بسم الله
الرحمن الرحيم
٢٢
باب
*(غزوة
خيبر وفدك ، وقدوم جعفر بن أبى طالب عليهماالسلام)*
الآيات : الفتح « ٤٨ » : سيقول المخلفون إذا
انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا
نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل فسيقولون
بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا
« ١٥ ».
وقال تعالى : فأنزل السكينة عليهم
وأثابهم فتحا قريبا ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله
عزيزا حكيما * وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس
عنكم ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطا مستقيما
« ١٨ ٢٠ ».
تفسير
: أقول : قد مر تفسير الآيات في باب نوادر الغزوات وباب غزوة الحديبية
وقال الطبرسي رحمهالله
: لما قدم رسول الله صلىاللهعليهوآله
المدينة من الحديبية مكث
بها عشرين ليلة ، ثم خرج منها غاديا إلى خيبر ،
وذكرابن إسحاق باسناده عن
أبي مروان الاسلمي ، عن أبيه ، عن جده قال : خرجنا مع رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى
خيبر حتى إذا كنا قريبا منها وأشرفنا عليها قال
رسول الله صلىاللهعليهوآله
: « قفوا » فوقف
الناس فقال : « اللهم رب السماوات السبع وما
أظللن ، ورب الارضين السبع وما
أقللن ، ورب الشياطين وما أظللن إنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها و
خير ما فيها ، ونعوذبك من شر هذه القرية وشر
أهلها وشر ما فيها ، قدموا
____________________
بسم الله الرحمن
الرحيم ».
وعن سلمة بن الاكوع قال : خرجنا مع رسول
الله صلىاللهعليهوآله
إلى خيبر فسرنا
ليلا ، فقال رجل من القوم لعامر بن الاكوع : ألا
تسمعنا من هنيهاتك؟
وكان
عامر رجلا شاعرا ، فجعل يقول :
لاهم لولا أنت ما اهتدينا
|
|
ولا تصدقنا ولا صلينا
|
فاغفر فداء لك ما اقتنينا
|
|
وثبت الاقدام إن لاقينا
|
وأنزلن سكينة علينا
|
|
إنا إذا صيح بنا أنينا
|
وبالصياح عولوا علينا.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « من هذا السائق؟
» قالوا : عامر ، قال : « يرحمهالله
» قال عمر وهو على جمل : وجبت يا رسول الله لولا
أمتعتنا به ، وذلك أن رسول الله
صلىاللهعليهوآله
ما استغفر لرجل قط يخصه إلا استشهد ، قالوا : فلما جد الحرب وتصاف
القوم خرج يهودي وهو يقول :
قد علمت خيبر أني مرحب
|
|
شاكي السلاح بطل مجرب
|
إذا الحروب أقبلت تلهب
فبرز
إليه عامر وهو يقول :
قد علمت خيبر أني عامر
|
|
شاكي السلاح بطل مغامر
|
فاختلفا ضربتين فوقع سيف اليهودي في ترس
عامر ، وكان سيف عامر فيه
قصر ، فتناول به ساق اليهودي ليضر به فرجع ذباب
سيفه فأصاب عين ركبة عامر
فمات منه ، قال سلمة : فاذا نفر من أصحاب رسول
الله (ص) يقولون : بطل عمل عامر
قتل نفسه ، قال : فأتيت النبي صلىاللهعليهوآله وأنا أبكي ، فقلت :
قالوا : إن عامرا بطل
____________________
عمله ، فقال : « من
قال ذلك؟ » قلت : نفر من أصحابك ، فقال : كذب اولئك
بل أوتي من الاجر مرتين ، قال : فحاصرناهم حتى
إذا أصابتنا مخمصة شديدة ، ثم
إن الله فتحها علينا ، وذلك أن النبي صلىاللهعليهوآله أعطى اللوإ عمر بن
الخطاب ونهض
من نهض معه من الناس فلقوا أهل خيبر ، فانكشف
عمر وأصحابه فرجعوا إلى
رسول الله صلىاللهعليهوآله
يجبنه أصحابه ويجبنهم. وكان رسول الله أخذته الشقيقة فلم يخرج
إلى الناس ، فقال حين أفاق من وجعه : « ما فعل
الناس بخيبر؟ » فأخبر فقال :
« لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرارا غير فرار
لا يرجع حتى يفتح الله على يديه ».
وروى البخاري ومسلم عن قتيبة بن سعيد ، عن
يعقوب بن عبدالرحمن
الاسكندراني ، عن أبي حازم ، عن سعيد بن سهل أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال يوم.
خيبر : « لاعطين هذه الراية غدا رجلا
يفتح الله على يديه ، يحب الله ورسوله ، و
يحبه الله ورسوله » قال : فبات الناس يدوكون
بجملتهم
أيهم يعطاها
فلما
أصبح الناس غدوا على رسول الله صلىاللهعليهوآله كلهم يرجون أن
يعطاها ، فقال : « أين علي
ابن أبي طالب؟ » فقالوا : يا رسول الله هو
يشتكي عينيه
قال : « فأرسلوا إليه » فأتي به فبصق رسول الله صلىاللهعليهوآله
في عينيه ودعاله ، فبرأ كأن لم يكن به وجع
فأعطاه الراية ، فقال علي : يا رسول الله! أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ قال : انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى
الاسلام وأخبرهم بما يجب عليهم
من حق الله
فوالله لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير من أن يكون لك حمر النعم.
____________________
قال سلمة : فبرز مرحب وهو يقول :
قد علمت خيبر أني مرحب الابيات.
فبرز له علي عليهالسلام وهو يقول :
أنا الذي سمتني امي حيدرة
|
|
كليث غابات كريه المنظرة
|
أو فيهم بالصاع كيل السندرة
فضرب مرحبا ففلق رأسه فقتله وكان الفتح
على يده
أورده مسلم في الصحيح.
وروى أبوعبدالله الحافظ بإسناده عن أبي رافع
مولى رسول الله صلىاللهعليهوآله
قال : خرجنا مع علي عليهالسلام
حين بعثه رسول الله (ص) ، فلما دنا من الحصن خرج إليه
أهله فقاتلهم فضربه رجل من اليهود فطرح ترسه من
يده ، فتناول علي عليهالسلام
باب
الحصن فتترس به عن نفسه ، فلم يزل في يده وهو
يقاتل حتى فتح الله عليه ، ثم
ألقاه من يده ، فلقد رأيتني في سبعة نفر أنا
منهم نجهد على أن
نقلب ذلك الباب
فما استطعنا أن نقلبه.
وبإسناده عن ليث بن أبي سليم ، عن أبي جعفر محمد بن علي عليهماالسلام قال : حدثني جابر بن عبدالله أن عليا عليهالسلام
حمل الباب يوم خيبر حتى صعد المسلمون
عليه فاقتحموها ففتحوها ، وإنه حرك بعد ذلك فلم
يحمله أربعون رجلا.
قال : وروي من وجه آخر عن جابر : ثم
اجتمع عليه سبعون رجلا فكان
جهدهم أن أعادوا الباب.
وبإسناده ، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى
قال : كان علي عليهالسلام
يلبس في
الحر والشتاء القباء المحشو الثخين ، وما يبالي
الحر ، فأتاني أصحابي فقالوا : إنا رأينا من أميرالمؤمنين شيئا ، فهل رأيت؟
قلت : وما هو؟ قالوا : رأيناه يخرج
علينا في الحر الشديد في القباء المحشو الثخين
وما يبالي الحر ، ويخرج علينا
____________________
في البرد الشديد في
الثوبين الخفيفين وما يبالي البرد ، فهل سمعت في ذلك شيئا؟
فقلت : لا ، فقالوا : فسل لنا أباك عن ذلك ، فإنه
يسمر معه ، فسألته
فقال ما
سمعت في ذلك شيئا ، فدخل على علي عليهالسلام فسمر معه فسأله عن
ذلك ، فقال : أو
ما شهدت معنا خيبر؟ قلت : بلى ، قال : أو ما
رأيت رسول الله (ص) حين دعا أبابكر
فعقد له ثم بعثه إلى القوم فانطلق فلقي القوم
ثم جاء بالناس وقد هزموا؟
فقال : بلى ، قال : ثم بعث إلى عمر فعقد له ثم بعثه إلى القوم فانطلق فلقي القوم فقاتلهم
ثم رجع وقد هزم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « لاعطين الرأية
اليوم رجلا يحب
الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، يفتح الله
على يديه ، كرارا غير فرار » فدعاني
فأعطاني الراية ، ثم قال : « اللهم اكفه الحر
والبرد » فما وجدت بعد ذلك حرا
ولا بردا.
وهذا كله منقول من كتاب دلائل النبوة
للامام أبي بكر البيهقي.
ثم لم يزل رسول الله صلىاللهعليهوآله يفتح الحصون حصنا
فحصنا ويحوز الاموال حتى
انتهوا إلى حصن الوطيح والسلالم ، وكان آخر
حصون خيبر افتتح ، وحاصرهم
رسول الله بضع عشر ليلة.
قال ابن إسحاق : ولما افتتح القموص : حصن
ابن أبي الحقيق أتي رسول
الله صلىاللهعليهوآله
بصفية بنت
حي بن أخطب ، وبأخرى معها ، فمر بهما بلال وهو
الذي جاء بهما على قتلى من قتلى اليهود
فلما رأتهم التي معها صفية صاحت
وصكت وجهها ، وحثت التراب على رأسها ، فلما
رآها رسول الله صلىاللهعليهوآله
قال : « أعزبوا عني هذه الشيطانة » وأمر بصفية فحيزت
خلفه ، وألقى عليها رداءه
فعرف المسلمون أنه قد اصطفاها لنفسه ، وقال صلىاللهعليهوآله
لبلال لما رأى من نلك اليهودية
ما رأى : « أنزعت منك الرحمة يا بلال حيث تمر
بامرأتين على قتلى رجالهما »؟.
وكانت صفية قد رأت في المنام وهي عروس
بكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق
____________________
أن قمرا وقع في
حجرها ، فعرضت رؤياها على زوجها فقال : ما هذا إلا أنك تتمنين
ملك الحجاز محمدا ، ولطم على وجهها لطمة اخضرت
عينها منها ، فأتي بها رسول الله
صلىاللهعليهوآله
وبها أثر منها ، فسألها رسول الله صلىاللهعليهوآله
ما هو؟ فأخبرته.
وأرسل ابن أبي الحقيق إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله أنزل لاكلمك قال : نعم ، فنزل وصالح رسول الله صلىاللهعليهوآله
على حقن دماء من في حصونهم من المقاتلة ، وترك
الذرية لهم ، ويخرجون من خيبر وأرضها بذراريهم ،
ويخلون بين رسول الله صلىاللهعليهوآله
وبين ما كان لهم من مال وأرض وعلى الصفراء
والبيضاء والكراع وعلى الحقلة
وعلى البز إلا ثوب على ظهر إنسان ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « وبرئت منكم
ذمة الله وذمة رسوله إن كتمتموني شيئا » فصالحوه
على ذلك ، فلما سمع بهم أهل
فدك قد صنعوا ما صنعوا بعثوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله يسألونه أن يسيرهم ويحقن
دماءهم ، ويخلون بينه وبين الاموال ، ففعل ، وكان
ممن مشى بين رسول الله صلىاللهعليهوآله
وبينهم في ذلك محيصة بن مسعود أحد بني حارثة ، فلما
نزل أهل خيبر على ذلك
سألوا رسول الله صلىاللهعليهوآله
أن يعاملهم الاموال على النصف ، وقالوا : نحن أعلم بها
منكم وأعمر لها ، فصالحهم رسول الله على النصف
على أنا إذا شئنا أن نخرجكم
أخرجناكم ، وصالحه أهل فدك على مثل ذلك ، فكانت
أموال خيبر فيئا بين المسلمين
وكانت فدك خالصة لرسول الله صلىاللهعليهوآله ، لانهم لم يوجفوا
عليها بخيل ولا ركاب.
ولما اطمأن رسول الله صلىاللهعليهوآله أهدت له زينب بنت
الحارث بن سلام بن مشكم
وهي ابنة أخي مرحب شاة مصلية وقد سألت أي عضو من الشاة أحب إلى رسول
الله صلىاللهعليهوآله
، فقيل لها : الذراع ، فأكثرت فيها السم وسمت
سائر الشاة ، ثم
جاءت بها : فلما وضعتها بين يديه تناول الذراع
فأخذها فلاك منها مضغة وانتهش
____________________
منها ، ومعه بشر بن
البرآء بن معرور فتناول عظما « فانتهش منه
فقال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
: « ارفعوا أيديكم فإن كتف هذه الشاة تخبرني أنها مسمومة » فدعاها
فاعترفت ، فقال : « ما حملك على ذلك؟ » فقال : بلغت
من قومي ما لم يخف عليك
فقلت : إن كان نبيا فسيخبر ، وإن كان ملكا
استرحت منه ، فتجاوز عنها رسول الله
صلىاللهعليهوآله
، ومات بشر بن البراء من أكلته التي أكل ، قال : ودخلت أم بشر بن البراء
على رسول الله (ص) تعوده في مرضه الذي توفي فيه
، فقال صلىاللهعليهوآله
: « يا أم بشر
ما زالت أكلة خيبر التي أكلت بخيبر مع ابنك
تعاودني ، فهذا أوان قطعت
أبهري » فكان المسلمون يرون أن رسول الله صلىاللهعليهوآله مات شهيدا ، مع ما
أكرمه الله
به من النبوة.
بيان
: قوله : من هنيهاتك : قال الجزري : أي من كلماتك ، أو من أرا جيزك
قوله : وجبت ، أي الرحمة أو الشهادة ، في مجمع
البحار : أي وجبت له الجنة و
المغفرة التي ترحمت بها عليه ، وإنه يقتل شهيدا.
وقال النووي في شرح الصحيح : أي ثبتت له الشهادة وستقع قريبا ، وكان معلوما
عندهم أنه كل من دعا له النبي
صلىاللهعليهوآله
هذا الدعاء في هذا الموطن استشهد :
وفي النهاية : في حديث ابن الاكوع قالوا
يا رسول الله لولا متعتنا به ، أي
هلا تركتنا ننتفع به انتهى. وقال النووي : أي
وددنا أنك أخرت الدعاء له فنتمتع
بمصاحبته مدة ، وقال غيره : أي ليتك أشركتنا في
دعائه.
وقال الجزري في النهاية ، في حديث خيبر
لاعطين الراية غدا رجلا يحبه
الله ورسوله ، ويحب الله ورسوله ، يفتح الله
على يديه ، فبات الناس يدوكون تلك
____________________
الليلة ، أي يخوضون
ويموجون فيمن يدفعها إليه ، يقال : وقع الناس في دوكة ، أي خوض واختلاط ، وقال : النهس : أخذ اللحم بأطراف الاسنان ، والنهش : الاخذ بجميعها.
أقول
: قال الطبرسي قدس الله روحه في قوله تعالى : « إنا فتحنا لك فتحا مبينا » قيل : إن المراد بالفتح هنا فتح خيبر
، وروي عن مجمع بن حارثة
الانصاري وكان أحد القراء قال : شهدنا الحديبية
مع رسول الله صلىاللهعليهوآله
، فلما
انصرفنا عنها إذا الناس يهزون الاباعر ، فقال
بعض الناس لبعض : ما بال الناس؟
قالوا : أوحي إلى رسول الله (ص) ، فخرجنا نوجف ،
فوجدنا النبي صلىاللهعليهوآله
واقفا
على راحلته عند كراع الغميم ، فلما اجتمع الناس
عليه قرأ : « إنا فتحنا لك فتحا
مبينا » السورة ، فقال عمر : أفتح هو يا رسول
الله؟ قال : نعم ، فقال
: والذي نفسي
بيده إنه لفتح ، فقسمت خيبر على أهل الحديبية
لم يدخل فيها أحد إلا من
شهدها.
بيان
: في النهاية إذا الناس يهزون الاباعر ، أي يحثونها ويدفعونها ، والوهز : شدة الدفع والوطي انتهى. وقد يقرأ بتشديد الزاي
من الهز ، وهو إسراع السير.
وكراع الغميم كغراب : موضع على ثلاثة أميال من عسفان ذكره الفيروز آبادي.
١
ـ نوادر الراوندي بإسناده عن عبدالواحد بن إسماعيل ، عن محمد بن الحسن
التميمي ، عن سهل بن أحمد الديباجي ، عن محمد
بن محمد بن الاشعث ، عن محمد بن
عزيز ، عن سلامة بن عقيل ، عن ابن شهاب قال : قدم
جعفر بن أبي طالب عليهالسلام
على
رسول الله صلىاللهعليهوآله فقام فتلقاه فقبل بين عينيه ، ثم أقبل
على الناس فقال : أيها الناس ما أدري بأيهما أنا أسر؟ بافتتاحي خيبر أم بقدوم ابن
عمي جعفر؟.
٢
ـ وبهذا الاسناد : قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله
: إن أهل خيبر يريدون أن
يلقوكم فلاتبدؤهم بالسلام ، فقالوا : يا رسول
الله فان سلموا علينا فما ذا نرد عليهم؟
____________________
قال : تقولون وعليكم.
٣
ـ ما
: المفيد ، عن الحسين بن علي بن محمد التمار ، عن علي بن ماهان
عن عمه ، عن محمد بن عمر ، عن ثور بن يزيد ، عن
مكحول قال : لما كان يوم خيبر
خرج رجل من اليهود يقال له : مرحب ، وكان طويل
القامة ، عظيم الهامة وكانت
اليهود تقدمه لشجاعته ويساره ، قال : فخرج في
ذلك اليوم إلى أصحاب رسول
الله صلىاللهعليهوآله
، فما واقفه قرن إلا قال : أنا مرحب ، ثم حمل عليه ، فلم يثبت له ، قال : وكانت له ظئر وكانت كاهنة تعجب بشبابه وعظم
خلقه. وكانت تقول
له : قاتل كل من قاتلك ، وغالب كل من غالبك إلا من تسمي عليك بحيدرة ، فإنك إن
وقفت له هلكت ، قال : فلما كثر مناوشته وجزع الناس بمقاومته شكوا ذلك
إلى النبي (ص) وسألوه أن يخرج إليه عليا عليهالسلام ، فدعا النبي صلىاللهعليهوآله عليا وقال
له : « يا علي اكفني مرحبا » فخرج إليه
أميرالمؤمنين عليهالسلام
فلما بصربه مرحب
يسرع إليه فلم يره يعبأ به فأنكر ذلك وأحجم عنه
، ثم أقدم وهو يقول : أنا الذي سمتني أمي مرحبا.
فأقبل علي عليهالسلام وهو يقول : أنا الذي سمتني أمي حيدرة.
فلما سمعها منه مرحب هرب ولم يقف خوفا
مما حذرته منه ظئره ، فتمثل
له إبليس في صورة حبر من أحبار اليهود فقال : إلى
أين يا مرحب؟ فقال : قد تسمي
علي هذا القرن بحيدرة ، فقال له إبليس : فما
حيدرة؟ فقال : إن فلانة ظئري
كانت تحذرني من مبارزة رجل اسمه حيدرة ، وتقول :
إنه قاتلك ، فقال له إبليس : شوها لك ، لو لم يكن حيدرة إلا هذا وحده لما
كان مثلك يرجع عن مثله ، تأخذ
بقول النساء وهن يخطئن أكثر مما يصبن؟ وحيدرة
في الدنيا كثير ، فارجع فلعلك
تقتله ، فإن قتلته سدت قومك ، وأنا في ظهرك
أستصرخ اليهود لك ، فرده ، فوالله
ما كان إلا كفواق ناقة حتى ضربه على ضربة سقط
منها لوجهه ، وانهزم اليهود
يقولون : قتل مرحب ، قتل مرحب.
____________________
قال : وفي ذلك يقول الكميت بن يزيد
الاسدي رحمهالله
في مدحه عليهالسلام
شعرا :
سقى جرع الموت ابن عثمان بعد ما
|
|
تعاورها منه وليد ومرحب
|
والوليد هو ابن عتبة خال معاوية ابن أبي
سفيان ، وعثمان بن طلحة
من
قريش ، ومرحب من اليهود.
يج
: عن مكحول مثله مع اختصار ، ولم يذكر
البيتين.
٤
ـ ما
: أبو عمرو ، عن ابن عقدة ، عن أحمد بن يحيى ، عن عبدالرحمن ، عن
أبيه ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن مسلم أبي
شهاب الزهري ، عن عروة بن الزبير
ومسور بن مخرمة أن نبي الله صلىاللهعليهوآله لما افتتح خيبر
وقسمها على ثمانية عشر سهما
كانت الرجال ألفا وأربعمائة رجل ، والخيل مائتا فرس ، وأربعمائة سهم للخيل
كل سهم من الثمانية عشر سهما مائة سهم ، ولكل
مائة سهم رأس ، فكان عمر بن
الخطاب رأسا ، وعلي رأسا والزبير رأسا ، وعاصم بن عدي رأسا ، فكان
سهم
النبي صلىاللهعليهوآله
مع عاصم بن عدي.
٥
ـ ما
: محمد بن أحمد بن أبي الفوارس ، عن أحمد بن محمد الصائغ ، عن محمد بن
إسحاق السراج ، عن قتيبة بن سعيد ، عن حانم ، عن
بكير بن يسار ، عن عامر بن
سعد ، عن أبيه قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول لعلي ثلاث ، فلان
يكون لي
واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم ، سمعت رسول
الله صلىاللهعليهوآله
يقول لعلي وخلفه
في بعض مغازيه ، فقال : يا رسول الله تخلفني مع
النساء والصبيان؟ فقال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
: « أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي » وسمعته يقول يوم خيبر : « لاعطين الراية رجلا
يحب الله ورسوله ، ويحبه الله
ورسوله » قال : فتطاولنا لهذا ، قال : ادعوا لي
عليا ، فأتى علي أرمد العين فبصق
في عينيه ، ودفع إليه الراية ففتح عليه ، ولما
نزلت هذه الاية : « ندع أبناءنا و
____________________
أبناءكم » دعى رسول الله (ص) عليا وفاطمة وحسنا
وحسينا عليهمالسلام
وقال : اللهم
هؤلاء أهلي.
٦
ـ فس :
« يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا
لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة
الدنيا » فإنها
نزلت لما
رجع رسول الله صلىاللهعليهوآله
من غزوة خيبر ، وبعث أسامة بن زيد في خيل إلى بعض قرى
اليهود في ناحية فدك ليدعوهم إلى الاسلام ، وكان
رجل من اليهود يقال له : مرداس
ابن نهيك الفدكي في بعض القرى ، فلما أحس بخيل
رسول الله صلىاللهعليهوآله
جمع أهله وماله
وصار في ناحية الجبل فأقبل يقول : أشهد أن لا
إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، فمر به أسامة بن زيد فطعنه وقتله ، فلما رجع إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله أخبره بذلك
فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله : قتلت رجلا شهد أن
لا إله إلا الله ، وأني رسول الله؟ » فقال : يا رسول الله إنما قالها تعوذا من القتل
، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
: « فلا شققت
الغطاء عن قلبه ، لا ما قال بلسانه قبلت ، ولا
ما كان في نفسه علمت » فحلف أسامة
بعد ذلك أنه لايقاتل أحداً شهد أن لا إله إلا
الله ، وأن محمدا رسول الله ، فتخلف عن
أميرالمؤمنين عليهالسلام
في حروبه وأنزل الله في ذلك : « ولا تقولوا لمن ألقى إليكم
السلم لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا
فعندالله مغانم كثيرة كذلك كنتم من
قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما
تعملون خبيرا».
٧
ـ ج :
عن أبي جعفر عليهالسلام
قال : إن رسول الله صلىاللهعليهوآله
بعث سعد بن
معاذ براية الانصار إلى خيبر فرجع منهزما ، ثم
بعث عمر بن الخطاب براية
المهاجرين فأتي بسعد جريحا ، وجاء عمر يجبن
أصحابه ويجبنونه ، فقال رسول
____________________
الله صلىاللهعليهوآله : « هكذا تفعل
المهاجرون والانصار؟ » حتى قالها ثلاثا ، ثم قال : « لاعطين
الراية رجلا ليس بفرار يحبه الله ورسوله ، ويحب الله ورسوله » الخبر.
بيان
: لعله كان سعد بن عبادة فصحف ، إذا لفرار منه بعيد ، مع أنه مات
يوم قريظة ولم يبق إلى تلك الغزوة.
٨
ـ لى
: أخبرني سليمان بن أحمد اللحمي
فيما كتب إلي ، قال : حدثنا
أبومحمد عبدالله بن رماخس بن محمد بن خالد بن
حبيب بن قيس بن عمرو بن عبد بن
غزية بن جشم بن بكر بن هوازن برمادة القليسيين :
رمادة العليا ، وكان فيما ذكر
ابن مائة وعشرين سنة ، قال : حدثنا زياد بن
طارق الجشمي وكان ابن تسعين سنة
قال : حدثنا جدي أبوجرول زهير وكان رئيس قومه ،
قال : أسرنا رسول الله صلىاللهعليهوآله
يوم فتح خيبر فبينا هو يميز الرجال من النساء إذ
وثبت حتى جلست بين
يدي رسول الله صلىاللهعليهوآله
فأسمعته شعرا ، أذكره حين شب فينا ونشأ في هوازن وحين
أرضعوه ، فأنشأت أقول :
امنن علينا رسول الله في كرم
|
|
فإنك المرء نرجوه وننتظر
|
امنن على بيضة قد عاقها قدر
|
|
مفرق شملها في دهرها عبر
|
أبقت لنا الحرب هتافا على حزن
|
|
على قلوبهم الغماء والغمر
|
إن لم تداركهم نعماء تنشرها
|
|
يا أرجح الناس حلماً حين يختبر
|
امنن على نسوة قد كنت ترضعها
|
|
إذ فوك يملاؤه من محضها الدرر
|
إذ أنت طفل صغير كنت ترضعها
|
|
وإذ يزينك ما تأتي وما تذر
|
____________________
يا خير من مرحمت كمت الجيادبه
|
|
عند الهياج إذا ما استو قد الشرر
|
لا تتركنا كمن شالت نعامته
|
|
واستبق منا فإنا معشر زهر
|
إنا لنشكر للنعماء وقد كفرت
|
|
وعندنا بعد هذا اليوم مدخر
|
فألبس العفو من قد كنت ترضعه
|
|
من أمهاتك إن العفو مشتهر
|
إنا نؤمل عفوا منك تلبسه
|
|
هادي البرية ان تعفو وتنتصر
|
فاعف عفى الله عما أنت راهبه
|
|
يوم القيامة إذ يهدى لك الظفر
|
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : أما ما كان لي
ولبني عبدالمطلب فهو لله ولكم ، و
قالت الانصار : ما كان لنا فهو لله ولرسوله ، فردت
الانصار ما كان في أيديهما من
الذراري والاموال.
بيان
: البيضة : الاصل والعشيرة ، ومجتمع القوم ، وموضع سلطانهم ، و
يقال : شالت نعامتهم : إذا ماتوا وتفرقوا كأنهم لم يبق منهم إلا بقية. والنعامة : الجماعة ذكره الجزري. ثم إن الظاهر أنه كان يوم
فتح حنين فصحف كما سيظهر
مما سيأتي في تلك الغزاة.
٩
ـ ن
: بإسناد التميمي عن الرضا ، عن آبائه ، عن علي عليهمالسلام
قال : دفع
النبي صلىاللهعليهوآله
الراية يوم خيبر إلي فما برحت حتى فتح الله علي.
١٠
ـ ع
: ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن معروف ، عن ابن أبي عمير ، عن عبدالرحمن بن الحجاج ، عن أبي عبدالله عليهالسلام
قال : ما مر بالنبي صلىاللهعليهوآله
يوم
كان أشد عليه من يوم خيبر ، وذلك أن العرب
تباغت عليه.
بيان
: الاظهر أنه كان يوم حنين ، كما في بعض النسخ ، أو يوم الاحزاب فصحف.
____________________
١١ ـ شا
: ثم تلت الحديبية خيبر وكان الفتح فيها
لاميرالمؤمنين عليهالسلام
بلا ارتياب ، وظهر من فضله في هذه الغزاة ما
أجمع على نقله الرواة ، وتفرد فيها
من المناقب ما لم يشركه فيها أحد من الناس ، فروى يحيى بن محمد الازدى
عن مسعدة بن اليسع وعبدالله بن عبدالرحيم ، عن
عبدالملك بن هشام ومحمد بن
إسحاق وغيرهم من أصحاب الآثار قالوا : لما دنا
رسول الله صلىاللهعليهوآله
من خيبر قال
للناس : « قفوا » فوقف الناس فرفع يديه إلى
السماء وقال : « اللهم رب السماوات
السبع وما أظللن ، ورب الآرضين السبع وما أقللن ، ورب الشياطين وما
أضللن ، أسألك خير هذه القرية وخير ما فيها ، وأعوذ بك من
شرها وشرما
فيها
».
ثم نزل تحت شجرة في المكان ثم أقام وأقمنا بقية يومنا ومن غده ، فلما
كان نصف النهار نادى منادي رسول الله (ص)
فاجتمعنا إليه ، فإذا عنده رجل جالس
فقال : « إن هذا جاءني وأنا نائم فسل سيفي وقال
: يا محمد من يمنعك مني اليوم؟
قلت : الله يمنعى منك ، فشام السيف وهو
جالس كما ترون لاحراك به » فقلنا : يا رسول الله لعل في عقله شيئا؟ فقال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
: « نعم دعوه » ثم صرفه ولم
يعاقبه ، وحاصر رسول الله خيبر بضعا وعشرين
ليلة ، وكانت الراية يومئذ لامير ـ المؤمنين عليهالسلام
فلحقه رمد فمنعه
من الحرب ، وكان المسلمون يناوشون
اليهود
من بين أيدي حصونهم وجنباتها ، فلما كان ذات
يوم فتحوا الباب وقد كانوا خندقوا
على أنفسهم خندقا ، وخرج مرحب برجله يتعرض
للحرب ، فدعا رسول الله صلىاللهعليهوآله
____________________
أبابكر فقال له : « خذ الراية » فأخذها في جمع
من المهاجرين
فاجتهد فلم
يغن شيئا فعاد يؤنب القوم الذين اتبعوه ويؤنبونه ، فلما
كان من الغد
تعرض لها عمر فساربها غير بعيد ، ثم رجع يجبن
أصحابه ويجبنونه ، فقال النبي
صلىاللهعليهوآله
: « ليست هذه الراية لمن حملها ، جيؤني بعلي بن أبي طالب » فقيل له : إنه أرمد
قال : « أرونيه تروني رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله
يأخذها بحقها ليس بفرار » فجاؤا بعلي عليهالسلام يقودونه إليه ، فقال
له النبي صلىاللهعليهوآله
: « ما تشتكي يا علي؟ » قال : رمد ما ابصر معه ، وصداع برأسي ، فقال له : « اجلس
وضع رأسك على فخذي » ففعل علي عليهالسلام ذلك فدعا له النبي (ص)
فتفل في
يده فمسح
بها على عينيه ورأسه ، فانفتحت عيناه ، وسكن ما كان يجده من
الصداع ، وقال في دعائه : « اللهم قه الحر والبرد » وأعطاه
الراية ، وكانت
راية بيضاء وقال له : « خذالراية وامض بها ، فجبرئيل معك ، والنصر أمامك
والرعب مبثوت في صدور القوم ، واعلم يا علي
إنهم يجدون في كتابهم أن الذي
يدمر عليهم اسمه إيليا ، فإذا لقيتهم فقل : أنا
علي ، فإنهم يخذلون إنشاء الله
تعالى » قال أميرالمؤمنين عليهالسلام
: فمضيت بها حتى أتيت الحصون
فخرج
مرحب وعليه مغفر وحجر قدثقبه مثل البيضة على
رأسه وهو يرتجز ويقول :
قد علمت خيبر أني مرحب
|
|
شاك السلاح بطل مجرب
|
فقلت :
حو أنا الذي سمتني أمي حيدرة
|
|
كليث غابات شديد قسورة
|
أكيلكم بالسيف كيل السندرة
____________________
وجاء في الحديث أن أميرالمؤمنين عليهالسلام لما قال : أنا على
بن أبي طالب قال : حبر من أحبار القوم : غلبتم وما انزل على موسى فدخل في قلوبهم من الرعب
ما لم يمكنهم معه الاستيطان به ، ولما قتل
أميرالمؤمنين عليهالسلام
مرحبا رجع من كان معه
وأغلقوا باب الحصن عليهم دونه فصار
أميرالمؤمنين عليهالسلام
إليه فعالجه حتى فتحه وأكثر الناس
من جانب الخندق لم يعبروا معه ، فأخذ أميرالمؤمنين عليهالسلام
باب الحصن فجعله
على الخندق جسرا لهم حتى عبروا ، فطفروا بالحصن ، ونالوا الغنائم ، فلما
انصرفوا من الحصن أخذه أميرالمؤمنين عليهالسلام بيمناه فدحا به أذرعا من الارض
وكان الباب يغلقه عشرون رجلا ولما فتح أميرالمؤمنين عليهالسلام الحصن وقتل مرحبا
وأغنم الله المسلمين أموالهم استأذن حسان بن ثابت
الانصاري رسول الله صلىاللهعليهوآله
أن
يقول فيه شعرا ، فقال له : قل فأنشأ يقول :
وكان علي أرمد العين يبتغي
|
|
دواء فلما لم يحس مداويا
|
شفاه رسول الله منه بتفلة
|
|
فبورك مرقيا وبورك راقيا
|
وقال سأعطي الراية اليوم صارما
|
|
كميا محبا للرسول مواليا
|
يحب إلهي والاله يحبه
|
|
به يفتح الله الحصون الاوابيا
|
فأصفى بها دون البرية كلها
|
|
عليا وسماه الوزير المواخيا
|
وقد روى أصحاب الآثار ، عن الحسن بن
صالح ، عن الاعمش ، عن أبي
إسحاق
____________________
عن أبي عبدالله
الجدلي قال : سمعت
أميرالمؤمنين عليهالسلام
يقول : لما عالجت باب خيبر جعل
مجنا لي فقاتلتهم
به ، فلما أخزاهم الله وضعت الباب على حصنهم طريقا
ثم رميت به في خندقهم ، فقال له رجل : لقد حملت
منه ثقلا ، فقال ما كان إلا مثل
جنتي التي في يدى في غير ذلك المقام.
وذكر أصحاب السيرة أن المسلمين لما
انصرفوا من خيبر راموا حمل الباب
فلم يقله منهم إلا سبعون رجلا.
وفي حمل أميرالمؤمنين عليهالسلام الباب يقول الشاعر
:
إن امرءا حمل الرتاج بخيبر
|
|
يوم اليهود بقدرة لمؤيد
|
حمل الرتاج رتاج باب قموصها
|
|
والمسلمون وأهل خيبر حشد
|
فرمى به ولقد تكلف رده
|
|
سبعون شخصا كلهم متشدد
|
ردوه بعد تكلف ومشقة
|
|
ومقال بعضهم لبعض ارددوا
|
وفيه أيضا قال شاعر من الشعراء الشيعة
يمدح أميرالمؤمنين عليهالسلام
، ويهجو
أعداءه على مارواه أبومحمد الحسن بن
محمد بن جمهور قال : قرأت على أبي عثمان المازني :
بعث النبي براية منصورة
|
|
عمر بن حنتمة الدلام الادلما
|
فمضى بها حتى إذا برزوا له
|
|
دون القموص نبا وهاب وأحجما
|
فأتى النبي براية مردودة
|
|
ألا تخوف عارها فتذمما؟
|
فبكى النبي له وأنبه بها
|
|
ودعا امرءا حسن البصيرة مقدما
|
فغدا بها في فيلق ودعا وله
|
|
ألا يصد بها وألا يهزما
|
فزوى اليهود إلى القموص وقد كسا
|
|
كبش الكتيبة ذاغرار مخذما
|
____________________
وثنى بناس بعدهم فقراهم
|
|
طلس الذئاب وكل نسر قشعما
|
ساط الا له بحب آل محمد
|
|
وبحب من والاهم مني الدما
|
بيان
: قال الجوهري : شمت السيف : أغمدته ، وشمته : سللته من الاضداد
قوله : يجبن أصحابه : أي ينسبهم إلى الجبن وقال
الجزري : في حديث على عليهالسلام
« أكيلكم
بالسيف كيل السندرة » أي أقتلكم قتلا واسعا ذريعا ، والسندرة : مكيال
واسع ، وقيل : يحتمل أن يكون اتخذ من السندرة
وهي شجرة تعمل منها النبل و
القسي ، والسندرة أيضا العجلة.
أقول في الديوان المنسوب إليه عليهالسلام :
أنا الذي سمتني امي حيدرة
|
|
ضرغام آجام وليث قسورة
|
عبل الذراعين شديد القصرة
|
|
كليث غابات كريه المنظرة
|
أكيلكم بالسيف كيل السندرة
|
|
أضربكم ضربا يبين الفقرة
|
وأترك القرن بقاع جزرة
|
|
أضرب بالسيف رقاب الكفرة
|
ضرب غلام ماجد حزورة
|
|
من ترك الحق يقوم صغرة
|
أقتل منهم سبعة أو عشرة
|
|
فكلهم أهل فسوق فجرة
|
العبل : الضخم من كل شئ ، والقصرة
بالتحريك : أصل العنق وجزر السباع : اللحم الذي تأكله ، والحزور كجعفر ، وبتشديد
الواو وفتح الزاء أيضا : الغلام
إذا اشتد وقوي وخدم. وصغرة جمع صاغر بمعنى
الذليل ، والفليق : الجيش. و
الغرار بالكسر : حد الرمح والسهم والسيف ، والمخذم
بالكسر : السيف القاطع ، والقرى : الضيافة ، والطلس بالكسر : الذئب الامعط ، أي المتساقط الشعر ، والقشعم
المسن من النسور والضخم ، والسوط : الخلط.
١٢
ـ قب
: أركبه رسول الله صلىاللهعليهوآله
يوم خيبر وعممه بيده وألبسه ثيابه وأركبه
بغلته ، ثم قال : « امض يا علي وجبرئيل عن
يمينك ، وميكائيل عن يسارك ، و
____________________
عزرائيل أمامك ، وإسرافيل
وراءك. ونصرالله فوقك ، ودعائي خلفك » وخبر النبي
صلىاللهعليهوآله
رميه أربعين ذراعا فقال صلىاللهعليهوآله
: والذي نفسي بيده لقد أعانه عليه
أربعون
ملكا.
١٣ ـ ما
: في خبر الشورى باسناده عن أبي ذر رضياللهعنه
قال : قال
أميرالمؤمنين عليهالسلام
: فهل فيكم أحد احتمل باب خيبر يوم فتحت حصنها ، ثم مشى
به ساعة ، ثم ألقاه ، فعالجه بعد ذلك أربعون
رجلا فلم يقلوه من الارض؟
قالوا : لا.
١٤ ـ ما
: جماعة عن أبي المفضل ، عن عبدالرحمن
بن سليمان الازدي عن
الحسن بن علي الازدي ، عن عبدالوهاب بن الهمام ،
عن جعفر بن سليمان ، عن
أبي هارون العبدي ، عن ربيعة السعدي ، عن حذيفة
بن اليمان قال : لما خرج
جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة إلى النبي صلىاللهعليهوآله قدم جعفر رحمهالله والنبي
صلىاللهعليهوآله
بأرض خيبر فأتاه بالفرع من الغالية والقطيفة فقال النبي (ص) : « لا دفعن
هذه القطيفة إلى رجل يحب الله ورسوله ، ويحبه
الله ورسوله » فمد أصحاب النبي
صلىاللهعليهوآله
أعناقهم إليها ، فقال النبي (ص) : « أين علي؟ » فوثب عمار بن ياسر رضي الله
عنه فدعا عليا عليهالسلام
، فلما جاء قال له النبي (ص) : « يا علي خذ هذه القطيفة إليك » فأخذها علي عليهالسلام
وأمهل حتى قدم المدينة فانطلق إلى البقيع وهو سوق المدينة
فأمر صائغا ففصل القطيفة سلكا سلكا فباع الذهب
وكان ألف مثقال ، ففرقه علي
عليهالسلام
في فقراء المهاجرين والانصار ، ثم رجع إلى منزله ولم يترك من الذهب
قليلا ولا كثيرا ، فلقيه النبي صلىاللهعليهوآله من غد في نفر من
أصحابه فيهم حذيفة وعمار
فقال : « يا على إنك أخذت بالامس ألف مثقال
فاجعل غدائي اليوم وأصحابي هؤلاء
عندك » ولم يكن علي عليهالسلام يرجع يومئذ إلى شئ
من العروض : ذهب أوفضة ، فقال حياء منه وتكرما : نعم يا رسول الله وفي الرحب والسعة ادخل يا نبي الله أنت
____________________
من معك ، قال : فدخل
النبي صلىاللهعليهوآله
ثم قال لنا : ادخلوا ، قال حذيفة : وكنا
خمسة نفر : أنا ، وعمار ، وسلمان ، وأبوذر ، والمقداد
رضياللهعنهم
، فدخلنا و
دخل علي على فاطمة عليهماالسلام يبتغي عندها شيئا
من زاد ، فوجد في وسط البيت جفنة
من ثريد تفور ، وعليها عراق كثير ، وكأن
رائحتها المسك ، فحملها علي عليهالسلام
حتى وضعها بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوآله ومن حضر معه ، فأكلنا
منها حتى تملانا ولا
ينقص منها قليل ولا كثير ، وقام النبي صلىاللهعليهوآله حتى دخل على فاطمة عليهاالسلام ، وقال :
« أنى لك هذا الطعام يا فاطمة؟ » فردت عليه
ونحن نسمع قولهما فقالت : هو من
عندالله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ، فخرج
النبي صلىاللهعليهوآله
إلينا مستعبرا وهو
يقول : الحمدلله الذي لم يمتني حتى رأيت لابنتي
ما رأى زكريا لمريم ، كان إذا
دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا ، فيقول لها :
يا مريم أنى لك هذا؟ فتقول : هو من عندالله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب.
بيان
: في القاموس : فرع كل شئ : أعلاه ، ومن القوم : شريفهم ، والمال
الطائل المعد.
١٥ ـ ل
: باسناده عن عامر بن واثلة قال : سمعت
عليا عليهالسلام
يقول يوم الشورى : نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
حين رجع عمر يجبن أصحابه و
يجبنونه قد رد راية رسول الله (ص) منهزما ، فقال
رسول الله (ص) : « لا عطين الراية
غدا رجلا ليس بفرار ، يحبه الله ورسوله ، ويحب
الله ورسوله لا يرجع حتى يفتح
الله عليه » فلما أصبح قال : « ادعوا لي عليا »
فقالوا : يا رسول الله هو رمد ما يطرف ، فقال : « جيؤني به » فلما قمت بين يديه تفل في عيني وقال : « اللهم أذهب عنه الحر
والبرد » فأذهب الله عني الحر والبرد إلى ساعتي
هذه ، فأخذت الراية وهزم الله
المشركين وأظفرني بهم ، غيري؟ قالوا : اللهم لا.
قال : نشدتكم بالله هل فيكم أحد حين جاء
مرحب وهو يقول :
أنا الذي سمتني امي مرحب
|
|
شاكي السلاح بطل مجرب
|
أطعن أحيانا وحينا أضرب
____________________
فخرجت إليه فضربني وضربته ، وعلى رأسه
نقير من جبل
لم يكن
تصلح على رأسه بيضة من عظم رأسه ، ففلقت
النقير. ووصل السيف إلى رأسه فقتله ، ففيكم أحد فعل هذا؟ قالوا : اللهم لا.
١٦ ـ ج
: عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي
جعفر عليهالسلام
في حديث
الشورى قال : قال أمير المؤمنين عليهالسلام : نشدتكم بالله هل
فيكم أحد مسح رسول الله
صلىاللهعليهوآله
عينيه وأعطاه الراية يوم خيبر فلم يجد حرا ولا بردا غيري؟ قالوا : لا ، قال : نشدتكم بالله هل فيكم أحد قتل مرحبا اليهودي مبارزة فارس اليهود غيري؟ قالوا : لا ، قال : نشدتكم بالله هل فيكم أحد احتمل باب خيبر حين فتحها فمشى به مائة
ذراع ثم عالجه بعده أربعون رجلا « فلم يطيقوه
غيري؟ قالوا : لا.
١٧ ـ عم
: ثم كانت غزوة خيبر في ذى الحجة من سنة ست ، وذكر الواقدي
أنها كانت أول سنة سبع من الهجرة ، وحاصرهم
رسول الله صلىاللهعليهوآله
بضعا وعشرين ليلة
وبخيبر أربعة عشر ألف يهودي في حصونهم ، فجعل
رسول الله عليهالسلام
يفتحها حصنا
حصنا ، وكان من أشد حصونهم وأكثرها رجالا
القموص ، فأخذ أبوبكر راية
المهاجرين فقاتل بها ثم رجع منهزما ، ثم أخذها
عمر من الغد فرجع منهزما يجبن
الناس ويجبنونه حتى ساء رسول الله صلىاللهعليهوآله ذلك ، فقال : لا
عطين الراية غدا رجلا
كرارا غير فرار ، يحب الله ورسوله ، ويحبه الله
ورسوله ، لا يرجع حتى يفتح الله
على يديه ، فغدت قريش يقول بعضهم لبعض : أما
علي فقد كفيتموه فإنه أرمد
لا يبصر موضع قدمه ، وقال علي عليهالسلام لما سمع مقالة رسول
الله (ص) : « اللهم لا معطي
لما منعت ، ولا مانع لما أعطيت » فأصبح رسول
الله (ص) واجتمع إليه الناس قال سعد : جلست نصب عينيه ، ثم جثوت على ركبتي ، ثم قمت
على رجلي قائما ، رجاء أن
يدعوني ، فقال : « ادعوا لي عليا » فصاح الناس
من كل جانب إنه أرمد رمدا لا يبصر
موضع قدمه ، فقال : « أرسلوا إليه وادعوه » فأتي
به يقاد ، فوضع رأسه على فخذه
____________________
تفل في عينيه ، فقام
وكأن عينيه
جزعتان ، ثم أعطاه الراية ودعا له
فخرج يهرول هرولة ، فوالله ما بلغت أخراهم حتى
دخل الحصن ، قال جابر : فأعجلنا أن نلبس أسلحتنا وصاح سعد : اربع يلحق بك الناس ، فأقبل حتى
ركزها قريبا من الحصن ، فخرج إليه مرحب في
عادته باليهود ، فبارزه فضرب
رجله فقطعها وسقط ، وحمل علي عليهالسلام والمسلمون عليهم
فانهزموا
قال أبان : وحدثني زرارة قال : قال الباقر عليهالسلام
: انتهى إلى باب الحصن وقد
أغلق في وجهه ، فاجتذبه اجتذابا وتترس به ، ثم
حمله على ظهره ، واقتحم الحصن
اقتحاما واقتحم المسلمون والباب على ظهره ، قال
: فو الله ما لقي علي من الناس
تحت الباب أشد مما لقي من الباب ، ثم رمى
بالباب رميا ، وخرج البشير إلى رسول
الله (ص) إن عليا عليهالسلام
دخل الحصن ، فأقبل رسول الله فخرج علي عليهالسلام
يتلقاه
فقال صلىاللهعليهوآله
: « بلغني نبأك المشكور ، وصنيعك المذكور ، قد رضي الله عنك
فرضيت أنا
عنك » فبكى علي عليهالسلام
فقال له : « ما يبكيك ياعلي؟ » فقال : فرحا بأن الله ورسوله عني راضيان. قال : وأخذ علي فيمن أخ صفية بنت حبي
فدعا بلالا فدفعها إليه ، وقال له : لاتضعها
إلا في يدي رسول الله صلىاللهعليهوآله
حتى يرى
فيها رأيه ، فأخرجها بلال ومر بها إلى رسول
الله (ص) على القتلى وقد كادت تذهب
روحها
فقال صلىاللهعليهوآله
: « أنزعت منك الرحمة يا بلال؟ » ثم اصطفاها لنفسه ، ثم
أعتقها وتزوجها.
قال : فلما فرغ رسول الله صلىاللهعليهوآله من خيبر عقد لواء ،
ثم قال : « من يقوم
إليه
فيأخذه بحقه؟ » وهو يريد أن يبعث به إلى حوائط فدك ، فقام الزبير
إليه فقال : أنا ، فقال : « امط عنه » ثم قام
إليه سعد فقال :
« امط عنه » ثم قال :
____________________
« يا علي قم إليه فخذه » فأخذه فبعث به إلى فدك
فصالحهم على أن يحقن دماءهم
فكانت حوائط فدك لرسول الله خاصا خالصا ، فنزل
جبرئيل عليهالسلام
فقال : إن الله
عزوجل يأمرك أن تؤتي ذا القربى حقه ، قال : يا
جبرئيل ومن قرباي؟
و
ما حقها؟ قال فاطمة ، فأعطها حوائط فدك ومالله
ولرسوله فيها ، فدعا رسول الله
صلىاللهعليهوآله
فاطمة وكتب لها كتابا جاءت به بعد موت أبيها إلى أبي بكر ، وقالت : هذا
كتاب رسول الله صلىاللهعليهوآله
لي ولا بني.
قال : ولما افتتح رسول الله صلىاللهعليهوآله خيبر أتاه البشير
بقدوم جعفر بن أبي
طالب وأصحابه من الحبشة إلى المدينة ، فقال صلىاللهعليهوآله : « ما أدري بأيهما
أنا أسر؟
بفتح خيبر أم بقدوم جعفر؟ ».
وعن سفيان الثوري ، عن أبي الزبير ، عن
جابر قال : لما قدم جعفر بن أبي
طالب من أرض الحبشة تلقاه رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فلما نظر جعفر
إلى رسول الله (ص)
حجل ، يعني مشى على رجل واحدة إعظاما لرسول
الله صلىاللهعليهوآله
، فقبل رسول الله بين
عينيه.
وروى زرارة ، عن أبي جعفر عليهالسلام أن رسول الله صلىاللهعليهوآله لما استقبل جعفرا
التزمه ثم قبل بين عينيه. ، قال : وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله بعث قبل أن يسير
إلى
خيبر عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي عظيم الحبشة ودعاه إلى الاسلام
فأسلم ، وكان أمر عمروا أن يتقدم بجعفر وأصحابه
، فجهز النجاشي جعفر او أصحابه
بجهاز حسن ، وأمر لهم بكسوة وحملهم في سفينتين.
بيان
: قال الجزري : الجزع بالفتح. الخرز اليماني ، ويقال : ربع يربع
____________________
أي وقف وانتظر ، وقال
: في حديث خيبر أنه أخذ الراية فهزها ثم قال : « من
يأخذها بحقها؟ » فجاء فلان فقال : أنا ، فقال :
« امط » ثم جاء آخر فقال : « امط » أي تنح واذهب. وقال : الحجل : أن يرفع رجلا ، ويقفز
على الاخرى من
الفرح ، وقد يكون بالرجلين إلا أنه قفز ، وقيل :
الحجل مشي المقيد.
١٨
ـ كا
: علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن يحيى الحلبي ، عن هارون
ابن خارجة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : قال رسول
الله (ص) لجعفر : « يا
جعفر ألا أمنحك؟ ألا أعطيك؟ ألا أحبوك؟ » فقال له جعفر : بلى يا رسول
الله ، قال : فظن الناس أنه يعطيه ذهبا أو فضة ،
فتشوف الناس لذلك ، فقال ل
إني اعطيك شيئا إن أنت صنعته في كل يوم كان خيرا لك من الدنيا وما فيها » ثم علمه صلىاللهعليهوآله
صلاة جعفر على ما سيأتي إنشاء الله.
بيان
: تشوف للشئ ، أي طمح إليه بصره.
١٩
ـ ل ، ن
: المفسر بإسناده إلى أبي محمد العسكري ، عن آبائه ، عن
علي عليهمالسلام
قال : إن رسول الله (ص) لما جاءه جعفر بن أبي طالب من الحبشة قام
إليه واستقبله اثنتى عشرة خطوة ، وقبل ما بين
عينيه وبكى ، وقال : « لا أدري
بأيهما أنا أشد سرورا. بقدومك يا جعفر أم بفتح
الله على أخيك خيبر؟ » وبكى فرحا برؤيته.
٢٠ ـ يب
: الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن بسطام
، عن أبي عبدالله عليهالسلام
قال : قال له رجل : جعلت فداك أيلتزم الرجل
أخاه؟ فقال : نعم إن رسول الله (ص) يوم افتتح
خيبر أتاه الخبر أن جعفرا قد قدم ، فقال : « والله ما أدري بأيهما أنا أشد
سرورا ، بقدوم جعفر أو بفتح خيبر؟ » قال : فلم
يلبث أن جاء جعفر ، قال : فوثب
رسول الله صلىاللهعليهوآله
فالتزمه وقبل ما بين عينيه ، قال : فقال له الرجل : الاربع ركعات
التي بلغني أن رسول الله صلىاللهعليهوآله أمر جعفرا أن
يصليها؟ فقال : لما قدم عليهالسلام
عليه
قال له : « يا جعفر ألا اعطيك؟ ألا أمنحك؟ ألا
أحبوك؟ » قال : فتشوف الناس ورأوا
____________________
أنه يعطيه ذهبا أو
فضة ، قال : بلى يا رسول الله ، قال : صل أربع ركعات متى
ما صليتهن غفر لك ما بينهن ، إن استطعت كل يوم ،
وإلا فكل يومين ، أو كل
جمعة ، أو كل شهر ، أو كل سنة ، فإنه يغفر لك
ما بينهما الخبر.
٢١ ـ قب
: فتح خيبر في المحرم سنة سبع ، ولما رأت أهل خيبر عمل علي
عليهالسلام
قال ابن أبي الحقيق للنبي (ص) : أنزل فأكلمك ، قال : نعم ، فنزل وصالح
النبي صلىاللهعليهوآله
على حقن دماء في حصونهم ، ويخرجون منها بثوب واحد ، فلما
سمع أهل فدك قصتهم بعثوا محيصة بن مسعود إلى
النبي صلىاللهعليهوآله
يسألونه أن يسترهم
بأثواب ، فلما نزلوا سألوا النبي صلىاللهعليهوآله أن يعاملهم الاموال
على النصف ، فصالحهم
على ذلك ، وكذلك فعل بأهل خيبر.
٢٢
ـ ل :
الحسن بن محمد بن يحيى العلوي ، عن جده ، عن داود بن القاسم
عن الحسن بن زيد قال : سمعت جماعة من أهل بيتي
يقولون : إن جعفر بن أبي
طالب لما قدم من أرض الحبشة وكان بها مهاجرا ، وذلك
يوم فتح خيبر قام النبي
صلىاللهعليهوآله
فقبل بين عينيه ، ثم قال : ما أدري بأيهما أنا أسر ، بقدوم جعفر أو بفتح
خيبر؟.
٢٣
ـ كا
: العدة ، عن أحمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن أبي
الفضل قال : كنت مجاورا بمكة فسألت أبا عبدالله
عليهالسلام
من أين احرم بالحج؟
فقال : من حيث أحرم رسول الله صلىاللهعليهوآله من الجعرانة ، أتاه في ذلك المكان فتوح
الطائف وفتح خيبر والفتح.
بيان
: لعل « خيبر » هنا تصحيف « حنين » كما في بعض النبسخ ، ويمكن
أن يقال : كانت البشارة بفتح خيبر في الحديبية ،
وهو قريب من الجعرانة.
____________________
٢٤
ـ لى
: الصائغ ، عن محمد بن العباس بن بسام. عن محمد بن خالد بن إبراهيم
عن سويد بن عبدالعزيز ، عن عبدالله بن لهيعة ، عن
ابن قنبل ، عن عبدالله بن عمرو
ابن العاص قال : إن رسول الله صلىاللهعليهوآله دفع الراية يوم
خيبر إلى رجل من أصحابه
فرجع منهزما ، فدفعها إلى آخر فرجع يجبن أصحابه
ويجبنونه قد رد الراية
منهزما ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « لاعطين الراية
غدا رجلا يحب الله ورسوله ، و
يحبه الله ورسوله ، لا يرجع حتى يفتح الله على
يديه » فلما أصبح قال : ادعوا لي
عليا ، فقيل له : يا رسول الله هو رمد ، فقال :
ادعوه ، فلما جاء تفل رسول الله (ص)
في عينيه وقال : « اللهم ادفع عنه الحر والبرد » ثم دفع الراية إليه ومضى ، فما
رجع إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله إلا بفتح خيبر ، ثم
قال : إنه لما دا من القمصوص أقبل
أعداء الله من اليهود يرمونه بالنبل والحجارة ،
فحمل عليهم علي عليهالسلام
حتى دنا
من الباب ، فثنى رجله ثم نزل مغضبا إلى أصل عتبة الباب
فاقتلعه ، ثم رمى به
خلف ظهره أربعين ذراعا ، قال ابن عمرو : ما
عجبنا من فتح الله خبير على يدي علي
عليهالسلام
، ولكنا عجبنا من قلعه الباب ورميه خلفه أربعين ذراعا ، ولقد تكلف حمله
أربعون رجلا فما أطاقوه فأخبر النبي صلىاللهعليهوآله بذلك ، فقال : والذي
نفسي بيده لقد
أعانه عليه أربعون ملكا.
٢٥
ـ لى
: الدقاق ، عن الصوفي ، عن عبيدالله بن موسى الحبال ، عن محمد
ابن الحسين الخشاب ، عن محمد بن محصن ، عن ابن
ظبيان ، عن الصادق ، عن آبائه
عليهمالسلام
أن أميرالمؤمنين عليهالسلام
قال في رسالته إلى سهل بن حنيف رحمهالله
، والله ما
قلعت باب خيبر ورميت به خلف ظهري أربعين ذراعا
بقوة جسدية ، ولا حركة
غذائية ، لكني ايدت بقوة ملكوتية ، ونفس بنور
ربها مضيئة
وأنا من أحمد
كالضوء من الضوء ، والله لو تظاهرت العرب على
قتالي لما وليت ، ولو أمكنتني
الفرصة من رقابها لما بقيت ، ومن لم يبال متى
حتفه عليه ساقط فجنانه في الملمات
رابط.
____________________
٢٦
ـ ل :
فيما أجاب أميرالمؤمنين عليهالسلام
اليهودي الذي سأل عن علامات
الاصياء أن قال : وأما السادسة يا أخا اليهود
فإنا وردنا مع رسول الله صلىاللهعليهوآله
مدينة
أصحابك خيبر على رجال من اليهود وفرسانها من
قريش وغيرها فتلقونا بأمثال
الجبال من الخيل والرجال والسلاح ، وهم في أمنع
دار ، وأكثر عدد ، كل
ينادي يدعو
ويبادر إلى القتال فلم يبرز إليهم من أصحابي أحد إلا قتلوه ، حتى
إذا احمرت الحدق ودعيت إلى النزال ، وأهمت كل
امرئ نفسه ، والتفت بعض
أصحابي إلى بعض وكل يقول : يا أبا الحسن انهض ،
فأنهضني رسول الله صلىاللهعليهوآله
إلى
دارهم ، فلم يبرز إلي منهم أحد إلا قتلته ، ولا
يثبت لي فارس إلا طحنته ، ثم شددت
عليهم شدة الليث على فريسته حتى أدخلتهم جوف
مدينتهم مسددا عليهم ، فاقتلعت
باب حصنهم بيدي حتي دخلت عليهم مدينتهم وحدي ، أقتل
من يظهر فيها من رجالها
وأسبي من أجد من نسائها حتى افتتحتها وحدي ، ولم
يكن لي فيها معاون إلا الله
وحده.
٢٧
ـ ما
: ابن الحمامي ، عن أحمد بن سليمان بن الحسن ، عن معاذ بن
المثنى ، عن مسدد ، عن أبي عوانة ، عن سهيل ، عن
أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله
: لاعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ، ويحب الله
ورسوله ، لا يرجع حتى يفتح الله عليه « قال عمر
: ما أحببت الامارة قبل يومئذ ، فدعا عليا عليهالسلام
فبعثه ، فقال له : « اذهب فقاتل حتى يفتح الله عزوجل عليك ، ولا تلتفت » فمشى ساعة أو قال : قليلا ، ثم وقف ولم يلتفت ، فقال : يا رسول الله
على ما أقاتل الناس؟ قال : قاتلهم حتى يشهدوا
أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول
الله ، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم
وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على
الله عزوجل.
