فاته كما فاته ... » إلخ (٣) فانّ مقتضى المماثلة التساوي بين القضاء والأداء في كافة الأحكام التي منها استحباب الأذان والإقامة.

ثانيتهما : ما رواه الشيخ بإسناده عن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سئل عن الرجل إذا أعاد الصلاة هل يعيد الأذان والإقامة؟ قال : نعم » (٤) بعد وضوح أنّ الإعادة في لسان الأخبار أعمّ من معناها الاصطلاحي فتشمل القضاء.

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٥٤ / أبواب قضاء الصلوات ب ١ ح ٤.

(٢) المنتهي ٤ : ٤١٦.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٦٨ / أبواب قضاء الصلوات ب ٦ ح ١.

(٤) الوسائل ٨ : ٢٧٠ / أبواب قضاء الصلوات ب ٨ ح ٢ ، التهذيب ٣ : ١٦٧ / ٣٦٧.


وأورد عليهما في المدارك (١) على ما نقله في الحدائق (٢) بضعف السند والدلالة ، وقد تعجب صاحب الحدائق قدس‌سره من تضعيف الأُولى ، بأنّها إما صحيحة أو حسنة بإبراهيم بن هاشم ، وقد وصف صاحب المدارك رواية زرارة الآنفة الذكر قبل هذه الرواية بالصحة ، مع أنّ في سندها أيضاً إبراهيم بن هاشم ، فكيف ضعّف هذه الرواية (٣).

أقول : تعجّبه قدس‌سره في محله ، ولكن يظهر من تخصيص النقاش بالأُولى موافقته معه في تضعيف الثانية ، ولا وجه له ، فإنّها وإن كانت ضعيفة على مسلك صاحب المدارك ، لأنّ في الطريق جملة من الفطحية إلا أنّهم بأجمعهم ثقات. وصاحب الحدائق يعمل بالموثقات.

وكيف ما كان ، فلا ينبغي التأمل في صحة الروايتين سنداً.

وأمّا من حيث الدلالة فمناقشته قدس‌سره في محله ، فإنّ الأُولى ناظرة إلى المطابقة من حيث القصر والتمام لا إلى سائر الأحكام لتشمل الأذان والإقامة كما هو واضح.

وأمّا الثانية : فالمفروض فيها المفروغية عن مشروعية الأذان للثانية في نفسه ، وإنّما السؤال عن أجزاء الأذان للأُولى عنه ، وأين هذا من محل الكلام ، حيث يكون مشروعية الأذان للفائتة غير المسبوقة بمثلها أوّل الكلام.

وبعبارة اخرى : مورد الموثقة الإعادة في الوقت أو في خارجه بعد الوجود الأوّل ، وأنّ الأذان السابق المشروع فعله لا يجزئ عن اللاحق ، بل الذي يعاد إمّا وجوباً أو استحباباً ولو لأجل انعقاد الجماعة يعاد بجميع متعلقاته التي منها الأذان ، وأين هذا من محل الكلام الذي فرض فيه عدم الإتيان بالعمل في ظرفه رأساً وإنما يؤتى به في خارج الوقت ابتداءً ، فإنّ مشروعية الأذان لمثل ذلك لا تستفاد من الموثقة بوجه ، هذا.

__________________

(١) المدارك ٣ : ٢٦٢.

(٢) ، (٣) الحدائق ٧ : ٣٧٢ ، ٣٧٥.


وربما يستدل له بإطلاق قوله عليه‌السلام في ذيل موثقة عمار قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا بدّ للمريض أن يؤذّن إلى أن قال ـ : لأنّه لا صلاة إلا بأذان وإقامة » (١) حيث دلت على نفي ماهية الصلاة عن الفاقدة للأذان والإقامة حتى القضاء بمقتضى الإطلاق ، غاية الأمر حملها على نفي الكمال بعد تعذّر إرادة الحقيقة.

وهي كما ترى واردة في المريض ، فما ذكره المحقق الهمداني قدس‌سره (٢) من ورودها في الناسي كأنّه سهو من قلمه الشريف.

وكيف ما كان ، فقد ناقش المحقق المزبور قدس‌سره بمنع الإطلاق وإلا لزم تخصيص الأكثر المستهجن ، لخروج صلاة الآيات والأموات والنوافل ونحوها ، فليس المنفي ماهية الصلاة على الإطلاق ، بل قسم خاص منها ، وهو ما كانت مشروعية الأذان والإقامة له معهودة لدى المتشرعة ، والمتيقن منها الصلوات اليومية الأدائية ، فيشكل شمولها للقضاء (٣).

وفيه : أنّ الإطلاق منزّل على الفرد الشائع المبتلى به لعامة الناس ، وهي الصلوات اليومية ، لندرة الابتلاء بصلاة الآيات ، وخروج صلاة الأموات عن حقيقة الصلاة ، وإنّما هي ذكر ودعاء ، فلا يكون التنزيل المزبور من تخصيص الأكثر ، بل كأنّه عبّر من الأوّل باليومية ، وعليه فلا قصور في شمول الإطلاق للأداء والقضاء ، لاتحاد المناط بعد كون كليهما محلا للابتلاء ومن الأفراد الشائعة التي ينصرف إليها الإطلاق.

وبالجملة : فلا مانع من الاستدلال بإطلاق هذه الموثقة كإطلاق موثقته الأُخرى عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : إذا قمت إلى صلاة فريضة فأذّن‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٤٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٥ ح ٢.

(٢) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٢٠٧ السطر ٨.

(٣) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٢٠٧ السطر ٢٥.


وأقم » (١) فإنّ الفريضة التي هي الموضوع للحكم مطلق تشمل الأداء والقضاء. فإطلاق هاتين الموثقتين مضافاً إلى النصين المتقدمين (٢) ، أعني صحيحتي زرارة ومحمد بن مسلم يقتضي مشروعية الأذان لقضاء الرواتب اليومية كأدائها.

وأمّا الأمر الثاني : فعن غير واحد منهم المحقق في الشرائع (٣) أنّ السقوط في المقام على سبيل الرخصة ، بل نسب ذلك إلى المشهور ، بل ربما يدعى الإجماع عليه ، وخالفهم جماعة منهم صاحب الحدائق (٤) فذهبوا إلى أنّه عزيمة ، وهو الصواب ، إذ هو المنسبق من مستند السقوط ، أعني الصحيحتين المتقدمتين (٥) الدالتين عليه ، فانّ الظاهر من قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة « ... ثم صلّ ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة » أنّ الصلوات التالية مقيّدة بالإقامة خاصة ، غاية الأمر أنّ التقييد من باب الندب لا الحتم ، بعد البناء على عدم الوجوب في الأداء فضلاً عن القضاء. إذن فلا أمر بالأذان لما عدا الصلاة الأُولى رأساً.

ودعوى أنّ الصحيحة في مقام التخفيف والتسهيل فلا تدل على أزيد من الترخيص ، مدفوعة بأنّه أوّل الكلام ، بل ظاهرها أنّها في مقام بيان كيفية التصدي للقضاء ، وأنّ النهج الذي بيّنه عليه‌السلام من اختصاص الأذان بالأُولى هي الوظيفة المقرّرة في هذه المرحلة لمن أراد تفريغ ذمته عن قضاء فوائته ، ولا دليل على كونه عليه‌السلام في مقام التسهيل.

وأوضح منها صحيحة ابن مسلم حيث ورد فيها « ... ويقيم بعد ذلك في كل صلاة فيصلي بغير أذان حتى يقضي صلاته » فقد صرّحت بتقييد الصلوات التالية بعدم اقترانها بالأذان ، وظاهر التقييد انحصار الوظيفة في ذلك المساوق‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٩٧ / أبواب الأذان والإقامة ب ١١ ح ٤.

(٢) في ص ٢٨٠ ، ٢٧٩.

(٣) الشرائع ١ : ٨٩.

(٤) الحدائق ٧ : ٣٨٢.

(٥) في ص ٢٧٩ ، ٢٨٠.


[١٣٩٥] مسألة ٣ : يسقط الأذان والإقامة في موارد : أحدها : الداخل في الجماعة التي أذّنوا لها وأقاموا (١) وإن لم يسمعهما ولم يكن حاضراً حينهما وكان مسبوقاً (١).

______________________________________________________

لكون السقوط على سبيل العزيمة ، وبذلك يقيّد إطلاقات المشروعية بطبيعة الحال ، فلا دليل إذن على مشروعية الأذان لغير الصلاة الأُولى.

بقي الكلام في المراد من الصلاة الأُولى المشار إليها في الصحيحتين ، وهل المراد هي الأُولى فواتاً ، لتدل على لزوم رعاية الترتيب في قضاء الفوائت ، أو الأُولى قضاء وإن خالف الترتيب في الفوت؟ المشهور هو الأوّل ، ومن ثمّ التزموا بمراعاة الترتيب ، ولكنه غير واضح ، لاحتياجه إلى مزيد عناية لا شاهد عليها ، بل المفهوم عنها عرفاً أنّ الفوائت التي يتصدى لقضائها بما أنّها تدريجية الحصول وتقع الواحدة منها تلو الأُخرى ، فيؤذّن القاضي ويقيم للأُولى منها ويقتصر على الإقامة فيما عداها ، ولو فرغ من هذا المجلس وتصدى للباقي في مجلس آخر فكذلك.

وعليه فالمراد من الاولى في قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة « فابدأ بأوّلهنّ » الأوّليّة في مجلس القضاء لا في ظرف الفوات ليعتبر الترتيب ، كما أنّ المراد منها مقدمات الاولى لا نفسها ، إذ لا أذان بعد الشروع ، فهي نظير قوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ... ) إلخ (١) فكما أنّ المراد هناك القيام إلى ما يشمل مقدّمات الصلاة ، فكذلك البدأة في المقام ومن ثمّ فرّع عليه‌السلام الأذان على البدأة بفاء التفريع فقال عليه‌السلام « فأذّن لها » ولم يقل وأذّن. وعلى ما ذكرنا جرت السيرة وارتكز في الأذهان من أنّ الأذان لكل مجلس والإقامة لكل صلاة.

(١) هذه المسألة وإن أهملها الأكثرون وقلّ المتعرضون فلم يحررها المحقق في‌

__________________

(١) أو التي سمع الامام فيها الأذان والإقامة.

(١) المائدة ٥ : ٦.


الشرائع وغيره ، بل خلت عن النص الخاص ، إلا أنّها مع ذلك ممّا لا شبهة فيها ولا إشكال ، ولعله لذلك عرضها الإهمال إيكالاً على وضوحها وجلائها ، فقد استقرت عليها السيرة القطعية العملية خلفاً عن سلف ، وقد حكي أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يجتزئ بأذان بلال أو إقامة غيره وإن لم يسمعهما (١).

ويمكن استفاده الحكم من عدّة من الروايات المتفرقة :

منها : النصوص الواردة في المورد الثاني الناطقة بسقوط الأذان والإقامة عمّن دخل المسجد ، وقد فرغت الجماعة قبل تفرّق الصفوف ، (٢) فإنها تدل على السقوط بالإضافة إلى الداخل في الجماعة بطريق أولى. وكذا ما دل على السقوط في من أدرك الإمام في التشهد الأخير قبل تسليمه (٣) حيث يظهر منها أنّ من أدرك الجماعة فلا أذان عليه ولا إقامة.

ومنها : ما دلّ على عدم السقوط في من يصلي خلف من لا يقتدى به كرواية محمد بن عذافر عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : أذّن خلف من قرأت خلفه » (٤) فإنّها تدل بالمفهوم على السقوط لدى صحة الاقتداء.

ومنها : ما سيأتي في المورد الثالث من النصوص الدالة على السقوط في من دخل المسجد وقد أُقيمت الجماعة وإن لم يدخل معهم ، فإنّها تدل على السقوط لدى الدخول بطريق أولى.

ومنها : موثقة عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : « سئل عن الرجل يؤذّن ويقيم ليصلي وحده فيجي‌ء رجل آخر فيقول له : نصلي‌

__________________

(١) [ لم نعثر على الحاكي ولا على هذا المضمون في الروايات ولكن ربما يستفاد الحكم مما رواه في الوسائل ٥ : ٤٣٨ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣١ ح ٢ ].

(٢) الوسائل ٨ : ٤١٤ / أبواب صلاة الجماعة ب ٦٥.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٩٣ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٩ ح ٦.

(٤) الوسائل ٥ : ٤٤٣ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٤ ح ٢.


جماعة ، هل يجوز أن يصليا بذلك الأذان والإقامة؟ قال : لا ، ولكن يؤذّن ويقيم » (١).

فإنها تدل بوضوح على أنّ الاكتفاء بأذان الامام وإقامته أمر مفروغ عنه عند السائل والمسؤول عليه‌السلام وإنما سئل عن تطبيق ذلك على ما لو أذّن وأقام ليصلي وحده ثم بدا له في الجماعة.

وبالجملة : فالحكم في الجملة مما لا غبار عليه ، وإنّما الكلام في أمرين :

أحدهما : هل السقوط خاص بالمأموم كما هو ظاهر عبارة المتن أو أنّه يشمل الامام؟

الظاهر هو الثاني ، لجريان السيرة بالإضافة إلى الامام أيضاً كالمأموم ، لكن المتيقن منها هو الأذان ، فلو حضر الامام بعد الأذان للصلاة فقد استقرت السيرة على اجتزائه به وعدم إعادته ، بل قد يظهر ذلك من بعض النصوص الآتية ، وأمّا الحضور بعد الإقامة فلم يعلم جريانها على الاجتزاء بها ، ولكنه يستفاد ذلك من بعض النصوص.

منها : موثقة السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم‌السلام « أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا دخل المسجد وبلال يقيم الصلاة جلس » (٢) دلت بمفهومها على أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا دخل بعد فراغ بلال من الإقامة كان لا يجلس بل يشرع في الصلاة مكتفياً بإقامة بلال ، فيستفاد منها أنّ إمام الجماعة إذا حضرها وقد أُقيم لها يجتزئ بها ولا يعيدها.

ومنها : معتبرة حفص بن سالم « أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة أيقوم الناس على أرجلهم أو يجلسون حتى يجي‌ء إمامهم؟ قال : لا ، بل يقومون على أرجلهم ، فإن جاء إمامهم وإلا فليؤخذ بيد رجل من القوم فيقدم » (٣).

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٣٢ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٧ ح ١.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٣٨ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣١ ح ٢.

(٣) الوسائل ٨ : ٣٧٩ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٢ ح ١.


وهي كما ترى واضحة الدلالة على أنّ الامام إذا جاء بعد الانتهاء من الأذان والإقامة يكتفي بهما ولا يعيد ، كما أنّها معتبرة سنداً ، فان الصدوق رواها بطريقين كلاهما معتبر (١) ، كما أنّها معتبرة في طريق الشيخ أيضاً (٢) ، غير أنّه قدس‌سره كناه في التهذيب بأبي الوليد كما في الوسائل ، والموجود في مشيخة الفقيه (٣) وكذا في كتب الرجال أبو ولاد ، ولعلّ ما في التهذيب سهو من قلمه الشريف أو من النسّاخ ، هذا.

وربما يستدل لذلك بروايات اخرى ولكنها ضعيفة إما سنداً أو دلالة ، ولا حاجة إلى التعرض إليها وفيما ذكرناه كفاية.

ثانيهما : ظاهر عبارة المتن اختصاص السقوط بالجماعة التي أُذّن وأُقيم لها ، فلا يشمل الاقتداء بإمام اكتفى بسماعهما من الغير من دون سماع المأمومين ، ولكن التقييد غير ظاهر ، بل لو سمعهما الامام من شخص آخر ولو كان منفرداً واكتفى بهما فأقام الجماعة سقطا عنه وعن المأمومين ، لما رواه الشيخ بإسناده عن سعد عن أبي الجوزاء المنبه بن عبد الله عن الحسين بن علوان عن عمرو بن خالد عن أبي جعفر عليه‌السلام « قال : كنّا معه فسمع إقامة جار له بالصلاة ، فقال : قوموا فقمنا فصلينا معه بغير أذان ولا إقامة ، قال : ويجزئكم أذان جاركم » (٤).

فانّ تخصيص السماع بالإمام عليه‌السلام يكشف عن أنّ الراوي ومن معه لم يسمعوا ذلك الأذان ، وإلا لقال فسمعنا بدل قوله « فسمع » فهي إذن واضحة الدلالة ، كما أنّها معتبرة السند ، فإنّ أبا الجوزاء وإن كان عامي المذهب ولكنه‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٥٢ / ١١٣٧ [ ولكن لم نعثر إلا على طريق واحد ].

(٢) التهذيب ٢ : ٢٨٥ / ١١٤٣.

(٣) الفقيه ٤ ( المشيخة ) : ٦٣.

(٤) الوسائل ٥ : ٤٣٧ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٠ ح ٣ ، التهذيب ٢ : ٢٨٥ / ١١٤١.


بل مشروعية الإتيان بهما في هذه الصورة لا تخلو عن إشكال (١)

______________________________________________________

وثقه النجاشي (١) ، وكذلك الحسين بن علوان (٢) فإنّ الظاهر أنّ التوثيق المذكور في عبارته يعود إليه ، لأنه المعنون والمترجم له ، لا إلى أخيه الحسن الذي ذكره في ضمن ترجمته بنحو الجملة المعترضة. ومع تسليم إجمال العبارة من هذه الناحية فيكفينا ما ذكره ابن عقدة حيث قال : إن الحسن أوثق من أخيه الحسين (٣) ، فإنه يفهم منه اشتراكهما في الوثاقة وإن كان الحسن أوثق.

أمّا عمرو بن خالد فقد ذكر الكشي أنّ ابن فضال قد وثّقه (٤) ، مضافاً إلى وقوعه في أسناد كامل الزيارات ، وطريق الشيخ إلى سعد معتبر ، فالرواية إذن موثقة.

وتدل عليه أيضاً : معتبرة أبي مريم الأنصاري قال : « صلى بنا أبو جعفر عليه‌السلام في قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة إلى أن قال فقال : وإنّي مررت بجعفر وهو يؤذّن ويقيم فلم أتكلم فأجزأني ذلك » (٥) فان صالح بن عقبة الواقع في السند وإن لم يوثق صريحاً ، ولكنه من رجال كامل الزيارات (٦) فالسند تام كما أنّ الدلالة واضحة.

(١) فكأنّه قدس‌سره يرى أنّ السقوط بنحو العزيمة لا الرخصة.

وربما يستدل له بقوله عليه‌السلام في رواية معاوية بن شريح المشار إليها فيما سبق « ... ليس عليه أذان ولا إقامة » (٧).

__________________

(١) رجال النجاشي : ٤٢١ / ١١٢٩.

(٢) رجال النجاشي : ٥٢ / ١١٦.

(٣) الخلاصة : ٣٣٨ / ١٣٣٧.

(٤) رجال الكشي : ٢٣١ / ٤١٩.

(٥) الوسائل ٥ : ٤٣٧ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٠ ح ٢.

(٦) فيه وفي من قبله كلام قد تكرر.

(٧) الوسائل ٨ : ٣٩٣ / أبواب صلاة الجماعة ب ٤٩ ح ٦.


الثاني : الداخل في المسجد للصلاة (١)

______________________________________________________

وفيه : مضافاً إلى ضعف السند فان ابن شريح لم يوثق ، أنّها قاصرة الدلالة ، إذ فرق واضح بين قولنا : ليس عليه وقولنا : ليس له ، والذي يدل على نفي المشروعية المساوق للعزيمة هو الثاني. أمّا الأوّل فمفاده نفي اللزوم المحمول على نفي تأكد الاستحباب فينتج الترخيص في الترك الراجع إلى المستحب غير المؤكد.

ولكن الصواب مع ذلك أنّ السقوط عزيمة ، لا لما ذكر ، بل لأجل أنّه لو كان رخصة وساغ الإتيان خارجاً لصدر عن أحد المعصومين أو أصحابهم التابعين ولو مرّة واحدة ، ولنقل إلينا بطبيعة الحال ، فالالتزام البات والامتناع الأكيد منهم من أوضح الأدلة على عدم المشروعية كما لا يخفى.

(١) على المشهور ، بل في الجواهر (١) يمكن تحصيل الإجماع عليه ويستدل له بجملة من النصوص.

منها : موثقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قلت له : الرجل يدخل المسجد وقد صلى القوم أيؤذّن ويقيم؟ قال : إن كان قد دخل ولم يتفرق الصف صلى بأذانهم وإقامتهم ، وإن كان تفرق الصف أذّن وأقام » (٢).

وقد ناقش صاحب المدارك في سندها باشتراك أبي بصير بين الموثق وغيره (٣).

ويندفع : بما حققه المتأخرون من انصرافه لدى الإطلاق إلى أحد شخصين مشهورين : ليث المرادي ، ويحيى بن القاسم ، وكل منهما موثق. نعم ربما تطلق هذه الكنية على غير الثقة لكنه يحتاج إلى القرينة لعدم كونه معروفاً‌

__________________

(١) الجواهر ٩ : ٤١.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٣٠ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٥ ح ٢.

(٣) المدارك ٣ : ٢٦٧.


ولا مشهوراً ، ومن ثم ينصرف اللفظ عنه عند الإطلاق.

ومنها : موثقة زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه‌السلام قال : « دخل رجلان المسجد وقد صلى الناس فقال لهما علي عليه‌السلام : إن شئتما فليؤم أحدكما صاحبه ولا يؤذّن ولا يقيم » (١).

وهاتان الموثقتان هما العمدة في المقام ، وهناك روايات اخرى لا يخلو أسنادها عن ضعف أو بحث.

منها : رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام « أنه كان يقول : إذا دخل رجل المسجد وقد صلى أهله فلا يؤذّننّ ولا يقيمنّ ولا يتطوع حتى يبدأ بصلاة الفريضة ولا يخرج منه إلى غيره حتى يصلي فيه » (٢) فانّ في السند بنان بن محمد ولم يوثق (٣).

نعم ، حاول الوحيد في التعليقة لتوثيقه بأنّه روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى ، ولم يستثن ابن الوليد روايته ، قال : وفيه إشعار بالاعتماد عليه بل لا يبعد الحكم بوثاقته (٤) وقد تبعه الصدوق في ذلك (٥). ولكنّا ذكرنا غير مرّة أنّ مجرد الاعتماد لا يكشف عن التوثيق ، ولعلهما يبنيان على أصالة العدالة كالعلامة ، وقد ذكر الصدوق في مقدمة الفقيه (٦) أنّه يعتمد على كتابه مع عدم كشفه عن توثيق جميع رواته.

ومنها : رواية أبي بصير قال : « سألته عن الرجل ينتهي إلى الامام حين‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٣٠ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٥ ح ٣.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٣١ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٥ ح ٤.

(٣) هو عبد الله بن محمد بن عيسى وكان ثقة عند سيدنا الأُستاذ ( دام ظله ) سابقاً لوقوعه في أسناد كامل الزيارات وإن عدل عنه أخيراً.

(٤) تعليقة الوحيد البهبهاني : ٧٢.

(٥) رجال النجاشي : ٣٤٨ / ٩٣٩ ، ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى.

(٦) الفقيه ١ : ٤.


يسلّم ، قال : ليس عليه أن يعيد الأذان فليدخل معهم في أذانهم فإن وجدهم قد تفرّقوا أعاد الأذان » (١).

فان السند قد اشتمل على صالح بن سعيد كما في الكافي (٢) ولم يوثق ، أو خالد بن سعيد كما في التهذيب (٣) وقد وثقه النجاشي (٤) فاما أن يقدم نسخة الكافي لكونه أضبط ، أو لا أقل من تساوي الاحتمالين فلم تثبت وثاقة الراوي. ويظهر من الوسائل (٥) أنّ نسخ الكافي مختلفة ، بل قيل إنّ نسخ التهذيب أيضاً مختلفة.

وكيف ما كان ، فلم يثبت اعتبار الرواية بعد عدم احتمال تعددها كما لا يخفى.

ومنها : رواية ابي علي قال : « كنّا عند أبي عبد الله عليه‌السلام فأتاه رجل فقال : « جعلت فداك صليت في المسجد الفجر فانصرف بعضنا وجلس بعض في التسبيح فدخل علينا رجل المسجد فأذّن فمنعناه ودفعناه عن ذلك ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : أحسنت ادفعه عن ذلك وامنعه أشدّ المنع. فقلت : فان دخلوا فأرادوا أن يصلوا فيه جماعة ، قال : يقومون في ناحية المسجد ولا يبدو بهم إمام » (٦).

وقد ناقش صاحب المدارك في سندها بجهالة أبي علي (٧).

وأُجيب عنه بوجوه : أحدها : أنّ الراوي عنه في طريق الصدوق هو محمد‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٢٩ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٥ ح ١.

(٢) الكافي ٣ : ٣٠٤ / ١٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٧٧ / ١١٠٠.

(٤) رجال النجاشي : ١٤٩ / ٣٨٧.

(٥) لا يخفي أنّ صاحب الوسائل أسند هذه الرواية إلى الشيخ تارة بإسناده عن الكليني وأُخرى عن علي بن إبراهيم ، لكن الموجود في التهذيب هو الاسناد الثاني فقط كما نبّه عليه المعلق ، ولعله سهو من قلمه الشريف أو سقط من التهذيب.

(٦) الوسائل ٨ : ٤١٥ / أبواب صلاة الجماعة ب ٦٥ ح ٢ [ في نسخة : ولا يبدر ].

(٧) المدارك ٣ : ٢٦٧.


ابن أبي عمير (١) ، وحيث إنّه لا يروي إلا عن الثقة فروايته عنه توثيق له ، فاذا صح طريق الصدوق صح طريق الشيخ ايضاً (٢) ، إذ يثبت أنّ أبا علي الذي يروي عنه الحسين بن سعيد ثقة بتوثيق ابن أبي عمير إيّاه عملاً.

وفيه أوّلاً : ما ذكرناه في محله من أنّ الكلية المدعاة من أنّ ابن أبي عمير لا يروي إلا عن الثقة لا أساس لها ، فقد عثرنا على روايته عن غير الثقة في غير مورد.

وثانياً : مع التسليم ، فتطبيق أبي علي الذي يروي عنه ابن أبي عمير على من يروي عنه الحسين بن سعيد لا شاهد عليه ، فإنّ الأوّل مقيد بالحراني ، والثاني مطلق ، ولعل المراد به الخزاز. بل هو الظاهر لرواية الحسين بن سعيد عنه في غير هذا المورد ولا توثيق له.

ثانيها : ما ذكره في الجواهر (٣) تارة من انجبار الضعف بعمل الأصحاب ، وفيه ما لا يخفى. وأُخرى : بأنّ في طريق الصدوق ابن أبي عمير ، وفي طريق الشيخ الحسين بن سعيد ، وكلاهما من أصحاب الإجماع.

ويردّه : مضافاً إلى وضوح أنّ الحسين بن سعيد لم يكن من أصحاب الإجماع ، ولعله سهو من قلمه الشريف ، ما ذكرناه في محله (٤) من أنّ المراد من الإجماع المزبور الذي ادّعاه الكشي أنّ هؤلاء الجماعة يصدقون فيما يدّعون ويعتمد على ما يقولون ، لجلالة قدرهم ورفعة شأنهم ، فيصح ما صح عنهم بأنفسهم لا عمّن يروون عنه ليدل على توثيقه أيضاً. وعلى تقدير إرادته فهو إجماع منقول لا يعوّل عليه.

ثالثها : ما ذكره في الجواهر (٥) أيضاً من احتمال أن يكون أبو علي الحراني هو‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٦٦ / ١٢١٥.

(٢) التهذيب ٣ : ٥٥ / ١٩٠.

(٣) الجواهر ٩ : ٤٢.

(٤) معجم رجال الحديث ١ : ٥٧.

(٥) الجواهر ٩ : ٤٢.


سلام بن عمرو الثقة.

وأُورد عليه : بأنّ الموثق هو سلاّم بن أبي عَمرة لا سلام بن عمرو. على أنّه لم يثبت أنّ كنيته أبو علي.

أقول : الظاهر أنّ الرجلين شخص واحد وأنّه مكنى بأبي علي.

أمّا الاتحاد فلأجل أنّ الشيخ لم يتعرض في الفهرست لسلاّم بن أبي عَمرة ، وإنّما تعرّض لسلام بن عمرو الخراساني (١) وذكر طريقه إليه ولم يوثقه ، بالعكس من النجاشي حيث إنّه تعرّض للاوّل (٢) دون الثاني ، وذكر طريقه إليه بعد أن وثقه. وطريق كل منهما هو بعينه الطريق الذي ذكره الآخر ، فمن عدم تعرض كل منهما لما تعرض إليه الآخر مع وحدة الطريق يستكشف الاتحاد وأنّ نسخة الفهرست إمّا محرّفة ، لأنّ النجاشي أضبط ، أو أنّ أبا عمرة اسمه عمرو فذكر الشيخ اسمه ، والنجاشي كنيته ، وإلا فما هو وجه الإهمال مع التزامهما بذكر كل من له كتاب ، فبعد الاتحاد يكون الرجل موثقاً بتوثيق النجاشي.

وأمّا أنّ كنيته أبو علي فيظهر مما ورد في الجزء الأوّل من أُصول الكافي في كتاب الحجة حيث قال : عدّة من أصحابنا عن الحسين بن الحسن بن يزيد عن بدر عن أبيه قال : حدثني سلام أبو علي الخراساني ... إلخ (٣) ، فإنّ من الواضح انّ المراد به هو الرجل المبحوث عنه وقد كنّاه بأبي علي ، فيعلم أنّ كنيته ذلك ، وقد ترجمه النجاشي بعنوان الخراساني ووثقه. إذن فما احتمله في الجواهر أمر قابل للتصديق ، بل هو الصحيح من حيث وثاقة سلام بن عمرو وتكنيته بأبي علي.

لكن الشأن في تطبيقه على أبي علي الموجود في سند هذه الرواية ، حيث إنّه‌

__________________

(١) الفهرست : ٨٢ / ٣٣٩ [ ولكنه لم يصفه بالخراساني وانّما وصفه به النجاشي ].

(٢) رجال النجاشي : ١٨٩ / ٥٠٢.

(٣) الكافي ١ : ٤٠٠ / ٦.


يلقب بالحراني ، وذاك بالخراساني كما سمعته من النجاشي ، ولا يحتمل الاتحاد ، فانّ حران من بلاد العرب ومنها ابن تيمية ، وخراسان من بلاد إيران ، فأين الحراني من الخراساني ، ولعل الأمر قد التبس على صاحب الجواهر ، لما بينهما من التقارب كتباً ولفظاً ، هذا في طريق الصدوق.

وأمّا في طريق الشيخ فلا يحتمل أن يراد من أبي علي الذي يروي عنه الحسين بن سعيد الخراساني المزبور ، فإنّه من أصحاب الباقر عليه‌السلام وإن أدرك الصادق أيضاً ، كما ذكره النجاشي ، فكيف يروي عنه الحسين بن سعيد الذي هو من أصحاب الهادي عليه‌السلام. نعم روى أحياناً عن بعض أصحاب الصادق ، أمّا الذي هو من أصحاب الباقر عليه‌السلام فروايته عنه بعيد غايته ، لاختلاف الطبقة ، بل المراد كما سبق هو الخزاز ، لرواية الحسين ابن سعيد عنه في غير هذا المورد ولا توثيق له.

فتحصّل : أنّ ما احتمله في الجواهر لا يمكن المساعدة عليه ، بل الصحيح جهالة الراوي كما ذكره صاحب المدارك.

أجل ، إنّ الرجل ، أعني أبا علي الحراني ، موجود في أسناد كامل الزيارات فيحكم بوثاقته (١) لهذه الجهة ، فتكون الروايات المعتبرة الواردة في المقام بضميمة الموثقتين المتقدمتين ثلاثاً.

تنبيه : قال صاحب الوسائل : في خاتمة الكتاب ما لفظه : سلام بن أبي عمرة الخراساني ثقة روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما‌السلام قاله النجاشي ونقله العلامة (٢).

ولكنك سمعت من النجاشي أنّه روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام ، ولم يذكر أحد روايته عن أبي الحسن عليه‌السلام فما ذكره قدس‌سره من عطف أبي الحسن لعلّه سهو من قلمه الشريف.

__________________

(١) حسب الرأي السابق.

(٢) الخاتمة ٣٠ : ٣٨٤.


منفرداً أو جماعة (١).

______________________________________________________

(١) كما عن جماعة من الأصحاب استناداً إلى الإطلاق في جملة من نصوص الباب. واختصاص بعضها كرواية أبي بصير المتقدمة (١) بمريد الجماعة لا يستوجب التقييد ، إذ مضافاً إلى ضعف سندها ، وإلى أنّ القيد مذكور في كلام السائل فلا مفهوم له ، أنّهما مثبتان فلا تعارض ليرتكب التقييد.

ودعوى انصراف المطلقات إلى مريد الجماعة لمكان الغلبة ، مدفوعة بأنّ الغلبة في الوجود لا تستوجب الانصراف ما لم تبلغ حدّ الغلبة في الاستعمال كما تقرّر في محله (٢). وهذا كله واضح. وإنّما الكلام في أنّه هل يوجد في نصوص الباب إطلاق يمكن الركون إليه؟

أمّا رواية أبي بصير الآنفة الذكر فهي واردة في قاصد الجماعة لقوله : « سألته عن الرجل ينتهي إلى الامام ... » إلخ وقد عرفت حالها.

وأمّا موثقته المتقدمة (٣) فلا يبعد أن تكون أيضاً خاصة بذلك ولا أقلّ من عدم انعقاد الإطلاق لها ، فانّ المنسبق من قوله : « الرجل يدخل المسجد وقد صلى القوم ... » إلخ أنّه لولا فراغهم من الصلاة لدخل معهم فسأل عن حكم الأذان فيما لو انقضت الجماعة فلم يدركها ، ومثله قاصد للجماعة بطبيعة الحال. ونحوها موثقة زيد بن علي (٤) ، فانّ المستفاد من قوله عليه‌السلام « فليؤم أحدكما صاحبه » أنّهما كانا مريدين للجماعة فتأخّرا ولم يدركا ، فمن ثمّ أمرهما بعقدها فيما بينهما إن شاءا.

وقد رواها في الوسائل في باب ٦٥ من صلاة الجماعة حديث ٣ هكذا « ...

__________________

(١) في ص ٢٩٠.

(٢) محاضرات في أصول الفقه ٥ : ٣٧٢ ٣٧٣.

(٣) في ص ٢٨٩.

(٤) المتقدمة في ص ٢٩٠.


وقد أُقيمت الجماعة حال اشتغالهم (١) ولم يدخل معهم ، أو بعد فراغهم مع عدم تفرق الصفوف (٢).

______________________________________________________

وقد صلى علي بالناس ... » إلخ (١) ، وحينئذ فالأمر أوضح ، لأنّ إمام الجماعة إذا كان علياً عليه‌السلام وهو خليفة الوقت فكل من يدخل المسجد فهو يريد الجماعة خلفه بطبيعة الحال.

نعم ، إنّ رواية السكوني (٢) مطلقة ، ولكنها ضعيفة السند كما عرفت ، والعمدة رواية أبي علي (٣) فإنّ إطلاقها لمريد الجماعة وغيره ولو من أجل ترك الاستفصال غير قابل للإنكار ، وقد عرفت أنّها معتبرة عندنا لوقوع أبي علي في أسناد كامل الزيارات.

نعم ، من لا يرى اعتبارها كما عن جماعة لا بد لهم من اختصاص الحكم بمريد الجماعة ، لفقد مستند يعوّل عليه في الحكم بالإطلاق حسبما عرفت.

(١) مورد نصوص الباب دخول المسجد بعد انتهاء الجماعة.

وأما حال الاشتغال فلم يرد نص فيه على السقوط ، وحينئذ فان بنينا على تعميمه لغير مريد الجماعة ثبت في المقام بالأولوية ، لأنّ غير المريد لو حكم عليه بالسقوط بمجرد إدراك الصفوف ، فمع إدراك الجماعة نفسها بطريق اولى وإن بنينا على الاختصاص فلا مقتضي له ، وقد عرفت أنّ الأظهر هو الأوّل.

(٢) مقتضى الإطلاق في موثقة زيد بن علي عدم الفرق في السقوط بين تفرّق الصفوف وعدمه ، إلا أن يقال إنّها حكاية عن قضية خارجية ، ولعل الصفوف كانت باقية وغير متفرقة ، فلا إطلاق لها من هذه الجهة.

وكيف ما كان ، فعلى تقدير انعقاد الإطلاق فهو مقيّد بموثقة أبي بصير‌

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٤١٥ / أبواب صلاة الجماعة ب ٦٥ ح ٣.

(٢) المتقدمة في ص ٢٩٠.

(٣) المتقدمة في ص ٢٩١.


المصرّحة بالتفصيل وإناطة السقوط بعدم التفرق.

وهل العبرة بتفرّق الصفوف بأجمعها بحيث لا تبقى هيئة للجماعة عرفاً ، فلو ذهب نصفهم مثلاً ، لم يصدق التفرق ، لبقاء الهيئة العرفية وقيامها بالنصف الباقي ، أو أنّه يكفي التفرق في الجملة ولو بذهاب بعضهم؟

ربما يشهد للثاني إطلاق موثقة أبي بصير (١) لظهورها في أنّ العبرة بتفرّق الصف الحاصل ولو بخروج البعض ، لكن الأظهر حسبما هو المنسبق إلى الذهن في أمثال المقام من الإناطة بالصدق العرفي هو الأوّل ، كما قد تشهد به موثقة أبي على حيث دلت على عدم حصول التفرق بخروج البعض واشتغال البعض الآخر بالتعقيب ، وبها ترفع اليد عن الإطلاق المزبور.

وكيف ما كان ، فعلى تقدير الترديد في المراد من التفرق فاللازم الاقتصار على المقدار المتيقن من السقوط ، والرجوع فيما عداه إلى إطلاقات الأذان والإقامة على ما هو الشأن في كل مخصص منفصل مجمل دائر بين الأقل والأكثر ، هذا.

ويظهر مما ورد في كتاب زيد النرسي خلاف ما ذكرناه ، فقد روى عن عبيد ابن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : إذا أدركت الجماعة وقد انصرف القوم ووجدت الامام مكانه وأهل المسجد قبل أن ينصرفوا ، أجزأ أذانهم وإقامتهم ، فاستفتح الصلاة لنفسك ، وإذا وافيتهم وقد انصرفوا عن صلاتهم وهم جلوس أجزأ إقامة بغير أذان ، وإن وجدتهم وقد تفرّقوا وخرج بعضهم عن المسجد فأذّن وأقم لنفسك » (٢).

حيث تضمنت تقسيم مُدرك الجماعة بعد الانصراف إلى حالات ثلاث : فتارة يدركها والإمام جالس والقوم لم يتفرقوا ، وأُخرى حال جلوس القوم ، وثالثة بعد تفرّقهم وخروج بعضهم عن المسجد.

__________________

(١) المتقدّمة في ص ٢٨٩.

(٢) المستدرك ٤ : ٤٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٢ ح ١.


ففي الاولى لا يؤذّن ولا يقيم ، وفي الثانية يقيم فقط ، وفي الثالثة يؤذّن ويقيم.

وينبغي التكلم أوّلاً حول سند الرواية واعتبار الكتاب ، وثانياً في مدى دلالتها.

أمّا السند فزيد النرسي لم يرد فيه توثيق صريح ، ولكنه من رجال كامل الزيارات ، فلأجله يحكم بوثاقته (١).

وأمّا كتابه فقد رواه النجاشي عن أحمد بن علي بن نوح عن الصفواني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير (٢) ، فالطريق إليه معتبر. كما أنّ الشيخ يرويه عن ابن ابي عمير ، وقد ذكر عند ترجمته طريقه إلى جميع كتبه ورواياته (٣) ، والطريق صحيح. فما ذكره الأردبيلي من إرسال الطريق غفلة منه قدس‌سره (٤).

وذكر ابن الغضائري أنّ كتاب زيد النرسي من الكتب القديمة وأنّه روي عن ابن أبي عمير (٥) ، وحيث إنّا لا نعتمد على كتاب ابن الغضائري فالعمدة ما سمعته من الشيخ والنجاشي.

إذن فما ذكره ابن الوليد وتبعه الصدوق (٦) من أنّ الكتاب موضوع وضعه محمد بن موسى الهمداني مما لا ينبغي الإصغاء إليه. ومن ثمّ قال ابن الغضائري : ولقد غلط أبو جعفر أي الصدوق في هذا القول فإنّي رأيت كتبهما زيد النرسي وزيد الزراد مسموعة من محمد بن ابي عمير.

ويمكن الاعتذار عن ابن الوليد بأنّ الكتاب لم يصل اليه إلا من طريق الهمداني المزبور ، وحيث إنّه ضعيف فتخيل أنّه وضعه من عند نفسه ، وقد‌

__________________

(١) حسب الرأي السابق وقد عدل ( دام ظله ) عنه.

(٢) رجال النجاشي : ١٧٤ / ٤٦٠.

(٣) الفهرست : ١٤٢ / ٦٠٧.

(٤) جامع الرواة ٢ : ٤٩٤.

(٥) حكى عنه في الخلاصة : ٣٤٧ / ١٣٧٧.

(٦) حكاه عنهما الشيخ في الفهرست : ٧١ / ٢٨٩ ، ٢٩٠.


وصل إلى الشيخ والنجاشي بطريق آخر معتبر كما عرفت.

إلا أنّه لا يعذر في دعواه الجزم بالوضع وإن انحصر الطريق فيه ، بداهة جواز صدور الصدق من الضعيف ، إلا مع العلم بكذبه في ذلك وأنى له ذلك.

وكيف ما كان ، فلا ينبغي الشك في اعتبار الكتاب ، غير أنّ الذي يوقعنا في الريب أنّ الكتاب نادر وعزيز الوجود ، ولذا لم يصل إلى ابن الوليد والصدوق بطريق معتبر كما سمعت ، فهو إذن لم يكن من الكتب المشهورة المعروفة.

وعليه فلا ندري أنّ ما رواه الشيخ النوري في مستدركة هل هو مأخوذ من نفس الكتاب أو من غيره ، ولا سيما بعد ما تداول في الأعصار المتأخرة من الاكتفاء بمجرد الإجازة في الرواية ، بخلاف ما كان متعارفاً في العصور القديمة من قراءة الكتاب بأجمعه على الأُستاد ، أو قراءته على من يأخذه عنه فيرويه عنه قراءة لا إجازة ليتأكد على التمامية والصيانة عن النقص أو الزيادة.

إذن فغاية ما يثبت لدينا من رواية النوري عن كتاب النرسي أنّه قد وجد كتاباً يسمى بذلك وهو مجاز في النقل ، وهذا المقدار لا يجدي في المطلوب كما لا يخفى ، هذا من حيث السند.

وأمّا من ناحية الدلالة فهي مضطربة المتن كما اعترف به غير واحد ، لعدم وضوح الفرق بين الصورتين الأُوليين موضوعاً بعد اشتراكهما في عدم التفرق ، فكيف افترقا حكماً ، فحكم بسقوط الأذان والإقامة تارة ، وسقوط خصوص الأول اخرى.

وملخص الكلام : أنّ الرواية لا يمكن الاعتماد عليها لاضطراب متنها وضعف سندها ، فإنّ النرسي وكتابه وإن كانا معتبرين إلا أنّ الطريق إليه مقطوع. مضافاً إلى أنّها رواية شاذة ومعارضة بالروايات المشهورة القاضية بسقوط الأذان والإقامة معاً في تلك الحالة حسبما عرفت.

بقي شي‌ء لم يتعرض إليه في المتن (١) : وهو أنّه هل الجماعة المنعقدة‌

__________________

(١) [ بل تعرّض لما يشمله في الشرط الرابع ص ٣٠٤ ].


فإنهما يسقطان ، لكن على وجه الرخصة لا العزيمة (١) على الأقوى (١) ،

______________________________________________________

ثانياً المجتزئة بأذان الأُولى كالأُولى في سقوط الأذان عمّن ورد عليهم أو لا؟

اختار المحقق الهمداني الأول فعمّم الحكم لمطلق الجماعة (١).

ولكنه غير واضح لخروج الثانية عن مورد الأخبار ، فإن منصرفها الجماعة المشتملة على الأذان والإقامة دون المجتزئة فلا إطلاق.

نعم ، قد تضمّن ذيل موثقة أبي علي (٢) انعقاد جماعة ثانية مجتزئة ، لكنه لم يفرض الورود عليها. ودعوى أنّها لدى الاجتزاء تكون كالأُولى في كون صلاتهم بأذان وإقامة كما ترى ، إذ المتيقن من الاجتزاء سقوطهما عنهم لا ترتيب سائر الأحكام ليشمل السقوط عن الداخل عليهم.

إذن فاطلاقات الأذان والإقامة هي المحكّم بعد سلامتها عمّا يصلح للتقييد.

(١) نظراً إلى أنّه مقتضى الجمع بين موثقتي زيد بن علي وأبي علي المتقدمتين (٣) الظاهرتين في نفي المشروعية ، وبين موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث « في الرجل أدرك الإمام حين سلّم ، قال : عليه أن يؤذّن ويقيم ويفتتح الصلاة » (٤) المؤيدة برواية معاوية بن شريح المتقدمة : « ... ومن أدركه وقد سلّم فعليه الأذان والإقامة » (٥) الصريحتين في المشروعية ، فترفع اليد عن ظهور الاولى بصراحة الثانية ، ويلتزم بكون السقوط على سبيل الرخصة كما اختاره جماعة.

ولكنه كما ترى بعيد غايته ، ضرورة إباء لسان الموثقتين ولا سيّما قوله ( عليه‌

__________________

(١) فيه إشكال ، ولا يبعد أن يكون السقوط عزيمة.

(١) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٢١١ السطر ٢٢.

(٢) المتقدمة في ص ٢٩١.

(٣) في ص ٢٩٠ ، ٢٩١.

(٤) الوسائل ٥ : ٤٣١ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٥ ح ٥.

(٥) الوسائل ٨ : ٣٩٣ / أبواب الجماعة ب ٤٩ ح ٦.


السلام ) في الثانية : « ... أحسنت ادفعه عن ذلك وامنعه أشدّ المنع » عن الحمل على الرخصة ، فإنّه لم يكن من الجمع العرفي في شي‌ء ، لما بين اللسانين من التدافع الظاهر ، بل هي كادت تكون صريحة في كون السقوط على سبيل العزيمة.

وربما يجمع بينهما بحمل الثانية على ما بعد التفرق ، وهو أيضاً كما ترى ، لأنّ ظاهر قوله عليه‌السلام في الموثقة : « أدرك الإمام حين سلّم ... » ، إلخ ، إدراكه مقارناً للتسليم ، وهو ملازم لعدم افتراق الصفوف بطبيعة الحال فكيف تحمل على ما بعده.

وهناك وجه ثالث للجمع : وهو أنّ الطائفة الأُولى مختصة بالداخل في المسجد ، والثانية مطلقة من هذه الجهة ، فتحمل على الجماعة المنعقدة في غير المسجد ، فلا تعارض بعد تعدد المورد ، إذ السقوط من أحكام المسجد كما ستعرف.

وربما يورد عليه : بأنّ النسبة بينهما عموم من وجه ، فإنّ الثانية وإن كانت مطلقة من حيث المسجد وغيره ولكنّها خاصة بناوي الجماعة على العكس من الطائفة الأُولى ، فتتعارضان في مادة الاجتماع وهي ناوي الجماعة المنعقدة في المسجد ، والمرجع بعد التساقط إطلاقات الأذان والإقامة.

ويندفع : بأنّ إطلاق الطائفة الأُولى لغير الناوي محل تأمل ، كيف ومادة الاجتماع هي القدر المتيقّن من السقوط ، وإنّما الكلام في الإطلاق وشموله لغير هذا المورد ، فكيف تقع مورداً للتعارض ، بل قد تقدم (١) أنّ موثقتي زيد بن علي وأبي بصير ظاهرتان في ناوي الجماعة.

وعليه فتكون النسبة بين موثقة عمار وبين الطائفة الأُولى نسبة المطلق إلى المقيد ، فتقيّد بها عملاً بصناعة الإطلاق والتقييد فيختص مورد الموثقة بغير المسجد ، وتلك الطائفة بالمسجد ويعمل بما هو ظاهرها من كون السقوط فيه‌

__________________

(١) في ص ٢٩٥.


سواء صلى جماعة إماماً أو مأموماً أو منفرداً (١).

ويشترط في السقوط أُمور : أحدها : كون صلاته وصلاة الجماعة كلتاهما أدائية ، فمع كون إحداهما أو كلتيهما قضائية عن النفس أو عن الغير على وجه التبرع أو الإجارة ، لا يجري الحكم (٢).

______________________________________________________

على سبيل العزيمة حسبما عرفت.

فتحصّل : أنّ الجمع الثالث هو المتعيّن ، وأنّ الصحيح ما هو المشهور من كون السقوط بنحو العزيمة.

(١) ربما ينسب إلى المشهور اختصاص الحكم بمن يريد إقامة الجماعة ثانياً ، ولكنه غير ظاهر ، فانّ نصوص المقام على أقسام :

منها : ما هي مطلقة كموثقة أبي بصير (١) حيث إنّ مقتضى ترك الاستفصال عدم الفرق بين كون الداخل واحداً أو أكثر ، ومع التعدد صلّوا جماعة أو منفردين.

ومنها : ما مورده الجماعة كموثقة زيد بن علي (٢) ، وكان من المتعارف سابقاً تصدي الإمام بنفسه للأذان ، حتى أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان أحياناً يؤذّن بنفسه للصلاة ، ومن ثم قال عليه‌السلام : « ولا يؤذّن ... » إلخ.

ومنها : ما مورده الانفراد كموثقة ابي علي (٣) فان قوله في الذيل : « فان دخلوا فأرادوا أن يصلوا فيه جماعة ... » إلخ كاشف بمقتضى المقابلة عن اختصاص الصدر بالمنفرد.

فتحصّل : أنّ المستفاد من النصوص شمول الحكم لكل من الامام والمأموم والمنفرد كما أثبته في المتن.

(٢) فان نصوص الباب المعتبرة ثلاثة كما تقدم (٤) ، وهي موثقات أبي بصير‌

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٥ : ٤٣٠ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٥ ح ٢ ، ٣.

(٣) الوسائل ٨ : ٤١٥ / أبواب الجماعة ب ٦٥ ح ٢.

(٤) في ص ٢٨٩ ، ٢٩٠ ، ٢٩١.


الثاني : اشتراكهما في الوقت (١) فلو كانت السابقة عصراً وهو يريد أن يصلّي المغرب لا يسقطان.

الثالث : اتحادهما في المكان عرفاً (٢) ، فمع كون إحداهما داخل المسجد والأُخرى على سطحه يشكل السقوط وكذا مع البعد كثيراً (١)

______________________________________________________

وزيد بن علي ، وأبي علي ، والمفهوم من الكل انسباقاً أو انصرافاً إنّ صلاتي الداخل والمدخول كلتاهما صاحبتا الوقت كما لا يخفى ، فلا إطلاق لشي‌ء منها يشمل صلاة القضاء ، فيرجع فيها إلى إطلاقات أدلة الأذان والإقامة بعد سلامتها عمّا يصلح للتقييد.

(١) لعين ما تقدم من الانصراف فلا سقوط مع الاختلاف ، فلو أُقيمت الجماعة في آخر وقت العصر مثلاً وقد شاهدناها في صلاة المرحوم الميرزا محمد تقي الشيرازي قدس‌سره وبعد الفراغ قبل تفرّق الصفوف دخل وقت المغرب فدخل المسجد من يريد أن يصلّيها ، ليس له الاكتفاء بأذان تلك الجماعة وإقامتها ، لما عرفت من عدم الإطلاق في تلك الروايات الثلاث ليشمل صورة الاختلاف في الوقت ، فتبقى إطلاقات الأذان والإقامة بحالها.

أضف إلى ذلك : أنّ غاية ما يستفاد من أدلة السقوط فرض أذان المدخول أذاناً للداخل ، فاذا كان الأذان المزبور لا يجزئ للمدخول بالإضافة إلى صلاة المغرب لعدم مشروعية الأذان قبل دخول الوقت ، فكيف يجزئ غيره.

(٢) فلا سقوط مع التعدد لانصراف النصوص عنه ، ولكنه إنما يتجه في مثل داخل المسجد وسطحه حيث إنّ إنشاء السطوح في المساجد لم يكن متعارفاً في العصور السابقة ، وإنّما حدثت أخيراً ، ولا ريب أنّ المنسبق من الموثقات المتقدمة المنزّلة على المتعارف في تلك الأزمنة إنّما هو أرض المسجد التي انعقدت فيها الجماعة ، فالداخل عليها يسقط عنه الأذان والإقامة لا الداخل‌

__________________

(١) الاشكال فيه ضعيف ، ولا يبعد السقوط معه.


الرابع : أن تكون صلاة الجماعة السابقة مع الأذان والإقامة ، فلو كانوا تاركين لا يسقطان عن الداخلين (١). وإن كان تركهم من جهة اكتفائهم بالسماع من الغير (٢).

______________________________________________________

على سطحها ، بل المحكّم حينئذ إطلاقات الأدلة ، فاعتبار الاتحاد في المكان بهذا المعنى صحيح.

وأمّا اعتباره بمعنى عدم البعد المفرط مع فرض وحدة المسجد فغير واضح ، فان علياً عليه‌السلام صلى في مسجد الكوفة وهو من أعظم المساجد وأكبرها في عصره عليه‌السلام وقد أمر الرجلين الداخلين كما في موثقة زيد بن علي (١) بأن يصليا بلا أذان ولا إقامة ، من غير تخصيص بالمكان الذي صلى هو فيه. ومن الجائز أنّهما صليا في زاوية بعيدة ، بل إنّ موثقة أبي علي (٢) صرّحت بأنّهم يقومون في ناحية المسجد ، الظاهرة في كونها غير الناحية التي أُقيمت الجماعة فيها ، وبطبيعة الحال يكون البعد كثيراً.

إذن فاعتبار وحدة المكان بهذا المعنى لا دليل عليه.

(١) لقصور الأدلة عن الشمول لذلك ، أمّا موثقة أبي بصير فلورودها في الجماعة التي أُذّن لها وأُقيم كما هو صريح قوله عليه‌السلام فيها : « ... صلّى بأذانهم وإقامتهم ... » إلخ (٣).

وأمّا موثقتا زيد بن علي وأبي علي (٤) فلعدم إطلاقٍ فيهما يشمل الجماعة الفاقدة لهما لو لم يكن المنسبق منهما خصوص الواجدة باعتبار ما يفهم منهما من أنّ العلة في السقوط الاجتزاء بأذان الجماعة المنتهية وإقامتها كما لا يخفى.

(٢) لأنّ منصرف الموثقة الجماعة المشتملة عليهما دون المكتفية ، وأمّا الموثقتان فقد عرفت حالهما ، وباقي النصوص لا اعتبار بها.

__________________

(١) ، (٢) المتقدمة في ص ٢٩٠ ، ٢٩١.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٣٠ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٥ ح ٢.

(٤) المتقدمتان في ص ٢٩٠ ، ٢٩١.


الخامس : أن تكون صلاتهم صحيحة (١) ، فلو كان الامام فاسقاً مع علم المأمومين لا يجري الحكم ، وكذا لو كان البطلان من جهة أُخرى.

السادس : أن يكون في المسجد ، فجريان الحكم في الأمكنة الأُخرى محل إشكال (١) (٢) وحيث إنّ الأقوى كون السقوط على وجه الرخصة فكلّ مورد شك في شمول الحكم له الأحوط أن يأتي بهما ، كما لو شك في صدق التفرق (٢) وعدمه أو صدق اتحاد المكان وعدمه ، أو كون صلاة الجماعة أدائية أولا ، أو أنّهم أذّنوا وأقاموا لصلاتهم أم لا.

______________________________________________________

(١) فلا أثر للباطلة بأيّ سبب كان ، لوضوح خروجها عن منصرف النصوص.

نعم ، لا يبعد الاكتفاء فيما إذا استند البطلان إلى فقد شرط الايمان بل هو الأظهر ، نظراً إلى ما هو المعلوم خارجاً من عدم انعقاد الجماعة للشيعة في الجوامع العامة في عصر صدور هذه النصوص ، وإنّما كان المتصدي لها غيرهم ، فيظهر من ذلك أنّ العبرة بجماعة المسلمين من غير اختصاص بطائفة خاصة.

(٢) بل الأظهر اختصاص الحكم بالمسجد ، لاختصاص نصوص الباب به ما عدا خبر أبي بصير (١) الضعيف ولا عبرة به ، بل قد عرفت فيما سبق (٢) أنّ ذلك كان مقتضى الجمع بين تلك النصوص وبين موثقة عمار الدالة على عدم السقوط ، فحملناها على غير المساجد وكانت نتيجة الجمع اختصاص السقوط بالمساجد.

__________________

(١) الأظهر اختصاص الحكم بالمسجد.

(٢) الظاهر عدم السقوط في جميع الموارد المزبورة إلا إذا شك في التفرق وعدمه وكانت الشبهة موضوعية.

(١) المتقدم في ص ٢٩٠.

(٢) المتقدمة في ص ٣٠١.


نعم لو شك في صحة صلاتهم حمل على الصحة (١).