٢٨
ـ ما :
ابن الصلت ، عن ابن عقدة ، عن الحسن بن القاسم ، عن إبراهيم
____________________
ابن شيبان ، عن
سليمان بن بلال ، عن علي بن موسى بن الحسن ، عن أبيه ، عن
جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه عليهمالسلام أن رسول الله (ص)
دفع خيبر إلى أهلها
بالشطر ، فلما كان عند الصرام بعث عبدالله بن
رواحة فخرصها عليهم ، ثم قال : « إن
شئتم أخذتم بخرصنا ، وإن شئنا أخذنا واحتسبنا لكم؟ » فقالوا : هذا الحق
بهذا قامت السماوات والارض.
٢٩
ـ يج :
روي عن علي عليهالسلام
قال : لما خرجنا إلى خيبر فإذا نحن بواد
ملا
ماء فقدرناه أربع عشر
قامة ، فقال الناس : يا رسول الله العدو من
ورائنا ، والوادي أمامنا ، كما قال أصحاب موسى :
إنا لمدركون ، فنزل صلىاللهعليهوآله
فقال
: « اللهم إنك جعلت لكل مرسل علامة ، فأرنا قدرتك » فركب و
عبرت الخيل والابل لا تندى حوافرها وأخفافها ففتحوه ثم أعطي بعده في
أصحابه حين عبور عمرو بن معدي كرب البحر بالمدائن بحبشه.
٣٠ ـ يج
: من معجزاته صلىاللهعليهوآله أنه لما سار إلى
خيبر أخذ أبوبكر الراية
إلى باب الحصن فحاربهم ، فحملت اليهود فرجع
منهزما « يجبن أصحابه ويجبنونه
ولما كان من الغد أخذ عمر الراية فخرج بهم ، ثم
رجع يجبن الناس
فغضب
رسول الله صلىاللهعليهوآله
وقال : « ما بال أقوام يرجعون منهزمين يجبنون أصحابهم؟ أما
لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه
الله ورسوله ، كرارا غير
فرار ، لا يرجع حتى يفتح الله على يده » وكان علي عليهالسلام أرمد العين ، فتطاول
جميع المهاجرين والانصار فقالوا : أما علي فإنه
لايبصر شيئا ، لا سهلا ولا جبلا
____________________
فلما كان من الغد
خرج رسول الله صلىاللهعليهوآله
من الخيمة والراية في
يده فركزها
وقال : « أين علي؟ » فقيل : يا رسول الله هو
رمد معصوب العينين ، قال : « هاتوه
إلي » فأتي به يقاد ، ففتح رسول الله صلىاللهعليهوآله عينيه ثم تفل فيهما
فكأن عليا
لم
ترمد عيناه قط ثم قال : « اللهم أذهب عنه الحر والبرد
» فكان علي يقول : ما وجدت بعد ذلك حرا ولا بردا في صيف ولا شتاء
، ثم دفع إليه الراية وقال له : سر في المسلمين إلى باب الحصن ، وادعهم إلى إحدى ثلاث خصال : إما أن يدخلوا
في الاسلام ولهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم
وأموالهم لهم ، وإما أن يذعنوا
للجزية
والصلح ولهم الذمة وأموالهم لهم ، وإما الحرب فان اختاروا
الحرب فحاربهم. فأخذها وساربها والمسلمون خلفه
حتى وافى باب الحصن ، فاستقبله
حماة اليهود ، وفي أولهم مرحب يهدر كما يهدر البعير ، فدعاهم إلى الاسلام
فأبوا ، ثم دعاهم إلى الذمة فأبوا ، فحمل عليهم
أميرالمؤمنين عليهالسلام
فانهزموا بين
يديه ودخلوا الحصن وردوا بابه ، وكان الباب
حجرا منقورا في صخر ، والباب
من الحجر في ذلك الصخر المنقور كأنه حجر رحى ، وفي
وسطه ثقب لطيف ، فرمى
أميرالمؤمنين عليهالسلام
بقوسه من يده اليسرى ، وجعل يده اليسرى في ذلك الثقب
الذي في وسط الحجر دون اليمنى ، لان السيف كان
في يده اليمنى ، ثم جذبه
إليه فانهار الصخر المنقور ، وصار الباب في يده
اليسرى ، فحملت عليه اليهود ، فجعل
ذلك ترسا له ، وحمل عليهم فضرب مرحبا فقتله ، وانهزم
اليهود من بين يديه فرمى
عند ذلك الحجر بيده اليسرى إلى خلفه ، فمر
الحجر الذي هو الباب على رؤس
الناس من المسلمين إلى أن وقع في آخر العسكر ، قال
المسلمون : فذرعنا المسافة
التي مضى فيها الباب فكانت أربعين ذراعا ، ثم
اجتمعنا على الباب
لنرفعه من
الارض وكنا أربعين رجلا حتى تهيأ لنا أن نرفعه
قليلا من الارض.
____________________
٣١ ـ يج :
روي أنه لما انصرف رسول الله صلىاللهعليهوآله
من خيبر راجعا إلى المدينة
قال جابر : وصرنا على واد عظيم قد امتلا بالماء فقاسوا
عمقه برمح فلم يبلغ
قعره ، فنزل رسول الله صلىاللهعليهوآله وقال : « اللهم
أعطنا اليوم آية من آيات أنبيائك و
رسلك » ثم الماء بقضيبه واستوى على راحلته ثم
قال : سيروا خلفي باسم
الله
» فمضت راحلته على وجه الماء فاتبعه
الناس على رواحلهم ودوابهم فلم
تترطب
أخفافها ولا حوافرها.
٣٢ ـ يج
: روي أن النبي صلىاللهعليهوآله لما صار إلى خيبر كانوا قد جمعوا
حلفاءهم من العرب من غطفان أربعة آلاف فارس ، فلما
نزل صلىاللهعليهوآله
بخيبر سمعت
غطفان صائحا يصيح في تلك الليلة : يا معشر
غطفان ، الحقوا حيكم ، فقد خولفتم
إليهم ، وركبوا من ليلتهم ، وصاروا إلى حيهم من
الغد ، فوجدوهم سالمين قالوا : فعلمنا أن ذلك من قبل الله ليظفر محمد بيهود
خيبر ، فنزل صلىاللهعليهوآله
تحت شجرة ، فلما
انتصف النهار نادى مناديه ، قالوا : فاجتمعنا
إليه فإذا عنده رجل جالس فقال : عليكم هذا جاءني وأنا نائم وسل سيفي ، وقال : من يمنعك مني؟ قلت : الله يمنعني
منك ، فصار كما ترون لا حراك به ، فقال : دعوه
ولم يعاقبه ، ما فتح علي صلىاللهعليهوآله
حصن خيبر الاعلى بقيت لهم قلعة فيها جميع أموالهم ومأكولهم ، ولم يكن عليها
حرب بوجه
من الوجوه ، نزل رسول الله محاصرا لمن فيها ، فصار إليه يهودي
منهم فقال : يا محمد تؤمنني على نفسي وأهلي
ومالي وولدي حتى أدلك على فتح
القلعة ، فقال له النبي صلىاللهعليهوآله : أنت آمن ، فما
دلالتك؟ قال : تأمر أن يحفر هذا
الموضع فإنهم يصيرون إلى ماء أهل القلعة فيخرج
ويبقون بلاماء
ويسلمون
إليك القلعة طوعا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : أو يحدث الله غير
هذا وقد أمناك ، فلما
____________________
كان من الغد ركب
رسول الله صلىاللهعليهوآله
بغلته وقال للمسلمين : اتبعوني ، وسار نحو
القلعة ، فأقبلت السهام والحجارة نحوه وهي تمر
عن يمنته ويسرته فلا تصيبه ولا
أحدا من المسلمين شئ منها حتى وصل رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى باب القلعة ، فأشار
بيده
إلى حائطها ، فانخفض الحائط حتى صار من الارض وقال للناس : ادخلوا
القلعة من رأس الحائط بغير كلفة.
بيان
: فقد خولفتم إليهم ، أي أنى عدوكم حيكم مخالفين لكم في الطريق
في القاموس : هو يخالف فلانة ، أي يأتيها إذا
غاب زوجها.
٣٣ ـ كا
: علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي قال : أخبرني أبوعبدالله عليهالسلام
أن أباه عليهالسلام
حدثه أن رسول الله (ص) أعطى خيبر بالنصف
أرضها ونخلها ، فلما أدركت الثمرة بعث عبدالله
بن رواحة فقوم عليهم قيمة ، فقال
لهم : « إما أن تأخذوه وتعطوني نصف الثمر وإما أعطيتكم نصف الثمر و
آخذه » فقالوا : بهذا قامت السماوات والارض.
٣٤ ـ كا
: العدة عن أحمد بن محمد وسهل بن زياد ، عن الحسن بن محبوب ، عن
معاوية بن عمار ، عن أبي الصباح قال : سمعت أبا
عبدالله عليهالسلام
يقول : إن النبي
صلىاللهعليهوآله
لما افتتح خيبر تركها في أيديهم على النصف ، فلما بلغت الثمرة بعث عبدالله
ابن رواحة إليهم فخرص عليهم ، فجاؤا إلى النبي صلىاللهعليهوآله فقالوا له : إنه
قدزاد علينا
فأرسل إلى عبدالله فقال : « ما يقول هؤلاء؟ » قال
: قد خرصت عليهم بشئ ، فإن
شاؤا يأخذون بما خرصت ، وإن شاؤا أخذنا ، فقال
رجل من اليهود : بهذا قامت
المساوات والارض.
٣٥ ـ أقول
: قال الكازروني : في سنة سبع من الهجرة
كانت غزوة خيبر في
جمادى الاولى ، وخيبر على ثمانية برد من
المدينة ، وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوآله
لما
____________________
رجع من الحديبية
أقام بالمدينة بقية ذي الحجة ، وبعض المحرم ، ثم خرج في
بقية المحرم لسنة سبع ، واستخلف على المدينة
سباع بن عرفطة الغفاري
، و
أخرج معه أم سلمة ، فلما نزل بساحتهم أصبحوا
وغدوا إلى أعمالهم
معهم المساحي
والمكاتل ، فلما نظروا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله قالوا : محمد
والخميس
فولوا هاربين
إلى حصونهم ، وجعل رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : « الله أكبر
خزيت خيبر إنا
جيش
إذا نزلنا
بساحة قوم فساء صباح المنذرين » فقاتلوهم أشد القتال وفتحها حصنا
حصنا ، وهي حصون ذوات عدد ، وأخذ كنز آل أبي الحقيق ، وكان قد غيبوه
في خربة فدله الله عليه فاستخرجه وقتل منهم ثلاثة
وتسعين رجلا من
يهود حتى
ألجأهم إلى قصورهم ، وغلبهم على الارض والنخل
فصالحهم على أن يحقن دماءهم
ولهم ما حملت ركابهم ، وللنبي صلىاللهعليهوآله الصفراء والبيضاء
والسلاح ، ويخرجهم
وشرطوا للنبي صلىاللهعليهوآله
أن لا يكتموه شيئا ، فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد ، فلما
وجد المال الذي غيبوه في مسك الجمال سبى نساءهم وغلب على الارض والنخل
ودفعها إليهم على الشطر.
ثم ذكر حديث الراية ورجوع أبي بكر وعمر
وانهزامهما وقوله صلىاللهعليهوآله
: « أما
والله لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله يأخذها » إلى آخر ما مر.
____________________
ثم قال : قال ابن عباس : لما أراد النبي صلىاللهعليهوآله أن يخرج من خيبر
قال
القوم : الآن نعلم أسرية صفية أم امرأة ، فإن
كانت امرأة فسيحجبها ، وإلا فهي
سرية. فلما خرج أمر بستر فستر دونها ، فعرف
الناس أنها امرأة ، فلما أرادت
أن تركب أدنى رسول الله صلىاللهعليهوآله فخذه منها لتركب
عليها ، فأبت ووضعت ركبتها
على فخذه ثم حملها ، فلما كان الليل نزل فدخل
الفسطاط ودخلت معه ، وجاء أبوأيوب فبات عند الفسطاط معه السيف واضع رأسه على
الفسطاط ، فلما أصبح رسول
الله صلىاللهعليهوآله
سمع صوتا فقال : « من هذا؟ » فقال : أنا أبوأيوب ، فقال : « ما شأنك؟ » قال : يا رسول الله جارية شابة حديثة عهد بعرس وقد صنعت بزوجها ما صنعت فلم
آمنها ، قلت : إن تحركت كنت قريبا منك ، فقال
رسول الله صلىاللهعليهوآله
: « رحمك الله
يا أبا أيوب » مرتين ، وكانت صفية عروسا بكنانة
بن الربيع بن أبي الحقيق حين
نزل رسول الله خيبر ، فرأت في المنام كأن الشمس
نزلت حتى وقعت على صدرها
فقصت ذلك على زوجها ، فقال : والله ما تمنيت إلا هذا الملك الذي نزل بنا.
ففتحها رسول الله صلىاللهعليهوآله
وضرب عنق زوجها فتزوجها.
وفي بعض الروايات أن صفية كانت قد رأت
في المنام وهي عروس بكنانة بن
الربيع أن قمرا وقع في حجرها ، فعرضت رؤياها
على زوجها ، فقال : ما هذا إلا
أنك تمنين ملك الحجاز ، فلطم وجهها لطمة اخضرت
عينها منها ، فأتي رسول الله
صلىاللهعليهوآله
بها وبها أثر منها ، فسألها ما هو ، فأخبرته هذا الخبر.
وأتي رسول الله صلىاللهعليهوآله بزوجها كنانة وكان
عنده كنز بني النضير فسأله
فجحده أن يكون يعلم مكانه ، فأتي رسول الله صلىاللهعليهوآله برجل من اليهود
فقال لرسول
الله (ص) : إني قد رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة
كل غداة ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
: « أرأيت
إن وجدناه عندك أفنلك؟ » قال : نعم ، فأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله
بالخربة
فحفرت فأخرج منها بعض كنزهم ، ثم سأله ما بقي
فأبي أن يؤديه ، فأمر صلىاللهعليهوآله
الزبير بن العوام قال : « عذبه حتى تستأصل ما
عنده » وكان الزبير يقدح بزند في
____________________
صدره حتى أشرف على
نفسه ، ثم دفعه رسول الله صلىاللهعليهوآله
إلى محمد بن مسلمة فضرب
عنقه بأخيه محمود بن مسلمة.
وبإسناده عن أنس قال : لما افتتح رسول
الله صلىاللهعليهوآله
خيبر قال الحجاج بن
علاط : يا رسول الله إن لي بمكة مالا : وإن لي
بها أهلا أريد أن آتيهم ، فأنا في
حل إن أنا نلت منك وقلت شيئا؟ فأذن له رسول الله صلىاللهعليهوآله أن يقول ما شاء
فأتى امرأنه حين قدم وقال : اجمعي لي ما كان عندك ، فإني
اريد أن أشتري من
غنائم محمد وأصحابه ، فإنهم قد استبيحوا ، وقد
أصيبت أموالهم ، وفشا ذلك في مكة
فانقمع المسلمون ، وأظهر المشركون فرحا وسرورا ،
فبلغ الخبر العباس بن عبد
المطلب فعقر وجعل لايستطيع أن يقوم ، ثم أرسل
الغلام إلى الحجاج : ويلك ما ذاجئت به؟ وماذا تقول؟ فما وعدالله خير مما جئت به ، فقال
الحجاج : اقرأ على
أبي الفضل السلام ، وقل له : فليخل لي بعض
بيوته لآتيه ، فإن الخبر على ما
يسره ، قال : فجاء غلامه ، فلما بلغ الباب قال :
أبشر يا أبا الفضل ، قال : فوثب
العباس فرحا حتى قبل بين عينيه ، فأخبره بما
قال الحجاج فأعتقه ، قال : وثم
جاء الحجاج فأخبره أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قد افتتح خيبر ، غنم
أموالهم ، جرت
سهام الله تعالي في أموالهم ، واصطفى رسول الله
صلىاللهعليهوآله
صفية ، واتخذها لنفسه و
خيرها بين أن يعتقها وتكون زوجته ، وتلحق
بأهلها ، فاختارت أن يعتقها وتكون
زوجته ، ولكن جئت لمال لي ههنا أردت أن أجمعه فأذهب به ،
فاستأذنت رسول
الله صلىاللهعليهوآله
فأذن لي أن أقول ما شئت ، فاخف علي ثلاثا ثم اذكر ما بدالك ، قال : فجمعت امرأته ما كان عندها من حلي ومتاع فدفعته
إليه ثم انشمر به ، فلما كان
بعد ثلاث أتى العباس امرأة الحجاج فقال : ما
فعل زوجك؟ فأخبرته أنه ذهب
يوم كذا وكذا ، وقالت : لا يحزنك الله يا أبا
الفضل لقد شق علينا الذى بلغك ، قال : أجل لا يحزنني الله تعالى ، ولم يكن بحمد الله إلا ما أحببنا ، فتح الله
خيبر
____________________
على رسول الله (ص) ،
واصطفى رسول الله صلىاللهعليهوآله
صفية لنفسه ، فان كان لك حاجة
في زوجك فالحقي به ، قالت : أظنك والله صادقا ،
قال : فوالله إني لصادق ، والامر
على ما أخبرتك ، قال : ثم ذهب حتى أتى مجلس
قريش وهم يقولون
إذامر
بهم : لا يصيبك إلا خير يا أبا الفضل ، قال : لم
يصبني إلا خير بحمد الله ، لقد أخبرني
الحجاج أن خيبر فتح الله على رسوله ، وجرت سهام
الله فيها ، واصطفى رسول الله
صلىاللهعليهوآله
صفية لنفسه ، وقد سألني أى أخفي عنه ثلاثا ، وإنما جاء ليأخذ ماله وما
كان له من شئ ههنا ، ثم يذهب ، قال : فرد الله
الكأبة التي بالمسلمين على المشركين
وخرج من كان دخل بيته مكتئبا حتى أتوا العباس
فأخبر هم الخبر فسر المسلمون
ورد الله ما كان من كأبة أو غيظ أو حزن على
المشركين.
قوله : فانقمع أي انكسر ، وعقر ، أي دهش من
كراهة الخبر الذي
سمعه ، وانشمر به أي خف به وأسرع به.
٣٦ ـ من الديوان المنسوب إلى أميرالمؤمنين عليهالسلام مما أنشده في غزاة
خيبر :
وتعلم أني في الحروب إذا التظت
|
|
حباني بها الطهر النبي المهذب
|
وتعلم أني في الحروب إذا التظت
|
|
بنيرانها الليث الهموس المجرب
|
ومثلى لاقى الهول في مفظعاته
|
|
وقل له الجيش الخميس العطبطب
|
وقد علم الاحياء أني زعيمها
|
|
وأني لدى الحرب العذيق المرجب
|
بيان
: الا لتظاء : الاشتعال والا لتهاب ، وقال الجوهري : الاسد الهموس : الخفي الوطئ ، و « قل » المضبوط في النسخ
بالقاف ، ولعل الفاء أنسب من قولهم : فل الجيش : إذا هزمهم ، والعطبطب لم أجده في
اللغة ، وفي الشرح : المهلك ، والزعيم : سيد القوم ورئيسهم ، والعذيق تصغير العذق
بالفتح وهي النخلة ، وهو
____________________
تصغير تعظيم ، والرجبة
هو أن تعمد النخلة الكريمة ببناء من حجارة أو خشب إذا
خيف عليها لطولها وكثرة حملها أن تقع وقد يكون
ترجيبها بأن يجعل حولها شوك
لئلا يرقى إليها ، ومن الترجيب : أن تعمد بخشبة
ذات شعبتين ، وقيل : أراد بالترجيب
التعظيم ، كل ذلك ذكره في النهاية.
ومنه فيها :
أنا علي وابن عبدالمطلب
|
|
مهذب ذو سطوة وذو غضب
|
غذيت في الحرب وعصيان الئوب
|
|
من بيت غز ليس فيه منشعب
|
وفي يميني صارم يجلو الكرب
|
|
من يلقني يلقى المنايا والعطب
|
إذا كف مثلي بالرؤس يلتعب
بيان
: وعصيان النؤب ، أي عدم إطاعة نوائب الدهر لي وغلبتها علي ، و
المنشعب مصدر ميمي أو اسم مكان ، والانشعاب : التفرق
، وإذا للتعطيل أو ظرف
ليلقى.
ومنه فيها مخاطبا لياسر وغيره :
هذا لكم من الغلام الغالب
|
|
من ضرب صدق وقضاء الواجب
|
وفالق الهامات والمناكب
|
|
أحمي به قماقم الكتائب
|
بيان
: القمقام : السيد ، والعدد الكثير ، والكتيبة : الجيش.
ومنه فيها مخاطبا لعنتر وسائر عسكر خيبر
:
هذا لكم معاشر الاحزاب
|
|
من فالق الهامات والرقاب
|
فاستعجلوا للطعن والضراب
|
|
واستبسلوا للموت والمآب
|
صيركم سيفي إلى العذاب
|
|
بعون ربي الواحد الوهاب
|
بيان
: استبسل : طرح نفسه في الحرب ويريد أن يقتل أو يقتل لا محالة و
____________________
المآب : المرجع في
الآخرة.
ومنه فيها مخاطبا لربيع بن أبي الحقيق :
أنا علي وابن عبدالمطلب
|
|
أحمي ذماري وأذب عن حسب
|
والموت خير للفتى من الهرب
ومنه فيها مخاطبا لجماهير أهل خيبر :
أنا علي وابن عبدالمطلب
|
|
مهذب ذو سطوة وذو حسب
|
قرن إذا لاقيت قرنا لم أهب
|
|
من يلقني يلقى المنايا والكرب
|
ومنه فيها مخاطبا لمرة بن مروان :
أنا علي وابن عبدالمطلب
|
|
أخو النبي المصطفى المنتجب
|
رسول رب العالمين قد غلب
|
|
بينه رب السماء في الكتب
|
وكلهم يعلم لا قول كذب
|
|
ولا بزورحين يدء بالنسب
|
صافي الا ديم والجبين كالذهب
|
|
اليوم أرضيه بضرب وغضب
|
ضرب غلام أرب من العرب
|
|
ليس بخوار يرى عندالنكب
|
فاثبت لضرب من حسام كاللهب
بيان
: حين يدء قال الشارح : الدأو والدأي : الحكاية ، ولم أجده فيما عندنا
من الكتب ، وفي القاموس رأيت الشئ كسعيت : ختلته
، ويحتمل أن يكون بالباء
الموحدة من الابتداء.
ومنه فيها مخاطبا لمرحب :
نحن بنو الحرب بنا سعيرها
|
|
حرب عوان حرها نذيرها
|
تحث ركض الخيل في زفيرها
ومنه فيها مجيبا لياسر الخيبري :
____________________
تبا وتعسالك يابن الكافر
|
|
أنا علي هازم العساكر
|
أنا الذي أضربكم وناصري
|
|
إله وله مهاجري
|
أضربكم بالسيف في المصاغر
|
|
أجود بالطعن وضرب طاهر
|
مع ابن عمي والسراج الزاهر
|
|
حتى تدينوا للعلي القاهر
|
ضرب غلام صارم مماهر
وأيضا « في جوابه :
ينصرني ربي خير ناصر
|
|
آمنت بالله بقلب شاكر
|
أضرب بالسيف على المغافر
|
|
مع النبي المصطفى المهاجر
|
ومنه فيها مجيبا لابي البليت عنتر :
أنا علي البطل المظفر
|
|
غشمشم القلب بذاك اذكر
|
وفي يميني للقاء أخضر
|
|
يلمع من حافته برق يزهر
|
للطعن والضرب الشديد محضر
|
|
مع النبي الطاهر المطهر
|
اختاره الله العلي الاكبر
|
|
اليوم يرضيه ويخزى عنتر
|
بيان
: قال الجوهري : الغشمشم : الذي يركب
رأسه لا يثنيه شئ عما يريد
ويهوى من شجاعته ، وإنما عبر عن السيف بالاخضر
، لانه من الحديد وهو
أسود ،. العرب يعبر عن السواد با لخضرة ، أولكثرة
مائه كما يسمى البحر الا خضر.
ومنه فيها ، قال ارتجز داود بن قابوس فقال :
يا أيها الحامل بالتر غم
|
|
ماذا تريد من فتى غشمشم
|
أروع مفضال هصور هيصم
|
|
ماذا ترى ببازل معتصم
|
وقاتل القرن الجرئ المقدم
|
|
والله لا أسلم حتى تحرم
|
____________________
فأجابه صلوات الله عليه :
اثبت لحاك الله إن لم تسلم
|
|
لوقع سيف عجر في خضرم
|
تحمله مني بنان المعصم
|
|
أحمي به كتائبي وأحتمي
|
إني ورب الحجر المكرم
|
|
قد جدت لله بلحمي ودمي
|
بيان
: الترغم : التغضب. والغشمشم : الشجاع
الذي لايرده شئ ، و
الاروع : الذي يعجبك حسنه ، والهصور : الاسد ، والهيصم : الاسد ، والقوي من الرجال ، وبزل البعير : انشق نابه ، لحاك الله أي لعنك الله ، ويقال : جمل فيه
عجرفة ، أي قلة مبالات لسرعته ، وفلان يتعجرف
علي : إذا كان يركبه بما يكره
ولا يهاب شيئاً ، وعجازف الدهر : حوادثه ، وقال
الجوهري : الخضرم بالكسر : الكثير العطية ، مشبه بالبحر الخضرم وهو الكثير الماء ، وكل شئ كثير واسع
خضرم ، والمعصم : موضع السوار من الساعد ، والحجر
المكرم : الحجر الاسود.
ومنه فيها مخاطباً لليهود :
هذا لكم من الغلام الهاشمي
|
|
من ضرب صدق في ذرى الكمائم
|
ضرب يقود شعر الجماجم
|
|
بصارم أبيض أي صارم
|
أحمي به كتائب القماقم
|
|
عند مجال الخيل بالاقادم
|
بيان
: الكمة : القلنسوة المدورة ، ويقال : سيد قماقم بالضم لكثرة خيره
وبالفتح جمع القمقام وهو السيد.
ومنه عند قتل الخيبري :
أنا علي ولدتني هاشم
|
|
ليث حروب للرجال قاصم
|
معصوصب قي نقعها مقادم
|
|
من يلقني يلقاه موت ها جم
|
بيان
: قصمت الشئ قصما : كسرته ، واعصوصب
القوم : اجتمعوا ، والنقع : الغبار ، والمقادم جمع مقدام كمفاتح ومفتاح.
____________________
٣٧ ـ البرسي في مشارق الانوار قال : لما
جاءت صفية إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله
وكانت من أحسن الناس وجها ، فرأى في وجهها شجة
فقال : ما هذه وأنت ابنة
الملوك؟ فقالت : إن عليا عليهالسلام لما قدم إلى الحصن
هز الباب فاهتز الحصن وسقط
من كان عليه من النظارة وارتجف بي السرير فسقطت لوجهي فشجني جانب
السرير ، فقال لها رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا صفية إن عليا
عظيم عندالله ، وإنه لما هز
الباب اهتز الحصن ، واهتزت السماوات السبع ، والارضون
السبع ، واهتز عرش
الرحمن غضبا لعلي.
وفي ذلك اليوم لما سأله عمر فقال : يا
أبا الحسن لقد اقتلعت منيعا
وأنت
ثلاثة أيام خميصا ، فهل قلعتها بقوة بشرية؟
فقال : ما قلعتها بقوة بشرية ، ولكن
قلعتها بقوة إلهية ، ونفس بلقاء ربها مطمئنة
رضية.
وفي ذلك اليوم لما شطر مرحبا شطرين
وألقاه مجدلا جاء جبرئيل من
السماء متعجبا ، فقال له النبي صلىاللهعليهوآله : مم تعجبت؟ فقال :
إن الملائكة تنادي في
صوامع جوامع
السماوات : لا فتى إلا علي ، لا سيف إلا ذوالفقار.
وأما إعجابي فإني لما أمرت أن ادمر قوم
لوط حملت مدائنهم وهي سبع
مدائن من الارض السابعة السفلى إلى الارض
السابعة العليا على ريشة من جناحي
ورفعتها حتى سمع حملة العرش صياح ديكتهم وبكاء
أطفالهم ، ووقفت بها إلى الصبح
أنتظر الامر ولم أثقل بها ، واليوم لما ضرب علي
ضربته الهاشمية وكبر أمرت
أن أقبض فاضل سيفه حتى لا يشق الارض ، وتصل إلى
الثور الحامل لها فيشطره
شطرين ، فتنقلب الارض بأهلها ، فكان فاضل سيفه
علي أثقل من مدائن لوط ، هذا
وإسرافيل وميكائيل قد قبضا عضده في الهواء.
____________________
أقول : سيأني بعض ما يتعلق بتلك الغزوة
في باب أحوال جعفر بن أبي طالب
عليهماالسلام
، وفي أبواب فضائل أميرالمؤمنين عليهالسلام
، وفي احتجاج الحسن عليهالسلام
على
معاوية ، واحتجاج سعد عليه.
٢٣
( باب )
*(ذكر
الحوادث بعد غزوة خيبر إلى غزوة موتة)*
١ ـ قب ، عم
: ثم بعث رسول الله صلىاللهعليهوآله
بعد غزوة خيبر فيما رواه الزهري
عبدالله بن رواحة في ثلاثين راكبا فيهم عبدالله
بن أنيس إلى البشير بن رزام اليهودي
لما بلغه أنه يجمع غطفان ليغزوبهم ، فأنوه
فقالوا : أرسلنا
إليك رسول الله صلىاللهعليهوآله
ليستعملك على خيبر ، فلم يزالوا به حتى تبعهم
في ثلاثين رجلا مع كل رجل منهم
رديف من المسلمين ، فلما صاروا ستة أميال ندم
البشير فأهوى بيده إلى سيف عبدالله
ابن أنيس ففطن له عبدالله فزجر بعيره ، ثم
اقتحم يسوق بالقوم حتى إذا استمكن
من البشير ضرب رجله فقطعه فاقتحم البشير وفي يده مخرش من شوحط
فضرب
به وجه عبدالله فشجه مأمومة ، وانكمأ كل رجل من المسلمين على رديفه فقتله
غير رجل واحد من اليهود أعجزهم شدا ، ولم يصب
من المسلمين أحد ، وقدموا
على رسول الله صلىاللهعليهوآله
فبصق في شجة عبدالله بن أنيس فلم تؤذه حتى مات.
وبعث غالب بن عبدالله الكلبي إلى أرض بني مرة
فقتل وأسر.
وبعث عيينة بن حصن البدري إلى أرض بني
العنبر فقتل وأسر.
ثم كانت عمرة القضاء سنة سبع اعتمر رسول
الله صلىاللهعليهوآله
والذين شهدوا معه
الحديبية ، ولما بلغ قريشا ذلك خرجوا متبددين ،
فدخل مكة وطاف بالبيت على
بعيره بيده محجن يستلم به الحجر ، وعبدالله بن
رواحة أخذ بخطامه وهو يقول :
____________________
خلوا بني الكفار عن سبيله
|
|
خلوا فكل الخير في رسوله
|
إلى آخر ما مر من الابيات
وأقام بمكة ثلاثة أيام تزوج بها ميمونة
بنت الحارث الهلالية ، ثم خرج
فابتنى بها بسرف ، ورجع إلى المدينة فأقام بها
حتى دخلت سنة ثمان.
بيان
: المخرش : عصاء معوجة الرأس كالصولجان ، والشوحط : ضرب من
شجر الجبال يتخذ منه القسي والمأموته : الشجة
التي بلغت أم الرأس.
٢ ـ أقول
: قال الكازروني في حوادث سنة سبع : وفيها نام رسول الله صلىاللهعليهوآله
عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس.
بالاسناد عن أبي هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوآله حين قفل من غزوة
خيبر سار حتى
إذا أدركه الكرى عرس وقال لبلال : اكلا لنا الليل ، فصلى
بلال ما قدر له
ونام رسول الله صلىاللهعليهوآله
فلما تقارب الفجر استند بلال إلى راحلته مواجه الفجر فعلبت
بلالا عينه وهو مستند إلى راحلته ، فلم يستيقظ
رسول الله صلىاللهعليهوآله
ولا بلال ولا أحد
من الصحابة حتى ضربتهم الشمس ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله أولهم استيقاظا ، ففزع
رسول الله صلىاللهعليهوآله
فقال : أي بلال : أخذ بنفسيي الذي أخذ بنفسك ، بأبي
أنت يا رسول الله صلىاللهعليهوآله
قال : اقتادوا ، فاقتادوا رواحلهم شيئا ، ثم توضأ رسول الله
صلىاللهعليهوآله
وأمر بلالا فأقام الصلاة وصلى بهم الصبح ، فلما قضى الصلاة قال : من نسي
صلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله قال : « أقم
الصلاة لذكرى » .
أقول : قد مضى الكلام فيه في باب سهوه صلىاللهعليهوآله.
ثم قال : وفيها طلعت الشمس بعد ما غربت
لعلي عليهالسلام
على ما أورده الطحاوي
في مشكل الحديث عن أسماء بنت عميس من طريقين أن النبي صلىاللهعليهوآله كان يوحى
____________________
إليه ورأسه في حجر علي
عليهالسلام
، فلم يصل العصر حتى غربت الشمس ، فقال رسول
الله صلىاللهعليهوآله
: « أصليت يا علي؟ » قال : لا ، فقال رسول الله : « اللهم إنه كان في
طاعتك وطاعته رسولك فاردد عليه الشمس » قالت
أسماء : فرأيتها غربت ، ثم رأيتها
طلعت بعد ما غربت ، ووقعت على الجبل والارض
وذلك بالصهباء في خيبر ، وهذا
حديث ثابت رواته ثقات.
وحكى الطحاوي أن أحمد بن صالح كان يقول :
لا ينبغي لمن سبيله العلم
التخلف عن حفظ حديث أسماء لانه من علامات
النبوة.
قصة ام حبيبة : كانت قد خرجت مهاجرة إلى
أرض الحبشة مع زوجها
عبيدالله بن جحش فتنصر وثبتت على الاسلام ، روي عن سعيد بن
العاص قال : قالت ام حبيبة : رأيت في المنام كان عبيدالله
بن جحش زوجي أسوأ صورة وأشوهها
ففزعت فقلت : تغيرت والله حاله ، فإذا هو يقول
حين أصبح : يا ام حبيبة إني
نظرت في الدين فلم أردينا خيرا من النصرانية ، وكنت
قد دنت بها ، ثم دخلت في دين
محمد قد رجعت إلى النصرانية ، فقلت : والله ما خير
لك ، وأخبرته بالرؤيا التي
رأيت له فلم يحفل بها وأكب على الخمر حتى مات ، فأرى في
المنام كأن
آتيا يقول : يا ام المؤمنين ، ففزعت فأولتها أن
رسول الله يتزوجني ، قالت : فما
هو إلا أن انقضت عدتي فما شعرت إلا برسول
النجاشي على بابي يستأذن ، فإذا
جارية له يقال لها : أبرهة ، كانت تقوم على
ثيابه ودهنه فدخلت علي فقالت : إن
الملك يقول لك : إن رسول الله صلىاللهعليهوآله كتب إلي أن أزوجكه ،
فقلت : بشرك الله
بخير ، قالت : يقول لك الملك : وكلي من يزوجك ،
فأرسلت إلى خالد بن سعيد
ابن العاص فوكلته ، فأعطت أبرهة سوارين من فضة وخدمتين كانتا في
رجليها
وخواتيم
فضة كانت في أصابع رجليها ، سرورا بما بشرتها ، فلما كان العشي
____________________
أمر النجاشي جعفربن
أبي طالب ومن هناك من المسلمين فحضروا ، فخطب النجاشي
فقال : « الحمدلله الملك القدوس السلام المومن
المهيمن العزيز الجبار ، أشهد أن
لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأنه
الذي بشر به عيسى بن مريم ، أما
بعد فإن رسول الله صلىاللهعليهوآله كتب إلي أن أزوجه
أم حبيبة بنت أبي سفيان ، فأجبت
إلى ما دعا إليه رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وقد أصدقتها
أربعمائة دينار ».
ثم سكب الدنانير بين يدي القوم ، فتكلم
خالد بن سعيد فقال : « الحمدلله
أحمده وأستعينه وأستغفره وأشهد أن لا إله إلا
الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، أرسله
بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره
المشركون ، أما بعد فقد
أجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وزوجته أم حبيبة
بنت أبي سفيان ، فبارك
الله لرسول الله صلىاللهعليهوآله
».
ودفع الدنانير إلى خالد بن سعيد فقبضها ،
ثم أرادوا أن يقوموا فقال : اجلسوا
فإن سنة الانبياء إذا تزوجوا أن يؤكل طعام على
التزويج ، فدعا بطعام فأكلوا
ثم تفرقوا ، قالت ام حبيبة : فلما أتى بالمال
أرسلت إلى أبرهة التي بشرتني
فقلت لها : إني كنت أعطيتك ما أعطيتك يومئذ ولا
مال بيدي ، فهذه خمسون مثقالا
فخذيها فاستعيني بها ، فأخرجت حقا فيه كل ما
كنت أعطيتها فردته علي ، و
قالت : عزم علي الملك أن لا أرزاك شيئا ، وأنا الذي أقوم على ثيابه ودهنه
، و
قد اتبعت دين محمد رسول الله ، وأسلمت لله ، وقد
أمر الملك نساءه أن يبعثن إليك
بكل ما عندهن من العطر ، قالت : فلما كان الغد
جاءتني بعدد ورس وعنبر و
زباد
كثير فقدمت بكله على النبي صلىاللهعليهوآله
، وكان يراه علي وعندي ولا ينكره
ثم قالت أبرهة : حاجتي إليك أن تقرئى على رسول
الله صلىاللهعليهوآله
مني السلام وتعلميه
أني قد اتبعت دينه ، قالت : وكانت هي التي
جهزتني ، وكانت كلما دخلت علي
____________________
تقول ، لاتنسي حاجتي إليك ، فلما قدمت على رسول الله صلىاللهعليهوآله أخبرته كيف
كانت الخطبة وما فعلت بي أبرهة فتبسم ، وأقرأته
منها السلام ، فقال : وعليها السلام
ورحمة الله وبركاته ، وكان لام حبيبة حين قدم
بها المدينة بضع وثلاثون سنة ، ولما بلغ أباسفيان تزويج رسول الله صلىاللهعليهوآله أم حبيبة قال : ذاك
الفحل لا يقرع أنفه
وقيل : إن هذه القصة في سنة ست.
وفيها قتل شيرويه أباه ، قلال الواقدي :
كان ذلك في ليلة الثلثاء لعشر
مضين من جمادى الآخرة سنة سبع لست ساعات مضين
من الليل ، وروي أنه لما قتل
أباه قتل معه سبعة عشر أخاله ذوي أدب وشجاعة ، فابتلي
بالاسقام ، فبقي بعده
ثمانية أشهر فمات.
وفيها وصلت هدية المقوقس ، وهي مارية ، وسيرين
أخت مارية ، ويعفور
ودلدل كانت بيضاء ، فاتخذ لنفسه مارية ، ووهب
سيرين لحسان بن وهب ، وكان
معهم خصي يقال له : ما يوشنج كان أخا مارية ، وبعث ذلك كله مع حاطب
ابن أبي بلتعة ، فعرض حاطب الاسلام على مارية
ورغبها فيه فأسلمت ، وأسلمت
أختها ، وأقام الخصي على دينه حتى أسلم
بالمدينة
وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله
معجبا
بأم إبراهيم ، وكانت بيضاء جميلة ، وشرب عليها
الحجاب ، وكان يطأها بملك اليمين
فلما حملت ووضعت إبراهيم قبلتها سلمى مولاة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فجاء أبورافع
زوج سلمى فبشر رسول الله صلىاللهعليهوآله بإبراهيم ، فوهب له
عبدا ، وذلك في ذي الحجة
سنة ثمان في رواية أخرى.
____________________
وفيها كانت عمرة القضاء وذلك أن رسول
الله صلىاللهعليهوآله
أمر أصحابه حين رأوا هلال
ذي القعدة أن يعتمروا قضاء لعمرتهم التي صدهم
المشركون عنها بالحديبية ، وأن
لا يتخلف أحد ممن شهد الحديبية ، فلم يتخلف
منهم أحد إلا من استشهد منهم
بخيبر ، ومن مات ، وخرج مع رسول الله صلىاللهعليهوآله قوم من المسلمين
عمارا ، وكانوا
في عمرة القضية ألفين ، واستخلف على المدينة
أبارهم الغفاري
وساق رسول الله
صلىاللهعليهوآله
ستين بدنة ، وجعل على هديه ناجية بن جندب الاسلمي ، وحمل رسول الله
صلىاللهعليهوآله
السلاح والدروع والرماح ، وقاد مائة فرس ، وخرجت قريش من مكة إلى
رؤس الجبال ، وأخلوا مكة فدخل رسول الله صلىاللهعليهوآله من الثنية بطلعة
الحجون
وعبدالله بن رواحة أخذ بزمام راحلته فلم يزل رسول الله صلىاللهعليهوآله يلبي حتى استلم
الركن بمحجنه ، وأمر النبي صلىاللهعليهوآله بلالا فأذن على ظهر
الكعبة ، وأقام بمكة
ثلاثا ، فلما كان عند الظهر من اليوم الرابع أتاه
سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد ـ العزى فقالا : قد انقضى أجلك فاخرج عنا ، فأمر
أبا رافع ينادي بالرحيل ، ولا
يمسين بها أحد من المسلمين ، وركب رسول الله صلىاللهعليهوآله حتى نزل بسرف وهي
على
عشرة أميال من مكة.
وفيها تزوج رسول الله صلىاللهعليهوآله ميمونة بنت الحارث ،
زوجه إياها العباس ، و
كان يلي أمرها ، وهي أخت أم ولده ، وكان هذا
التزويج بسرف حين نزل بها
مرجعه من عمرة القضية ، وكانت آخر امرأة تزوجها
صلىاللهعليهوآله
وبنى مها بسرف.
ثم ذكر في حوادث السنة الثامنة : فيها أسلم عمروبن العاص وخالدبن الوليد
وعثمان بن طلحة قدموا المدينة في صفر.
وفيها تزوج رسول الله صلىاللهعليهوآله فاطمة بنت الضحاك
الكلابية ، فلما دخلت
____________________
على رسول الله (ص)
ودنا منها قالت : أعوذ بالله منك ، فقال رسول الله (ص) : عذت
بعظيم ، الحقي بأهلك.
وفيها اتخذ المنبر لرسول الله صلىاللهعليهوآله وقيل : كان ذلك في
سنة سبع ، والاول
أصح ، وعن جابر قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يخطب على جذع نخلة فقالت امرأة
من الانصار كان لها غلام نجار : يا رسول الله
إن لي غلاما نجارا ، أفلا آمره يتخذ
لك منبرا تخطب عليه ، قال : بلى ، قال : فاتخذ
له منبرا ، فلما كان يوم الجمعة
خطب على المنبر ، قال : فأن الجذع الذي كان
يقوم عليه كأنين الصبي ، فقال
النبي صلىاللهعليهوآله
: « إن هذا بكى لما فقد من الذكر » واسم تلك الانصارية عائشة ، و
اسم غلامها النجار يا قوم الرومي. وفي رواية أن رجلا سأل ذلك فأجابه
إليه
وفيها أنه صنع له ثلاث درجات ، وفيها أنه حن
الجذع حتى تصدع وانشق
فنزل رسول الله صلىاللهعليهوآله
يمسحه بيده حتى سكن ، ثم رجع إلى المنبر ، فلما هدم
المسجد وغير ذلك أخذ ذلك الجذع أبي بن كعب وكان
عنده في تلك الدار حتى
بلي وأكلته الارضة وعاد رفاتا.
بيان
: في النهاية : قاد البعير واقتاده : جره
خلفه ، ومنه حديث الصلاة : اقتادوا
رواحلهم وقال : الخدمة بالتحريك : الخلخال ، وقال
: القدع : الكف والمنع
ومنه حديث زواجه بخديجة قال ورقة بن نوفل : محمد
يخطب خديجة هو الفحل لا
يقدع أنفه ، يقال : قدعت الفحل وهو أن يكون غير
كريم ، فإذا أراد ركوب الناقة
الكريمة ضرب أنفه بالرمح أو غيره حتى يرتدع
وينكف ، ويروى بالراء
أي
أنه كفو كريم لا يرد.
٣ ـ وقال ابن الاثير في حوادث السنة السابعة : وفيها قدم حاطب من عند
____________________
المقوقس بمارية
وأختها. وبغلته
دلدل ، وحماره يعفور.
وفيها كانت سرية بشير بن سعد والد
النعمان بن بشير الانصاري إلى بني
مرة
في شعبان في ثلاثين رجلا اصيب أصحابه وارتث
في القتلى ، ثم رجع
إلى المدينة.
وفيها كانت سرية غالب بن عبدالله الليثي
إلى أرض بني مرة فأصاب مرداس
ابن بهل
حليفا لهم من جهينة قتله اسامة ، ورجل من الانصار ، قال اسامة : لما غشيناه قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، فلم ننزع عنه حتى قتلناه ، فلما قدمنا
على النبي صلىاللهعليهوآله
أخبرناه الخبر ، فقال : كيف نصنع بلا إله إلا الله؟.
وفيها كانت سرية غالب بن عبدالله أيضا « في
مائة وثلاثين راكبا إلى بني عبد
بن تغلية
فأغار عليهم واستاق الغنم إلى المدينة.
وفيها كانت سرية بشيربن إلى نمر وصاب في
شوال.
وفيها كانت عمرة القضاء ، وتزوج في سفره
هذا بميمونة بنت الحارث.
وفيها كانت غزوة ابن أبي العوجا السلمي إلى بني سليم فلقوه وأصيب
هو وأصحابه ، وقيل : بل نجا وأصيب أصحابه.
وقال في حوادث السنة الثامنة : وفيها
توفيت زينب بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله.
وفيها كانت سرية غالب بن عبدالله الليثي إلى بني الملوح فلقيهم الحارث
____________________
ابن البرصاء الليثي
فأخذوه أسيرا ، فقال : إنما جئت لاسلم ، فقال له غالب : إن
كنت صادقا فلن يضرك رباط ليلة ، وإن كنت كاذبا
استوثقنا منك ، ووكل به
بعض أصحابه وقال له : إن نازعك فخذ رأسه ، وأمره
بالقيام
إلى أن يعود ، ثم
ساروا حتى أتوا بطن الكديد فنزلوا بعد العصر ، وأرسل
جندب الجهني رئيةلهم قال : فقصدت تلا هناك يطلعني على الحاضر
فانبطحت عليه ، فخرج منهم رجل
فرآني ومعه قوسه وسهمان فرماني بأحدهما ، فوضعه في جنبي ، قال
: فنزعته
ولم أتحول
ثم رماني بالثاني فوضعه في رأس منكبي ، قال : فنزعته فلم أنحول
فقال : أما والله لقد خلطه سهماي ، ولو كان
رئية لتحرك
قال : فأمهلناهم حتى
راحت مواشيهم واحتلبوا وشننا عليهم العارة
فقتلنا منهم ، واستقنا النعم ورجعنا
سراعا ، وإذا بصريخ القوم فجاءنا مالا قبل لنا
به حتى إذا لم يكن بيننا إلا بطن
الوادي بعث الله بسبيل لا يقدر أحد أن يجوزه فلقد رأيتهم ينظرون إلينا لا يقدر
أحد أن يتقدم ، وقدمنا المدينة ، وكان شعار
المسلمين : أمت أمت ، وكان عدتهم
بضعة عشر رجلا.
وفيها بعث رسول الله صلىاللهعليهوآله العلاء بن الحضرمي
إلى البحرين ، وبها المنذر بن
شاوي
وصالحه المنذر على أن على المجوس الجزية ، ولايؤكل ذبائحهم ، ولا
ينكح نساؤهم ، وقيل : إن إرساله كان سنة ست من
الهجرة مع الرسل الذين أرسلهم
____________________
رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى الملوك.
وفيها كانت سرية عمرو بن كعب الغفاري إلى ذات أطلاح في خمسة عشر
رجلا فوجد بها جمعا كثيرا فدعاهم إلى الاسلام
فأبوا أن يجيبوا ، وقتلوا أصحاب
عمرو
ونجا حتى قدم إلى المدينة ، وذات أطلاح : من ناحية الشام.
٢٤
باب
*(غزوة
مؤتة وماجرى بعدها إلى غزوة ذات السلاسل)*
١ ـ ما
: المفيد ، عن محمد بن عمران المرزباني ، عن علي بن سليمان ، عن
محمد بن حميد ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن
فليح ، عن موسى بن عقبة ، عن محمد بن
شهاب الزهري قال : لما قدم جعفر بن أبي طالب من
بلاد الحبشة بعثه رسول الله
صلىاللهعليهوآله
إلى مؤتة ، واستعمل على الجيش معه زيد بن حارثة وعبدالله بن رواحة
فمضى الناس معهم حتى كانوا بنحو البلقاء فلقيهم
جموع هر قل من الروم والعرب
فانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها : موتة ، فالتقى
الناس عندها ، واقتتلوا قتالا
شديدا ، وكان اللواء يومئذ مع زيد بن حارثة
فقاتل به حتى شاط في رماح القوم
ثم أخذه جعفر فقاتل به قتالا شديدا ، ثم اقتحم
عن فرس له شقراء فعقرها وقاتل
حتى قتل ، قال : وكان جعفر أول رجل من المسلمين
عقر فرسه في الاسلام ، ثم
أخذ اللواء عبدالله بن رواحة فقتل ، ثم أخذ
اللواء خالد بن الوليد
فناوش القوم
____________________
وراوغهم حتى انحاز
بالمسلمين منهزما ، ونجابهم من الروم ، وأنفذ رجلا يقال
له : عبدالرحمن بن سمرة إلى النبي صلىاللهعليهوآله بالخبر ، قال
عبدالرحمن : فسرت إلى
النبي صلىاللهعليهوآله
فلما وصلت إلى المسجد قال لي رسول الله (ص) : « على رسلك يا عبد
الرحمن » ثم قال صلىاللهعليهوآله
: « أخذ اللواء زيد فقاتل به فتقل ، رحم الله زيدا ، ثم أخذ
اللواء جعفر وقاتل وقتل ، رحم الله جعفرا ، ثم
أخذ اللواء عبدالله بن رواحة وقاتل
فتقل ، فرحم الله عبدالله » قال : فبكى أصحاب
رسول الله صلىاللهعليهوآله
وهم حوله فقال لهم
النبي صلىاللهعليهوآله
: « وما يبكيكم؟ » فقالوا : وما لنا لانبكي وقد ذهب خيارنا وأشرافنا
وأهل الفضل منا؟ فقال لهم صلىاللهعليهوآله : « لا تبكوا فإنما
مثل أمتي مثل حديقة قام
عليها صاحبها فأصلح رواكبها ، وبنى مساكنها ، وحلق
سعفها ، فأطعمت عاما فوجا
ثم عاما ، ثم عاما فوجا فلعل آخرها طعما أن يكون أجودها قنوانا
، و
أطولها شمراخا ، والذي بعثني بالحق نبيا ليجدن
عيسى بن مريم في أمتي خلفا
من حواريه » قال : وقال كعب بن مالك : يرثي
جعفربن أبي طالب رضياللهعنه
والمستشهدين معه :
هدت العيون ودمع عينك يهمل
|
|
سحا كما وكف الضباب المخضل
|
وكأن ما بين الجوانح والحشا
|
|
مما تأو بني شهاب مدخل
|
وجدا على النفر الذين تتابعوا
|
|
يوما بمؤتة أسندوا لم ينقلوا
|
فتغير القمر المنير لفقدهم
|
|
والشمس قد كسفت وكادت تأفل
|
قوم بهم نصر الاله عباده
|
|
وعليهم نزل الكتاب المنزل
|
____________________
قوم علا بنيانهم من هاشم
|
|
فرع أشم وسودد ما ينقل
|
ولهديهم رضي الاله لخلقه
|
|
وبجدهم نصر النبي المرسل
|
بيض الوجوه ترى بطون أكفهم
|
|
تندى إذا غبر الزمان الممحل
|
بيان
: شاط فلان : هلك ، وفي بعض النسخ بالسين المهملة ، والسوط : الخط
وساطت نفسي : تقلصت ، والاول أصح ، قال في
النهاية : في حديث زيد بن حارثة
يوم مؤته : إنه قاتل براية رسول الله صلىاللهعليهوآله حتى شاط في رماح
القوم أي هلك.
وقال في جامع الاصول : أراد بالاقتحام هنا
نزوله عن فرسه مسرعا.
وفي القاموس : راغ الرجل والثعلب روغا وروغانا
: حاد ومال ، والمراوغة : المصارعة ، وأن يطلب بعض القوم بعضا ، وقال : انحازعنه
: عدل ، والقوم : تركوا
مراكزهم. والراكب والراكبة والراكوب والراكوبة
والركابة : فسيلة في أعلى
النخل متدلية لا تبلغ الارض. قوله : وحلق سعفها
بالحاء المهملة ، أي أزال زوائدها
أو بالمعجمة من خلق العود بتخفيف اللام وتشديده
: إذا سواه. والسح : الصب
والسيلان من فوق. والضباب : ندي كالغيم ، أو
سحاب رقيق ، وفي رواية ابن أبي
الحديد : « الرباب » مكان « الضباب » وهو
السحاب الابيض. وأخضله : بله. وتأوبه : أناه ليلا. وفرع كل شئ : أعلاه ، ومن القوم : شريفهم
، والشمم : ارتفاع
في الجبل. والاشم : السيد ذوالانفة. والنفل : العطاء
، وانتفل : طلب ، ومنه
تبرأ وانتفى
وفي بعض النسخ بالغين من نغل الاديم كفرح : إذا فسد ، وفي
بعضها بالقاف.
٢ ـ يج :
روي أنه لما قتل زيد بن حارثة بمؤتة قال صلىاللهعليهوآله
بالمدينة : « قتل
____________________
زيد وأخذ الراية
جعفر » ثم قال : « قتل جعفر » وتوقف وقفة ثم قال : « وأخذ
الراية عبدالله بن رواحة » وذلك أن عبدالله لم
يسارع في أخذ الراية كمسارعة جعفر
ثم قال : « وقتل عبدالله » ثم قام النبي صلىاللهعليهوآله إلى بيت جعفر إلى
أهله ، ثم جاءت
الاخبار بأنهم قد قتلوا على تلك الهيئة.
٣ ـ يج :
روي أنه لما بعث النبي صلىاللهعليهوآله
عسكرا إلى مؤتة ولى عليهم زيد بن
حارثة ودفع الراية إليه ، وقال : « إن قتل زيد
فالوا لي عليكم جعفر بن أبي طالب
وإن قتل جعفر فالوا لي عليكم عبدالله بن رواحة
الانصاري » وسكت ، فلما ساروا
وقد حضر هذا الترتيب في الولاية من رسول الله صلىاللهعليهوآله قال رجل من اليهود : إن
كان محمد نبيا كما يقول سيقتل هؤلاء الثلاثة ، فقيل
له لم قلت هذا؟ قال : لان
أنبياء بني إسرائيل كانوا إذا بعث نبي منهم
بعثا في الجهاد فقال :
إن قتل فلان
فالوا لي فلان بعده عليكم ، فإن سمى للولاية
كذلك اثنين
أو مائة أو أفل أو
أكثر قتل جميع من ذكر فيهم الولايات ، قال جابر
: فلما كان اليوم الذي وقع فيه
حربهم صلى النبي صلىاللهعليهوآله
بنا الفجر
ثم صعد المنبر فقال : « قدالتقى إخوانكم
من المشركين
للمحاربة » فأقبل يحدثنا بكرات بعضهم على بعض إلى أن قال : « قتل
زيد بن حارثة وسقطت الراية » ثم قال : « قد أخذها جعفر بن أبي طالب و
تقدم للحرب بها » ثم قال : « قد قطعت يده وقد أخذ
الراية بيده الاخرى » ثم قال : « قطعت
يده الاخرى وقد أخذ
الراية في صدره » ثم قال : « قتل
جعفر بن أبي طالب وسقطت الراية ، ثم أخذها
عبدالله بن رواحة وقد قتل من
____________________
المشركين كذا وقتل
من المسلمين كذا فلان وفلان
» إلى أن ذكر جمبع من
قتل من المسلمين بأسمائهم ، ثم قال : « قتل
عبدالله بن رواحة ، وأخذ الراية خالد
ابن الوليد فانصرف المسلمون » ثم نزل عن المنبر وصار إلى
دار جعفر فدعا
عبدالله بن جعفر فأقعده في حجره ، وجعل يمسح
على رأسه ، فقالت والدته أسماء
بنت عميس : يا رسول الله إنك لتمسح على رأسه
كأنه يتيم ، قال : قد استشهد جعفر
في هذا اليوم ، ودمعت عينا رسول الله صلىاللهعليهوآله وقال : قطعت يداه
قبل أن استشهد
وقد أبدله الله من يديه جناحين من زمرد أخضر
فهو الآن يطير بهما في الجنة مع
الملائكة كيف يشاء.
٤ ـ سن
: النوفلي ، عن السكوني ، عن جعفر ، عن
أبيه عليهماالسلام
قال : لما
كان يوم مؤته كان جعفر على فرسه ، فلما التقوا
نزل عن فرسه فعرقبها
بالسيف
وكان أول من عرقب في الاسلام
،
٥ ـ كا
: علي ، عن أبيه ، عن النوفلي مثله.
٦ ـ ما
: الحسين بن إبراهيم القزويني ، عن محمد بن وهبان ، عن أحمد بن
إبراهيم بن أحمد ، عن الحسن بن الحسن بن علي
الزعفراني ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن
ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبيعبد
الله عليهالسلام
قال : لماما ت جعفر بن أبي طالب
أمر رسول الله صلىاللهعليهوآله
فاطمة عليهاالسلام
أن تتخذ طعاما لاسماء بنت عميس وتأتيها و
نساؤها
ثلاثة أيام فجرت بذلك السنة أن يصنع لاهل الميت
ثلاثة أيام طعام .
سن
: أبي ابن أبي عمير مثله.
____________________
كا
: علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن
حفص البختري وهشام بن
سالم ، عن أبي عبدالله عليهالسلام مثله.
٦ ـ سن
: بعض أصحابنا ، عن العباس بن موسى بن
جعفر قال : سألت أبي
عليهالسلام
عن المأتم
فقال : إن رسول الله صلىاللهعليهوآله
لما انتهى إليه قتل جعفر بن أبي
طالب دخل على أسماء بنت عميس امرأة جعفر فقال :
أين بني؟ فدعت
بهم وهم
ثلاثة : عبدالله وعون ومحمد ، فمسح رسول الله صلىاللهعليهوآله رؤوسهم فقالت : إنك
تمسح
رؤوسهم كأنهم أيتام ، فعجب رسول الله صلىاللهعليهوآله من عقلها فقال : « يا
أسماء ألم
تعلمي أن جعفرا رضوان الله عليه استشهد » فبكت
، فقال لها رسول الله صلىاللهعليهوآله
: « لا
تبكي فإن الله أخبرني أن له جناحين في الجنة من ياقوت
أحمر » فقالت : يا
رسول الله لو جمعت الناس. أخبرتهم بفضل جعفر لا
ينسى فضله ، فعجب رسول
الله صلىاللهعليهوآله
من عقلها ، ثم قال :
« ابعثوا إلى أهل جعفر طعاما » فجرت السنة.
٧ ـ يه
: قال الصادق عليهالسلام
: إن النبي صلىاللهعليهوآله
حين جاءته وفاة جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة كان إذا ادخل بيتة كثر بكاؤه
عليهما جدا ، ويقول : كانا
يحد ثاني ويؤنساني فذهبا جميعا.
٨ ـ عم
: وكانت غزوة موتة في جمادى من سنة ثمان
بعث حبيشا عظيما ، و
أمر على الجيش زيد بن حارثة ، ثم قال : فإن
أصيب زيد فجعفر ، فإن أصيب
جعفر فعبدالله بن رواحة فإن أصيب فليرتض
المسلمون واحدا فليجعلوا عليهم.