______________________________________________________

(١) أما إذا كان منشأ الشك عدم إحراز صحة الصلاة ، فلا شبهة في البناء عليها استناداً إلى أصالة الصحة ، فيحكم بالسقوط وهذا واضح.

وأمّا إذا كان المنشأ غير ذلك ، فان كانت الشبهة حكمية كما لو شك في أنّ العبرة بتفرق البعض أو الجميع ، فالمرجع عمومات التشريع ، للزوم الاقتصار في المخصص المنفصل المجمل الدائر بين الأقل والأكثر على المقدار المتيقن والرجوع فيما عداه إلى عموم العام فيحكم بعدم السقوط.

وإن كانت موضوعية كالشك في حصول التفرق لظلمة ونحوها ، فان كان هناك أصل موضوعي يحرز به عنوان المخصص كأصالة بقاء الاجتماع وعدم عروض التفرقة ، حكم بالسقوط ، أو يحرز به عدمه كأصالة عدم الأذان والإقامة للجماعة المنتهية ، حكم بعدم السقوط.

وإن لم يكن ثمة أصل موضوعي ، كما لو شك في أنّ الجماعة كانت لصلاة أدائية أم قضائية. فبناءً على جريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية ، كان المتبع أصالة عدم الاتصاف بكونها أدائية فينتفي أثرها وهو السقوط ويحكم بعدمه ، ولا تعارض بالمثل ، لعدم ترتب الأثر كما لا يخفى. وبناء على عدم الجريان كان مقتضى الاحتياط الإتيان بهما ، غاية الأمر بعنوان الرجاء على العزيمة ، وبنيّة جزميّة على الرخصة.

ومنه تعرف أنّ توهّم اختصاص الاحتياط بالرخصة ، وعدم جريانه على القول بالعزيمة فاسد ، لوضوح أنّ الحرمة على العزيمة تشريعية لا ذاتية ، وهي منتفية لدى قصد الرجاء ، فانّ ذكر الله حسن على كل حال.

وبالجملة : لا مانع من الاحتياط على كلا المبنيين ، فعلى الترخيص يقصد الأمر الجزمي وإن لم يدر أنّه بمرتبته القويّة لو لم يكن سقوط أو الضعيفة لو كان ، نظير الاحتياط في موارد الدوران بين الوجوب والاستحباب ، وعلى العزيمة لا سبيل للجزم لفرض عدم إحراز الأمر وإنما يأتي به رجاء وبداعي‌


الثالث : من موارد سقوطهما : إذا سمع الشخص أذان غيره أو إقامته (١).

______________________________________________________

احتماله.

فتحصّل : أنّه لا سقوط في شي‌ء من موارد الشبهة إلا في الشك في التفرق بشبهة موضوعية ، وكذا في الشك في الصحة الذي عرفته أوّلاً فلاحظ.

(١) ويستدل له بجملة من النصوص :

منها : ما ورد من أنّ علياً عليه‌السلام كان يؤذّن ويقيم غيره ، وكان يقيم وقد أذّن غيره ، وورد مثل ذلك عن الصادق عليه‌السلام أيضاً (١).

وفيه : مضافاً إلى ضعف سندهما بالإرسال ، أنّ الدلالة قاصرة ، فإنهما ناظرتان إلى صلاة الجماعة ، وأنّه لا يعتبر أن يكون المؤذّن والمقيم هو الامام ، بل يكتفى بأذان الغير وإقامته كما تقدم (٢) ، وقد ورد أيضاً أنّه ربما كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يأتي بهما ، وربما كان بلال ، فلا ربط لهما بمحل الكلام من الاجتزاء بالسماع بما هو سماع حتى إذا كان منفرداً كما لا يخفى.

ومنها : النصوص المتضمنة أنّه لا بأس أن يؤذّن الغلام قبل أن يحتلم (٣) بدعوى أنّ إطلاقها يدل على الاجتزاء حتى في حق السامع.

ولكنك خبير بعدم ارتباطها أيضاً بالمقام ، فإنّها بصدد بيان عدم اعتبار البلوغ في صحة الأذان من غير نظر إلى اجتزاء الغير به بوجه.

ومنها : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : إذا أذّن مؤذّن فنقص الأذان وأنت تريد أن تصلي بأذانه فأتمّ ما نقص هو من أذانه ... » الحديث (٤) بدعوى ظهور قوله عليه‌السلام « تصلي بأذانه » في الاجتزاء بسماع أذان الغير.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٣٨ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣١ ح ٣ ، ١.

(٢) في ص ٢٨٥ وما بعدها.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٤٠ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٢.

(٤) الوسائل ٥ : ٤٣٧ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٠ ح ١.


وقد استدل بها صاحب الحدائق (١) قائلاً إنّ أكثر الأصحاب لم يستدلوا بها وكأنه متفرد في ذلك.

ويندفع : بأنّ أقصى ما تدل عليه أنّ الموارد التي يجتزأ فيها بأذان الغير لو كان فيها نقص أتمه المصلي بنفسه ، من غير نظر إلى تعيين تلك الموارد ، بل هي مفروضة الوجود ، والاجتزاء فيها أمر مفروغ عنه وثابت من الخارج ، ومن الجائز أن يكون المراد صلاة الجماعة فلا إطلاق لها يتمسك به لمطلق السماع حتى مع الانفراد.

وبعبارة اخرى : للأذان نسبتان ، نسبة إلى المؤذّن ونسبة إلى السامع ، والظاهر من الصحيحة أنّ المجزي إنما هو الأذان باعتبار صدوره لا باعتبار سماعه لقوله عليه‌السلام : « إذا أذّن مؤذّن » ولم يقل إذا سمعت أذان مؤذّن ، فلا جرم تختص بأذان الجماعة ، حيث إنّه يجزئ أذان الامام وإن لم يسمعه المأموم وبالعكس ، فاذا نقص شي‌ء من أذان أحدهما أتمّه الآخر ، فلا ربط لها بالاجتزاء من حيث السماع الذي هو محل الكلام ، ولعله لأجله لم يستدل بها الأكثرون كما سمعته من صاحب الحدائق.

والعمدة في المقام روايتان :

إحداهما : معتبرة أبي مريم الأنصاري قال : « صلى بنا أبو جعفر عليه‌السلام في قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة إلى أن قال ـ : فقال : وإنّي مررت بجعفر وهو يؤذّن ويقيم فلم أتكلم فأجزأني ذلك » (٢).

والسند معتبر ، فإنّ أبا مريم وهو عبد الغفار بن القاسم ثقة والراوي عنه وهو صالح بن عقبة من رجال كامل الزيارات (٣) ، كما أنّ الدلالة واضحة ، وسيأتي (٤) إن شاء الله تعالى أنّ الكلام أثناء الإقامة يوجب استحباب إعادتها.

__________________

(١) الحدائق ٧ : ٤٣٠.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٣٧ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٠ ح ٢.

(٣) ولكنه لم يكن من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة فلا يشمله التوثيق.

(٤) في ص ٣٥٣.


فإنه يسقط عنه سقوطاً على وجه الرخصة (١) بمعنى أنّه يجوز له أن يكتفي بما سمع.

______________________________________________________

ثانيتهما : موثقة عمرو بن خالد عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « كنّا معه فسمع إقامة جار له بالصلاة ، فقال : قوموا فقمنا فصلينا معه بغير أذان ولا إقامة ، قال : ويجزئكم أذان جاركم » (١) وهي واضحة الدلالة وقد تقدم الكلام (٢) حول اعتبار السند فلاحظ.

(١) كما اختاره جمع من المتأخرين ، خلافاً للشيخ في المبسوط (٣) وصاحب المستند (٤) من أنّه على وجه العزيمة ، ويستدل لهما بوجهين :

أحدهما : قوله عليه‌السلام في موثقة عمرو بن خالد : « يجزئكم أذان جاركم » بدعوى أنّ معنى الإجزاء سقوط الأمر ، فإذا سقط فلا أمر بالأذان ، ومعه كان الإتيان به تشريعاً محرّماً ، وهو مساوق للعزيمة.

وفيه : أنّ معنى الإجزاء الاكتفاء لا السقوط ، وقد استعمل في ذلك في جملة من الموارد مثل ما ورد من أنّ المسافر تجزئه الإقامة ، وأنّ المرأة يجزئها أن تكبّر وأن تشهد أن لا إله إلا الله ، ونحو ذلك مما يعلم أنّ السقوط ترخيص محض مع بقاء الأمر بحاله. نعم قد استعمل في مبحث الإجزاء بمعنى إسقاط الإعادة والقضاء ، ولكنه أنكره غير واحد من المتأخرين ، منهم صاحب الكفاية (٥) نظراً إلى أنّ الاسقاط المزبور من آثار الإجزاء لا نفسه ، فانّ معناه مجرد الاكتفاء بما أتى به كما عرفت ، ومن المعلوم أنّ الاكتفاء ظاهر في الترخيص.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٣٧ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٠ ح ٣.

(٢) في ص ٢٨٧.

(٣) لم نجده في المبسوط ولكن حكاه عنه في المستند ٤ : ٥٢٨.

(٤) المستند ٤ : ٥٢٨.

(٥) كفاية الأُصول : ٨٢.


إماماً كان الآتي بهما أو مأموماً أو منفرداً (١).

______________________________________________________

ثانيهما : أنّ مرجع الاجتزاء بالسماع إلى التخصيص في عمومات التشريع وبدلية الأذان المسموع عن الأذان الموظف ، وبعد خروج مورد التخصيص عن الإطلاقات الأوّلية لم يبق أمر بالنسبة إليه ، لفرض تقيد الأمر بهما بغير صورة السماع ، ومعه كان السقوط طبعاً على وجه العزيمة.

ويندفع بأنّ تلك الإطلاقات على ضربين :

أحدهما : ما هو ظاهر في الوجوب كقوله : لا صلاة إلا بأذان وإقامة.

ثانيهما : ما هو ظاهر في الاستحباب كقوله : إن تركته فلا تتركه في المغرب ، ونحو ذلك مما تقدم.

ونصوص المقام وإن لم يكن بدّ من الالتزام بكونها على سبيل التخصيص بالإضافة إلى القسم الأوّل ، بداهة امتناع اجتماع الوجوب ونفي حقيقة الصلاة عن الفاقدة للأذان والإقامة مع الترخيص في الترك والاجتزاء بالفاقدة لهما. إلا أنّه بالإضافة إلى القسم الثاني لا مقتضي لارتكاب التخصيص المستلزم لسقوط الأمر ، لجواز بقائه بالمرتبة الضعيفة ، فيكون الأذان مستحباً مع السماع وعدمه ، غايته أنّه في الثاني آكد ويكون الاجزاء في مورد السماع إجزاءً عن تأكد الاستحباب لا عن أصله. ومعه كان السقوط على وجه الرخصة لا العزيمة. فما اختاره في المتن هو الصحيح.

(١) للإطلاق في معتبرتي أبي مريم وعمرو بن خالد المتقدمتين (١) فانّ مورد الاولى وإن كان هو المنفرد لاستبعاد انعقاد جماعتين إحداهما للباقر والأُخرى للصادق في عرض واحد ، كاستبعاد اقتدائه عليه‌السلام بغير أبيه ، إلا أنّ قوله عليه‌السلام : « وإنّي مررت بجعفر ... » إلخ الذي هو بمثابة التعليل من غير تقييد بحالتي الانفراد أو الجماعة يستدعي التعميم.

وأوضح منها : قوله عليه‌السلام في الثانية : « يجزئكم أذان جاركم » فان‌

__________________

(١) في ص ٣٠٨. ٣٠٩.


وكذا في السامع (١) ، لكن بشرط أن لا يكون ناقصاً وأن يسمع تمام الفصول (٢) ومع فرض النقصان يجوز له أن يتم (١) ما نقصه القائل ويكتفي به (٣).

______________________________________________________

إطلاقها يشمل الامام والمأموم والمنفرد.

(١) فانّ المعتبرتين وإن وردتا في الجماعة وموردهما الامام ويتبعه المأموم ، فلا يشملان المنفرد ، ولا المأموم الذي لم يسمع إمامه ولم يؤذّن ، إلا أنّه يظهر من التعليل عدم الخصوصية لشخص دون آخر ، وإنّما العبرة بسماع الأذان والإقامة وعدم التكلم ، فيشمل الامام والمأموم والمنفرد بمناط واحد.

(٢) لظهور دليل الاجتزاء بالسماع في الأذان والإقامة التأمين مع سماع الفصول بأجمعها ، فالنقص في المسموع أو في السماع خارج عن منصرف النصوص على تأمل في الثاني ستعرفه.

(٣) ربما يستدل له بصحيحة ابن سنان المتقدمة (١).

وفيه : ما عرفت من أنّ موردها الاجتزاء بنفس الأذان لا بسماعه ، فيختص بصلاة الجماعة حيث تقدم (٢) أنّ في الأذان نسبتين ، نسبة إلى القائل والموجد ، ونسبة إلى السامع ، والملحوظ في الصحيحة هي النسبة الإيجادية من غير نظر إلى حيثية السماع بوجه ، ومن ثم قال عليه‌السلام : « وأنت تريد أن تصلي بأذانه » ولم يقل بسماع أذانه. وهذا من مختصات صلاة الجماعة ، حيث يكفي صدور الأذان من أحدهم عن الباقين فيصلّون بأذانه وإن لم يسمعوه. إذن فتتميم النقص الذي تضمنته الصحيحة ناظر إلى هذه الصورة.

أمّا من يكتفي بمجرد السماع الذي هو محل الكلام فلا دليل فيه على جواز التتميم ، بل لو نقص البعض استأنف الأذان من الأصل ، لما عرفت من ظهور دليله في سماع الأذان الكامل دون الناقص لنسيان ونحوه.

__________________

(١) فيه إشكال بل منع ، وكذا إذا لم يسمع بعض الأذان أو الإقامة.

(١) في ص ٣٠٧.

(٢) في ص ٣٠٨.


وكذا إذا لم يسمع التمام يجوز له أن يأتي بالبقية (١) ويكتفي به.

______________________________________________________

(١) قيل إنّ هذا يفهم من صحيح ابن سنان أيضاً ، وقد عرفت ما فيه فلا دليل على تتميم النقص.

والذي ينبغي أن يقال في المقام : إنّ القدر المتيقن من أدلّة السماع وإن كان هو سماع تمام الفصول ، لكن الاختصاص به كما سبق عن الماتن محل إشكال ، إذ لا يستفاد من المعتبرتين أكثر من مسقطية السماع (١) في الجملة. بل إنّ معتبرة أبي مريم لعلها ظاهرة في كفاية سماع البعض ، لأنّ سماع تمام فصول الأذان والإقامة حال المرور في غاية البعد ، ولو كان فهو من الندرة بمكان (٢). ألا ترى أنّه لو قيل مررت بزيد وهو يقرأ القرآن ، لم ينسبق إلى الأذهان إلا سماع بعض ما يقرأ. ويعضده ما ذكره الفقهاء في باب حد الترخص من كفاية سماع بعض فصول الأذان في حصول الحد.

__________________

إنّا لله وإنّا إليه راجعون

فوجئت وأنا أُعدّ هذه البحوث للطبع بخطب عظيم وكارثة مدهشة ، وهي ارتحال سماحة سيدنا الأُستاذ ( قدس‌سره العزيز ) إلى الفردوس الأعلى ، فأذهلني وقع المصاب وأدهشني عظم الرزية وما حلّ بالأُمة الإسلامية من ثلمة لا يسدها شي‌ء ، فانّا لله وإنّا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

لقد خدم فقيدنا الراحل الإسلام والمسلمين بما يزيد على ثلاثة أرباع القرن وربّى ثلة كبيرة من الفقهاء والمجتهدين ، جيلاً بعد جيل وطبقة بعد اخرى وفيهم من تصدى زمام الفتوى في العصر الراهن ، وآثاره العلمية والعملية في غاية الكثرة ولا تحصيها هذه الوجيزة ، وقد ترجم نفسه بنفسه في معجم رجاله ٢٣ : ٢٠ / ١٤٧٢٧. وكانت ولادته في ١٥ رجب سنة ١٣١٧ الهجرية القمرية ووفاته في يوم السبت الثامن من شهر صفر سنة ١٤١٣ ، فبلغ عمره الشريف ستة وتسعين عاما ، أسأل الله العلي القدير أن يتغمّده برحمته الواسعة ، وأن يلهم الأُمّة الإسلامية والجوامع العلمية الصبر والسلوان إنّه سميع مجيب.

(٢) هذا إذا أُريد من المرور المشي السريع. أمّا المتعارف ولا سيما البطي‌ء منه ولعله الأنسب بحال أبي جعفر عليه‌السلام حيث يحكى انّه كان بديناً ثقيل الجسم ، فسماع تمام الفصول حينئذ لا بعد فيه فلاحظ.


لكن بشرط مراعاة الترتيب (١) ولو سمع أحدهما لم يجزئ للآخر (٢) والظاهر أنه لو سمع الإقامة فقط فأتى بالأذان لا يكتفي بسماع الإقامة لفوات الترتيب حينئذ بين الأذان والإقامة.

الرابع : إذا حكى أذان الغير أو إقامته فانّ له أن يكتفي بحكايتهما (١) (٣).

______________________________________________________

نعم ، سماع تمام الأذان حال المرور بما أنّه مقرون بارتفاع الصوت نوعاً ما أمر ممكن ، أمّا بضميمة الإقامة كما هو مورد المعتبرة فكلا. وحيث إنّ ظاهرها أنّه عليه‌السلام كان مشغولاً بهما حال المرور لا أنّه ابتدأ وشرع ، والمفهوم من ذلك عرفاً أنّه عليه‌السلام مرّ في أواسط الأذان أو أواخر ثم سمع بعض فصول الإقامة ، فلا جرم كان المسموع ملفّقاً من بعض منهما. ونتيجة ذلك كفاية سماع بعض الفصول في السقوط.

والمتحصل : أنّه لا دليل على اعتبار سماع جميع الفصول ، بل يكفي سماع البعض من غير حاجة إلى التتميم ، فالمقتضي لسماع التمام قاصر في حدّ نفسه ، ومع التسليم ولزوم سماع الجميع فلا دليل على التتميم لدى سماع البعض ، لاختصاصه بغير المقام.

نعم ، بما أنّ السقوط على سبيل الرخصة فله أن لا يكتفي بسماع البعض ويستأنف الأذان بنفسه من أوّله.

(١) لإطلاق دليله بعد وضوح عدم معارضته بنصوص المقام الساكتة عن هذه الجهة.

(٢) إذ لا دليل على الاجزاء ، فالمتبع إطلاق دليل الآخر.

(٣) يقع الكلام تارة في استحباب الحكاية ، وأُخرى في الكفاية. فهنا جهتان :

أمّا الجهة الاولى : فلا ينبغي التأمل في الاستحباب ، لدلالة جملة من‌

__________________

(١) فيما إذا قصد بها التوصل إلى الصلاة لا مطلقاً.


النصوص المعتبرة عليه ، معللاً في بعضها بأنّها ذكر الله وهو حسن على كل حال.

فمنها : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام « قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا سمع المؤذّن يؤذّن قال مثل ما يقوله في كل شي‌ء » (١).

ومنها : صحيحته الأُخرى عنه عليه‌السلام « أنه قال له : يا محمد بن مسلم لا تدعنّ ذكر الله عز وجل على كل حال ، ولو سمعت المنادي ينادي بالأذان وأنت على الخلاء فاذكر الله عز وجل ، وقل كما يقول المؤذّن » (٢).

ومنها : صحيحة زرارة قال : « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ما أقول إذا سمعت الأذان؟ قال : اذكر الله مع كل ذاكر » (٣).

ونحوها غيرها مما دل على الاستحباب في جميع الأحوال حتّى لدى التخلّي ، بل في بعضها أنه يزيد في الرزق (٤) وإن كان السند مخدوشاً.

وكيف ما كان ، فلا إشكال كما لا خلاف في الاستحباب ، بل عليه الإجماع في غير واحد من الكلمات.

وأمّا الجهة الثانية : أعني الكفاية والاجتزاء بالحكاية ، فلم يرد فيها نص حتى رواية ضعيفة ، فلا بد إذن من الجري على طبق القاعدة.

فنقول : إن كان المحكي مجرد اللفظ من دون قصد المعنى لا تفصيلاً ولا إجمالاً ، فاستحباب مثل هذه الحكاية فضلاً عن الكفاية محل تأمل بل منع ، ضرورة أنّها لا تعدو عن كونها مجرد لقلقة اللسان ، ومثلها لا يكون مصداقاً لذكر الله المشار إليه في تلك النصوص ، فكيف يكون مشمولاً لها.

وإن كان المحكي هو المعنى ولو على سبيل الإجمال كما لعله الغالب في من لم‌

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٥ : ٤٥٣ / أبواب الأذان والإقامة ب ٤٥ ح ١ ، ٢.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٥٥ / أبواب الأذان والإقامة ب ٤٥ ح ٥.

(٤) الوسائل ١ : ٣١٤ / أبواب أحكام الخلوة ب ٨ ح ٣.


[١٣٩٦] مسألة ٤ : يستحب حكاية الأذان عند سماعه (١) سواء كان أذان الإعلام أو أذان الإعظام (٢) أي أذان الصلاة جماعة أو فرادى مكروهاً (٣) كان أو مستحباً ، نعم لا يستحب حكاية الأذان المحرّم (٤).

______________________________________________________

يحسن اللغة العربية ، حيث إنّهم يأتون بتلك الألفاظ ويقصدونها على ما هي عليها من المعاني ، وحينئذ فتارة يقصد بها الحاكي مجرد ذكر الله ، وأُخرى أذان الصلاة.

فعلى الأوّل ، فإن بنينا على السقوط بمطلق السماع ولو بغير قصد التوصل إلى الصلاة ثم قصدها ، قلنا به في المقام أيضاً ، بيد أنّ السقوط حينئذ يكون بالسماع لا بالحكاية لسبقه عليها بطبيعة الحال ، فيكون الأثر مستنداً إلى أسبق العلل.

وإن بنينا على اختصاصه بالقصد المزبور كما ربما يظهر من المتن وهو الصحيح ، وسيجي‌ء البحث حوله ، فلا سقوط.

وعلى الثاني ، كفى وليس عليه الأذان مرّة أُخرى ، إلا أنّ التعبير حينئذ بالسقوط كما ترى ، إذ المفروض أنّه أتى بأذان تام حاو لكلّ ما يعتبر فيه ، غير أنّه جعل فصول أذانه تبعاً للغير ومقرونة بالحكاية عنه ، ومن البيّن عدم اشتراط الأذان بالاستقلال وعدم متابعة الغير لإطلاق الدليل. إذن فالمتجه التفصيل على النهج الذي عرفت.

(١) كما عرفت.

(٢) لإطلاق النصوص ، وكذا فيما بعده من غير فرق في الجماعة بين الامام والمأموم.

(٣) بمعنى قلة الثواب كما في سائر العبادات المكروهة ، والمراد به موارد السقوط عن رخصة ، حيث تكون مرتبة الاستحباب أضعف فيها من غيرها.

(٤) أي الأذان غير المشروع ، كالأذان قبل دخول الوقت ، أو في موارد السقوط عزيمة ، هذا.


والمراد بالحكاية أن يقول مثل ما قال المؤذّن (١) عند السماع من غير فصل معتد به (٢) وكذا يستحب حكاية الإقامة أيضاً (٣).

______________________________________________________

ولا ينبغي الإشكال في الاستحباب فيما إذا كانت الحكاية بقصد مطلق الذكر ، فانّ ذكر الله حسن على كل حال ، فيشمله قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة المتقدمة : « اذكر الله مع كل ذاكر » إذ لا قصور في شمول إطلاقه للمحكي المحرّم ، ضرورة أنّ الصادر من الحاكي لم يكن إلا ذكر الله الذي هو حسن في جميع الأحوال حتى في حال صدور المعصية من الغير إما شكراً أو زجراً ، فانّ مقتضى العبودية أن لا ينسى العبد ربه ، ويذكره حيثما كان ، فالأذان المحرّم الصادر من الغير يكون مذكّراً للحاكي.

وبالجملة : فحكاية الأذان المزبور فيما عدا الحيعلات لا ينبغي الشك في رجحانه من باب الذكر المطلق.

وأمّا الحكاية بقصد الأذان بوصفه العنواني ، فلا دليل على استحبابه لانصراف النصوص عنه جزماً ، إذ لا ينبغي التأمل في أنّ موردها الأذان المشروع لا غير.

(١) كما أُشير إليه في النصوص.

(٢) كما هو ظاهر المعية في صحيحة زرارة ، وكذا التفريع بقوله : « ... فاذكر الله » في صحيحة ابن مسلم ، وظهور اداة الشرط في صحيحته الأُخرى في كونها شرطية زمانية ، أي وقت السماع لا بعد فصل معتد به ، فإنه حينئذ أذان مستقل لا حكاية له فلا تشمله النصوص.

(٣) لا ينبغي الارتياب في الاستحباب بعنوان الذكر المطلق فيما عدا الحيعلات الذي هو حسن على كل حال كما تقدم.

وأمّا حكاية الإقامة بوصفها العنواني فلا دليل على استحبابها ، لاختصاص مورد النصوص بالأذان الظاهر فيما يقابل الإقامة ، فإنه وإن يطلق أحياناً على‌


لكن ينبغي إذا قال المقيم « قد قامت الصلاة » أن يقول هو : « اللهم أقمها وأدمها واجعلني من خير صالحي أهلها » (١) والأولى تبديل الحيعلات بالحولقة (٢) بأن يقول « لا حول ولا قوة إلا بالله ».

[١٣٩٧] مسألة ٥ : يجوز حكاية الأذان وهو في الصلاة (٣)

______________________________________________________

ما يشملها ، ولكنه بمعونة القرينة المفقودة في المقام ، بل لعل فيه ما يشهد بالعدم ، فان المنسبق من قوله عليه‌السلام في صحيحة ابن مسلم : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا سمع ... » (١) إلخ أنّ السماع لم يكن على الدوام ، بل في بعض الأحيان ، وأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان في الأوقات التي يسمع يحكي ، وأما الإقامة فهي بمحضره صلى‌الله‌عليه‌وآله دائماً ، فالتعبير المزبور يتناسب مع خصوص الأذان كما لا يخفى.

وأوضح منها صحيحته الأُخرى (٢) ، إذ الإقامة لا نداء فيها وإنّما هو من خواص الأذان حيث يستحب فيه رفع الصوت. نعم أفتى جماعة من الأصحاب باستحباب الحكاية في الإقامة ، ولا بأس به بناءً على قاعدة التسامح وشمولها لفتوى الفقيه ، وكلاهما في حيّز المنع.

(١) هذا لا بأس به من باب الذكر المطلق ، وأمّا التوظيف فلا دليل معتبر عليه ، نعم ورد ذلك في مرسلة دعائم الإسلام (٣) ولا مانع من الالتزام به بناءً على قاعدة التسامح.

(٢) لا دليل عليه عدا مرسل الدعائم (٤) ويجري هنا أيضاً ما عرفت.

(٣) لعدم خروج المحكي عن كونه مصداقاً للذكر فيشمله قوله عليه‌السلام في صحيحة الحلبي : « كلّ ما ذكرت الله عز وجل به والنبي ( صلى‌الله‌عليه‌وآله )

__________________

(١) ، (٢) المتقدمة في ص ٣٠٩.

(٣) المستدرك ٤ : ٥٩ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٤ ح ٦ ، الدعائم ١ : ١٤٥.

(٤) المستدرك ٤ : ٥٨ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٤ ح ٥ ، الدعائم ١ : ١٤٥.


لكن الأقوى حينئذ تبديل الحيعلات بالحولقة (١) ،

[١٣٩٨] مسألة ٦ : يعتبر في السقوط بالسماع عدم الفصل الطويل بينه وبين الصلاة (٢)

______________________________________________________

فهو من الصلاة » (١) فلا بأس به من باب الذكر المطلق ، وأمّا من باب الحكاية بوصفها العنواني ، فالظاهر أنّ الأدلة قاصرة الشمول لحال الصلاة.

أوّلاً : لأجل الانصراف ، فانّ المستفاد من الأدلة أنّ المناط في استحباب الحكاية هو انتباه الغافل والاشتغال بذكر الله الذي هو حسن على كل حال ، كما تضمنته تلك النصوص ، فلا تشمل من هو متشاغل بذكر الله ومتوجه إليه بتلبسه بالصلاة ، وكيف يشمل قوله في صحيح ابن مسلم : « وأنت على الخلاء » ، وفي صحيح زرارة « ما أقول ... » إلخ ، مَن هو مشغول بذكر الله. فلا ينبغي الإشكال في انصراف الأخبار عن المقام ونحوه ممن هو مشغول بالعبادة من دعاء أو قرآن ونحوهما.

وثانياً : مع التسليم فهي قاصرة الشمول لخصوص الحيعلات ، لخروجها عن الأذكار وكونها من كلام الآدمي المبطل ، فكيف يكون مثله مشمولاً لها.

ودعوى أنّ إطلاق الاستحباب لفصول الأذان يستوجب ارتكاب التقييد في دليل البطلان ، في غاية السقوط ، ضرورة أنّ الاستحباب لا يقاوم البطلان ليستوجب التقييد ، وإلا لساغ بل استحب التكلم أثناء الصلاة لقضاء حاجة المؤمن أو إنشاد الضالة ، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهو كما ترى.

(١) قد عرفت أنّ الأظهر عدم جواز الحيعلات ، وأمّا التبديل المزبور فمستنده مرسلة الدعائم ، ولا بأس به من باب قاعدة التسامح أو مطلق الذكر.

(٢) لقصور المقتضي للسقوط مع الفصل الطويل ، فإنّ معتبرة أبي مريم (٢)

__________________

(١) الوسائل ٦ : ٤٢٦ / أبواب التسليم ب ٤ ح ١.

(٢) المتقدمة في ص ٣٠٨.


[١٣٩٩] مسألة ٧ : الظاهر عدم الفرق بين السماع والاستماع (١).

[١٤٠٠] مسألة ٨ : القدر المتيقن من الأذان الأذان المتعلق بالصلاة (٢) فلو سمع الأذان الذي يقال في اذن المولود أو وراء المسافر عند خروجه (٣) إلى السفر ، لا يجزئه.

[١٤٠١] مسألة ٩ : الظاهر عدم الفرق بين أذان الرجل والمرأة (١) (٤).

______________________________________________________

حكاية فعل لا إطلاق له يشمل صورة الفصل ، والقدر المتيقن عدمه ، وموثقة عمرو بن خالد (١) تضمنت فاء التفريع في قوله عليه‌السلام : « فقال : قوموا ... » إلخ ، ومع الغض فهي أيضاً حكاية فعل لا إطلاق له.

ويعضده : أنّ اعتبار عدم الفصل بين الأذان والصلاة يقتضي اعتبار عدمه في السماع الذي هو بدله أيضاً كما لا يخفى.

(١) فانّ القدر المتيقن من الحكم وإن كان هو صورة الاستماع ، لكنّ الوارد في موثقة ابن خالد عنوان السماع الذي هو أعم منه فتكون العبرة به.

(٢) فإنّه المنسبق من نصوص الباب ، ويعضده ذكر الإقامة معه فيها. على أنّها حكاية فعل لا إطلاق له ليشمل غيره كما تقدم.

(٣) يظهر من العبارة المفروغية عن مشروعية هذا الأذان ، وهو وإن اشتهر وشاع ، بل استقر عليه العمل ، ولكنه لم يرد في الأخبار ولا في كلمات علمائنا الأبرار كما نص عليه في الجواهر (٢) ، ولا بأس به من باب الذكر المطلق دون التوظيف.

(٤) فيه إشكال بل منع ، لانصراف النصوص إلى أذان الرجل لا سيما ولم يعهد أذان المرأة جهراً بحيث يسمعها السامع حتى في عصرنا عصر التبرج‌

__________________

(١) في جواز اكتفاء الرجل بأذان المرأة إشكال ، بل منع.

(١) المتقدمة في ص ٣٠٩.

(٢) الجواهر ٩ : ١٤٩.


إلا إذا كان سماعه على الوجه المحرّم أو كان أذان المرأة على الوجه المحرّم (١).

[١٤٠٢] مسألة ١٠ : قد يقال يشترط في السقوط بالسماع أن يكون السامع من الأول قاصداً للصلاة ، فلو لم يكن قاصداً وبعد السماع بنى على الصلاة لم يكف في السقوط ، وله وجه (١) (٢).

______________________________________________________

فكيف بعصر التستر. ومع الغض فلا ينبغي التأمل في أنّ مورد الأخبار هو أذان الرجال ، وأمّا أذان الجار في موثقة عمرو بن خالد (١) فهو حكاية فعل يراد به شخص معهود لا محالة ، ولم تكن العبارة هكذا : أذان الجار لينعقد له الإطلاق ، بل الوارد « جاركم » ولا إطلاق له كما عرفت.

(١) لوضوح انصراف النصوص عن السماع أو الأذان المحرّمين ولا أقل من عدم إطلاق يشملهما.

(٢) وجيه ، إذ لا إطلاق في الأدلة يعوّل عليه ، فانّ العمدة كما تقدم (٢) معتبرة أبي مريم وموثقة ابن خالد وكلتاهما حكايتان عن قضيّتين خارجيتين إحداهما سماع أذان الصادق عليه‌السلام والأُخرى سماع أذان الجار ، والقدر المتيقن منهما لولا الظهور فيه قصد السامع للصلاة لا أنّه بدا له فيها كما لا يخفى.

__________________

(١) بل هو الأوجه.

(١) المتقدمة في ص ٣٠٩.

(٢) في ص ٣٠٨.


فصل

[ في شرائط الأذان والإقامة ]

يشترط في الأذان والإقامة أُمور :

الأوّل : النية ابتداء واستدامة على نحو سائر العبادات ، فلو أذّن أو أقام لا بقصد القربة لم يصح ، وكذا لو تركها في الأثناء (١).

______________________________________________________

(١) غير خفي أنّ للنية معنيين : أحدهما قصد العمل ، ثانيهما قصد القربة.

والأوّل ، معتبر مطلقاً تعبدياً كان أم توصلياً ، لأنّ غير المقصود غير اختياري ولا بد من الاختيار في تحقق الامتثال ، غير أنّ شيخنا الأُستاذ قدس‌سره خصّه بتحقق الطبيعة في ضمن الحصة الاختيارية (١) ولا مقتضي له ، إذ المأمور به إنّما هو الجامع بين المقدور وغيره ، والجامع مقدور وإن تحقق في ضمن الحصة غير الاختيارية ، فالقصد إلى الجامع كافٍ ، وتمام الكلام في الأُصول (٢).

وأمّا الثاني ، فلا يعتبر في أذان الإعلام بلا كلام ، إذ المقصود منه التنبيه على دخول الوقت وهو يتحصّل وإن كان بداعي التعليم مثلاً ولا يكون منوطاً بقصد القربة. مضافاً إلى أصالة التوصلية بعد عدم الدليل على التعبدية‌

__________________

(١) أجود التقريرات ١ : ٢٦٤ ، ٣٦٨‌

(٢) محاضرات في أصول الفقه ٣ : ٦٢ ، ٤ : ٢٢٠.


حسبما هو محرر في محله (١).

وأمّا أذان الصلاة فلا ينبغي التأمل في اعتباره فيه ، لاستقرار ارتكاز المتشرعة على كونه من توابع الصلاة المحكومة بحكمها من هذه الجهة وإن كان مقدّماً عليها خارجاً ، وهذا مركوز في أذهان عامة المتشرعة بمثابة يكشف عن كونه كذلك عند المشرّع الأعظم. مضافاً إلى أنّ ذلك هو مقتضى التنزيل في معتبرة أبي هارون المكفوف قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : يا أبا هارون الإقامة من الصلاة » (٢) بعد وضوح إلحاق الأذان بالإقامة من هذه الجهة ، لعدم القول بالفصل ، بل القطع باتحادهما في هذا الحكم ، وهما مشتركان في عامة الفصول بحيث لا تحتمل عبادية الإقامة دون الأذان كما لا يخفى.

نعم ، نوقش في سندها تارة : باشتماله على صالح بن عقبة ، وقد ضعّفه ابن الغضائري (٣). وفيه : أنّ كتابه لم يثبت استناده إليه وإن كان هو ثقة في نفسه ، فلا يعوّل على جرحه ولا تعديله.

وأُخرى : بأنّ أبا هارون المكفوف لا توثيق له ، بل قد روى الكشي ما يكشف عن تضعيفه (٤). وفيه : أنّ الرواية مرسلة. مضافاً إلى جهالة الراوي ، وقد ذكر النجاشي أنّ الكشي يروي عن المجاهيل (٥).

وكيف ما كان ، فالأظهر وثاقة الرجلين لوقوعهما في أسناد كامل الزيارات (٦) والسلامة عن تضعيفٍ صالح للمعارضة حسبما عرفت.

وعليه فلو أذّن بدون قصد القربة لزمه الاستئناف ، لعدم وقوع العبادة على وجهها.

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ١٥٤.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٩٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ١٢.

(٣) مجمع الرجال ٣ : ٢٠٦.

(٤) رجال الكشي : ٢٢٢ / ٣٩٨.

(٥) رجال النجاشي : ٣٧٢ / ١٠١٨ [ ولكن فيه أنّه روى عن الضعفاء ].

(٦) ولكنّهما لم يكونا من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة فلا يشملهما التوثيق.


نعم ، لو رجع إليها وأعاد ما أتى به من الفصول لا مع القربة معها ، صح ولا يجب الاستئناف (١) ، هذا في أذان الصلاة ، وأمّا أذان الإعلام فلا يعتبر فيه القربة كما مرّ. ويعتبر أيضاً تعيين الصلاة التي يأتي بهما لها مع الاشتراك (٢) ، فلو لم يعيّن لم يكف ، كما أنّه لو قصد بهما صلاة لا يكفي لأُخرى ، بل يعتبر الإعادة والاستئناف.

______________________________________________________

(١) إذ لا مقتضي له بعد تدارك النقص ، ووضوح عدم كون فصل الفاسد قاطعاً للهيئة أو زيادة مبطلة بعد إطلاق الأدلة.

(٢) كما لو كان عليه أداء وقضاء ، فإنّه لا بدّ له من التعيين ، فلو عيّن لإحداهما لا يجزئ للأُخرى لو عدل إليها ، بل يستأنف.

وربما يعلل بأنّ الأمر المتعلق بهما غيري نشأ من قصد الأمر النفسي المتعلق بالصلاة المقيّدة بهما ، فتعيينه منوط بتعيين تلك الصلاة لاختلاف الأمر باختلاف موضوعه ، فلو عدل لم يقع مصداقاً له بناءً على اختصاص الأمر المقدّمي بالحصة الموصلة.

ويندفع : بأنّ الأمر المتعلق بهما مستحب نفسي على ما تقتضيه ظواهر النصوص لا مقدّمي غيري. على أنّا لا نقول بوجوب المقدمة شرعاً ، ومع التسليم فهو توصلي لا تعبدي.

وبالجملة : لا ارتباط للمقام بالمقدمة الموصلة ليبتني على القول بها ، بل الوجه فيه صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث « قال : إذا كان عليك قضاء صلوات فابدأ بأوّلهنّ فأذّن لها وأقم ثم صلّها ثم صلّ ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة » (١) فإنها واضحة الدلالة على لزوم التعيين كما لا يخفى.

وتؤيدها موثقة عمار (٢) الواردة في إعادة المنفرد الأذان والإقامة فيما لو بدا له‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٤٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٧ ح ١.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٣٢ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٧ ح ١.


الثاني : العقل (١) والإيمان (٢).

______________________________________________________

في الجماعة ، فإنّ الاختلاف من حيث الجماعة والفرادى مع وحدة الصلاة لو اقتضى الاستئناف ، فمع تعددها بطريق أولى.

وكيف ما كان ، فيستفاد من مجموع الأخبار أنّ الموضوع للاستحباب ما لو أذّن أو أقام لصلاة خاصة لا مطلقاً فلاحظ.

(١) ربما يستدل له بالإجماع وأنّه العمدة في المقام ، لكن الظاهر عدم الحاجة إليه ، فإنّ الحكم مطابق لمقتضى القاعدة ، حيث لم يتوجه أمر إلى المجنون بمقتضى حديث رفع القلم ، ومعه يحتاج السقوط عنه بعد ما أفاق ، أو عن سامع أذانه ، إلى الدليل ولا دليل.

(٢) قدّمنا في كتاب الطهارة عند التكلم حول غسل الميت (١) اعتبار كون المغسّل مؤمناً ، استناداً إلى الروايات الكثيرة الدالة على أنّ عمل المخالف باطل عاطل لا يعتد به ، وقد عقد صاحب الوسائل باباً لذلك في مقدمة العبادات (٢) ، وقلنا ثمة أنّها هي عمدة الدليل على اعتبار الإسلام أيضاً ، وإلا فلم ينهض ما يعوّل عليه في اعتباره في غير ما يعتبر فيه الطهارة.

ويدلنا على اعتبار الايمان في المقام مضافاً إلى ما ذكر ، موثقة عمّار عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : « سئل عن الأذان هل يجوز أن يكون عن غير عارف؟ قال : لا يستقيم الأذان ولا يجوز أن يؤذّن به إلا رجل مسلم عارف ، فان علم الأذان وأذّن به ولم يكن عارفاً لم يجز أذانه ولا إقامته ، ولا يقتدى به » (٣).

فانّ المراد بالعارف هو المؤمن ، كما تعارف إطلاقه عليه في لسان الأخبار.

نعم ، يجزئ سماع أذان المخالف ، لأنّ العبرة بالسماع والمفروض أنّ السامع‌

__________________

(١) شرح العروة ٨ : ٣٧٤.

(٢) الوسائل ١ : ١١٨ / أبواب مقدمة العبادات ب ٢٩.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٣١ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٦ ح ١.


وأمّا البلوغ فالأقوى عدم اعتباره (١).

______________________________________________________

مؤمن ، غايته أن يتم ما نقصه بمقتضى مذهبه أخذاً بإطلاق ما دل على تتميم النقص حسبما تقدم (١) فلا ملازمة بين المسألتين.

(١) يقع الكلام تارة في الاجتزاء بأذان الصبي ، وأُخرى في الاجتزاء بسماعه فهنا جهتان :

أمّا الجهة الاولى : فلا ينبغي الإشكال في الاجتزاء ، من غير فرق بين أذاني الاعلام والإعظام ، لا لما هو الأصح من شرعية عبادات الصبي ، إذ لا ملازمة بين الشرعية وبين الاجتزاء. ومن ثم استشكلنا فيه مع البناء على الشرعية في جملة من الموارد كتغسيله للميت أو صلاته عليه ، فانّ في اجتزاء البالغين بذلك تأمّلاً بل منعاً.

بل لنصوص دلت عليه في خصوص المقام قد عقد لها باباً في الوسائل :

منها : صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : لا بأس أن يؤذّن الغلام الذي لم يحتلم » (٢). فإنّ إطلاقها يشمل الأذانين وإن كانا للجماعة فيجتزئ به غيره.

ومنها : وهي أوضح ، موثقة غياث بن إبراهيم « قال : لا بأس بالغلام الذي لم يبلغ الحلم أن يؤمّ القوم وأن يؤذّن » (٣) حيث فرض فيها إمامته للجماعة ، فيكون أذانه طبعاً للصلاة.

ومنها : معتبرة طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي عليه‌السلام « قال : لا بأس أن يؤذّن الغلام الذي لم يحتلم وأن يؤمّ » (٤) فإنّ طلحة وإن كان‌

__________________

(١) في ص ٣١١.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٤٠ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٢ ح ١.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٤١ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٢ ح ٤.

(٤) الوسائل ٨ : ٣٢٣ / أبواب الجماعة ب ١٤ ح ٨.


عاميا كما ذكره الشيخ إلا أنّه قال ما لفظه : إلا أنّ كتابه معتمد (١) وظاهر الاستثناء أنّ الاعتماد على الكتاب من أجل وثاقته لا لخصوصية فيه كي يختص الاعتماد بما يروي عن كتابه. مضافاً إلى أنّه من رجال كامل الزيارات (٢).

ومنها : موثقة سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : يجوز صدقة الغلام وعتقه ويؤمّ الناس إذا كان له عشر سنين » (٣) فإنّها تدل بالإطلاق على جواز إمامته حتى للبالغين ، فيجوز أذانه أيضاً بطبيعة الحال ، ولعل التقييد بالعشر من أجل رعاية التمييز ، إذ لا تمييز قبله عادة.

ولكن هذه النصوص معارضة من حيث الائتمام بموثقة إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه « انّ علياً عليه‌السلام كان يقول : لا بأس أن يؤذّن الغلام قبل أن يحتلم ، ولا يؤمّ حتى يحتلم ، فإن أمّ جازت صلاته وفسدت صلاة من خلفه » (٤) فتتساقط من هذه الجهة ، وحيث لا إطلاق في نصوص الجماعة بالإضافة إلى الامام ليرجع إليه في الصبي بعد التساقط ، فلا جرم يحكم بعدم صحة الائتمام بالنسبة للبالغين وإن جاز للصبي ، وأمّا بالنسبة إلى صحة أذانه والاجتزاء به فلا معارضة بينها.

وأمّا الجهة الثانية : فالاجتزاء بسماع أذان الصبي محل إشكال على حذو ما تقدم (٥) من الاستشكال في الاجتزاء بسماع أذان المرأة من عدم الإطلاق في أدلة السماع ، فانّ عمدتها روايتان وردت إحداهما في سماع الباقر أذان الصادق عليه‌السلام ، والأُخرى في سماع أذان الجار ، وشي‌ء منهما لا إطلاق له يشمل المرأة ولا الصبي.

__________________

(١) الفهرست : ٨٦ / ٣٦٢.

(٢) ولكنه لم يكن من رجاله بلا واسطة.

(٣) ، (٤) الوسائل ٨ : ٣٢٢ / أبواب صلاة الجماعة ب ١٤ ح ٥ ، ٧.

(٥) في ص ٣١٩.


خصوصاً في الأذان (١) ، وخصوصاً في الإعلامي (٢)

______________________________________________________

أمّا الأُولى فواضح ، وكذا الثانية لانصرافها إلى الأذان الغالب المتعارف وهو كون المؤذّن رجلاً لا امرأة ولا صبياً ، لندرة أذانهما بحيث ينصرف الذهن عنهما ، بل قد تقدم (١) أنّها قضية في واقعة فلا إطلاق لها من أصله.

نعم ، لا ينبغي الإشكال في الاجتزاء بحكاية أذان الصبي ، لوضوح أنّ الحاكي مؤذّن حقيقة في تلك الحالة ، فلا وجه لعدم الاجتزاء ، هذا كله في أذان الصبي.

وأمّا إقامته فلم يرد فيها نص ، والتعدي عن الأذان إليها بلا وجه.

نعم. مقتضى النصوص المتقدمة الدالة على جواز إمامته الاجتزاء بإقامته أيضاً ، لشمولها بإطلاقها لما إذا كان الامام هو المقيم ، كما لعله الغالب. بل في بعض النصوص (٢) أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والوصي عليه‌السلام كانا بنفسهما يقيمان عند الإمامة ، وربما يقيم غيرهما ، فلو لم تكن اقامته مجزئة للزم التنبيه ليتداركها المأموم البالغ ، إلا انك عرفت ان تلك النصوص معارضة في موردها بموثقة إسحاق بن عمار المانعة عن إمامته ، ولا إطلاق في نصوص الجماعة يعول عليه بعد التساقط ومن ثم كان الاجتزاء بإقامته فيما لو أقام للجماعة في غاية الإشكال. هذا بناء على مشروعية عباداته كما هو الأصح ، وأما على التمرينية فالأمر أوضح.

(١) لكونه مورداً للنص كما سبق ، وللإجماع بقسميه كما في الجواهر (٣).

(٢) لاتحاد الصبي مع البالغ في تحصيل الغاية وهو الاعلام بعد عدم كونه عباديا كما عرفت.

__________________

(١) في ص ٣٢٠.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٣٨ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣١.

(٣) الجواهر ٩ : ٥٤.


فيجزئ أذان المميز وإقامته (١) (١) إذا سمعه أو حكاه أو فيما لو أتى بهما للجماعة.

وأما أجزاؤهما لصلاة نفسه فلا إشكال فيه (٢). وأمّا الذكورية فتعتبر في أذان الإعلام (٣) والأذان والإقامة لجماعة الرجال غير المحارم (٤). ويجزئان لجماعة النساء (٥) والمحارم على إشكال في الأخير ، والأحوط عدم الاعتداد ،

______________________________________________________

(١) قد عرفت الإشكال في الاجتزاء بإقامته سماعاً وجماعة لا حكاية فلاحظ.

(٢) فانّ حالهما حال بقية الأجزاء والشرائط المجزئة لنفسه ، شرعية كانت أم تمرينية.

(٣) لقصور دليله عن الشمول للنساء ، نظراً إلى أنّ المطلوب في هذا الأذان رفع الصوت ، بل في صحيح زرارة « كلما اشتد الصوت كان الأجر أعظم » (١) وبما أنّ المطلوب من المرأة خفض صوتها وإن لم يكن عورة ، فمناسبة الحكم والموضوع تقتضي انصراف النصوص إلى الرجال وعدم شمولها للنساء.

(٤) بل المحارم أيضاً حسبما احتاط قدس‌سره أخيراً ، فلو شاركت النساء في جماعة الرجال أو كان الامام رجلاً لا يجتزأ بأذان المرأة ولا بإقامتها ، إذ لا دليل لفظي لنتمسك بإطلاقه ، وعمدة المستند في الاجتزاء هي السيرة المؤيدة ببعض النصوص ، وشمولها للمرأة حتى المحارم غير معلوم لو لم يكن معلوم العدم.

(٥) إذ بعد البناء على مشروعية الجماعة للنساء وعدم التعرض في النصوص لكيفية خاصة ما عدا وقوف الامام وسطهنّ ولا تتقدمهن ، يعلم من ذلك مشاركتهنّ مع جماعة الرجال في الأحكام التي منها الاجتزاء في المقام ، فاذا‌

__________________

(١) فيه إشكال ، والأحوط عدم الاجتزاء بهما ، نعم لا بأس بالاجتزاء بحكايتهما على الشرط المتقدّم.

(١) الوسائل ٥ : ٤١٠ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٦ ح ٢ ، نقل بالمضمون.


نعم الظاهر أجزاء سماع أذانهنّ بشرط عدم الحرمة كما مرّ وكذا إقامتهن (١) (١).

الثالث : الترتيب بينهما بتقديم الأذان على الإقامة (٢).

______________________________________________________

كان يجزئ أذان الامام وإقامته أو بعض المأمومين في جماعة الرجال يجزئ في جماعة النساء أيضاً بمناط واحد.

(١) لكنك عرفت في المسألة التاسعة الاستشكال فيه ، بل المنع عنه لعدم إطلاق يشملهنّ. نعم لا ينبغي الإشكال في الاجتزاء بحكاية أذانهنّ لأنّها بنفسها أذان مستقل كما سبق.

(٢) يقع الكلام تارة في رعاية الترتيب بين نفس الأذان والإقامة ، وأُخرى بين فصولهما ، فهنا جهتان :

أمّا الجهة الاولى : فلا إشكال كما لا خلاف في لزوم الترتيب بينهما ، بل عن كشف اللثام دعوى الإجماع عليه. (١) ويمكن الاستدلال له مضافاً إلى الارتكاز القطعي بين المتشرعة ، وإلى الترتيب الذكري بينهما في لسان الأدلة بتقديم الأذان على الإقامة فيها برمّتها ، الكاشف ولو بمعونة الارتكاز المزبور عن المفروغية ، بل كونه من إرسال المسلم ، بجملة من النصوص :

منها : ما ورد في استحباب الفصل بينهما حيث تضمن روايتين تدلان على المطلوب :

إحداهما : صحيحة البزنطي قال : « قال : القعود بين الأذان والإقامة في الصلوات كلها إذا لم يكن قبل الإقامة صلاة » (٢) فانّ فرض وقوع النافلة قبل الإقامة وجعلها بدلاً عن القعود الفاصل بينها وبين الأذان يدل بوضوح على تقدمه عليها.

__________________

(١) وقد مرّ الاشكال فيه ، بل المنع عنه.

(١) كشف اللثام ٣ : ٣٧٧.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٩٧ / أبواب الأذان والإقامة ب ١١ ح ٣.


وكذا بين فصول كل منهما (١).

______________________________________________________

ثانيتهما : موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : « سألته عن الرجل ينسى أن يفصل بين الأذان والإقامة بشي‌ء حتى أخذ في الصلاة أو أقام للصلاة ، قال : ليس عليه شي‌ء ... » إلخ (١) حيث دلت على أنّ الدخول في الإقامة مصداق لنسيان الفصل كالدخول في نفس الصلاة ، وهذا كما ترى لا ينسجم إلا مع لزوم تأخرها عن الأذان.

ومنها : موثقته الأُخرى أنه قال : « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي من الأذان حرفاً فذكره حين فرغ من الأذان والإقامة قال : يرجع إلى الحرف الذي نسيه فليقله ، وليقل من ذلك الحرف إلى آخره ، ولا يعيد الأذان كله ولا الإقامة » (٢) فإنّه لولا تأخر محل الإقامة لم يكن وجه لقوله عليه‌السلام : « ولا الإقامة » ، إذ مع التقدم لا مجال لتوهم الإعادة كما لا يخفى.

ومنها : ولعلها أوضح من الكل ، صحيحة زرارة المتضمنة لتطبيق قاعدة التجاوز على الشك في الأذان بعد الدخول في الإقامة قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل شك في الأذان وقد دخل في الإقامة ، قال يمضي إلى أن قال يا زرارة إذا خرجت من شي‌ء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء » (٣) فإنّه لولا تأخر محل الإقامة عن الأذان لم يكن مجال للتطبيق المزبور.

(١) وأمّا الجهة الثانية : فتدل على الاعتبار مضافاً إلى الإجماع وما عرفته من الارتكاز ، جملة من الأخبار :

منها : النصوص البيانية المتضمنة لكيفية الأذان والإقامة ، فانّ ظاهرها بعد اتحاد ألسنتها تحديد الفصول على النهج الخاص ووضع كل فصل في ظرفه‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٩٨ / أبواب الأذان والإقامة ب ١١ ح ٥.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٤٢ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٣ ح ٤.

(٣) الوسائل ٨ : ٢٣٧ / أبواب الخلل ب ٢٣ ح ١.


ومحله المقرر له ، المساوق للزوم رعاية الترتيب وعدم التخلف عنه فلا تسوغ مخالفته.

ومنها : صحيحة زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : من سها في الأذان فقدم أو أخّر أعاد على الأول الذي أخّره حتى يمضي على آخره » (١).

ونحوها موثقة عمار : « ... فإن نسي حرفاً من الإقامة عاد إلى الحرف الذي نسيه ثم يقول من ذلك الموضع إلى آخر الإقامة » (٢) وهما صريحتان في المطلوب ، وفي أنّه لو خالف الترتيب رجع وتدارك من موضع المخالفة ، فالحكم مما لا ينبغي الإشكال فيه.

وإنما الكلام في أمرين : أحدهما : أنّه لو تذكر نسيان بعض الفصول بعد فوات الموالاة فهل يلزم الاستئناف ، أو أنّه يرجع إلى الفصل الذي نسيه فيأتي به وبما بعده؟

ذهب جماعة منهم السيّد الماتن إلى الأوّل ، وهو الأصح نظراً إلى البطلان بفوات الموالاة العرفية فلا مناص من الإعادة. وذهب جماعة آخرون ومنهم صاحب الجواهر (٣) إلى الثاني استناداً إلى الإطلاق في صحيحة زرارة وموثقة عمار المتقدمتين آنفاً ، وبذلك يرتكب التقييد في دليل اعتبار الموالاة بين الفصول.

ويندفع : بمنع الإطلاق ، لوضوح قصر النظر في الروايتين على الخلل من ناحية الترتيب فقط من غير نظر إلى سائر الشرائط ، فتبقى هي وإطلاق أدلتها المقتضي لرعايتها حسب القواعد ، فلو أحدث ناسي الترتيب أثناء الإقامة وقلنا فيها باعتبار الطهارة لم يكن بدّ من الإعادة ، ولا سبيل إلى التصحيح استناداً إلى الإطلاق المزعوم.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٤١ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٣ ح ١.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٤٢ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٣ ح ٢.

(٣) الجواهر ٩ : ٩١.


ثانيهما : لو تذكر أثناء الإقامة أو بعد الفراغ منها نسيان حرف من فصول الأذان ، ففي موثقة عمار أنّه لا شي‌ء عليه ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، أو سمعته يقول : إن نسي الرجل حرفاً من الأذان حتى يأخذ في الإقامة فليمض في الإقامة وليس عليه شي‌ء » إلخ (١) دلت بظاهرها على سقوط المنسي عن الجزئية بالتجاوز عن المحل كمن تذكر فوت القراءة بعد الدخول في الركن.

ولكن موثقته الأُخرى دلت على التدارك ، قال : « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي من الأذان حرفاً فذكره حين فرغ من الأذان والإقامة ، قال : يرجع إلى الحرف الذي نسيه فليقله وليقل من ذلك الحرف إلى آخره ... » إلخ (٢).