وفي رواية أبان بن عثمان ، عن الصادق عليهالسلام
أنه استعمل عليهم جعفرا فإن
قتل فزيد فان قتل فابن رواحة ، ثم خرجوا حتى
نزلوا معان فبلغهم أن هرقل ملك
____________________
الروم قد نزل بمأرب في مائة ألف من الروم ، ومائة ألف من
المستعربة
وفي كتاب أبان بن عثمان : بلغهم كثرة عدد الكفار من العرب والعجم من
لخم وحذام وبلي وقضاعة وانحاز المشركون إلى أرض يقال لها : المشارف
، و
إنما سميت السيوف المشرفية لانها طبعت لسليمان
بن داود بها ، فأقاموا بمعان
يومين ، فقالوا : نبعث إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فنخبره بكثرة عدونا
حتى يري في ذلك
رأيه ، فقال عبدالله بن رواحة : يا هؤلاء إنا
والله ما نقاتل الناس بكثرة ، وإنما
نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به ، فقالوا
: صدقت ، فتهيأوا وهم ثلاثة آلاف
حتى لقوا
جموع الروم بقرية من قرى البلقاء يقال لها : شرف ثم انحاز المسلمون
إلى مؤنة قرية فوق الاحساء.
وعن أنس بن مالك قال : نعى النبي صلىاللهعليهوآله جعفرا وزيد بن
حارثة وابن رواحة ، نعاهم قبل أن يجئ خبرهم وعيناه تذرفان. رواه البخاري في الصحيح.
قال أبان : وحدثني الفضيل بن يسار ، عن
أبي جعفر عليهالسلام
قال : أصيب يومئذ
جعفر وبه خمسون جراحة : خمس وعشرون منها في
وجهه.
قال عبدالله بن جعفر : أنا أحفظ حين دخل
رسول الله صلىاللهعليهوآله
على أمي فنعى
لها أبي : فأنظر إليه وهو يمسح على رأسي ورأس
أخي وعيناه تهراقان الدموع
حتى تقطر
لحيته ، ثم قال : « اللهم إن جعفرا قد قدم إليك إلى أحسن الثواب
فاخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحدا من عبادك
في ذريته » ثم قال : « يا أسما
____________________
ألا أبشرك؟ » قالت :
بلى بأبي وأمي
يا رسول الله ، قال : « إن الله جعل لجعفر
جناحين يطيربهما في الجنة » قالت : فأعلم الناس
ذلك ، فقام رسول الله صلىاللهعليهوآله
وأخذ
بيدي يمسح بيده رأسي حتى رقي إلى المنبر ، وأجلسني
أمامه على الدرجة السفلى
والحزن يعرف عليه ، فقال : « إن المرء كثير
بأخيه وابن عمه ، ألا
إن جعفرا
قد استشهد ، وجعل له جناحان يطيربهما في الجنة
» ثم نزل صلىاللهعليهوآله
ودخل بيته ، و
أدخلني معه ، وأمر بطعام يصنع لاجلي ، وأرسل
إلى أخي فتغدينا عنده غداء
طيبا مباركا ، وأفمنا ثلاثة أيام في بيته ندور
معه كلما صار في بيت إحدى نسائه
ثم رجعنا إلى بيتنا فأتانا رسول الله صلىاللهعليهوآله
وأنا اساوم شاه أخ لي ، فقال : « اللهم
بارك له في صفقته » قال عبدالله : فما بعث شيئا
ولا اشتريت شيئا إلا بورك لي فيه.
قال الصادق عليهالسلام
: قال رسول الله (ص) لفاطمة : اذهبي فابكي على ابن عمك
فإن لم تدعي بثكل فما قلت فقد صدقت.
وذكر محمد بن إسحاق ، وعن عروة قال : لما
أقبل أصحاب مؤتة تلقاهم رسول
الله صلىاللهعليهوآله
والمسلمون معه فجعلوا يحثون عليهم التراب ويقولون : يا فرارفررتم
في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ليسوا بفرار ، ولكنهم
الكرار إن شاءالله.
بيان
: قال الفيروز آبادي : المعان : موضع
بطريق حاج الشام ، وقال : مؤتة : موضع بمشارف الشام قتل فيه جعفر بن أبي طالب ، وفيه
كان تعمل السيوف.
قوله صلىاللهعليهوآله
: إن المرء كثير
لعل المراد بالكثيرة هنا العزة كما يكنى
عن الذلة بالقلة ، أي عزة المرء وكثرة أعوانه
إنما يكون بأخيه وابن عمه. قوله : إن لم تدعي بثكل ، أي لا تقولي واثكلاه ، ثم كل
ما قلت فيه من الفضائل فقد
صدقت ، لكثرة فضائله ، وقيل : المعنى لا تقولي
إلا صدقا ولا يخفى بعده.
____________________
٩ ـ كا
: حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد
الكندي ، عن أحمد الميثميعن أبان بن عثمان ، عن أبي بصير ، عن أبي
عبدالله عليهالسلام
قال : بينا رسول الله (ص) في المسجد إذخفض له كل رفيع ، ورفع له كل خفيض ، حتى نظر
إلى جعفر
يقاتل الكفار. قال : فقتل ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : قتل جعفر. أخذه
المغص في
بطنه.
بيان
: المغص بالفتح ويحرك : وجع في البطن ، والاظهر
إرجاع الضمير
في « أخذه » إلى النبي صلىاللهعليهوآله ، وإرجاعه إلى جعفر
بعيد.
أقول : سيأني بعض أخبار شهادته عليهالسلام في باب فضائله.
١٠ ـ وروى في جامع الاصول عن ابن عمر قال : أمر النبي صلىاللهعليهوآله في غزوة
موتة زيد بن حارثة ، فقال : « إن قتل زيد فجعفر
، فإن قتل جعفر فعبدالله بن
رواحة » قال ابن عمر : فكنت معهم في تلك الغزوة
فالتمسنا جعفرا فوجدناه في القتلى
ووجدنا فيما أقبل من جسده بضعا وتسعين من طعنة
ورمية.
وفي رواية أخرى أنه وقف على جعفر يومئذ
وهو قتيل فعددت خمسين بين طعنة وضربة ليس منها شئ في دبره.
١١ ـ وقال عبدالحميد بن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : روى الواقدي
عن عمر بن الحكم قال : بعث رسول الله صلىاللهعليهوآله الحارث بن عمير
الازدي في سنة
ثمان إلى ملك بصرى بكتاب ، فلما نزل مؤتة عرض
له شرحبيل بن عمرو الغساني
فقال : أين تريد؟ قال : الشام ، قال : لعلك من
رسل محمد؟ قال : نعم ، فأمر به فأوثق
رباطا ، ثم قدمه فضرب عنقه صبرا ، ولم يقتل لرسول
الله صلىاللهعليهوآله
رسول غيره ، وبلغ
ذلك رسول الله صلىاللهعليهوآله
فاشتد عليه وندب الناس وأخبرهم بقتل الحارث فأسرعوا
وخرجوا فعسكروا بالجرف فلما صلى رسول الله صلىاللهعليهوآله الظهر جلس وجلس
أصحابه
حوله ، وجاء النعمان بن مهض اليهودي فوقف مع الناس
، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
:
____________________
« زيد بن حارثة أميرالناس ، فإن قتل زيد
فجعفر بن أبي طالب ، فإن أصيب جعفر
فعبدالله بن رواحة ، فان أصيب ابن رواحة فليرتض
المسلمون بينهم رجلا فليجعلوه
عليهم » فقال النعمان بن مهض : يا أبا القاسم
إن كنت نبيا فسيصاب من سميت
قليلا كانوا أو كثيرا ، إن الانبياء في بني
إسرائيل كانوا إذا استعملوا الرجل على
القوم ثم قاموا : إن أصيب فلان ، فلوسمى مائة
أصيبوا جميعا ، ثم جعل اليهودي
يقول لزيد بن حارثة : اعهد فلا ترجع إلى محمد
أبدا إن كان نبيا ، قال : زيد : أشهد
أنه نبي صادق ، فلما أجمعوا المسير وعقد رسول
الله صلىاللهعليهوآله
لهم اللواء بيده دفعه
إلى زيد بن حارثة ، وهو لواء أبيض ، ومشى الناس
إلى أمراء رسول الله صلىاللهعليهوآله
يود عونهم ويدعون لهم وكانوا ثلاثة آلاف فلما
ساروافي معسكرهم ناداهم المسلمون : دفع الله عنكم وردكم صالحين غانمين.
قلت : اتفق المحدثون على أن زيد بن
حارثه هو كان الامير الاول ، و
أنكرت الشيعة وقالوا : كان جعفر بن أبي طالب
هوالاميرالاول ، فإن قتل فزيد
ابن حارثة ، فان قتل فعبدالله ، ورووافي ذلك
روايات. وروى الواقدي باسناده عن زيد بن أرقم
أن رسول الله صلىاللهعليهوآله
خطبهم
فأوصاهم فقال : « أوصيكم بتقوى الله بمن
معكم من المسليمن خيرا ، اغزوابسم الله
وفي سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله لاتغدروا
ولا تغلوا ولاتقتلواوليدا ، وإذا لقيت
عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث ، فأيتهن
ما أجابوك إليها فاقبل منهم ، و
اكفف عنهم : ادعهم إلى الدخول في الاسلام فان
فعلوه فاقبل واكفف ، ثم ادعهم إلى
التحول من دارهم إلى دارالمهاجرين فإن فعلوا
فأخبرهم أن لهم ماللمهاجرين وعليهم
ما على المهاجرين وإن دخلوا في الاسلام
واختاروا دارهم فأخبرهم أنهم يكونون
كأعراب المسلمين يجزي عليهم حكم الله ، ولا
يكون لهم في الفئ ولا في الغنيمة شئ إلا أن
____________________
يجاهدوا مع المسلمين
، فإن أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية ، فإن فعلوا فاقبل منهم
واكفف عنهم ، فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم ، وإن
إنت حاصرت أهل حصن أو
مدينة فأرادوا إن تستنزلهم على حكم الله ، ولكن
أنزلهم على حكمك ، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا ، وإن حاصرت أهل حصن أو
مدينة فأرادوا أن تجعل لهم ذمة الله وذمة رسوله فلا تجعل لهم ذمة الله وذمة رسوله
ولكن اجعل لهم دمتك وذمة أبيك وذمة
أصحابك ، فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم
آبائكم خير لكم من أن تخفروا وذمة الله وذمة
رسوله.
قال الواقدي : وروى أبوصفوان عن خالدبن
بريد قال : خرج
النبي
صلىاللهعليهوآله
مشيعا لاهل مؤتة حتى بلغ ثنية الوداع فوقف ووقفوا حوله ، فقال : « اغزوا
بسم الله فقاتلوا عدو الله وعدوكم بالشام ، وستجدون
فيها رجالا في الصوامع معتزلين
الناس فلاتعرضوا لهم ، وستجدون آخرين للشيطان
في رؤسهم مفاحص
فاقلعوها
بالسيوف ، لا تقتلن امرأة ولا صغيرا ضرعا ، ولا
كبيرا فانيا ، ولا تقطعن نخلا ولا
شجرا ، ولا تهد من بناء » قال : فلما ودع
عبدالله بن رواحة رسول الله صلىاللهعليهوآله
قال
له : مرني
بشئ أحفظه عنك ، قال : « إنك قادم غدا بلدا السجود به قليل
فأكثر
السجود » فقال : عبدالله : زدني يا رسول الله ، قال ، « اذكر الله فإنه عون
لك على ما تطلب » فقام من عنده حتى إذا مضى
ذاهبا رجع ، فقال : يا رسول الله
إن الله وتريحب الوتر ، فقال : « يا ابن رواحة
ما عجزت فلا تعجز ـ إن أسأت عشرا ـ أن تحسن واحدة » فقال ابن رواحة : لا أسألك عن شئ بعدها.
____________________
قال الواقدي : ومضى المسلمون ونزلوا
وادي القرى
فأقاموا به أياما
وساروا حتى نزلوا بمؤته ، وبلغهم أن هرقل ملك الروم
قد نزل ماء من مياه البلقاء
في بكرو بهراء ولخم وجذام وغيرهم مائة ألف مقاتل ، وعليهم
رجل من بلي ، فأقام المسلمون ليلتين ينظرون في أمرهم وقالوا : نكتب إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فنخبره
الخبر ، فإما أن يردنا أو يزيدنا رجلا ، فبينا
الناس على ذلك إذجاءهم عبدالله بن
رواحة فشجعهم وقال : والله ما كنا نقاتل الناس
بكثرة عدد
، ولا كثرة سلاح
ولا كثرة خيل إلا بهذا الدين الذي اكرمنا الله
به ، انطلقوا فقاتلوا فقدوالله رأيتنا
يوم بدرما معنا إلا فرسان ، إنما هي إحدى
الحسنين : إما الظهور عليهم فذاك ما وعدنا
الله ورسوله وليس لوعده خلف ، وإما الشهادة
فنحلق بالاخوان نرافقهم في الجنان
فشجع الناس على قول ابن رواحة.
قال : وروى أبوهريرة قال : شهدت مؤتة ، فلما
رأينا المشركين رأينا ما لا قبل
لنا به من العدد والسلاح والكراع والديباج
والحرير والذهب ، وفبرق بصري
فقال لي ثابت بن أقرم : مالك يا باهريرة؟ كأنك ترى جموعا
كثيرة؟ قلت : نعم
قال : لم تشهدنا ببدر ، إنا لم ننصر بالكثرة.
قال : الواقدي : فالتقى القوم فأخذ
اللواء زيد بن حارثة فقاتل حتى قتل ، طهنوه
بالرماح ، ثم أخذه جعفر فنزل عن فرس له شقراء
فعرقبها فقاتل حتى قتل ، قيل : إنه ضربه رجل من الروم فقطعه نصفين فوقع أحد
نصفيه في كرم هناك ، فوجد فيه
ثلاثون أو بضع وثلاثون جرحا.
قال : وقد روى نافع ، عن ابن عمر أنه
وجد في بدن جعفر بن أبي طالب
اثنتان وسبعون ضربة وطعنة بالسيوف والرماح.
____________________
وقال البلادري : قطعت يداه ولذلك قال
رسول الله صلىاللهعليهوآله
: « لقد أبدله الله
بهما جناحين يطير بهما في الجنة » ولذلك سمي الطيار.
قال : ثم أخذ الراية عبدالله بن رواحة
فنكل يسيرا ثم
حمل فقاتل حتى
قتل ، فلما قتل انهزم المسلمون أسوأ هزيمة كانت
في كل وجه ، ثم تراجعوافأخذ اللواء
ثابت بن أقرم وجعل يصيح : يا للانصار ، فثاب إليهم منهم قليل ، فقال
لخالد بن الوليد : خذ اللواء يا أبا سليمان ، قال
خالد : لابل خذه أنت فلك سن وقد
شهدت بدرا ، قال ثابت : خذه أيها الرجل فوالله
ما أخذته إلا لك ، فأخذه خالد و
حمل به ساعة وجعل المشركون يحملون عليه حتى
دهمه منهم بشر كثير ، فانحاز
بالمسلمين وانكشفوا راجعين.
قال الواقدي ، وقد روي أن خالدا ثبت
بالناس فلم ينهزموا ، والصحيح أن
خالدا انهزم بالناس.
وروى محمد بن أسحاق قال : لما أخذ جعفر
بن أبي طالب الراية قاتل قتالا
شديدا حتى إذا أثخنه القتال اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ،
ثم قاتل القوم
حتى قتل ، فكان جعفر عليهالسلام أول رجل عقر في
الاسلام.
قال الواقدي : وقال عبيدالله بن عبدالله : ما لقي جيش بعثوا مبعثا مالقي
أصحاب مؤتة من أهل المدينة ، لقوهم بالشر حتى
أن الرجل لينصرف إلى بيته
وأهله فيدق عليهم فيأبون أن يفتحوا له ، يقولون
ألا تقدمت مع أصحابك فقتلت ، وجلس الكبراء منهم في بيوتهم استحياء من الناس ، حتى أرسل النبي صلىاللهعليهوآله رجلا
رجلا يقول لهم : أنتم الكرار في سبيل الله
فخرجوا.
____________________
وروى الواقدي بإسناده عن أسماء بنت عميس قالت : أصبحت في
اليوم
الذي أصيب فيه وجعفر وأصحابه فأتاني رسول الله صلىاللهعليهوآله وقدمنأت أربعين منا
من ادم
وعجنت عجينى ، وأخذت بني فغسلت وجوههم ودهنتهم
، فدخل علي رسول الله
صلىاللهعليهوآله
فقال : يا أسماء أين بنو جعفر؟ فجئت بهم إليه فضمهم وشمهم ثم ذرفت عيناه
فبكى ، فقلت يا رسول الله لعله بلغك عن جعفر شئ؟
قال : نعم إنه قتل اليوم فقمت
أصيح واجتمعت إلي النساء ، فجعل رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : يا أسماء لا
تقولي هجرا
ولا تضربي صدرا ، ثم خرج حتى دخل على ابنته
فاطمة عليهاالسلام
وهي تقول : واعماه
فقال : « على مثل جعفر فلتبك الباكية » ثم قال
: « اصنعوالآل جعفر طعاما ، فقد
شغلوا عن أنفسهم اليوم ».
وروى أبوالفرج في كتاب مقاتل الطالبيين
أن كنية جعفر بن أبي طالب أبو ـ المساكين ، وكان ثالث الاخوة من ولد أبي طالب ،
أكبر هم طالب ، وبعده عقيل ، و
بعده جعفر ، وبعده علي عليهالسلام وكل واحد منهم أكبر
من الآخر بعشر سنين ، وأمهم
جميعا فاطمة بنت أسد ، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي ، وفضلها
كثير ، وقربها
من رسول الله صلىاللهعليهوآله
وتعظيمه لها معلوم عند أهل الحديث : قال أبوالفرج : ولجعفر
عليهالسلام
فضل وقد ورد فيه
حديث كثير من ذلك أن رسول الله (ص) لما فتح خيبر
قدم جعفر بن أبي طالب من الحبشة ، فالتزمه رسول
الله صلىاللهعليهوآله
، وجعل يقبل بين
عينيه ، ويقول : « ما أدري بأيهما أنا أشد فرحا؟
بقدوم جعفر أم بفتح خيبر ».
وعن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله
: خير الناس حمزة وجعفر
وعلي عليهمالسلام.
قال : وقد روى جعفر بن محمد عن أبيه عليهماالسلام قال : قال : رسول
الله (ص) :
____________________
خلق الناس من أشجار
شتى ، وخلقت أنا وجعفر من شجرة واحدة. أو قال : من
طينة واحدة.
وبالاسناد قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لجعفر : أشبهت خلقي وخلقي.
وقال ابن عبدالبر في الاستيعاب : كانت سن جعفر عليهالسلام يوم قتل إحدى و
أربعين سنة.
وقد روى سعيد بن المسيب أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : مثل لي جعفر
وزيد
وعبدالله في خيمة من در كل واحد منهم على سرير ،
فرأيت زيدا وابن رواحة في
أعناقهما صدود ، ورأيت جعفرا مستقيما ليس فيه
صدود ، فسألت فقيل لي : إنهما
حين غشيهما الموت أعرضا وصدا بوجههما ، وأما
جعفر فلم يفعل.
وروى الشعبي قال : سمعت عبدالله بن جعفر
يقول : كنت إذا سألت عمي عليا
عليهالسلام
شيئا فمنعني أقول له : بحق جعفر فيعطيني.
وروي أن رسول الله صلىاللهعليهوآله لما أتاه قتل جعفر
وزيد بمؤته بكى وقال : أخواي
ومونساي ومحدثاي.
١٢
ـ وقال الكازروني بعد إيراد غزوة موتة في حوادث السنة الثامنة : وفي
هذه السنة كانت سرية الخبط ، روي عن جابر بن
عبدالله قال : بعثنا رسول الله (ص) في
ثلاثمائة راكب ، وأميرنا أبوعبيدة بن الجراح في
طلب عير قريش ، فأقمنا على الساحل
حتى فني زادنا وأكلنا الخبط ، ثم إن البحر ألقى
إلينا دابة يقال لها : العنبر
فأكلنا منها نصف شهر حتى صلحت أجسامنا ، وأخذ
أبوعبيدة ضلعا من أضلاعها
فنصبها ، ونظر إلى أطول بعير في الجيش ، وأطول
رجل فحمله عليه فجاز تحته ، وقد كان رجل نحر ثلاث جزائر ثم ثلاث جزائر ثم
نهاه عنه أبوعبيدة. وكانوا يرونه
قيس بن سعد.
أقول : وروى في جامع الاصول بأسانيد عن
أسامة بن زيد قال : بعثنا
____________________
رسول الله (ص) إلى
الحرقات ، فصبحنا القوم فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الانصار
رجلا منهم ، فلما غشيناه قال : لا إله إلا الله
، فكف الانصاري وطعنته برمحي حتى
قتلته ، فلما قدمنا بلغ النبي (ص) فقال : « يا
اسامة أقتلته بعد ما قال : لا إله إلا الله »؟
قلت ، إنما كان متعوذا ، فقال : « أقتلته بعد
ما قال لا إله إلا الله؟ » فما زال يكررها
حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم
وفي رواية أخرى قال : بعثنا رسول الله صلىاللهعليهوآله في سرية فصبحنا
الحرقات
من جهينة فأدركت رجلا فقال : لا إله إلا الله ،
فطعنته فوقع في نفسي من ذلك
فذكرته للنبي صلىاللهعليهوآله
فقال : « أقال : لا إله إلا الله ، وقتلته؟ » قلت : يا رسول الله إنما
قالها خوفا من السلاح؟ قال : « أفلا
شققت قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟ » فما زال
يكررها حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ.
أقول : أورد تلك القصة بعد غزوة مؤتة.
بيان
: في النهاية : الضارع : النحيف الضاوي الجسم ، يقال ضرع يضرع فهو.
ضارع وضرع بالتحريك ، وقال : منأت الاديم : إذا
ألقيته في الدباع ، ويقال له
مادام في الدباغ : منيئة ، ومنه حديث أسماء بنت
عميس وهي تمعس منيئة لها ، وفي
القاموس : صد عنه صدودا : أعرض ، وقال : الخبط
محركة : ورق ينفض بالمخابط
ويجفف ويطحن بدقيق أو غيره ويوخف بالماء فيوجره
الابل ، وكل ورق
مخبوط والجزائر جمع الجزور وهو البعير.
____________________
٢٥
باب
*(غزوة
ذات السلاسل)*
الآيات : والعاديات ضبحا * فالموريات قدحا * فالمغيرات
صبحا * فأثرن به نقعا *
فوسطن به جمعا.
تفسير
: قال الطبرسي رحمة الله : قيل : بعث
رسول الله صلىاللهعليهوآله
سرية إلى حي
من كنانة ، فاستعمل عليهم المنذر بن عمرو
الانصاري أحد النقباء فتأخر رجوعهم
فقال المنافقون : قتلوا جميعا ، فأخبر الله
تعالى عنها بقوله : « والعاديات ضبحا » عن
مقاتل ، وقيل : نزلت السورة لما بعث النبي صلىاللهعليهوآله عليا إلى ذات
السلاسل ، فأوقع
بهم ، وذلك بعد أن بعث إليهم مرارا غيره من
الصحابة فرجع كل منهم إلى رسول الله
صلىاللهعليهوآله
، وهو المروي عن أبي عبدالله عليهالسلام
في حديث طويل ، قال : وسميت هذه
الغزوة ذات السلاسل لانه أسر منهم وقتل وسبى
وشد أساراهم في الحبال مكتفين
كأنهم في السلاسل ، ولما نزلت السورة خرج رسول
الله صلىاللهعليهوآله
إلى الناس فصلى بهم
الغداة ، وقرأ فيها : « والعاديات » فلما فرغ
من صلاته قال أصحابه : هذه السورة
لم نعرفها ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : نعم إن عليا قد
ظفر بأعداء الله ، وبشرني بذلك
جبرئيل عليهالسلام
في هذه الليلة ، فقدم علي عليهالسلام
بعد أيام بالاسارى والغنائم « والعاديات
ضبحا » قيل : هي الخيل في الغزو تعدو في سبيل
الله عن ابن عباس ، وأكثر المفسرين
قالوا : أقسم بالخيل العادية لغزو الكفار ، وهي
تضبج ضبحا وضبحها : صوت أجوافها
إذا عدت ليس بصهيل ولا حمحمة ، ولكنه صوت نفس ،
وقيل : هي الابل حين
ذهبت إلى غزوة بدر تمد أعناقها في السير فهي
تضبج أي تضبع ،
وهي أن يمد
ضبعه في السير حتى لا يجد مزيدا ، روي ذلك عن
علي عليهالسلام
وابن مسعود
وروي
____________________
أيضا أنها إبل الحاج
تعدو من عرفة إلى المزدلفة ، ومن المزدلفة إلى منى « فالموريات
قدحا » هى الخيل توري النار بخوافرها إذا سارت
في الحجارة والارض المخصبة و
قال مقاتل : يقدحن بحوافرهن النار في الحجارة
قال ابن عباس : يريد ضرب
الخيل بحوافرها الجبل فأورت منه النار مثل
الزناد إذا قدح ، وقال مجاهد : يريد
مكر الرجال في الحروب ، تقول العرب إذا أراد
الرجل أن يمكر بصاحبه : أما
والله لاورين لك بزند وار ولاقد حن لك ، وقيل :
هي ألسنة الرجال توري النار
من عظيم ما يتكلم به « فالمغيرات صبحا » يريد الخيل تغير
بفرسانها على العدو
وقت الصبح ، وإنما ذكر الصبح لانهم كانوا يسيرون إلى العدو ليلا
فيأتونهم
صبحا ، وقيل : يريد الابل ترفع ركبانها يوم النحر من جمع إلى منى ، والسنة
أن لا ترفع
بركبانها حتى تصبح ، والاغارة : سرعة السير « فأثرن به نقعا » يقال : ثار الغبار أو الدخان وأثرتة أي هيجته ، والهاء في « به » عائد إلى معلوم
يعني بالمكان أو بالوادي « فوسطن به جمعا » أي
صرن بعدوهن ، أو بذلك المكان
وسط جمع العدو ، وقيل : يريد جمع منى.
١ ـ نوادر الراوندي باسناده عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهماالسلام قال : إن
رسول الله (ص) بعث مع علي عليهالسلام ثلاثين فرسافي غزوة
ذات السلاسل ، وقال : أنلو عليك آية في نفقة الخيل « والذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا و
علانية هي النفقة على الخيل سرا وعلانية ،
٢ ـ فس
: « والعاديات
ضبحا * فالموريات قدحا * فالمغيرات صبحا »
حدثنا
جعفر بن أحمد ، عن عبيد بن موسى ، عن الحسن بن
علي بن أبي حمزة عن أبيه
عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليهالسلام في قوله :
والعاديات ضبحاً قال : هذه السورة
____________________
نزلت في أهل وادي
يابس قال : قلت :
: وما كان
حالهم وقصتهم؟ قال : إن
أهل وادي يابس اجتمعوا اثنى عشر ألف فارس وتعاقدوا
وتواثقوا
أن لا يتخلف رجل عن رجل ، ولا يخذل أحد أحدا ، ولا
يفر رجل عن صاحبه حتى
يموتوا كلهم على خلق واحد ويقتلوا محمدا (ص) وعلي بن أبي طالب عليهالسلام
فنزل جبرئيل عليهالسلام
على محمد (ص)
فأخبره بقصتهم وما تعاقدوا عليه وتوافقوا
وأمره أن يبعث أبابكر إليهم في أربعة آلاف فارس
من المهاجرين والانصار ، فصعد
رسول الله صلىاللهعليهوآله
المنبر ، فحمدالله وأثنى عليه ، ثم قال : « يا معشر المهاجرين و
الانصار إن جبرئيل أخبرني أن أهل وادي اليابس
اثنى عشر ألفا
قد استعدوا
وتعاهدوا وتعاقدوا أن لا يغدر رجل بصاحبه ولا يفر عنه ولا يخذ له حتى
يقتلوني وأخي علي بن أبي طالب ، وأمرني أن اسير
إليهم أبابكر في أربعة
آلاف فارس فخذوا في أمركم واستعدوا لعدو كم ، وانهضوا
إليهم على اسم
الله وبركته يوم يوم الاثنين إن شاء الله ، فأخذ
المسلمون عدتهم
وتهيأوا وأمر رسول
الله صلىاللهعليهوآله
أبابكر بأمره ، وكان فيما أمره به أن إذا رآهم
أن يعرض عليهم الاسلام
____________________
فإن تابعوا
وإلا واقعهم
فقتل مقاتليهم وسبى ذراريهم واستباح أموالهم و
خرب ضياعهم وديارهم فمضى أبوبكر ومن معه من
المهاجرين والانصار في أحسن
عدة وأحسن هيئة ، يسير بهم سيرا رفيقا حتى
انتهوا إلى أهل وادي اليابس ، فلما
بلغ القوم نزول القوم عليهم ونزل أبوبكر
وأصحابه قريبا منهم خرج إليهم من
أهل وادي اليابس مائتا رجل مدججين بالسلاح فلما صادفوهم قالوا لهم : من
أنتم؟ ومن أين أقبلتم؟ وأين تريدون؟ ليخرج
إلينا صاحبكم حتى نكلمه ، فخرج
إليهم أبوبكر في نفر من أصحابه المسلمين ، فقال
لهم : أنا أبوبكر صاحب رسول
الله صلىاللهعليهوآله
، قالوا : ما أقدمك علينا؟ قال : أمرني رسول الله (ص) أن أعرض عليكم
الاسلام ، وان تدخلوا فيما دخل فيه المسلمون ولكم ما لهم
وعليكم ما عليهم
وإلا فالحرب بيننا وبينكم ، قالوا له : أما
واللات والعزى لولا رحم
ماسة
وقرابة قربية لقتلناك وجميع أصحابك قتلة تكون حديثا لمن يكون بعدكم ، فارجع
أنت ومن معك وارتجوا العافية ، فإنا إنما نريد صاحبكم بعينه وأخاه
علي بن ابي طالب ، فقال أبوبكر لاصحابه : يا
قوم القوم أكثر منكم أضعافا وأعد
منكم
وقد نأت داركم عن إخوانكم من المسلمين ، فارجعوا نعلم رسول الله صلىاللهعليهوآله
بحال القوم ، فقالوا له جميعا : خالفت يا
أبابكر رسول الله وما أمرك به فاتق الله و
____________________
واقع القوم ، ولا
تخالف قول رسول الله صلىاللهعليهوآله
فقال : إني أعلم مالا تعلمون الشاهد
يرى ما لايرى الغائب ، فانصرف وانصرف الناس أرجمعون ، فأخبر النبي صلىاللهعليهوآله
بمقالة القوم له وما رد عليهم أبوبكر فقال : صلىاللهعليهوآله
: يابابكر خالفت أمري
ولم تفعل ما أمرتك به ، وكنت لي والله عاصيا
فيما أمرتك ، فقام النبي صلىاللهعليهوآله
وصعد
المنبر
فحمدالله وأثنى عليه ، ثم قال :
» يا معشر المسلمين إنى أمرت أبابكر
أن يسير إلى أهل وادي اليابس ، وأن يعرض عليهم
الاسلام ، ويدعوهم إلى الله
فإن أجابوا
وإلا واقعهم ، فإنه
سار إليهم وخرج منهم إليه مائتا رجل فإذا
سمع
كلامهم وما استقبلوه به انتفخ صدره
ودخله الرعب منهم ، وترك قولي
ولم يطع أمري ، وإن جبرئيل عليهالسلام أمرني عن الله أن
أبعث إليهم عمر مكانه في
أصحابه في أربعة آلاف فارس ، فسر يا عمر على
اسم الله ولا تعمل كما
عمل أبوبكر
أخوك ، فإنه قد عصى الله وعصاني « وأمره بما
أمر به أبابكر ، فخرج عمر
والمهاجرون
والانصار الذين كانوا مع أبي بكر يقتصد بهم في سيرهم حتى
شارف القوم ، وكان قريبا منهم حيث يراهم ويرونه
، وخرج إليهم مائتا
رجل
فقالوا له ولاصحابه مثل مقالتهم لابي بكر ، فانصرف
وانصرف الناس معه ، وكاد
____________________
أن يطير قلبه مما
رأى من عدة القوم وجمعهم ، ورجع يهرب منهم. فنزل جيرئيل
عليهالسلام
فأخبر محمدا
بما صنع عمر ، وأنه انصرف وانصرف المسلمون معه ، فصعد
النبي صلىاللهعليهوآله
المنبر فحمدالله وأثنى عليه وأخبرهم بما صنع عمر ، وما كان منه ، و
أنه قد انصرف وانصرف المسلمون معه مخالفا لامري ، عاصيا لقولي ، فقدم
عليه
فأخبره بمقاله ما أخبره به صاحبه ، فقال له : « يا
عمر عصيت الله في عرشه ، و
عصيتني وخالفت قولي ، وعملت برأيك ، لاقبح الله رأيك ، وإن جبرئيل عليهالسلام
قد أمرني أن أبعث علي بن أبي طالب في هؤلاء
المسلمين ، فأخبرني
أن الله يفتح
عليه وعلى أصحابه « فدعا عليا وأوصاه بما أوصى
به أبابكر وعمر وأصحابه
الاربعة آلاف ، وأخبره أن الله سيفتح عليه وعلى
أصحابه ، فخرج علي ومعه
المهاجرون والانصار ، فساربهم سيرا أبى بكر
وعمر ، وذلك أنه أعنف بهم
في السير حتى خافوا أن ينقطعوا من التعب ، وتحفى دوابهم ، فقال لهم : لا
تخافوا فان رسول الله صلى اله اليه واله قد
أمرني بأمر
وأخبر ني أن الله سيفتح علي و
عليكم ، فأبشروا فإنكم على خير وإلى خير ، فطابت نفوسهم وقلوبهم ، و
ساروا على ذلك السير التعب حتى إذا كانوا قريبا منهم حيث يرونه
ويراهم ، أمر
أصحابه أن ينزلوا ، وسمع أهل وادى اليابس بمقدم
علي بن أبيطالب وأصحابه
____________________
فخرجوا إليه منهم مائتا رجل شاكين بالسلاح فلما رآهم علي عليهالسلام خرج
إليهم في نفر من أصحابه ، فقالوا لهم : من أنتم؟ ومن أين أنتم؟ ومن أين
أقبلتم؟
وأين تريدون؟ قال : أنا علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله صلىاللهعليهوآله وأخوه ورسوله
إليكم ، أدعو كم إلى شهادة أن لا إله إلا الله
، وأن محمدا عبده ورسوله
ولكم
ما للمسلمين ، وعليكم ما عليهم من خير وشر ، فقالوا له : إياك أردنا ،
و
أنت طلبتنا ، قد سمعنا مقالتك ، فاستعد للحرب العوان ، واعلم أنا قاتليك
وقاتلي
أصحابك ، والموعود فيما بيننا وبينك غدا ضحوة ، وقد أعذرنا فيما
بيننا وبينك ، فقال لهم علي عليهالسلام : ويلكم تهد دوني
بكثرتكم وجمعكم ، فأنا
أستعين بالله وملائكته والمسلمين عليكم ، ولا
حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
فانصرفوا إلى مراكزهم وانصرف علي عليهالسلام إلى مركزه فلما جنه الليل
أمر أصحابه أن يحسنوا إلى دوابهم ، ويقضموا
ويسرجوا
فلما انشق عمود
الصبح صلى بالناس بغلس ، ثم غار عليهم بأصحابه
، فلم يعلموا حتى وطئتهم الخيل
فما أدرك آخر أصحابه حتى قتل مقاتليهم ، وسبى
ذراريهم ، واستباح أموالهم ، و
خرب
ديارهم ، وأقبل بالاسارى
والاموال معه ونزل
جبرئيل فأخبر
رسول الله (ص) بما فتح الله على علي عليهالسلام
وجماعة المسلمين ، فصعد المنبر فحمدالله
____________________
وأثنى عليه وأخبر
الناس بما فتح الله على المسلمين ، وأعلمهم أنه لم يصب منهم إلا
رجلان ، ونزل فخرج يستقبل عليا في جميع أهل المدينة من
المسلمين حتى
لقيه على أميال من المدينة ، فلما رآه علي مقبلا نزل
عن دابته ، ونزل النبي
صلىاللهعليهوآله
حتى التزمه ، وقبل ما بين عينيه ، فنزل جماعة المسلمين إلى علي عليهالسلام
حيث
نزل رسول الله وأقبل بالغنيمة والاسارى وما رزقهم الله من أهل وادي اليا
ثم قال جعفر بن محمد عليهماالسلام
: ما غنم المسلمون مثلها قط إلا أن تكون خيبرا
فإنها مثل خيبر ، فأنزل الله تبارك وتعالى في
ذلك اليوم
: « والعاديات
ضبحا
يعني بالعاديات الخيل تعدو بالرجال ، والضبح ضبحها في أعنتها ولجمها فالموريات قدحا *
فالمغيرات صبحا » فقد أخبرك أنها
غارت عليهم صبحا ، قلت قوله : « فأثرن
به نقعا » قال : يعني الخيل يأثرن بالوادي نقعا « فوسطن به جمعا « قلت
: قوله : « إن
الانسان لربه لكنود » قال : لكفور « وإنه على ذلك لشهيد
» قال : يعنيهما
جميعا قد شهدا جميعا وادي اليابس ، وكانا لحب
الحياة حريصين ، قلت : قوله
« أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور * وحصل ما في
الصدور * إن ربهم بهم يومئذ لخبير
» قال : نزلت الآيتان فيهما خاصة كانا يضمران ضمير السوء ويعملان به
فأخبر الله خبرهما وفعالهما ، فهذه قصة أهل
وادي اليابس وتفسير العاديات.
____________________
ثم قال علي بن إبراهيم في قوله : « والعاديات
ضبحا » أي عدوا عليهم في
الضبح ، ضباح الكلاب : صوتها « فإلموريات قدحا
» كانت بلادهم فيها حجارة فإذا
وطئها سنابك الخيل كان ينقدح منها النار « فالمغيرات صبحا » أي
صبحهم بالغارة
« فأثرن
به نقعا » قال : ثارث الغبرة من ركض الخيل « فوسطن به جمعا » قال : توسط المشركين بجمعهم « إن الانسان لربه لكنود
» أي كفور ، وهم الذين أمروا
وأشاروا
على امير المؤمنين عليهالسلام
أن يدع الطريق مما حسدوه
وكان علي عليهالسلام
أخذ
بهم على غير الطريق الذي أخذ فيه أبوبكر وعمر ، فعلموا أنه يظفر
بالقوم ، فقال عمرو بن العاص لابي بكر : إن
عليا غلام حدث لا علم له بالطريق ، و
هذا طريق مسبع لا نأمن فيه من السباع فمشوا إليه فقالوا : با أبا الحسن هذا
الطريق الذي أخذت فيه طريق مسبع ، فلو رجعت إلى
الطريق ، فقال لهم أميرالمؤمنين
عليهالسلام
: الزموا رحالكم ، وكفوا عما لا يعنيكم ، واسمعوا وأطيعوا فإني أعلم
بما أصنع فسكتوا « وإنه على ذلك لشهيد » أي على العداوة
« وإنه لحب الخير
لشديد » يعني حب الحياة حيث خافوا السباع على
أنفسهم فقال الله : « أفلا
يعلم إذا بعثر
ما في القبور * وحصل ما في الصدور
» أي يجمع ويظهر « إن ربهم بهم
يومئذ لخبير » .
فر
: عبدالله بن بحر بن طيفور بإسناده عن جعفر بن محمد عليهماالسلام
مثله إلى
قوله : ثم قال علي بن ابراهيم.
بيان
: رجل مدجج ومدجج أي شاك في السلاح ، وحفي من كثرة المشي
____________________
أي رقت قدمه أو
حافره. والعوان من الحروب : التي قوتل فيها مره ، كأنهم
جعلوا الاولى بكرا. وأقضم القوم : امتاروا شيئا
في القحط ، وفي بعض لغة الفرس : القضم : خوردن اسب جورا
قوله عليهالسلام
: يعنيهما ، أي مصداق الانسان في هذه الآية أبوبكر وعمر.
قال البيضاوي : « لكنود » : لكفور ، من كند
النعمة كنودا ، أو لعاص بلغة
كندة ، أو لبخيل بلغة بني مالك وهو جواب القسم.
« وإنه على ذلك » وإن
الانسان على كنوده « لشهيد » يشهد على نفسه
لظهوره أثره عليه ، أو أن الله على
كنوده لشهيد فيكون وعيدا « وإنه لحب الخير » المال
« لشديد » لبخيل ، أو لقوي
مبالغ فيه قوله : « بعثر » أي بعث « وحصل » : جمع محصلا في الصحف أو ميز.
٣ ـ ما
: قال شيخ الطائفة قرئ
على أبي القاسم بن شبل وأنا أسمع : حدثنا ظفر بن حمدون بن أحمد ، عن إبراهيم بن إسحاق الاحمري ، عن محمد بن ثابت
وأبي المغرا العجلي قالا : حدثنا الحلبي قال : سألت
أبا عبدالله عليهالسلام
عن قول الله
عزوجل : « والعاديات ضبحا » قال : وجه رسول
الله صلىاللهعليهوآله
عمر بن الخطاب في
سرية فرجع منهزما يجبن أصحابه ، ويجبنونه أصحابه ، فلما انتهى إلى
النبي صلىاللهعليهوآله
قال لعلي : أنت صاحب القوم ، فتهيأ أنت ومن تريد من فرسان
المهاجرين والانصار ، وسر الليل ولا يفارقك العين ، قال : فانتهى علي
إلى ما
____________________
أمره به رسول الله (ص)
فسار إليهم ، فلما كان عند وجه الصبح أغار عليهم ، فأنزل
الله على نبيه صلىاللهعليهوآله
« والعاديات ضبحا » إلى آخرها.
بيان
: لا يفارقك العين ، أي ليكن معك جواسيس ينظرون لئلا يكمن لك
العدو ، أو كناية عن ترك النوم ، أو عن ترك
الحذر ، والنظر إلى مظان الريبة
أو المعنى لا يفارقك عسكرك وكن معهم ، قال
الجوهري : جاء فلان في عين ، أي
في جماعة.
٤ ـ يج
: روي أن النبي صلىاللهعليهوآله
لما بعث سرية ذات السلاسل وعقد الراية
وساربها أبوبكر حتى إذا صاربها بقرب المشركين
اتصل خبرهم فتحر زوا ولم
يصل المسلمون إليهم ، فأخذ الراية عمر وخرج مع
السرية فاتصل بهم خبرهم
فتحر زوا ولم يصل المسلمون إليهم ، فأخذ الراية عمر وبن العاص فخرج في
السرية فانهزموا ، فأخذ الراية لعلي وضم إليه
أبابكر وعمر وعمرو بن العاص و
من كان معه
في تلك السرية ، وكان المشركون قد أقاموا رقباء على جبالهم
ينظرون إلى كل عسكر يخرج إليهم من المدينة على
الجادة فيأخذون حذرهم و
استعدادهم ، فلما خرج علي عليهالسلام ترك الجادة وأخذ
بالسرية في الاودية بين الجبال
فلما رأى عمرو بن العاص وقد فعل علي ذلك علم
أنه سيظفر بهم ، فحسده فقال لابي
بكر وعمر ووجوه السرية : إن عليا رجل غر لا خبرة له لهذه المسالك ، و
نحن أعرف بها منه ، وهذا الطريق الذي توجه فيه
كثير السباع ، وسيلقى الناس
من معرتها أشد ما يحاذرونه من العدو ، فسألوه
أن يرجع عنه إلى الجادة ، فعرفوا
أميرالمؤمنين عليهالسلام
ذلك ، قال : من كان طائعا لله ولرسوله منكم فليتبعني ، ومن
أراد الخلاف على الله ورسوله فلينصرف عني ، فسكتوا
وساروا معه فكان يسيربهم
____________________
بين الجبال في الليل ويكمن في الاودية بالنهار ، وصارت
السباع التي فيها
كالسنانير إلى أن كبس المشركين وهم غارون آمنون وقت الصبح ، فظفر
بالرجال
والذراري والاموال ، فحاز ذلك كله ، وشد الرجال
في الحبال كالسلاسل ، فلذلك
سميت غراة ذات السلاسل ، فلما كانت الصبيحة
التي أغار فيها أمير المؤمنين عليهالسلام
على العدو ـ ومن المدينة إلى هناك خمس مراحل ـ خرج
النبي صلىاللهعليهوآله
فصلى
بالناس الفجر ، وقرأ : « والعاديات » في الركعة
الاولى ، وقال : « هذه سورة أنزلها
الله علي في هذا الوقت يخبرني فيها با غارة علي
على العدو ، وجعل حسده لعلي
حسدا له
فقال : « إن الانسان لربه لكنود » والكنود : الحسود ، وهو عمرو بن
العاص ههنا ، إذا هو كان يحب الخير وهو الحياة
حين أظهر الخوف
من السباع
ثم هد ده الله.
٥ ـ شا :
ثم كان غزاة
السلسلة وذلك أن أعرابيا جاء عند النبي
فجثا بين يديه وقال له : جئتك لانصح لك ، قال :
وما نصيحتك؟ قال : قوم من
العرب قد اجتمعوا بوادي الرمل وعملوا على أن
يبيتوك بالمدينه ، ووصفهم له ، فأمر
النبي صلىاللهعليهوآله
أن ينادي بالصلاة جامعة ، فاجتمع المسلمون وصعد المنبر فحمد الله و
أثنى عليه ، ثم قال : « أيها الناس إن هذا عدو
الله وعدوكم قد عمل على أن يبيتكم
فمن له
» فقام جماعة من أهل الصفة فقالوا : نحن نخرج إليهم فول علينا
من شئت ، فأقرع بينهم فخرجت القرعة علي ثمانين
رجلا منهم ومن غيرهم ، فاستدعى
أبابكر فقال له : خذ اللواء وامض إلى بني سليم ،
فإنهم قريب من الحرة ، فمضى
____________________
ومعه القوم حتى قارب
أرضهم ، وكانت كثيرة الحجارة والشجر وهم ببطن الوادي
والمنحدر إليه صعب ، فلما صار أبوبكر إلى
الوادي وأراد النحدار خرجوا إليه
فهمزموه وقتلوا من المسلمين جمعا كثيرا ، فانهزم
أبوبكر من القوم ، فلما ورد
على النبي صلىاللهعليهوآله
عقد لعمر بن الخطاب وبعثه إليهم فكمنوا له تحت الحجارة و
الشجر ، فلما ذهب ليهبط خرجوا إليه فهزموه ، فساء
رسول الله صلىاللهعليهوآله
ذلك ، فقال
له عمرو بن العاص : ابعثني يا رسول الله إليهم ، فإن الحرب خدعة ، فلعلى أخدعهم
فأنفذه مع جماعة ووصاه ، فلما صار إلى الوادي
خرجوا إليه فهزموه وقتلوا من
أصحابه جماعة ومكث رسول الله (ص) أياما يدعو
عليهم ، ثم دعا أميرالمؤمنين عليهالسلام
فعقد له ، ثم قال : « أرسلته كرارا غير فرار » ثم
رفع يديه إلى السماء وقال :
« الهم إن كنت تعلم أني رسولك فاحفظني فيه ، وافعل به وافعل » فدعا له ما
شاء الله ، وخرج علي بن أبي طالب عليهالسلام
، وخرج رسول الله (ص) لتشييعه وبلغ
معه إلى مسجد الاحزاب ، وعلي على فرس أشقر مهلوب ، عليه بردان يمانيان
وفي يده قناة خطية ، فشيعه رسول الله صلىاللهعليهوآله
ودعا له ، وأنفذ معه فيمن أنفذ أبابكر
وعمر وعمرو بن العاص ، فساربهم عليهالسلام
نحو العراق متنكبا للطريق حتى ظنوا أنه
يريد بهم غير ذلك الواجه ، ثم انحدر بهم على محجة غامضة ، فساربهم حتى
استقبل الوادي من فمه ، وكان يسير الليل ، ويكمن
النهار فلما قرب من الوادي
أمر أصحابه أن يعكموا الخيل ، ووقفهم مكانا ، وقال
: لا تبرحوا ، وانتبذ
أمامهم
فأقام ناحية منهم ، فلما رأى عمروبن العاص ما
صنع لم يشك أن الفتح يكون له
فقال لابي بكر : أنا أعلم بهذه البلاد من علي ،
وفيها ما هو أشد علينا من بني
سليم ، وهي الضباع والذئاب ، فإن خرجت علينا
خفت أن تقطعنا فكلمه يخل عنا
نعلو الوادي ، قال : فانطلق أبوبكر فكلمه فأطال فلم يجبه أميرالمؤمنين عليهالسلام
____________________
حرفا واحدا ، فرجع
إليهم فقال : لا والله ما أجابني حرفا واحدا ، فقال عمرو بن
العاص لعمر بن الخطاب : أنت أقوى عليه ، فانطلق
عمر فخاطبه فصنع به مثل ما.
صنع بأبي بكر ، فرجع إليهم فأخبرهم أنه لم يجبه ، فقال عمرو بن العاص : إنه لا
ينبغي لنا أن نضيع أنفسنا ، انطلقوا بنا نعلوا
الوادي ، فقال له المسلمون ، والله
ما نفعل ، أمرنا رسول الله أن نسمع لعلي ونطيع ،
فنترك أمره ونطيع لك ونسمع؟
فلم يزالوا كذلك حتى أحس أميرالمومنين عليهالسلام بالفجر ، فكبس
القوم وهم
غارون
فأمكنه الله تعالى منهم ، فنزلت على النبي صلىاللهعليهوآله
« والعاديات ضبحا » إلى اخرها ، فبشر النبي صلىاللهعليهوآله أصحابه بالفتح ، وأمرهم
أن يستقبلوا أميرالمؤمنين
عليهالسلام
، فاستقبلوه والنبي (ص) يقدمهم ، فقاموا له صفين ، فلما بصر بالنبي (ص)
ترجل عن فرسه فقال له النبي صلىاللهعليهوآله : « اركب فإن الله
ورسوله عنك راضيان » فبكى أميرالمؤمنين عليهالسلام فرحا ، فقال له
النبي صلىاللهعليهوآله
: « يا علي لولا أنني أشفق
أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في
المسيح عيسى بن مريم لقلت
فيك اليوم مقالا لا تمر بملا من الناس إلا
أخذوا التراب من تحت قد ميك ».
وكان الفتح في هذه الغزاة لاميرالمؤمنين
خاصة بعد أن كان لعيره فيها
من الافساد
ما كان ، واختص عليهالسلام
من مديح النبي (ص) فيها بفضائل لم يحصل
منها شئ لغيره ، وبان له من المنقبة فيها مالم
يشر كه فيه
سواه.
بيان
: المهلبة : ما غلظ من شعر الذنب ، وهلبت الفرس : نتفت هلبه فهو
مهلوب ، ذكره الجوهري ، وقال : الخط : موضع
باليمامة ، تنسب إليه الرماح
الخطية ، لانها تحمل من بلاد الهند فتقوم به ، ويقال
: عكمت المتاع ، أي شددته
والمراد هنا شد أفواه الدواب لترك صهيلها. قوله
: فكبس القوم ، أي هجم عليهم.
____________________
٦ ـ أقول
: ذكر المفيد ـ رحمهالله
ـ هذه الغروة على هذا الوجه بعد غزوة
تبوك وذكرها على وجه آخر على مافي بغض النسخ
القديمة بعد غزوة بني قريظة
وقبل غزوة بني المصطلق : قال : وقد كان من أمير
المؤمنين عليهالسلام
في
غزوة وادي الرمل ـ ويقال : إنها كانت تسمى
بغزوة السلسلة
ـ ما حفظه
العلماء ، ودونه الفقهاء ، ونقله أصحاب الآثار ،
ورواه نقلة الاخبار مما ينضاف إلى
مناقبه عليهالسلام
في الغزوات ، ويماثل فضائله في الجهاد ، وما توحد به في معناه من
كافة العباد ،. ذلك أن أصحاب السير ذكروا أن
النبي صلىاللهعليهوآله
كان ذات يوم جالسا
إذا جاء أعرابي فجثا بين يديه ، ثم قال : إني
جئت لانصحك ، قال
: « وما
نصيحتك؟ » قال : قوم من العرب قد اعلموا على أن
يبيتوك بالمدينة ، ووصفهم له
قال فأمر أميرالمؤمنين عليهالسلام أن ينادي بالصلاة
جامعة ، فاجتمع المسلمون فصعد المنبر
فحمدالله وأثنى عليه ثم قال : « أيها الناس إن
هذا عدوالله وعدو كم قد أقبل
عليكم
يزعم أنه يبينكم بالمدينة ، فمن للوادي؟ » فقام رجل من المهاجرين
فقال : أنا له يا رسول الله ، فناوله اللواء
وضم إليه سبعمائة رجل ، وقال له : « امض
على اسم الله » فمضى فوافى القوم ضحوة فقالوا
له : من الرجل؟ قالوا :
رسول
لرسول الله صلىاللهعليهوآله
، إما أن تقولوا : لا إله إلا لله وحده لا شريك له ، وإن محمدا عبده
ورسوله ، أو لاضربنكم بالسيف ، قالوا له : ارجع
إلى صاحبك فإنا في جمع لا
تقوم له ، فرجع الرجل فأخبر رسول الله (ص) بذلك
، فقال النبي صلىاللهعليهوآله
: « من
للوادي؟ » فقام رجل المهاجرين فقال : أنا له يا
رسول الله ، قال : فدفع إليه
الراية ومضى ، ثم عاد بمثل ما عاد به صاحبه الاول ، فقال رسول
الله صلىاللهعليهوآله
: « أين
علي بن أبي طالب؟ » فقام أمير المؤمنين عليهالسلام
فقال : أناذا يا رسول الله ، قال
: ____________________
« امض إلى الوادي » قال : نعم ، وكانت له عصابة
لا يتعصب بها حتى يبعثه النبي
صلىاللهعليهوآله
في وجه شديد ، فمضى إلى منزل فاطمة عليهاالسلام
فالتمس العصابة منها ، فقالت : أين تريد؟ وأين
بعثك أبي؟ قال : إلى وادي الرمل ، فبكت إشفاقا عليه ، فدخل
النبي صلىاللهعليهوآله
وهي على تلك الحال فقال لها : « مالك تبكين؟ أنخافين أن يقتل بعلك؟
كلا انشاءالله » فقال له علي عليهالسلام : لا تنفس علي
بالجنة يا رسول الله ، ثم خرج
ومعه لواء النبي صلىاللهعليهوآله
فمضى حتى وافى القوم بسحر ، فأقام حتى أصبح ، ثم
صلى بأصحابه الغداة ، وصفهم صفوفا ، وانكأ على
سيفه مقبلا على العدو ، فقال
لهم : يا هؤلاء أنا رسول رسول الله إليكم ، أن
تقولوا : لا إله إلا الله ، وإن محمدا
عبده ورسوله ، وإلا أضربنكم بالسيف ، قالوا : ارجع كما رجع صاحباك
قال : أنا أرجع؟ لا والله حتى تسلموا ، أو أضربكم بسيفي
هذا ، أنا علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب ، فاضطرب القوم لما
عرفوه ، ثم اجترؤا على مواقعته
فواقعهم عليهالسلام
فقتل منهم ستة أو سبعة ، وانهزم المشركون ، وظفر المسلمون ، و
حازوا الغنائم ، وتوجه إلى النبي صلىاللهعليهوآله.
فروي عن أم سلمة رضياللهعنها قالت : كان نبي
الله صلىاللهعليهوآله
قائلا في بيتي
إذا نتبه فزعا من منامه ، فقلت له : الله جارك ،
قال : « صدقت الله جاري ، لكن
هذا جبرئيل عليهالسلام
يخبرني أن عليا عليهالسلام
قادم » ثم خرج إلى الناس فأمرهم أن
يستقبلوا عليا عليهالسلام
، فقام المسلمون له صفين مع رسول الله (ص) ، فلما بصر بالنبي
صلىاللهعليهوآله
ترجل عن فرسه ، وأهوى إلى قدميه يقبلهما ، فقال له صلىاللهعليهوآله
: « اركب فإن الله تعالى ورسوله عنك راضيان » فبكى أمير المومنين فرحا ، وانصرف
إلى
منزله وتسلم
المسلمون الغنائم. فقال النبي صلىاللهعليهوآله
لبعض من كان معه في الجيش : « كيف رأيتم أميركم؟ » قالوا : لم ننكر
منه شيئا إلا أنه لم يؤم بنا في صلاة إلا قرأ
____________________
فيها بقل هو الله ، فقال النبي صلىاللهعليهوآله أسأله عن ذلك ، فلما جاءه قال له : « لم
لم تقرأ بهم في فرائضك إلا بسورة الاخلاص؟ » فقال
: يا رسول الله أحببتها ، قال له
النبي صلىاللهعليهوآله
: « فإن الله قد أحبك كما أحببتها » ثم قال له : « يا علي لولا أنيأشفق أن تقول فيك طوائف ما قالت النصارى في
عيسى بن مريم لقلت فيك اليوم
مقالا لاتمر بملا منهم إلا أخذوا التراب من تحت
قدميك ».
وقد ذكر كثير من أصحاب السير أن في هذه
الغزاة نزل على النبي صلىاللهعليهوآله
: « والعاديات
ضبحا » إلى آخرها ، فتضمنت ذكر الحال فيما فعله أميرالمؤمنين عليهالسلام
فيها.
أقول
: ذكر في إعلام الورى تلك القصة على هذا الوجه مع اختصار.
٧ ـ فر
: فرات بن إبراهيم معنعنا عن ابن عباس قال : دعا النبي صلىاللهعليهوآله
أبابكر إلى غزوة ذات السلاسل فأعطاه الراية
فردها ، ثم دعا عمر فأعطاه الراية
فردها ، ثم دعا خالد بن الوليد فأعطاه الراية
فرجع ، فدعا أميرالمؤمنين علي بن
أبي طالب عليهالسلام
فأمكنه من الراية فسيرهم معه وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوه ، قال : فانطلق أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام
بالعسكر وهم معه حتى انتهى
إلى القوم ، فلم يكن بينه وبينهم إلا جبل قال :
فأمرهم أن ينزلوا في أسفل
الجبل ، فقام لهم : اركبوا دوابكم ، فقال خالد
بن الوليد : يا ابابكر وأنت يا
عمر ما ترون إلى هذا الغلام أين أنزلنا في واد
كثير الحيات ، كثير الهام ، كثير
السباع ، نحن منه على إحدى ثلاث خصال : إما سبع
يأكلنا ويأكل دوابنا ، وإما
حيات تعقرنا وتعقر دوابنا ، وإما يعلم بنا
عدونا فيقتلنا ، قوموا بنا إليه قال : فجاؤا إلى علي عليهالسلام
وقالوا :
يا علي أنزلتنا في واد كثير السباع ، كثير الها
____________________
كثير الحيات ، نحن
منه على إحدى ثلاث خصال : إما سبع يأكلنا ويأكل دوابنا ، أو حيات تعقرنا وتعقر دوابنا ، أو يعلم بن عدونا فيبيتنا فيقتلنا ، قال : فقال لهم
علي عليهالسلام
: أليس قد أمركم رسول الله (ص) أن تسمعوا لي وتطيعوا؟ قالوا : بلى ، قال : فانزلوا ، فرجعوا ، قال : فأبوا أن
ينقادوا ، واستفزهم خالد
ثانية ، فقالوا له ذلك الكلام فقال لهم : أليس قد أمركم رسول الله صلىاللهعليهوآله أن
تسمعوالي تطيعوا؟ قالوا : بلى ، قال : فانزلوا بارك الله
فيكم ، ليس عليكم
بأس ، قال : فنزلوا وهم مرعوبون ، قال : وما
زال علي ليلته قائما يصلي حتى
إذا كان في السحر قال لهم : اركبوا بارك الله
فيكم ، قال : فركبوا وطلع الجبل
حتى إذا نحدر على القوم فأشرف عليهم ، قال لهم :
انزعوا عمكة دوابكم ، قال : فشمت الخيل ريح الاناث فصهلت ، فسمع القوم صهيل خيلهم فولوا هاربين
قال : فقتل مقاتليهم ، وسبا ذراريهم ، قال : فهبط
جبرئيل عليهالسلام
على رسول الله صلىاللهعليهوآله
فقال : يا محمد « والعاديات
ضبحا * فالموريات قدحا * فالمغيرات صبحا * فأثرن به
نقعا * فوسطن به جمعا » قال : فقال رسول
الله صلىاللهعليهوآله
: « يخالط
القوم ورب
الكعبة » قال : وجاءت البشارة.