فربما يتراءى التنافي بينهما ، ويجمع تارة بالحمل على عدم أهمية الأذان فتجزئ الإقامة وحدها ، وأُخرى بحمل الأمر بالرجوع وتدارك الأذان على الاستحباب ، ولكن الظاهر عدم التنافي لنحتاج إلى العلاج لاختلاف مورد الموثقتين ، فانّ مورد الاولى ما لو كان التذكر أثناء الإقامة ، ومورد الثانية ما لو كان بعد الفراغ عنها ، ولا مانع من التفكيك بالالتزام بالسقوط في الأوّل دون الثاني.

ولعل الوجه فيه أنّه يلزم من التدارك في المورد الأول إما الفصل بين فصول الإقامة بالجزء المنسي من الأذان لو اقتصر عليها ، أو إلغاء الفصول السابقة لو استأنفها ، وأما في المورد الثاني فلا يلزم منه شي‌ء من هذين المحذورين ولا غيرهما عدا ما ذكره في الجواهر من لزوم تأخير الجزء المنسي من الأذان عن الإقامة فيختل الترتيب المعتبر بينهما (٣).

ويندفع : بأنّ غايته ارتكاب التخصيص في دليل اعتبار الترتيب الذي ليس‌

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٥ : ٤٤٢ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٣ ح ٢ ، ٤.

(٣) لاحظ الجواهر ٩ : ٩٠.


فلو قدّم الإقامة عمداً أو جهلاً أو سهواً أعادها بعد الأذان (١).

______________________________________________________

هو بعزيز في الفقه بعد مساعدة الدليل ، ووضوح عدم كونه من المستقلات العقلية غير القابلة له.

هذا ومما يوهن الجمعين المزبورين قوله عليه‌السلام في الموثقة الاولى : « فليمض في الإقامة » فإنّ ظاهر الأمر بالمضي عدم مشروعية التدارك وأنّ وظيفته الفعلية هو ذلك ، فكيف يمكن الحمل على جواز المضي فضلاً عن استحباب التدارك.

(١) رعاية للترتيب المعتبر بينهما. وهذا لا إشكال فيه فيما إذا كان التذكر أثناء الإقامة.

وأمّا إذا كان بعد الفراغ عنها ، فهل له تدارك الأذان على النهج المزبور ، أو أنّه لا سبيل إليه لتجاوز المحل وسقوط الأمر؟

يظهر الثاني من المحقق الهمداني قدس‌سره (١). وتقريبه بتوضيح منا : أن الترتيب المعتبر شرعاً بين شيئين ، قد يكون ملحوظاً في كل من السابق واللاحق ، فيعتبر التقدم في الأوّل كما يعتبر التأخر في الثاني وهذا كما في أجزاء الواجب الارتباطي ، حيث يعتبر في الركوع مثلاً تقدمه على السجود كما يعتبر فيه تأخره عن الركوع ، وهكذا الحال في سائر الأجزاء المتخللة ما بين الأول والأخير ، ونحوها عمرة التمتع بالإضافة إلى حجه فإنّهما أيضاً من هذا القبيل كما لا يخفى.

وقد يكون ملحوظاً في اللاحق فقط دون السابق ، وهذا كما في المترتبتين كالظهرين والعشاءين حيث إنّ صحة العصر والعشاء مشروطة بالتأخر عن الظهر والمغرب فلو تقدّمتا عمداً بطلتا ، وكذا سهواً لولا النص الخاص وحديث لا تعاد ، دون العكس فلو اقتصر على الظهر أو المغرب وترك اللاحقة رأساً صحتا وإن كان آثماً في الترك.

__________________

(١) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٢٢١ السطر ٢٨.


وقد يكون ملحوظاً في السابق فقط دون اللاحق كما في نافلة الظهرين حيث يعتبر تقدمها على الفريضة لا تأخر الفريضة عنها ، فلو خالف الترتيب وقدّم الفريضة فقد فوّت بذلك محل النافلة وامتنع تداركها ، إذ بعد وقوعها صحيحة المستلزم لسقوط أمرها لم يبق مجال لإعادتها لكي يأتي بالنافلة قبلها ، هذا.

ولا شبهة أنّ الأذان بالقياس إلى الإقامة من القسم الأخير ، حيث يعتبر فيه التقدم على الإقامة ، ولا يعتبر فيها التأخر عنه ، فلو قدّمها فقد فات محل الأذان وامتنع التدارك حسبما عرفت.

ودعوى بطلان الإقامة السابقة بالأذان اللاحق فله الإتيان بها بعده مدفوعة بعدم المقتضي للبطلان بعد وقوعها صحيحة ، فإن الانطباق قهري والإجزاء عقلي ، والشي‌ء لا ينقلب عما وقع عليه فكيف يوجب الأذان فسادها ، إلا أن يدل دليل شرعي تعبدي على اشتراط الإقامة بأن لا يقع بعدها الأذان ، ولا تكاد تفي الأدلة بإثباته.

وبالجملة : فالإشكال في أمثال هذه الموارد إنّما هو في جواز تدارك المتروك بعد الإتيان بما تأخر عنه في الرتبة ، حيث إنّ قضية الترتيب المعتبر بينهما تعذره بفوات محله ، إلا إذا قلنا بجواز الإعادة للاجادة ، وإلا فمقتضى القاعدة عدم المشروعية.

أقول : ما أفاده قدس‌سره من عدّ المقام من القسم الأخير وجيه ، لكن ما استنتجه من فوات المحل وامتناع التدارك خاص بالعملين المستقلين المتعلّقين لأمرين نفسيين كما مثّل به من صلاة الظهرين ونافلتهما دون مثل المقام ، حيث إنّ الأذان والإقامة لم يكونا كذلك لكي يدعى فوات محل الأذان ، بل هما معاً يعدّان من مقدمات الصلاة ومتعلقاتها ، وما دام المصلي لم يتلبس بالصلاة فهو مأمور بالإتيان بهما بمقتضى الإطلاقات الناطقة بأنّه لا صلاة إلا بأذان وإقامة ، الشاملة حتى لمن أتى بالإقامة وحدها ، فلو بدا له في الأذان وأراد أن يتداركه لا قصور في شمول الإطلاقات له ، غاية الأمر مع إعادة الإقامة رعاية‌


وكذا لو خالف الترتيب فيما بين فصولهما ، فإنّه يرجع إلى موضع المخالفة ويأتي على الترتيب إلى الآخر (١). وإذا حصل الفصل الطويل المخلّ بالموالاة يعيد من الأول (٢) من غير فرق أيضاً بين العمد وغيره (٣).

الرابع : الموالاة بين الفصول (٤) من كل منهما ، على وجه تكون صورتهما محفوظة بحسب عرف المتشرعة وكذا بين الأذان والإقامة ، وبينهما وبين الصلاة ، فالفصل الطويل المخل بحسب عرف المتشرعة بينهما ، أو بينهما وبين الصلاة ، مبطل.

______________________________________________________

للترتيب ، لما عرفت من عدم كون الأمر بهما نفسياً (١) ليسقط ، وإنّما هو من أجل المقدمية للصلاة. ومن ثم لو أتى بهما وأخلّ بالموالاة المعتبرة بينهما وبين الصلاة بطلتا وكأنه لم يأت بهما ، وعليه الاستئناف متى أراد الصلاة ، لعدم الاتصاف بالمقدمية مع الإخلال المزبور هذا أوّلاً.

وثانياً : سلّمنا أنّ الأمر نفسي مستقل ، لكن الأذان المأتي به بعد الإقامة لمكان اشتماله على كلام الآدمي يستوجب استحباب إعادة الإقامة للأمر بها لدى تخلل التكلم بينها وبين الصلاة في بعض النصوص كما سيجي‌ء إن شاء الله تعالى (٢) ، فيستكشف من استحباب الإعادة بقاء محل الأذان وعدم فواته كما لا يخفى.

(١) كما أُشير إليه في صحيحة زرارة وموثقة عمار المتقدمتين (٣).

(٢) كما تقدم (٤).

(٣) لاعتبار الموالاة في كلتا الصورتين كما ستعرف.

(٤) لما هو المرتكز في الأذهان من أنّ كل واحد من الإقامة والأذان عمل‌

__________________

(١) تقدم في ذيل الشرط الأول من هذا الفصل [ في ص ٣٢٣ ] ما ينافيه فلاحظ.

(٢) في ص ٣٥٤.

(٣) في ص ٣٣١.

(٤) في ص ٣٣١.


الخامس : الإتيان بهما على الوجه الصحيح بالعربية فلا يجزئ ترجمتها ولا مع تبديل حرف بحرف (١).

______________________________________________________

وحداني ذو هيئة اتصالية منسجمة وتركيب خاص مرتبط بعض فصوله ببعض بنحو مخصوص بحيث يتشكل منه عنوان متميز عما عداه يعبّر عنه بالأذان أو الإقامة ، فلو انفصم النظم وتخلل الفصل بسكوت طويل أو عمل أجنبي ماح للصورة ومزيل للعنوان بحسب عرف المتشرعة لم يقع مصداقاً للمأمور به ، بل كان مصداقاً لمطلق الذكر.

وهذا الوجه مطرد في عامة العبادات المركبة المعنونة بعنوان خاص ، فانّ العرف يفهم أنّ الغرض لا يتحقق والمأمور به لا يقع إلا لدى الإتيان متصلة بحيث يصدق عنوان العمل العبادي ، وإلا فليس لدينا نص يدل على اعتبار الموالاة في العبادات.

مع أنّ الحكم متسالم عليه في المقام بين الأعلام ، ومن ثمّ ذكروا في باب العقد لزوم وقوع القبول بعد الإيجاب بلا فصل كما يعتبر الموالاة بين فصول الأذان.

فيظهر من هذا التشبيه أنّ اعتبار الموالاة في المقام أمر مسلّم مفروغ عنه ، ومرتكز في الأذهان.

ومنه يظهر الحال في اعتبار الموالاة بين نفس الأذان والإقامة ، وكذا بينهما وبين الصلاة ، فإنّهما بعد أن كانا معاً مرتبطين بالصلاة بمثابة يعدّ المجموع كعمل واحد في نظر المتشرعة ، فلا مناص من رعاية الموالاة والاتصال العرفي تحقيقاً للصدق المزبور.

(١) فإن العبادة توقيفية ، ومقتضى الجمود على ظواهر النصوص ولا سيما البيانية لزوم رعاية الكيفية بألفاظها الخاصة ، فلا يجزئ غيرها ولو بلفظ عربي مؤد لنفس المعنى فضلاً عن الترجمة بلغة اخرى كما هو ظاهر لا يخفى.


السادس : دخول الوقت (١) ، فلو أتى بهما قبله ولو لا عن عمد لم يجتزئ بهما وإن دخل الوقت في الأثناء ،

______________________________________________________

(١) بلا خلاف فيه بل إجماعاً كما عن غير واحد من دون فرق بين أذاني الاعلام في غير الفجر والإعظام. نعم تقديم بعض الفريضة على الوقت باعتقاد الدخول قيل بجوازه كما تقدم (١) في بحث الأوقات. وأمّا الأذان فضلاً عن الإقامة فلا قائل بالاجزاء.

وكيف ما كان ، فالحكم في أذان الإعلام واضح ، إذ الغاية من تشريعه الاعلام بدخول الوقت ، فكيف يسوغ فعله قبله.

وأمّا في أذان الصلاة والإقامة فتشهد به جملة من النصوص التي منها صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : لا تنتظر بأذانك وإقامتك إلا دخول وقت الصلاة ... » إلخ (٢). ونحوها غيرها.

نعم ، ربما يظهر من رواية زريق أنّ الصادق عليه‌السلام كان يؤذّن يوم الجمعة قبل الزوال ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « كان ربما يقدم عشرين ركعة يوم الجمعة في صدر النهار إلى أن قال وكان إذا ركدت الشمس في السماء قبل الزوال أذّن وصلى ركعتين فما يفرغ إلا مع الزوال ثم يقيم للصلاة فيصلي الظهر ... » إلخ (٣).

فكأنه يظهر منها أنّ ليوم الجمعة خصوصية في هذا الحكم فيقدم الأذان على الزوال لتقع الفريضة أوّل الوقت كما تقدم النوافل عليه حسبما تقدم في مبحث الأوقات (٤) ، فهي إن تمّت تكون مخصصة لما دل على اعتبار دخول الوقت في الأذان.

__________________

(١) شرح العروة ١١ : ٣٨١.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٨٨ / أبواب الأذان والإقامة ب ٨ ح ١.

(٣) الوسائل ٧ : ٣٢٨ / أبواب صلاة الجمعة ب ١٣ ح ٤.

(٤) شرح العروة ١١ : ٢٤٦.


نعم ، لا يبعد جواز تقديم الأذان قبل الفجر للإعلام (١).

______________________________________________________

إلا أنّها لا تتم لضعف السند ، فانّ الشيخ رواها في المجالس عن زريق (١) وطريقه إليه ضعيف بأبي المفضل والقاسم بن إسماعيل (٢) إن أُريد به ما هو المذكور في كتبه ، أعني التهذيبين والفهرست ، وإن أُريد به غيره فهو مجهول. على أنّ زريقاً نفسه مردد بين الموثق وغيره ، وكلاهما له كتاب. فلا يمكن الاعتماد على الرواية ، مضافاً إلى أنّ مضمونها لا قائل به ، إذ لم يذهب أحد إلى التخصيص المزبور.

إذن فلا ينبغي الإشكال في عدم مشروعية الأذانين ولا الإقامة كلا أو بعضاً قبل دخول الوقت من غير فرق بين الجمعة وغيرها.

(١) بل إنّ هذا هو المشهور بينهم ، بل عن المنتهي (٣) نسبته إلى فتوى علمائنا وإن أنكره جماعة آخرون فذهبوا إلى عدم المشروعية ، لكن القائل بالمنع قليل.

والذي ينبغي أن يقال في المقام : إنّ الأذان الصلاتي لا ينبغي الإشكال في عدم مشروعيته قبل الفجر ، لصحيحة معاوية بن وهب المتقدمة (٤) والظاهر أنّ القائلين بجواز التقديم لا يعنون به ذلك ، إذ لم يصرح أحد منهم بالاكتفاء به عن أذان الصلاة كي يشمله مورد التقديم.

__________________

(١) أمالي الطوسي : ٦٩٥ / ١٤٨٢.

(٢) هذا الطريق مذكور في الفهرست [ في الصفحة : ٧٤ / ٣٠٠ ] إلى كتاب زريق لاحظ المعجم ٨ : ١٩١ / ٤٥٧٧. وهذه الرواية مروية عنه بنفسه ، وطريقه إليه مذكور في نفس كتاب المجالس والأخبار حسبما أشار إليه صاحب الوسائل في الخاتمة ٣٠ : ١٤٤ / ٥١. وهو هكذا : الحسين بن عبيد الله ( الغضائري ) عن هارون بن موسى التلعكبري عن محمد ابن همام عن عبد الله بن جعفر الحميري عن محمد بن خالد الطيالسي عن أبي العباس زريق بن الزبير الخلقاني ، والطريق إليه صحيح. نعم هو بنفسه لا توثيق له من غير ترديد فيه ، فالضعف إنّما هو من أجله لا غير.

(٣) المنتهي ٤ : ٤٢٣.

(٤) في ص ٣٣٢.


وأمّا الأذان الإعلامي فالظاهر عدم جواز تقديمه أيضاً ، لما عرفت من أنّ المقصود به الإخبار عن دخول الوقت ، فكيف يسوغ قبله ، والنصوص أيضاً قد نطقت بأن السنّة في النداء أن يكون مع الفجر ففي صحيحة ابن سنان « ... وأمّا السنّة فإنّه ينادى مع طلوع الفجر ... » إلخ ، وفي صحيحته الأُخرى : « ... وأمّا السنة مع الفجر » (١) حيث يظهر منهما أنّ المشروع من الأذان للإعلام الذي جرت عليه السنة إنّما هو عند طلوع الفجر ، فقبله غير مشروع بهذا العنوان. نعم يجوز الإتيان حينئذ للإيذان بقرب الوقت لينتفع به الجيران فيتهيؤوا للعبادة كما أُشير إليه في هاتين الصحيحتين.

ويستفاد مشروعية هذا القسم من الأذان من نصوص أُخر أيضاً :

ففي صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : كان بلال يؤذّن للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وابن أُمّ مكتوم وكان أعمى يؤذّن بليل ويؤذّن بلال حين يطلع الفجر » (٢).

وفي موثقة زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : هذا ابن أمّ مكتوم وهو يؤذّن بليل ، فإذا أذّن بلال فعند ذلك فأمسك ، يعني في الصوم » (٣) ونحوهما غيرهما ، وإن لم يكن نقي السند.

ويظهر منها أنّ كلا المؤذّنين كانا موظفين من قبله صلى‌الله‌عليه‌وآله أحدهما للتهيؤ ، والآخر للاعلام. إذن فأمره صلى‌الله‌عليه‌وآله بالأكل لدى أذان ابن أُمّ مكتوم لم يكن لأجل أنّه رجل أعمى يؤذّن من قبل نفسه ، فإنّ المؤذّن الأعمى يسأل طبعاً ولا يخطأ دائماً وإلا لمنعه صلى‌الله‌عليه‌وآله كي لا يوقع الناس في الاشتباه ، بل لأجل أنّه كان منصوباً للتهيؤ كما يكشف عنه الاستمرار المستفاد من الأخبار على وجود كلا المؤذّنين ، لا أنّه كان من باب الصدفة والاتفاق.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٩٠ / أبواب الأذان والإقامة ب ٨ ح ٧ ، ٨.

(٢) ، (٣) الوسائل ٥ : ٣٨٩ / أبواب الأذان والإقامة ب ٨ ح ٣ ، ٤.


ولا ينافي ذلك ما تضمنته الصحيحتان المتقدمتان من جريان السنة على الأذان لدى طلوع الفجر ، لما عرفت من أنّ مورد السنّة هو أذان الإعلام ، وهذا أذان آخر شرع للتهيؤ قبل الوقت أُشير إليه في نفس تينك الصحيحتين.

والمتحصّل : أنّ المستفاد من تضاعيف الأخبار امتياز الفجر بأذان ثالث قبل الوقت لانتفاع الجيران وتهيّئهم للعبادة ، والذي يختص بالوقت وما بعده هو أذان الإعلام وأذان الصلاة.

بقي أمران أحدهما : تضمنت صحيحة عمران الحلبي تجويز الأذان قبل الفجر للمنفرد قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الأذان قبل الفجر ، فقال : إذا كان في جماعة فلا ، وإذا كان وحده فلا بأس » (١) وهي تعارض صحيحتي ابن سنان المتقدمتين الدالتين على إطلاق المنع وحملهما على خصوص الجماعة كما ترى لقلتها وقتئذ في تلك الأزمنة ، والمرجع بعد التساقط إطلاق صحيحة معاوية بن وهب الدالة على اشتراط أذاني الاعلام والصلاة بدخول الوقت من غير فرق بين الجماعة والفرادى فتأمل. ولا يبعد حمل نفي البأس في صحيحة الحلبي على عدم أهمية الأذان للصلاة فرادى بخلاف الجماعة بل قيل بوجوبه لها كما تقدم.

ثانيهما : روى في المستدرك عن أصل زيد النرسي عن أبي الحسن عليه‌السلام « قال : سألته عن الأذان قبل طلوع الفجر ، فقال عليه‌السلام : لا ، إنما الأذان عند طلوع الفجر أوّل ما يطلع » وفي روايته الأُخرى عنه عليه‌السلام « أنه سمع الأذان قبل طلوع الفجر ، فقال : شيطان ، ثم سمعه عند طلوع الفجر فقال عليه‌السلام : الأذان حقّا » (٢) لكن السند ضعيف ، لجهالة الطريق إلى كتاب زيد كما تقدم (٣).

إذن فما تضمنته النصوص المتقدمة من جواز الأذان قبل الفجر لانتفاع‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٩٠ / أبواب الأذان والإقامة ب ٨ ح ٦.

(٢) المستدرك ٤ : ٢٥ / أبواب الأذان والإقامة ب ٧ ح ٢.

(٣) في ص ٢٩٨.


وإن كان الأحوط إعادته بعده (١).

السابع : الطهارة من الحدث في الإقامة على الأحوط ، بل لا يخلو عن قوة (٢) ،

______________________________________________________

الجيران سليمة عن المعارض ، ولعل قوله : « شيطان » إشارة إلى أذان المخالفين حيث يذهبون على ما قيل إلى دخول الوقت بطلوع الفجر الكاذب ، والأذان الثاني الذي وصفه بالحق كان مع الفجر الصادق ، فلا ترتبط الرواية بما نحن فيه.

(١) فانّ أقصى ما دلت عليه النصوص المتقدمة جواز التقديم لانتفاع الجيران ، وهو أذان آخر غير أذان الفجر أعلاماً أو صلاة ، فلا وجه للاجتزاء به بعد عدم دلالة النصوص عليه بوجه.

(٢) المشهور بين الفقهاء استحباب الطهارة في الأذان والإقامة ، وإن كان في الإقامة آكد ، وهكذا الحال في القيام.

وذهب جماعة إلى وجوبهما في الإقامة ، وفصّل الماتن قدس‌سره بينهما فاختار وجوب الطهارة فيها دون القيام.

وستعرف أنّ التفصيل لا وجه له ، والمسألتان من وادٍ واحد ، فإن قلنا بوجوب الطهارة قلنا به في القيام أيضاً بمناط واحد.

وكيف ما كان ، فقد وردت في المقام جملة من النصوص دلت على اعتبار الطهارة في الإقامة.

فمنها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام « أنه قال : تؤذّن وأنت على غير وضوء في ثوب واحد قائماً أو قاعداً ، وأينما توجهت ، ولكن إذا أقمت فعلى وضوء متهيّئاً للصلاة » (١).

ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : لا بأس أن‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٩١ / أبواب الأذان والإقامة ب ٩ ح ١.


يؤذّن الرجل من غير وضوء ، ولا يقيم إلا وهو على وضوء » (١).

ومنها : صحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل يؤذّن أو يقيم وهو على غير وضوء أيجزئه ذلك؟ قال : أمّا الأذان فلا بأس ، وأمّا الإقامة فلا يقيم إلا على وضوء ، قلت : فإن أقام وهو على غير وضوء أيصلي بإقامته؟ قال : لا » (٢). ونحوها غيرها.

وليس بإزائها ما يعارضها حتى رواية ضعيفة ما عدا إطلاقات الإقامة ، فهل هي تقيد بهذه أو أنّ هذه تحمل على أفضل الأفراد لينتج أنّها من شرائط الكمال؟

المشهور كما عرفت هو الثاني ، فحملوا الأمر بها على الأفضلية أو النهي عن الإقامة بدونها على المرجوحية ، والنتيجة واحدة ، وهي إبقاء المطلقات على حالها.

قال المحقق الهمداني (٣) قدس‌سره ما ملخصه : إنّ فهم المشهور هو القرينة على الحمل المزبور ، حيث إنّهم لم يفهموا من نصوص الباب إلا إرادة الحكم التكليفي ، أعني كراهة ترك الطهارة أو استحباب فعلها ، لا الوضعي أي شرطية الطهارة أو مانعية الحدث ، ولو لا ذلك كان مقتضى القاعدة حمل المطلق على المقيد ، لكون الأوامر والنواهي في باب المركبات إرشاداً إلى الجزئية أو الشرطية أو المانعية ، فعدم فهمهم الشرطية كاشف عن خصوصية في المورد وبذلك يرتكب التخصيص في تلك القاعدة.

وذكر قدس‌سره في وجه ما فهموه أنّ نصوص المقام على نوعين : أحدهما : ما تضمن الأمر بالطهارة ، والحمل على الأفضلية هنا مطابق لمقتضى القاعدة ، لوضوح عدم حمل المطلق على المقيد في باب المستحبات.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٩١ / أبواب الأذان والإقامة ب ٩ ح ٢.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٩٣ / أبواب الأذان والإقامة ب ٩ ح ٨.

(٣) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٢١٣ السطر ٣١.


ثانيهما : ما تضمّن النهي عن الإقامة من غير طهارة ، وهذا وإن كان ظاهراً في الإرشاد إلى اعتبار الطهارة إلا أنّه بعد إمعان النظر يرى أن فيه أيضاً شائبة من الطلب ، فيكون مرجع قوله عليه‌السلام : « لا يقيم إلا على وضوء » إلى قولنا أقم مع الوضوء ، فيرجع إلى النوع الأول.

أقول : بعد وضوح عدم احتمال إرادة الحرمة الذاتية من النهي المزبور كما اعترف قدس‌سره به في مطاوي كلماته ، فلا جرم يراد به الحرمة التشريعية التي مرجعها إلى تحديد دائرة الأمر في المطلقات واختصاص الإقامة المأمور بها بالمقرونة بالطهارة ، فغير المقترن لا أمر به ، وبدونه لم يكن مشروعاً ، وهو مساوق لاعتبار الشرطية المتحصّلة من حمل المطلق على المقيد. فهذا هو الظاهر من النهي في المقام ، ولم تكن في البين قرينة ترشدنا إلى خلاف هذا الظاهر ليؤخذ بها.

فالنتيجة : أنّ ما ذهب إليه جمع من الأجلّة من وجوب الطهارة في الاقامة هو الأوفق بالصناعة ، إذ لا مناص من حمل المطلق على المقيد في النوع الثاني من النصوص المتضمنة للنهي ، وإن لم يكن كذلك في النوع الأوّل.

ويؤكده : ما في ذيل صحيحة علي بن جعفر المتقدمة من قوله عليه‌السلام : « لا » في جواب قوله : « أيصلي بإقامته » فإنّ مرجعه إلى أنّ الإقامة من دون طهارة في حكم العدم كما لا يخفى.

هذا ، وجميع ما ذكرناه في اعتبار الطهارة يجري في اعتبار القيام حرفاً بحرف ، لاشتراك نصوص الموردين في الاشتمال على النوعين المتقدمين ، وستأتي نصوص القيام في موضعه (١) وليس في البين ما يعارضها ما عدا المطلقات التي عرفت لزوم حملها عليها فيتحدان بحسب النتيجة ، وهي اعتبار القيام كالطهارة في الإقامة بمناط واحد.

__________________

(١) في ص ٣٥٠.


بخلاف الأذان (١).

[١٤٠٣] مسألة ١ : إذا شك في الإتيان بالأذان بعد الدخول في الإقامة لم يعتن به (٢) ، وكذا لو شك في فصل من أحدهما بعد الدخول في الفصل اللاحق (٣).

______________________________________________________

(١) للتصريح في النصوص المتقدمة وغيرها بعدم اعتبار الطهارة فيه.

(٢) وكذا لو شك في الإقامة بعد ما دخل في الصلاة ، وذلك للتنصيص عليهما بالخصوص في صحيحة زرارة « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل شك في الأذان وقد دخل في الإقامة ، قال : يمضي ، قلت : رجل شك في الأذان والإقامة وقد كبّر ، قال : يمضي إلى أن قال يا زرارة إذا خرجت من شي‌ء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء » (١) مضافاً إلى قاعدة التجاوز بنطاق عام ومنه المقام المستفادة من ذيل الصحيحة وغيرها.

(٣) لقاعدة التجاوز الآنفة الذكر. نعم خصها المحقق النائيني قدس‌سره بالأجزاء المستقلة ، جموداً على الأمثلة المذكورة في الصحيحة المزبورة (٢) ، فلا تشمل أبعاض الأجزاء كآيات الفاتحة أو فصول الإقامة ، إذ العبرة بالمجموع الذي هو جزء برأسه ، ولا عبرة بجزء الجزء ، بل المرجع فيه قاعدة الاشتغال لكونه من الشك في المحل.

ويندفع : بعدم الموجب للتخصيص بعد وجود المقتضي للتعميم وهو الكبرى الكلية المذكورة في ذيل الصحيحة الكاشفة عن أنّ الأمثلة المذكورة في الصدر إنّما هي من باب المثال ، لا سيّما وأنّها مذكورة في كلام السائل ، والعبرة بإطلاق كلام الامام عليه‌السلام الذي لا قصور في شمول إطلاقه للجميع. وتفصيل الكلام في محله (٣).

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٣٧ / أبواب الخلل ب ٢٣ ح ١.

(٢) أجود التقريرات ٢ : ٤٧٣.

(٣) مصباح الأُصول ٣ : ٢٩٩.


ولو شك قبل التجاوز أتى بما شك فيه (١).

______________________________________________________

(١) لأصالة عدم الإتيان بالمأمور به ، المطابقة لقاعدة الاشتغال ، ولقاعدة الشك في المحل المستفادة من مفهوم صحيحة زرارة المتقدمة.


فصل

[ في مستحبات الأذان والإقامة ]

يستحب فيهما أُمور :

الأول : الاستقبال (١).

______________________________________________________

(١) أمّا في الأذان فيستدل له مضافاً إلى نفي الخلاف ، بل حكاية الإجماع عن غير واحد بمرسلة دعائم الإسلام عن علي عليه‌السلام : « يستقبل المؤذّن القبلة في الأذان والإقامة ، فاذا قال : حي على الصلاة ، حي على الفلاح حوّل وجهه يميناً وشمالاً (١) وهي لمكان ضعف السند لا تصلح إلا للتأييد.