٨ ـ فر
: الحسين بن سعيد وجعفر بن محمد الفزاري
معنعنا عن أبي ذرالغفاري
رضياللهعنه
وغيره أن النبي صلىاللهعليهوآله
قد أقرع بين أهل الصفة ، فبعث منهم ثمانين
رجلا ، ومن غيرهم إلى بني سليم ، وولى عليهم
وانهزموا مرة بعد مرة ، فلبث
بذلك أياما يدعو عليهم ، قال : ثم دعا بلالا
فقال له : « ايتني بيردي النجراني ، و
____________________
قناتي الخطية « فأتاه
بهما فدعا عليا » وبعثه في جيش إليهم ، وقال : « لقد وجهته
كرارا غير فرار » قال : فسرح عليا قال : وخرج معه النبي صلىاللهعليهوآله يشيعه
فكأني أنظر إليهم عند مسجد الاحزاب ، وعلي على فرس أشقر
وهو يوصيه
ثم ودعه النبي صلىاللهعليهوآله
وانصرف ، قال : وسار علي فيمن معه متوجها نحوالعراق
وظنوا أنه يريد بهم غير ذلك الوجه حتى أتى فم
الوادي ، ثم جعل يسير الليل
ويكمن النهار ، فلمادنا من القوم أمرأصحابه
فعكموا الخيل
وأوقفهم ، وقال : لا تبرحوا ، وانتبذ أمامهم فرام بعض أصحابه الخلاف وأبي بعض حتى
إذا
طلع الفجر أغار عليهم علي ، فمنخه الله أكتافهم
وأظهره عليهم ، فأنزل الله على
نبيه محمد (ص) الآية : « والعاديات ضبحا » فخرج النبي صلىاللهعليهوآله لصلاة الفجر
وهو يقول : صبح والله جمع القوم ، ثم صلى
بالمسلمين فقرأ « والعاديات ضبحا » قال : فقتل منهم مائة وعشرين رجلا ، وكان رئيس القوم الحارث بن بشر ،
و
سبا منهم مائة وعشرين ناهدا.
بيان
: الناهد : الجارية أول ما يرتفع ثديها.
٩ ـ فر
: علي بن محمد بن عمر الزهري
معنعنا عن سلمان الفارسي رضي
الله عنه قال : بينما أجمع ما كنا حول النبي صلىاللهعليهوآله ما خلا
أميرالمؤمنين علي بن
أبي طالب
عليهالسلام
إذا أقبل أعرابي
بدوي فتخطى
صفوف المهاجرين و
____________________
الانصار حتى جثابين
يدي رسول الله صلىاللهعليهوآله
، وهو يقول : السلام
عليك يا رسول الله فداك أبي وأمي يا رسول الله ،
فقال النبي صلىاللهعليهوآله
: عليك السلام من أنت يا أعرابي؟ قال : رجل من
بني لجيم يا رسول الله ، فقال
النبي صلىاللهعليهوآله
: « ما وراك بما جاء لجيم؟
» قال : يا رسول الله خلفت خثعم
و
قد تهيأوا وعبأوا كتائبهم ، وخلفت الرايات تخفق
فوق رؤسهم ، يقدمهم الحارث
ابن مكيدة الخثعمي في خمسمائة من رجال خثعم ، يتألون
باللات والعزى أن لا
يرجعوا حتى يردوا المدينة فيقتلوك ومن معك يا رسول الله ، قال : فدمعت
عينا
النبي صلىاللهعليهوآله
حتى أبكى جميع أصحابه ، ثم قال : « يا معشر الناس سمعتم مقالة
الاعرابي؟ » قالوا : كل قد سمعنا يا رسول الله ،
قال : « فمن منكم يخرج إلى
هؤلاء القوم قبل أن في ديارنا وحريمنا ، لعل
الله يفتح على يديه ، وأضمن
له على الله الجنة؟ قال : فوالله ما قال أحد : أنا
يا رسول الله ، قال : فقام النبي
صلىاللهعليهوآله
على قدميه وهو يقول : « معاشر أصحابي هل سمعتم مقالة الاعرابي؟ » قالوا : كل قد سمعنا يا رسول الله ، قال : « فمن
منكم يخرج إليهم قبل أن يطؤنا
في ديارنا وحريمنا ، لعل الله أن يفتح على يديه
، وأضمن له على الله اثنى عشر قصرا
في الجنة » قال : فوالله ما قال أحد : أنا يا
رسول ، قال : فبينما النبي (ص) واقف إذأ قبل
أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام ، فلما نظر إلى
النبي (ص) واقفا ودموعه
تنحدر
كأنها جمان انقطع سلكه على خديه لم يتمالك أن
رمى بنفسه عن بعيره إلى الارض
ثم أقبل يسعى نحو النبي (ص) يمسح بردائه الدموع
عن وجه رسول الله صلىاللهعليهوآله
و
هو يقول : ما الذي أبكاك؟ لا أبكى الله ، عينيك
يا حبيب الله ، هل نزل في أمتك شئ من السماء؟ قال : « يا علي ما نزل فيهم إلا خير
، ولكن هذا الاعرابي حد ثني
عن رجال خثعم بأنهم قد عبأوا كتائبهم ، وخفقت
الرايات فوق رؤسهم ، يكذبون ____________________
قولي ، ويزعمون أنهم
لا يعرفون ربي ، يقدمهم الحارث بن مكيدة الخثعمي في
خمسمائة من رجال خثعم ، يتألون باللات والعزى
لايرجعون حتى يردوا المدينة
فيقتلوني ومن معي وإني قلت لاصحابي : من منكم
يخرج إلى هؤلاء القوم من
قبل أن يطؤنا في ديارنا وحريمنا ، لعل الله أن
يفتح على يديه ، وأضمن له على الله
اثنى عشر قصرا في الجنة » فقال أميرالمؤمنين
علي بن أيي طالب عليهالسلام
: فداك أبي
وأمي يا رسول الله صف لي هذه القصور ، فقال
رسول الله صلىاللهعليهوآله
: « يا علي بناء هذه
القصور لبنة من ذهب ولبنة من فضة ، ملاطها
المسك الاذفر والعنبر ، حصباؤها
الدر والياقوت ، ترابها الزعفران ، كثبها الكافور ، في صحن كل قصر من هذه
القصور أربعة أنهار : نهر من عسل ، ونهر من خمر
، ونهر من لبن ، ونهر من ماء
محفوف بالاشجار والمرجان ، على حافتي كل نهر من
هذه الانهار خيمة
من درة
بيضاء لاقطع فيها ولا فصل ، قال لها : كوني ، فكانت
، يرى باطنها من ظاهرها ، و
ظاهرها من باطنها ، في كل خيمة سرير مفصص بالياقوت الاحمر ، قوائمها من
الزبرجد الاخضر ، على كل سرير حوراء من
الحورالعين ، على كل حوراء سبعون
حلة خضراء ، وسبعون حلة صفراء ويرى مخ ساقها
خلف عظمها
وجلدها وحليها
وحللها كما ترى الخمرة الصافية في الزجاجة
البيضاء ، مكللة بالجواهر لكل حوراء
سبعون ذؤابة ، كل ذؤابة بيد وصيف وبيد كل وصيف مجمر يبخر تلك الذؤابة
يفوح من ذلك المجمر بخار لا يفوح بنار ، ولكن
بقدرة الجبار » قال : فقال : أميرالمؤمنين
علي بن أبي طالب عليهالسلام
: فداك أمي وأبي
يا رسول الله أنا لهم ، فقال النبي
صلىاللهعليهوآله
: « يا علي هذا لك وأنت له أنجد إلى القوم » فجهزه رسول الله (ص) في
____________________
خمسين ومائة رجل من الانصار والمهاجرين ، فقام ابن عباس
رضياللهعنه
وقال : فداك أبي وامى يا رسول الله تجهز ابن
عمي في خمسين ومائة رجل من العرب
إلى خمسمائة رجل
وفيهم الحارث بن مكيدة يعد بخسمائة فارس ، فقال النبي صلىاللهعليهوآله : « امط عني يا ابن
عباس ، فو الذي بعثني بالحق لو كانوا على عدد الثرى
وعلي وحده لاعطى الله عليهم النصر حتى يأتينا بسبيهم أجمعين » فجهزه
النبي
صلىاللهعليهوآله
وهو يقول : « اذهب يا حبيبي حفظ الله من تحتك ومن فوقك وعن يمينك
وعن شما لك ، الله خليفتي عليك » فسار علي عليهالسلام بمن معه حتى نزلوا
بودا خلف
المدينه بثلاثة أميال يقال له : وادي ذي خشب ، قال
: فوردوا
الوادي ليلا فضلوا
الطريق ، قال : فرفع أميرالمؤمنين علي بن أبي
طالب عليهالسلام
رأسه إلى السماء وهو
يقول : يا هادي كل ضال ، ويا مفرج كل مغموم ، لا
تقو علينا ظالما ، ولا تظفر
بنا عدوانا واعهدنا إلى سبيل الرشاد ، قال : فإذا الخيل
يقدح بحوافرها من الحجارة
النار حتى عرفوا الطريق فسلكوه ، فأنزل الله
على نبيه محمد : « والعاديات ضبحا » يعنى الخيل « فالموريات قدحا » قال : قدحت
الخيل بحوافرها من الحجارة النار
« فالمغيرات
صبحا » قال : صبحهم علي مع طلوع الفجر ، وكان لا يسبقه أحد
إلى الاذان ، فلما سمع المشركون الاذان قال
بعضهم لبعض : ينبغي أن يكون راعي
في رؤوس هذه الجبال يذكر الله ، فلما أن قال : أشهد
أن محمدا رسول الله صلىاللهعليهوآله
قال
بعضهم لبعض : ينبغى أن يكون الراعي من أصحاب
الساحر الكذاب ، وكان أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب عليهالسلام
لايقاتل حتى تطلع الشمس ، وتنزل ملائكة النهار ، قال : فلما أن دخل النهار التفت أميرالؤمنين عليهالسلام
إلى صاحب راية النبي صلىاللهعليهوآله
فقال
له : ارفعها ، فلما أن رفعها ورآها المشركون عرفوها ، وقال
____________________
بعضهم لبعض : هذا
عدو كم الذي جئتم تطلبونه ، هذا محمد وأصحابه ، قال : فخرج
غلام من المشركين من أشد هم بأسا وأكفر هم كفرا فنادى أصحاب النبي : يا
أصحاب الساحر الكذاب ، أيكم محمد؟ فليبرز إلي
فخرج إليه أميرالمؤمنين علي
ابن أبي طالب عليهالسلام
وهو يقول : ثكلتك أمك أنت الساحر الكذاب ، محمد جاء بالحق
من عند الحق ، قال له : من أنت؟ قال : أنا علي
بن أبي طالب ، أخو رسول الله ، و
ابن عمه ، وزوج ابنته ، قال : لك هذه المنزلة
من محمد؟ قال له علي : نعم ، قال : فأنت محمد شرع واحد ، ما كنت أبالي لقينك أو
لقيت محمدا ثم شد على علي و
هو يقول :
لا قيت يا علي ضيغما
|
|
قرم كريم في الوغا
|
ليث شديد من رجال خثعما
|
|
ينصر دينا معلما ومحكما
|
فأجابه علي بن ابي
طالب عليهالسلام
وهو يقول :
لا قيت قرنا حدثا وضيغما
|
|
ليثا شديدا في الوغا غشمشما
|
أنا علي سابير خثعما
|
|
بكل خطي يري النقع دما
|
وكل صارم يثبت الضرب فينعما
ثم حمل كل واحد منهما على صاحبه ، فاختلف
بينهما ضربتان ، فضربه علي عليهالسلام
ضر
فقتله ، وعجل الله بروحه إلى النار ، ثم نادى أميرالمؤمنين عليهالسلام : هل
من مبارز؟ فبرز أخ للمقتول ، وحمل كل واحد
منهما على صاحبه ، فضربه أميرالمؤمنين
عليهالسلام
ضربة فقتله وعجل الله بروحه إلى النار ، ثم نادى علي عليهالسلام
: هل من مبارز؟
فبرز له الحارث بن مكيدة وكان صاحب الجمع ، وهو
يعد بخمسمائة فارس ، وهو
____________________
الذي أنزل الله فيه :
« إن الانسان لربه لكنود » قال : كفور « وإنه على ذلك لشهيد » قال : شهيد عليه بالكفر « وإنه لحب الخير لشديد
» قال أميرالمؤمنين علي بن أبي
طالب عليهالسلام
: يعني باتباعه محمدا. فلما برز
الحارث حمل كل واحد منهما على صاحبه
فضربه علي ضربة فقتله ، وعجل الله بروحه إلى
النار ، ثم نادى علي عليهالسلام
: هل
من مبارز؟ فبرز إليه ابن عمه يقال له : عمرو بن
الفتاك وهو يقول :
أنا عمرو وأبي الفتاك
|
|
وبيدي نصل سيف هتاك
|
أقطع به الرؤس لمن أرى كذاك
فأجابه أميرالمؤمنين عليهالسلام وهو يقول :
هاكها مترعة دهاقا
|
|
كأس دهاق مزجت زعاقا
|
ابى أمرؤ إذا ما لاقا
|
|
اقد الهام وأجد ساقا
|
ثم حمل كل واحد منهما على صاحبه فضربه
علي عليهالسلام
ضربة فقتله ، وعجل
الله بروحه إلى النار ، ثم نادى علي عليهالسلام : هل من مبارز؟ فلم
يبرز إليه أحد ، فشد
أميرالمؤمنين عليهالسلام
عليهم حتى توسط جمعهم ، فذلك قول الله : « فوسطن به جمعا »
____________________
فقتل علي عليهالسلام مقاتليهم ، وسبا
ذراريهم ، وأخذ أموالهم ، وأقبل بسبيهم إلى رسول
الله صلىاللهعليهوآله
فبلغ ذلك النبي (ص) فخرج وجميع أصحابه حتى استقبل علي عليهالسلام
على ثلاثة أميال من المدينة ، وأقبل النبي صلىاللهعليهوآله يمسح الغبار عن وجه
أميرالمؤمنين
علي بن أبي طالب عليهالسلام
بردائه ، ويقبل بين عينيه ويبكي ، وهو يقول : « الحمدالله
يا علي الذي شد بك أرزي ، وقوي بك ظهري ، يا علي إنني سألت الله فيك كما
سأل أخي موسى بن عمران صلوات الله وسلامه عليه أن يشرك هارون في أمره ، وقد
سألت ربي أن يشد بك أزري » ثم التفت إلى أصحابه
وهو يقول : « معاشر أصحابي
لا تلوموني في حب علي بن أبي طالب عليهالسلام ، فإنما حبي عليا
من امرالله ، و
الله أمرني أن أحب عليا وأدنيه ، يا علي من
أحبك فقد أحبني ومن أحبني فقد
أحب الله ، ومن أحب الله أحبه الله وحقيق على الله أن يسكن محبيه الجنة ، يا علي
من أبغضك فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض
الله ، ومن أبغض الله أبغضه ولعنه ، وحقيق على الله أن
يفقه يوم القيامة موقف البغضاء ولا يقبل منه صرفا ولا عدلا.
بيان
: خفقت الراية تخفق بالضم والكسر : اضطربت ، وآلى وتألى أي حلف
والجمان بالضم جمع الجمانة ، وهي حبة تعمل من
الفضة كالدرة. والملاط بالكسر
الطين الذي يجعل بين سافتي البنا. وقال الفيروز
آبادي : أنجد عرق ، وأعان ، و
ارتفع ، والدعوة : أجابها والنجدة : القتال ، والشجاعة
، والشدة ، والضيغم : الاسد. والقرم بالفتح : الفحل ، والسيد.
والغشمشم : من يركب رأسه فلا يثنيه
عن مراده شئ.
أقول
: إنما أوردت تلك الغزوة في هذا الموضع تبعا للمؤرخين ، وقد مرأن
المفيد رحمهالله
ذكرها في موضعين غير هذا ، والله أعلم.
____________________
٢٦
باب
*(فتح
مكة )*
الايات : الاسرى « ١٧ » : وقل رب أدخلني
مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل
لي من لدنك سلطانا نصيرا * وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا
٨٠ و ٨١.
القصص : « ٢٨ » إن الذي فرض عليك القرآن
لرادك إلى معاد ٨٥.
التنزيل « ٣٢ » : ويقولون متى هذا الفتح
إن كنتم صادقين * قل يوم الفتح لا ينفع الذين
كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون * فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتطرون
٢٨ ـ ٣٠.
الفتح : « ٤٨ » إنا فتحنا لك فتحا
مبينا * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم
نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما * وينصرك الله نصرا عزيزا * هو الذي أنزل
السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السماوات والارض
وكان الله عليما حكيما ١ ـ ٤.
الممتحنة : « ٦٠ » يا ايها الذين آمنوا
لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة
وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن
كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما
أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل * إن يثقفوكم يكونوا لكم
أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وود والوتكفرون * لن تنفعكم
أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعلمون بصير * قد كانت لكم
أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذقالوا لقومهم : إنا برآء منكم ومما تعبدون من
دون الله كفرنا بكم وبدابيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده
إلا قول إبراهيم لابيه لاستغفرون لك وما أملك لك من الله من شئ ربنا عليك
توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير * ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر
لنا
ربنا إنك أنت العزيز الحكيم * لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله
واليوم الآخر ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد * عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين
عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم * لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلو
كم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبر وهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب
المقسطين * إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم
وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون
١ ـ ٩.
إلى قوله تعالى : يا أيها النبي إذا
جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا
ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن
ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم
١٢.
النصر : « ١١٠ » إذا جاء نصر الله
والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا *
فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا.
تفسير
: قال الطبرسي رحمهالله
في قوله تعالي ، « رب أدخلني مدخل صدق » قيل : معناه أدخلني المدينة ، وأخرجني منها إلى مكة للفتح ، عن ابن عباس وغيره
قال : وروي عن ابن مسعود قال : دخل النبي صلىاللهعليهوآله
مكة وحول البيت ثلاثمائة و
ستون صنما ، فجعل يطعنها ، ويقول : « جاء الحق
وزهق الباطل إن الباطل كان
زهوقا » أورده البخاري في الصحيح ، وقال الكلبي
: فجعل ينكب
لوجهه إذا قال
ذلك ، وأهل مكة يقولون : ما رأينا رجلا أسحر من
محمد.
قوله تعالى : « لرادك إلى معاد
» روي عن ابن عباس وغيره أنه وعد بفتح
مكة وعوده صلىاللهعليهوآله
إليها.
قوله تعالى : « قل يوم الفتح
» قال البيضاوي : هو يوم القيامة فإنه يوم
نصر المسلمين على الكفرة ، والفصل بينهم ، وقيل
: يوم بدر ، أو يوم فتح مكة ، و
المراد بالذين كفروا المقتولون منهم فيه ، فإنه
لا ينفعهم إيمانهم حال القتل ، ولا
____________________
يمهلون وانطباقه جوابا عن سئوالهم من حيث المعنى
باعتبار ماعرف من غرضهم
، فإنهم لما أرادوا به الاستعجال تكذيبا واستهزاء أجيبوا بما يمنع الاستعجال « فأعرض
عنهم » ولا تبال بتكذيبهم ، وقيل : هو منسوخ
بآية السيف « والنتظر » النصرة عليهم
إنهم منتظرون « الغلبة عليك.
قوله تعالى : « إنا فتحنا
» قال الطبرسي رضياللهعنه
: أي قضينا عليك قضاء
ظاهرا ، أو يسرنا لك يسرا بينا ، أو أعلمناك
علما ظاهرا ، فيما أنزلنا عليك من
القرآن ، وأخبر ناك به من الدين ، أوأرشدناك
إلى الاسلام ، وفتحنا لك أمر الدين
ثم اختلف في هذه الفتح على وجوه : أحدها أن
المراد به فتح مكة ، وعده الله ذلك
عام الحديبية عند انصرافه منها ، وتقديره قضينا لك بالنصر على أهلها ،
وعن
جابر قال : ما كنا نعلم فتح مكة إلا يوم
الحديبية.
وثانيها : أنه صلح الحديبية ، وثالثها :
أنه خيبر ، ورابعها : أن الفتح
الظفر على الاعداء كلهم بالحجج والمعجزات
الظاهرة. وإعلاء كلمة الاسلام.
وقال في قوله تعالى : « لا تتخذوا عدوي وعدوكم
أولياء » نزلت في حاطب بن
أبي بلتعة ، وذلك أن سارة مولاة أبي عمرو بن
صيفي بن هشام أتت رسول الله صلىاللهعليهوآله
من مكة إلى المدينة بعد بدر بسنتين ، فقال لها
رسول الله صلىاللهعليهوآله
: أمسلمة جئت؟
قالت : لا ، قال : أمهاجرة جئت؟ قالت : لا قال
: فما جاء بك؟ قالت : كنتم الاصل
والعشيرة والموالي ، وقد ذهبت موالي ، واحتجت
حاجة شديدة ، فقدمت عليكم
لتعطوني وتسكوني وتحملوني ، قال : فأين أنت من
شبان مكة؟ وكانت
مغنية
نائحة ، قالت : ما طلب مني بعد وقعة بدر ، فحث
رسول الله (ص) عليها بني عبدالمطلب
فكسوها وحملوها وأعطوها نفقة ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله يتجهز لفتح مكة
____________________
فأتاه حاطب بن أبي
بلتعة ، فكتب معها كتابا إلى أهل مكة وأعطاها عشرة دنانير
عن ابن عباس ، وعشرة دراهم عن مقاتل ، وكساها
بردا على أن توصل الكتاب إلى
أهل مكة ، وكتب في الكتاب : من حاطب بن أبي
بلعتة إلى أهل مكة ، إن رسول الله
يريدكم ، فخذوا حذركم.
فخرجت سارة ونزل جبرئيل عليهالسلام فأخبر النبي (ص)
بما فعل فبعث
رسول
الله صلىاللهعليهوآله
عليا وعمارا وعمر والزبير وطلحة والمقداد بن الاسود وأبا مرثد وكانوا كلهم
فرسانا ، وقال لهم : انطلقوا حتى تأتوا روضة
خاخ ، فإن بها ظعينة معها كتاب من
حاطب إلى المشركين فخذوه منها ، فخرجوا حتى
أدركوها في ذلك المكان الذي
ذكره رسول الله صلىاللهعليهوآله
، فقالوا لها : أين الكتاب؟ فحلفت بالله ما معها من كتاب ، فنحوها وفتشوا متاعها فلم يجدوا معها كتابا ، فهموا بالرجوع فقال علي عليهالسلام
والله ما كذبنا ولا كذبنا كذبنا ، وسل سفيه
وقال أخرجي الكتاب
وإلا والله لاضربن
عنقك ، فلما رأت الجد أخرجته من ذؤابتها قد
خبأتها في شعرها ، فرجعوا
بالكتاب إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فأرسل إلى حاطب
فأتاه ، فقال له : هل تعرف الكتاب؟
قال : نعم ، قال : فما حملك على ما صنعت
، فقال : يا رسول الله والله ما كفرت منذ
أسلمت
ولاغششتك منذ صحبتك
ولا أجبتهم منذ فارقتهم ، ولكن لم يكن
أحد من المهاجرين إلا وله بمكة من يمنع عشيرتة
، وكنت عزيرا
فيهم ، أي
غريبا ، وكان أهلي بين ظهراينهم فخشيت على أهلي ، فأردت أن أتخذ عندهم
يدا ، وقد عملت أن الله ينزل بهم بأسه ، وإن
كتابي لا يغني عنهم شيئا ، فصدقه
رسول الله صلىاللهعليهوآله
وعذره ، فقام عمر بن الخطاب وقال : دعني يا رسول الله أضرب
عنق هذا المنافق ، فقال رسول الله : « وما
يدريك يا عمر لعل الله اطلع على أهل
____________________
بدر فغفر لهم ، فقال
لهم : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ».
وروى البخاري ومسلم في صحيحهما عن عبدالله
بن أبي رافع قال : سمعت
عليا عليهالسلام
يقول : بعثنا رسول الله صلىاللهعليهوآله
أنا والمقداد والزبير وقال : انطلقوا حتى
تأتوا روضة خاخ ، فإن ظعينة معها كتاب وذكر نحوه.
« تلقون إليهم بالمودة » قال البيضاوي : أي
تفضون إليهم المودة بالمكاتبة ، و
الباء مزيدة ، أو أخبار رسول الله صلىاللهعليهوآله بسبب المودة « وقد
كفروا بما جاءكم من
الحق » حال من فاعل أحد الفعلين « يخرجون الرسول وإياكم » أي من مكة
وهو حال من كفروا ، أو استيناف لبيانه « أن
تؤمنوا بالله ربكم » لان تؤمنوا به
« إن
كنتم خرجتم » عن أوطانكم « جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي » علة للخروج
وعمده للتعليق وجواب الشرط محذوف دل عليه لا تتخذوا «
تسرون إليهم
بالمودة » بدل من تلقون ، أو استيناف ، معناه
أي طائل لكم في إسرار المودة أو
الاخبار بسبب المودة « وأنا أعلم بما أخفيتم
وما أعلنتم » أي منكم ، وقيل : أعلم
مضارع ، والباء مزيدة ، وما موصولة أو مصدرية «
ومن يفعله منكم » أي يفعل
الاتخاذ « فقد ضل سواء السبيل » أخطأه « إن
يثفقوكم » يظفروا بكم
« يكونوا
لكم أعداء » لا ينفعكم إلقاء المودة إليهم « ويبسطوا إليكم
أيديهم وألسنتهم
بالسوء » بما يسوءكم كالقتل والشتم « وودا لو
تكفرون » وتمنوا ارتدادكم ، و
مجيئه وحده بلفظ الماضي للاشعار بأنهم ودوا ذلك
قبل كل شئ ، وإن ودادتهم
حاصلة وإن يثفقوكم « لن تنفعكم أرحامكم » قراباتكم
« ولا أولادكم » الذين
توالون المشركين لاجلهم « يوم القيامة يفصل بينكم
» يفرق بينكم بما عراكم من
الهول فيفر بعضكم من بعض « والله بما تعملون
بصير » فيجازيكم عليه « قد كانت لكم أسوة حسنة » قدوة اسم لما يؤتسى به « في
إبراهيم والذين معه » صفة ثانية
____________________
أو خبر كان ، و « لكم
» لغو ، أو حال من المستكن في حسنة ، أوصلة لها ، لا لاسوة
لانها وصفت « إذا قالوا لقومهم » ظرف لخبر كان
« إنا برآه منكم » جمع برئ
كظريف وظرفاء « ومما تعبدون من دون الله كفرنا
بكم » أي بدينكم أو بمعبودكم
أو بكم وبه ، فلا نعتد بشأنكم وآلهتكم « وبدا
بيننا » إلى قوله : « وحده » فتنقلب
العداوة والبغضاء ألفة ومحبة « إلا قول إبراهيم
لابيه لاسغفرون لك » استثناء من
قوله : « أسوة حسنة ».
« ربنا عليك توكلنا » متصل بما قبل الاستثناء
، أوأمر من الله للمؤمنين بأن
يقولوه
« فتنة للذين كفروا » بأن تسلطهم علينا فيفتنونا بعذاب لا نتحمله « لقد
كان لكم » تكرير لمزيد الحث على التأسي
بابراهيم ، ولذلك صدر بالقسم ، وأبدل
قوله « لمن كان يرجو الله » من « لكم » فإنه
يدل على أنه لا ينبغي لمؤمن أن يترك
التأسي بهم ، وأن تركه مؤذن بسوء العقيدة ، ولذلك
عقبه بقوله : « ومن يتول
فإن الله هو الغني الحميد » فإنه جدير بأن يوعد
به الكفرة.
قوله تعالى : « وبين الذين عاديتهم
منهم » قال الطبرسي : أي من كفار مكة
« مودة
» بالاسلام ، قال مقاتل : لما أمر الله سبحانه المؤمنين بعداوة الكفار عادوا
أقرباءهم فنزلت والمعنى أن موالاة الكفار لا
تنفع ، والله سبحانه قادر على أن يوفقهم
للايمان ، ويحصل المودة بينكم وبينهم ، وقد فعل
ذلك حين أسلموا عام الفتح
« والله
قدير » على نقل القلوب من العداوة إلى المودة « والله غفور » لذنوب عباده
« رحيم
» بهم إذا تابوا وأسلموا « لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم » أي ليس
ينهاكم عن مخالطة أهل العهد الذين عاهدوكم على
ترك القتال وبرهم ومعاملتهم
بالعدل ، وهو قوله : « أن تبر وهم وتقسطوا
إليهم » أي وتعدلوا فيما بينكم وبينهم
من الوفاء بالعهد ، وقيل : إن المسلمين
استأمروا النبي صلىاللهعليهوآله
في أن يبروا أقرباء هم
____________________
من المشركين ، وذلك
قبل أن يؤمروا بقتال جميع المشركين ، فنزلت هذه الآية و
هي منسوخة بقوله : « اقتلوا المشركين حيث
وجدتموهم » عن ابن عباس وغيره
وقيل : إنه عنى بالذين لم يقاتلوكم من آمن من
أهل مكة ولم يهاجر
« إن
الله يحب المقسطين » أي العادلين ، وقيل : الذين
يجعلون لقراباتهم قسطا مما في
بيوتهم من المطعومات « إنما ينها كم الله عن
الذين قاتلوا كم في الدين » من أهل مكة
وغير هم « وأخرجوكم من دياركم » أي منازلكم
وأملاككم « وظاهروا على
إخراجكم » أي العوام والاتباع الذين عاونوا
رؤساء هم على الباطل « أن تولوهم » أي ينهاكم عن أن تولوهم وتوادوهم وتحبوهم ، والمعنى
أن مكانبتكم
بإظهار
سر المؤمنين موالاة لهم.
وقال رحمهالله
في قوله تعالى : « يا
أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك
» : ثم ذكر سبحانه بيعة النساء وكان ذلك يوم فتح مكة لما فرغ النبي صلىاللهعليهوآله من بيعة
الرجال ، وهو على الصفا جاءته النساء يبايعنه
فنزلت الآية في مبايعتهن أن يأخذ
عليهن هذه الشروط ، وهي على « أن لا يشركن بالله شيئا » من الاصنام
والاوثان
ولا يسرقن « لا من أزواجهن ولا من غير هم » ولا
يزنين ولا يقتلن أولادهن « لا
بالوأد ولا بالاسقاط » ولا يأتين ببهتان
يفترينه « أي بكذب يكذنبه في مولود يوجد
» بين
أيديهن وأرجلهن » أي لا يلحقن بأزواجهن غير أولادهم عن ابن عباس ، وقال
الفراء : كانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها : هذا ولدي منك ،
فذلك
البهتان المفترى بين أيديهن وأرجلهن ، وذلك أن
الولد إذا وضعته الام سقط
بين يديها ورجليها ، وليس المعنى نهيهن من أن
يأنين بولد من الزنا فينسبنه إلى
الازواج ، لان الشرط بنهي الزنا قد تقدم ، وقيل
: البهتان الذي نهين عنه قذف
المحصنات ، والكدب على الناس ، وإضافة الاولاد
ألى الازواج على البطلان في
____________________
الحاضر والمستقبل من
الزمان « لايعصينك في معروف » وهو جميع ما يأمرهن به ، لانه صلىاللهعليهوآله
لا يأمرإلا بالمعروف ، وقيل : عنى بالمعروف النهي عن النوح وتمزيق
الثياب وجز الشعر ، وشق الجيب ، وخمش الوجه ، والدعاء
بالويل « فبايعهن » على ذلك « واستغفر لهن الله » من ذنوبهن « إن
الله غفور » أي صفوح عنهن « رحيم » منعم عليهن ، وروي أن النبي صلىاللهعليهوآله بايعهن وكان على
الصفا ، وكان عمرأسفل
منه ، وهند بنت عتبة متنقبة متنكرة مع النساء
خوفا أن يعرفها رسول الله صلىاللهعليهوآله
فقال : « أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئا »
فقالت هند : إنك لتأخذ علينا أمرا
مارأيناك أخذته على الرجال ، وذلك أنه بايع
الرجال يومئذ على الاسلام والجهاد
فقط ، فقال النبي صلىاللهعليهوآله
: « ولا تسرقن » فقالت هند : إن أباسفيان رجل ممسك ، وإني أصبت من ماله هنات ، فلا أدري أيحل لي أم لا ، فقال أبوسفيان : ما أصبت
من شئ
فيما مضى وفيما غبر فهولك حلال ، فضحك رسول الله (ص) وعرفها ، فقال
لها : « وإنك لهند بنت عتبة؟ » قالت : نعم فاعف
عما سلف يا نبي الله عفا الله عنك ، فقال
ولا تزنين ، فقالت هندأ وتزني الحرة ، فتبسم
عمر بن الخطاب لماجرى بينه وبينها
في الجاهلية ، فقال صلىاللهعليهوآله : ولا تقتلن
أولادكن ، فقالت هند : ربينا هم صعاراو
قتلتموهم كبارا فأنتم وهم أعلم ، وكان ابنها
حنظلة بن أبي سفيان قتله علي بن أبي
طالب عليهالسلام
يوم بدر ، فضحك عمر حتى استلقى ، وتبسم النبي (ص) ، ولما قال : ولا تأتين ببهتان ، قالت هند : والله إن البهتان قبيح ، وما تأمرنا إلا بالرشد
ومكارم
الاخلاق ، ولما قال : « ولا يعصينك في معروف » قالت هند : ما جلسنا مجلسنا هذا
وفي أنفسنا أن نعصيك في شئ.
وروى الزهري عن عرفه عن عائشة قالت : كان النبي صلىاللهعليهوآله يبايع النساء
بالكلام بهذه الآية « أن لا يشركن بالله
شيئا » ومامست يد رسول الله صلىاللهعليهوآله يدا مرأة
قط إلا امرأة يملكها ، رواه البخاري في الصحيح.
____________________
وروى أنه صلىاللهعليهوآله
كان إذا بايع النساء دعا بقدح من ماء فغمس يده فيه ، ثم
غمس أيديهن فيه وقيل ، إنه كان يبايعهن من وراء الثوب عن الشعبي ، والوجه في بيعة
النساء مع أنهن لسن من أهل النصرة بالمحاربة هو أخذ العهد عليهن بما يصلح
من شأنهن في الدين والانفس والازواج ، وكان ذلك في صدر الاسلام ، ولئلا
ينفتق بهن فتق لما ضيع من الاحكام فبايعهن النبي صلىاللهعليهوآله حسما لذلك.
وقال رضياللهعنه
في قوله سبحانه : « إذا جاء نصرالله » على من عاداك وهم
قريش « والفتح » يعني فتح مكة ، وهذه بشارة من
الله سبحانه لنبيه بالفتح والنصر
قبل وقوع الامر « ورأيت الناس يدخلون في دين
الله أفواجا » أي جماعة بعد جماعة
وزمرة بعد زمرة. والمراد بالدين الاسلام ، والتزام
أحكامه ، واعتقاد صحته ، و
توطين النفس على العمل به ، قال الحسن : لما
فتح رسول الله صلىاللهعليهوآله
مكة قالت العرب
أما إذا ظفر محمد بأهل الحرم وقد أجارهم الله
من أصحاب الفيل فليس لكم به يد
فكانوا يدخلون في دين الله أفواجا ، أي جماعات
كثيرة بعد أن كانوا يدخلون فيه واحدا
واحدا ، واثنين واثنين ، فصارت القبيلة تدخل
بأسرها في الاسلام ، وقيل : في دين
الله ، أي في طاعة الله وطاعتك « فسبح بحمد ربك
واستغفره » هذا أمرمن الله سبحانه
بأن ينز هه عما لا يليق به من صفات النقص ، وأن
يستغفره ، ووجه وجوب ذلك
بالنصر والفتح أن النعمة تقتضي القيام بحقها ، وهو
شكر المنعم وتعظيمه ، والايتمار
بأوامره والانتهاء عن معاصيه ، فكأنه قال : قد حدث أمر يقتضي الشكر
والاستغفار
وإن لم يكن ثم ذنب ، فإن الاستغفار قد يكون عند
ذكر المعصية بما ينا في الاصرار
وقد يكون على وجه التسبيح والانقطاع إلى الله
سبحانه « إنه كان توابا » يقبل توبة من
بقي كما يقبل توبة من مضى ، قال مقاتل : لما
نزلت هذه السورة قرأها على أصحابه
____________________
ففرحوا واستبشروا ، وسمعها
العباس فبكى ، فقال صلىاللهعليهوآله
: « ما يبكيك يا عم » فقال : أظن أنه قد نعيت إليك نفسك يا رسول الله ، فقال
: « إنه لكما تقول » فعاش بعدها سنتين
ما رؤي فيهما ضاحكا مستبشرا ، قال : وهذه
السورة تسمى سورة التوديع ، وقال
ابن عباس : لما نزلت « إذا جاء نصر الله » قال صلىاللهعليهوآله : نعيت إلي نفسي
بأنها مقبوضة
في هذه السنة ، واختلف في أنهم من أي وجه علموا
ذلك وليس في ظاهره نعي
فقيل : لان التقدير فسبح بحمد ربك فإنك حينئذ
لا حق بالله وذائق الموت كما
ذاق من قبلك من الرسل ، وعند الكمال يرقب
الزوال ، كما قيل :
إذا تم أمردنا نقصه
|
|
توقع زوالا إذا قيل : تم
|
وقيل : لانه سبحانه أمره بتجديد التوحيد
، واستدراك الفائت بالاستغفار
وذلك مما يلزم عند الانتقال من هذه الدرا إلى
دار الابرار ، وعن عبدالله بن مسعود
قال : لما نزلت السورة كان النبي صلىاللهعليهوآله يقول كثيرا ، « سبحانك
اللهم وبحمدك
اللهم اغفرلي إنك أنت التواب الرحيم ».
وعن أم سلمة قالت : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله بآخره لا يقوم ولا
يقعد ولا يجئ
ولا يذهب إلا قال : سبحان الله وبحمده ، أستغفرالله
وأتوب إليه ، فسألناه عن ذلك
فقال : إني أمرت بها ، ثم قرأ : « إذا جاء
نصرالله والفتح ».
وفي رواية عائشة أنه كان يقول ، « سبحانك
اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب
إليك ».
ثم قال رحمهالله
: لما صالح رسول الله صلىاللهعليهوآله
قريشا عام الحديبية كان في
أشراطهم أنه من أحب أن يدخل في عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله دخل فيه ، فدخلت
خزاعة
في عهد
رسول الله صلىاللهعليهوآله
، ودخلت بنوبكر في عهد
قريش ، وكان بين القبيلتين
شر قديم ، ثم وقعت فيما بعد بين بني بكر وخزاعة
مقاتلة ، ورفدت قريش بني
بكر بالسلاح ، وقاتل معهم من قريش من قاتل
بالليل مستخفيا ، وكان ممن أعان
____________________
بني بكر على خزاعة
بنفسه عكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو ، فركب عمرو بن
سالم الخزاعي حتى قدم على رسول الله صلىاللهعليهوآله المدينة ، وكان ذلك
مما هاج فتح مكة
فوقف عليه وهو في المسجد بين ظهراني القوم فقال
:
لا هم إني ناشد محمدا
|
|
حلف أبينا وأبيه الا تلدا
|
إن قريشا أخلفوك الموعدا
|
|
ونقضوا ميثاقك المؤكدا
|
وقتلونا وركعا وسجدا
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : حسبك يا عمرو ، ثم
قام فدخل دار ميمونة وقال : اسكبي لي ماء فجعل وهو يقول : لا نصرت إن لم
أنصر بني كعب ، وهم
رهط عمرو بن سالم ، ثم خرج بديل بن الورقاء
الخزاعي في نفر من خزاعة حتى
قدموا على رسول الله صلىاللهعليهوآله فأخبروه بما أصيب
منهم ، ومظاهرة قريش بني بكر
عليهم ، ثم انصرفوا راجعين إلى مكة ، وقد كان صلىاللهعليهوآله قال للناس : « كأنكم
بأبي
سفيان قد جاء ليشدد العقد ويزيد في المدة ، وسيلقى
بديل بن ورقاء » فلقوا أبا
سفيان بعسفان وقد بعثة قريش إلى النبي صلىاللهعليهوآله ليشد دالعقد ، فلما
لقي أبوسفيان
بديلا قال : من أين أقبلت يا بديل؟ قال : سرت
في هذا الساحل وفي بطن هذا الوادي
قال : ما أتيت محمدا؟ قال : لا ، فلما راح بديل
إلى مكة قال أبوسفيان : لئن كان جاء
من المدينة لقد علف لها النوى ، فعمد إلى مبرك
ناقته فأخذ
من بعرها ففت
فرأى فيه
النوى ، فقال : أحلف بالله لقد جاء بديل محمدا ثم خرج أبوسفيان
حتى قدم على رسول الله (ص) فقال : يا محمد احقن
دم قومك ، وأجربين قريش وزدنا
في المدة ، فقال : « أغدرتم يا أباسفيان؟ » قال
: لا ، قال : « فنحن على ما كنا
عليه » فخرج فلفي أبابكر فقال : يا أباكبر
أجربين قريش ، قال : ويحك وأحد
يجير على رسول الله صلى اللع عليه واله؟ ثم لقي
عمر بن الخطاب فقال له مثل ذلك ، ثم خرج
فدخل على أم حبيبة فذهب ليجلس على الفراش فأهوت
إلى الفراش فطوته ، فقال : يا بنية أرغبة
بهذا الفراش عني؟ فقالت : نعم هذا فراش رسول الله صلىاللهعليهوآله
، ما
____________________
كنت لتجلس عليه وأنت
رجس مشرك ، ثم خرج فدخل على فاطمة فقال : يا بنت
سيد العرب تجيرين بين قريش ، وتزيدين في المدة ،
فتكونين أكرم سيدة في الناس
فقالت : جواري جوار رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقال : أتأمرين
ابنيك أن يجيرا بين الناس؟
قالت : والله ما بلغ ابناي أن يجيرا بين الناس ،
وما يجير على رسول الله صلىاللهعليهوآله
أحد
فقال : يا أبا الحسن إني أرى الامور قد اشتدت
علي فانصحني ، فقال : أنت شيخ
قريش ، فقم على باب المسجد وأجربين قريش ، ثم
الحق بأرضك ، قال : وترى
ذلك مغينا عني شيئا؟ قال : لا والله ما أظن ذلك
، ولكن لا أجدلك غير ذلك ، فقال
أبوسفيان في المسجد فقال : يا أيها الناس إني
قد أجرت بين قريش ، ثم ركب
بعيره فانطلق ، فلما أن قدم على قريش قالوا : ماوراك؟
فأخبرهم بالقصة ، فقالوا : والله إن زاد ابن أبي طالب على أن لعب بك فما يغني عنا ما قلت ، قال : لا
والله
ما وجدت غير ذلك ، قال : فأمر رسول الله
بالجهاز لحرب مكة ، وأمر الناس بالتهيؤ
وقال : « اللهم خذ العيون والاخبار عن قريش حتى
نبغتها في بلادها » وكتب
حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش فأتى رسول الله صلىاللهعليهوآله الخبر من السماء ، فبعث
عليا
عليهالسلام
والزبير حتى أخذا كتابه من المرأة ، وقد مضت هذه القصة في سورة الممتحنة.
ثم استخلف رسول الله صلىاللهعليهوآله أبادهم الغفاري ، وخرج عامدا إلى مكة
لعشرمضين من شهر رمضان سنة ثمان في عشرة آلاف
من المسلمين ، ونحو من أربع
مائة فارس ، ولم يتخلف من المهاجرين والانصار
عنه أحد ، وقد كان أبوسفيان بن الحارث عبدالمطلب وعبدالله بن أميه بن المغيرة قد لقيا رسول الله صلىاللهعليهوآله بنيق
العقاب فيما بين مكة والمدينة ، فالتمسا الدخول
عليه ، فلم يأذن لهما ، فكلمته أم
سلمة فيهما ، فقالت : يا رسول الله ابن عمك
وابن عمتك وصهرك ، قال : لا حاجة
لي فيهما ، أما ابن عمي فهو الذي هتك عرضي ، وأما ابن عمتي وصهري فهو
الذي قال لي بمكة ما قال ، قال فلما خرج الخبر إليهما بذلك ومع أبي سفيا
____________________
بني له فقال : والله
ليأذنن لي أو لآخذن بيد بني هذا ثم لنذهبن في الارض حتى
نموت عطشا وجوعا ، فلما بلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوآله رق لهما ، فأذن
لهما ، فدخلا
عليه فأسلما ، فلما نزل رسول الله صلىاللهعليهوآله مر الظهران وقد غمت الاخبار عن قريش
فلا يأتيهم عن رسول الله صلىاللهعليهوآله خبر خرج في تلك الليلة
أبوسفيان بن حرب وحكيم
ابن حزام وبديل بن ورقاء يتجسسون الاخبار ، وقد
قال العباس للبيد
يا سوء
صباح
قريش ، والله لئن بغتها رسول الله صلىاللهعليهوآله
في بلادها فدخل مكة عنوة إنه
لهلاك قريش إلى آخر الدهر ، فخرج العباس على
بغلة رسول الله صلىاللهعليهوآله
وقال
اخرج إلى الاراك ، لعلي أرى حطابا أو صاحب لبن أو داخلا يدخل مكة فيخبرهم
بمكان رسول الله صلىاللهعليهوآله
فيأتونه ويستأمنونه
قال العباس : فوالله إنى لاطوف في
الاراك ألتمس ما خرجت له إذ سمعت صوت أبي سفيان
وحكيم بن حزام وبديل بن
ورقاء وسمعت أبا سفيان يقول : والله ما رأيت
كاليوم قط نيرانا ، فقال بديل : هذه
نيران خزاعة ، فقال أبوسفيان. خزاعة ألام من
ذلك ، قال : فعرفت صوته ، فقلت : يا أبا حنظلة يعني أباسفيان ، فقال : أبوالفضل؟
فقلت : نعم ، قال : لبيك فداك
أبي وأمي ما وراك؟ فقلت : هذا رسول الله صلىاللهعليهوآله وراك ، قد جاء بما
لا قبل لكم به
بعشرة آلاف من المسلمين ، قال : فما تأمرني؟
قلت : تركب عجز هذه البغلة
فأستأ من لك رسول الله (ص) ، فوالله لئن ظفر بك
ليضر بن عنقك ، فردفني فخرجت
أركض به بغلة رسول الله ، فكلما مردت بنار من
نيران المسلمين قالوا : هذا عم رسول
الله صلىاللهعليهوآله
على بغلة رسول الله صلىاللهعليهوآله
حتى مررت بنار عمر بن الخطاب
فقال يعني عمر : يا أبا سفيان الحمدلله الذي أمكن منك بغير عهد ولا عقد ، ثم اشتد
نحو رسول
الله صلىاللهعليهوآله
وركضت البغلة حتى اقتحمت باب القبة ، وسبقت عمر بما يسبق به الدابة
البطيئة الرجل البطئ ، فدخل عمر فقال : يا رسول
الله صلىاللهعليهوآله
هذا أبوسفيان عدو
الله قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد ، قدعني
أضرب عنقه ، فقلت : يا رسول الله
____________________
إني قد أجرته ، ثم
جلست إلى رسول
الله وأخذت برأسه ، وقلت : والله لا
يناجيه اليوم أحد دوني ، فلما أكثر فيه عمر قلت
: مهلا يا عمر ، فو الله ما تصنع هذا
بالرجل
إلا إنه رجل من بني عبد مناف ، ولو كان من عدي بن كعب ما قلت
هذا ، قال : مهلا يا عباس ، فو الله لاسلامك
يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام
الخطاب لو أسلم ، فقال صلىاللهعليهوآله : « اذهب فقد آمناه
حتى تغدو به علي بالغداة ».
قال : فلما أصبح غدوت به على رسول الله صلىاللهعليهوآله
فلما رآه قال : « ويحك يا
أباسفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا
الله؟ » فقال : بأبي أنت وأمي ما أوصلك وأكرمك
وأرحمك وأحلمك؟ والله لقد ظننت أن لو كان معه
إله لاغنى يوم بدر ويوم أحد
فقال : « ويحك يا با سفيان ألم يأن لك أن تعلم
أني رسول الله؟ » فقال : بأبي أنت
وأمي أما هذه فإن في النفس منها شيئا ، قال
العباس : فقلت له : ويحك
اشهد
بشهادة الحق قبل أن يضرب عنقك ، فتشهد ، فقال صلىاللهعليهوآله للعباس : « انصرف
يا
عباس فاحبسه عند مضيق الوادي حتى تمر عليه جنود
الله » قال : فحبسته عند
خطم الجبل بمضيق الوادي ، ومر عليه القبائل
قبيلة قبيلة وهو يقول : من هؤلاء؟
ومن هؤلاء؟ وأقول : أسلم وجهينة وفلان حتى مر
رسول الله صلىاللهعليهوآله
في الكتيبة
الخضراء من المهاجرين والانصار في الحديد ، لا
يرى منهم إلا الحدق ، فقال : من
هؤلاء يا أبالفضل؟ قلت : هذا رسول الله صلىاللهعليهوآله في المهاجرين
والانصار : فقال : يا أبالفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما ، فقلت
: ويحك إنها النبوة ، فقال : نعم إذا ، وجاء حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء
رسول الله صلىاللهعليهوآله
فأسلما وبايعاه
فلما بايعاه بعثهما رسول الله صلىاللهعليهوآله بين يديه إلى قريش
يدعوانهم إلى الاسلام ، و
قال : « من دخل دار أبي سفيان وهو بأعلى مكة فهو آمن ، ومن دخل دار حكيم
وهو
بأسفل مكة فهو آمن ، ومن أغلق بابه وكف يده فهو آمن.
____________________
ولما خرج أبوسفيان وحكيم من عند رسول
الله صلىاللهعليهوآله
عامدين إلى مكة بعث
في أثر هما الزبير بن العوام : وأمره أن يغرز رايته بأعلى مكة بالحجون ، وقال : لا تبرح حتى آتيك ، ثم دخل رسول الله صلىاللهعليهوآله مكة وضرب خيمته هناك ، و
بعث سعد بن عباده في كتيبة الانصار في مقدمته ،
وبعث خالدبن الوليد فيمن كان
أسلم من قضاعة وبني سليم ، وأمره أن يدخل من
أسفل مكة ، وأن يغرز رايته دون
البيوت ، وأمر هم رسول الله صلىاللهعليهوآله جميعا أن يكفوا
أيديهم ، ولا يقاتلوا إلا من قاتلهم
وأمرهم بقتل أربعة نفر : عبدالله بن سعد بن أبي
سرح ، والحويرث بن نفيل ، و
ابن خطل
ومقيس بن صبابة ، وأمر
هم بقتل قينتين كانتا تغنيان بهجاء رسول
الله (ص) ، وقال « اقبلوهم وإن وجد تموهم وإن
وجد تموهم متعلقين بأستار الكعبة » فقتل علي (ع)
الحويرث بن نفيل وإحدى القينتين ، وأفلتت
الاخرى ، وقتل مقيس بن صبابة
في السوق وأدراك ابن خطل وهو متعلق
بأستارالكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث
وعمار ابن ياسر فسبق سعيد عمارا فقتله ، قال : وسعى
أبوسفيان إلى رسول الله
صلىاللهعليهوآله
وأخذ غزره فقبله وقال
بأبي أنت وأمي ، أما تسمع ما يقول سعد؟ إنه
يقول :
اليوم يوم الملحمة
|
|
اليوم تسبى الحرمة
|
فقال
صلىاللهعليهوآله
لعلي عليهالسلام
: أدركه فخذ الراية منه ، وكن أنت الذي يدخل
بها ، وأدخلها إدخالا رفيقا ، فأخذها علي عليهالسلام وأدخلها كما أمر ، ولما
دخل
رسول الله صلىاللهعليهوآله
مكة دخل صناديد قريش الكعبة وهم يظنون أن السيف لا يرفع
عنهم ، فأتى رسول الله (ص) ووقف قائما على باب
الكعبة فقال : لا إله إلا الله وحده
أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الاحزاب وحده ، ألا إن كل مال ومأثرة
____________________
ودم يدعى تحت قدمي
هاتين إلا سدانة الكعبة ، وسقايه الحاج ، فإنهما مردودتان
إلى أهليهما. ألا إن مكة محرمة بتحريم الله لم
تحل لاحد كان قبلي ، ولم تحل لي
إلا ساعة من نهار وهي محرمة إلى أن تقوم الساعة
، لا يختلى خلاها ، ولا يقطع
شجرها ، ولا ينفر صيدها ، ولا تحل لقطتها إلا
لمنشد » ثم قال : « ألا لبئس جيران
النبي كنتم ، لقد كذبتم وطردتم وأخرجتم وآذيتم
، ثم مارضيتم حتى جئتموني
في بلادي تقاتلوني ، اذهبوا فأنتم الطلقاء فيخرج القوم فكأنما أنشروا
من القبور ، ودخلوا في الاسلام ، وقد كان الله
سبحانه أمكنه من رقابهم عنوة ، وكانوا
له فيئا ، فلذلك سمي أهل مكة الطلقاء وجاء ابن
الزبعرى إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله
وأسلم ، وقال :
يا رسول المليك إن لساني
|
|
راتق ما فتقت إذا أنا بور
|
إذ أباري الشيطان في سنن الغي
|
|
ومن مال ميله مبثور
|
آمن اللحلم والعظام لربي
|
|
ثم نفسي الشهيد أنت النذير
|
وعن ابن مسعود قال : دخل النبي صلىاللهعليهوآله يوم الفتح وحول
البيت ثلاثمائة
وستون صنما ، فجعل يطعنها بعود في يده ، ويقول :
« جاء الحق وما يبدئ الباطل
وما يعيد ، جاءالحق وزهق الباطل إن الباطل كان
زهوقا ».
وعن ابن عباس : قال لما قدم النبي صلىاللهعليهوآله مكة أبى أن يدخل
البيت وفيه
الآلهة ، فأمر بها فأرجت ، فأخرج صورة إبراهيم
وإسماعيل وفي أيديهما الازلام
فقال صلىاللهعليهوآله
: « قاتلهم الله ، أما والله لقد علموا أنهما لم يستقسما بها قط » انتهى
____________________
كلام الطبرسي رحمة
الله.
وقال عبدالحميد بن أبي الحديد في شرح
نهج البلاغة : لما حبس العباس
أباسفيان عند الجبل مرت به القبائل على راياتها
، فكان أول من مر به خالد بن
الوليد في بني سليم ، وهم ألف ، لهم لواء ان
يحمل أحدهما العباس بن مرداس ، و
آخر
حفاف بن ندية ، وراية يحملها المقداد ، فقال أبوسفيان : يا أبا الفضل من
هؤلاء؟ قال : بنوسليم ، وعليهم خالد بن الوليد ،
قال : الغلام؟ قال : نعم ، فلما
حاذى خالد العباس وأباسفيان كبر ثلاثا وكبروا ثم مضوا ومر على إثره
الزبير بين العوام في خمسمائة منهم جماعة من
المهاجرين وقوم من أفناء العرب
ومعه راية سوداء ، فلما حادا هما كبر ثلاثا
وكبر أصحابه ، فقال : من هذا؟ قال هذا
الزبير ، قال ابن أختك؟ قال : نعم ، ثم مرت بنو
غفار في ثلاثمائة يحمل رايتهم أبوذر
فلما حاذوهما كبروا ثلاثا ، قال : يا أبا الفضل
من هؤلاء؟ قال : بنو غفار ، قال : مالي ولبني غفار ، ثم مرت أسلم في أربعمائة يحمل لوائها بريدة بن الحصيب ، و
لواء آخر مع ناجية بن الاعجم ، فلما حاذوه
كبروا ثلاثا ، فسأل عنهم فقال : هؤلاء أسلم ، فقال : مالي ولاسلم ، ما كان بيننا وبينهم ترة قط ، ثم مرت بنو كعب
بن عمرو بن خزاعة في خمسمائة يحمل رايتهم بشر
بن سفيان
، فقال : من هؤلاء؟
قال : كعب بن عمرو قال : نعم هؤلاء حلفاء محمد ،
فلما حاذوه كبروا ثلاثا ، ثم مرت
مزينة في ألف فيها ثلاثة ألوية مع النعمان بن مقرن ، وبلال بن الحارث ،
و
عبدالله بن عمرو ، فلما حاذوهما كبروا ، قال : من
هؤلاء؟ قال : مزينة ، قال : مالي
ولمزينة : قد جاءت تقعقع من شواهقها ، ثم مرت جهينة في
ثمانمائة فيه
____________________
أربعة ألوية ، مع
معبد بن خالد ، وسويد بن صخر ورافع بن مكتب
، وعبدالله
بن بدر ، فلما حاذوه كبروا ثلاثا ، فسأل عنهم
فقيل : جهينة ، ثم مرت بنو كنانة
بنو ليث وضمرة وسعد وبكر في مائتين ، يحمل لواءهم أبوواقد
الليثي ، فلما
حاذوه
كبروا ثلاثا ، فقال : من هؤلاء؟ قال : بنوبكر ، قال : نعم هم أهل
سوء
، هؤلاء الذين غزانا محمد لاجلهم ، أما والله ماشوورت فيهم ولا علمته ولقد
كنت له كارها حيث بلغني ، ولكنه أمرحتم ، قال العباس : لقد خارالله لك في
غزو محمد إياكم ، دخلتم في الاسلام كافة ، ثم مرت أشجع وهم ثلاثمائة ، يحمل لواءهم معقل بن سنان ، ولواء آخر مع نعيم بن مسعود فكبروا ، قال : من
هؤلاء؟ قال : أشجع ، فقال : هؤلاء كانوا أشد
العرب على محمد ، قال العباس : نعم
ولكن الله أدخل الاسلام قلوبهم ، وذلك من فضل
الله فسكت ، فقال ، أما مر محمد
بعد؟ قال : لا ، ولو رأيت الكتيبة التي هو فيها
لرأيت الحديد والخيل والرجال ، وما ليس لاحد به طاقة ، فلما طلعت كتيبة رسول الله (ص) الخضراء طلع سواد شديد
وغبرة من سنابك الخيل ، وجعل الناس يمرون ، كل
ذلك يقول : أما مر محمد؟
فيقول : العباس : لا ، حتى مر رسول الله صلىاللهعليهوآله يسير على ناقته
القصواء بين ابي بكر
وأسيد بن حضير وهو يحدثهما ، فقال له العباس : هذا
رسول الله صلىاللهعليهوآله
في كتيبة
الخضراء فانظر ، قال : وكان في تلك الكتيبة
وجوه المهاجرين والانصار ، وفيها
الالوية والرايات ، وكلهم منغمسون في الحديد لا
يرى منهم إلا الحدق وكان في الكتيب
____________________
ألفا درع
، وراية رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
مع سعد بن عبادة وهو أمام الكتيبة ، فلما
حاذاهما سعد نادى : يا أباسفيان اليوم يوم
الملحمة ، اليوم تستحل الحرمة
، اليوم
أذل الله قريشا ، فلما حاذاهما رسول الله (ص)
ناداه أبوسفيان : يا رسول الله أمرت بقتل
قومك؟ إن سعدا قال كذا وإني أنشد الله في قومك ،
فأنت أبر الناس ، وأرحم
الناس ، وأوصل الناس ، فقال عثمان وعبدالرحمن
بن عوف : يا رسول الله إنا لا نأمن
سعدا أن يكون منه في قريش صولة ، فوقف النبي صلىاللهعليهوآله وناداه : « يا
أباسفيان بل
اليوم يوم الرحمة اليوم أعز الله قريشا » وأرسل
إلى سعد فعزله عن اللواء.
بيان
: الرفد بالكسر : العطاء والارفاد : الاعانة. والحلف بالكسر : العهد بين القوم والحليف ، والاتلد : الاقدم ، وفي
بعض الكتب بعد قوله : ميثاقك
المؤكدا :
وزعموا أن لست تدعوا أحدا
|
|
فانصر هداك الله نصرا أيدا
|
وادع عباد الله يأنوا مددا
|
|
فيهم رسول الله قد تجردا
|
أبيض كالبدر ينمي أبدا
|
|
إن سيم خسفا وجهه تربدا
|
قوله : أيدا : أي قويا ، ينمي : يرتفع
ويزداد ، وسامه خسفا : أورد عليه
ذلا. تربد : تغير ، وفي القاموس : نيق العقاب
بالكسر : موضع بين الحرمين. وفي
النهاية : في حديث الفتح قال للعباس ، احبس
أباسفيان عند حطم الجبل ، هكذا
جاءت في كتاب أبي موسى ، وقال حطم الجبل : الموضع
الذي حطم منه ، أي ثلم
فبقي منقطعا ، قال : ويحتمل أن يريد عند مضيق
الجبل حيث يزحم بعضهم بعضا ،
____________________
ورواه أبونصر
الحميدي في كتابه بالخاء المعجمة ، وفسرها في غريبه فقال : الخطم
والخطمة : رعن الجبل وهو الانف النادرمنه ، والذي
جاء في كتاب البخاري ، وهو
الذي أخرج الحديث فيما قرأناه ورأيناه من نسخ
كتابه : عند حطم الخيل ، هكذا
مضبوطا ، فإن صحت الرواية به ، ولم يكن تحريفا
من الكتبة فيكون معناه والله
أعلم : إنه يحبسه في الموضع المتضايق الذي
يتحطم فيه الخيل ، أي يدوس بعضها
بعضا ، ويزحم بعضها بعضا فيراها جميعها ، وتكثر
في عينه بمرورها في ذلك الموضع
الضيق ، وكذلك أراد بحبسه عند خطم الجبل على ما
شرحه الحميدي ، فإن
الانف النادر من الجبل يضيق الموضع الذي يخرج
فيه.