وربما يستدل له ايضاً كما في الجواهر (٢) بإطلاق قوله عليه‌السلام « خير المجالس ما استقبل فيه القبلة » (٣).

وفيه : مضافاً إلى ضعف سندها بالإرسال ، أنّها ناظرة إلى كيفية الجلوس ، ولا ربط لها بالأذان من حيث هو أذان الذي هو محل الكلام. فالعمدة هو التسالم المؤيد بخبر الدعائم ، وهذا المقدار كاف في إثبات الاستحباب هذا.

وربما يستفاد من بعض النصوص وجوب الاستقبال حال التشهد ، كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « سألته عن الرجل‌

__________________

(١) الدعائم ١ : ١٤٤.

(٢) الجواهر ٩ : ٩٣.

(٣) الوسائل ١٢ : ١٠٩ / أبواب أحكام العشرة ب ٧٦ ح ٣.


يؤذّن وهو يمشي ، أو على ظهر دابته أو على غير طهور ، فقال : نعم إذا كان التشهد مستقبل القبلة فلا بأس » (١).

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قلت له : يؤذّن الرجل وهو على غير القبلة ، قال : إذا كان التشهد مستقبل القبلة فلا بأس » (٢) فانّ مقتضى مفهوم الشرط ثبوت البأس إذا لم يكن مستقبلاً حال التشهد.

إلا أنّه لا بد من حملهما على الأفضلية ، بقرينة صحيحة زرارة المتقدمة (٣) المفصّلة بين الأذان والإقامة ، والمصرّحة في الأول بقوله عليه‌السلام « أينما توجهت » الظاهر في عدم اعتبار الاستقبال في شي‌ء من فصول الأذان ، بعد وضوح امتناع حملها على ما عدا التشهد ، لمنافاته مع المقابلة بينه وبين الإقامة الظاهرة في أنّ طرف المقابلة تمام الأذان بجميع فصوله لا خصوص ما عدا التشهد ، وإلا كان الأحرى التقابل بين فصول الأذان أنفسها ، لا بينه وبين الإقامة كما لا يخفى.

فتكون نتيجة الجمع أفضلية مراعاة الاستقبال في التشهد وآكديته من بقية الفصول.

وأمّا في الإقامة ، فيستدل تارة بخبر الدعائم وقد عرفت ما فيه.

وأُخرى : بالنصوص المتضمّنة لتنزيل الإقامة منزلة الصلاة ، وأنّ الداخل فيها كالداخل فيها ، كرواية سليمان بن صالح عن أبي عبد الله عليه‌السلام « .. وليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة ، فإنّه إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة » (٤) ورواية يونس الشيباني عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « ... إذا أقمت‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٠٣ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٣ ح ٧.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٥٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ٤٧ ح ١.

(٣) في ص ٣٤١.

(٤) الوسائل ٥ : ٤٠٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٣ ح ١٢.


الصلاة فأقم مترسلاً فإنّك في الصلاة » (١) ورواية أبي هارون المكفوف قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : يا أبا هارون الإقامة من الصلاة ، فإذا أقمت فلا تتكلم ولا تؤم بيدك » (٢).

وفيه : مضافاً إلى ضعف سند الجميع ما عدا الأخير بناءً على المختار من وثاقة رجال الكامل كما تقدم (٣) أنّها قاصرة الدلالة ، إذ بعد تعذر المعنى الحقيقي ، ضرورة أنّ الصلاة أوّلها التكبير وآخرها التسليم ، فكيف تكون الإقامة جزءاً من الصلاة والمقيم داخلاً فيها ، فلا جرم يراد منها التنزيل ، وحيث إنّه لا يكون من جميع الجهات قطعاً ، إذ يعتبر في الصلاة ما لا يعتبر في الإقامة بالضرورة كعدم الوقوع في الحرير والنجس وغير المأكول ونحو ذلك ، فلا بد وأن يراد التنزيل من بعض الجهات ، والمتيقن بل المنصرف منها ما هو المذكور في تلك النصوص من التمكن أي الاستقرار وعدم التكلم وعدم الإيماء باليد والترسل ، ولا تشمل سائر الجهات التي منها الاستقبال لتدل على استحبابه فيها.

ومما يكشف عن عدم عموم التنزيل زائداً على ما عرفت : جواز التكلم أثناء الإقامة وإن كان مكروهاً ، بل حتى بعدها من دون كراهة فيما يتعلق بتسوية الصفوف ، مع عدم جوازه أثناء الصلاة إطلاقاً ، فإذا لم يكن تنزيل حتى بلحاظ التكلم المذكور في الخبر إلا باعتبار الاشتراك في جامع المرجوحية ، فما ظنك بالاستقبال الذي لم يذكر فيه.

نعم ، لا بأس بالاستدلال بصحيحة زرارة المتقدمة (٤) المفصّلة بين الأذان والإقامة ، حيث إنّ ظاهر المقابلة الأمر بالاستقبال كالقيام والطهارة في الاقامة ،

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٠٣ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٣ ح ٩.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٩٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ١٢.

(٣) ولكن الراوي وهو المكفوف ، وكذا صالح بن عقبة لم يكونا من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة ، فلا يشملهما التوثيق.

(٤) في ص ٣٤١.


الثاني : القيام (١) (١).

______________________________________________________

بل من أجل ذلك ذهب جماعة كالمفيد (١) والسيد (٢) وصاحب الحدائق (٣) إلى الوجوب واعتبار ذلك في الإقامة.

ولكنه لا وجه له ، إذ لا يصلح الأمر المزبور لتقييد إطلاقات الإقامة ، لما هو المقرّر في محله من عدم حمل المطلق على المقيد في باب المستحبات ، بل يحافظ على الإطلاق ، ويحمل المقيد على أفضل الأفراد (٤). وإنّما يتجه لو ورد نهي عنها بدونه كما كان كذلك في الطهارة والقيام حسبما تقدم ، ولم يرد مثل ذلك في المقام ، فلا مناص من الالتزام بالاستحباب.

وتؤيد عدم الوجوب رواية علي بن جعفر عليه‌السلام أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : « سألته عن رجل يفتتح الأذان والإقامة وهو على غير القبلة ثم استقبل القبلة قال : لا بأس » (٥) وإن كانت ضعيفة السند بعبد الله ابن الحسن.

هذا والمحقق الهمداني قدس‌سره نسب إليه رواية أُخرى دلت على اعتبار الاستقبال في التشهد (٦) ، ولم نعثر عليها لا في الوسائل ولا في قرب الاسناد ، ولعله سهو من قلمه الشريف.

(١) أمّا في الأذان فاستحبابه مورد للإجماع المدعى في كلمات غير واحد ، وتدل عليه أيضاً رواية حمران قال : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الأذان‌

__________________

(١) بل الظاهر اعتباره في الإقامة كاعتبار الطهارة فيها.

(١) المقنعة : ٩٩.

(٢) جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٣٠.

(٣) الحدائق ٧ : ٣٤٥.

(٤) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ٣٨٤.

(٥) الوسائل ٥ : ٤٥٧ / أبواب الأذان والإقامة ب ٤٧ ح ٢.

(٦) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٢٢٢ السطر ١٧.


الثالث : الطهارة في الأذان (١).

______________________________________________________

جالساً ، قال : لا يؤذّن جالساً إلا راكب أو مريض » (١) المحمولة على الاستحباب جمعاً بينها وبين صحيحة زرارة « تؤذّن وأنت على غير وضوء في ثوب واحد قائماً أو قاعداً ... إلخ » (٢) لكن الرواية ضعيفة السند بمحمد بن سنان ، والعمدة هو الإجماع.

وأمّا في الإقامة فقد عرفت اعتبار القيام فيها كالطهارة ، ولا موجب للتفكيك الذي صنعه في المتن بعد وحدة المناط ، فقد تضمّنت جملة من النصوص النهي عن الإقامة في غير حال القيام كصحيحة محمد بن مسلم قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : يؤذّن الرجل وهو قاعد ، قال : نعم ، ولا يقيم إلا وهو قائم » (٣).

وموثقة أبي بصير : « ... ولا تقم وأنت راكب أو جالس إلا من علة ... » إلخ (٤) وغيرهما ، ولا معارض لها حتى رواية ضعيفة ، وظاهرها كما ترى اعتبار القيام ، وبذلك يقيّد إطلاقات الإقامة ، ولا سبيل للحمل على أفضل الأفراد بعد أن كان التقييد بلسان النهي على حذو ما تقدم في اعتبار الطهارة ، من غير فرق ما عدا أكثرية النصوص فيها التي هي غير فارقة كما هو ظاهر.

(١) العمدة في المقام هو التسالم والإجماع المحكي عن جماعة ، وأمّا النصوص المستشهد بها لذلك كالمرسل المروي في كتب الفروع « لا تؤذّن إلاّ وأنت طاهر » (٥) والنبويّ المروي في كنز العمال : « حق وسنة أن لا يؤذّن أحد إلا وهو‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٠٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٣ ح ١١.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٠١ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٣ ح ١.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٠٢ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٣ ح ٥.

(٤) الوسائل ٥ : ٤٠٣ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٣ ح ٨.

(٥) ذكره في المعتبر ٢ : ١٢٧ ، الا أنّ فيه : إلا متطهراً.


وأمّا الإقامة فقد عرفت أنّ الأحوط بل لا يخلو عن قوة اعتبارها فيها (١) ، بل الأحوط اعتبار الاستقبال والقيام أيضاً فيها ، وإن كان الأقوى الاستحباب.

الرابع : عدم التكلم في أثنائهما (٢) ، بل يكره بعد قد قامت الصلاة للمقيم ، بل لغيره أيضاً في صلاة الجماعة ، إلا في تقديم إمام بل مطلق ما يتعلق بالصلاة كتسوية صف ونحوه ، بل يستحب له إعادتها حينئذ.

______________________________________________________

طاهر » (١) وخبر الدعائم : « لا بأس أن يؤذّن الرجل على غير طهر ويكون على طهر أفضل » (٢) فكلها ضعيفة السند لا يصح التعويل عليها.

نعم ، يمكن الاستئناس لذلك من النصوص المتقدمة المرخصة للأذان بلا طهارة ، نظراً إلى أنّه لمّا كان عبادة ومن مقدمات الصلاة بل على أعتابها ، كان المرتكز في الأذهان اعتبار الطهارة فيه ، بل لعل العمل الخارجي كان ولا يزال مستقراً عليه ، حيث إنّ المتعارف تحصيل الطهارة ثم التصدي للأذان والإقامة لا تخلّلها بينهما. فالاعتبار المزبور مركوز في أذهان المتشرعة وأعمالهم.

وعليه فالنصوص المرخّصة الآنفة الذكر ناظرة إلى نفي الوجوب الذي ربما يستطرق احتماله على أساس ذاك الارتكاز مع إمضاء ما ارتكز من أصل الطلب وإبقائه على حاله.

(١) وقد عرفت في الشرط السابع من الفصل السابق أنّ الاعتبار هو الأقوى وكذلك اعتبار القيام ، وأنّ التفكيك بينهما كما صنعه في المتن غير ظاهر فلاحظ ولا نعيد.

(٢) أمّا في الأذان فعمدة المستند هو التسالم والإجماع المدعى في كلمات بعضهم ، ولعله كاف في الاستحباب ، وإلا فلا نص معتبر يصلح للاستدلال به ما عدا موثقة سماعة قال : « سألته عن المؤذّن أيتكلم وهو يؤذّن؟ قال : لا بأس‌

__________________

(١) كنز العمال ٨ : ٣٤٣ / ٢٣١٨٠.

(٢) المستدرك ٤ : ٢٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ٨ ح ٢ ، الدعائم ١ : ١٤٦.


الخامس : الاستقرار في الإقامة.

السادس : الجزم في أواخر فصولهما مع التأني في الأذان. والحدر في الإقامة على وجه لا ينافي قاعدة الوقف.

السابع : الإفصاح بالألف والهاء من لفظ الجلالة في آخر كل فصل هو فيه.

الثامن : وضع الإصبعين في الأذنين في الأذان.

التاسع : مدّ الصوت في الأذان ورفعه. ويستحب الرفع في الإقامة أيضاً إلا أنّه دون الأذان.

العاشر : الفصل بين الأذان والإقامة بصلاة ركعتين ، أو خطوة ، أو قعدة ، أو سجدة ، أو ذكر ، أو دعاء ، أو سكوت بل أو تكلم لكن في غير الغداة ، بل لا يبعد كراهته فيها.

[١٤٠٤] مسألة ١ : لو اختار السجدة يستحب أن يقول في سجوده : ربّ سجدت لك خاضعاً خاشعاً ، أو يقول : لا إله إلا أنت سجدت لك خاضعاً خاشعاً. ولو اختار القعدة يستحب أن يقول اللهم اجعل قلبي بارّاً ورزقي دارّاً وعملي سارّاً واجعل لي عند قبر نبيك قراراً ومستقراً. ولو اختار الخطوة أن يقول : بالله استفتح وبمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله أستنجح وأتوجه ، اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد واجعلني بهم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقرّبين.

______________________________________________________

حين يفرغ من أذانه » (١) الدالة على ثبوت البأس الذي أقلّه الكراهة قبل الفراغ ، والتي مقتضاها كراهة التكلم ، لا استحباب تركه كما في عبارة المتن وغيره.

ولكنه يتوقف على أن يكون متن الرواية كما ذكر ، وأمّا على النسخة الأُخرى المشتملة على كلمة « حتى » بدل « حين » فالأمر بالعكس ، إذ مفادها حينئذ استمرار نفي البأس إلى نهاية الأذان ، وحيث إنّ نسخ الوسائل كالتهذيب‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٩٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ٦.


[١٤٠٥] مسألة ٢ : يستحب لمن سمع المؤذّن يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمّداً رسول الله ، أن يقول : وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمّداً رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أكتفي بها عن كل من أبى وجحد وأُعين بها من أقرّ وشهد.

[١٤٠٦] مسألة ٣ : يستحب في المنصوب للأذان أن يكون عدلاً رفيع الصوت مبصراً بصيراً بمعرفة الأوقات ، وأن يكون على مرتفع منارة أو غيرها.

______________________________________________________

مختلفة ولا مرجح فلا سبيل للاستناد إليها.

وأمّا في الإقامة فالنصوص الواردة مختلفة.

فمنها : ما تضمنت المنع في الجماعة كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه « قال : إذا أُقيمت الصلاة حرم الكلام على الامام وأهل المسجد إلا في تقديم إمام » (١).

وموثقة سماعة قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام إذا قام ( أقام ) المؤذّن الصلاة فقد حرم الكلام إلا أن يكون القوم ليس يعرف لهم إمام » (٢).

وصحيحة (٣) ابن أبي عمير قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتكلم في الإقامة قال : نعم ، فاذا قال المؤذّن : قد قامت الصلاة فقد حرم الكلام على أهل المسجد إلا أن يكونوا قد اجتمعوا من شتى وليس لهم إمام فلا بأس أن يقول بعضهم ببعض ( لبعض ) تقدّم يا فلان » (٤).

ومنها : ما تضمّنت المنع في المنفرد كمعتبرة أبي هارون المكفوف (٥) قال :

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٩٣ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ١.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٩٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ٥.

(٣) [ الرواية ضعيفة من جهة ابن أبي عمير فإنه غير المعروف الثقة ].

(٤) الوسائل ٥ : ٣٩٥ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ٧.

(٥) لا توثيق له إلا لكونه من رجال الكامل لكنه من المشايخ مع الواسطة.


« قال أبو عبد الله عليه‌السلام : يا أبا هارون الإقامة من الصلاة فإذا أقمت فلا تتكلم ، ولا تؤم بيدك » (١).

وصحيحة محمد بن مسلم قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا تتكلم إذا أقمت الصلاة ، فإنك إذا تكلمت أعدت الإقامة » (٢) وهذه ظاهرة في الحرمة الوضعية ، كما أنّ الثلاثة الأُول ظاهرة في الحرمة التكليفية. وأمّا رواية المكفوف فهي صالحة لكل منها كما لا يخفى.

ومنها : ما تضمنت الجواز كخبر محمد الحلبي قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتكلم في أذانه أو في إقامته ، فقال لا بأس » (٣).

وخبر الحسن بن شهاب قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا بأس أن يتكلم الرجل وهو يقيم الصلاة وبعد ما يقيم إن شاء » (٤) لكن الأُولى ضعيفة بمحمد بن سنان ، والثانية بابن شهاب فإنه لم يوثق. والعمدة صحيحة حماد بن عثمان قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتكلم بعد ما يقيم الصلاة ، قال : نعم » (٥).

والجمع العرفي يستدعي حمل النصوص المانعة على الكراهة بقرينة المجوّزة لصراحتها في الجواز ، وظهور الاولى في المنع ، فيرفع اليد عن الظاهر بالنص كما هو الضابط المطرد في أمثال المقام ، غاية الأمر أنّ الكراهة بعد قول قد قامت الصلاة أشد ، لما ورد في بعضها من تخصيص التحريم بذلك ، هذا.

وربما يجمع بينها بوجوه أُخر :

منها : حمل المانعة على صلاة الجماعة ، والمجوّزة على المنفرد.

وفيه : أنّ بعض النصوص المانعة وارد في خصوص المنفرد كما عرفت فلا يتجه الجمع في مثل ذلك.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٣٩٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ١٢.

(٢) الوسائل ٥ : ٣٩٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ٣.

(٣) ، (٤) ، (٥) الوسائل ٥ : ٣٩٥ / أبواب الأذان والإقامة ب ١٠ ح ٨ ، ١٠ ، ٩.


ومنها : حمل المانعة على الكلام الأجنبي غير المرتبط بالصلاة ، والمجوّزة على المرتبط.

وفيه : أنّ بعض المانعة كرواية المكفوف آبية عن ذلك ، ضرورة أنّ مقتضى تنزيل الإقامة منزلة الصلاة المنع عن مطلق التكلم كنفس الصلاة ، فالتخصيص بصنف لا ينسجم مع هذا التنزيل الذي هو بمثابة التعليل كما لا يخفى.

ومنها : حمل المانعة على ما بعد قد قامت الصلاة ، والمجوّزة على ما قبلها بشهادة صحيحة ابن أبي عمير المفصّلة بينهما.

وفيه : أنّ كلتا الطائفتين آبية عن هذا الحمل. إمّا المجوّزة فلمنافاتها مع صحيحة حماد الصريحة في الجواز بعد الفصل المزبور الذي هو المراد من قوله : « بعد ما يقيم الصلاة » كما لعله واضح.

وأمّا المانعة فلمنافاتها مع التنزيل الوارد في رواية المكفوف كما عرفت آنفاً ، ضرورة أنّ مورد التنزيل تمام الإقامة لا بعضها.

ومنها : حمل المانعة على الحكم الوضعي أعني البطلان ، والمجوّزة على التكليفي بشهادة صحيحة محمد بن مسلم المصرّحة بالإعادة.

وفيه : أنّه أردأ الوجوه وأبعدها ، ضرورة ظهور السؤال في صحيحة حماد الواردة في المجوّزة في كونه عن الصحة والفساد لا عن مجرد الجواز التكليفي فإنّه في غاية البعد ، كما أنّ حمل التحريم الوارد في المانعة على الوضع بعيد غايته ، بل الظاهر من قولهم عليهم‌السلام « حرم الكلام » إرادة الحرمة التكليفية ، غايته أنّها تحمل على الكراهة بقرينة صحيحة حماد الصريحة في الجواز حسبما عرفت.

والمتحصّل من جميع ما تقدم : أنّ ما عليه المشهور من الجمع بالحمل على الكراهة على اختلاف مراتبها قبل قول قد قامت الصلاة وبعده هو الصواب ، مع نوع تسامح في التعبير باستحباب الترك أو كراهة الفعل حسبما عرفت.

ثم إنّ السيد الماتن قدس‌سره تعرّض لنبذ من المستحبات وهي‌


[١٤٠٧] مسألة ٤ : من ترك الأذان أو الإقامة أو كليهما عمداً حتى أحرم للصلاة لم يجز له قطعها لتداركهما (١) (١). نعم ، إذا كان عن نسيان جاز له القطع ما لم يركع (٢) (٢)

______________________________________________________

لوضوحها لا حاجة إلى التعرض لها ، والأحرى أن نطوي الكلام عنها ونصرفه في الأهم.

(١) كما عليه غير واحد ، بناءً على المشهور من حرمة قطع الفريضة ، لوضوح عدم جواز ارتكاب المحرم لإدراك المستحب كوضوح اختصاص النصوص الآتية بصورة النسيان وعدم شمولها للعامد. فالحكم مطابق للقاعدة.

وكذا على المختار من كراهة القطع وإن كان تركه أحوط إذ تقع المزاحمة حينئذ بين ترك المكروه وبين درك المستحب ، ولا ينبغي الشك في أنّ ترك القطع أهم لاحتمال حرمته الواقعية ، وأنّ ما عليه المشهور هو الصواب. فلا مناص من تقديم تركه على ما يحتمل فيه الحرمة وإن تضمّن الفضيلة لاستقلال العقل بتقديم ما لا يحتمل معه المفسدة على ما يحتمل وإن كان مقروناً بالمثوبة.

(٢) على المشهور ، للنص الصحيح الذي بمقتضاه يخرج عمّا عرفته من مقتضى القاعدة ، وهو صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : إذا افتتحت الصلاة فنسيت أن تؤذّن وتقيم ثم ذكرت قبل أن تركع فانصرف وأذّن وأقم واستفتح الصلاة ، وإن كنت قد ركعت فأتمّ على صلاتك » (١).

ولكن بإزائه طوائف من الأخبار :

أوّلها : ما تضمّن المضي في الصلاة إذا تذكر بعد الدخول فيها كصحيحة زرارة قال : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل نسي الأذان والإقامة‌

__________________

(١) على الأحوط.

(٢) لا يبعد جواز القطع بعد الركوع أيضاً حتى فيما لو نسي الإقامة وحدها.

(١) الوسائل ٥ : ٤٣٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٩ ح ٣.


حتى دخل في الصلاة ، قال : فليمض في صلاته فإنّما الأذان سنّة » (١).

وصحيحة داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة ، قال : ليس عليه شي‌ء » (٢).

المؤيدتين برواية زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قلت له : رجل ينسى الأذان والإقامة حتى يكبّر ، قال : يمضي على صلاته ولا يعيد » (٣) فإنّها غير نقيّة السند ، لاشتماله على من هو مردد حسب اختلاف النسخة بين أبي جميلة الذي هو المفضل بن صالح ولم يوثق وبين ابن جبلة الذي هو عبد الله بن جبلة الثقة ، ومن ثم لا تصلح إلا للتأييد.

وربما يجمع بينها وبين صحيح الحلبي بحملها على ما بعد الركوع.

ويندفع بابائها عن ذلك ، لظهورها في أنّ الموضوع للمضي مجرد الدخول في الصلاة وافتتاحها ، فكيف تحمل على ما بعد الركوع ، ولا سيّما مع التعليل في بعضها بأنّ الأذان سنّة ، المقتضي للتعميم بين ما بعد الركوع وما قبله لاتحاد المناط ، والأمر في رواية زرارة أوضح كما لا يخفى ، لجعل المدار على مجرد التكبير ، فكيف يلغى ويجعل الاعتبار بالركوع.

فالصحيح أن يقال : إنّ صحيح الحلبي ظاهر في وجوب الانصراف ، وهذه صريحة في جواز المضي ، فترفع اليد عن الظاهر بالنص ويحمل على الاستحباب.

ثانيها : رواية زكريا بن آدم قال : « قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام : جعلت فداك كنت في صلاتي فذكرت في الركعة الثانية وأنا في القراءة أنّي لم أُقم فكيف أصنع؟ قال : اسكت موضع قراءتك وقل : قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، ثم امض في قراءتك وصلاتك ، وقد تمّت صلاتك » (٤).

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ٥ : ٤٣٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٩ ح ١ ، ٢.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٣٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٩ ح ٧.

(٤) الوسائل ٥ : ٤٣٥ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٩ ح ٦.


فقد يقال بأنها مخصصة لما دلّ على البطلان بكلام الآدمي ، كما أنّها معارضة لصحيح الحلبي.

وفيه : أنّها ضعيفة السند بإسحاق بن آدم فإنه مهمل ، وكذا بأبي العباس فإنه مجهول ، فلا تنهض لا للتخصيص ولا للمعارضة.

ثالثها : رواية نعمان الرازي قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام وسأله أبو عبيدة الحذاء عن حديث رجل نسي أن يؤذّن ويقيم حتى كبّر ودخل في الصلاة ، قال : إن كان دخل المسجد ومن نيته أن يؤذّن ويقيم فليمض في صلاته ولا ينصرف » (١).

فقد يقال إنّها توجب تقييد صحيح الحلبي واختصاص الانصراف بما إذا لم يكن من نيّته الأذان والإقامة. أمّا لو نواهما حينما دخل المسجد فلا انصراف ، بل يمضي ويكتفي بالنية عن العمل ، وكأنه لقولهم عليهم‌السلام « إنّما الأعمال بالنيات » (٢).

ويندفع مضافاً إلى ضعف السند إذ لم يوثق الرازي بقصور الدلالة ، فإنّ دخول المسجد بعد وضوح عدم خصوصية فيه كناية عن كونه بانياً على الأذان والإقامة قبل بضع دقائق من الدخول في الصلاة ، ومن البيّن أنّ غالب المصلين كذلك. فالحمل على الناسي غير الناوي حمل للمطلق على الفرد النادر كما لا يخفى.

رابعها : النصوص المفصّلة بين ما إذا كان التذكر قبل الشروع في القراءة فينصرف ، وما كان بعده فيمضي.

منها : رواية محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : في الرجل ينسى الأذان والإقامة حتى يدخل في الصلاة ، قال : إن كان ذكر قبل أن يقرأ فليصلّ على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وليقم وإن كان قد قرأ فليتم صلاته » (٣).

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٣٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٩ ح ٨.

(٢) الوسائل ١ : ٤٨ / أبواب مقدمة العبادات ب ٥ ح ١٠.

(٣) الوسائل ٥ : ٤٣٤ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٩ ح ٤.


وفيه : أنّها ضعيفة السند وإن عبّر عنها صاحب الحدائق (١) وغيره ممّن تأخر عنه بالصحيحة لجهالة (٢) طريق الشيخ إلى محمد بن إسماعيل الواقع في السند ، وإن كان هو ثقة في نفسه (٣) وما ذكره السيد التفريشي (٤) من صحة الطريق غير واضح.

نعم ، طريقه إلى محمد بن إسماعيل بن بزيع صحيح ، لكنه غير مراد في المقام قطعاً ، إذ هو من أصحاب الرضا عليه‌السلام فكيف يروي عنه من هو من مشايخ الكليني ويروي عن الفضل بن شاذان.

هذا ، ومع الغض عن السند فيمكن الجمع بينها وبين صحيح الحلبي بالحمل على اختلاف مراتب الفضل ، بأن يكون الانصراف فيما إذا كان التذكر قبل الركوع أفضل ، وأفضل منه فيما إذا كان قبل الشروع في القراءة فلا تنافي بينهما ، فهي قاصرة عن المعارضة سنداً ودلالة.

ومنها : رواية زيد الشحام التي هي بنفس المضمون (٥) وهي أيضاً ضعيفة السند ، لضعف طريق الصدوق إلى الشحام بأبي جميلة ، والكلام في الدلالة ما عرفت.

ومنها : رواية الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قال : سألته عن الرجل يستفتح صلاته المكتوبة ثم يذكر أنّه لم يقم قال : فان ذكر أنّه لم يقم قبل أن يقرأ فليسلم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم يقيم ويصلي ، وإن ذكر بعد ما قرأ بعض السورة فليتمّ صلاته » (٦).

__________________

(١) الحدائق ٧ : ٣٦٨.

(٢) هذه الجهالة لا تقدح بعد أن رواها في الاستبصار ١ : ٣٠٣ / ١١٢٦ عن الكليني مباشرة مضافاً إلى وجودها في الكافي أيضاً [ الكافي ٣ : ٣٠٥ / ١٤ ].

(٣) لا توثيق له ما عدا وقوعه في أسناد كامل الزيارات ، وقد عدل رحمه‌الله عنه أخيراً.

(٤) نقد الرجال ٥ : ٣٤٣.

(٥) الوسائل ٥ : ٤٣٦ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٩ ح ٩.

(٦) الوسائل ٥ : ٤٣٥ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٩ ح ٥.


والكلام في الدلالة ما عرفت ، وأمّا من حيث السند فالظاهر أنّها معتبرة ، إذ ليس فيه من يغمز فيه ما عدا الحسين بن أبي العلاء وهو مضافاً إلى كونه من رجال كامل الزيارات يظهر توثيقه من عبارة النجاشي ، حيث إنّه بعد أن ذكر أنّ أخويه علي وعبد الحميد قال : وكان الحسين أوجههم (١) ، وقد وثق عبد الحميد عند ترجمته (٢). فتدل العبارة على وثاقته أيضاً بناءً على أنّ الذي وثقه هو أخو الحسين. هذا ومع التشكيك لاحتمال كونه رجلاً آخر كما لا يبعد ، فلا أقل من دلالتها على كونه أوجه أخويه من جهة الرواية (٣) كما لا يخفى.

هذا ، وقد فسّر صاحب الحدائق (٤) هذه الطائفة من الأخبار بأنّ المراد من قوله : « وليقم » هو قول : قد قامت الصلاة مرتين ، لا أنّه يقطع الصلاة لتدارك الإقامة ثم يستأنفها ، واستشهد لذلك بخبر زكريا بن آدم المتقدم زاعماً أنّه يكشف الإجمال عن هذه الأخبار وأنّه من حمل المجمل على المفصل ، وأنكر على من حملها على الانصراف والاستئناف قائلاً إنّ ذلك بعيد غاية البعد.

واستغرب منه المحقق الهمداني (٥) قدس‌سره ذلك ، نظراً إلى أنّ مورد الخبر ما إذا كان التذكر في الركعة الثانية ، ومورد هذه النصوص ما إذا كان بعد الافتتاح وقبل الشروع في القراءة ، فأحدهما أجنبي عن الآخر ، فكيف يستشهد به ويجعل شارحاً وكاشفاً للقناع.

وما أفاده قدس‌سره وجيه وصحيح كما لعله ظاهر ، ولعل ذلك يعدّ من غرائب ما صدر من صاحب الحدائق قدس‌سره.

__________________

(١) رجال النجاشي : ٥٢ / ١١٧.

(٢) رجال النجاشي : ٢٤٦ / ٦٤٧.

(٣) استظهار الأوجهيّة من جهة الرواية غير بيّن ولا مبيّن وقد صرّح قدس‌سره في المعجم بأنّ الموثق رجل آخر المعجم ٦ : ٢٠٠ / ٣٢٧٦ ولم يكن من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة.

(٤) الحدائق ٧ : ٣٧٠.

(٥) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٢١٦ السطر ٢٤.


خامسها : صحيحة علي بن يقطين قال : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل ينسى أن يقيم الصلاة وقد افتتح الصلاة ، قال : إن كان قد فرغ من صلاته فقد تمّت صلاته وإن لم يكن فرغ من صلاته فليعد » (١).

وقد جمع صاحب الوسائل بينها وبين صحيح الحلبي بحمل هذه على ما قبل الدخول في الركوع ، فجعل الصحيح مقيّداً لإطلاقها.

ولكنه كما ترى ، لجعل المناط في الإعادة في هذه الصحيحة عدم الفراغ من الصلاة ، وفي صحيح الحلبي عدم الدخول في الركوع ، فلو أُريد الثاني من الأوّل لزم التنبيه ، وحمله عليه بعيد عن الذهن جدّاً ، ولم يكن من الجمع العرفي في شي‌ء.

بل الصحيح في وجه الجمع ما ذكره الشيخ في التهذيبين (٢) ، وتبعه في المفاتيح (٣) ، من حمل الأمر بالمضي في صحيح الحلبي على الجواز ، لصراحة هذه الصحيحة في محبوبية الإعادة ما لم يفرغ ، فإنّ حرمة قطع الفريضة على القول بها دليلها الإجماع ، والقدر المتيقن منه غير المقام ، بل لا إجماع في المقام بعد ذهاب الشيخ إلى جواز القطع ما لم يفرغ ، عملاً بصحيحة ابن يقطين. نعم قد أعرض المشهور عنها ولم يعملوا بها ، لكن الاعراض لا يسقط الصحيح عن الاعتبار على المسلك المختار.

والمتحصل من جميع ما تقدم : أنّ ناسي الأذان والإقامة حتى دخل الفريضة يستحب له الانصراف لتداركهما ، غاية الأمر أنّ مراتب الفضل تختلف حسب اختلاف موارد القطع ، فالأفضل ما إذا كان التذكر قبل القراءة ، ويليه في الفضيلة ما لو كان قبل الركوع ، ودونهما في الفضل ما إذا كان قبل الفراغ من الصلاة.

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٣٣ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٨ ح ٣.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٧٨ ، الاستبصار ١ : ٣٠٤.

(٣) مفاتيح الشرائع ١ : ١١٩.


منفرداً كان أو غيره (١) حال الذكر ، لا ما إذا عزم على الترك زماناً معتدّاً به ثم أراد الرجوع (٢) ،

______________________________________________________

(١) خلافاً للشرائع حيث خصّه بالمنفرد (١) ، ونحوه ما عن المبسوط (٢) وغيره ، ولا وجه له بعد إطلاق النص والفتوى كما اعترف به غير واحد.

ودعوى الانصراف إلى المنفرد عريّة عن الشاهد. نعم فرض النسيان في الجماعة في غاية القلة ، لاختصاصه بما إذا كان الإمام أو أحد المأمومين موظفاً بالإتيان بهما فنسي ثم تذكر في الصلاة ، فإنّه يستحب له الرجوع بمقتضى إطلاق النصوص حسبما عرفت.

وأمّا إذا دخل الامام المسجد فتخيّل أنّ بعض المأمومين أتى بهما فعقد الجماعة ثم تبين الخلاف ، أو أنّ المأموم دخل المسجد فرأى جماعة منعقدة فلحق بها معتقداً أنّهم أذّنوا وأقاموا ، أو أنّ المأمومين اعتقدوا أنّ الامام أذّن وأقام فانكشف الخلاف ، فإنّ شيئاً من ذلك غير مشمول للنصوص ، لأنّ موردها النسيان لا تخيّل السقوط للإتيان ، فلا يشرع في مثله الانصراف ، بل يحرم على القول بحرمة قطع الفريضة.

ولعل القائل بالاختصاص أو الانصراف ينظر إلى هذه الجهة ، لاختصاص النسيان بصورة التوظيف كما سمعت التي هي فرض نادر ، والغالب في الجماعة هو ما عرفت من التخيل ، وفي شمول النصوص له منع أو تأمل.

(٢) جموداً في الحكم المخالف لدليل حرمة الإبطال أو كراهته على المقدار المتيقن وهو حال الذكر فلا يشمل العازم على الترك ، بل ولا المتردد كما أشار إليه في الجواهر (٣). ولكنه كما ترى مخالف لإطلاق النص والفتوى. ومن البين ان مجرد التيقن لا يستوجب رفع اليد عن الإطلاق.

__________________

(١) الشرائع ١ : ٩٠.

(٢) المبسوط ١ : ٩٥.

(٣) الجواهر ٩ : ٧١.


بل وكذا لو بقي على التردد كذلك. وكذا لا يرجع لو نسي أحدهما (١)

______________________________________________________

(١) أمّا في نسيان الأذان فقط فلعدم ورود الرجوع حتى في رواية ضعيفة كما لم يعلم قائل بذلك ، بل عن بعضهم دعوى الإجماع على العدم ، ومعه كان المتبع دليل حرمة القطع بعد سلامته عن المقيّد. إذن فمن الغريب ما في الشرائع من قوله : ولو صلى منفرداً ولم يؤذّن ساهياً رجع إلى الأذان ... » (١) ومن ثم احتمل في الجواهر أن يريد بالأذان ما يشمل الإقامة ، لمعروفية موضوع المسألة في كلمات الأجلّة (٢).

بل ذكر المحقق الهمداني قدس‌سره أنّه يظن حصول السقط في عبارته من سهو القلم (٣). ولعل هذا الاحتمال أقوى كما لا يخفى.

وأغرب من ذلك ما ذكره في المسالك حيث قال قدس‌سره : وكما يرجع ناسي الأذان يرجع ناسيهما بطريق أولى دون ناسي الإقامة لا غير على المشهور ، اقتصاراً في إبطال الصلاة على موضع الوفاق (٤).

حيث يظهر منه أنّ الرجوع في ناسي الأذان موضع الوفاق ، فمن ثمّ ألحق به ناسيهما بالأولوية ، مع أنّك عرفت عدم العثور على قائل به ، بل دعوى الإجماع على خلافه ، كعدم ورود نص به ولو ضعيفاً ، والإلحاق الذي زعمه استناداً إلى الأولويّة هو بنفسه مورد للنصوص ، وكأنّه قدس‌سره لم يراجعها حين كتابة هذا الموضع والله العالم.

وأمّا في نسيان الإقامة خاصة فقد سمعت من المسالك نسبة عدم جواز الرجوع إلى المشهور ، ولكنّ الظاهر هو الجواز ، لحسنة الحسين بن أبي العلاء‌

__________________

(١) الشرائع ١ : ٩٠.

(٢) الجواهر ٩ : ٦٩.

(٣) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٢١٧ السطر ٨.

(٤) المسالك ١ : ١٨٥.


أو نسي بعض فصولهما ، بل أو شرائطهما (١) على الأحوط.

______________________________________________________

المتقدمة (١) ، فانّ موضوع الحكم فيها نسيان الإقامة ، ومقتضى الإطلاق ولو بمعونة ترك الاستفصال عدم الفرق بين ما إذا كان مقروناً بنسيان الأذان أيضاً أم لا.

نعم ، يختص الرجوع فيها بما إذا كان التذكر قبل القراءة ، وحينئذ فان لم نعمل بصحيحة علي بن يقطين المتقدمة (٢) لإعراض المشهور عنها ، لم يكن بدّ من التفصيل بين ناسي الإقامة خاصة وبين ناسيهما معاً ، ففي الأوّل يختص الرجوع بما قبل القراءة ، وفي الثاني بما قبل الركوع عملاً بالنص الوارد في كل منهما.

وإن عملنا بها كما هو الصواب ، كان مقتضاها جواز الرجوع في ناسي الإقامة خاصة الذي هو مورد الصحيحة في أيّ موضع تذكّر ما لم يفرغ من الصلاة ، ويتعدى من موردها إلى ناسيهما معاً بمقتضى الإطلاق الناشئ من ترك الاستفصال.

ونتيجة ذلك : جواز الرجوع في كليهما متى تذكّر ما لم يفرغ ، غايته مع الاختلاف في مراتب الفضل حسبما سبق.

(١) لخروجهما عن مورد النصوص ، ومعه كان المتبع دليل المنع عن قطع الفريضة المقتصر في الخروج عنه على مورد قيام النص ، وهو نسيانهما بتمامهما لا بإجزائهما أو شرائطهما ، وقد صرّح بذلك جمع من الأكابر.

نعم ، قال في الجواهر ما لفظه : اللهم إلا أن يقال مع فرض النسيان الذي يكون بسببه الفساد يتجه التدارك ، لما علم من الشارع من تنزيل الفاسد منزلة العدم في كل ما كان من هذا القبيل ، وهو لا يخلو من قوة (٣).

__________________

(١) في ص ٣٥٩.

(٢) في ص ٣٦١.

(٣) الجواهر ٩ : ٧١.


[١٤٠٨] مسألة ٥ : يجوز للمصلي فيما إذا جاز له ترك الإقامة تعمّد الاكتفاء بأحدهما (١) (١).

______________________________________________________

أقول : الظاهر هو التفصيل بين الأذان والإقامة ، فلا رجوع إذا كان المنسي بعض فصول الأذان أو شرائطه ، لما عرفت من عدم الدليل على الرجوع حتى مع نسيان تمام الأذان فضلاً عن نسيان بعض ما يتعلق به ، لاختصاص مورد النصوص بنسيانهما معاً أو نسيان خصوص الإقامة ، وعدم ورود نص قط في نسيان الأذان فقط. ومعه كان المتبع دليل حرمة القطع ، فاذا لم يجز الرجوع مع نسيان تمام الأذان فمع بعضه بطريق أولى.

وهكذا الحال فيما إذا كان المنسي بعض فصول الإقامة ، لما عرفت من عدم كونه مورداً للنص بعد وضوح عدم صدق نسيان الإقامة عليه ليشمله الدليل ، إذ لا يطلق عليه عرفاً أنّه نسي الإقامة ، ولا سيّما إذا كان المنسي هو الفصل الأخير ، بل يقال إنّه أتى بها غير أنّه نسي بعض فصولها. إذن فيبقى عموم المنع عن قطع الفريضة على حاله.

نعم ، يتجه ما في الجواهر فيما إذا كان المنسي بعض شرائط الإقامة كالقيام أو الطهارة ، لما أفاده قدس‌سره من أنّ الوجود الفاسد بمنزلة العدم ، فيصدق في مثله حقيقة أنّه لم يأت بالإقامة المأمور بها ، فتشمله نصوص الإعادة.

وبالجملة : فالمتجه هو التفصيل بين الأذان فلا رجوع مطلقاً ، وبين الإقامة مع التفصيل فيها أيضاً بين نسيان الشرط فيرجع ، لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه ، فيصدق أنّه كان موظفاً بالإقامة فنسيها ، وبين نسيان الجزء فلا يرجع ، إذ لا يصدق أنّه كان موظفاً بالإقامة ، بل موظفاً ببعض أجزائها ونسيه ، ومثله غير مشمول لنصوص ناسي الإقامة.

(١) تقدّم (١) الإشكال في الاكتفاء بالأذان وحده ، إذ النصوص بين ما تضمّن‌

__________________

(١) مرّ أنّا لم نقف على دليل جواز الاكتفاء بالأذان وحده.

(١) في ص ٢٦٥.


لكن لو بنى على ترك الأذان فأقام ثم بدا له فعله أعادها بعده (١).

[١٤٠٩] مسألة ٦ : لو نام في خلال أحدهما أو جنّ أو أُغمي عليه أو سكر ثم أفاق ، جاز له البناء (٢) ما لم تفت الموالاة (٣) مراعياً لشرطية الطهارة في الإقامة (٤) لكن الأحوط الإعادة فيها مطلقاً (٥).

______________________________________________________

الأمر بهما أو بخصوص الإقامة ، ولم نعثر على نص تضمّن الأمر بالأذان وحده ، وحيث إنّه عبادة فلا يسوغ الإتيان من دون الأمر إلا بعنوان الرجاء.

(١) رعاية للترتيب المعتبر بينهما لدى التصدي للجمع كما تقدم (١).

(٢) لعدم ثبوت قاطعية شي‌ء من هذه الأُمور ، واحتمالها مدفوع بالإطلاقات.

(٣) إذ بعد البناء على اعتبارها بين الفصول كما سبق (٢) ، ففواتها موجب للبطلان بطبيعة الحال.

(٤) لاعتبارها فيها دون الأذان كما تقدم (٣) فيلزمه تحصيلها لإيقاع بقية الفصول معها ، ولا يقدح تخلل الحدث بينها ، لعدم كونها مثل الصلاة في اعتبار الطهارة في الأكوان المتخللة ، وقد عرفت عدم الدليل على القاطعية.

(٥) أي سواء فاتت الموالاة أم لا. والوجه في هذا الاحتياط الاستحبابي أمران :

أحدهما : خبر علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام قال : « سألته عن المؤذّن يحدث في أذانه أو إقامته ، قال : إن كان الحدث في الأذان فلا بأس ، وإن كان في الإقامة فليتوضأ وليقم إقامة » (٤) فإنّه ظاهر في قاطعية الحدث واعتبار الطهارة في الأكوان المتخللة ، ولكنه ضعيف السند بعبد الله بن الحسن‌

__________________

(١) في ص ٣٢٩.

(٢) في ص ٣٣٥.

(٣) في ص ٣٤١.

(٤) الوسائل ٥ : ٣٩٣ / أبواب الأذان والإقامة ب ٩ ح ٧.


خصوصاً في النوم (١) ،

______________________________________________________

فلا يعوّل عليه.

ثانيهما : النصوص المتقدمة (١) الناطقة بأنّ الإقامة من الصلاة ، التي يظهر منها أنّ حال الإقامة حال الصلاة ، فكما أنّ الحدث قاطع لها لو وقع بين أجزائها ، فكذلك قاطع للإقامة لو حدث بين فصولها.

هذا ، وقد تقدم (٢) الكلام حول هذه النصوص مستوفى ، وذكرنا ما ملخّصه : امتناع إرادة المعنى الحقيقي من هذه النصوص ، ضرورة أنّ أوّل الصلاة التكبير فكيف تكون الإقامة الواقعة قبلها منها ، كامتناع إرادة التنزيل من تمام الجهات ، لاعتبار أُمور في الصلاة لا تعتبر في الاقامة قطعاً ، فلا مناص من إرادة التنزيل من بعض الجهات ، وهي التي أُشير إليها في تلك النصوص من التمكن وعدم التكلم ونحوها.

وبالجملة : استفادة قاطعية الحدث منها مبني على عموم التنزيل ولا دليل عليه ، لو لم يكن مقطوع العدم.

وعليه فالاحتياط المطلق في المسألة استناداً إلى ذينك الوجهين في غير محله ، بل هو استحبابي لمجرد ادراك الواقع.

(١) وجه الخصوصية وضوح حدثيّته في قبال ما تقدمه ممّا يزيل العقل من الجنون والإغماء والسكر ، إذ لا مستند في ناقضيتها إلا الإجماع القابل للخدش ، ومن ثمّ ناقش بعضهم فيها حسبما هو مذكور في محله (٣) بخلاف بقية النواقض من النوم والبول والغائط ونحوها.

ومنه تعرف أنّ ذكر النوم من باب المثال لمطلق النواقض من غير خصوصية فيه.

__________________

(١) في ص ٢٣٥.

(٢) في ص ٢٣٦.

(٣) شرح العروة ٤ : ٤٤٥.


وكذا لو ارتدّ عن ملة ثم تاب (١).

______________________________________________________

ثم لا يخفى أنّ موضوع المسألة في غاية الشذوذ والندرة بمثابة يكاد يلحق بالعدم ، إذ كيف يمكن فرض النوم أو الجنون ونحوهما أثناء الإقامة ، ثم الانتباه أو الإفاقة ثم تجديد الطهارة من دون فوات الموالاة بين الفصول ، ولا سيّما وأنّ الأصل عدمها لدى الشك فيها كما لا يخفى ، اللهم إلا أن يفرض النوم لحظات يسيرة والماء موجود عنده.

وكيف ما كان ، فالصغرى في الإقامة نادرة وإن كانت الكبرى تامة حسبما عرفت.

(١) الظاهر رجوعه إلى صدر المسألة ، يعني إنّه يبني على ما مضى من أذانه ، لعدم الدليل على قاطعية الارتداد ، ويحتمل ضعيفاً رجوعه إلى الذيل ، يعني انّه يحتاط بالإعادة ، والمعنى واحد ، وإنّما الفرق في ثبوت الاحتياط الاستحبابي على الثاني دون الأوّل.

وكيف ما كان فيفهم من التخصيص بالملّي البطلان في الفطري ، والوجه فيه : ما نطقت به جملة من الآيات الشريفة من حبط أعماله السابقة التي منها ما صدر منه من الأذان والإقامة.

ويعضده : ما ورد من أنّه يقتل وتبين منه زوجته وتقسّم أمواله ، الكاشف عن أنّه يعتبر كالميت ، فاذا تاب فكأنه إنسان جديد ، وكل ما أتى به كأنّه لم يكن ، فلا مناص من الإعادة بعد التوبة.

وهذا بخلاف الملي بعد التوبة ، فإنّه كمن أذنب ثم استغفر ، ومن البيّن أنّ الذنب أثناء الأذان أو الإقامة لا يستوجب القطع.

ومنه يظهر الفرق فيما لو تحقق الارتداد بعد الفراغ منهما ، فإنه يعيد الفطري لمكان الحبط دون الملي.

وأمّا وجه الاحتياط الاستحبابي على الاحتمال الثاني فهو إمّا فتوى جمع من الأصحاب بمبطلية الكفر على الإطلاق ، أو إطلاق بعض الآيات المتضمّنة للحبط بالكفر الشامل لقسميه.


[١٤١٠] مسألة ٧ : لو أذّن منفرداً وأقام ثم بدا له الإمامة يستحب له إعادتهما (١).

______________________________________________________

أقول : الظاهر أنّ الارتداد لا يوجب البطلان مطلقاً ، سواء أكان عن فطرة أو ملّة ، فان الآيات الواردة في الحبط بالكفر مقيّدة بأجمعها بمن استمرّ على كفره حتى مات بمقتضى قوله تعالى ( وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) (١).

ولعل وجه الحبط في هذه الحالة ظاهر ، إذ الأساس في قبول الأعمال هو الايمان ، فاذا مات عن كفر فجميع أعماله منفورة في جنب كفره ومرفوضة تجاه ارتداده الذي هو أعظم المعاصي وأبغضها.

إذن فلا موضوع للحبط بعد التوبة ، وعدم الاستمرار على الكفر ، ومعه لا دليل على انقطاع الأذان أو الإقامة بالارتداد حتى عن فطرة متعقبة بالتوبة.

وأمّا النصوص المتضمنة للقتل والتقسيم وبينونة الزوجة وإن تاب ، فهي ناظرة إلى عدم قبول التوبة في ارتفاع هذه الآثار ، لا عدمه على سبيل الإطلاق لتدل على حبط الاعمال كي يكون مقتضاها البطلان في المقام.

كيف وهذا بعيد غاية البعد عمّن رحمته سبقت غضبه ووسعت كل شي‌ء وهو أرحم الراحمين. فاذا كان هذا هو الحال في المرتد الفطري ففي الملي بطريق أولى ، إذ لا حبط في مورده أصلاً.

(١) لموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : « سئل عن الرجل يؤذّن ويقيم ليصلي وحده فيجي‌ء رجل آخر فيقول له : نصلي جماعة ، هل يجوز أن يصليا بذلك الأذان والإقامة؟ قال : لا ، ولكن يؤذّن ويقيم » (٢) بعد وضوح حمل الأمر بهما على الاستحباب.

__________________

(١) البقرة ٢ : ٢١٧.

(٢) الوسائل ٥ : ٤٣٢ / أبواب الأذان والإقامة ب ٢٧ ح ١.


[١٤١١] مسألة ٨ : لو أحدث في أثناء الإقامة أعادها بعد الطهارة (١) بخلاف الأذان (٢) نعم يستحب فيه أيضاً الإعادة بعد الطهارة (٣).

[١٤١٢] مسألة ٩ : لا يجوز أخذ الأُجرة على أذان الصلاة (٤)

______________________________________________________

والخدش في سندها باشتماله على الفطحية ، مدفوع بعدم الضير فيه ، بعد كون العبرة في الحجية بالوثاقة.

كما أنّ الطعن عليها بمعارضتها بمعتبرة (١) أبي مريم الأنصاري المتقدمة (٢) المتضمنة لاجتزاء الامام بسماع الأذان من غير المأمومين ، مردود بأنّ الظاهر منها أنّ الامام وهو الباقر عليه‌السلام كان مريداً للجماعة حين السماع ، فيختلف موردها عما نحن فيه. إذن فالعمل بالموثق متعيّن.

(١) الجزم بالإعادة هنا ينافي ما سبق منه في المسألة السادسة من الاحتياط الاستحبابي فيها وتجويزه البناء على الإقامة بعد تحصيل الطهارة مع التحفظ على الموالاة.

ويمكن التوفيق بابتناء المقام على ما هو الغالب من تعذر البناء المزبور مع مراعاة القيدين كما أشرنا إليه هناك ، فمن ثم حكم بالإعادة ، فلا ينافي ما سبق من تجويز البناء على تقدير تحقق الفرض ولو نادراً.

(٢) لعدم اعتبار الطهارة فيه وإن كان مستحباً ، للإجماع ولبعض النصوص الضعيفة وغيرها كما سبق (٣).

(٣) هذا أيضاً مبني على ما عرفت آنفاً من تعذر البناء غالباً ، فيعيد تحصيلاً للطهارة المستحب رعايتها كما أشرنا إليه. فلا حاجة إلى الإعادة ، بل يبني على مراعاة الموالاة لو تحقق الفرض ولو نادراً.

(٤) على المشهور ، بل نسب إلى فتوى الأصحاب إلا من شذّ ، بل ادعي‌

__________________

(١) مرّ أنّ الاعتبار مبني على توثيق الكامل وقد عدل قدس‌سره عنه.

(٢) في ص ٣٠٨.

(٣) في ص ٣٥٠.


عليه الإجماع في بعض الكلمات ، وأمّا في أذان الإعلام فالأكثر على المنع وإن ذهب جماعة إلى الجواز.

ويقع الكلام تارة فيما تقتضيه القاعدة ، وأُخرى بلحاظ النصوص الخاصة الواردة في المقام فهنا جهتان :

أمّا الجهة الاولى : فلا ينبغي الشك في عدم جواز أخذ الأُجرة على أذان الصلاة المأتي به نيابة عن الغير ، إذ لا دليل على مشروعية النيابة في الأذان ، لظهور الأدلة في اعتبار المباشرة كما لا يخفى. فاذا كان العمل باطلاً في نفسه لم يجز أخذ الأُجرة عليه.

كما لا ينبغي الشك في عدم الجواز فيما إذا أذّن لنفسه لكن بقصد أخذ الأُجرة دون القربة ، لما تقدم (١) من أنّه عبادي فيبطل من دون قصدها ، ولا يجوز أخذ الأُجرة على العمل الباطل كما هو ظاهر.

وأمّا الكلام في أخذ الأُجرة بإزاء الأذان الصادر لنفسه مع قصد التقرب ، فيأخذ الأجرة على عمله القربي لغرض للمستأجر في ذلك ، كان يريد أن يصلي بصلاته ونحوه من الأغراض الدنيوية أو الأُخروية ، فقد يمنع عن صحته لما بينهما من توهم التضاد.

ولكنّا ذكرنا في بحث أخذ الأُجرة على العبادات (٢) أنّه لا ضير فيه ، وأنّ حيثية العبادية لا يصادمها الوقوع في حيّز الإجارة ، فإنّ للأذان حينئذ أمرين : أحدهما : استحبابي نفسي تعبدي فيقصد التقرب بهذا الأمر. وثانيهما : وجوبي توصلي ناشئ من قبل الإجارة ، فيأتي الأجير بذات العمل لله ويكون الباعث على هذا العمل القربي الأمر الايجاري وتفريغ الذمة عمّا وجب عليه بالإجارة شرعاً ، كما لو وجب لجهة أُخرى من نذر أو حلف أو شرط في ضمن عقد وما شاكل ذلك ، فإنّ شيئاً من ذلك لا ينافي العبادية ، عدا ما قد يتوهم من ظهور الأدلة في أنّ الموضوع للمشروعية هو الأذان الذي يكون مملوكاً للمؤذّن وتحت‌

__________________

(١) في ص ٣٢٢.

(٢) مصباح الفقاهة ١ : ٤٦٢.


اختياره ، والصادر من الأجير مملوك للمستأجر فلا يشمله الدليل.

ولكنه كما ترى ، فإنّ غاية ما يستفاد من الأدلة صدور الأذان من المؤذّن لنفسه مع قصد القربة ، وأمّا الزائد على ذلك بأن يكون ملكاً له أيضاً ، فالأدلة قاصرة عن إثباته وعهدته على مدعية.

إذن فمقتضى القاعدة جواز أخذ الأجرة على أذان الإعظام.

ومنه يظهر الحال في أذان الإعلام ، بل الأمر فيه أوضح ، لعدم اعتبار قصد القربة فيه.

وأمّا الجهة الثانية : فقد وردت جملة من النصوص تضمّنت المنع عن الأخذ ، ولأجلها يخرج عن مقتضى القاعدة.

منها : موثقة السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليه‌السلام « قال : آخر ما فارقت عليه حبيب قلبي أن قال : يا علي إذا صليت فصلّ صلاة أضعف من خلفك ، ولا تتخذنّ مؤذّناً يأخذ على أذانه أجراً » (١).

فإنها معتبرة السند ، إذ ليس فيه من يغمز فيه عدا النوفلي ، وهو وارد في تفسير القمي وعدا السكوني وقد وثقه الشيخ في العدّة (٢).

كما أنّها ظاهرة الدلالة لمكان النهي الظاهر في عدم الجواز.

ودعوى أنّ الممنوع فيها هو الاتخاذ الظاهر في كونه على سبيل الدوام والاستمرار ، فلا يشمل الاستئجار أحياناً وبنحو الموجبة الجزئية.

مدفوعة : بالقطع بعدم الفرق في مناط المنع ، فإنّه لو كان فإنّما هو من أجل اعتبار المجانية في هذه العبادة ، ولا يفرق في هذه العلة بين الوحدة والكثرة كما لا يخفى.

أجل ، قد يتوهم أنّ اقتران هذا النهي بالأمر بصلاة الأضعف المحمول على الاستحباب يستدعي بمقتضى اتحاد السياق الحمل على الكراهة.