وقال : مر رسول الله صلىاللهعليهوآله في كتيبته الخضراء ،
كتيبة خضراء : إذا غلب عليها
لبس الحديد ، شبه سواده بالخضرة ، والعرب تطلق
الخضرة على السواد ، وقال : مآثر العرب : مكارمها ومفاخرها التي تؤثر عنها ، أي تروى وتذكر. تحت قدمي
هاتين ، أراد خفاءها وإعدامها وإذلال أمر
الجاهلية ونقض سنتها ، وقال : الخلا
مقصورا : النبات الرقيق مادام رطبا ، واختلاؤه :
قطعه انتهى.
والبور بالضم : الهالك ، يستوي فيه الواحد
والكثير والمذكر وا لمؤنث.
والمباراة : المجاراة والمسابقة ، والثبور
: الهلاك ، والويل والاهلاك.
١ ـ أقول
: روى السيد في سعد السعود من تفسير
الكلبي أن رسول الله
صلىاللهعليهوآله
لما فتح مكة وجد في الحجر أصناما مصفوفة حوله ثلاثمائة وستين صنما ، صنم
كل قوم بحيالهم ، ومعه مخصرة بيده فجعل يأتي
الصنم فيطعن في عينه
أو في بطنه
ثم يقول : « جاء الحق » يقول : ظهر الاسلام « وزهق
الباطل » يقول : وهلك الشرك
وأهله ، والشيطان وأهله « إن الباطل كان زهوقا
» يقول : هالكا ، فجعل الصنم
ينكب لوجهه إذا قال رسول الله صلىاللهعليهوآله ذلك ، فجعل أهل مكة
يتعجبون ويقولون
فيما بينهم : ما رأينا رجلا أسحر من محمد.
____________________
٢ ـ كتاب صفات الشيعة للصدوق رحمهالله
عن الحميري
عن ابن محبوب
عن ابن رئاب ، عن أبي عبيدة قال : سمعت أبا
عبدالله عليهالسلام
يقول : لما فتح رسول
الله صلىاللهعليهوآله
مكة قام على الصفا فقال : « يا بني هاشم ، يا بني عبدالمطلب ، إني رسول
الله إلكيم وإني شفيق عليكم ، لا تقولوا : إن محمدا منا ، فو الله ما أوليائي
منكم
ولا من غيركم إلا المتقون ، فلا أعرفكم تأتوني يوم القيامة تحملون الدنيا على
رقابكم ، ويأتي الناس يحملون الاخرة ، ألا وإني
قد أعذرت فيما بيني وبينكم
وفيما بين الله عزوجل وبينكم ، وإن لي عملي
ولكم عملكم
».
٣ ـ د
: في يوم العشرين من رمضان سنة ثمان من
الهجرة كان فتح مكة.
٤ ـ ب
: أبوالبختري ، عن جعفر ، عن أبيه عليهماالسلام ، قال : دخل رسول
الله
صلىاللهعليهوآله
البيت يوم الفتح فرأى فيه صورتين ، فدعا بثوب فبله في ماء ثم محامهما ، قال : ثم أمر رسول الله صلىاللهعليهوآله
بقتل عبدالله بن أبي سرح وإن وجد في جوف البيت ، وبقتل
عبدالله بن خطل ، وقتل مقيس بن صبابة وبقتل قرسا وأم سارة قال : وكانتا قينتين تزنيان
وتغنيان بهجاء النبي صلىاللهعليهوآله
، وتحضضان يوم أحد على
رسول الله صلىاللهعليهوآله.
____________________
٥ ـ فس
: « يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي
وعدوكم أولياء تلقون
إليهم بالمودة » نزلت في حاطب بن أبي بلتعة ، ولفظ
الآية عام ، ومعناه خاص
وكان سبب ذلك أن حاطب بن أبي بلتعة كان قد أسلم
وهاجر إلى المدينة ، وكان عياله بمكة ، وكانت قريش يخاف
أن يغزوهم رسول الله صلىاللهعليهوآله
، فصاروا إلى عيال
حاطب وسألوهم أن يكتبوا إلى حاطب يسألوه عن خبر
محمد صلىاللهعليهوآله
هل يريد أن
يغزو مكة ، فكتبوا إلى حاطب يسألونه عن ذلك ، فكتب
إليهم حاطب أن رسول
الله صلىاللهعليهوآله
يريد ذلك ، ودفع الكتاب إلى امرأة تسمى صفية
فوضعته في قرونها
ومرت فنزل جبرئيل على رسول الله صلىاللهعليهوآله فأخبره بذلك فبعث
رسول الله (ص)
أميرالمؤمنين عليهالسلام
والزبيربن العوام في طلبها فلحقاها
فقال أميرالمؤمنين عليهالسلام
: أين الكتاب؟ فقالت : ما معي شئ ففتشاها فلم يجدا معها شيئا ، فقال : الزبير : ما نرى معها شيئا؟ فقال أميرالمؤمنين عليهالسلام
: والله ما كذبنا رسول الله (ص) ، ولا
كذب رسول الله (ص) على جبرئيل عليهالسلام ، ولا كذب جبرئيل
على الله جل ثناؤه
والله لتظهرن الكتاب أو لاوردن رأسك إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقالت : تنحيا
حتى أخرجه ، فأخرجت الكتاب من قرونها فأخذه أميرالمؤمنين عليهالسلام وجاء
به إلى رسول الله ، فقال رسول الله : يا حاطب
ما هذا؟ فقال حاطب : والله يا رسول
الله ما نافقت ولا غيرت ولا بدلت ، وإني أشهد
أن لا إلله إله الله ، وأنك رسول الله
حقا ، ولكن أهلي وعيالي كتبوا إلي بحسن صنيع
قريش إليهم ، فأحببت أن
أجازي قريشا بحسن معاشرتهم ، فأنزل الله جل
ثناؤه على رسول الله صلىاللهعليهوآله « يا
أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء
تلقون إليهم بالمودة » إلى قوله : « لن
تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعلمون بصير »
____________________
أقول
: قد أوردنا نحوه بأسانيد في كتاب أحوال اميرالمؤمنين عليهالسلام في باب
تنمره في ذات الله.
روى في كشف الغمة عن الواحدي أنه ذكر في
أسباب نزول القرآن نحوا
من ذلك.
وروى في الخرائج نحوه بأدنى تغيير ، فتر
كناها حذرا من زيادة التكرار.
٦ ـ فس
: « يا أيها النبي إذاجاءك المؤمنات
يبايعنك » إلى قوله تعالى : « إن الله غفور رحيم
» فإنها نزلت في يوم
فتح مكة ، وذلك أن رسول الله
صلىاللهعليهوآله
قعد في المسجد يبايع الرجال إلى صلاة الظهر والعصر ، ثم قعد لبيعة النساء
وأخذ قدحا من ماء فأدخل يده فيه ، ثم قال
للنساء : « من أراد أن تبايع فلتدخل
يدها في القدح فإنى لا أصافح النساء » ثم قراء عليهن
ما أنزل الله من شروط
البيعة عليهن ، فقال : « على أن لا يشركن بالله
شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن
أولادهن ولا يأتين ببهتان بفترينه بين أيديهن
وأرجلهن ولا يعصينك في معروف
فبايعهن « فقامت أم حكيم بنت الحارث بن
عبدالمطلب فقالت : يا رسول الله ما
هذا المعروف الذي أمرنا الله أن لا نعصيك فيه؟ فقال : ألا تخمشن وجها ، ولا
تلطمن
خدا ، ولا تنفن
شعرا ، ولا تمزقن
جيبا ، ولا تسودن
ثوبا ، و
لا تدعون
بالويل والثبور ، ولا تقمن
عند قبر » ، فبايعهن صلىاللهعليهوآله
على هذه الشروط .
____________________
٧ ـ فس :
« وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل
لي من لدنك سلطانا نصيرا « فإنها نزلت يوم فتح
مكة ، لما أراد رسول الله صلىاللهعليهوآله
دخولها أنزل الله : « وقل » يا محمد : « رب
أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج
صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نطيرا » أي معينا « وقل جاء الحق وزهق
الباطل إن الباطل كان زهوقا » فارتجت مكة من قول أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله : جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا
٨ ـ فس
: « وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من
الارض ينبوعا » فإنها
نزلت في عبدالله بن أبي امية أخ سلمة رحمة الله عليها ، وذلك أنه قال
هذا
لرسول الله (ص) بمكة قبل الهجرة فلما خرج رسول
الله (ص) إلى فتح مكة استقبل
عبدالله بن أبي امية فسلم على رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فلم يرد عليهالسلام فأعرض
عنه ولم يجبه بشئ ، وكانت اخته ام سلمة مع رسول
الله صلىاللهعليهوآله
، فدخل إليها
فقال : يا اختي إن رسول الله صلىاللهعليهوآله قد قبل إسلام الناس
كلهم ورد إسلامي ، فليس
يقبلني كما قبل غيري ، فلما دخل رسول الله صلىاللهعليهوآله على ام سلمة قالت : بأبي
أنت وامي يا رسول الله! سعد بك جميع الناس إلا
أخي من بين قريش والعرب رددت
إسلامه وقبلت إسلام الناس كلهم فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « يا ام سلمة إن
أخاك
كذبني تكذيبا لم يكذبني أحد من الناس ، هو الذي
قال لي : لن نؤمن لك
حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا » إلى قوله : « كتابا
نقرؤه » قالت ام سلمة : بأبي أنت وامي يا رسول الله ألم تقل : إن
الاسلام يجب ما كن قبله؟ قال : نعم ،
____________________
فقبل رسول اله صلىاللهعليهوآله إسلامه
بيان
: قال الجزري : فيه : الاسلام يجب ما
قبله ، والتوبة تجب ما قبلها
أي يقطعان ويمحوان ما كان قبلهما من الكفر
والمعاصي والذنوب.
٩ ـ ما
: أبوالفتح هلال بن محمد بن جعفر ، عن إسماعيل بن علي الدعبلي ، عن
أبي علي بن علي ، عن أبيه علي بن رزين ، عن
أبيه رزين بن عثمان ، عن أبيه عثمان
ابن عبدالرحمن ، عن أبيه عبدالرحمن بن عبدالله ،
عن أبيه عبدالله بن بديل بن ورقاء
قال : سمعت أبي بديل بن ورقاء الخزاعي يقول : لما
كان يوم الفتح وقفني العباس
بين يدي رسول الله (ص) قال : يا رسول الله هذا
يوم قد شرفت فيه قوما « ، فما بال
خالك بديل بن ورقاء وهو قعيد حيه؟ قال النبي صلىاللهعليهوآله ، » احسر عن حاجبيك
يا بديل « فحسرت عنهما ، وحدرت لثامي ، فرأى
سوادا » بعارضي ، فقال : كم سنوك
يا بديل؟ فقلت : سبع وتسعون يا رسول الله ، فتبسم
النبي صلىاللهعليهوآله
وقال : « زادك
الله جمالا وسوادا ، وأمتعك وولدك ، لكن رسول
الله صلىاللهعليهوآله
قد نيف على الستين و
قد أسرع الشيب فيه ، اركب جملك هذا الاورق وناد
في الناس : « إنها أيام أكل و
شرب » وكنت جهيرا قرأيتني بين خيامهم وأنا أقول
: أنا رسول رسول الله صلىاللهعليهوآله
يقول لكم : إنها أيام أكل وشرب ، وهي لغة خزاعة
، يعني الاجتماع ، ومن
ههنا قرأ أبوعمرو : « فشاربون شرب الهيم »
بيان
: وهو قعيد حيه ، أي قاعد في قبيلته يجالسهم ولا ينهض لامر ، قال
الجوهري : القعيد : المقاعد ، والجراد الذي لم
يستو جناحه بعد ، وقال : قال
الاصمعي : الاورق من الابل : الذي في لونه بياض
إلى سواد
قوله : يعني الاجتماع لم أعرف لهذا الكلام معنى
، ولعله سقط قوله : « وبعال » كما في سائر الروايات ، والاجتماع تفسير له ، لكن
قوله : ومن ههنا قرأ ، يدل
____________________
على أنه تفسير للشرب
، ولم أر الشرب بهذا المعنى
وأما القراءة فلم أعثر إلا
على قراءة « شرب » بالضم مصدرا ، وبالفتح جمع
شارب ، ثم المشهور أن هذا النداء
كان في حجة الوداع لا عام الفتح ، قال الجزري :
في حديث التشريق : إنها أيام
أكل وشرب وبال. البعال : النكاح وملاعبة الرجل أهله ، والمباعلة : المباشرة.
١٠ ـ ما
: ابن الصلت ، عن ابن عقدة ، عن عبدالملك الطحان ، عن هارون
ابن عيسى ، عن عبدالله بن إبراهيم ، عن الرضا ،
عن أبائه ، عن علي عليهمالسلام
أن
رسول الله صلىاللهعليهوآله
سافر إلى بدر في شهر رمضان ، وافتتح مكة في شهر رمضان.
١١ ـ ما
: ابن الصلت ، عن ابن عقدة ، عن الحسن
بن القاسم عن ثبير
ابن إبراهيم ، عن سليمان بن بلال ، عن الرضا عليهالسلام
قال : دخل رسول الله (ص) يوم فتح مكة والاصنام حول الكعبة ، وكانت ثلاثمائة وستين
صنما ، فجعل يطعنها
بمخصرة في يده ويقول : « جاء الحق وزهق الباطل
إن الباطل كان زهوقا جاء
الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد » فجعلت تكب لوجهها
١٢ ـ قب
: تفسير الثعلبي والقشيري والواحدي
والقزويني ومعاني
الزجاج ومسند الموصلي وأسباب نزول القرآن عن
الواحدي أنه لما دخل النبي
صلىاللهعليهوآله
مكة يوم الفتح علق عثمان ابن أبي طلحة
العبدي باب البيت وصعد السطح
فطلب النبي صلى اله عليه وآله المفتاح منه ، فقال
: لو علمت أنه رسول الله لم أمنعه ، فصعد علي
ابن أبي طالب عليهالسلام
السطح ، ولوى يده ، وأخذ المفتاح منه ، وفتح الباب ، فدخل
النبي صلىاللهعليهوآله
البيت فصلى فيه ركعتين ، فلما خرج سأله اعباس أن يعطيه المفتاح
____________________
فنزل : « إن الله
يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها » فأمر النبي صلىاللهعليهوآله
أن يرد
المفتاح إلى عثمان ، ويعتذر إليه ، فقال له
عثمان : يا علي أكرهت وأديت
ثم
جئت برفق ، قال لقد أنزل الله عزوجل في شأنك
وقرأ عليه الاية ، فأسلم عثمان
فأقره النبي صلىاللهعليهوآله
في يده
١٣ ـ ل
: أبي ، عن سعد ، عن الاصفهاني ، عن
المنقري ، عن حفص ، عن
أبي عبدالله عليهالسلام
، عن أبيه قال : إن رسول الله (ص) يوم فتح مكة لم يسب لاهلها
ذرية ، وقال ، من أغلق بابه وألقى سلاحه أودخل
دار أبي سفيان فهو آمن الخبر
١٤ ـ ف
: عن أبي جعفر الثاني عليهالسلام
قال : كانت مبايعة رسول الله صلىاللهعليهوآله
النساء أن يغمس يده في إناء فيه ماء ثم يخرجها ،
فتغمس النساء أيديهن في ذلك الاناء
بالاقرار والايمان بالله ، والتصديق برسوله
عليه ما أخذ عليهن
١٥ ـ شا
، يج : روي عن أبي بصير ، عن الصادق عليهالسلام أنه كان في المسجد
ثلاثمائة وستون صنما « ، وقال : بعضها فيما يزعمون مشدود ببعضها بالرصاص
فأخذ رسول الله صلىاللهعليهوآله
كفا من حصى فرماها
في عام الفتح ، ثم قال :
« جاء
الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا » فما
بقي فيها
صنم إلا خر لو جهه
فأمر بها فاخرجت من المسجد فطرحت فكسرت
____________________
١٦ ـ يج
: فلما دخل وقت صلاة الظهر أمر رسول الله صلىاللهعليهوآله
بلا لافصعد على
الكعبة فقال عكرمة : أكره أن أسمع صوت أبي رباح
ينهق على الكعبة ، وحمد خالد
ابن أسيد أن أبا عتاب توفي ولم ير ذلك ، وقال
أبوسفيان : لا أقول شيئا ، لو
نطقت لظننت أن هذه الجدر ستخبر به محمدا ، بعث
إليهم النبي صلىاللهعليهوآله
فاتي بهم فقال
عتاب : نستغفر الله ونتوب إليه ، قد والله يا
رسول الله قلنا ، فأسلم وحسن إسلامه
فولاه رسول الله صلىاللهعليهوآله
مكة.
١٧ ـ يج
: روي أن النبي صلىاللهعليهوآله
خرج قاصدا مكة في عشرة آلاف
من
المسلمين ، فلم يشعر أهل مكة حتى نزل تحت
العقبة ، وكان أبوسفيان وعكرمة
ابن أبي جهل خرجا إلى العقبة يتجسسان خبراً ، ونظرا
إلى النيران فاستعظما ، فلما
يعلما لمن النيران ، وكان العباس قد خرج من مكة
مستقبلا إلى المدينة ، فرده
رسول الله صلىاللهعليهوآله
معه ، والصحيح أنه منذ يوم بدر كان بالمدينة ، لما نزل تحت
العقبة ركب العباس بغلة رسول الله صلىاللهعليهوآله وصار إلى العقبة
طمعا أن يجد من أهل
مكة من ينذرهم ، إذ سمع كلام أبي سفيان يقول
لعكرمة : ما هذه النيران؟ فقال
العباس : يا أبا سفيان نعم هذا رسول الله ، قال
أبوسفيان : ما ترى أن أصنع؟ قال : تركب خلفي فأصيربك إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله
فآخذ لك الامان ، قال : وتراه يؤمنني
قال : نعم فإنه إذا سألته شيئا لم يردني ، فركب
أبوسفيان خلفه ، فانصرف
عكرمة إلى مكة ، فصار إلى رسول الله (ص) : فقال
العباس : هذا أبوسفيان صار معي
إليك فتؤمنه بسببي ، فقال صلىاللهعليهوآله : أسلم تسلم يا أبا
سفيان ، فقال : يا أبا القاسم ما أكرمك وأحلمك؟ قال : أسلم تسلم ، قال : ما أكرمك
وأحلمك؟ قال : أسلم تسلم ، فوكزه
العباس وقال : ويلك إن قالها الرابعة ولم تسلم
قتلك ، فقال صلىاللهعليهوآله
: خذه يا عم
إلى خيمتك ، وكانت قريبة ، فلما جلس في الخيمة
ندم على مجيئه مع العباس ، و
قال في نفسه : من فعل بنفسه مثل ما فعلت أنا؟
جئت فأعطيت بيدي ولو كنت انصرفت
____________________
إلى مكة فجمعت
الاحابيش وغيرهم فلعلي كنت أهزمه ، فناداه رسول الله صلىاللهعليهوآله
من
خيمته فقال : « إذا كان اله يخزيك » فجاءه
العباس فقال : يريد أبوسفيان أن يجيئك
يا رسول الله ، قال : هانه ، فلما دخل قال : ألم
يأن أن تسلم؟ فقال له العباس ، قل
وإلا فيقتلك ، قال : أشهد أن لا إله إلا الله ،
وأنك رسول الله ، فضحك صلىاللهعليهوآله
فقال
رده إلى عندك ، فقال العباس : إن أبا سفيان « يحب
الشرف فشرفه ، فقال : من
دخل داره فهو آمن ، ومن ألقى سلاحه فهو آمن
فلما صلى بالناس الغداة فقال للعباس : «
خذه إلى رأس العبة فأقعد هناك
ليراه الناس
جنود الله ويراها » فقال أبوسفيان : ما أعظم ملك ابن أخيك؟ قال
العباس : يا أبا سفيان هي نبوة ، قال : نعم ، ثم
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله
: تقدم إلى مكة
فأعلمهم بالامان ، فلما دخلها قالت هند : اقتلوا
هذا الشيخ الضال ، فدخل النبي
صلىاللهعليهوآله
مكة ، وكان وقت الظهر فأمر بلالا فصعد على ظهر الكعبة فأذن ، فما بقي
صنم بمكة إلا سقط على وجهه ، فلما سمع وجوه قريش
الاذان قال بعضهم في نفسه : الدخول في بطن الارض خير من سماع هذا ، وقال آخر : الحمد لله الذي
لم يعش والدي إلى هذا اليوم ، فقال النبي صلىاللهعليهوآله : « يا فلان قد قلت
في نفسك كذا
ويا فلان قلت في نفسك كذا » فقال أبوسفيان : أنت
تعلم أني لم أقل شيئا ، قال : اللهم
اهد قومي فإنهم لا يعلمون
١٨ ـ شا
: من مناقب أمير المؤمنين عليهالسلام
أن النبي صلىاللهعليهوآله
لما أراد فتح مكة
سأل الله جل اسمه أن يعمي أخباره على قريش
ليدخلها بغتة ، وكان صلىاللهعليهوآله
قد بنى الامر
في مسيره إليها على الاستسرار بذلك ، فكتب حاطب
بن أبي بلتعة إلى أهل مكة
يخبرهم بعزيمة رسول الله (ص) على فتحها ، وأعطى
الكتاب امرأة سوداء كانت وردت
المدينة تستميح الناس وتستبرهم ، وجعل لها جعلا أن
توصله إلى قوم سماهم لها
____________________
من أهل مكة ، وأمرها
أن تأخذ على غير الطريق ، فنزل الوحي على رسول الله صلىاللهعليهوآله
بذلك ، فاستدعى أمير المؤمنين عليهالسلام وقال له : « إن بعض
أصحابي قد كتب إلى أهل
مكة يخبرهم بخبرنا ، وقد كنت سألت الله أن يعمي
أخبارنا عليهم والكتاب مع امرأة
سوداء قد أخذت على غير الطريق ، فخذ سيفك
والحقها ، وانتزع الكتاب منها
وخلها ، وصربه إلي » ثم استدعي الزبير بن
العوام وقال له : « امض مع علي بن أبي طالب
في هذا الوجه » فمضيا وأخذا على غير الطريق
فأدركا المرأة ، فسبق إليها الزبير
فسألها عن الكتاب الذي معها فأنكرت ، وحلفت أنه لاشئ معها وبكت ، فقال
الزبير : ما أرى يا أبا الحسن معها كتابا فارجع
بنا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله
نخبره
ببرائة ساحتها ، فقال له أمير المؤمنين عليهالسلام : يخبرني رسول الله
(ص) أن معها كتابا
ويأمرني بأخذه منها ، وتقول أنت : إنه لا كتاب
معها؟ ثم اخترط السيف وتقدم
إليها فقال : أما والله لئن لم تخرجي الكتاب لا
كشفنك ثم لا ضر بن عنقك ، فقالت :
إذا كان لابد من ذلك فأعرض يا ابن أبي طالب بوجهك
عني ، فأعرض بوجهه عنها
فكشفت قناعها وأخرجت الكتاب من عقيصتها فأخذه أمير المؤمنين وصاربه
إلى النبي صلى اله عليه وآله فأمر أن ينادي : الصلاة
جامعة ، فنودي في الناس فاجتمعوا إلى
المسجد حتى امتلا بهم ، ثم صعد النبي صلىاللهعليهوآله إلى المنبر ، وأخذ الكتاب بيده
وقال : « أيها الناس إني كنت سألت الله عزوجل
أن يخفي أخبارنا
عن قريش ، وإن رجلا منكم كتب إلى أهل مكة يخبرهم بخبرنا ، فليقم صاحب الكتاب وإلا
فضحه الوحي » فلم يقم أحد ، فأعاد رسول الله صلىاللهعليهوآله مقالته ثانية وقال
: « ليقم
صاحب الكتاب وإلا فضحه الوحي » فقال حاطب بن
أبي بلتعة وهو يرعد كالسعفة في
____________________
يوم الريح العاصف ، فقال
: أنا يا رسول الله صاحب الكتاب ، وما أحدثت نفاقا بعد
إسلامي ، ولاشكا بعد يقيني ، فقال له النبي صلىاللهعليهوآله : « فما الذي حملك
على أن كتبت
هذا الكتاب؟ » قال يا رسول الله إن لي أهلا بمكة
، وليس لي بها عشيرة ، فأشفقت
أن تكون دائرة لهم علينا فيكون كتابي هذا كفا «
لهم عن أهلي ، ويدالي عندهم ، و
لم أفعل ذلك للشك في الدين ، فقام عمر بن الخطاب وقال : يا
رسول الله مرني
بقتله فإنه
منافق ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
« إنه من أهل بدر ولعل الله تعالى
اطلع عليهم فغفر لهم ، أخرجوه من المسجد » قال :
فجعل الناس يدفعون في ظهره
حتى أخرجوه ، وهو يلتفت إلى النبي (ص) ليرق
عليه ، فأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله
برده ، وقال له : « قد عفوت عنك وعن جرمك
فاستغفر ربك ولاتعد بمثل
ما جنيت
»
١٩ ـ شى
: عن داود بن سرحان عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : كان الفتح في
سنة
ثمان ، وبراءة في سنة تسع ، وحجة الوداع في سنة
عشر
٢٠ ـ م
: قوله عزوجل : « ومن أظلم
ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى
في خرابها اولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين * لهم في الدنيا خزي ولهم
في الاخرة عذاب عظيم » قال الامام : قال الحسن بن علي عليهماالسلام
لما بعث الله محمدا (ص) بمكة وأظهر بها دعوته ، ونشر بها كلمته ، وعاب أعيانهم في
عبادتهم الاصنام ، وأخذوه وأساؤا معاشرته ، وسعوا
في خراب المساجد المبنية
كانت للقوم
من خيار أصحاب محمد وشيعة علي بن أبي طالب عليهالسلام
، كان بفناء
____________________
الكعبة مساجد يحيون
فيها ما أمانه المبطلون ، فسعى هؤلاء المشركون في خرابها ، و
أذى
محمد وأصحابه
وألجاؤه إلى الخروج من مكة نحو المدينة التفت خلفه
إليها وقال : « الله يعلم إنني احبك ، ولولا أن أهلك أخرجوني عنك لما
آثرت
عليك بلداً ، ولا ابتغيت عليك بدلا ، وإني لمغتم على مفارقنك » فأوحى الله
إليه : يا محمد العلي الا على يقرأ عليك السلام ، ويقول : سنردك إلى هذا
البلد ظافراً غانما
سالماً قادراً قاهراً ، وذلك قوله تعالى : « إن الذي فرض عليك
القرآن لرداك إلى معاد
» يعني إلى مكة غانماً ظافراً. فأخبر بذلك رسول الله (ص) أصحابه فاتصل بأهل
مكة فسخروا منه ، فقال الله تعالى لرسوله : سوف
يظفرك الله بمكة
، ويجري
عليهم حكمي ، وسوف أمنع عن دخولها المشركين حتى
لا يدخلها أحد منهم إلا
خائفا ، أودخلها مستخفياً من أنه إن عثر عليه
قتل ، فلما حتم قضاء الله بفتح مكة و
واستوسقت له أمر عليهم عتاب بن أسيد ، فلما
اتصل بهم خبره قالوا : إن محمداً لايزال يستخف بناحتى ولى علينا غلاما حدث السن
ابن ثمانية عشر سنة ، ونحن
مشايخ ذوي الاسنان وجيران حرم الله الا من ، وخير بقعة على وجه الارض
وكتب رسول الله (ص) لعتاب بن أسيد عهداً على
مكة وكتب في
أوله : من محمد
رسول الله صلىاللهعليهوآله
إلى جيران بيت الله الحرام ، وسكان حرم الله ، أما بعد فمن كان
منكم بالله مؤمنا ، وبمحمد رسول في أقواله
مصدقاً وفي أفعاله مصوبا ، ولعلي
أخي محمد رسوله ونبيه وصفيه ووصيه وخير خلق
الله بعده موالياً
فهو منا و
____________________
إلينا ومن كان لذلك
أو لشئ منه مخالفاً فسحقاً وبعداً لاصحاب السعير ، لايقبل الله
شيئا من أعماله ، وإن عظم وكبر يصليه نار جهنم خالداً مخلداً أبداً ، وقد قلد
محمد رسول الله عتاب بن أسيد أحكامكم ومصالحكم ،
وقد فوض إليه تنبيه غافلكم ، وتعليم جاهلكم ، وتقويم أود
مضطربكم ، وتأديب من زال عن أدب الله منكم
لما علم من فضله عليكم من موالاة محمد رسول الله (ص) ، ومن رجحانه في
التعصب
لعلي ولي الله ، فهو لنا خادم ، وفي الله أخ ، ولا
وليائنا موال ، ولا عدائنا معاد ، وهو
لكم سماء ظليلة ، وأرض زكية ، وشمس مضيئة ، قد فضله الله على كافتكم بفضل
موالاته ومحبته لمحمد وعلي والطيبين من آلهما ،
وحكمه عليكم يعمل
بما
يريد الله فلن يخليه من توفيقه. كما أكمل من
موالاة محمد وعلي عليهالسلام
شرفه وحظه
لايؤامر رسول الله ولا يطالعه ، بل هو السديد الامين ، فليطمع المطيع
منكم بحسن
معاملته شريف الجزاء ، وعظيم الحباء وليتوقى
المخالف له شديد العذاب
، وغضب
الملك العزيز الغلاب ، ولا يحتج محتج منكم في مخالفته بصغر سنه ، فليس
الاكبر هو الافضل ، بل الافضل هو الاكبر ، وهو
الاكبر في موالاتنا وموالاة
أوليائنا ، ومعاداة أعدائنا ، فلذلك جعلناه
الامير عليكم ، والرئيس عليكم ، فمن
أطاعه فمر حبا به ومن خالفه فلا يبعد اله غيره ».
قال : فلما وصل إليهم عتاب وقرأ عهده
ووقف فيهم موقفا ظاهراً نادى في
جماعتهم حتى حضروه ، وقال لهم : معاشر أهل مكة
إن رسول الله صلىاللهعليهوآله
رماني بكم
____________________
شهاباً محرقا
لمنافقكم
، ورحمة وبركة على مؤمنكم
، وإني أعلم الناس
بكم وبمنافقكم ، وسوف آمركم بالصلاة فيقام بها ، ثم أتخلف اراعي
الناس ، فمن وجدته قد لزم الجماعة التزمت له حق
المؤمن على المؤمن ، ومن
وجدته قد بعد عنها فتشته ، فإن وجدت له عذرا عذرته ، وإن لم أجدله
عذرا ضربت عنقه حكما من الله مقضياً على كافتكم لا طهر حرم
الله من المنافقين ، أما
بعد فإن الصدق أمانة ، والفجور خيانة ، ولن
تشيع الفاحشة في قوم إلا ضربهم الله
بالذل ، قويكم عندى ضعيف حتى آخذ الحق منه
وضعيفكم عندي
قوي
حتى آخذ الحق له ، اتقو الله وشرفوا بطاعة الله
أنفسكم ، ولا تذلوها بمخالفة ربكم.
ففعل والله كما قال ، وعدل وأنصف وأنفذ الاحكام
، مهتديا بهدى الله ، غير محتاج
إلى مؤامرة ولا مراجعة
٢١ ـ شى
: عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبدالله عليهالسلام
قال : سألته عن قول الله
« ولولا
أن ثبتنك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا
» قال : لما كان يوم الفتح
أخرج رسول الله (ص) أصناما من المسجد ، وكان
منها صنم على المروة ، وطلبت إليه
قريش أن يتركه وكان استحيا فهم بتركه ، ثم أمر
بكسره فنزلت هذه الاية
٢٢ ـ عم
: كانت غزوة الفتح في شهر رمضان من سنة
ثمان ، وذلك أن رسول الله
صلىاللهعليهوآله
لما صالح قريشا عام الحديبية دخلت خزاعة في حلف النبي (ص) وعهده ، و
دخلت كنانة في حلف قريش ، فلما مضت سنتان من
القضية قعد رجل من كنانة
____________________
يروي هجاء رسول الله
، فقال له رجل من خزاعة : لاتذكر هذا
، قال : وما أنت و
ذاك؟ فقال : لئن أعدت لاكسرن فاك ، فأعادها
فرفع الخزاعي يده فضرب بها فاه
فاستنصر الكناني قومه ، والخزاعي قومه وكانت
كنانة أكثر فضر بوهم حتى أدخلوهم
الحرم ، وقتلوا منهم ، وأعانهم قريش بالكراع
والسلاح ، فركب عمرو بن سالم إلى
رسول الله فخبره الخبر وقال : أبيات شعر منها :
لاهم إني ناشد
محمدا
|
|
حلف أبينا وأبيه الا تلدا
|
إن قريشا أخلفوك
الموعدا
|
|
ونقضوا ميثاقك المؤكدا
|
وقتلونا ركعا وسجدا
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « حسبك يا عمرو »
ثم قام فدخل دار ميمونة وقال : اسكبوا لي ماء ، فجعل يغتسل ويقول : « لانصرت
إن لم أنصر بني كعب » ثم أجمع
رسول الله صلىاللهعليهوآله
على المسير إلى مكة وقال : اللهم خذ العيون عن قريش حتى نأتيها
في بلادها ، فكتب حاطب بن أبي بلتعة مع سارة
مولاة أبي لهب إلى قريش : إن
رسول الله خارج إليكم يوم كذا وكذا ، فخرجت
وتركت الطريق ، ثم أخذت ذات
اليسار في الحرة ، فنزل جبرئيل عليهالسلام فأخبره ، فدعا عليا
عليهالسلام
والزبير فقال لهما
أدركاها ، وخذا منها الكتاب ، فخرج علي والزبير
لايلقيان أحدا حتى وردا ذالحليفة
وكان النبي صلىاللهعليهوآله
وضع حرسا على المدينة ، وكان على الحرس حارثة بن النعمان
فأتيا الحرس فسألاهم ، فقالوا : مامر بنا أحد ،
ثم استقبلا حطابا فسألاه فقال : رأيت امرأة سوداء انحدرت من الحرة ، فأدركاها فأخذ علي منها الكتاب ، وردها
إلى رسول الله (ص) ، قال : فدعا حاطبا فقال له :
انظر ما صنعت ، قال : أما والله إني
لمؤمن بالله ورسوله ما شككت ، ولكني رجل ليس لي
بمكة عشيرة
ولي بها أهل
فأردت أن أتخذ عندهم يدا ليحفظوني فيهم ، فقال
عمر بن الخطاب : دعني يا رسول الله
أضرب عنقه ، فوالله لقد نافق ، فقال صلىاللهعليهوآله : « إنه من أهل بدر
ولعل الله اطلع عليهم
____________________
فغفر لهم ، أخرجوه
من المسجد » فجعل الناس يدفعون في ظهره وهو يلتفت إلى
رسول الله (ص) ليرق عليه ، فأمر صلىاللهعليهوآله برده ، وقال : « قد
عفوت عن جرمك فاستغفر
ربك ولاتعدل لمثل ما جنيت » فأنزل الله سبحانه :
« يا أيها الذين آمنوا لاتتخذوا
عدوي وعدوكم أولياء » إلى صدر السورة.
قال أبان : وحدثني عيسى بن عبدالله
القمي عن أبي عبدالله عليهالسلام
قال : لما
انتهى الخبر إلى أبي سفيان وهو بالشام بما صنعت
قريش بخزاعة أقبل
حتى
دخل على رسول الله (ص) ، فقال : يا محمد احقن
دم قومك ، وأجر بين قريش
، و
زدنا في المدة ، قال : « أغدرتم يا باسفيان؟ » قال
: لا ، قال : « فنحن على ما كنا
عليه » فخرج فلقي أبا بكر فقال : يا أبا بكر
أجر بين قريش ، قال : ويحك! وأحد
يجير على رسول الله صلىاللهعليهوآله؟ ثم لقي عمر فقال
له : مثل ذلك ثم خرج فدخل على
ام حبيبة فذهب ليجلس على الفراش فأهوت إلى
الفراش فطوته ، فقال : يا بنية
أرغبة بهذا الفراش عني؟ قالت : نعم ، هذا فراش
رسول الله صلىاللهعليهوآله
ما كنت لتجلس
عليه وأنت رجس مشرك ، ثم خرج فدخل على فاطمة عليهماالسلام فقال : يا بنت سيد
العرب تجيرين بين قريش ، وتزيد ين في المدة
فتكونين أكرم سيدة في الناس ، قالت : جواري في جوار رسول الله ، قال : فتأمرين ابنيك
أن يجيرا بين الناس؟ قالت : والله
ما يدري ابناي ما يجيران من قريش ، فخرج فلقي
عليا عليهالسلام
فقال : أنت أمس القوم
بي رحما ، وقد اعتسرت علي الامور فاجعل لي منها
وجها ، قال : أنت شيخ قريش
تقوم على باب المسجد فتجير بين قريش ، ثم تقعد
على راحلتك وتلحق بقومك
قال : وهل ترى ذلك نافعي؟ لا أدرى ، فقال يا
أيها الناس إني قد أجرت
بين قريش
ثم ركب بعيره وانطلق ، فقدم على قريش فقالوا ما وراك؟ قال : جئ
____________________
محمدا فكلمته فوالله
مارد علي شيئا ، ثم جئت ابن أبي قحافة فلم إجد عنده خيرا ، ثم جئت إلى ابن الخطاب فكان كذلك ، ثم دخلت على فاطمة فلم تجبني ، ثم
لقيت عليا فأمرني أن أجير بين الناس ففعلت ، قالوا
: هل أجاز ذلك محمد؟ قال : لا ، قالوا : ويحك لعب بك الرجل ، أو أنت تجير
بين قريش؟.
قال : وخرج رسول الله صلىاللهعليهوآله يوم الجمعة حين صلى
العصر لليلتين مضتا من
شهر رمضان ، فاستخلف على المدينه إبا لبابة بن
عبدالمنذر ، ودعا رئيس كل قوم
فأمره أن يأني قومه فيستنفرهم.
قال الباقر عليهالسلام : خرج رسول الله صلىاللهعليهوآله في غزوة الفتح فصام
وصام الناس
حتى نزل كراع الغميم فأمر بالا فطار فأفطر
وأفطر الناس وصام قوم فسموا العصاة
لانهم صاموا ، ثم سار عليهالسلام ، حتى نزل مر
الظهران ومعه نحو من عشرة آلاف
رجل ، ونحو من أربعمائة فارس ، وقد عميت
الاخبار عن قريش ، فخرج في تلك
الليلة أبوسفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء
هل يسمعون خبرا ، وقد
كان العباس بن عبدالمطلب خرج يتلقى رسول الله صلىاللهعليهوآله ومعه أبوسفيان بن
الحارث
وعبدالله بن أبي اميه ، وقد تلقاه بثنية العقاب.
ورسول الله صلىاللهعليهوآله في قبته وعلى حرسه
يومئذ زياد بن أسيد ، فاستقبلهم زياد
فقال : أما أنت يا أبا الفضل فامض إلى القبة ، وأما
أنتما فارجعا فمضى العباس
حتى دخل على رسول الله صلىاللهعليهوآله فسلم عليه ، وقال :
بأبي أنت وامي هذا ابن عمك
قدجآء تائبا ، وابن عمتك ، قال : ( لاحاجة لي
فيهما ، إن ابن عمي انتهك
عرضي ، وأما ابن عمتي ، فهو الذي يقول بمكة : لن
نؤمن لك حتى تفجر لنا
من الارض ينبوعا ، فلما خرج العباس كلمته ام
سلمة وقالت : بأبي أنت وامي ، ابن عمك قد جاء تائبا لا يكون أشقى الناس بك ، وأخي ابن عمتك وصهرك فلا
يكونن شقيا بك ، ونادى أبوسفيان بن الحارث
النبي صلىاللهعليهوآله
: كن لنا كما
____________________
قال العبد الصالح :
« لاتثريب عليكم » فدعاه وقبل منه ، ودعا عبدالله بن أبي أمية
فقبل منه.
وقال العباس : هو والله هلاك قريش إلى
آخر الدهر إن دخلها رسول الله صلىاللهعليهوآله
عنوة ، قال : فركبت بغلة رسول الله صلىاللهعليهوآله البيضآء وخرجت أطلب
الحطابة ، أو
صاحب لبن لعلي آمره أن يأتي قريشا فيركبون إلى رسول
الله صلىاللهعليهوآله
يستأمنون إليه
إذلقيت أباسفيان وبديل بن ورقآء وحكيم بن حزام ،
أقل وأبوسفيان يقول لبديل : ما هذه
النيران؟ قال : هذه خزاعة أقل من أن تكون هذه
نيرانهم ، ولكن
لعل هذه تميم أوربيعة ، قال العباس : فعرفت صوت
أبي سفيان ، فقلت : أبا حنظلة!
قال : لبيك فمن أنت؟ قلت : أنا العباس ، قال : فماهذه
النيران فداك أبي وامي؟
قلت : هذا رسول الله في عشرة آلاف من المسلمين ،
قال : فما الحيلة؟ قال : تركب في
عجز هذه البغلة فأستأمن لك رسول الله صلىاللهعليهوآله ، قال : فأردفته
خلفي ، ثم جئت به ، فكلما انتهيت إلى نار قاموا إلي نار قاموا إلي فإذا رأوني قالو : هذا عم رسول الله
(ص) خلوا
سبيله ، حتى انتهيت إلى باب عمر ، فعرف
أباسفيان فقال : عدو الله ، الحمدالله الذي
أمكن منك ، فركضت البغلة حتى اجتمعنا على باب
القبة ، ودخل على رسول
الله صلىاللهعليهوآله
فقال : هذا أبوسفيان قد أمكنك الله منه بغير عهد ولا عقد ، فدعني إضرب
عنقه ، قال العباس : فجلست عند رأس رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقلت : بأبي أنت
وامي
أبوسفيان وقد أجرته ، قال : أدخله ، فدخل فقام بين يديه فقال : « ويحك
يا باسفيان أما آن لك أن تشهد أن لا إله إلا
الله ، وأني رسول الله؟ » قال : بأبي
إنت وامي ما أكرمك وأوصلك وأحلمك؟ أما الله لو
كان معه إله لاغنى يوم بدر
ويوم أحد ، وأما أنك رسول الله فوالله إن في
نفسي منها لشيئا ، قال العباس : يضرب والله عنقك الساعة أو تشهد أن لا إله إلا الله ، وأنه
رسول الله ، قال :
____________________
فإني أشهد أن لا إله
إلا الله ، وأنك رسول الله
تلجلج بها فوه
فقال أبو
سفيان للعباس : فما نصنع بالات والعزى؟ فقال له
عمر : اسلح
عليهما ، قال
أبوسفيان : اف لك ، ما أفحشك؟ ما يدخلك يا عمر
في كلامي وكلام ابن عمي؟
فقال له رسول الله : عند من تكون الليلة؟ قال :
عند أبي الفضل ، قال : « فاذهب به
يا أبالفضل فأبته عندك الليلة ، واغدبه علي » فلما
أصبح سمع بلالا يؤذن ، قال : ما هذا المنادي يا أبالفضل؟ قال : هذا مؤذن رسول الله قم فتوض وصل ، قال : كيف أتوضأ؟ فعلمه ، قال : ونظر أبوسفيان إلى النبي صلىاللهعليهوآله
وهو ينوضأ وأيدي
المسلمين تحت شعره فليس قطرة يصيب
رجلا منهم إلا مسح بها وجهه ، فقال : بالله إن رأيت كاليوم قط كسرى ولا قيصر ، فلما
صلى غدابه إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله
فقال : يا رسول الله إني أحب أن تأذن لي قومك
فأنذرهم وأدعوهم إلى الله
ورسوله فأذن له ، فقال للعباس : كيف أقول لهم؟
بين لي من ذلك أمرا يطمئون
إليه ، فقال صلىاللهعليهوآله
: « تقول لهم : من قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له وشهد أن
محمدا رسول الله ، وكف يده فهو آمن ، ومن جلس
عند الكعبة ووضع سلاحه فهو
آمن » فقال العباس : يا رسول الله إن أباسفيان
رجل يحب الفخر ، فلو خصصته
بمعروف ، فقال صلىاللهعليهوآله
: « من دخل دار أبي سفيان فهو آمن » قال أبوسفيان : داري؟ قال : دارك ، ثم قال : « ومن أغلق بابه فهو آمن ».
ولما مضى أبوسفيان قال العباس : يا رسول
الله إن أباسفيان رجل من شأنه
الغدر ، وقد رأى من المسلمين تفرقا ، قال : فأدركه
واحسبه في مضايق الوادي
حتى يمر به جنود الله ، قال : فلحقه العباس ، فقال
: أبا حنظلة! قال : أغدرا يا
بني هاشم؟ قال : ستعلم أن الغدر ليس من شأننا ،
ولكن أصبح تنظروا إلى جنود
____________________
الله ، قال العباس :
فمر خالد بن الوليد فقال أبوسفيان : هذا رسول الله؟ قال : لا
ولكن هذا خالد بن الوليد في المقدمة ، ثم مر
الزبير في جهينة وأشجع فقال أبو
سفيان : يا عباس هذا محمد؟ قال : لا هذا الزبير
، فجعلت الجنود تمر به حتى مر
رسول الله (ص) في الانصار ، ثم انتهى إليه سعد
بن عبادة بيده راية رسول الله صلىاللهعليهوآله
فقال : يا با حنظلة.
اليوم يوم المحلمة
|
|
اليوم تسبى الحرمة
|
يا معشر الاوس والخزرج ثاركم يوم الجبل ،
فلما سمعها من سعد خلى
العباس وسعى إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله وزاحم حتى مر تحت الرماح فأخذ غرزه
فقبلها ثم قال : بأبي أنت وأمي أما تسمع ما
يقول سعد؟ وذكر ذلك القول ، فقال
صلىاللهعليهوآله
: « ليس مما قال سعد شئ ».
ثم قال لعلي عليهالسلام : « أدرك سعدا فخذ
الراية منه ، وأدخلها إدخالا رفيقا » فأخذها علي وأدخلها كما أمر.
قال : وأسلم يومئذ حكيم بن حزام وبديل
بن ورقاء وجبير بن مطعم ، وأقبل
أبوسفيان يركض حتى دخل مكة وقد سطح الغبار من
فوق الجبال ، وقريش لا
تعلم ، وأقبل أبوسفيان من أسفل الوادي يركض
فاستقبله قريش وقالوا : ماوراك؟
وما هذا الغبار؟ قال : محمد في خلق ، ثم صاح : يا
آل غالب البيوت البيوا ، من دخل
داري فهو آمن ، فعرفت هند فأخذت تطردهم ثم قالت
: اقتلوا الشيخ الخبيث ، لعنه
الله من وافد قوم وطليعة قوم ، قال : ويلك إني رأيت ذات
القرون ، ورأيت
فارس أبناء الكرام ، ورأيت ملوك كندة وفتيان
حمير يسلمن
آخر النهار ، ويلك
____________________
اسكتي ، فقد والله
جاء الحق ودنت البلية.
قال : وكان قد عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى المسلمين أن لا
يقتلوابمكة إلا من
قاتلهم سوى نفر كانوا يؤذون النبي صلىاللهعليهوآله ، منهم مقيس بن
صبابة ، وعبدالله بن
سعد بن أبي سرح ، وعبدالله بن خطل وقينتين
كانتا تغبيان بهجاء رسول الله صلىاللهعليهوآله
وقال : « اقتلوهم وإن وجد تموهم متعلقين بأستار
الكعبة » فأردك ابن خطل وهو
متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث
وعمار بن ياسر ، فسبق سعيد عمارا
فقتله ، وقتل مقيس بن صبابة في السوق ، وقتل
علي عليهالسلام
إحدى القينتين ، وأفلتت
الاخرى ، وقتل عليهالسلام
أيضا الحويرث بن نفيل بن كعب
وبلغه أن أم هانئبنت أبي طالب قد آوت ناسا من بني مخزوم ، منهم
الحارث بن هشام وقيس بن السائب
فقصد نحو دارها مقنعا بالحديد فنادى : أخرجوا
من آويتم ، فجعلوا يذرقون كما
يذرق الحبارى خوفا منه ، فخرجت إليه أم هانئ
وهي لا تعرفه ، فقالت : يا عبدالله
أنا أم هانئ بنت عم رسول الله ، وأخت علي بن
أبي طالب ، انصرف عن داري
فقال علي : أخرجوهم ، فقالت : والله لاشكونك
إلى رسول الله ، فنزع المغفر
عن رأسه فعرفته ، فجاءت تشتد حتى التزمته ، فقالت
: فديتك حلفت لاشكونك
إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله
، فقال لها : فاذهبي فبري قسمك ، فإنه بأعلى الوادي ، قالت
أم هانئ : فجئت إلى النبي صلىاللهعليهوآله وهو قبة يغتسل ، وفاطمة
عليهاالسلام
يستره ، فلما سمع رسول الله صلىاللهعليهوآله
كلامي قال : « مر حبابك يا أم هانئ » قلت : بأبي و
أمي مالقيت من علي اليوم؟ فقال صلىاللهعليهوآله : « قد أجرت من
أجرت » فقالت فاطمة : إنما جئت يا أم هانئ تشكين عليا في أنه أخاف أعداء الله وأعداء رسوله؟
____________________
فقلت : احتمليني فديتك ، فقال رسول الله
(ص) : « قد شكرالله تعالى سعيه ، وأجرت
من أجارت أم هانئ لمكانها من علي بن أبي طالب
».
قال أبان : وحدثني بشير النبال عن أبي
عبدالله عليهالسلام
قال : لما كان فتح
مكة قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « عند من المفتاح؟
» قالوا : عند أم شبية. فدعا شبية
فقال : « اذهب إلى أمك فقل لها : ترسل بالمفتاح
» فقالت : قل له : قتلت مقاتلنا
وتريد أن تأخذ منا مكرمتنا؟ فقال : لترسلن به
أولا قتلنك ، فوضعته في يد
الغلام ، فأخذه ودعا عمر فقال له : « هذا تأويل
رؤياي من قبل ».
ثم قام صلىاللهعليهوآله
ففتحه وستره ، فمن يومئذ يستر ، ثم دعا الغلام فبسط رداءه
فجعل فيه المفتاح ، وقال : رده إلى أمك ، قال :
ودخل صناديد قريش الكعبة و
هم يظنون أن السيف لا يرفع عنهم ، فأنى رسول
الله صلىاللهعليهوآله
البيت وأخذ بعضادتي
الباب ثم قال : « لا إله إلا الله أنجز وعده ، ونصر
عبده ، وغلب الاحزاب وحده » ثم قال : « ما تظنون؟ وما أنتم قائلون؟ » فقال
سهيل بن عمرو : نقول خيرا و
نظن خيرا ، أخ كريم وابن عم ، قال : « فإني
أقول لكم كما قال أحي يوسف : لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ، ألا إن كل دم ومال و
مأثرة كان في الجاهلية فإنه موضوع تحت قدمي إلا
سدانة الكعبة
وسقاية
الحاج فإنهما مردودتان إلى أهليهما ، ألا إن
مكة محرمة بتحريم الله لم تحل لاحد كان قبلي ، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار فهي
محرمة إلى أن تقوم الساعة ، لا يختلى
خلاها ، ولا يقطع شجرها ، ولا ينفر صيدها ، ولا
تحل لقطتها إلا لمنشد » ثم قال : « ألا
لبئس جيران النبي كنتم ، لقد كذبتم وطردتم ، وأخرجتم وفللتم ، ثم ما
رضيتم حتى جئتموني في بلادي تقاتلوني ، فاذهبوا
فأنتم الطلقاء » فخرج القوم
كأنما أنشروا من القبور ، ودخلوا في الاسلام.
قال : ودخل رسول الله صلىاللهعليهوآله مكة بغير إحرام ، وعليهم
السلاح. ودخل
____________________
البيت لم يدخله في
حج ولا عمرة ، ودخل وقت الظهر
فأمر بلالا فصعد على الكعبة
وأذن ، فقال عكرمة : والله إن كنت لاكره أن
أسمع صوت ابن رياح ينهق على
الكعبة ، وقال خالد بن أسيد : الحمدلله الذي
أكرم أباعتاب من هذا اليوم أن يرى
ابن رياح قائما على الكعبة ، قال سهيل : هي
كعبة الله وهو يرى ولو شاء لغير
قال : وكان أقصدهم وقال أبوسفيان : أما أنا فلا أقول شيئا
، والله لو نطقت
لظننت أن هذه الجدر تخبربه محمدا ، وبعث صلىاللهعليهوآله إليهم فأخبرهم بما
قالوا ، فقال
عتاب : قد والله قلنا يا رسول الله ذلك
فنستغفرالله ونتوب إليه فأسلم وحسن إسلامه
وولاه رسول الله (ص) مكة ، قال : وكان فتح مكة
لثلاث عشرة خلت من شهر رمضان
واستشهد من المسلمين ثلاثه نفر دخلوا في أسفل
مكة وأخطاؤا الطريق فقتلوا.
أقول
: ذكر المفيد رحمهالله
في الارشاد أكثر بلك
القصص بأدنى تغيير
تركناها حذرا من التكرار.
بيان
: إلى صدر السورة ، أي إلى آخر الآيات من أول السورة. والصدر
أيضا : الطائفة من الشئ ، ولكن أصبح ، أي اصبر
حتى يتنورالصبح ، والاصباح : الدخول في الصباح ، ويطلق على الاسفار ، قال
الراغب : الصباح : أول النهار ، و
هو وقت ما احمر الافق بحاجب الشمس. قوله : ثاركم
يوم الجبل ، أي اطلبوا
دماءكم التي أريقت يوم أحد ، والغرز بالفتح : ركاب
من جلد. والذرق بالذال و
الزاي بمعنى. والحبارى معروف بالحمق والجبن ، وفي
المصباح : احتلمت ما كان
منه ، بمعنى العفو والاغضاء ، والفل : الكسر
والضرب : وفل الجيش : هزمه
فقال عتاب ، أي معتذرا عن أخيه ، ويحتمل أن
يكون هو أيضا قال شيئا
____________________
٢٣ ـ كا
: علي ، عن أبيه ، عن البزنطي ، عن أبان
، عن أبي عبدالله عليهالسلام
قال : لما فتح رسول الله صلىاللهعليهوآله مكة بايع الرجال ، ثم
جاءه النساء يبايعنه فأنزل الله
عزوجل : « يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات
يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا
ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا
يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن و
أرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر
لهن الله إن الله غفور رحيم » فقالت هند : أما الوالد فقد ربينا صغارا
وقتلتهم
كبارا ، وقالت أم حكيم بنت
الحارث بن هشام وكانت عند عكرمة بن أبي جهل : يا
رسول الله ما ذلك المعروف
الذي أمرنا الله أن لا نعصيك فيه؟ فقال : « لا
تلطمن خدا ، ولا تخمشن وجها ، ولا
تنتقن شعرا ، ولا تشققن جيبا ، ولا تسودن ثوبا
، ولا تدعين بويل » فبايعهن رسول
الله صلىاللهعليهوآله
على هذا ، فقالت : يا رسول الله كيف نبايعك؟ قال : « إنني لا أصافح
النساء » فدعا بقدح من ماء فأدخل يده ثم أخرجها
فقال : ادخلن أيديكن في هذا
الماء فهي البيعة.
كا
: علي ، عن أبيه ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبدالله عليهالسلام
مثله.
٢٤ ـ كا
: أبوعلي الاشعري ، عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان بن مسلم
قال : قال أبوعبدالله عليهالسلام : أتدري كيف بايع
رسول الله (ص) النساء؟ قلت : الله
أعلم وابن رسوله أعلم ، قال : جمعهن حوله ثم
دعا بتور برام فصب فيه نضوحا ثم غمس يده فيه ثم قال : اسمعن يا هؤلاء أبايعكن على
أن تلا تشركن بالله شيئا ، ولا تسرقن ، ولا تزنين ، ولا تقتلن أولادكن ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن
وأرجلكن ولا تعصين بعولتكن في معروف. أفرورتن؟
« قلن : نعم ، فأخرج يده من
التور ثم قال لهن : « اغمسن أيديكن » ففعلن ، فكانت
يد رسول الله صلىاللهعليهوآله
الطاهرة
أطيب من أن يمس بها كف أنثى ليست له بمحرم.
بيان
: التور : إناء من صفر أو حجارة كالاجانة ذكره الجرزي. وقال :
____________________
البرمة : القدر
مطلقا ، وجمعها برام ، وهي في الاصل المتخذة من الحجر المعروف
بالحجاز واليمن. وقال : النضوح بالفتح : ضرب من
الطيب.
٢٥ ـ كا
: علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس بن عبدالرحمن
عن معاوية بن وهب قال : لما كان يوم فتح مكة
ضربت على رسول الله صلىاللهعليهوآله
خيمة
سوداء من شعر بالابطح ، ثم أفاض عليه الماء من
جفنة يرى فيها أثر العجين ، ثم
تحرى القبلة ضحى ، فركع ثماني ركعات لم يركعها
رسول الله صلىاللهعليهوآله
قبل ذلك
ولا بعد.
٢٦ ـ كا :
علي ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز ، عن أبي عبدالله عليهالسلام
قال : لما قدم رسول الله صلىاللهعليهوآله مكة يوم افتتحها
فتح باب الكعبة فأمر بصور في الكعبة
فطمست ، ثم أخذ بعضادتي الباب فقال : « لا إله
إلا الله وجده لا شريك له ، صدق
وعده ، ونصر عبده ، وهزم الاحزاب وحده ، ما ذا
تقولون؟ وما ذا تظنون؟ » قالوا : نظن خيرا ، ونقول خيرا ، أخ كريم وقد قدرت ، قال : « فإني أقول كما قال أخي يوسف : لا تثريب
عليكم اليوم يغفرالله لكم وهو أرحم
الراحمين ، ألا إن الله قد حرم مكة يوم خلق
السماوات والارض فهي حرام بحرام
الله إلى يوم القيامة ، لا ينفر صيدها ، ولا
يعضد شجرها ، ولا يختلى خلاها ، ولا تحل
لقطتها إلا لمنشد » فقال العباس : يا رسول الله
إلا إلاذخر فإنه للقبر والبيوت : فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
: إلا الاذخر.
بيان
: الطموس : الدروس والانمحاء. وعضادتا
الباب : هما خشبتاه من
جانبيه. والتثريب : التعيير. والعضد : القطع.
والخلا مقصورا : النبات الرقيق
مادام رطبا. وأختلاؤه : قطعه. وإنشاد الاضالة :
تعريفها.
٢٧ ـ كا
: علي ، عن أبيه ، ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا عى ابن أبي عمير
عن معاوية بن عمار قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله
يوم فتح مكة : إن
____________________
الله حرم مكة يوم
خلق السماوات والارض ، وهي حرام إلى أن تقوم الساعة ، لا
تحل
لاحد قبلي ، ولا تحل لاحد بعدي ، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار.
٢٨ ـ كا
: علي ، عن أبيه والقاساني جميعا ، عن الاصفهاني ، عن المنقري
عن فضيل بن عياض ، عن أبي عبدالله ، عن أبيه عليهماالسلام قال : إن رسول الله
(ص) يوم
فتح مكة لم يسب لهم ذرية ، وقال : من أغلق بابه
فهو آمن ، ومن ألقى سلاحه
فهو آمن.
٢٩ ـ يب
: الطاطري ، عن محمد بن أبي حمزة ، عن
معاوية بن عمار ، عن أبي
عبدالله عليهالسلام
قال : سمعته يقول : لا تصل المكتوبة في جوف الكعبة ، فإن رسول الله
صلىاللهعليهوآله
لم يدخلها في حج ولا عمرة ، ولكن دخلها في فتح مكة فصلى فيها ركعتين بين
العمودين ومعه أسامة.
٣٠ ـ فر
: أبوالقاسم العلوي معنعنا عن ابن عباس رضياللهعنه
في قوله
تعالى : « يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي
وعدوكم أولياء تلقون إليهم
بالمودة » قال : قدمت سارة مولاة بني هاشم إلى
المدينه فأتت رسول الله صلىاللهعليهوآله
ومن
معه من بني عبدالمطلب ، فقالت : إني مولاتكم
وقد أصابني جهد ، وأتيتكم
أنعرض لمعروفكم ، فكسيت وحملت وجهزت ، وعمدت
حاطب بن أبي بلتعة أخابني
أسد بن عبدالعزى فكتب معها كتابا لاهل مكة بأن رسول الله صلىاللهعليهوآله قد أمر
الناس أن يجهزوا ، وعرف حاطب أن رسول الله صلىاللهعليهوآله يريد أهل مكة ، فكتب
إليهم يحذرهم ، وجعل لسارة جعلا على أن تكتم
عليه وتبلغ رسالته ففعلت ، فنزل
جبرئيل عليهالسلام
على نبي الله (ص) فأخبره ، فبعث رسول الله (ص) رجلين من أصحابه
____________________
في أثرها : أميرالمومنين
علي بن أبي طالب عليهالسلام
وزبير بن
العوام ، وأخبرهما
خبر الصحيفة ، فقال : « إن أعطتكم الصحيفة فخلوا سبيلها وإلا فاضربوا
عنقها » فلحقا سارة فقالا : أين الصحيفة التي كتبت معك
يا عدوة الله؟ فحلفت بالله ما معي
كتاب ففتشاها فلم يجدا معها شيئا ، فهما بتركها
، ثم قال أحدهما : والله ما كذبنا
ولا كذبنا فسل سيفه فقال : أحلف بالله لا أغمده
حتى تخرجين الكتاب أو يقع في
رأسك ، فزعموا أنه علي بن أبي طالب ، قالت : فلله
عليكما الميثاق ، إن أعطكما
الكتاب لا تقتلاني ولا تصلباني ولا ترد اني إلى
المدينة؟ قالا : نعم ، فأجرجته من
شعرها فخليا سبيلها ، ثم رجعا إلى النبي صلىاللهعليهوآله فأعطياه الصحيفة
فإذا فيها : من
حاطب بن أبي بلتعة إلى مكة إن محمدا قد نفر ، فإني
لا أدري إياكم أراد أو
غيركم ، فعليكم بالحذر.
فأرسل رسول الله صلىاللهعليهوآله إليه فأتاه فقال
تعرف هذا الكتاب يا حاطب؟ قال : نعم ، قال : فماحملك عليه ، فقال : أما والذي
أنزل عليك الكتاب ما كفرت منذ
آمنت ، ولا أجبتهم منذ فارقنهم ، ولكن لم يكن
أحد من أصحابك إلا ولهمبمكة عشيرة غيري ، فأحببت أن أتخذ عندهم يدا ، وقد
علمت أن الله منزل بهم بأسه
ونقمته ، وأن كتابي لا يغني عنهم شيئا ، فصدقه رسول الله صلىاللهعليهوآله وعذره ، فأنزل الله
: « يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ».
٣١ ـ كا
: علي ، عن أبيه ، عن حنان ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليهالسلام
قال : صعد رسول الله صلىاللهعليهوآله
المنبر يوم فتح مكة فقال : أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم
نخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها ، ألا إنكم من
آدم ، وآدم من طين ، ألا إن
خير عبادالله عبد اتقاه إن العربية ليسب بأب
والد ، ولكنها لسان ناطق ، فمن قصر
به عمله لم يبلغ حسبه ، ألا إن كل دم كان في
الجاهلية أو إحنة ـ والاحنة : الشحناء ـ فهي تحت قدمي هذه إلى يوم القيامة.
____________________
٣٢ ـ ين
: ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي عبيدة ، عن أبي جعفر عليهالسلام
قال : لما كان يوم فتح مكة قام رسول الله صلىاللهعليهوآله في الناس خطيبا
فحمدالله وأثنى
عليه ثم قال : أيها الناس ليبلغ الشاهد الغائب ،
إن الله تبارك وتعالى قد أذهب عنكم
بالاسلام نخوة الجاهلية ، والتفاخر بآبائها
وعشائرها ، أيها الناس إنكم من آدم
وآدم من طين ، ألا وإن خيركم عندالله وأكرمكم
عليه اليوم أتقاكم ، وأطوعكم
له ، ألا وإن العربية ليست بأب والد ، ولكنها
لسان ناطق ، فمن طعن بينكم و
علم أنه يبلغه رضوان الله حسبه ، ألا وإن كل دم
أو مظلمة أو إحنة كانت في الجاهلية
فهي مطل
تحت قدمي إلى يوم القيامة.
٣٣ ـ كا
: محمد بن الحسن ، عن بعض أصحابنا ، عن علي بن الحكم ، عن الحكم بن
مسكين ، عن رجل من قريش من أهل مكة ، عن الصادق
عليهالسلام
قال : خطب رسول الله
في مسجد الخيف : نضرالله عبداسمع مقالتي فوعاها ، وبلغها
من لم يبلغه ، يا
أيها الناس ليبلغ الشاهد الغائب ، فرب حامل فقه
ليس بفقيه ، ورب حامل فقه
إلى من هو أفقه منه ، ثلاث لا يغل عليهن قلب
امرئ مسلم : إخلاص العمل لله ، و
النصيحة لائمة المسلمين ، واللزوم لجماعتهم ، فإن
دعوتهم محيطة من ورائهم
المؤمنون إخوة تتكافئ ، دماؤهم وهم يد على من
سواهم ، يسعى بذمتهم أدناهم.
____________________
٣٤ ـ كا
: الحسين بن محمد ، عن المعلى ، عن
الوشاء ، عن أبان ، عن الثمالي
قال : قلت لعلي بن الحسين عليهماالسلام : إن عليا عليهالسلام سار في أهل القبلة
بخلاف سيرة
رسول الله (ص) في أهل الشرك؟ قال : فغضب ثم جلس
، ثم قال : سارو الله فيهم بسيرة
رسول الله (ص) يوم الفتح ، إن عليا عليهالسلام كتب إلى مالك وهو
على مقدمته يوم
البصرة بأن لا يطعن في غير مقبل ، ولا يقتل
مدبرا ، ولا يجهز على جريح ، ومن
أغلق بابه فهو آمن.
٢٧
باب
*(ذكر
الحوادث بعد الفتح إلى غزوة حنين)*
١ ـ شا
: ثم اتصل بفتح مكة إنفاذ رسول الله صلىاللهعليهوآله
خالد بن الوليد إلى بني
جذيمة
بن عامرو كانوا بالغميصاء يدعوهم إلى الله عزوجل ، وإنما أنفذه إليهم للترة
التي كانت بينه وبينهم ، وذلك أنهم كانوا
أصابوا في الجاهلية نسوة من بني المغيرة
وقتلوا الفا كه بن المغيرة عم خالد بن الوليد ،
وقتلوا عوفا أبا عبدالرحمن بن عوف
وأنفذه رسول الله صلىاللهعليهوآله
لذلك ، وأنفذ معه عبدالرحمن بن عوف للترة أيضا التي كانت
بينه وبينهم ، ولولا ذلك لما رأى رسول الله صلىاللهعليهوآله
خالدا أهلا للامارة على المسلمين
فكان من أمره ماكان ، وخالف فيه عهدالله وعهد
رسوله وعمل فيه على سنة الجاهلية
فبرئ رسول الله صلىاللهعليهوآله
من صنعه
وتلافى فارطه بأميرالمؤمنين عليهالسلام.
بيان
: في القاموس الغميصاء : موضع أوقع فيه خالد بن الوليد ببني جذيمة.
____________________
٢ ـ عم
: بعد فتح مكة بعث رسول الله صلىاللهعليهوآله السرا يا فيما حول
مكة يدعون
إلى الله عزو جل ولم يأمرهم بقتال ، فبعث غالب
بن عبدالله إلى بني مدلج فقالوا : لسنا عليك ولسنا معك ، فقال الناس : اغزهم يا
رسول الله ، فقال : إن لهم سيدا أديبا
أريبا ورب غاز من بني مدلج شهيد في سبيل الله ،
وبعث عمرو بن أمية الضمري إلى
بني الديل فدعاهم إلى الله ورسوله فأبوا أشد
الاباء ، فقال الناس : اغزهم يا رسول الله
فقال : أناكم الآن سيدهم قد أسلم فيقول لهم : أسلموا
، فيقولون : نعم ، وبعث
عبدالله بن سهيل بن عمرو إلى بني محارب بن فهر
فأسلموا ، وجاء معه نفر منهم إلى
رسول الله صلىاللهعليهوآله
، وبعث خالد بن الوليد إلى بني جذيمة بن عامر ، وقد كانوا أصابوا
في الجاهلية من بني المغيرة نسوة ، وقتلوا عم
خالد فاستقبلوه وعليهم السلاح ، و
قالوا : يا خالد إنالم نأخذ السلاح على الله وعلى
رسوله ، ونحن مسلمون فانظر فإن
كان بعثك رسول الله (ص) ساعيا فهذه إبلنا
وغنمنا فاغد عليها ، فقال : ضعوا السلاح
قالوا : إنا نخاف منك أن تأخذنا بإحنة الجاهلية
، وقد أماتها الله ورسوله ، فانصرف
عنهم بمن معه فنزلوا قريبا ، ثم شن عليهم الخيل
فقتل وأسر منهم رجلا ، ثم قال : ليقتل كل رجل منكم أسيرة فقتلوا الاسرى وجاء
رسولهم إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله
فأخبره
بما فعل خالد بهم ، فرفع عليهالسلام يده إلى السماء
وقال : « اللهم إني أبرء إليك مما
فعل خالد » وبكى ثم دعى عليا عليهالسلام فقال : اخرج إليهم
وانظر في أمرهم ، وأعطاه
سفطا من ذهب ففعل ما أمره وأرضاهم.
٣ ـ أقول
: قال ابن الاثير في الكامل : وفي هذه السنة يعني سنة ثمان بعد الفتح
كانت غزاة خالد بن الوليد بني جذيمة ، وكان
رسول الله صلىاللهعليهوآله
قد بعث السرايا بعد
الفتح فيما حول مكة يدعون الناس إلى الله ، ولم
يأمرهم بقتال وكان ممن بعث خالد
بن الوليد بعثه داعيا ولم يبعثه مقاتلا ، فنزل
على الغميصاء : ماء من مياه بني جذيمة
بن عامر ، وكانت جذيمة أصابت في الجاهلية عوف
أبا عبدالرحمن ، و
الفاكه بن المغيرة عم خالد ، وأخذوا ما معها ، فلما نزل خالد ذلك الماء أخذ
____________________
بنو جذيمة السلاح ، فقال
خالد : اخلعوا السلاح
فإن الناس قد أسلموا ، فوضعوا
فأمربهم خالد عند ذلك فكتفوا ثم عرضهم على
السيف ، فقتل من قتل منهم ، فلما
انتهى الخبر إلى النبي صلىاللهعليهوآله رفع يديه ثم قال :
« اللهم إني أبرأ إليك مما صنع
خالد » ثم أرسل عليا عليهالسلام ومعه مال ، وأمره
أن ينظر في أمرهم فودى لهم النساء
والاموال حتى أنه ليدي ميلغة الكلب ، ففضل معه من المال فضلة فقال
لهم
علي عليهالسلام
: هل بقي لكم مال أودم لم يؤد؟ قالوا : لا ، قال : إني أعطيكم هذه
البقية احتياطا لرسول الله (ص) ، ففعل ثم رجع
إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله
فأخبره فقال : أصبت وأحسنت.
٤ ـ ل
: بإسناده عن عامر بن واثلة قال : قال
أميرالمؤمنين عليهالسلام
يوم الشورى
نشدتكم بالله هل علمتم أن رسول الله عليهالسلام
بعث خالد بن الوليد إلى بني خزيمة
ففعل ما فعل ، فصعد رسول الله صلىاللهعليهوآله المنبر فقال : « اللهم
إني أبرأ إليك مما صنع
خالد بن الوليد » ثلاث مرات ، ثم قال : « اذهب
يا علي » فذهبت فوديتهم ، ثم
ناشدتهم بالله هل بقي شئ؟ فقالوا : إذا نشدتنا
بالله فميلغة كلابنا ، وعقال بعيرنا
فأعطيتهم لهما ، وبقي معي ذهب كثير فأعطيتهم
إياه وقلت : وهذا لذمة رسول الله (ص)
ولما تعملون ولما لا تعملون ، ولروعات النساء والصبيان ، ثم جئت إلى رسول الله
صلىاللهعليهوآله
فأخبرته فقال : « والله لا يسرني
يا علي أن لي بما صنعت حمر النعم » قالوا : اللهم نعم.
____________________
٥ ـ ل
، لى : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن معروف
، عن ابن مهزيار ، عن
فضالة ، عن أبان ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي
جعفر الباقر عليهالسلام
قال : بعث رسول
الله صلىاللهعليهوآله
خالد بن الوليد إلى حي يقال لهم : بنو المصطلق من بني جذيمة ، وكان
بينهم وبينه وبين بني مخزوم إحنة في الجاهلية [
فلما ورد عليهم ] كانوا قد أطاعوا
رسول الله صلىاللهعليهوآله
وأخذوا منه كتابا ، فلما ورد عليهم خالد أمر مناديا فنادى بالصلاة
فصلى وصلوا ، فلما كان صلاة الفجر أمر مناديه
فنادى فصلى وصلوا ، ثم أمر الخيل
فشنوا فيهم الغارة فقتل وأصاب ، فطلبوا كتابهم
فوجدوه فأتوا به النبي صلىاللهعليهوآله
و
حدثوه بما صنع خالد بن الوليد ، فاستقبل صلىاللهعليهوآله القبلة ثم قال : « اللهم
إني أبرأ
إليك مما صنع خالد بن الوليد » قال : ثم قدم
على رسول الله صلىاللهعليهوآله
تبرو متاع فقال
لعلي عليهالسلام
: « يا علي ائت بني جذيمة من بني المصطلق فأرضهم مماصنع خالد » ثم رفع عليهالسلام
قدميه فقال : « يا علي اجعل قضاء أهل الجاهلية تحت قدميك » فأتاهم
علي عليهالسلام
فلما انتهى إليهم حكم فيهم بحكم الله ، فلما رجع إلى النبي صلىاللهعليهوآله
قال : « يا علي أخبرني بما صنعت » فقال : يا
رسول الله عمدت فأعطيت لكل دم دية
ولكل جنين غرة ، ولكل مال مالا ، وفضلت معي
فضلة فأعطيتهم لميلغة كلابهم
وحبلة رعاتهم ، وفضلت معي فضلة فأعطيتهم لروعة
نسائهم وفزع صبيانهم ، وفضلت
معي فضلة فأعطيتهم لما يعلمون ولما لايعلمون ، وفضلت
معي فضلة فأعطيتهم ليرضوا
عنك يا رسول الله ، فقال صلىاللهعليهوآله : يا علي أعطيتهم
ليرضوا عني ، رضي الله عنك ، يا
علي إنما أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه
لانبي بعدي.
بيان
: قال الجزري : في حديث علي عليهالسلام
إن رسول الله صلىاللهعليهوآله
بعثه ليدي
قوما قتلهم خالد بن الوليد فأعطاهم ميلغة الكلب
، هي الاناء الذي يلغ فيه الكلب
يعني أعطاهم قيمة كل ما ذهب لهم حتى قيمة
الميلغة انتهى. والحبلة : هنا الرسن
أو بالتحريك ، أي الجنين الساقط من دوابهم ومواشيهم ، والاول أظهر.
____________________
٦ ـ ما
: جماعة ، عن أبي المفضل ، عن القاسم بن
زكريا عن محمد بن
تسنيم الحضرمي ، عن عمرو بن معمر ، عن علي بن
جعفر ، عن أخيه موسى عليهالسلام
عن أبيه جعفر ، عن أبيه محمد بن علي عليهمالسلام عن جابر بن عبدالله
قال : بعث النبي (ص)
خالد بن الوليد على صدقات بني المصطلق حي من خزاعة ، وكان بينه وبينهم في
الجاهلية ذحل فأوقع بهم خالد فقتل منهم ، واستاق
أموالهم ، فبلغ النبي صلىاللهعليهوآله
ما
فعل فقال : « اللهم أبرأ إليك مما صنع خالد » وبعث إليهم علي بن أبي
طالب
عليهالسلام
بمال وأمره أن يؤدي إليهم ديات رجالهم
وما ذهب من أموالهم ، وبقيت معه من المال زعبة ، فقال لهم : هل تفقدون شيئا من متاعكم؟ فقالوا : ما نفقد شيئا إلا ميلغة كلابنا ، فدفع إليهم ما
بقي من المال ، فقال : هذا لميلغة
كلابكم وما أنيستم من متاعكم ، وأقبل إلى النبي
صلىاللهعليهوآله
فقال : ما صنعت؟ فأخبره
بخبره حتى أتى على حديثه ، فقال النبي صلىاللهعليهوآله : أرضيتني رضي الله
عنك يا علي
أنت هادي أمتي ، ألا إن السعيد كل السعيد من
أحبك وأخذ بطريقتك ، ألا إن
الشقي كل الشقي من خالفك ورغب عن طريقك إلى يوم
القيامة.
بيان
: الدخل : العدواة ، وطلب المكافاة
بالجناية ، والزعبة بفتح الزاي
المعجمة وضمها : القطعة من المال.
٧ ـ أقول
: قال الكازروني : كان فتح مكة يوم
الجمعة لعشر بقين من شهر
رمضان ، فأقام بها خمس عشرة ليلة يصلي ركعتين ،
ثم خرج إلى حنين ، وقال في
حوادث السنة الثامنة : وفي هذه السنة أسلم عكرمة بن أبي جهل ، روي عن عبدالله ابن
الزبير قال : لما كان يوم فتح مكة هرب عكرة بن أبي جهل ، إلى اليمن ، و
خاف أن يقتله رسول الله (ص) ، وكانت امرأته أم
حكيم بنت الحارث بن هشام امرأة
____________________
لها عقل ، وكانت قد
اتبعت رسول الله (ص) فجاءت إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله
فقالت : إن ابن عمي عكرمة قد هرب منك إلى اليمن ، وخاف
أن تقتله فآمنه ، قال : « قد
آمنته بأمان الله ، فمن لقيه فلا يتعرض له » فخرجت
في طلبه فأدركته في ساحل
من سواحل تهامة وقد ركب البحر ، فجعلت تلوح
إليه وتقول : يا ابن عم جئتك
من عند أوصل الناس وأبر الناس وخير الناس ، لا
تهلك نفسك وقد استأمنت لك
فآمنك ، فقال : أنت فعلت ذلك؟ قلت : نعم أنا كلمة فآمنك ، فرجع معها
فلما دنا من مكة قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لاصحابه : « يأتيكم
عكرمة مهاجرا
فلا
تسبوا أباه فإن سب الميت يؤذي الحي ولا يبلغ » قال
: فقدم عكرمة فانتهى
إلى باب رسول الله (ص) وزوجته معه متنقبة قالت :
فاستأذنت على رسول الله (ص
فدخلت فأخبرت رسول الله بقدوم عكرمة فاستبشر ، وقال : أدخليه ، فقال : يا محمد
إن هذه أخبرتني أنك آمنتني ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
: « صدقت
فأنت آمن » قال عكرمة : فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و
أنك عبده ورسوله ، وقلت : أنت أبر الناس وأوفى
الناس ، أقول ذلك وإني
لمطأطئ الرأس استحياء منه ، ثم قلت : يا رسول
الله استغفرلي كل عداوة عاديتكها
أو مركب أوضعت فيه أريد به إظهار الشرك ، فقال
رسول الله صلىاللهعليهوآله
: « اللهم اغفر
لعكرمة كل عداوة عادانيها ، أو منطق تكلم به ، أو
مركب أوضع فيه يريد أن يصد
عن سبيلك » فقلت : يا رسول الله صلىاللهعليهوآله مرني بخيرما تعلم
فأعمله ، قال : « قل
:
أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وجاهد في سبيل الله » ثم
قال عكرمة : أما والله
لا أدع نفقة كنت أنفقها في صد عن سبيل الله إلا أنفقت ضعفها
في سبيل الله ، ولا قتالا كنت أقاتل في صد عن سبيل الله إلا أبليت ضعفه في سبيل
الله ، ثم اجتهد في القتال حتى قتل في خلافة
أبي بكر.
____________________
وعن أبي مليكة قال : لما كان يوم الفتح
ركب عكرمة البحر هاربا فخب
بهم البحر ، فجعل من في السفينة يدعون الله
عزوجل ويوحدونه ، فقال : ما
هذا؟ قالوا : هذا مكان لا ينفع فيه إلا الله
عزوجل ، قال : فهذا إله محمد الذي
يدعونا إليه ، فارجعوا بنا فرجع فأسلم. وكانت
امرإته أسلمت قبله ، فكانا على
نكاحهما.
وفيها بعث رسول الله صلىاللهعليهوآله خالد بن الوليد إلى
العزى لخمس بقين من
رمضان ليهدمها فخرج حتى انتهى إليها في ثلاثين
فهدمها ، ثم رجع إلى رسول الله
صلىاللهعليهوآله
فأخبره فقال : هل رأيت شيئا؟ قال : لا ، قال : فإنك لم تهدمها فرجع متغيظا
فجرد سيفه فخرجت إليه امرأة عريانة سوداء ثائرة
الرأس ، فجعل السادن يصيح بها
فضربها خالد فقطعها باثنين ، ورجع ، فأخبر النبي صلىاللهعليهوآله فقال : « تلك العزى
وقديئست أن تعبد ببلادكم أبدا » وكانت بنخلة ، وكانت
لقريش وجميع بني كنانة
وكانت أعظم أصنامهم ، وسدنتها بنوشيبان ، وقد
اختلف في العزى فقيل : إنها
شجرة كانت لغطفان يعبدونها ، وقيل : إنها صنم.
وفيها بعث رسول الله صلىاللهعليهوآله عمر وبن العاص إلى
سواع وهو صنم هذيل
ليهدمه ، وقال عمرو : فانتهيت إليه وعنده
السادن فقال : ما تريد؟ قلت : أمرني رسول
الله صلىاللهعليهوآله
أن أهدمه ، قال : لا تقدر. قلت : لم؟ قال : تمنع ، قلت : ويحك هل
يسمع أويبصر؟ فكسرته وأمرت أصحابي فهدموا بيت
خزانته ، فقلت للسادن : كيف
رأيت؟
قال : أسلمت لله.
وفيها بعث سعد بن زيد إلى مناة بالمشلل
ليهدمها ، وكانت للاوس والخزرج
وسنان
فخرج في عشرين ذلك حين فتح مكة فقال السادن : ما تريد؟ قال :
____________________
هدمها قال أنت وذاك ، فأقبل يمشي إليها
وخرجت امرأة عريانة سوداء ثائرة الرأس
تدعو بالويل وتضرب صدرها ، فضربها سعد فقتلها ،
وهدموا الصنم.
٢٨
باب
*(غزوة
حنين والطائف وأوطاس وسائر الحوادث)*
إلى غزوة تبوك
الايات : التوبة « ٩ » : لقد نصركم الله في
مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم
كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين *
ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين
كفروا وذلك جزاء الكافرين * ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله
غفور رحيم ٢٥ ـ ٢٧.
وقال تعالى : ومنهم من يلمزك في
الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها
إذاهم يسخطون « ٥٨ ».
تفسير : قوله : « في مواطن كثيرة » قال
الطبرسي رحمهالله
: وردعن الصادقين
عليهمالسلام
أنهم قالوا : إنها كانت المواطن ثمانين « ويوم حنين » أي في يوم حنين « إذ
____________________
أعجبتكم كثرتكم » أي
سرتكم وصرتم معجبين بكثرتكم ، وكان سبب انهزام
المسلمين يوم حنين أن بعضهم قال حين رأى كثرة
المسلمين : لن نغلب اليوم من قلة
فانهزموا بعد ساعة ، وكانوا اثني عشر ألفا ، وقيل
: عشرة آلاف ، وقيل : ثمانية
آلاف والاول أصح « فلم تغن عنكم شيئا » أي فلم
تدفع عنكم كثرتكم سوءا
« وضاقت
عليكم الارض بما رحبت » أى برحبها
والباء بمعنى « مع » والمعنى
لم تجدوا من الارض موضعا للفرار إليه « ثم
وليتم مدبرين » أي وليتم عن عدوكم
منهزمين « ثم أنزل الله سكينته » أي رحمة التي
تسكن إليها النفس ويزول معها
الخوف « على رسوله وعلى المؤمنين » حين رجعوا
إليهم وقاتلوهم ، وقيل : على
المؤمنين الذين ثبتوا مع رسول الله صلىاللهعليهوآله : علي والعباس في
نفر من بني هاشم عن
الضحاك ، وروى الحسن بن علي بن فضال ، عن أبي
الحسن الرضا عليهالسلام
أنه قال : السكينة ريح من الجنة تخرج طيبة لها صورة كصورة وجه الانسان ، فتكون مع
الانبياء أورده العياشي مسندا. « وأنزل جمودا
لم تروها » أراد به جنودا من
الملائكة ، وقيل : إن الملائكة نزلوا يوم حنين
لتقوية قلوب المؤمنين وتشجيعهم
ولم يباشروا القتال يومئذ ، ولم يقاتلوا إلا
يوم بدر خاصة « وعذب الذين كفروا » بالقتل والاسرو سلب الاموال والاولاد « وذلك
جزاء الكافرين » أي ذلك العذاب
جزاؤهم على كفرهم « ثم يتوب الله من بعد ذلك
على من يشاء » أي يقبل توبة من
تاب عن الشرك ورجع إلى طاعة الله والاسلام ، وندم
على ما فعل من القبيح ، أو
توبة من انهزم من بعد هزيمته.
وفي قوله تعالى : « ومنهم من يلمزك
» قال : نزلت في قسمة غنائم حنينوذكر رواية أبي سعيد الخدري كما سيأتي بروايته
في إعلام الورى ، وسيأتي تفسير
الآية في باب جمل ماجرى بينه وبين أصحابه صلىاللهعليهوآله.
١ ـ فس
: « ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت
____________________
عليكم الارض بما
رحبت ثم وليتم مدبرين » فإنه كان سبب غزات
حنين أنه
لما خرج رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى فتح مكة أظهر
أنه يريد هوازن ، وبلغ الخبر
الهوازن
فتهيؤا وجمعوا الجموع والسلاح واجتمع رؤساء هوازن إلى مالك بن
عوف النضري
فرأ سوه عليهم ، وخرجوا وساقوا معهم أموالهم ونساءهم و
ذراريهم ، ومروا حتى نزلوا بأوطاس ، وكان دريد
بن الصمة الجشمي في القوم ، و
كان رئيس جشم ، وكان شيخا كبيرا قد ذهب بصره فلمس الارض بيده فقال : في أي واد أنتم؟ قالوا : بوادي أوطاس ، قال : نعم
مجال خيل ، لا حزن ضرس ، ولا
سهل دهس ، مالي أسمع رغاء البعير ، ونهيق
الحمار ، وخوار البقر ، وثغاء الشاة
وبكاء الصبي؟ فقالوا : إن مالك بن عوف ساق مع الناس أموالهم
ونساءهم و
ذراريهم ليقاتل كل امرئ عن نفسه وماله وأهله ، فقال
دريد : راعي ضأن ورب
الكعبة ، ماله وللحرب؟ ثم قال : ادعوا لي مالكا
، فلما جاء
قال له : يا مالك
ما فعلت؟ قال : سقت مع الناس أموالهم ونساءهم
وأبناءهم ليجعل كل رجل أهله
وماله وراء ظهره فيكون أشد لحربه ، فقال : يا
مالك إنك أصبحت رئيس
قوم
وإنك تقاتل رجلا كريما ، وهذا اليوم لما بعده ولم تصنع في تقدمة بيضة هوازن
إلى نحور الخيل شيئا ، ويحك وهل يلوي المنهزم
على شئ؟ اردد بيضة هوازن
إلى عليا بلادهم وممتنع محالهم ، والق الرجال
على متون الخيل ، فإنه لا ينفعك
إلا رجل بسيفه وفرسه ، فإن كان لك لحق بك من وراءك ، وإن كانت عليك
لا تكون قد فضحت في أهلك وعيالك ، فقال له مالك
: إنك قد كبرت وكبر
____________________
علمك فلم يقبل من دريد ، فقال دريد : ما
فعلت كعب وكلاب؟ قالوا : لم
يحضر منهم أحد ، قال : غاب الجد والحزم ، لو
كان يوم علاء وسعادة ما كانت
تغيب كعب ولا كلاب ، فمن حضرها من هوازن؟ قال :
عمرو بن
عامر وعوف
ابن عامر ، قال : ذينك الجذعان لا ينفعان ولا يضران ، ثم تنفس دريد
وقال : حرب عوان.
ليتني فيها جذع * أخب فيها وأضع أقود واطفاء الزمع * كأنها شاة صدع
وبلغ رسول الله صلىاللهعليهوآله
اجتماع هوازن بأوطاس فجمع القبائل ورغبهم في
الجهاد ، ووعدهم النصر ، وأن الله قد وعده أن
يغنمه أموالهم ونساءهم وذراريهم
فرغب الناس وخرجوا على رآياتهم ، وعقد اللواء
الاكبر ، ودفعه إلى أميرالمؤمنين
عليهالسلام
، وكل من دخل مكة براية أمره أن يحملها ، وخرج في اثني عشر ألف
رجل ، عشرة آلاف ممن كانوا معه.
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليهالسلام قال : وكان معه من
بني سليم
ألف رجل رئيسهم عباس بن مرداس السلمي ، ومن
مزينة ألف رجل ، قال : فمضوا
حتى كان من القوم على مسيرة بعض ليلة ، قال : وقال
مالك بن عوف لقومه : ليصير
كل رجل منكم أهله وماله خلف ظهره واكسروا جفون
سيوفكم ، واكمنوا
في شعاب هذا الوادي وهذا الوادي وفي الشجر ، فإذا كان في غبش الصبح فاحملوا حملة رجل واحد ، وهدوا القوم ،
فإن محمدا لم يلق أحدا يحسن الحرب ، قال : فلما صلى
____________________
رسول الله صلىاللهعليهوآله الغداة انحدر في
وادي حنين وهو واد له انحدار بعيد ، وكانت بنو
سليم على مقدمته فخرج عليهم كتائب هوازن من كل ناحية ، فانهزمت بنو
سليم ، وانهزم من وراءهم ، ولم يبق أحد إلا
انهزم ، وبقي أميرالمؤمنين عليهالسلام
يقاتلهم
في نفر قليل
ومر المنهزمون برسول الله صلىاللهعليهوآله
لا يلوون على شئ ، وكان العباس
آخذا بلجام بلغة رسول الله صلىاللهعليهوآله عن يمينه ، وأبوسفيان
بن الحارث بن عبدالمطلب
عن يساره ، فأقبل رسول الله صلىاللهعليهوآله ينادي ، « يا معشر
الانصار أين إلي
، أنا
رسول الله » فلم يلو أحد عليه ، وكانت نسيبة
بنت كعب المازنية تحثو في وجوه
المنهزمين التراب ، وتقول ، أين تفرون؟ عن الله وعن رسوله؟ ومر بها عمر
فقالت له : ويلك ما هذا الذي صنعت؟ فقال لها : هذا
أمر الله ، فلما رأى رسول
الله صلىاللهعليهوآله
الهزيمة ركض نحو علي بلغته فرآه
قد شهر سيفه فقال :
يا عباس
اصعد هذا الظرب ، وناد : يا أصحاب البقرة ويا أصحاب الشجرة ، إلى أين تفرون؟
هذا رسول الله ، ثم رفع رسول الله صلىاللهعليهوآله يده فقال : « اللهم
لك الحمد إليك المشتكى
وأنت المستعان » فنزل جبرئيل فقال : يا رسول الله دعوت بما
دعا به موسى
حيث فلق له البحر ، ونجاه من فرعون ، ثم قال
رسول الله صلىاللهعليهوآله
لاني سفيان بن
الحارث : ناولني كفا من حصى ، فناوله فرماه في
وجوه المشركين ثم قال : « شاهت
الوجوه » ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : « اللهم
إن تهلك هذه العصابة لم تعبد
____________________
وإن شئت أن لا تعبد
لا تعبد » فلما سمعت الانصار نداء العباس عطفوا وكسروا
جفون سيوفهم وهم يقولون : لبيك ، ومروا برسول
الله صلىاللهعليهوآله
واستحيوا أن يرجعوا
إليه ولحقوا بالراية ، فقال رسول الله ، للعباس
: من هؤلاء يا أبا الفضل؟ فقال : يا
رسول الله هؤلاء الانصار ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « الآن حمي
الوطيس » ونزل
النصر من السماء ، وانهزمت هوازن ، وكانوا
يسمعون قعقعة السلاح في الجو و
انهزموا
في كل وجه وغنم الله
رسوله أموالهم ونساءهم وذراريهم ، وهو قول
الله تعالى : « لقد نصركم الله في مواطن كثيرة
ويوم حنين
».
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليهالسلام في قوله : « ثم أنزل
الله سكينته
على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها
وعذب الذين كفرواً وهو
القتل « وذلك جزاء الكافرين » قال : وقال رجل من بني نضر بن معاوية
يقال
له شجرة بن ربيعة ، للمؤمنين وهو أسير في
أيديهم : أين الخيل البلق ، والرجال
عليهم الثياب البيض؟ فإنما كان قتلنا بأيديهم ،
وما كنا نراكم فيهم إلا كهيئة
الشامة
قالوا : تلك الملائكة.
بيان
: أوطاس : موضع على ثلاث مراحل من مكة. والحزن : ما غلظ من
الارض. والضرس بالكسر : الاكمة الخشنة. والدهس
بالفتح : المكان السهل
اللين. والرغاء بالضم : صوت البعير. والثغاء بالفتح
: صوت الشاة والمعز وما
شاكلهما. وبيضة القوم : مجتمعهم وموضع سلطانهم.
ويقال : لا يلوي أحد على
أحد ، أي لا يلتفت ولا يعطف عليه. وقوله : وكبر
علمك أي ضعف علمك وأصابه
ضعف الكبر ، وفي بعض النسخ : وساخ علمك ، أي
غار ، وفي مجمع البيان : و
ذهب علمك
وقال الجزري : فيه : ليتني فيها جذعا ، أي ليتني كنت شابا عند
____________________
ظهور النبوة حتى
أبالغ في نصرتها.
وقال الجوهري : الخبب : ضرب من
العده ، تقول : خب الفرس يخب خبا وخبيبا : إذا
راوح بين يديه ورجليه ، و
أخبه صاحبه ، وقال : وضع البعير وغيره : أسرع
في سيره ، وقال دريد :
يا ليتني فيها جذع
|
|
أخب فيها وأضع
|
وقال الفيروز آبادي : الزمع محركة : شبه
الرعدة تأخذ الانسان ، والدهش
والخوف ، وقال : الصدع محركة من الاوعال
والظباء والحمر والابل : المتى
الشاب القوي ، وتسكن الداب. والغبش محركة : بقية
الليل ، أو ظلمة آخره.
والكتائب جمع كتيبة وهي الجيش. والظرب ككتف : الجبل
المنبسط أو الصغير. ٢ ـ ما
: جماعة عن أبي المفضل ، عن الحسن بن موسى بن خلف ، عن جعفر بن
محمد بن فضل ، عن عبدالله بن موسى العبسي ، عن طلحة بن خير المكي ، عن
المطلب بن عبدالله ، عن مصعب بن عبدالرحمن بن
عوف عن أبيه قال : لما افتتح
النبي صلىاللهعليهوآله
مكة انصرف إلى الطائف ، يعني إلى حنين فحاصرهم ثم إلى عشرة
أو سبع عشرة ، فلم يفتحها ، ثم أوغل روحة أو
غدوة ثم نزل ثم
هجر ، فقال : « أيها الناس إني لكم فرط ، وإن موعدكم
الحوض ، وأوصيكم بعترتي خيرا » ثم قال : « والذي نفسي بيده لتقيمن الصلاة
ولتؤتن الزكاة أو لابعثن إليكم
رجلا مني أو كنفسي فليضربن أعناق مقاتليكم
وليسبين ذراريكم » فرأى أناس
أنه يعني أبابكر أو عمر ، فأخذ بيد علي عليهالسلام فقال : هو هذا ، قال
المطلب بن
عبدالله : فقلت لمعصب بن عبدالرحمن : فما حمل
أباك على ما صنع؟ قال : أنا والله
أعجب من ذلك.
وأخبرنا جماعة أبي المفضل ، عن محمد بن
إسحاق بن فروخ ، عن محمد بن
____________________
عثمان بن كرامة في
مسند عبيدالله بن موسى قال : وحدثني محمد بن أحمد بن عبدالله
ابن صفوة الضرير ، وكتبه من أصل كتابه عن يوسف
بن سعيد بن مسلم المصيصي
عن عبيدالله بن موسى ، عن علي بن خير عن المطلب بن عبدالله ، عن مصعب ، عن
أبيه وذكر نحوه.
٣ ـ ما
: جماعة ، عن أبي المفضل ، عن إبراهيم
بن حفض العسكري ، عن عبيد
ابن الهيثم عن عباد بن صهيب الكلبي عن جعفر بن
محمد عن أبيه عليهماالسلام
عن جابر بن
عبدالله الانصاري قال : لما أوقع ـ وربما قال :
فزع ـ رسول الله صلىاللهعليهوآله
من هوازن
سار حتى نزل الطائف فحصر أهل وج أياما فسأله القوم أن يبرح عنهم ليقدم
عليه وفدهم فيشترط له ويشترطون لانفسهم ، فسار صلىاللهعليهوآله حتى نزل مكة فقدم
عليه : نفر منهم بإسلام قومهم ، ولم يبخع القوم له
بالصلاة ولا الزكاة ، فقال صلىاللهعليهوآله
: « إنه
لا خير في دين لا ركوع فيه ولا سجود ، أما
والذي نفسي بيده ليقيمن الصلاة و
ليؤتن الزكاة أو لابعثن إليهم رجلا هو مني
كنفسي فليضرب
أعناق مقاتليهم
وليسبين ذراريهم ، هو هذا » وأخذ بيد علي عليهالسلام فأشالها فلما صار القوم إلى
قومهم بالطائف أخبروهم بما سمعوا من رسول الله صلىاللهعليهوآله فإقر واله بالصلاة ،
وأقروا
له بما شرط عليهم ، فقال صلىاللهعليهوآله : « ما استعصى علي
أهل مملكة ولا أمة إلا رميتهم
بسهم الله عزوجل » قالوا : يا رسول الله وما
سهم الله؟ قال : علي بن أبي طالب
ما بعثه في سريه إلا رأيت جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل
عن يساره ، وملكا أمامه
وسحابة تظله حتى يعطي الله عزوجل حبيبي النصر
والظفر.
بيان
: قال الجوهري : بخع بالحق بخوعا : أقر
به وخضع له.
____________________
٤ ـ يج
: روي أن شبية بن عثمان بن أبي طلحة قال
: ما كان أحد أبغض
إلي من محمد ، وكيف لا يكون وقد قتل منا ثمانية
، كل منهم يحمل اللواء ، فلما
فتح مكة آيست مما كنت أتمناه من قتله ، وقلت في
نفسي : قد دخلت العرب في
دينه ، فمتى أدرك ثأري منه؟ فلما اجتمعت هوازن
بحنين قصدتهم لآخذ
منه
غرة فأقتله ودبرت في نفسي كيف أصنع ، فلما
انهزم الناس وبقي محمد وحده ، و
النفر الذين معه جئت من ورائه ورفعت السيف حتى
إذا كدت أحطه غشي فؤادي
فلم أطق ذلك ، فعلمت أنه ممنوع.
وروي أنه قال : رفع إلي شواظ من نار حتى
كاد أن يمحيني
ثم التفت
إلي محمد فقال لي : ادن يا شيبة فقاتل ، ووضع
يده في صدري ، فصار أحب الناس
إلي ، وتقدمت وقاتلت بين يديه ، فلو عرض لي أبي
لقتلته في نصرة رسول الله
فلما انقضى القتال دخلنا على رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال لي : « الذي
أراد الله بك خير
مما أردته لنفسك » وحدثني بجميع ما رويته في نفسي ، فقلت : ما اطلع على هذا
إلا الله وأسلمت.
بيان
: قوله : أن يمحيني ، أي يبطلني ويذهب بأثري ، يقال : محاه يمحوه
محوا ، ويمحيه محيا ويمحاه وفي بعض النسخ : يحمسني
بالحاء المهملة أي يقليني و
يحرقني ، وهو أظهر ، وفي بعضها يمحشني كما
سيأتي.
٥ ـ يج
: روي أنه لما حاصر النبي صلىاللهعليهوآله أهل الطائف قال عتبة بن
الحصين : ائذن لي حتى آتي حصن الطائف فأكلمهم ،
فأذن رسول الله صلىاللهعليهوآله
فجاءهم
فقال : أدنو منكم وأنا آمن؟ قالوا : نعم ، وعرفه
أبومحجن فقال : ادن
فدخل
____________________
عليهم ، فقال : فداكم
أبي. أمي لقد سرني ما رأيت منكم ، وما في العرب أحد
غيركم ، والله ما في محمد مثلكم ، ولقد قل
المقام وطعامكم كثير ، وماؤكم وافر
لا تخافون قطعه ، فلما خرج قال ثقيف لابي محجن :
فإنا قد كرهنا دخوله ، و
خشينا أن يخبر محمدا بخلل إن رآه فينا أو في
حصننا ، فقال أبومحجن : أنا كنت
أعرف به ، ليس أحد منا أشد على محمد منه وإن
كان معه ، فلما رجع إلى رسول الله
صلىاللهعليهوآله
قال : قلت لهم : ادخلوا في الاسلام ، فوالله لا يبرح محمد من عقر داركم حتى
تنزلوا ، فخذوا لانفسكم أمانا فخذلتهم ما
استطعت ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله
: لقد
كذبت ، لقد قلت لهم : كذا وكذا ، وعاتبه جماعة
من الصحابة ، وقال : أستغفر الله
وأتوب إليه ولا أعود أبدا.
بيان
: عقد الدار باضم : وسطها وأصلها قد يفتح.
٦ ـ شا
: ثم كانت غزاة حنين استظهر رسول الله فيها بكثرة
الجمع
فخرج صلىاللهعليهوآله
متوجها إلى القوم في عشرة آلاف من المسلمين ، فظن أكثرهم أنهم
لم يغلبوا
لما شاهدوه من جمعهم وكثرة عدتهم
وسلاحهم ، وأعجب أبابكر
الكثرة يومئذ فقال : لن نغلب اليوم من قلة ، وكان
الامر في ذلك بخلاف ما ظنوا
وعانهم أبوبكر بعجبه بهم ، فلما التقوا مع
المشركين لم يلبثوا حتى انهزموا
بأجمعهم ، ولم يبق منهم مع النبي صلىاللهعليهوآله إلا عشرة أنفس : تسعة من بني هاشم
خاصة ، وعاشرهم أيمن بن أم أيمن ، فقتل أيمن
رحمة الله عليه ، وثبتت التسعةالهاشميون حتى ثاب إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله من كان انهزم ، فرجعوا
أولا فأولا
حتى تلاحقوا ، وكانت لهم الكرة على المشركين ، وفي
ذلك أنزل الله تعالى وفي
إعجاب أبي بكر بالكثرة : « ويوم حنين إذا أعجبتكم
كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت
عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين * ثم أنزل الله سكينته على
____________________
رسوله
وعلى المؤمنين
» يعني أميرالمؤمنين عليا عليهالسلام
ومن ثبت معه من بني
هاشم ، وهم يومئذ ثمانية ، أميرالمؤمنين عليهالسلام تاسعهم : العباس بن عبدالمطلب
عن يمين رسول الله صلىاللهعليهوآله ، والفضل بن العباس
عن يساره ، وأبوسفيان بن الحارث
ممسك بسرجه عند نفر بغلته وأميرالمؤمنين عليهالسلام بين يديه يضرب
بالسيف ، و
نوفل بن الحارث وربيعة بن الحارث وعبدالله بن
الزبير بن عبدالمطلب وعتبة و
معتب ابنا أبي لهب حوله ، وقد ولت الكافة
مدبرين سوى من ذكرناه ، وفي ذلك
يقول مالك بن عبادة الغافقي :
لم يواس النبي غير بني هاشم
|
|
عند السيوف يوم حنين
|
هرب الناس غير تسعة رهط
|
|
فهم يهتفون بالناس أين
|
ثم قاموا مع النبي على الموت
|
|
فآتوا زينا لنا غير شين
|
وسوى أيمن الامين من القوم
|
|
شهيدا فاعتاض قرة عين
|
وقال العباس بن عبدالمطلب في هذا المقام
:
نصرنا رسول الله في الحرب تسعة
|
|
وقد فر من قد فر عنه فأقشعوا
|
وقولي إذا ما الفضل شد بسيفه
|
|
على القوم أخرى يا بني ليرجعوا
|
وعاشرنا لاقى الحمام بنفسه
|
|
لما ناله في الله لم يتوجع
|
يعني به أيمن بن أم أيمن رحمهالله
، ولما رأى رسول الله صلىاللهعليهوآله
هزيمة القوم
عنه قال للعباس وكان رجلا جهوريا صيتا : ناد
بالقوم ، وذكرهم العهد ، فنادى
العباس بأعلى صوته : يا أهل بيعة الشجرة ، يا
أصحاب سورة البقرة ، إلى أين تفرون؟
اذكروا العهد الذي عاهدتم عليه رسول اله صلىاللهعليهوآله ، والقوم على
وجوههم قد ولوا
مدبرين ، وكانت ليلة ظلماء ، ورسول الله صلىاللهعليهوآله في الوادي ، والمشركون
قد خرجوا
عليه من شعاب الوادي ، وجنباته ومضايقه مصلتين
سيوفهم وعمدهم
وقسيهم
____________________
قال : فنظر رسول
الله صلىاللهعليهوآله
إلى الناس ببعض وجهه في الظلماء فأضاء كأنه القمر
ليلة البدر
ثم نادى المسلمين : « أين ما عاهدتم الله عليه؟ » فأسمع أولهم وآخرهم
فلم يسمعها رجل إلا رمى بنفسه إلى الارض
فانحدروا
إلى حيث كانوا من الوادي
حتى لحقوا بالعدو فقاتلوه.
قال : وأقبل رجل من هوازن على جمل أحمر ، بيده راية سوداء
في رأس رمح طويل أمام القوم ، إذا أدرك ظفرا من
المسلمين أكب عليهم ، وإذا
فاته الناس رفعه لمن وراءه من المشركين فاتبعوه وهو يرتجز ويقول :
أنا أبوجرول لا براح
|
|
حتى نبيح القوم أو نباح
|
فصمد له أميرالمؤمنين عليهالسلام فضرب عجز بعيره
فصرعه ثم ضربه فقطره ثم
قال :
قد علم القوم لدى الصباح
|
|
إني في الهيجاء ذونصاح
|
فكانت هزيمة المشركين بقتل أبي جرول
لعنه الله ، ثم التأم الناس
وصفوا
للعدو ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « اللهم إنك أذقت
أول قريش نكالا ، فأذق آخرها
نوالا » وتجالد المسلمون والمشركون ، فلما رآهم
النبي صلىاللهعليهوآله
قام في ركابي سرجه
حتى أشرف على جماعتهم ، قال : الآن حمي الوطيس.
أنا النبي لا كذب
|
|
أنا ابن عبدالمطلب
|
فما كان بأسرع من أن ولى القوم أدبارهم وجئ بالاسرى إلى رسول
الله صلىاللهعليهوآله
مكتفين ولما قتل
أميرالمؤمنين عليهالسلام
أبا جرول وخذل القوم بقتله
____________________
وضع القوم سيوفهم فيهم ، وأميرالمؤمنين عليهالسلام يقدمهم حتى قتل
بنفسه أربعين
رجلا من القوم ، ثم كانت الهزيمة والاسر حينئذ
، وكان أبوسفيان صخر بن حرب
ابن أمية في هذه الغزاة فانهزم في جملة من
انهزم من المسلمين.
وروي
عن معاوية بن أبي سفيان أنه قال : لقيت أبي منهزما مع بني
أمية من أهل مكة ، فصحت به يا ابن حرب والله ما
صبرت من ابن عمك
، ولا
قاتلت عن دينك ، ولا كففت هؤلاء الاعراب عن
حريمك ، فقال : من أنت؟ قلت : معاوية ، قال : ابن هند؟ قلت : نعم ، قال : بأبي
وأمي ثم وقف ، واجتمع
معه الناس من أهل مكة وانضمت إليهم ، ثم حملنا على القوم فضعضعناهم ومازال
المسلمون يقتلون المشركين ويأسرون منهم حتى
ارتفع النهار ، فأمر رسول الله
صلىاللهعليهوآله
بالكف ونادى أن
لايقتل أسير من القوم ، وكانت هذيل بعث رسولا
يقال له : ابن الاكوع أيام الفتح عينا على النبي صلىاللهعليهوآله حتى علم علمه فجاء
إلى هذيل بخبره ، وأسر يوم حنين فمر به عمر بن
الخطاب ، فلما رآه أقبل على
رجل من الانصار وقال : هذا عدو الله الذي كان
علينا عينا ، هاهو أسير ، فاقتله
فضرب الانصاري عنقه ، وبلغ ذلك النبي صلىاللهعليهوآله فكره ذلك ، وقال :
« ألم آمركم
أن لا تقتلوا أسيرا؟ » وقتل بعده جميل بن معمر
بن زهير وهو أسير ، فبعث رسول
الله صلىاللهعليهوآله
إلى الانصار وهو مغضب فقال : « ما حملكم على قتله وقد جاءكم الرسول
أن لا تقتلوا أسيرا؟ » فقالوا : إنما قتلناه
بقول عمر ، فأعرض رسول الله صلىاللهعليهوآله
حتى
كلمه عمير بن وهب في الصفح عن ذلك ، وقسم رسول
الله (ص) غنائم حنين في قريش
خاصة ، وأجزل القسم للمؤلفة قلوبهم كأبي سفيان صخر بن حرب
، عكرمة
____________________
ابن أبي جهل ، وصفوان
بن أمية ، والحارث بن هشام ، وسهيل بن عمرو ، وزهير
ابن أبي أمية ، وعبد الله بن أبي اُميّة ، ومعاوية
بن أبي سفيان ، وهشام بن المغيرة
والاقرع بن حابس ، وعبينة بن حصن في أمثالهم ، وقيل
: إنه جعل للانصار شيئا
يسيرا ، وأعطى الجمهور لمن سميناة ، فغضب قوم
من الانصار لذلك ، وبلغ رسول
الله صلىاللهعليهوآله
عنهم مقال أسخطه ، فنادى فيهم فاجتمعوا وقال
لهم : اجلسوا ولا يقعد
معكم أحد من غيركم ، فلما قعدوا جاء النبي صلىاللهعليهوآله يتبعه أميرالمؤمنين
صلوات الله
عليهما حتى جلس وسطهم وقال لهم : إني سائلكم عن أمر
فأجيبوني عنه
فقالوا : قل : يا رسول الله ، قال : « ألستم
كنتم ضالين فهداكم الله بي؟ » فقالوا : بلى
فلله المنة ولرسوله ، قال : « ألم تكونوا على شفا حفرة من النار فأنقذكم
الله بي؟ » قالوا : بلى فلله المنة ولرسوله ، قال
: « ألم تكونوا قليلا فكثركم الله
بي؟ » قالوا : بلى فلله المنة ولرسوله ، قال :
« ألم تكونوا أعداء فألف الله بين
قلوبكم بي؟ » قالوا : بلى فلله المنة ولرسوله ،
ثم سكت النبي صلىاللهعليهوآله
هنيئة
ثم قال : « ألا تجيبوني بما عندكم؟ » قالوا : بم
نجيبك فداؤك آباؤنا وأمها تناقد
أجبناك بأن لك الفضل والمن والطول علينا ، قال
: « أما لو شئتم لقلتم : وأنت قد
كنت جئتنا طريدا فآويناك ، وجئتنا خائفا فآمناك
، وجئتنا مكذ با فصد قناك » فارتفعت
أصواتهم بالبكاء ، وقام شيوخهم وساداتهم إليه فقبلوا يديه ورجليه
ثم قالوا : رضينا بالله وعنه ، وبرسوله وعنه ، وهذه
أموالنا بين يديك ، فإن شئت
فاقسمها على قومك ، وإنما قال من قال منا على
غير وغر
صدر وغل في قلب
ولكنهم ظنوا سخطا عليهم وتقصيرا لهم ، وقد استغفروا الله من ذنوبهم
فاستغفر
لهم يا رسول الله ، فقال النبي صلىاللهعليهوآله : « اللهم اغفر
للانصار ولابناء الانصار ، و
____________________
لابناء أبناء
الانصار ، يا معشر الانصار أما ترضون أن يرجع غيركم بالشاء والنعم
وترجعون
أنتم وفي سهمكم رسول الله؟ » قالوا : بلى رضينا ، قال النبي صلىاللهعليهوآله
حنيئذ : « الانصار كرشي وعيبتي ، لوسلك الناس
واديا وسلكت الانصار شعبا لسلكت
شعب الانصار ، اللهم اغفر للانصار ».
وقد كان رسول الله صلىاللهعليهوآله أعطى العباس بن
مرداس أربعا
من الابل فسخطها
وأنشأ يقول :
أتجعل نهبي ونهب العبيد
|
|
بين عيينة والاقرع
|
فما كان حصن ولا حابس
|
|
يفوقان شيخي في المجمع
|
وما كنت دون امرئ منهما
|
|
ومن تضع اليوم لم يرفع
|
فبلغ النبي صلىاللهعليهوآله قوله فاستحضره وقال
له : أنت القائل : أتجعل نهبي ونهب
العبيد بين الاقرع وعيينة؟ فقال له أبوبكر : بأبي
أنت وأمي لست بشاعر ، فقال : وكيف؟ قال : قال : بين عيينة والاقرع ، فقال
رسول الله صلىاللهعليهوآله
لاميرالمؤمنين
عليهالسلام
: قم يا علي واقطع لسانه ، قال : فقال العباس بن مرداس : والله لهذه
الكلمة كانت أشد علي من يوم خثعم حين أتونا في
ديارنا ، فأخذ بيدي علي بن
أبي طالب عليهالسلام
فانطلق بي واوأدري
أن أحدا يخلصني منه لدعوته ، فقلت : يا علي إنك لقاطع لساني؟ قال : إني لممض فيك ما
أمرت ، قال : ثم مضى بي
فقلت : يا علي إنك لقاطع لساني؟ قال إني لممض
فيك ما أمرت قال : فما
زال بي حتي أدخلني الحظاير فقال لي اعقل ما بين أربع إلى مائة ، قال : فقلت : بأبي أنت وأمي ما أكرمكم وأحلمكم وأعلمكم؟ قال :
فقال : إن رسول الله صلىاللهعليهوآله
أعطاك أربعا وجعلك مع المهاجرين ، فإن شئت فخذها ، وإن شئت فخذ المائة و
____________________
كن مع أهل المائة ، قال : قلت : أشر علي ، قال : فإني
آمرك أن تأخذ ما
أعطاك رسول الله (ص) وترضى ، قلت : فإني أفعل ،
ولما قسم رسول الله صلىاللهعليهوآله
غنائم حنين أقبل رجل طويل آدم أحنى بين عينيه أثر السجود ، فسلم
ولم يخص
النبي صلىاللهعليهوآله
، ثم قال : قد رأينك وما صنعت في هذه الغنائم ، قال : وكيف
رأيت؟ قال : لم أرك عدلت ، فغضب رسول الله (ص)
وقال : ويلك إذا لم يكن العدل
عندي فعند من يكون؟ فقال المسلمون : ألا نقتله؟
قال : « دعوه فإنه
سيكون
له أتباع يمرقون من الدين كما يمرق السهم من
الرمية ، يقتلهم الله على يد أحب
الخلق إليه من بعدي » فقتله أميرالمؤمنين علي
بن أبي طالب عليهالسلام
فيمن قتل يوم
النهروان من الخوارج.
بيان
: عانه يعينه عينا : أصابه بالعين. وأقشع الريح السحاب : كشفته
فأقشع وانقشع. وقولي مبتداء وأخرى خبره ، أي
أحمل حملة أخرى ، والجملة
حالية ، أو التقدير كأن قولي ، والحمام ككتاب :
الموت أوقدره ، وفي النهاية : جهوري أي شديد عال ، والواو زائدة. قوله : « يا
اصحاب سورة البقرة » كأنه
وبخهم بذلك لقوله تعالى فيها : « فلما كتب عليهم القتال
تولوا إلا قليلا منهم
» أو لاختتامها بقوله : « فانصرنا على القوم الكافرين » أولا شتمالها على آيات
الجهاد كقوله تعالى : « واقتلوهم حيث ثقفتموهم » وقوله : « وقاتلوهم حتى
لا تكون فتنة » كما ورد في أخبار العامة هذا مقام
الذي أنزل عليه سورة البقرة
وقالوا : حضها لان معظم أحكام المناسك فيها سيما ما
يتعلق بوقت الرمي انتهى
أو لان أكثر آيات النفاق وذم المنافقين فيها ، أولانها
أول سورة ذكر فيها قصة
مخالفة بني إسرائيل موسى بعبادة العجل ، وترك
دخول باب حطة ، والجهاد مع
____________________
العمالقة ، أو أراد
جماعة حفظوا سورة البقرة تعريضا بأنه لا يناسب حالهم تلك فعلهم
ذلك ، هذه الوجوه خطر بالبال في ذلك ، وفي أكثر
روايات المخالفين « يا أصحاب
السمرة » فقط ، وهي الشجرة التي بايعوا تحتها
بيعة الرضوان ويقال : طعنه فقطره
تقطيرا ، أي ألقاء على أحد قطريه ، وهما جانباه
، فتقطر ، أي سقط.
وقال الجزري : في حديث حنين الآن حمي الوطيس ، الوطيس
: التنور ، و
هو كناية عن شدة الامر واضطرام الحرب ، ويقال :
إن هذه الكلمة أول من
قالها النبي صلىاللهعليهوآله
لما اشتد البأس يومئذ ، ولم تسمع قبله ، وهي من أحسن الاستعارات
وقال في موضع آخر : الوطيس شبه التنور ، وقيل :
هو الضراب في الحرب ، و
قيل : هو الوطئ الذي يطس الناس ، أي يدقهم ، وقال
الاصمعي : هو حجارة
مدورة إذا حميت لم يقدر أحد أن يطأها ، عبر به
عن اشتباك الحرب وقيامها على
ساق. وقال : فيه الانصار كرشي وعيبتي ، أراد
أنهم بطانته وموضع سره و
أمانته ، والذين يعتمد عليهم في أموره ، واستعار
الكرش والعيبة لذلك لان المجتر
يجمع علفه في كرشه ، والرجل يصنع ثيابه في عيبة
، وقيل : أراد بالكرش الجماعة
أي جماعتي وصحابتي ، يقال : عليه كرش من الناس ،
أي جماعة.
وقال الفيروز آبادي : الكرش بالكسر
وككتف لكل مجتر بمنزلة المعدة
للانسان.
قوله صلىاللهعليهوآله
: بين الاقرع وعبينة ، لعله صلىاللهعليهوآله
إنما تعمد ذلك لئلا يجري على
لسانه الشعر فلم يفهم أبوبكر ، والآدم من الناس : الاسمر.
أقول : زاد الطبرسي رحمهالله بعد قوله صلىاللهعليهوآله : لسلكت شعب
الانصار : ولولا
الهجرة لكنت امرأ من الانصار ، وساق القصة نحوه
في التفسير.