ويندفع : بعدم انطباق قرينية السياق لو سلّمت على المقام ونحوه ممّا كان‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٤٧ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٨ ح ١.

(٢) عدّة الأُصول ١ : ٥٦ السطر ١٣.


كل من الفقرتين جملة مستقلة برأسها ، وإنمّا يتجه في مثل قوله : اغتسل للجمعة والجنابة كما لا يخفى.

إذن فلا مانع من التفكيك بعد مساعدة الدليل حيث ثبتت من الخارج إرادة الاستحباب من الأمر ، ولم تثبت إرادة الكراهة من النهي ، فلا مناص من الأخذ بظاهره من التحريم.

ومنها : مرسلة الصدوق قال : « أتى رجل أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : يا أمير المؤمنين والله إنّي لأُحبك ، فقال له : ولكني أُبغضك قال : ولم؟ قال : لأنّك تبغي في الأذان كسباً ، وتأخذ على تعليم القرآن أجراً » (١).

وهذا السند وإن كان ضعيفاً إلا أنّ الشيخ رواها بعينها مع فرق يسير غير ضائر بالمراد بسند معتبر عن زيد بن علي عن أبيه عن آبائه عن علي عليه‌السلام تعرّض لها صاحب الوسائل في الباب الثلاثين من أبواب ما يكتسب به ، الحديث الأوّل (٢) فالسند تام.

وإنما الكلام في الدلالة ، فقد نوقش بأنّ ابتغاء الكسب يشمل الأذان بداعي الارتزاق من بيت المال الجائز بلا إشكال كارتزاق القاضي والوالي ونحوهما ممّا يعود إلى مصالح المسلمين ، فاذا لم يعمل بها في الارتزاق لم يعمل في غيره أيضاً ، لتضعيف دلالتها ووهنها بذلك.

وفيه : أنّها غير شاملة للارتزاق بتاتاً ضرورة أنّه لا يعدّ كسباً واتجاراً ، لتقوّمه بالمبادلة والمعاوضة ، والمرتزق من بيت مال المسلمين لا يأخذ الرزق في مقابل عمله ، وإنّما يبذل إليه من باب أنّ مصرفه حفظ مصالح المسلمين ، والمؤذّن كالقاضي والوالي من أحد المصارف.

وبالجملة : لا يطلق الكاسب على المرتزق المزبور بوجه يستوجب وهناً في الدلالة. إذن فلا قصور في هاتين الروايتين سنداً ولا دلالة ، ومقتضى إطلاقهما عدم الفرق بين الأذان الصلاتي والأذان الإعلامي ، فلا مناص من العمل بهما‌

__________________

(١) الوسائل ٥ : ٤٤٧ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٨ ح ٢ ، الفقيه ٣ : ١٠٩ / ٤٦١.

(٢) الوسائل ١٧ : ١٥٧ / أبواب ما يكتسب به ب ٣٠ ح ١ ، التهذيب ٦ : ٣٧٦ / ١٠٩٩.


ولو أتى به بقصدها بطل. وأمّا أذان الاعلام فقد يقال بجواز أخذها عليه (١) لكنه مشكل (٢). نعم لا بأس بالارتزاق من بيت المال (٣).

[١٤١٣] مسألة ١٠ : قد يقال إن اللحن في أذان الإعلام لا يضر (٤) وهو ممنوع (٥).

______________________________________________________

والأخذ بمضمونهما من عدم جواز أخذ الأُجرة ، والخروج بهما عن مقتضى القاعدة.

ويؤيّدهما : خبر الدعائم عن علي عليه‌السلام أنه « قال : من السحت أجر المؤذّن » (١).

فإنه كما ترى أوضح دلالة على المنع ، إذ السحت هو الحرام الشديد ، لكن ضعف السند بالإرسال مانع عن الاستدلال.

وكيف ما كان ، فمستند الفقهاء في المسألة هو ما عرفت ، لا مجرد الإجماع التعبدي فلاحظ.

(١) نسب ذلك إلى الشهيد في الذكرى (٢) والسيد (٣) وصاحب المدارك (٤) والمجلسي (٥) وغيرهم ، ولعله لعدم كونه عبادة فيفترق عن أذان الصلاة.

(٢) بل ممنوع لما عرفت من إطلاق النص.

(٣) بلا إشكال ، لأنّه معدّ لمصالح المسلمين. والمؤذّن كغيره من الموظفين من أبرز المصارف العامة ، وقد ادعي عليه الإجماع في كلمات غير واحد.

(٤) لعل الوجه فيه أنّ المقصود منه الاعلام وهو يحصل بالملحون أيضاً.

(٥) إذ المقصود منه وإن كان هو الاعلام وقد شرع لهذه الغاية ، لكنّا أُمرنا‌

__________________

(١) المستدرك ٤ : ٥١ / أبواب الأذان والإقامة ب ٣٠ ح ٢ ، الدعائم ١ : ١٤٧.

(٢) الذكرى ٣ : ٢٢٣.

(٣) حكاه عنه في المختلف ٢ : ١٤٨.

(٤) المدارك ٣ : ٢٧٦.

(٥) البحار ٨١ : ١٦١.


فصل

[ في شرائط قبول الصلاة وزيادة ثوابها ]

ينبغي للمصلي بعد إحراز شرائط صحة الصلاة ورفع موانعها السعي في تحصيل شرائط قبولها ورفع موانعه ، فإن الصحة والإجزاء غير القبول ، فقد يكون العمل صحيحاً ولا يعدّ فاعله تاركاً بحيث يستحق العقاب على الترك لكن لا يكون مقبولا للمولى ، وعمدة شرائط القبول إقبال القلب على العمل فإنه روحه وهو بمنزلة الجسد ، فإن كان حاصلاً في جميعه فتمامه مقبول ، وإلا فبمقداره فقد يكون نصفه مقبولاً وقد يكون ثلثه مقبولاً وقد يكون ربعه وهكذا ، ومعنى الإقبال أن يحضر قلبه ويتفهم ما يقول ويتذكر عظمة الله تعالى وأنه ليس كسائر من يخاطب ويتكلم معه بحيث يحصل في قلبه هيبته منه ، وبملاحظة أنه مقصر في أداء حقه يحصل له حالة حياء وحالة بين الخوف والرجاء بملاحظة تقصيره مع ملاحظة سعة رحمته تعالى ، وللإقبال وحضور القلب مراتب ودرجات ، وأعلاها ما كان لأمير المؤمنين ( صلوات الله عليه ) حيث كان يخرج السهم من بدنه حين الصلاة ولا يحسّ به ، وينبغي له أن يكون مع الخضوع والخشوع والوقار والسكينة ، وأن يصلي صلاة مودّع ، وأن يجدد التوبة والإنابة والاستغفار ، وأن يكون صادقاً في أقواله كقوله ( إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ ) وفي سائر مقالاته ، وأن يلتفت أنه لمن يناجي وممن يسأل ولمن يسأل.

______________________________________________________

بالإعلام من طريق الأذان ، لا كيف ما كان ولو بالترجمة أو الإخبار صريحاً بدخول الوقت ، أو من طريق المدافع كما هو المتداول في بعض البلاد في العصر‌


وينبغي أيضاً أن يبذل جهده في الحذر عن مكائد الشيطان وحبائله ومصايده التي منها إدخال العجب في نفس العابد ، وهو من موانع قبول العمل ، ومن موانع القبول أيضاً حبس الزكاة وسائر الحقوق الواجبة ، ومنها الحسد والكبر والغيبة ، ومنها أكل الحرام وشرب المسكر ، ومنها النشوز والإباق ، بل مقتضى قوله تعالى ( إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) عدم قبول الصلاة وغيرها من كل عاص وفاسق.

وينبغي أيضاً أن يجتنب ما يوجب قلة الثواب والأجر على الصلاة كأن يقوم إليها كسلاً ثقيلاً في سكره النوم أو الغفلة أو كان لاهياً فيها أو مستعجلاً أو مدافعاً للبول أو الغائط أو الريح أو طامحاً ببصره الى السماء ، بل ينبغي أن يخشع ببصره شبه المغمض للعين ، بل ينبغي أن يجتنب كل ما ينافي الخشوع وكل ما ينافي الصلاة في العرف والعادة وكل ما يشعر بالتكبر أو الغفلة.

وينبغي أيضاً أن يستعمل ما يوجب زيادة الأجر وارتفاع الدرجة كاستعمال الطيب ولبس أنظف الثياب والخاتم من عقيق والتمشط والاستياك ونحو ذلك.

______________________________________________________

الحاضر ، ومن البيّن أنّ ظاهر الأمر المتعلق بالأذان هو الإتيان به على النهج المألوف الموصوف بالعربي الصحيح كما هو الحال في أذان الصلاة ، فلا يتحقق الامتثال بالملحون في كلا الموردين بمناط واحد.

هذا آخر ما أردنا إيراده في هذا الجزء والحمد لله رب العالمين أوّلاً وآخراً وصلى الله على سيدنا ونبينا محمّد وآله الطاهرين ، ويليه الجزء الثالث مبتدئاً بفصل « واجبات الصلاة » إن شاء الله تعالى. وكان الفراغ في اليوم الرابع من شهر شعبان المعظم سنة سبع وثمانين بعد الألف والثلاثمائة (١٣٨٧) من الهجرة النبوية في جوار القبّة العلوية على مهاجرها ومشرّفها آلاف الثناء والتحية.

على يد محرّرة المفتقر إلى عفو ربه ورحمته مرتضى بن علي محمد البروجردي أصلاً ، والنجفي مولداً ومسكناً ومدفناً إن شاء الله تعالى.


فهرست الموضوعات



فهرس الموضوعات

الصلاة

فصل في مكان المصلي.................................................. ٧ ـ ١٢٩

إطلاق المكان على معنيين...................................................... ٧

شروط مكان المصلي.......................................................... ٧

الأول : إباحة المكان........................................................... ٧

بطلان الصلاة في المكان المغصوب............................................... ٩

الصلاة في مكان تعلق به حق الغير كحق الرهن................................... ٩

الصلاة في مكان تعلق به حق الغرماء........................................... ١٢

الصلاة في مكان تعلق به حق الميت............................................ ١٣

الصلاة في مكان سبق إليه الغير................................................ ١٣

الصلاة في المغصوب غافلا أو ناسيا أو جاهلا................................... ١٦


فتوى المحقق بصحة النافلة في المغصوب......................................... ١٩

الصلاة على الفرش المغصوب مع إباحة المكان................................... ٢٠

الصلاة على السقف المعتمد على المغصوب..................................... ٢٠

الصلاة في الفضاء المغصوب................................................... ٢١

الصلاة تحت سقف مغصوب................................................. ٢٢

الصلاة على الدابة المغصوبة................................................... ٢٣

الصلاة على أرض تحتها تراب مغصوب........................................ ٢٤

الصلاة في سفينة مغصوبة..................................................... ٢٥

الصلاة على دابة خيط جرحها مغصوب........................................ ٢٦

صلاة المحبوس في المكان المغصوب.............................................. ٢٦

المضطر إلى الصلاة في المكان المغصوب......................................... ٢٨

إذا اعتقد الغصبية وصلى فتبين الخلاف........................................ ٢٩

إذا اعتقد الإباحة وصلى فتبين الخلاف......................................... ٣٢

الصلاة في المكان المغصوب جاهلا بالحكم الشرعي.............................. ٣٢

الصلاة في الأرض المغصوبة المجهول مالكها...................................... ٣٣

تصرف الشريك في الدار المشتركة من دون إذن الباقين.......................... ٣٥

إذا اشترى دارا من المال غير المزكي أو غير المخمس............................. ٣٥

التصرف في التركة قبل إخراج الحق منها....................................... ٣٩

كفاية رضا المالك من دون إذن في جواز التصرف............................... ٤٥

كفاية الرضا التقديري في جواز التصرف....................................... ٤٧

إذا كان تصرف واحد مصداقا لرضا وكراهة المالك............................. ٤٨

استكشاف الرضا بالإذن والفحوى وشاهد الحال................................ ٥٠

الكلام في كفاية الظن بالرضا الحاصل من شاهد الحال........................... ٥٤

حكم الصلاة في الأراضي المتسعة.............................................. ٥٧


الصلاة في بيوت من تضمنت الآية جواز الأكل فيها............................. ٦٠

وجوب الخروج من المكان المغصوب........................................... ٦١

الصلاة في المغصوب عند السعة والضيق........................................ ٦٢

صلاة من توسط الأرض المغصوبة عن عذر وفي سعة والوقت..................... ٦٥

صلاة من توسط الأرض المغصوبة عن عذر في ضيق الوقت....................... ٦٧

صور رجوع المالك عن إذنه.................................................. ٦٩

دوران الأمر بين الصلاة بتمامها حال الخروج من المغصوب وبين درك ركعة منها بعد الخروج ٧٣

عدم جريان قواعد التزاحم في تزاحم الأجزاء والشرائط.......................... ٧٤

الشرط الثاني : كونه قارا..................................................... ٨١

انقسام الاستقرار إلى استقرار المصلي واستقرار المكان............................ ٨١

حكم الصلاة على الدابة أو في السيارة أو الطائرة ونحوها......................... ٨١

حكم الصلاة في السفينة...................................................... ٨٧

الصلاة على صبرة الحنطة وبيدر التبن.......................................... ٩٥

الشرط الثالث : أن لا يكون مما يحرم البقاء فيه................................. ٩٦

الشرط الخامس : أن لا يكون مما يحرم الوقوف عليه............................. ٩٦

الشرط السادس : أن يكون مما يمكن أداء الأفعال فيه بحسب حال المصلي.......... ٩٦

دوران الأمر بين مكانين كل منهما فاقد لشرط................................. ٩٧

الشرط السابع : أن لا يتقدم على قبر المعصوم ( عليه السلام )................... ٩٩

الشرط الثامن : خلو المكان عن نجاسة متعدية................................. ١٠٤

الشرط التاسع : عدم كون المسجد أعلى أو أسفل من موضع القدم.............. ١٠٥


الشرط العاشر : عدم تقدم المرأة أو محاذاتها للرجل............................. ١٠٥

اختلاف الأخبار في المسألة.................................................. ١٠٥

الأمور التي ترفع المنع أو الكراهة في المحاذاة.................................... ١١٢

كون المدار على الصلاة والصحيحة لولا المحاذاة............................... ١١٤

هل يختص المنع بمن شرع لاحقا؟............................................ ١١٦

عمومية الحكم للمحارم وغيرهم............................................. ١٢٠

اختصاص الحكم بالبالغين................................................... ١٢٠

عدم اختصاص الحكم بالفريضة وشموله للنافلة................................. ١٢٢

اختصاص الحكم بحال الاختيار.............................................. ١٢٢

اختصاص الحكم بصورة اشتغال المرأة بالصلاة................................. ١٢٤

حكم الصلاة على سطح الكعبة وفي وجوفها.................................. ١٢٤

فصل في مسجد الجبه من مكان المصلي.............................. ١٢٩ ـ ١٨٥

اشتراط كون المسجد من الأرض أو ما أنبتته غير المأكول والملبوس............... ١٢٩

السجود على القطن والكتان................................................ ١٣٠

السجود على القرطاس..................................................... ١٣٣

مقتضى الأصل عند الشك في جواز السجود على شيء........................ ١٣٩

السجود على الذهب والفضة............................................... ١٤١

السجود على العقيق والفيروزج.............................................. ١٤١

السجود على القير والزفت................................................. ١٤٢

السجود على الرماد والفحم................................................ ١٤٦

السجود على الخزف والآجر................................................ ١٤٨

السجود على النورة والجص................................................. ١٤٨


السجود على البلور والزجاجة............................................... ١٤٩

السجود على الطين الأرمني................................................. ١٥١

السجود على العقاقير والأدوية.............................................. ١٥٢

السجود على مأكولات الحيوانات كالتبن والعلف............................. ١٥٢

السجود على ورق الشاي والقهوة والترياك................................... ١٥٣

السجود على قشر اللوز والجوز............................................. ١٥٤

السجود على نوى المشمش والفستق......................................... ١٥٤

السجود على نخالة الحنطة والشعير وقشر الأرز................................ ١٥٦

السجود على نوى التمر وورق الشجر وسعف النخل.......................... ١٥٧

السجود على ورق العنب................................................... ١٥٧

السجود على ما يؤكل في بعض الأوقات أو بعض البلدان...................... ١٦٠

السجود على الورد غير المأكول............................................. ١٦٢

السجود على الثمرة قبل أوان أكلها.......................................... ١٦٢

السجود على الثمار غير المأكولة............................................. ١٦٢

السجود على التنباك....................................................... ١٦٢

السجود على نبات الماء..................................................... ١٦٢

السجود على القبقاب...................................................... ١٦٤

السجود على الثوب من خوص.............................................. ١٦٤

السجود على القنب........................................................ ١٦٦

السجود على القطن........................................................ ١٦٦

السجود على قراب السيف والخنجر......................................... ١٦٦

السجود على قشر البطيخ والرقي والرمان والخيار والتفاح...................... ١٦٦

إذا لم يجد ما يصح السجود عليه............................................. ١٦٧

اشتراط المسجد بالتمكن من تمكين الجبهة عليه................................ ١٧٣


السجود على الوحل والطين................................................. ١٧٣

لو سجد على الطين فلص بجبهته............................................ ١٧٤

حكم من لم يجد إلا الطين.................................................. ١٧٥

إذا كان في أرض ذات طين................................................. ١٧٦

أفضلية السجود على الأرض من غيرها....................................... ١٧٩

فضل السجود على التربة الحسينية........................................... ١٧٩

فقد ما يصح السجود عليه أثناء الصلاة....................................... ١٧٩

السجود على ما لا يجوز باعتقاد الجواز....................................... ١٨٢

فصل : في الأمكنة التي يكره الصلاة فيها............................. ١٨٥ ـ ٢٠٥

الصلاة في الحمام........................................................... ١٨٥

الصلاة في المزبلة وفي الكنيف وفي المكان الذي يذبح فيه الحيوان................. ١٨٨

الصلاة في بيت المسكر وفي المطبخ وفي دور المجوس............................. ١٨٨

الصلاة في الأرض السبخة وما نزل فيها العذاب............................... ١٨٩

الصلاة في أعطان الإبل ومرابط الخيل والبغال والحمير.......................... ١٨٩

الصلاة على الثلج وفي قرى النمل ومجاري الماء وفي الطرق...................... ١٩١

الصلاة في مقابل النار المضرمة............................................... ١٩٤

الصلاة في مقابل تمثال ذي روح............................................. ١٩٥

الصلاة في بيت فيه تمثال.................................................... ١٩٦

الصلاة في مكان قبلته حائط ينز من بالوعة.................................... ١٩٧

الصلاة في مقابل مصحف أو كتاب مفتوح................................... ١٩٨

الصلاة وفي مقابلة انسان.................................................... ١٩٩


الصلاة وفي قدامه باب مفتوح............................................... ١٩٩

الصلاة في المقبرة........................................................... ١٩٩

الصلاة على القبر.......................................................... ٢٠١

الصلاة مقابل القبر......................................................... ٢٠٢

الصلاة بين القبرين من غير حائل............................................ ٢٠٣

الصلاة في بيت فيه غير كلب الصيد......................................... ٢٠٤

الصلاة في بيت فيه جنب................................................... ٢٠٤

الصلاة في مقابل الحديد كالأسلحة........................................... ٢٠٤

الصلاة وقدامه ورد........................................................ ٢٠٤

الصلاة وقدامه بيدر حنطة أو شعير........................................... ٢٠٤

الصلاة في البيع والكنائس................................................... ٢٠٥

الصلاة عند قبور الأئمة ( عليهم السلام ).................................... ٢٠٦

استحباب جعل المصلي سترة بين يديه........................................ ٢٠٧

استحباب الصلاة في المساجد وفضلها........................................ ٢٠٧

استحباب الصلاة في المشاهد................................................ ٢٠٨

استحباب تفريق الصلاة في أماكن........................................... ٢٠٨

كراهة صلاة جار المسجد في غيره........................................... ٢٠٨

استحباب الصلاة في مسجد لا يصلى فيه..................................... ٢٠٨

استحباب كثرة التردد إلى المساجد........................................... ٢٠٨

استحباب بناء المسجد...................................................... ٢١٠

اجراء صيغة الوقف........................................................ ٢١١

جواز جعل الأرض مسجدا دون البناء........................................ ٢١٢

استحباب تعمير المسجد وجواز تجديد بنائه.................................... ٢١٣


فصل في بعض أحكام المسجد....................................... ٢١٥ ـ ٢٢٥

زخرفة المساجد............................................................ ٢١٥

بيع المسجد وبيع آلاته...................................................... ٢١٦

عدم خروج المسجد عن المسجدية بخرابه...................................... ٢١٦

تنجيس المسجد وما يعود إليه من الأحكام.................................... ٢١٧

اتخاذ الكنيف مسجدا...................................................... ٢١٨

حكم اخراج حصى المسجد عنه............................................. ٢٢٠

حكم إخراج ما يجتمع بالكنس من المسجد.................................... ٢٢١

الدفن في المسجد........................................................... ٢٢٢

استحباب سبق الناس في دخول المسجد والتأخر في الخروج..................... ٢٢٢

بقية أحكام المساجد........................................................ ٢٢٣

فصل في الأذان والإقامة...................................................... ٢٢٥

استعراض الأقوال في الأذان والإقامة.......................................... ٢٢٥

الأخبار المستفيضة الدالة على عدم وجوب الأذان.............................. ٢٢٦

الاستدلال لوجوب الأذان في صلاة الجماعة بالأخبار........................... ٢٢٧

الاستدلال بالأخبار لوجوب الأذان في صلاتي الصبح والمغرب................... ٢٢٩

الأقوال في وجوب الإقامة وعدمه............................................ ٢٣٢

خروج النساء عن محل الكلام............................................... ٢٣٢

النصوص التي استدل بها على وجوب الإقامة.................................. ٢٣٢

النصوص الدالة على عدم وجوب الإقامة..................................... ٢٣٨

الاستدلال على المختار في المقام.............................................. ٢٤٢

اختصاص الأذان والإقامة بالفرائض اليومية................................... ٢٤٣


ما يقال بدلا عن الأذان والإقامة في سائر الصلوات الواجبة...................... ٢٤٥

استحباب الأذان والإقامة في أذن المولود...................................... ٢٤٨

استحباب الأذان في الفلوات عند الوحش من الغول............................ ٢٤٩

استحباب الأذان في أذن من ترك اللحم....................................... ٢٤٩

استحباب الأذان في أذن من ساء خلقه....................................... ٢٤٩

استحباب الأذان في أذن الدابة التي ساء خلقها................................. ٢٥٠

انقسام الأذان إلى أذان الصلاة وأذان الاعلام.................................. ٢٥٠

الفرق بين أذان الصلاة وأذان الاعلام........................................ ٢٥٢

فصول الأذان.............................................................. ٢٥٣

فصول الإقامة............................................................. ٢٥٦

استحباب الصلاة على النبي ( صلى الله عليه وآله ) عند ذكر اسمه............... ٢٥٧

الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة............................................ ٢٥٨

استحباب تكرار بعض فصول الأذان......................................... ٢٦٠

أذان المرأة وإقامتها......................................................... ٢٦٢

أذان المسافر والمستعجل..................................................... ٢٦٢

كراهة الترجيع وتكرار الفصول في الأذان.................................... ٢٦٦

موارد سقوط الأذان......................................................... ٢٦٧

١ ـ أذان عصر يوم الجمعة إذا جمعت مع الجمعة أو الطهر..................... ٢٦٧

٢ ـ أذان عصر يوم عرفة إذا جمعت مع الظهر............................... ٢٧١

٣ ـ أذان العشاء في ليلة المزدلفة إذا جمعت مع المغرب........................ ٢٧١

٤ ـ أذان العصر والعشاء للمستحاضة عند الجمع............................. ٢٧٣

٥ ـ سقوط الأذان عن المسلوس............................................ ٢٧٣

هل السقوط في هذه المورد رخصة أم عزيمة؟.................................. ٢٧٤


تفسير التفريق الذي به يزول عنوان الجمع المعلق عليه سقوط الأذان.............. ٢٧٥

كفاية أذان واحد في قضاء الفوائت.......................................... ٢٧٩

موارد سقوط الأذان والإقامة................................................ ٢٨٤

١ ـ الداخل في الجماعة التي أذنوا لها وأقاموا................................. ٢٨٤

هل السقوط خاص بالمأموم أو أنه يشمل الإمام؟............................... ٢٨٦

هل السقوط يختص بالجماعة التي أذن وأقيم لها؟............................... ٢٨٧

هل السقوط عزيمة أو رخصة................................................ ٢٨٨

٢ ـ الداخل في المسجد للصلاة............................................. ٢٨٩

الكلام في وثاقة أبو علي الحراني............................................. ٢٩١

كلام حول كتاب زيد النرسي.............................................. ٢٩٨

هل السقوط رخصة أو عزيمة؟.............................................. ٣٠٠

شروط السقوط عن الداخل في المسجد....................................... ٣٠٢

٣ ـ سماع أذان الغير وإقامته............................................... ٣٠٧

خبر ارتحال المؤلف المقرر له ( قدس سره ).................................... ٣١٢

٤ ـ حكاية أذان الغير وإقامته.............................................. ٣١٣

استحباب حكاية الأذان عند سماعه وكذا الإقامة............................... ٣١٥

حكاية الأذان في الصلاة.................................................... ٣١٧

عدم الفرق بين السماع والاستماع.......................................... ٣١٩

اختصاص الحكم بحكاية أذان الصلاة......................................... ٣١٩

عدم الفرق بين الرجل والمرأة................................................ ٣١٩

فصل في شروط الأذان والإقامة............................................... ٣٢١

١ ـ النية ابتداءً واستدامةً.................................................. ٣٢١


عدم اعتبار القربة في أذان الاعلام............................................ ٣٢١

لزوم تعيين الأذان والإقامة للصلاة التي يريدها................................. ٣٢٣

٢ ـ العقل والايمان........................................................ ٣٢٤

عدم اعتبار البلوغ.......................................................... ٣٢٥

أذان الصبي................................................................ ٣٢٥

الكلام في اعتبار الذكورية.................................................. ٣٢٨

٣ ـ الترتيب بين الأذان والإقامة وبين فصولهما............................... ٣٢٩

حكم الاخلال بالترتيب.................................................... ٣٣١

٤ ـ الموالاة بين الفصول................................................... ٣٣٥

٥ ـ الاتيان بهما على الوجه الصحيح....................................... ٣٣٦

٦ ـ دخول الوقت........................................................ ٣٣٧

حكم تقديم أذان الاعلام على الفجر......................................... ٣٣٨

٧ ـ الطهارة من الحدث في الإقامة.......................................... ٣٤١

الشك في الأذان أو في بعض فصوله.......................................... ٣٤٤

فصل في مستحبات الأذان والإقامة............................................ ٣٤٦

١ ـ الاستقبال............................................................ ٣٤٦

٢ ـ القيام............................................................... ٣٤٩

٣ ـ الطهارة في الأذان..................................................... ٣٥٠

٤ ـ عدم التكلم في أثنائهما................................................ ٣٥١

٥ ـ الاستقرار في الإقامة.................................................. ٣٥٢

٦ ـ الجزم في أواخر فصولهما مع التأني في الأذان والحدر في الإقامة............. ٣٥٢

٧ ـ الافصاح بالألف والهاء من لفظ الجلالة في آخر كل فصل................. ٣٥٢


٨ ـ وضع الإصبعين في الأذنين في الأذان.................................... ٣٥٢

٩ ـ مد الصوت في الأذان ورفعه فيهما...................................... ٣٥٢

١٠ ـ الفصل بين الأذان والإقامة........................................... ٣٥٢

بقية المستحبات............................................................ ٣٥٣

حكم من ترك الأذان والإقامة عمدا حتى أحرم للصلاة......................... ٣٥٦

هي جوز قطع الصلاة لتدارك الأذان والإقامة لمن نسيهما؟...................... ٣٥٦

حكم من نسي الأذان وحده أو الإقامة....................................... ٣٦٤

هل يجوز الاكتفاء بالأذان وحده............................................. ٣٦٥

لو نام أو جن أو أعمي عليه حال أحدهما..................................... ٣٦٦

الارتداد أثناء الأذان والإقامة................................................ ٣٦٨

لو أذن منفردا وأقام ثم بدا له الإمامة......................................... ٣٦٩

الحدث أثناء الأذان أو الإقامة................................................ ٣٧٠

أخذ الأجرة على أذان الاعلام............................................... ٣٧٤

اللحن في أذان الاعلام...................................................... ٣٧٥

فصل في شروط قبول الصلاة وزيادتها......................................... ٣٧٦

فهرست الموضوعات....................................................... ٣٧٧

المستند في شرح العروة الوثقى - ١٣

المؤلف:
الصفحات: 390