٧ ـ شا
: لما فض الله تعالى جمع المشركين بحنين
تفرقوا فرقتين ، فأخذت
الاعراب ومن تبعهم إلى أوطاس ، وأخذت ثقيف ومن
تبعها إلى الطائف ، فبعث
____________________
النبي صلىاللهعليهوآله أبا عامر الاشعري
إلى أوطاس في جماعة ، منهم أبوموسى الاشعري
وبعث أباسفيان صخرا إلى الطائف ، فأما أبوعامر فإنه تقدم
بالراية وقاتل
حتى قتل دونها ، فقال المسلمون لابي موسى : أنت
ابن عم الامير وقد قتل ، فخذ
الراية حتى نقاتل دونها ، فأخذها أبوموسى فقاتل
المسلمون
حتى فتح الله عليهم
وأما أبوسفيان فإنه لقيته ثقيف فضربوه على وجهه
فانهزم ورجع إلى النبي صلىاللهعليهوآله
فقال : بعثتني مع قوم لا يرفع بهم الدلاء من
هذيل والاعراب ، فما أغنوا عني
شيئا ، فسكت النبي صلىاللهعليهوآله عنه ، ثم سار بنفسه
إلى الطائف فحاصرهم أياما ، وأنفذ
أميرالمؤمنين عليهالسلام
في خيل ، وأمره أن يطأ ما وجده
ويكسر كل صنم وجده
فخرج حتى لقيته خيل خثعم في جمع كثير فبرز لهم
رجل من القوم يقال له : شهاب
في غبش الصبح فقال : هل من مبارز؟ فقال أميرالمؤمنين
عليهالسلام
: من له؟ فلم
يقم إليه أحد ، فقام إليه أميرالمؤمنين عليهالسلام فوثب أبوالعاص بن
الربيع زوج بنت
النبي
صلىاللهعليهوآله
فقال : تكفاء أيها الامير ، فقال : لا ، ولكن إن قتلت فأنت على
الناس ، فبرز إليه أميرالمؤمنين صلوات الله
وسلامه عليه وهو يقول :
إن على كل رئيس حقا
|
|
أن يروي الصعدة أو يدقا
|
ثم ضربه وقتله ومضى في تلك الخيل حتى كسر الاصنام ، وعاد
إلى
رسول الله (ص) وهو محاصر أهل الطائف فلما رآه النبي صلىاللهعليهوآله كبر للفتح ، و
أخذ بيده فخلا به وناجاه طويلا ، فروى
عبدالرحمن بن سيابة والاجلح جميعا
عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبدالله الانصاري
أن رسول الله صلىاللهعليهوآله
لما خلى بعلي
____________________
عليهالسلام
يوم الطائف أتاه عمر بن الخطاب فقال : أتناجيه دوننا؟ وتخلوبه دوننا؟ فقال : يا عمر ما أنا انتجيته ، بل الله انتجاه ، قال :
فأعرض عمر وهو يقول : هذا كماقلت
لنا قبل
الحديبية لتدخلن المسجد الحرام أنشاءالله آمنين فلم ندخله. وصددنا
عنه ، فناداه النبي صلىاللهعليهوآله : لم أقل لكم : إنكم
تدخلونه في ذلك العام ، ثم خرج
من حصن الطائف نافع بن غيلان بن معتصب في خيل
من ثقيف ، فلقيه أميرالمؤمنين
عليهالسلام
ببطن وج فقتله ، وانهزم المشركون ولحق القوم الرعب ، فنزل منهم جماعة
إلى النبي (ص) فأسلموا ، وكان حصار النبي صلىاللهعليهوآله للطائف بضعة عشر يوما
توضيح : قال الجزري : في حديث الاحنف :
إن على كل رئيس حقا
|
|
أن يخضب الصعدة أو تندقا
|
الصعدة : القناة التي تنبت مستقيمة. ووج
بالتشديد : اسم بلد بالطائف.
٨ ـ شى
: عن سماعة ، عن أبي عبدالله أوأبي
الحسن عليهماالسلام
قال : ذكر أحدهما
أن رجلا دخل على رسول الله صلىاللهعليهوآله يوم غنيمة حنين
وكان يعطي المؤلفة قلوبهم
يعطي الرجل منهم مائة راحلة ونحو ذلك ، وقسم
رسول الله صلىاللهعليهوآله
حيث أمر ، فأتاه
ذلك الرجل قد أزاغ الله قلبه وران عليه ، فقال
له : ما عدلت حين قسمت ، فقال له
رسول الله صلىاللهعليهوآله
: ويلك ما تقول؟ ألا ترى قسمت الشاة حتى لم يبق معي شاة؟
أولم أقسم البقر حتى لم يبق معي بقرة واحدة؟
أولم أقسم الابل حتى لم يبق
معي بعير واحد؟ فقال بعض أصحابه له : اتركنا يا
رسول الله حتى نضرب عنق هذا
الخبيث ، فقال : لا هذا يخرج في قوم يقرؤن
القرآن لا يجوز تراقيهم ، بلى قاتلهم
غيري.
٩ ـ عم
: كان سبب غزوة حنين أن هوازن جمت له
جمعا كثيرا فذكر لرسول
الله صلىاللهعليهوآله
أن صفوان بن أمية عنده مائة درع ، فسأله ذلك ، فقال : أغصبا يا محمد؟
____________________
قال : لا ، ولكن عارية مضمونة قال : لا بأس بهذا ، فأعطاه ، فخرج
رسول الله
صلىاللهعليهوآله
في ألفين من مكة وعشرة آلاف كانوا معه ، فقال أحد أصحابه : لن نغلب اليوم
من قلة ، فشق ذلك على رسول الله (ص) ، فأنزل
الله سبحانه : « ويوم حنين إذ أعجبتكم
كثرتكم » الآية.
وأقبل مالك بن عوف النصري فيمن معه من
قبائل قيس وثقيف ، فبعث
رسول الله عبدالله بن أبي حدرد عينا فسمع ابن
عوف يقول : يا معشر هوازن إنكم
أحد العرب وأعده ، وإن هذا الرجل لم يلق قوما يصدقونه القتال ، فإذا
لقيتموه فاكسروا جفون سيوفكم ، واحملوا عليه
حملة رجل واحد ، فأتى ابن أبي
حدرد رسول الله (ص) فأخبره ، فقال عمر : ألا تسمع يا رسول الله ما يقول ابن
أبي حدرد؟ فقال : « قد كنت ضالا فهداك الله يا
عمر ، وابن أبي حدرد صادق ».
قال الصادق عليهالسلام
: وكان مع هوازن دريد بن صحه
خرجوا به شيخا كبيرا
يتيمنون برأيه فلما نزلوا بأوطاس قال : نعم
مجال الخيل ، لا حزن ضرس ، ولا سهل
دهس ، مالي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير
وبكاء الصغير؟ قالوا ساق مالك بن عوف
مع الناس أموالهم ونساءهم وذراريهم ، قال : فأين
مالك؟ فدعي مالك له فأتاه فقال : يا مالك أصبحت رئيس قومك وإن هذا يوم كائن له
ما بعده من الايام ، مالي أسمع
رغاء البعير ونهاق الحمير وبكاء الصغير وثغاء
الشاء؟ قال : أردت
أن أجعل خلف
____________________
كل رجل أهله وماله
ليقاتل عنهم ، قال : ويحك لم تصنع شيئا ، قدمت بيضة هوازن
في نحور الخيل ، وهل يرد وجه المنهزم شئ ، إنها
إن كانت لك لم ينفعك إلارجل
بسيفه ورمحه ، وإن كانت عليك فضحت في أهلك
ومالك ، قال : إنك قد كبرت و
كبر عقلك ، فقال دريد : إن كنت قد كبرت فتورث
غدا قومك ذلا بتقصير رأيك
وعقلك ، هذا يوم لم أشهده ولم أغب عنه ، ثم قال
: حرب عوان.
يا ليتني فيها جذع
|
|
أخب فيها وأضع
|
قال جابر : فسرنا حتى إذا استقبلنا وادي
حنين ، كان القوم قد كمنوا في
شعاب الوادي ومضايقه ، فماراعنا إلا كتائب
الرجل بأيديها السيوف والعمدوالقنى
فشدوا علينا شدة رجل واحد ، فانهزم الناس
راجعين لايلوي أحد على أحد ، وأخذ
رسول الله صلىاللهعليهوآله
ذات اليمين ، وأحدق ببغلته تسعة من بني عبدالمطلب ، وأقبل مالك
ابن عوف يقول : أروني محمدا ، فأروه فحمل على
رسول الله (ص) ، وكان رجلا أهوج
فلقيه رجل من المسلمين فالنقيا فقتله مالك ، وقيل
: إنه أيمن بن أم أيمن ، ثم
أقدم فرسه فأبى أن يقدم نحو رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وصاح كلدة بن
الحنبل وهو
أخو صفوان بن أمية لامه وصفوان يومئذ مشرك : ألا
بطل السحر اليوم ، فقال
صفوان : اسكت فض الله فاك ، فوالله لان يربني رجل من قريش أحب إلي من
أن يربني رجل من هوازن.
قال محمد بن إسحاق : وقال شيبة بن عثمان
بن أبي طلحة أخو بني عبدالدار : اليوم أدرك ثاري ـ وكان أبوه قتل يوم أحد ـ اليوم
أقتل محمدا ، قال : فأدرت برسول
الله لاقتله ، فأقبل شئ حتى تغشى فؤادي ، فلم
أطق ذلك فعرفت أنه ممنوع.
وروى عكرمة عن شيبة قال : لما رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآله
يوم حنين قد عري
ذكرت أبي وعمي وقتل علي وحمزة إياهما ، فقلت : أدرك
ثأري اليوم من محمد
فذهبت لاجيئه عن يمينه فاذا أنا بالعباس بن
عبدالمطلب قائما عليه درع بيضاء
____________________
كأنها فضة يكشف عنها
العجاج ، فقلت : عمه ولن يخذله ، ثم جئته عن يساره
فإذا أنا بأبي سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب ، فقلت
: ابن عمه ولن يخذله ، ثم
جئته من خلفه فلم يبق إلا أن أسوره سورة بالسيف
إذرفع لي شواظ من نار بيني و
بينه كأنه برق ، فخفت أن يمحشني ، فوضعت يدي على
بصري. مشيت القهقرى
والنفت رسول
الله صلىاللهعليهوآله
وقال : « يا شيب يا شيب ادن مني ، اللهم أذهب عنه
الشيطان » قال : فرفعت إليه بصري ولهو أحب إلي
من سمعي وبصري ، وقال : يا
شيب قاتل الكفار.
وعن موسى بن عقبة قال : قام رسول الله صلىاللهعليهوآله في الركابين وهو
على البغلة
فرفع يديه إلى الله يدعو ويقول : « اللهم إني
أنشدك ما وعدتني ، اللهم لا ينبغي
لهم أن يظهروا علينا » ونادى أصحابه وذمرهم : «
يا أصحاب البيعة يوم الحديبية
الله الله الكرة على نبيكم » وقيل : إنه قال :
« يا أنصار الله وأنصار رسوله
يا بني
الخزرج » وأمر العباس بن عبدالمطلب فنادى في
القوم بذلك
فأقبل إليه أصحابه
سراعا يبتدرون.
وروي أنه صلىاللهعليهوآله
قال : « الآن حمي الوطيس ، أنا النبي لا كذب ، أنا ابن
عبدالمطلب » قال سلمة بن الاكوع : ونزل رسول
الله صلىاللهعليهوآله
عن البغلة ثم قبض
قبضة من تراب ، ثم استقبل به وجوههم وقال : « شاهت
الوجوه » فما خلق الله منهم
إنسانا إلا ملا عينه ترابا بتلك القبضة ، فولوا
مدبرين ، وأتبعهم
المسلمون فقتلوهم
وغنمهم الله نساءهم وذراريهم وشاءهم وأموالهم ،
وفر مالك بن مالك بن عوف حتى دخل
حصن الطائف في ناس من أشراف قومه وأسلم عند ذلك كثير من أهل مكة حين
رأوا نصر الله وإعزاز دينه.
____________________
قال أبان : وحدثني محمد بن الحسن بن
زياد ، عن أبي عبدالله عليهالسلام
قال : سبى
رسول الله صلىاللهعليهوآله
يوم حنين أربعة آلاف رأس ، واثنى عشر ألف ناقة ، سوى مالا يعلم
من الغنائم ، وخلف رسول الله صلىاللهعليهوآله الانفال والاموال
والسبايا بالجعرانة ، وافترق
المشركون فرقتين : فأخذت الاعراب ومن تبعهم
أوطاس ، وأخذت ثقيف ومن
تبعهم الطائف ، وبعث رسول الله صلىاللهعليهوآله أبا عامر الاشعري
إلى أوطاس
فقاتل حتى قتل ، فأخذ الراية أبوموسى الاشعري وهو ابن عمه
فقاتل بها حتى
فتح عليه.
ثم كانت غزوة الطائف ، سار رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى الطائف في شوال
سنة ثمان
فحاصرهم بضعة عشر يوما ، وخرج نافع بن غيلان بن
معتب في خيل من ثقيف
فلقيه علي عليهالسلام
في خيله فالتقوا ببطن وج فقتله علي عليهالسلام
، وانهزم المشركون
ونزل من حصن الطائف إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله جماعة من أرقائهم
منهم أبوبكرة ، و
كان عبدا للحارث بن كلدة ، والمنبعث وكان اسمه
المضطجع ، فسماه رسول الله (ص)
المنبعث ، ووردان وكان عبدا لعبد الله بن ربيعة
فأسلموا ، فلما قدم وفد الطائف
على رسول الله فأسلموا قالوا : يا رسول الله رد علينا رقيقنا الذين
أتوك ، فقال : لا ، أولئك عتقاءالله.
وذكر الواقدي عن شيوخه قال : شاور رسول
الله صلىاللهعليهوآله
أصحابه في حصن
الطائف ، فقال له سلمان الفارسي : يا رسول الله
أرى أن تنصب المنجنيق على حصنهم
فأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله
فعمل منجنيق ، ويقال : قدم بالمنجنيق يزيد بن زمعة ودبابتين
____________________
ويقال : خالد بن
سعيد ، فأرسل عليهم ثقيف سكك
الحديد محماة بالنار ، فأحرقت
الدبابة ، فأمر رسول الله بقطع أعنابهم
وتحريقها ، فنادى سفيان بن عبدالله الثقفي : لم تقطع أموالنا؟ إما أن تأخذها إن ظهرت علينا ،
وإما أن تدعها لله والرحم ، فقال
رسول الله صلىاللهعليهوآله
: فإني أدعها لله والرحم ، فتركها.
وأنفذ رسول الله صلىاللهعليهوآله عليا في خيل عند
محاصرته أهل الطائف ، وأمر
أن يكسر كل صنم وجده ، فخرج فلقيته جمع كثير من خثعم فبرزله رجل من
القوم وقال : هل من مبارز؟ فلم يقم أحد فقام إليه علي عليهالسلام فوثب أبوالعاص
ابن الربيع زوج بنت النبي صلىاللهعليهوآله فقال : تكفاه أيها
الامير فقال : لا ، ولكن إن
قتلت فأنت على الناس ، فبرز إليه علي عليهالسلام وهو يقول :
إن على كل رئيس حقا
|
|
أن تروي الصعدة أو تندقا
|
ثم ضربه فقتله ومضى حتى كسر الاصنام ، وانصرف
إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله
وهو بعد محاصر لاهل الطائف ينتظره ، فلما رآه
كبر وأخذ بيده وخلابه.
فروى جابر بن عبدالله قال : لما خلا رسول الله صلىاللهعليهوآله
بعلي بن أبي طالب
عليهالسلام
يوم الطائف أتاه عمر بن الخطاب فقال : أتناجيه دوننا؟ وتخلوبه دوننا؟ فقال : يا عمر ما أنا انتجيته ، بل الله انتجاه ، قال : فأعرض وهو يقول : هذا كما قلت لنا
يوم الحديبية : « لتدخلن المسجد الحرام إن شاء
الله آمنين محلقين » فلم ندخله ، و
صددنا عنه ، فناداه صلىاللهعليهوآله : « لم أفل لكم
إنكم تدخلونه ذلك العام ».
قال : فلما قدم علي فكأنما كان رسول الله صلىاللهعليهوآله
على وجل فارتحل ، فنادى
سعيد بن عبيد : ألا إن الحي مقيم ، فقال : لا
أقمت ولاظعنت ، فسقط فانكسر فخذه
وعن محمد بن إسحاق : قال : حاصر رسول الله (ص)
أهل الطائف ثلاثين ليلة أو قريبا
من ذلك ، ثم انصرف عنهم ولم يؤذن فيهم فجاءه
وفده في شهر رمضان فأسلموا.
ثم رجع رسول الله إلى الجعرانة بمن معه من الناس
وقسم بها ما أصاب من
____________________
الغنائم يوم حنين في المؤلفة قلوبهم من قريش
ومن سائر العرب ، ولم يكن في
الانصار منها شي قليل ولا كثير ، قيل : إنه جعل
للانصار شيئا يسيرا ، وأعطى
الجمهور للمتألفين قال محمد بن إسحاق : وأعطى أباسفيان بن حرب مائة بعير
ومعاوية ابنه مائة بعير ، وحكيم بن حزام من بني
أسد بن عبدالعزى
مائة بعير
وأعطى النضر بن الحارث بن كلدة مائة بعير ، وأعطى العلاء بن حارثة
الثقفي
حليف بني وهدة مائة بعير وأعطى الحارث بن هشام من بني مخزوم
مائة ، و
جبير بن مطعم من بني نوفل بن عبد مناف مائة ، ومالك
بن عوف النصري
مائة
فهؤلاء أصحاب المائة ، وقيل : إنه أعطى علقمة
بن علاثة مائة ، والاقرع بن حابس
مائة ، وعيينة بن حصن مائة ، وأعطى العباس بن
مرداس أربعا
فتسخطها ، أنشأ يقول :
أتجعل نهبي ونهبي ونهب العبيـ
|
|
ـد بين عيينة والاقرع
|
____________________
فما كان حصن ولا حابس
|
|
يفوقان مرداس في مجمع
|
وما كنت امرئ منهما
|
|
ومن تضع اليوم لايرفع
|
وقد كنت في الحرب ذا تدرأ
|
|
فلم أعط شيئا ولم أمنع
|
فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله : أنت القائل : أتجعل
نهبي ونهب العبيد بين الاقرع
وعيينة؟ فقال أبوبكر : بأبي أنت وأمي لست بشاعر
، قال : كيف؟ قال : فأنشده
أبوبكر
، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
: يا علي قم إليه فاقطع لسانه ، قال عباس : فوالله
لهذه الكلمة كانت أشد علي من يوم خثعم ، فأخذ
علي بيدي فانطلق بي ، وقلت : يا علي إنك لقاطع لساني؟ قال : إني ممض فيك ما أمرت ، حتى أدخلني الحظائر ، فقال : اعقل ما بين أربعة إلى مائة ، قال : قلت : بأبي أنتم وأمي ما أكرمكم
وأحلمكم
وأجملكم وأعلمكم؟ فقال لي : إن رسول الله (ص)
أعطاك أربعا ، وجعلك مع المهاجرين
فإن شئت فخذها ، وإن شئت فخذ المائة وكن مع أهل
المائة ، فقال : فقلت لعلي
عليهالسلام
: أشر أنت علي ، قال : فإني آمرك أن تأخذ ما أعطاك وترضى ، قال : فإني أفعل.
قال : وغضب قوم من الانصار لذلك وظهر
منهم كلام
قبيح حتى قال
قائلهم : لقي الرجل أهله وبني عمه ، ونحن أصحاب
كل كريهة.
فلما رأى رسول الله صلىاللهعليهوآله ما دخل على الانصار
من ذلك ، أمرهم
أن يقعدوا ولا يقعد معهم غيرهم ، ثم أتاهم شبه
المغضب يتبعه علي عليهماالسلام
حتى جلس
وسطهم ، فقال : « ألم آتكم وأنتم على شفا حفرة
من النار فأنقذكم الله منها بي؟ »
____________________
قالوا : بلى ، ولله ولرسوله المن والطول
والفضل علينا ، قال : « ألم آتكم و
أنتم أعدآء فألف الله بين قلوبكم بي؟ » قالوا :
أجل ، ثم قال : « ألم آتكم وأنتم
قليل فكثر كم الله بي؟ » وقال ماشاءالله أن
يقول ، ثم سكت ، ثم قال : « ألا تجيبوني؟ » قالوا : بم نجيبك يا رسول الله فداك أبونا
وأمنا؟ لك المن والفضل والطول ، قال : « بل لوشئتم قلتم : جئتنا طريدا مكذبا
فآويناك وصدقناك ، وجئتنا خائفا فآمناك » فارتفعت أصواتهم
وقام إليه شيوخهم ، فقبلوا يديه ورجليه وركبتيه ، ثم قالوا : رضينا عن الله وعن رسوله ، وهذه أموالنا أيضا بين يديك فاقسمها بين قومك إن شئت
فقال : « يا معشر الانصار أوجدتم في أنفسكم إذا
قسمت مالا أتألف به قوما ، ووكلتم
إلى إيمانكم؟ أما ترضون أن يرجع غيركم بالشاء
والنعم ، ورجعتم أنتم ورسول الله
في سهمكم؟ » ثم قال صلىاللهعليهوآله : « الانصار كرشي
وعيبتي ، لوسلك الناس واديا وسلك
الانصار شعبا لسلكت شعب الانصار ، اللهم اغفر
للانصار ، ولابناء الانصار ، ولابناء
أبناء الانصار ». قال : وقد كان فيما سبي أخته
بنت حليمة ، فلما قامت على
رأسه قالت : يا محمد أختك سبي بنت حليمة ، قال :
فنزع رسول الله (ص) برده فبسطه
لها فأجلسها عليه ، ثم أكب عليها يسائلها ، وهي التي كانت تحضنه إذا
كانت
أمها ترضعه.
وأدرك وفد هوازن رسول الله صلىاللهعليهوآله بالجعرانة وقد
أسلموا ، فقالوا : يا رسول
الله لنا أصل وعشيرة ، وقد أصابنا من البلاء ما
لم يخف عليك ، فامنن علينا من الله
عليك ، وقام خطيبهم زهير بن صرد فقال : يا رسول
الله إنا لو ملحنا الحارث بن
أبي شمر أو النعمان بن المنذر ثم ولى منا مثل
الذي وليت لعاد علينا بفضله وعطفه
وأنت خير المكفولين ، وإنما في الحظائر خالاتك وبنات خالاتك ، وحواضنك
وبنات حواضنك اللاتي أرضعنك ، ولسنا نسألك مالا
إنما نسألكهن ، وقد كان
____________________
رسول الله قسم منهن
ما شاءالله ، فلما كلمة أخته قال : أما نصيبي ونصيب بني
عبدالمطلب فهو لك ، وأما ما كان للمسلمين
فاستشفعي بي عليهم ، فلما صلوا الظهر
قامت فتكلمت وتكلموا فوهب لها الناس أجمعون إلا ألا قرع بن حابس وعيينة
ابن حصن ، فإنهما أبيا أن يهبا ، وقالوا : يا
رسول الله إن هؤلاء قوم قد أصابوا من
نسائنا ، فنحن نصيب من نسائهم مثل ما أصابوا ، فأقرع
رسول الله صلىاللهعليهوآله
بينهم ثم
قال : « اللهم توه سهميهما » فأصاب أحدهما
خادما لبني عقيل ، وأصاب الآخر خادما
لبني نمير ، فلما رأيا ذلك وهباما منعا قال : ولولا
أن النساء وقعن في القسمة لوهبهن
لها كما وهب ما لم يقع في القسمة ، ولكنهن وقعن
في أنصباء
الناس فلم يأخذ
منهم إلا بطيبة النفس.
وروي أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : « من أمسك منكم
بحقه فله بكل إنسان
ست فرايض من أول فيئ يصيبه » فردوا إلى الناس
نساءهم وأبناءهم. قال : وكلمته
أخته في مالك بن عوف فقال : إن جاءني فهو أمن ،
فأتاه فرد عليه ماله ، وأعطاه
مائة من الابل.
وروى الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي
سعيد الخدري قال : بينا نحن عند
رسول الله وهو يقسم إذا أتاه ذو الخويصرة رجل من بني تميم ، فقال : يا رسول الله
اعدل
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
: « ويلك من يعدل إن أنالم أعدل؟ وقد خبت أو خسرت إن
أنا لم أعدل » فقال عمر بن الخطاب : يا رسول
الله ائذن لي فيه أضرب عنقه ، فقال
رسول الله صلىاللهعليهوآله
: « دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاته وصيامه
مع صيامه
يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الاسلام كما يمرق
السهم من الرمية ، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه
شئ ، ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد
فيه شئ ، ثم ينظر إلى نضيه وهو قدحه فلا يوجد
فيه شئ ، ثم ينظر في قذذه فلا
____________________
يوجد فيه شئ ، قد
سبق الفرث والدم ، آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي
المرأة ، أو مثل البضعة ، تدردر ، يخرجون على
خير فرقة من الناس ».
قال أبوسعيد : فأشهد أني سمعت هذا من
رسول الله صلىاللهعليهوآله
، وأشهد أن علي
ابن أبي طالب عليهالسلام
قاتلهم وأنا معه ، وأمر بذلك الرجل فالتمس فوجد فأتي به
حتى نظرت إليه على نعت رسول الله الذي نعت ، رواه
البخاري في الصحيح.
قالوا : ثم ركب رسول الله صلىاللهعليهوآله
وانبعه الناس يقولون : يا رسول الله اقسم
علينا فيئنا ، حتى ألجؤه إلى شجرة فانتزع عنه
رداؤه ، فقال : « أيها الناس ردوا
علي ردائي ، فو الذي نفسي بيده لو كان عندي عدد
شجرتها نعما لقسمته عليكم
ثم ما ألفيتموني بخيلا ولا جبانا » ثم قام إلى
جنب بعير وأخذ من سنامه وبرة
فجعلها بين أصبعيه فقال : « يا إيها الناس
والله مالي من فيئكم هذه الوبرة وإلا الخمس
والخمس مردود عليكم ، فأدو الخياط والمخيط ، فإن
الغلول عار ونار وشنار على
أهله يوم القيامة » فجاءه رجل من الانصار بكبة
من خيوط شعر فقال : يا رسول الله
أخذت هذا لاخيط بها برذعة بعيرلي ، فقام رسول
الله صلىاللهعليهوآله
: « أما حقي منها فلك » فقال الرجل : أما إذا بلغ الامر هذا فلا حاجة
لي بها ، ورمى بها من يده.
ثم خرج رسول الله صلىاللهعليهوآله
من الجعرانة
في ذي القعدة إلى مكة فقضى بها
عمرته ، ثم صدر إلى المدينة ، وخليفته على أهل مكة
معاذ بن جبل ، وقال محمد
ابن إسحاق : استخلف عتاب بن أسيد ، وخلف معه
معاذا يفقه الناس في الدين و
يعلمهم ، وحج بالناس في تلك السنة وهي سنة ثمان
عتاب بن أسيد ، وأقام صلىاللهعليهوآله
بالمدينة ما بين ذي الحجة إلى رجب.
____________________
بيان
: قال الجوهري : يقال : صدقوهم القتال ، ويقال للرجل الشجاع و
الفرس الجواد : إنه لذو مصدق بالفتح ، أي صادق
الحملة ، وصادق الجري ، كأنه
ذو صدق فيما يعدك من ذلك.
وفي القاموس : أبوحدرد الاسلمي صحابي ، ولم
يجئ فعلع بتكرير العين
غيره. والحدرد : القيصر ، كذا في التسهيل. قوله
صلىاللهعليهوآله
: « قد كنت ضالا » لعله
كان يكذبه لكونه جديد الاسلام. فقال صلىاللهعليهوآله : أنت أيضا كنت
كذلك. والنهيق
بالفتخ والنهاق بالضم : صوت الحمار. لم أشهده
ولم أغب عنه ، أي أنا حاضر بنفسي
لكن لما لم يمكنني القتال فيه ولا تعملون برأيي
فكأني غائب ، أو أني وإن لم أر
مثل هذا القوم لكن أعلم عاقبة الامر فيه.
والعوان من الحرب التي قوتل فيها مرة
وكأنه ليس من المصرع.
وفي الدر النظيم : أخب فيها تارة ثم أقع.
وفي النهاية : فلم يرعني إلا رجل أخذ
بمنكبي ، أي لم أشعر ، وإن لم يكن
من لفظه ، كأنه فاجأه بغتة من غير موعد ولا
معرفة فراعه ذلك وأفزعه.
وقال الجوهري : رجل أهوج أي طويل وبه تسرع وحمق
، وقال : ربيت
القوم : سستهم ، أي كنت فوقهم ، ومنه قول صفوان
: لان يربني رجل من قريش
أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن.
قوله : فأدرت أي رأيي ، أو نظري ، أو هو
بمعنى درت.
قدعري أي بقي بلا أعوان. إلا أن أسوره ،
هكذا فيما عندنا من النسخ بالسين
يقال : سار الرجل إليه سورا ، أي وثب ، وسرت
الحائط أي تسلقته ، ولعل
الاصواب أنه بالصاد ، من صار الشئ أي قطعه
وفصله ، والشواظ بالضم والكسر : لهب لادخان فيه أو دخان النار وحرها ذكره
الفيروز آبادي ، وقال : الماحش : المحرق كالممحش ، وامتحش : احترق. وقال : الذمر : الملامة.
وقال الجوهري : الذمر : الشجاع ، وذمرته
أذمره ذمرا : حثثته ، وفلان
حامي الذمار ، أي إذا ذمر وغضب حمي.
الله ، وأي أذكر كم الله في الكرة
والرجعة إليه ، أو أسألكم الكرة.
وقال الفيروز آبادي : الدبابة مشددة : آلة
تتخذ للحروب فتدفع في أصل
الحصن فينقبون وهم في جوفها. قوله : على وجل ، كناية
عن سرعة ارتحاله صلىاللهعليهوآله
بعد مجيئه. ألا إن الحي مقيم ، أي من كان حيا
ينبغي أن لا يزول حتى يفتح
أو المراد بالحي القبيلة ، إظهارا لعدم براحه.
وقوله صلىاللهعليهوآله
: لا أقمت ولا ظعنت. دعاء عليه بعدم قدرته على الاقامة كما بريد
ولا الظعن بنفسه فصار كذلك. وقال الجوهري : الملح
: الرضاع. والملح بالفتح
مصدر قولك : ملحنا لفلان ملحا : أرضعناه. قوله صلىاللهعليهوآله : توه سهميهما ، أي
أهلك
وضيع ، من التوى وهو الهلاك ، والهاء للسكت أو
من التوه وهو الهلاك والذهاب.
وقال الجزري : في حديث الخوارج يمرقون من الدين
مروق السهم من
الرمية ، أي يجوزونه ويخرقونه ويبعدونه كما
يمرق السهم الشئ المرمي به ، و
يخرج منه ، وقال : الرصاف ، هو عقب يلوى على
مدخل النصل فيه ، وقال : في
حديث الخوارج فينظر في نضيه ، النضي : نصل
السهم وقيل : هو السهم قبل أن ينحت
إذا كان قدحا وهو أولى لانه جاء في الحديث ذكر
النصل بعد النضي وهو من
السهم ما بين الريش والنصل. والقذذ : ريش السهم
، واحدتها قذة انتهى.
أقول : شبه صلىاللهعليهوآله خروجهم من الدين
وعدم انتفاعهم بشئ منه بسهم رمي به
حيوان فخرج منه بحيث لم يبق في شئ من أجزاء
السهم أثر من أجزاء الحيوان.
وقال الجزري : تدردر ، أي ترجرج ، تجئ وتذهب ، والاصل
تتدردر ، فحذف
إحدى التائين تخفيفا. وقال الجزري : الجعرانة
موضع قريب من مكة ، وهو في
الحل وميقات الاحرام ، وهي بتسكين العين والتخفيف ، وقد تكسر وتشدد الراء.
١٠ ـ كا
: حميد بن زياد ، عن عبيدالله بن أحمد الدهقان ، عن علي بن الحسن الطاطري ، عن
محمد بن زياد بياع السابري ، عن أبان
عن عجلان بن صالح
قال : سمعت أبا عبدالله عليهالسلام يقول : قتل علي بن
أبي طالب بيده يوم حنين أربعين.
____________________
١١ ـ كا
: علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينه ، عن زراة
عن أبي جعفر عليهالسلام
قال : سألته عن قول الله عزوجل : « المؤلفة
قلوبهم » قال : هم قوم وحدوا الله عزوجل ، وخلعوا عبادة من
يعبد من دون الله ، وشهدوا أن
لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وهم في ذلك شكاك
في بعض ما جاء به
محمد (ص) ، فأمر الله عزوجل نبيه (ص) أن
يتألفهم بالمال والعطاء لكي يحسن إسلامهم
ويثبتوا على دينهم الذي دخلوا فيه ، وأقروا به ،
وإن رسول الله صلىاللهعليهوآله
يوم حنين
تألف رؤساء [ رؤس ] العرب ومن قريش وسائر مضر ، منهم أبوسفيان بن
حرب
وعيينة بن حصين الفزاري وأشباهم من الناس ، فغضبت
الانصار ، واجتمعت
إلى سعد بن عبادة فانطلق بهم إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله بالجعرانة ، فقال :
يا رسول الله
أتأذن لي في الكلام؟ فقال : نعم ، فقال : إن
كان هذا الامر من هذه الاموال التي
قسمت بين قومك شيئا أنزل الله رضينا ، وإن كان غير ذلك لم نرض ، قال
زرارة : وسمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : فقال رسول
الله (ص) : يا معشر الانصار أكلكم على
قول سيد كم؟
فقالوا : سيدنا الله ورسوله ، ثم قالوا في الثالثة : نحن على مثل
قوله ورأيه ، قال زرارة : فسمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول : فحط الله
نورهم ، وفرض الله
للمؤلفة قلوبهم سمها في القرآن.
____________________
١٢ ـ شى
: عن زرارة مثله ، ثم قال : قال زرارة :
قال أبوجعفر عليهالسلام
فلما كان في قابل جاؤا بضعف الذي أخذوا ، وأسلم ناس كثير ، قال : فقام رسول
الله صلىاللهعليهوآله
خطيبا فقال : هذا خير أم الذي قلتم؟ قد جاؤا من الابل بكذا وكذا
ضعف ما أعطيتهم ، وقد أسلم لله عالم وناس كثير ،
والذي نفس محمد بيده لوددت
أن عندي ما أعطي كل إنسان ديته على أن يسلم لله
رب العالمين.
ثم روى العياشي بسند آخر عن زرارة عنه عليهالسلام مثله.
١٣ ـ ثم قال : قال الحسن بن موسى : ومن غير هذا الوجه رفعه قال : قال
رجل منهم حين قسم النبي صلىاللهعليهوآله غنائم حنين : ما
هذا القسمة؟
ما يريد الله بها
فقال له بعضهم : يا عدو الله تقول هذا لرسول
الله صلىاللهعليهوآله؟
ثم جاء إلى النبي (ص) فأخبره بمقالته. فقال صلىاللهعليهوآله
: « قد أوذي أخي موسى بأكثر من هذا فصبر » قال : وكان يعطي لكل رجل من المؤلفة قلوبهم مائة
راحلة.
١٤ ـ ما
: جماعة عن أبي المفضل ، عن أحمد بن عبيدالله بن عمار الثقفي
عن علي بن محمد بن سليمان النوفلي سنة خمس
وأربعين ومائتين ، عن أبيه ، عن
يزيد بن عبدالملك النوفلي ، عن أبيه ، عن
المغيرة بن الحارث بن نوفل بن الحارث
ابن عبدالمطلب ، عن أبيه ، عن جده نوفل أنه كان
يحدث عن يوم حنين قال : فر الناس جميعا وأعروا رسول الله (ص) فلم يبق
معه إلا سبعة نفر من بني عبدالمطلب : العباس ، وابنه الفضل ، وعلي ، وأخوه عقيل ، وأبوسفيان
، وربيعة ، ونوفل
بنو الحارث بن عبدالمطلب ، ورسول الله صلىاللهعليهوآله مصلت سيفه في
المجتلد ، وهو على
____________________
بغلته الدلدل ، وهو
يقول :
أنا النبي لا كذب
|
|
أنا ابن عبدالمطلب
|
قال الحارث بن نوفل : فحدثني الفضل بن
العباس قال : التفت العباس يومئذ
وقد أقشع
الناس عن بكرة أبيهم ، فلم ير عليا فيمن ثبت ، فقال : شوهة بوهةأفي مثل هذه الحال يرغب ابن أبي طالب بنفسه عن
رسول الله صلىاللهعليهوآله
وهو صاحب ما
هو صاحبه؟ يعني المواطن المشهورة له ، فقلت : نقص
قولك لابن أخيك يا أبه ، قال : ماذاك يا فضل؟ قلت : أما تراه في الرعيل الاول؟
أما تراه في الرهج؟ قال : أشعره
لي يا بني ، قلت : ذو كذا ذوالبردة ، قال : فما تلك البرقة؟ قلت :
سيفه يزيل
به بين الاقران ، فقال : بر بن بر فداه عم وخال
، قال : فضرب علي يومئذ أربعين
مبارزا كلهم يقده حتى أنفه ، وذكره ، قال : وكانت
ضرباته مبتكرة.
بيان
: قال الفيروز آبادي : أعروا صاحبهم : تركوه ، وقال : قشع القوم
كمنع : فرقهم ، فأقشعوا وهو نادر ، قوله : عن
بكرة أبيهم ، أي عن آخرهم و
قدمر ، وقال الفيروز آبادي : شاه وجهه شوها
وشوهة : قبح ، وقال : البوهة
بالضم : الصقر سقط ريشه ، والرجل الطائش.
والاحمق. والبوه بالفتح : اللعن.
والرعيل : جماعة الخيل. والرهج ويحرك : الغبار ، وزيلة : فرقه. وقال في
النهاية : في الحديث كانت ضربات علي مبتكرات لا
عوانا ، أي أن ضربته كانت
بكرا يقتل بواحدة منها لا يحتاج أن يعيد الضربة
ثانيا ، يقال : ضربة بكر : إذا كانت
قاطعة لا تثنى.
١٥ ـ ما
: جماعة ، عن أبي المفضل ، عن محمد بن معاذ بن سعيد الحضرمي
عن محمد بن زكريا بن سارية المكي القرشي ، عن
أبيه ، عن كثير بن طارق ، عن
معروف بن خر بوذ ، عن أبي الطفيل ، عن أبي ذر
قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله
وقد
____________________
قدم عليه وفد أهل
الطائف : « يا أهل الطائف والله لتقمين الصلاة ولتؤتن الزكاة
أو لابعثن عليكم رجلا كنفسي ، يحب الله ورسوله ، ويحبه
الله ورسوله ، يقصعكم
بالسيف » فتطاول لها أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله فأخذ بيد علي
فأشالها
ثم قال : « هو
هذا » فقال أبوبكر وعمر : ما رأينا كاليوم في الفضل قط.
بيان
: القصع : شدة المضغ. وقصع الغلام كمنع : ضرب ببسط كفه على
رأسه.
١٦ ـ ع
: ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن
معروف ، عن أبي عمير ، عن
عبدالرحمن بن الحجاج ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : ما مر بالنبي
صلىاللهعليهوآله
يوم كان
أشد عليه من يوم حنين ، وذلك أن العرب تباغت
عليه.
١٧ ـ ل
: بالاسناد عن عامر بن واثلة قال : قال
أميرالمؤمنين عليهالسلام
يوم
الشورى : نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول
الله صلىاللهعليهوآله
: « لينتهين بنووليعة
أو لابعثن إليهم رجلا كنفسي ، طاعته كطاعتي ، ومعصيته
كمعصيتي ، يغشاهم
بالسيف » غيري؟ قالوا : اللهم لا.
١٨ ـ ج
: عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي
جعفر عليهالسلام
إن أميرالمؤمنين
عليهالسلام
قال يوم الشورى : نشدتكم بالله هل فيكم أحدنا جاه رسول الله (ص) يوم الطائف
فقال أبوبكر وعمر : ناجيت
عليا دوننا ، فقال لهما النبي صلىاللهعليهوآله
« ما أنا ناجيته
بل الله أمرني بذلك » غيري؟ قالوا : لا ، قال :
نشدتكم بالله هل فيكم أحد قال له
رسول الله صلىاللهعليهوآله
« لابعثن إليكم رجلا امتحن الله قلبه للايمان
»؟ قالوا : لا.
____________________
١٩ ـ أقول
: قال الطبرسي ـ رحمهالله ـ في مجمع البيان :
ذكر أهل التفسير
و أصحاب السير أن رسول الله صلىاللهعليهوآله لما افتتح مكة خرج
منها متوجها إلى حنين
لقتال هوازن وثقيف في آخر شهر رمضان ، أو في
شوال سنة ثمان من الهجرة ، و
ذكر القصة نحوا مما مر إلى أن ذكر هزيمة
المسلمين ونداء العباس ، ثم قال : فلما سمع المسلمون سوت العباس تراجعوا وقالوا :
لبيك لبيك ، وتبادر الانصار
خاصة ، ونزل النصر من عندالله ، وانهزمت هوازن
هزيمة قبيحة ، فمروا في كل
وجه ، ولم يزل المسلمون في آثارهم ، ومر مالك
بن عوف فدخل حصن الطائف ، و
قتل منهم زهاء مائة رجل ، وأغنم الله المسلمين
أموالهم ونساءهم ، وأمر رسول الله
صلىاللهعليهوآله
بالذراري والاموال أن تحدر إلى الجعرانة ، وولى على الغنائم بديل بن
ورقاء الخزاعي ، ومضى عليهالسلام في أثر القوم فوافى
الطائف في طلب مالك بن عوف
وحاصر أهل الطائف بقية الشهر ، فلما دخل
ذوالقعدة انصرف إلى
الجعرانة و
قسم بها غنائم حنين ، وأوطاس.
قال سعيد بن المسيب : حدثني رجل كان في
المشركين يوم حنين قال : لما
التقينا نحن وأصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله لم يقفوا لنا حلب
شاة ، فلما كشفناهم جعلنا
نسوقهم حتى انتهينا إلى صاحب البغلة الشهباء
يعني رسول الله صلىاللهعليهوآله
فتلقانا رجال
بيض الوجوه فقالوا لنا : شاهت الوجوه ارجعوا ، فرجعنا
وركبوا أكتافنا ، فكانوا
إياها ، يعني الملائكة.
قال الزهري : وبلغني أن شبية بن عثمان
قال : استدبرت رسول الله صلىاللهعليهوآله
يوم حنين وأنا أريد أن أقتله بطلحة بن عثمان
وعثمان بن طلحة ، وكانا قد قتلا يوم
أحد ، فأطلع الله رسوله على ما في نفسي فالتفت
إلي وضرب في صدري ، وقال : « أعيذك
بالله يا شيبة » فأرعدت فرائصي ، فنظرت إليه وهو أحب إلي من سمعي و
بصري ، فقلت : أشهد أنك رسول الله ، وأن الله
أطلعك على ما في نفسي.
____________________
وقسم رسول الله صلىاللهعليهوآله الغنائم بالجعرانة
وكان معه من سبي هوازن ستة آلاف
من الذراري والنساء ، ومن الابل والشاء
مالايدرى عدته.
قال أنس بن مالك : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله أمر مناديا فنادى
يوم أوطاس : ألا
لا توطأ الحبالى حتى يضعن ، ولا الحيالى حتى يستبرأن بحيضة. ثم أقبلت
وفود هوازن وقدمت على رسول الله صلىاللهعليهوآله بالجعرانة مسلمين ،
وقام خطيبهم فقال : يا رسول الله : أن مافي الحظائر من السبايا
خالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك
فلو أنا ملحنا ابن أبي شمر أو النعمان بن
المنذر ثم أصابنا منهما مثل الذي أصابنا منك
رجونا عائدتهما وعطفهما ، وأنت خير المكفولين ،
ثم أنشد أبياتا
، فقال صلىاللهعليهوآله
: أي الامرين أحب
إليكم : السبي أم الاموال؟ قالوا : يا رسول الله خيرتنا بين
الحسب وبين الاموال ، والحسب أحب إلينا ، ولا
نتكلم في شاة ولا بعير فقال رسول
الله : أما الذي لبني هاشم فهولكم ، وسوف أكلم
لكم المسلمين ، وأشفع لكم. فكلموهم وأظهروا إسلامكم ، فلما صلى رسول الله صلىاللهعليهوآله الهاجرة قاموا
فتكلموا
فقال النبي صلىاللهعليهوآله
: قد رددت الذي لبني هاشم والذى بيدي عليهم ، فمن أحب منكم
أن يعطي غير مكره فليفعل ، ومن كره أن يعطي
فليأخذ الفداء وعلي فداؤهم
فأعطى الناس ما كان بأيديهم إلا قليلا من الناس
سألوا الفداء.
____________________
بيان
: قال الجوهري : قولهم : هم زهاء مائة : قدر مائة.
٢٠ ـ قب
: عن الصادق عليهالسلام
سبا رسول الله (ص) يوم حنين أربعة آلاف رأس
واثنى عشر ألف ناقة ، سوى مالا يعلم من
الغنائم. وقال الزهري : ستة آلاف من
الذراري والنساء ، ومن البهائم ما لا يحصى ولا
يدرى.
٢١ ـ أقول :
قال الكازروني في المنتقى بعد تلك الغزوات : وفي تلك السنة
يعني الثامنة تزوج رسول الله مليكة الكندية ، وكان
قتل أباها يوم الفتح ، فقالت
لها بعض أزواج النبي صلىاللهعليهوآله : ألا تستحين؟
تزوجين رجلا قتل
أباك؟ فاستعاذت
منها ففارقها.
وفيها ولد إبراهيم ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله من مارية في ذي
الحجة ، وكانت
قابلتها مولاة رسول الله صلىاللهعليهوآله فخرجت إلى زوجها
أبي رافع ، فأخبرته بأنها قد
ولدت غلاما ، فجاء أبورافع إلى رسول الله (ص)
فبشره بأنها قد ولدت غلاما ، فوهب
له عبدا وسماه إبراهيم ، وعق عنه يوم سابعه ، وحلق
رأسه ، فتصدق بزنة شعره
فضة على المساكين ، وأمره بشعره فدفنت في الارض
، وتنافست فيه نساء الانصار
أيهن ترضعه ، فدفعه رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى أم بردة بنت
المنذر بن زيد ، وزوجها
البراء بن أوس ، وكان صلىاللهعليهوآله يأتي أم بردة فيقيل
عندها ، ويؤتى بأبراهيم ، وغارت
نساء رسول الله صلىاللهعليهوآله
اشتد عليهن حين رزق منها الولد ، وروي عن أنس قال : لما
ولدت إبراهيم جاء جبرئيل إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : السلام عليك
يا أبا إبراهيم
وروي عنه أيضا قال : رسول الله صلىاللهعليهوآله : ولد الليلة لي
غلام فسميته باسم أبي
إبراهيم ، قال : ثم دفعه إلى أم سيف امرأة قين
بالمدينة ، يقال له : أبويوسف.
وفيها ماتت زينب بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله
، وكانت أكبر بناته ، وأول من تزوجت
____________________
منهن ، تزوجها ابن
خالتها أبوالعاص بن الربيع قبل النبوة ، فولد له عليا وأمامة
أما علي فمات في ولاية عمر ، وأما أمامة فماتت
سنة خمسين.
٢٢ ـ وقال ابن الاثير في الكامل : وفيها بعث
رسول الله صلىاللهعليهوآله
عمرو بن
العاص إلى جيفر وعمرو ابني الجلندي ، فأخذ الصدقة من أغنامهم
وردها
على فقرائهم.
وفيها بعث رسول الله صلىاللهعليهوآله كعب بن عمير إلى
ذات أطلاع من الشام فأصيب
هو وأصحابه.
وفيها بعث أيضا عيينة بن حصن الفراري
إلى بني العنبر من تميم فأغار عليهم
وسبا منهم نساء.
٢٣ ـ وجدت بخط الشيخ محمد بن علي الجبعي رحمهالله نقلا من خط الشيخ
الشهيد قدس الله روحه من طرق العامة مرفوعا إلى
أبي عمرو زياد بن طارق ، عن
أبي جرول
زهير الجشمي قال : لما أسرنا رسول الله صلىاللهعليهوآله
يوم هوازن وذهب
يفرق السبي والنساء أتيته فأنشدته :
امنن علينا رسول الله! في كرم
|
|
فإنك المرء نرجوه وننتظر
|
امنن على بيضة قد عاقها قدر
|
|
مشتت شملها في دهرها غير
|
أبقت لنا الدهر هتافا على حزن
|
|
على قلوبهم الغماء والغمر
|
إن لم تداركهم نعماء تنشرها
|
|
يا أرجح الناس حلما حين تختبر
|
امنن على نسوة قد كنت ترضعها
|
|
إذفوك يملؤه من مخضها الدرر
|
____________________
إذ أنت طفل صغير كنت ترضعها
|
|
وإذا يربيك ماتأتي وما تذر
|
لا تجعلنا كمن شالت نعامته
|
|
واستبق منا فإنا معشر زهر
|
إنا لنشكر للنعماء إذا كفرت
|
|
وعندها بعد هذا اليوم مدخر
|
فألبس العفو من قد كنت ترضعه
|
|
من أمهاتك إن العفو منتشر
|
يا خير من مرحت كمت الجيادبه
|
|
عند الهياج إذا ما استوقد الشرر
|
إنا نؤمل عفوا منك تلبسه
|
|
هذي البرية إذ تعفو وتنتصر
|
فاعف عفى الله عما أنت راهبه
|
|
يوم القيامة إذ يهدى لك الظفر
|
قال : فلما سمع هذا الشعر قال صلىاللهعليهوآله : « ما كان لي
ولبني عبدالمطلب فهو
لهم « وقال قريش : ما كان لنا فهولله ولرسوله ،
وقالت الانصار : ما كان لنا فهولله و
لرسوله ، قال ابن عساكر ، هذا غريب تفرد به
زياد بن طارق عن زهير ، وهو معدود
في السباعيات.
٢٩
باب
*(غزوة
تبوك وقصة العقبة)*
الآيات : التوبة قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر
ولا يحر. مون ما حرم
الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدوهم
وهم صاغرون « ٢٩ ».
____________________
وقال سبحانه : يا أيها الذين آمنوا
مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم
إلى الارض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل *
إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غير كم ولا تضروه شيئا والله على كل شئ
قدير * إلا تنصروه فقد نصره الله إذأ خرجه الذين كفروا.
إلى قوله تعالى : انفروا خفافا وثقالا
وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم
خير لكم إن كنتم تعلمون * لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لا تبعوك ولكن بعدت
عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم
إنهم لكاذبون * عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم
الكاذبين * لايستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم
والله عليهم بالمتقين * إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت
قلوبهم فهم في ريبهم يترددون * ولو أرادوا الخروج لاعدوا له عدة ولكن كره الله
انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين * لو خرجوا فيكم مازادوا كم إلا خبالا ولا
وضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين * لقد ابتغوا
الفتنة من قبل وقلبوا لك الامور حتى جاء الحق وظهر أمرالله وهم كارهون *
ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة
بالكافرين * إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من
قبل ويتولوا وهم فرحون * قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله
فليتوكل المؤمنون * قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم
أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون * قل أنفقوا
طوعا أوكرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين * وما منعهم أن تقبل منهم
نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا
وهم كارهون * فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم أنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة
الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون * ويحلفون بالله إنهم لمنكم وماهم
منكم
ولكنهم قوم يفرقون * لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون
« ٣٧ ـ ٥٧ ».
إلى قوله سبحانه : ومنهم الذين يؤذون
النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن
بالله ويؤمن للمؤمنين « ٦١ ».
إلى قوله : يحلفون بالله لكم ليرضوكم
والله ورسوله أحق أن يرضوه إن
كانوا مؤمنين « ٦٣ ».
إلى قوله : يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما
في قلوبهم قل استهزؤا إن
الله مخرج ما تحذرون * ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله
وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة
منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين
« ٦٦ ».
إلى قوله : يحلفون بالله ماقالوا ولقد
قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم
وهموا بمالم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم
الله ورسوله من فضله فان يتوبوا يك خيرا
لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في
الدنيا والآخرة وما لهم في الارض من
ولي ولا نصير « ٧٤ ».
وقال تعالى : فرح المخلصون بمقعدهم
خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم
وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نارجهنم أشد حرا لو كانوا
يفقهون * فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسون * فان رجعك الله
إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا
إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين * ولا تصل على أحد منهم
مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله ومانوا وهم فاسقون * ولا تعجبك
أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون
* وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولوا
الطول منهم وقالوا ذرنانكن مع القاعدين * رضوا بأن يكونوا مع الخوالف
وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون * لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم
وأنفسهم
وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون * أعدالله لهم جنات تجري من تحتها
الانهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم * وجاء المعذرون من الاعراب ليؤذن لهم
وقعد الذين كذبوا الله ورسوله سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم * ليس
على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا
نصحوالله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور ورحيم * ولا على الذين إذا ما
أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا
يجدوا ما ينفقون * إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا
مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون * يعتذرون إليكم إذا رجعتم
إليهم قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخبار كم وسيرى الله عملكم
ورسوله ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون * سيحلفون بالله
لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم
رجس ومأواهم جهنم جزاء
بما كانوا يكسبون * يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا
يرضى عن القوم الفاسقين « ٨١ ـ ٩٦ ».
إلى قوله سبحانه : وآخرون اعترفوا
بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى
الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم
« ١٠٢ ».
إلى قوله تعالى : وآخرون مرجون لامرالله
إما يعذبهم وإما يتوب عليهم
والله عليم حكيم « ١٠٦ ».
إلى قوله سبحانه : لقد تاب الله على
النبي والمهاجرين والانصار الذين اتبعوه في
ساعة العسرة من بعد ما كاد تزيغ
قلوب فريق منهم ثم تاب
عليهم إنه بهم رؤف
رحيم * وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الارض بما رحبت وضاقت
عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو
التواب الرحيم « ١١٨ ».
____________________
إلى قوله : ما كان لاهل المدينة ومن حولهم من الاعراب أن
يتخلفوا عن رسول الله
ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل
الله ولا يطؤن موطا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح
أن الله لا يضيع أجر المحسنين * ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون
واديا إلا كتب لهم ليجزي الله أحسن ما كانوا يعلمون
« ١٢١ ».
تفسير
: قال الطبرسي رحمة الله في قوله تعالى
: « قاتلوا
الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم
الآخر » : قيل : نزلت هذه الآية حين أمر رسول
الله صلىاللهعليهوآله
بحرب الروم
فغزا بعد نزولها غزوة تبوك عن مجاهد ، وقيل : هي
على العموم. « ولا يحرمون
ما حرم الله ورسوله » أي موسى وعيسى من كتمان
بعث محمد
(ص) ، أو ما حرمه
محمد (ص) « ولا يدينون دين الحق » أي دين الله
، أو لا يعترفون بالاسلام الذي هو
الدين الحق « من الذين أوتوا الكتاب » وصف
الذين ذكرهم بأنهم من أهل الكتاب
« حتى
يعطوا الجزية عن يد » أي نقدا من يده إلى يد من يدفعه إليه من غير نائب
أو عن قدرة لكم عليهم وقهر لهم ، أويد لكم
عليهم ونعمة تسدونها إليهم بقبول
الجزية منهم » وهم صاغرون » أي ذليلون مقهورون.
وقال في قوله تعالى : « انفروا في سبيل الله
» أي اخرجوا إلى مجاهدة المشركين
قال المفسرون : لما رجع رسول الله صلىاللهعليهوآله من الطائف أمر
بالجهاد لغزوة الروم ، و
ذلك في زمان إدراك الثمرات فأحبوا المقام في المسكن والمال ، وشق
عليهم
الخروج إلى القتال ، وكان صلىاللهعليهوآله قل ما خرج في غزوة
إلا كنى عنها وورى بغيرها
إلا غزوة تبوك لبعد شقتها ، وكثرة العدو ليتأهب
الناس فأخبرهم بالذي يريد
____________________
فلما علم الله
سبحانه تثاقل الناس أنزل الآية وعاتبهم على التثاقل. « أرضيتم » استفهام
إنكار ، أي آثرتم الحياة الدنيا الفانية على
الحياة في الآخرة الباقية « فما متاع » أي فما فوائد الدنيا ومقاصدها في فوائد الآخرة
ومقاصدها « إلا قليل » لا نقطاع
هذه ودوام تلك « يعذبكم » أي في الآخرة أو في
الدنيا « ويستبدل » بكم « قوما
غيركم » لا يتخلفون عن الجهاد ، قيل : هم أبناء
فارس ، وقيل : أهل اليمن ، و
قيل : هم الذين أسلموا بعد نزول هذه الآية « ولا
تضروه » أي ولا تضروا الله بهذا
القعود شيئا لانه غني ، أولا تضروا الرسول ، لان
الله عاصمه وناصره بالملائكة
أو بقوم آخرين « انفروا » أي اخرجوا إلى الغزو « خفافا
وثقالا » أي شبانا و
شيوخا ، وقيل : نشاطا وغير نشاط ، أو مشاغيل
وغير مشاغيل ، أو أغنياء وفقراء
وقيل : أراد بالخفاف أهل العسرة من المال وقلة
العيال ، وبالثقال أهل الميسرة في
المال وكثرة العيال وقيل : ركبانا ومشاة ، وقيل
: ذاضيعة وغير ذي ضيعة
وقيل : عزابا ومتأهلين ، والوجه أن يحمل على
الجميع « وجاهدوا بأموالكم
وأنفسكم في سبيل الله » وهذا يدل على أن الجهاد
بالنفس والمال واجب على من
استطاع بهما ، ومن لم يستطع على الوجهين فعليه
أن يجاهد بما استطاع « ذلكم خير
لكم » من التثاقل « إن كنتم تعلمون » أن الله
صادق في وعده ووعيده ، قال السدي : لما نزلت هذه الآية اشتد شأنها على الناس فنسخها الله بقوله : « ليس على الضعفاء »
الآية.
« لو كان عرضا قريبا » أي لوكان
مادعوتهم إليه غنيمة حاضرة « وسفرا قاصدا » أي قريبا هينا ، وقيل : أي ذا قصد ، وقيل : سهلا
متوسطا غير شاق « لاتبعوك » طمعا في المال « ولكن بعدت عليهم الشقة » أي المسافة ، يعني غزوة تبوك ، أمروا
فيها بالخروج إلى الشام « وسيحلفون بالله » فيه
دلالة على صحة نبوته صلىاللهعليهوآله
، إذ
____________________
أخبر بحلفهم قبل
وقوعه « يهلكون أنفسهم » بما أسروه من الشرك
وقيل : باليمين
الكاذبة ، والعذر الباطل « والله يعلم إنهم
لكاذبون » في هذا الاعتذار والحلف « عفا
الله عنك لم أذنت لهم » في التخلف عنك « حتى
يتبين لك الذين صدقوا وتعلم
الكاذبين » أي حتى تعرف من له العذر منهم في
التخلف ، ومن لا عذر له ، فيكون
إذنك لمن أذنت له على علم ، قال ابن عباس وذلك
أن رسول الله صلىاللهعليهوآله
لم يكن
يعرف المنافقين يومئذ ، وقيل : إنه إنما خيرهم
بين الظعن والاقامة متوعدا لهم
ولم يأذن لهم ، فاغتنم القوم ذلك ، وفي هذا
إخبار من الله سبحانه أنه كان الاولى أن
يلزمهم الخروج معه حتى إذا لم يخرجوا ظهر
نفاقهم ، لانه متى أذن لهم ثم تأخروا
لم يعلم أن للنفاق كان تأخرهم أم لغيره. وكان الذين
استأذنوه منافقين ، ومنهم
الجد بن قيس ومعتب بن قشير ، وهما من الانصار.
أقول : قد مر الكلام في هذه الآية في
باب عصمتة صلىاللهعليهوآله.
وقال في قوله تعالى : « لا
يستأذنك » أي في القعود ، وقيل : في الخروج
لانه
مستغن عنه بدعائك ، بل يتأهب له « أن يجاهدوا »
أي في أن يجاهدوا « وارتابت
قلوبهم » أي اضطربت وشكت « فهم في ريبهم
يترددون » أي في شكهم يذهبون و
يرجعون ويتحيرون ، وأراد به المنافقين ، أي
يتوقعون الاذن لشكهم في دين الله
وفيما وعد المجاهدون ، ولو كانوا مخلصين لوثقوا
بالنصر وبثواب الله فبادروا إلى
الجهاد ولم يستأذونك فيه « ولو أرادوا الخروج »
في الجهاد كالمؤمنين « لاعدوا له
عدة » أي أهبة الحرب من الكراع والسلاح « ولكن كره الله
انبعاثهم » أي
خروجهم إلى الغزو العلمه إنهم لو خرجوا لكانوا
يمشون بالنميمة بين المسلمين ، وكانوا عيونا للمشركين. وكان الضرر في خروجهم أكثر
من الفائدة « فثبطهم » عن
____________________
الخروج الذي عزموا
عليه ، لا عن الخروج الذي أمرهم به ، لان الاول كفر ، الثاني طاعة « وقيل اقعدوا مع القاعدين » أي مع النساء والصبيان والقائلون
أصحابهم الذين نهوهم عن الخروج مع النبي صلىاللهعليهوآله للجهاد أو النبي (ص)
على وجه
التهديد والوعيد ، لا على وجه الاذن ، ويجوز أن
يكون على وجه الاذن لهم في
العقود الذي عاتبه الله عليه ، إذ كان الاولى
أن لايأذن لهم ليظهر للناس نفاقهم ، ثم
بين سبحانه وجه الحكمة في كراهية انبعاثهم
وتثبيطهم عن الخروج فقال : « لو
خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا » أي شرا
وفسادا ، وقيل : غدرا ومكرا ، و
قيل : عجزا وجبنا ، أي أنهم كانوا يجبنونكم عن
لقاء العدو بتهويل الامر عليكم
« ولاوضعوا خلالكم » أي لاسرعوا في الدخول
بينكم بالتضريب والافساد والنميمة
يريد ولسعوا فيما بينكم بالتفريق بين المسلمين
، وقيل : أي لاوضعوا إبلهم خلالكم
يتخلل الراكب الرجلين حتى يدخل بينهما فيقول ما
لا ينبغي « يبغونكم الفتنة »
بعدو الابل وسطكم ، ومعنى يبغونكم لكم أو فيكم ، أي يطلبون لكم المحنة
باختلاف الكلمة والفرقة ، وقيل أي يبغونكم أن
تكونوا مشركين ، والفتنة : الشرك ، وقيل : أي يخو فونكم بالعدو ، ويخبر
ونكم أنكم منهزمون
وأن عدوكم
سيظهر عليكم » وفيكم سماعون لهم « أي وفيكم
عيون للمنافقين ينقلون إليهم ما
يسمعون منكم ، وقيل : معناه وفيكم قابلون منهم
عند سماع قولهم ، يريد ضعفة
المسلمين » والله عليم بالظالمين « أي بهؤلاء
المنافقين الذين ظلموا أنفسهم ، لما أضمروا
عليه من الفساد ، منهم عبدالله بن أبي ، وجد بن
قيس ، وأوس بن قبطي
ثم
أقسم الله سبحانه فقال : » لقد ابتغوا الفتنه
من قبل » الفتنة اسم يقع على كل سوء و
شر ، والمعنى لقد طلب هؤلاء المنافقون اختلاف
كلمتكم ، وتشتيت أهوائكم ، و
افتراق آرائكم من قبل غزوة تبوك ، أي في يوم
أحد حين انصرف عبدالله بن أبي
بأصحابه ، وخذل النبي صلىاللهعليهوآله فصرف الله سبحانه
عن المسلمين فتنتهم ، وقيل : أراد
____________________
بالفتنة صرف الناس
عن الايمان ، وإلقاء الشبهة إلى ضعفاء المسلمين ، وقيل : أراد
بالفتنة الفتك بالنبي صلىاللهعليهوآله في غزوة تبوك ليلة
العقبة ، وكانوا اثني عشر رجلا من
المنافقين ، وقفوا على الثنية ليفتكوا بالنبي صلىاللهعليهوآله عن ابن جبير وابن
جريح
« وقلبوا
لك الامور » أي احتالوا في توهين أمرك ، وإيقاع الاختلاف بين المؤمنين
وفي قتلك بكل ما أمكنهم فيه فلم يقدروا عليه ، وقيل
: إنهم كانوا يريدون في
كيده وجها من التدبير فإذا لم يتم ذلك فيه
تركوه وطلبوا المكيدة في غيره ، فهذا
تقليب الامور « حتى جاء الحق » أي النصر والظفر
« وظهر أمر الله » أي دينه ، و
هو الاسلام وظفر المسلمين « وهو كارهون » أي في
حال كراهتهم لذلك « ومنهم
من يقول ائذن لي » إن رسول الله صلىاللهعليهوآله لما استنفر الناس
إلى تبوك قال : انفروا لعلكم تغنمون بنات الاصفر ، فقام جد بن
قيس أخو بني سلمة من بني
الخزرج فقال : يا رسول الله ائذن لي ولا تفتني
ببنات الاصفر فإني أخاف أن أفتن
بهن ، فقال : قد أذنت لك فنزلت ، عن ابن عباس
ومجاهد ، فلما نزلت قال رسول
الله صلىاللهعليهوآله
لبني سلمة : من سيدكم؟ قالوا : جد بن قيس غير أنه بخيل جبان ، فقال
صلىاللهعليهوآله
: وأي داء أدوى من البخل؟! بل سيدكم الفتى الابيض الجعد : بشربن
براء بن معرور « ولا تفتني » أي ببنات الاصفر ، قال
الفراء : سميت الروم أصفر
لان حبشيا غلب على ناحية الروم ، فكان له بنات
قد أخذن من بياض الروم وسواد
الحبشية ، فكن صفرا لعسا وقيل : معناه لا تؤثمني بمخالفة أمرك
في الخروج
____________________
وذلك غير متيسرلي « ألا في الفتنة سقطوا » أي في العصيان
والكفر وقعوا
بمخالفتهم أمرك وقيل : معناه لا تعذبني بتكليف الخروج
في شدة الحر. ألا
قد سقطوا في حر أعظم من ذلك وهو حر جهنم « وإن
جهنم لمحيطة بالكافرين » أي ستحيط بهم فلا مخلص لهم منها « إن تصبك حسنة
» أي نعمة من الله وفتح وغنيمة « تسؤهم » يحزن المنافقون بها « وإن تصبك
مصيبة » أي شدة ونكبة « يقولوا قد
أخذنا أمرنا من قبل » أي أخذنا حذرنا واحترزنا
بالقعود من قبل هذه المصيبة « و
يتولوا وهم فرحون » بما أصاب المؤمنين « قل لن
يصيبنا إلا ما كتب الله لنا » أي كل ما يصيبنا
من خير أو شر فهو مما كتبه الله لنا في اللوح
المحفوظ من أمرنا ، وليس على ما تظنون
من إهمالنا ، وقيل : لن يصيبنا في عاقبة أمرنا
إلا ما كبته الله لنا في القرآن من النصر
الذي وعدنا ، وإنا نظفر بالاعداء فتكون النصرة
حسنى لنا ، أو نقتل فتكون الشهادة
حسنى لنا أيضا فقد كتب الله لنا ما يصيبنا
وعملنا ما لنا فيه
الحظ « هو مولانا » أي
ما لكنا ونحن عبيده ، أو ولينا وناصرنا « وعلى
الله فليتوكل كل المؤمنون » أمر من الله تعالى
بالتوكل « قل هل تربصون بنا » أي هل تنتظرون
لنا « إلا إحدى الحسنيين » أي
إحدى الخصلتين الحميدتين : إما الغلبة والغنيمة
في العاجل ، وإما الشهادة والثواب
الدائم في الآجل « ونحن نتربص بكم » أي نتوقع
لكم « أن يصيبكم الله بعذاب
من عنده أو بأيدينا » أي يوقع الله بكم عذابا
من عنده يهلككم به ، أوبأن ينصرنا
عليكم فيقتلكم بأيدينا « فتربصوا » أمر للتهديد
« إنا معكم متربصون » أي منتظرون
إما الشهادة والجنة ، وإما الغنيمة والاجر لنا
، وإما البقاء في الذل والخزي
وإما الموت والقتل
مع المصير إلى النار لكم.
« قل أنفقوا طوعا أو كرهاً » أي طائعين أو
مكرهين « لن يتقبل منكم إنكم
____________________
كنتم قوما فاسقين » أي
إنما لم يتقبل منكم لانكم كنتم متمردين عن طاعة الله
« وما
منعهم » أي ما يمنع هؤلاء المنافقين أن يثابوا على نفقاتهم إلا كفرهم بالله و
برسوله ، وذلك مما يحبط الاعمال « ولا يأنون
الصلاة إلا وهم كسالى » أي متثاقلين
« ولا
ينفقون إلا وهم كارهون » لذلك لانهم إنما يصلون وينفقون للرياء والتستر
بالاسلام ، لا لابتغاء مرضاة الله « فلا تعجبك
أموالهم ولا أولادكم » الخطاب
للنبي صلىاللهعليهوآله
والمراد جميع المؤمنين ، وقيل : لا تعجبك إيها السامع ، أي لا تأخذ
بقلبك ما تراه من كثرة أموال هؤلاء المنافقين
وأولادهم
ولا تنظر إليهم بعين
الاعجاب « إنما يريد الله ليعذبهم بها في
الحياة الدنيا » فيه وجوه : أحدها أن فيه
تقديما وتاخيرا ، أي لا نسرك أموالهم وأولادهم في الحياة الدنيا إنما يريد
الله
ليعذبهم بها في الآخرة ، عن ابن عباس وقتادة.
وثانيها : إنما يريد الله أن يعذبهم بها
في الدنيا بالتشديد عليهم في التكليف
وأمرهم بالانفاق في الزكاة والغزو فيؤدونها على
كره منهم ، ومشقة ، إذ لايرجون
به ثوابا في الآخرة فيكون ذلك عذابا لهم.
وثالثها : أن معناه إنما يريد الله
ليعذبهم بها في الدنيا ، أي بسبي الاولاد
وغنيمة الاموال عند تمكن المؤمنين من أخذها
وغنمها فيتحسرون عليها ، ويكون
ذلك جزاء على كفرهم.
ورابعها : أن المراد : يعذبهم بجمعها
وحفظها وحبها والبخل بها والحزن عليها
وكل هذا عذاب ، وكذلك خروجهم عنها بالموت ، لانهم
يفارقونها ولا يدرون
إلى ما ذا يصيرون.
وخامسها : إنما يريد الله ليعذبهم
بحفظها والمصائب فيها مع حرمان المنفعة
بها
واللام في قوله : « ليعذبهم » يحتمل أن تكون لام العاقبة والتقدير إنما
____________________
يريد الله أن يملي
لهم فيها ليعذبهم « وتزهق أنفسهم » أي تهلك « وهم كافرون » في
موضع الحال « ويحلفون بالله إنهم لمنكم » أي
يقسم هؤلاء المنافقون إنهم من جملتكم
أي مؤمنون أمثالكم « وما هم منكم » أي ليسوا
مؤمنين بالله « ولكنهم قوم يفرقون » أي يخافون القتل والاسر إن لم يظهروا الايمان «
لو يجدون ملجأ » أي حرزا أو
حصنا « أو مغارات » أي غيرانا في الجبال أو
سراديب « أو مدخلا » أي موصع دخول
يأوون إليه ، وقيل : نفقا كنفق اليربوع ، وقيل :
أسرابا في الارض عن ابن عباس
وأبي جعفر عليهالسلام
، وقيل : وجها يدخلونه على خلاف رسول الله (ص) « لولوا إليه » أي لعدلوا إليه ، وقيل : لاعرضوا عنكم إليه « وهم
يجمحون » أي يسرعون في
الذهاب إليه
« ومنهم الذين » قيل : إنها نزلت في رهط من المنافقين تخلفوا عن
غزوة تبوك ، فلما رجع رسول الله أنوا المؤمنين
يعتذرون إليهم من تخلفهم ويعتلون
ويحلفون فنزلت.
أقول : سيأتي تفسير الآيات في باب جمل
ماجرى بينه وبين أصحابه صلىاللهعليهوآله.
وقال رحمهالله
في قوله تعالى : « يحذر
المنافقون » قيل : نزلت في اثني عشر
رجلا وقفوا على العقبة ليفتكوا برسول الله صلىاللهعليهوآله عند رجوعه من تبوك ،
فأخبر
جبرئيل عليهالسلام
رسول الله بذلك ، وأمره أن يرسل إليهم ويضرب وجوه رواحلهم ، و
عمار كان يقود دابة رسول الله صلىاللهعليهوآله وحذيفة يسوقها ، فقال
لحذيفة : اضرب وجوه
رواحلهم ، فضربها حتى نحاهم ، فلما نزل قال
لحذيفة : من عرفت من القوم
فقال : لم أعرف منهم أحدا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : إنه فلان وفلان
حتى عدهم
كلهم ، فقال حذيفة : ألا تبعث إليهم فتقتلهم؟
فقال : أكره أن تقول العرب : لما
ظفر بأصحابه أقبل يقتلهم عن ابن كيسان ، وروي
عن أبي جعفر عليهالسلام
مثله إلا أنه
قال : ائتمروا بينهم ليقتلوه ، وقال بعضهم لبعض
: إن فطن نقول : إنما كنا نخوض
ونلعب ، وإن لم يفطن نقتله ، وقيل : إن جماعة
من المنافقين قالوا في غزوة تبوك :
____________________
ظن هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها ،
هيهات هيهات ، فأطلع الله
نبيه صلىاللهعليهوآله
على ذلك فقال : « احبسوا علي الركب » فدعاهم فقال لهم : قلتم كذا
وكذا ، فقالوا ، يا نبي الله إنما نخوض ونلعب ،
وحلفوا على ذلك فنزلت
الآية « ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض
ونلعب » عن الحسن وقتادة ، و
قيل : كان ذلك عند منصرفه من تبوك إلى المدينة ،
فكان بين يديه أربعة نفر أو ثلاثة
نفر يستهزؤن ويضحكون ، واحدهم يضحك ولا يتكلم ،
فنزل جبرئيل وأخبر رسول
الله صلىاللهعليهوآله
بذلك ، فدعا عمار بن ياسر وقال : إن هؤلاء يستهزؤن بي وبالقرآن
أخبرني جبرئيل بذلك ، ولئن سألتهم ليقولن : كنا
نتحدث بحديث الركب.
فاتبعهم عمار وقال لهم : لم تضحكون؟ قالوا : نتحدث بحديث الركب ، فقال
عمار : صدق الله وصدق رسوله ، احترقتم ، أحرقكم
الله ، فأقبلوا إلى النبي صلىاللهعليهوآله
يعتذرون ، فأنزل الله الآيات ، عن الكلبي وعلي
بن إبراهيم وأبي حمزة ، وقيل : إن رجلا قال في غزوة تبوك : ما رأيت أكذب لسانا ولا أجبن عند اللقاء من هؤلاء
يعني رسول الله وأصحابه ، فقال له عوف بن مالك :
كذبت ، ولكنك منافق ، و
أراد أن يخبر رسول الله صلىاللهعليهوآله بذلك فجاءه وقد
سبقه الوحي ، فجاء الرجل معتذرا
وقال : إنما كنا نخوض ونلعب ، ففيه نزلت الآية ،
عن ابن عمر وزيد بن أسلم و
محمد بن كعب ، وقيل : إن رجلا من المنافقين قال
: يحدثنا محمد أن ناقة فلان بوادي
كذا وكذا ، أو ما يدريه ما أمر الغيث فنزلت الآية ، عن مجاهد ، وقيل : نزلت
في عبدالله بن أبي ورهطه عن الضحاك « أن تنزل
عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم » فيه قولان : أحدهما : أنه إحبار بأنهم يخافون أن يفشوا سرائرهم ، وقيل : إن ذلك
الحذر أظهروه على وجه الاستهزاء.
____________________
والثاني : أن لفظه الخبر ومعناه الامر ،
« قل استهزؤا » أمر على الوعيد « إن
الله مخرج ما تحذرون » أي مبين لنبيه صلىاللهعليهوآله باطن حالكم ونفاقكم
« ولئن سألتهم » عن طعنهم في الدين واستهزائهم بالنبي صلىاللهعليهوآله وبالمسلمين « ليقولن
إنما كنا نخوض
ونلعب » اللام للتأكيد والقسم ، أي لقالوا كنا
نخوض خوض الركب في الطريق
لا على طريق الجد « قل أبالله وآياته » أي حججه
وبيناته وكتابه ورسوله
« كنتم
تستهزؤن » ثم أمر الله نبيه أن يقول لهم : « لا تعتذروا » بالمعاذير الكاذبة
« قد
كفرتهم بعد إيمانكم » أي بعد إظهاركم الايمان « إن نعف عن طائفة منكم » إذا تابوا « نعذب طائفة » لم يتوبوا « بأنهم
كانوا مجرمين » أي كافرين مصرين
على النفاق.
قوله تعالى : « يحلفون بالله ما قالوا
» أقول : قد مر في باب إعجاز القرآن
أنها نزلت في غزوة تبوك وقصصها ، قال : يعني
أنهم حلفوا كاذبين : ما قالوا ما حكي
عنهم ، ثم حقق عليهم وأقسم بأنهم قالوا ذلك « وكفروا
بعد إسلامهم » يعني ظهر
كفرهم بعد أن كانا باطنا. « وهموا بمالم ينالوا
» فيه أقوال.
أحدها أنهم هموا بقتل النبي صلىاللهعليهوآله ليلة العقبة
والتنفير بناقته.
وثانيها : أنهم هموا بإخراج الرسول صلىاللهعليهوآله
من المدينة فلم يبلغوا ذلك.
وثالثها : أنهم هموا بالفساد والتضريب بين
أصحابه. ونقم منه شيئا ، أي
أنكروعاب. « فرح المخلفون » أي المنافقون الذين خلفهم النبي صلىاللهعليهوآله ولم يخرجهم
معه إلى تبوك لما استأذنوه في التأخر « بمقعدهم
» أي بقعودهم عن الجهاد « خلاف
رسول الله » أي بعده ، وقيل : بمخالفتهم « وقالوا » أي للمسلمين ، أو بعضهم
لبعض : « لا تنفروا » أي لا تخرجوا إلى الغزو «
في الحر قل نار جهنم » التي
وجبت لهم بالتخلف عن أمر الله « أشد حرا » من
هذا الحر « لو كانوا يفقهون » أوامر الله وعده ووعيده « فليضحكوا قليلا
وليبكوا كثيرا » هذا تهديد لهم في
____________________
صورة الامر أي
فليضحك هؤلاء المنافقون في الدنيا قليلا ، لان ذلك يفنى ، وإن
دام إلى الموت ، ولان الضحك في الدنيا قليل
لكثرة أحزانها وهمومها ، و
ليبكوا كثيرا في الآخرة لان ذلك يوم مقداره
خمسون ألف سنة « فإن رجعك
الله » أي ردك الله عن غزوتك هذه وسفرك هذا « إلى
طائفة منهم » أي من المنافقين
الذين تخلفوا عنك وعن الخروج معك « فاستأذنوك
للخروج » معك إلى غزوة
أخرى « فقل » لهم « لن تخرجوا معي أبدا » إلى
غزوة « ولن تقاتلوا معي عدوا » ثم
بين تعالى سبب ذلك فقال : « إنكم رضيتم بالقعود
أول مرة » أي عن غزوة تبوك فاقعدوا مع الخالفين « في كل غزوة.
وواختلف في المراد بالخالفين فقيل : معناه
مع النساء والصبيان ، وقيل : مع
الرجال الذين تخلفوا من غير عذر ، وقيل : مع
المخالفين ، قال الفرآء : يقال : فلان عبد خالف ، وصاحب خالف : إذا كان مخالفا ،
وقيل : مع الخساس والادنيآء ، يقال : فلان خالفة أهله : إذا كان أدونهم ، وقيل : مع أهل الفساد ، من قولهم : خلف الرجل على أهله خلوفا : فسد وقيل : مع المرضى والزمنى وكل من
تأخر لنقص « ولا تصل علي أحد منهم » أي من
المنافقين « مات أبدا » أي بعد موته
ويدعو له ، فما صلى بعد ذلك على منافق حتى قبض.
وروي أنه صلىاللهعليهوآله
صلى على عبدالله بن أبي وألبسه قميصه قبل أن ينهى عن
الصلاة على المنافقين ، وقيل أراد صلىاللهعليهوآله أن يصلي عليه فأخذ
جبرئيل بثوبه وتلا عليه
« لا تصل
على أحد منه مات أبدا » وروي أنه قيل لرسول الله صلىاللهعليهوآله
: لم وجهت
بقميصك إليه يكفن فيه وهو كافر؟! فقال : « إن
قميصي لن يغني عنه من الله شيئا
وإني أؤمل من الله أن يدخل بهذا السبب في
الاسلام خلق كثير » فيروى أنه أسلم
ألف من الخزرج لما رأوه يطلب الاستشفاع بثوب رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ذكره الزجاج
____________________
وقال الاكثر في
الرواية أنه لم يصل عليه « ولا تعجبك » إنما كرر للتذكير في
موطنين مع بعد أحدهما من الآخر ، ويجوز أن تكون
الآيتان في فريقين من المنافقين
استأذنك « أي في العقود » أولوا الطول « أي
أولوا المال والقدرة » منهم « أي من
المنافقين » مع القاعدين « أي المتخلفين عن
الجهاد من النساء والصبيان » مع
الخوائف « أي النساء والصبيان والمرضى
والمقعدين » وجاء المعدرون من الاعراب » أي المقصرون الذين يعتذرون وليس لهم عذر ، وقيل
: هم المعتذرون الذين لهم عذر
وهم نفر من بني غفار عن ابن عباس « ليؤذن لهم »
في التخلف « وقعد الذين كذبوا
الله ورسوله » أي وقعدت طائفة من المنافقين من
غير اعتذار « ليس على الضعفاء » قيل : نزلت في عبدالله بن زائدة وهو ابن أم
مكتوم ، وكان ضرير البصر ، جاء إلى
رسول الله صلىاللهعليهوآله
فقال : يا نبي الله إنى شيخ ضرير
ضعيف الحال ، نحيف الجسم
وليس لي قائد ، فهل لي رخصة في التخلف عن
الجهاد؟ فسكت النبي صلىاللهعليهوآله
فأنزل
الله الآية ، وقيل : نزلت في عائذ بن عمرو
وأصحابه ، والضعفاءهم الذين قوتهم ناقصة
بالزمانة والعجز عن ابن عباس : وقيل هم الذين
لا يقدرون على الخروج « ولا على
المرضى » وهم أصحاب اللعلل المانعة من الخروج «
ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون » أي من ليست معه نفقة الخروج وآلة السفر « حرج »
أي ضيق وجناح في التخلف و
ترك الخروج « إذا نصحوالله ورسوله » بأن يخلصوا
العمل من الغش « ما على
المحسنين من سبيل » أي ليس على من يفعل الحسن الجميل في التخلف عن الجهاد
أو مطلقا طريق للتقريع في الدنيا والعذاب في
الآخرة « ولا على الذين إذا ما أتوك
لتحملهم » أي يسألونك مركما يركبونه فيخرجون
معك « قلت لا أجد ما أحملكم
عليه » أي مركبا ، ولا ما أسوي به أمركم « حزنا
أن لا يجدوا » أي لحزنهم على أن
لا يجدوا « يعتذرون إليكم » من تأخرهم عنكم
بالاباطيل والكذب « إذا رجعتم إليهم » من غزوة تبوك « لن نؤمن لكم » أي لا نصدقكم على
ما تقولون « قد نبأنا الله من
أخباركم » ما علمنا به كذبكم ، وقيل : أراد به
قوله : « لو خرجوا فيكم ما زادوكم
____________________
إلا خبالا » الآية «
وسيرى الله عملكم ورسوله » أي سيعلم الله فيما بعد ورسوله عملكم
هل تتوبون من نفاقكم أم تتمون عليه ، وقيل : سيعلم الله أعمالكم
وعزائمكم في
المستقبل ، ويظهر ذلك لرسوله ، فيعلمه الرسول
بإعلامه إياه « ثم تردون » بعد
الموت « إلى عالم الغيب والشهادة » أي الذي
يعلم ماغاب وما حضر ولا يخفى عليه
السر والعلانية « فينبئكم بما كنتم تعلمون » أي
فيخبركم بأعمالكم كلها : حسنها و
قبيحها فيجازيكم عليها أجمع « يسحلفون بالله
لكم » أي سيقسم هؤلاء المنافقون
المتخلفون فيما يعتذرون به إليكم « إذا انقلبتم
إليهم » أنهم إنما تخلفوا بعذر
« لتعرضوا
عنهم » أي لتصفحوا عن جرمهم ولا توبخوهم « فأعرضوا عنهم » إعراض
رد وإنكار وتكذيب « إنهم رجس » أي نجس ومعناه
أنهم كالشئ المنتن الذي يجب
الاجتناب عنه.
« وآخرون اعترفوا بذنوبهم » قال أبوحمرة
الثمالي : بلغنا أنهم ثلاثة نفرمن
الانصار : أبوالبابة بن عبد المنذر ، وثعلبة بن
وديعة ، وأوس بن حذام ، تخلفوا عن
رسول الله عند مخرجه إلى تبوك ، فلما بلغهم ما
أنزل فيمن تخلف عن نبيه صلىاللهعليهوآله
أيقنوا بالهلاك ، فأوثقوا أنفسهم بسواري المسجد
فلم يزالوا كذالك حتى قدم رسول
الله صلىاللهعليهوآله
، فسأل عنهم أقسموا لا يحلون أنفسهم حتى يكون رسول الله
صلىاللهعليهوآله
محلهم فقال رسول
الله (ص) : وأنا أقسم لا أكون أول من حلهم إلا أن أؤمر
فيهم بأمر ، فلما نزل « عسى الله أن يتوب عليهم
عمد رسول الله (ص)
إليهم فحلهم
فانطلقوا فجاؤا بأموالهم إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فقالوا : هذه
أموالنا التي خلفتنا عنك
فخذها وتصدق بها عنا فقال صلىاللهعليهوآله : ما أمرت فيها
بأمر ، فنزل » خذ من أموالهم
صدقة « الآيات ، وقيل : إنهم كانوا عشرة رهط ، منهم
أبوالبابة ، عن ابن عباس
____________________
وقيل : كانوا ثمانية
منهم أبولبابة ، وهلال ، وكردم ، وأبوقيس عن ابن جبير و
زيد بن أسلم ، وقيل : كانوا سبعة ، وقيل : خمسة
، وروي عن أبي جعفر عليهالسلام
أنها
نزلت في أبي لبابة ، ولم يذكر معه غيره ، وسبب
نزولها فيه ماجرى منه في بني قريظة
حين قال : إن نزلتم على حكمه فهو الذبح ، وبه قال مجاهد ، وقيل : نزلت فيه
خاصة حين تأخر عن النبي صلىاللهعليهوآله في غزوة تبوك ، فربط
نفسه بسارية على ما تقدم
ذكره ، عن الزهري قال : ثم قال أبولبابة : يا
رسول الله إن من توبتي أن أهجر
دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأن أنخلع من
مالي كله ، قال : « يجزيك يا
أبالبابة الثلث « وفي جميع الاقوال أخذ رسول
الله صلىاللهعليهوآله
ثلث أموالهم وترك الثلثين
لان الله تعالى قال : « خذمن أموالهم » ولم يقل
: خذ أموالهم « وآخرون مرجون
لامر الله » أي مؤخرون موقوفون لما يرد من أمر
الله فيهم ، قال مجاهد وقتادة : نزلت الآية في هلال بن أمية الواقفي ، ومرارة
بن الربيع ، وكعب بن مالك ، وهم من الاوس والخزرج ، وكان كعب رجل صدق غير مطعون عليه
، وإنما تخلف
توانيا عن الاستعداد حتى فاته المسير ، وانصرف
رسول الله صلىاللهعليهوآله
فقال : والله مالي
من عذر ، ولم يعتذر إليه بالكذب ، فقال صلىاللهعليهوآله : « صدقت قم حتى
يقضي الله فيك
أمره » وجاء الآخران فقالا مثل ذلك ، وصدقا ، فنهى
رسول الله صلىاللهعليهوآله
عن مكالمتهم
وأمر نساءهم باعتزالهم « حتى ضاقت عليهم الارض
بما رحبت » فأقاموا على ذلك
خمسين ليلة ، وبنى كعب خيمة على سلع يكون فيها
وحده ، وقال في ذلك :
أبعد دور بني القين الكرام وما
|
|
شادوا علي بنيت البيت من سعف
|
ثم نزلت التوبة عليهم بعد الخمسين في
الليل وهي قوله « وعلى
الثلاثة الذين خلفوا
» الآية ، فأصبح المسلمون يبتدرونهم ويبشرونهم ، قال كعب : فجئت إلى
رسول الله (ص) في المسجد وكان صلىاللهعليهوآله إذا سر يستبشر كأن
وجهه فلقة قمر ، فقال
لي ووجهه يبرق من السرور : « أبشر بخير يوم طلع
عليك شرفه
مذولدتك أمك »
____________________
قال كعب : فقلت له :
أمن عندالله أم من عندك يا رسول الله؟ فقال : من عندالله ، و
تصدق كعب بثلث ماله شكرا لله على توبته.
« لقد تاب الله » نزلت في غزاة تبوك وما لحق
المسلمين فيها من العسرة حتى
هم قوم بالرجوع ، ثم تداركهم لطف الله سبحانه ،
قال الحسن : كان العشرة من
المسلمين يخرجون على بعير يعتقبونه بينهم يركب
الرجل ساعة ثم ينزل
فيركب
صاحبه كذلك ، وكان زادهم الشعير المسوس ، والتمر
المدود ، والا هالة السنخةوكان النفر منهم يخرجون ما معهم من التمرات
بينهم ، فإذا بلغ الجوع من أحدهم
أخذ التمر فلاكها حتى يجد طعمها ، ثم يعطيها
صاحبه فيمصها ، ثم يشرب عليها
جرعة من ماء ، كذلك حتى يأتي على آخرهم ، فلا
يبقى من التمرة إلا النواة.
قالوا : وكان أبوخيثمة عبدالله بن خيثمة تخلف
إلى أن مضى من مسير
رسول الله صلىاللهعليهوآله
عشرة أيام ، ثم دخل يوما على امرأتين له في يوم حار في عريشين
لهما قد رشتاهما وبردتا الماء وهيأتا له الطعام ، فقام
على العريشين وقال : سبحان الله! رسول الله قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر في الضح والريح
والحر والقر
يحمل سلاحه على عاتقه ، وأبوخيثمة في ظلال باردة ، وطعام
مهيأ ، وامرأتين حسناوين ، ما هذا بالنصف ، ثم
قال : والله لا أكلم
واحدة
منكما كلمة ، ولا أدخل عريشا حتى ألحق بالنبي صلىاللهعليهوآله ، فأناخ ناضحه
واشتد
عليه وتزود وارتحل وامرأتاه تكلمانه ولا
يكلمهما ، ثم سار حتى إذا دنا من تبوك
____________________
قال الناس : هذا
راكب على الطريق ، فقال النبي صلىاللهعليهوآله
: « كن أبا خيثمة أولى
لك
» فلما دنا قال الناس : هذا أبوخيثمة يا رسول الله صلىاللهعليهوآله
، فأناخ راحلته و
سلم على رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : « أولى لك »
فحدثه الحديث فقال له خيرا ودعاله
وهو الذي زاغ قلبه للمقام ثم ثبته الله « على
النبي والمهاجرين والانصار » إنما ذكر اسم النبي صلىاللهعليهوآله مفتاحا للكلام ، وتحسينا
له ، ولانه سبب توبتهم ، و
إلا فلم يكن منه ما يوجب التوبة ، وقد روي عن
الرضا عليهالسلام
أنه قرأ « لقد تاب
الله بالنبي على المهاجرين والانصار الذين
اتبعوه ـ في الخروج معه إلى تبوك ـ في
ساعة العسرة
» وهي صعوبة الامر ، قال جابر : يعني عسرة الزاد وعسرة
الظهر ، وعسرة الماء ، والمراد وقت العسرة ، لان
الساعة تقع على كل زمان « من
بعد ما كاد تزيغ قلوب فريق منهم » عن الجهاد فهموا
بالانصراف فعصمهم
الله « ثم تاب عليهم » بعد ذلك الزيغ « وعلى
الثلاثة الذين خلفوا » أي عن قبول
التوبة بعد قبول توبة من قبل توبتهم من المنافقين كما قال : « وآخرون مرجون
لامرالله » أو خلفوا عن غزاة تبوك لما تخلفوا ،
وأما قراءة أهل البيت عليهالسلام
« خالفوا
» فإنهم قالوا : لو كانوا خلفوا لما توجه عليهم العتب ، ولكنهم خالفوا
وهذه الآية نزلت في شأن كعب بن مالك ومرارة بن
الربيع وهلال بن أمية ، و
ذلك أنهم تخلفوا عن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ولم يخرجوا معه
لا عن نفاق ، ولكن عن
توان ، ثم ندموا ، فلما قدم النبي صلىاللهعليهوآله المدينة جاؤا إليه
واعتذروا فلم يكلمهم
____________________
النبي صلىاللهعليهوآله ، وتقدم إلى
المسلمين بأن لا يكلمهم أحد منهم ، فهجرهم الناس حتى
الصبيان ، وجاءت نسأوهم إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فقلن : يا رسول
الله نعتزلهم؟ فقال : لا ولكن لا يقربو كن. فضاقت عليهم المدينة ، فخرجوا
إلى رؤوس الجبال ، وكان
أهاليهم يجيؤن لهم بالطعام ولا يكلمونهم ، فقال
بعضهم لبعض : قد هجرنا الناس ، ولا يكلمنا أحد
فهلا نتهاجر نحن أيضا؟ فتقرقوا ولم يجتمع منهم اثنان ، وبقوا
على ذلك خمسين يوما يتضرعون إلى الله ويتوبون
إليه ، فقبل الله توبتهم ، وأنزل
فيهم هذه الآية « حتى إذا ضاقت عليهم الارض بما
رحبت » أي برحبها وهذه صفة
من بلغ غاية الندم حتى كأنه لا يجد لنفسه مذهبا
، لانه كان نزلت توبة الناس ولم
تنزل توبتهم لتشديد المحنة عليهم واستصلاحهم
واستصلاح غير هم لئلا يعودوا إلى مثله
« وضاقت
عليهم أنفسهم » عبارة عن المبالغة في الغم حتى كأنهم لم يجدوا لانفسهم
موضعا يخفونها فيه.
وقيل : معنى ضيق أنفسهم صدورهم بالهم
الذي حصل لهم فيها « وظنوا
أن لا ملجأ من الله إلا إليه » أي أيقنوا
وعملوا أن لا معتصم من الله إلا به « ثم تاب
عليهم ليتوبوا » أي سهل الله عليهم التوبة حتى
تابوا وقيل : ليعودوا إلى حالتهم
الاولى قبل المعصية ، وقيل : أنزل توبة الثلاثة
ليتوب المؤمنون من ذنوبهم « ما كان
بأهل المدينة » ظاهره خبر ومعناه نهي ، أي ما
كان يجوز « ومن حولهم من الاعراب » قيل إنهم مزينة وجهينة وأشجع وغفار وأسلم « أن
يتخلفوا عن رسول الله » أي في
غزوة تبوك « ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه » أي
يطلبوا نفع نفوسهم بتوقيتها دون نفسه
وقيل : ولا يرضوا لانفسهم بالحفظ والدعة ، ورسول الله في الحر والمشقة ،
يقال : رغبت بنفسي عن هذا الامر ، أي ترفعت عنه ، بل عليهم أن يجعلوا أنفسهم
وقاية للنبي (ص) « ذلك » أي ذلك النهي والزجر
عن التخلف « بأنهم لا يصيهم ظمأ » أي عطش « ولا نصب ». ولا تعب في أبدانهم « ولا
مخمصة » وهي شدة الجوع « في سبيل
الله » أي في طاعته « ولا يطئون موطئا يغيظ
الكفار » أي لا يضعون أقدامهم موضعا يغيظ
____________________
الكفار وطؤهم إياه
أي دار الحرب « ولا ينالون من عدو نيلا » أى ولا يصيبون
من المشركين أمرا من قتل أو جراحة أو مال أو
أمر يغمهم ويغيظهم « إلا كتب لهم
به عمل صالح » وطاعة رفيعة « إن الله لا يضيع
أجر المحسنين » أي الذين يفعلون
الافعال الحسنة « ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا
كثيرة » في الجهاد ولا في غيره من سبل
والخير والمعروف « ولا يقطعون واديا إلا كتب
لهم » ثواب ذلك « ليجزيهم الله أحسن
ما كانوا يعملون » أي يكتب طاعاتهم ليجزيهم
عليها بقدر استحقاقهم ، ويزيدهم من
فضله حتى يصير الثواب أكثر وأحسن من عملهم ، وقيل
: إن الاحسن من صفة
فعلهم ، لان الاعمال على وجوه : واجب ، ومندوب ،
ومباح. وإنما يجازى على
الواجب والمندوب دون المباح ، فيقع الجزاء على
أحسن الاعمال.
بيان
: قال في القاموس : اللعس بالتحريك : سواد مستحسن في الشفة ، لعس
كفرح ، والنعت ألعس ولساء من لعس. والسرب : الحفير
تحت الارض. والقين
الحداد ، وبنو القين حي من أسد. وشاد الحائط
يشيده : طلاه بالشيد ، وهو ماطلي
به حائط من جص ونحوه. وقوله : « على » متعلق
بقوله : بنيت ، أو حال عن الدور
وفي بعض النسخ : شاروا بالراء ، من قولهم : شرت
الدابة شورا : عرضتها على البيع
فالظرف متعلق بقوله : شاروا ، والشورة والشارة :
الحسن ، والهيئة ، واللباس ، و
الزينة ، والشوار : متاع البيت. والدال أنسب.
وفي النهاية : كل شئ من الادهان مما
يؤتدم به إهالة ، وقيل : هو ما أذيب
من الالية والشحم ، وقيل : الدسم الجامد.
والنسخة المتغيرة الريح. وقال : في
حديث أبي خيثمة : يكون رسول الله في الضح
والريح ، وأنا في الظل ، أي يكون
بارزا لحر الشمس وهبوب الرياح ، والضح : ضوء
الشمس إذا استمكن من الارض
هكذا هو أصل الحديث ومعناه. وذكره الهروي فقال :
أراد كثرة الخيل والجيش
يقال : جاء فلان بالضح والريح ، أي بما طلعت
عليه الشمس ، وهبت عليه الريح
يغنون المال الكثير والاول أشبه بهذا الحديث.
____________________
وقال في قوله : كن أبا خيثمة : أي صر ، يقال
للرجل يرى من بعد : كن فلانا
أي أنت فلان ، أو هو فلان ، وقال : أولى لك ، أي
قرب منك ما نكره ، وهي كلمة
تلهف يقولها الرجل إذا أفلت من عظيمة ، وقيل : هي
كلمة تهدد ووعيد ، قال
الاصمعي : معناه قاربه مايهلكه.
١ ـ شا
: ثم كانت غزاة تبوك ، فأوحى الله عز اسمه إلى نبيه صلىاللهعليهوآله
: أن يسير
إليها بنفسه ، ويستفر الناس للخروج معه ، وأعلمه
أنه لا يحتاج فيها إلى حرب ، ولا
يمني
بقتال عدو ، وأن الامور تنقاد له بغير سيف ، وتعيده بامتحان أصحابه
بالخروج معه ، واختبارهم ليتميزوا بذلك ، وتظهر
به سرائرهم ، فاستفرهم النبي
صلىاللهعليهوآله
إلى بلاد الروم ، وقد أينعت ثمارهم واشتد القيظ عليهم ، فأبطأ أكثرهم عن
طاعته ، رغبة في العاجل ، وحرصا على المعيشة
وإصلاحها ، وخوفا من شدة القيظ و
بعد المسافة
، ولقاء العدو ، ثم نهض بعضهم على الستثقال للنهوض ، وتخلف آخرون
ولما أراد النبي صلىاللهعليهوآله
الخروج استخلف أميرالمؤمنين في أهله وولده وأرواجه
ومهاجره ، وقال : يا علي إن المدينة لاتصلح إلا بي
أوبك ، وذلك أنه صلىاللهعليهوآله
علم خبث
نيات الاعراب ، وكثير من أهل مكة ومن حولها ممن غزاهم وسفك دماءهم
فأشفق
أن يطلبوا المدينة عند نأيه عنها
وحصوله ببلاد الروم أو نحوها فمتى لم يكن
فيها من يقوم مقامه لم يؤمن من معرتهم وإيقاع الفساد في دار هجرته والتخطي
إلى
ما يشين أهله ومخلفيه ، وعلم صلىاللهعليهوآله أنه لا يقوم مقامه
في إرهاب العدو وحراسة
دار الهجرة وحياطة من فيها إلا أميرالمؤمنين عليهالسلام ، فاستخلفه
استخلافا ظاهرا ، و
____________________
نص عليه بالامامة من
بعده نصا جليا ، وذلك فيما تظاهرت به الرواية
أن أهل
النفاق لما علموا باستخلاف رسول الله صلىاللهعليهوآله عليا على المدينة
حسدوه لذلك ، وعظم
عليهم مقامه فيها بعد خروجه ، وعلموا أنها
تتحرس به
ولايكون فيها للعدو
مطمع ، فساءهم ذلك ، وكانوا يؤثرون خروجه معه
لما يرجونه من وقوع الفساد و
الاختلاط عند نأي رسول الله (ص) عن المدينة ، وخلوها من مرهوب مخوف
يحرسها
وغبطوه عليهالسلام
على الرفاهية والدعة بمقامة في أهله ، وتكلف من خرج منهم المشاق
بالسفر والخطر ، فأرجعوا به عليهالسلام
وقالوا : لم يستخلفه رسول الله صلىاللهعليهوآله
إكراما له ، وإجلالا ومودة. وإنما خلفه
استثقالا له ، فبهتوا بهذا الارجاف
كبهت قريش للنبي صلىاللهعليهوآله
بالجنة تارة ، وبالشعر أخرى ، وبالسحر مرة ، و
بالكهانة أخرى ، وهم يعلمون ضد ذلك ونقيضه ، كما
علم المنافقون ضد ما أرجفوا
به على أمير المؤمنين عليهالسلام وخلافه ، وأن النبي
(ص) كان أخص الناس بأميرالمؤمنين
عليهالسلام
، وكان هو أحب الناس إليه وأسعدهم عنده ، وأفضلهم لديه فلما بلغ
اميرالمؤمنين عليهالسلام
إرجاف المنافقين به أراد تكذيبهم وإظهار فضيحتم ، فلحق بالنبي
صلىاللهعليهوآله
فقال : يا رسول الله إن المنافقين يزعمون أنك خلفتني استثقالا ومقتا
فقال له النبي صلىاللهعليهوآله
: « ارجع يا أخي إلى مكانك ، فإن المدينة لا تصلح إلا بي أو
بك ، فأنت خليفتي في أهل بيتي ودار هجرتي وقومي ، أما ترضى أن تكون
مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي؟
» فتضمن هذا القول من رسول الله
صلىاللهعليهوآله
نصه عليه بالامامة ، وإبانته من الكافة بالخلافة ، ودل به على فضل لم يشركه
فيه أحد سواه ، وأوجب له به جميع منازل هارون
من موسى إلا خصه العرف من
____________________
الاخوة واستثاه هو من النبوة ، ألا ترى أنه صلىاللهعليهوآله جعل له كافة منازل
هارون
من موسى إلا المستثنى منها لفظا وعقلا ، وقد علم من تأمل معاني القرآن و
تصفح الروايات والاخبار أن هارون كان أخا موسى عليهالسلام لابيه وأمة ، وشريكه
في أمره ، ووزيره على نبوته ، وتبليغه رسالات
ربه ، وأن الله سبحانه شد به أزره
وأنه كان خليفته على قومه ، وكان له من الامامة
علبهم وفرض الطاعة كإمامته
وفرض طاعته ، وأنه كان أحب قومه إليه ، وأفضلهم
لديه ، قال الله عزوجل
حاكيا عن موسى عليهالسلام
: « رب اشرح لي صدري *
ويسرلي أمري * واحلل عقدة من
لساني * يفقهوا قولي * واجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي * أشدد به أزري *
وأشركه في أمري
» الآية ، فأجاب الله تعالى مستألته ، وأعطاه
أمنيته
حيث يقول :
« قد أوتيت سؤلك يا موسى
» وقال تعالى حاكيا
عن موسى : « وقال موسى لاخيه هارون اخلفني في
قومي وأصلح ولاتتبع سبيل
المفسدين
» فلما جعل رسول الله (ص) عليا عليهالسلام
منه بمنزلة هارون من موسى
أوجب له بذلك جميع ما عددناه إلا ما خصه العرف
من الاخوة
واستثناه من
النبوة لفظا ، وهذه فضيلة لم يشرك فيها أحد من
المخلوقين
أميرالمؤمنين ، ولا
ساواه في معناها ولا قاربه فيها على حال ، ولو
علم الله عزوجل أن لنبيه صلىاللهعليهوآله
في
هذه الغزاة حاجة إلى الحرب والانصار لما أذن له
في تخليف أمير المؤمنين عليهالسلام
عنه
____________________
حسب ما قد مناه ، بل
علم أن المصلحة في استخلافه ، وأن إقامته في دار هجرته
مقامه أفضل الاعمال ، فدبر الخلق والدين بما
قضاة في ذلك وأمضاه ، على ما بيناه
وشرحناه.
أقول
: سيأتي تمام القول في هذا الخبر ، وكونه نصا على إمامته عليهالسلام في
أبواب النصوص عليه صلوات الله عليه.
٢ ـ فس
: « انفروا خفافا وثقالا » قال : شبابا
وشيوخا ، يعني إلى غزوة
تبوك ، وفي رواية أبي الجارود في قوله : « لو
كان عرضا قريبا » يقول : غنيمة قريبة
« لا
تبعوك » قوله : « ولكن بعدت عليهم الشقة » يعني إلى تبوك ، وذلك أن رسول
الله لم يسافر سفرا أبعد منه ، ولا أشد منه ، وكان
سبب ذلك أن الصياقة
كانوا
يقدمون المدينة من الشام معهم الدرنوك والطعام
وهم الانباط
فأشاعوا بالمدينة
أن الروم قد أجتمعوا يريدون غزو رسول الله صلىاللهعليهوآله في عسكر عظيم ، وأن
هر قل
قد سار في جنوده وجلب معهم غسان وجذام وفهرا وعاملة ، وقدقدم
عساكره
البلقاء ، ونزل هو حمص ، فأمر رسول الله أصحابه
التهيؤ إلى تبوك وهي من بلاد
البلقاء وبعث إلى القبائل حوله وإلى مكة وإلى
من أسلم من خزاعة ومزينة و
جهينة ، فحثهم على الجهاد ، وأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله بعسكره فضرب في
ثنية الوداع
وأمر أهل الجدة أن يعينوا من لاقوة به ، ومن
كان عنده شئ أخرجوا
وحملوا
وقووا وحثوا على ذلك ، وخطب رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال بعد أن حمد
الله وأثنى
____________________
عليه : « أيها الناس
إن أصدق الحديث كتاب الله وأولى القول
كلمة التقوى
وخير الملل ملة إبراهيم ، وخير الستة سنن محمد وأشرف الحديث ذكرالله ، و
أحسن القصص هذا القرآن ، وخيرالامور عزائمها وشر الامور محدثاتها ، و
أحسن الهدى هدى الانبياء ، وأشرف القتل قتل
الشهداء ، وأعمى العمى الضلالة بعد
الهدى ، وخير الاعمال ما نفع ، وخير الهدى ما
اتبع ، وشر العمى عمى القلب
واليد العليا خير من اليد السفلى ، وما قل وكفى
خير مماكثر وألهى ، وشر
المعذرة حين يحضر الموت ، وشر الندامة يوم
القيامة ، ومن الناس من لا يأتي الجمعة
إلا نزرا ، ومنهم من لا يذكر الله إلا هجرا ، ومن
أعظم الخطايا اللسان الكذب
وخير الغنى غنى النفس ، وخير الزاد النقوى ، ورأس
الحكمة مخافة الله ، وخير
ما ألقي في القلب اليقين ، والارتياب من الكفر
، والتباعد من عمل الجاهلية
و
الغلول من جمر جهنم والسكر جمر النار والشعر من إبليس ، والخمر جماع
الاثم
والنساء حبائل إبليس
والشباب شعبة من الجنون ، وشر المكاسب
كسب الربا ، وشر المآكل أكل مال اليتيم والسعيد من وعظ بغيره ، والشقي
____________________
من شقي في بطن أمه ،
وإنما يصير أحدكم إلى موضع أربعة أذرع ، والامر إلى
آخره ، وملاك العمل خواتيمه ، وأربى الربا
الكذب ، وكل ما هو
آت قريب
وشنآن
المؤمن فسق وقتال المؤمن كفر ، وأكل لحمه من معصية الله ، وحرمة ماله
كحرمة دمه ، ومن توكل على الله كفاه ، ومن صبر
ظفر ، ومن يعف يعف الله
عنه
ومن كظم الغيظ يأجره الله ، ومن يصبر على الزرية يعوضه الله ، ومن
يتبع السمعة يسمع الله به ، ومن يصم يضاعف الله له ، ومن يعص الله يعذبه
اللهم اغفرلي ولامتي ، اللهم اغفرلي ولامتي ، أستغفر
الله لي ولكم
».
قال : فرغب الناس في الجهاد لما سمعوا
هذا من رسول الله صلىاللهعليهوآله
، وقدمت القبائل من العرب ممن استنفرهم ، وقعد عنه قوم من المنافقين وغيرهم ، ولقي
رسول الله الجد بن قيس فقال له : يا باوهب
ألاتنفر معنا في هذه القرى
لعلك
أن تحتفد بنات الاصفر؟ فقال : يا رسول الله ، والله
إن قومي ليعلمون أنه ليس
فيهم أحد أشد عجبا بالنساء مني ، وأخاف إن خرجت
معك أن لا أصبر إذا رأيت
____________________
بنات الاصفر ، فلا
تفتني ، وائذن لي أن أقيم ، وقال لجماعة من قومه : لا تخرجوا
في الحر ، فقال ابنه : ترد على رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وتقول له ما تقول
، ثم تقول
لقومك : لا تنفروا في الحر؟ والله لينزلن الله
في هذا قرآنا يقرأه الناس إلى يوم
القيامة ، فأنزل الله على رسوله في ذلك : « ومنهم
من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا
في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ».
ثم قال الجد بن قيس : أيطمع محمد أن حرب
الروم مثل حرب غيرهم؟ لا
يرجع من هؤلاء أحد أبدا.
وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليهالسلام في قوله : « إن
تصبك حسنة
تسؤهم وإن نصبك مصيبة » أما الحسنة فالغنيمة
والعافية ، وأما المصيبة فالبلاء و
الشدة. « يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا
وهم فرحون » إلى قوله : « و
على الله فليتوكل المؤمنون » وقوله : « قل هل
تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين » يقول : الغنيمة والجنة ، إلى قوله : « إنا معكم
متربصون » ونزل
أيضا في
الجد بن قيس في رواية علي بن إبراهيم لما قال لقومه : لا تخرجوا في الحر : « فرح
المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله » إلى قوله : « وما تواوهم فاسقون » ففضح الله الجد بن قيس وأصحابه ، فلما اجتمع
لرسول الله صلىاللهعليهوآله
الخيول رحل
من ثنية الوداع ، وخلف أميرالمؤمنين عليهالسلام على المدينة ، فأرجف
المنافقون بعلي
عليهالسلام
فقالوا : ما خلفه إلا تشؤما به ، فبلغ ذلك عليا عليهالسلام
فأخذ سيفه وسلاحه و
لحق برسول الله صلىاللهعليهوآله
بالجرف ، فقال له رسول الله (ص) : يا علي ألم أخلفك على
المدينة؟ قال : نعم ، ولكن المنافقون زعموا أنك
خلفتني تشؤما بي ، فقال : « كذب
المنافقون يا علي ، أما ترضى ، أن تكون أخى
وأنا أخوك بمنزلة هارون من موسى
____________________
إلا أنه لا نبي بعدي
، وأنت خليفتي في أمتي ، وأنت وزيرى وأخي في الدنيا و
الآخرة » فرجع علي عليهالسلام
إلى المدينة.
وجاء البكاؤن إلى رسول الله وهم سبعة من
بني عمرو بن عوف : سالم بن عمير
فقد شهد بدرا لا اختلاف فيه ، ومن بني واقف
هرمي بن
عمير ، ومن بني حارثة
علية بن زيد
وهو الذي تصدق بعرضه ، وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوآله
أمر بصدقة
فجعل الناس يأتون بها ، فجاء علية فقال : يا
رسول الله والله ما عندي ما أنصدق به
وقد جعلت عرضي حلا ، فقال له رسول الله (ص) : قد
قبل الله صدقتك ، ومن بني
مازن بن النجار أبوليلى عبدالرحمن بن كعب ، ومن
بني سلمة
عمر بن غنمة
ومن بني زريق سلمة بن صخر ، ومن بني الغر ناصر بن سارية السلمي ، هؤلاء
جاؤا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله يبكون ، فقالوا : يا
رسول الله ليس بنا قوة أن نخرج
معك ، فأنزل الله فيهم : « ليس على الضعفاء ولا
على الذين لا يجدون ما ينفقون
حرج إذا نصحوالله ورسوله ما على المحسنين من سبيل
والله غفور رحيم » إلى قوله : « ألا
يجدوا ما ينفقون » قال : وإنما سألوا هؤلاء البكاؤن نعلا يلبسونها ، ثم قال : « إنما
السبيل على الذين يستأذنوك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف » والمستأذنون ثمانون رجلا من قبائل شتى ، والخوالف النساء.
وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليهالسلام في قوله : « عفى
الله عنك لم
أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم
الكاذبين » يقول : تعرف أهل العذر
والذين جلسوا بغير عذر. قوله : « لا يستأذنك
الذين يؤمن بالله واليوم الآخر
أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين
» إلى قوله : « لو خرجوا فيكم
____________________
ما زادوكم إلا خبالا
» أي وبالا « ولاوضعوا خلالكم » أي يهربوا عنكم ، وتخلف
عن رسول الله قوم أهل نيات وبصائر لم يكن
يلحقهم شك ولا ارتياب ، ولكنهم
قالوا : نلحق برسول الله ، منهم أبوخيثمة ، وكان
له زوجتان وعريشتان
فكانتا
زوجتاه قد رشتا عريشتيه وبردتا له الماء وهيأتا له طعاما فأشرف
على عريشتيهفلما نظر إليهما قال : لا والله ما هذا بإنصاف ،
رسول الله صلىاللهعليهوآله
قد غفر الله له ما
تقدم من ذنبه وما تأخر ، قد خرج في الضح والريح ، وقد حمل السلاح
يجاهد في سبيل الله ، وأبوخيثمة قوي قاعد في
عريشته وامرأتين
حسناوين ، لا
والله ما هذا بإنصاف ، ثم أخذ ناقته فشد عليها
رحله فلحق
برسول الله صلىاللهعليهوآله
فنظر الناس إلى راكب على الطريق فأخبروا رسول
الله بذلك ، فقال رسول الله (ص) : كن أبا خيثمة ، أقبل
فأخبر النبي صلىاللهعليهوآله
بما كان
فجزاه خيرا ودعا له.
وكان أبوذر رحمهالله
تخلف عن رسول الله صلىاللهعليهوآله
ثلاثة أيام ، وذلك أن جمله
كان أعجف
فلحق بعد ثلاثة أيام
ووقف عليه جمله في بعض الطريق فتركه
وحمل ثيابه على ظهره ، فلما ارتفع النهار نظر
المسلمون إلى شخص مقبل ، فقال
رسول الله : كن أباذر ، فقالوا : هو أبوذر ، فقال
رسول الله صلىاللهعليهوآله
: أدركوه بالماء
فإنه عطشان ، فأدركوه بلماء ووافى أبوذر رسول
الله صلىاللهعليهوآله
ومعه إداوة فيها ماء
فقال رسول الله (ص) : ياباذر معك ماء وعطشت؟
فقال : نعم يا رسول الله بأبي أنت
____________________
وأمي انتهيت إلى
صخرة عليها
ماء السماء فذقته فإذا هو عذب بارد ، فقلت : لا
أشربه حتى يشربه حبيبي رسول الله (ص) ، فقال
رسول الله صلىاللهعليهوآله
: ياباذر
رحمك
الله تعيش وحدك ، وتموت وحدك ، وتبعث وحدك ، وتدخل
الجنة وحدك ، يسعد
بك قوم من أهل العراق ، يتولون غسلك وتجهيزك
والصلاة عليك ودفنك.
بيان
: أقول : سيأتي تمام الكلام في أحوال أبي ذر رضياللهعنه
، وقال
الجوهري : عاملت الرجل مصايفة ، أي أيام الصيف ،
وصائفة القوم : ميرتهم في
الصيف ، والصائفة : غزوة الروم ، لانهم يغزون
صيفا لمكان البرد والثلج. وقال : الدرنوك : ضرب من البسط ذوخمل ، وتشبه به فروة
البعير وقال : النبط والنبيط : قوم ينزلون لبطائح بين العراقين ، والجمع أنباط. وتبوك : أرض بين الشام و
المدينة. وبلقاء : بلد بالشام.
قوله صلىاللهعليهوآله
: وأولوا القربى ، لعل هذه الفقرة زيدت هنا من النساخ ، و
على تقديرها فيه تقدير مضاف ، أي قول أولي
القربي أو مودتهم.
وقال في النهاية : فيه خير ألامور
عوازمها ، أي فرائضها التي عزم الله تعالى
عليك بفعلها ، والمعنى ذوات عزمها التي فيها
عزم ، وقيل : هي ما وكدت رأيك و
عزمك عليه ، ووفيت بعهدالله فيه. والعزم : الجد
والصبر. وقال : فيه إياكم
ومحدثات الامور ، جمع محدثة بالفتح ، وهي ما لم
يكن معروفا في كتاب ولا سنة ولا
إجماع. وقال : اليد العليا : المعطية ، وقيل : المتعففة
، والسفلى : السائلة و
قيل : المانعة.
وقال الفيروزآبادي : النزر : القليل ، والالحاح
في السؤال ، والاحتثات
والاستعجال ، وما جئت إلا نزرا ، أي بطيئا ، وفلان
لا يعطي حتى ينزر ، أي حتى
يلح عليه ويهان. وقال في النهاية : في الحديث :
ومن الناس من لا يذكر الله إلا
____________________
مهاجرا ، يريد هجران القلب ، وترك الاخلاص في
الذكر ، فكأن قلبه مهاجر
للسانه ، غير مواصل له ، ومنه الحديث : ولا
يسمعون القرآن إلا هجرا ، يريد
الترك والاعراض عنه.
قوله صلىاللهعليهوآله
: والتباعد ، أي من الحق أو المؤمنين. والجمرة : النار المتقدة
والجمع جمر ، والسكر محركة : الخمر ، وكل ما
يسكر.
وفي النهاية : الخمر جماع الاثم ، أي
مجمعه ومظنته قوله صلىاللهعليهوآله
: والامر
إلى آخره ، أي الامر إنما ينفع إذا انتهى إلى
آخره ، أو الامر ينسب في الخير
والشر ، والسعادة والشقاوة إلى آخره. وعلى
التقديرين الفقرة الثانية كالتفسير
لها. وفي النهاية : الملاك بالكسر والفتح : قوام
الشئ ونظامه وما يعتمد عليه.
قوله صلىاللهعليهوآله
: أربى الربا الكذب ، الربا : الزيادة والنمو ، أي لا يزيد ولا
ينمو عقاب معصية كما ينمو عقاب الكذب ، أو
المراد أن عقابه أكثر من الربا
فالمناسبة من جهة أن الربا زيادة في المال بغير
حق ، والكذب زيادة في القول بغير
حق. وفي روايات العامة : شر الروايا روايا
الكذب. قوله : وأكمل
لحمه
أي بالغيبة.
قوله صلىاللهعليهوآله
: ومن يتبع السمعة ، أي يعمل ليسمعه الناس ، أو يذكر
عمله للناس ويحب ذلك ، يسمع الله به على بناء
التفعيل ، أي يشهره الله تعالى بمساوي عمله ، وسوء سريرته. قوله : تحتفد ، أي
تجعلهن حفدة لك ، أي أعوانا
و خدما ، وفي بعض النسخ : تستحفد ، ولعله أصوب.
وقال في القاموس : بنو الاصفر : ملوك
الروم ، أولاد الاصفر بن روم بن
عيصو بن إسحاق بن إبراهيم ، أو لان جنسا من
الجيش غلب عليهم فوطئ نساءهم
فولد لهم أولاد صفر. وقال الجوهري الضح : الشمس.
____________________
أقول : قال الطبرسي رحمة الله : البكاؤن
كانوا سبعة نفر ، منهم عبدالرحمن
ابن كعب ، وعلية بن زيد وعمرو بن غنيمة وهؤلاء من بني النجار ، و
سالم بن عمير ، وهرم بن عبدالله ، وعبدالله بن عمرو ، من
بني عمرو بن عوف ، و
عبدالله بن معقل من بني مزينة ، جاؤا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فقالوا : يا رسول
الله
احملنا فإنه ليس لنا ما نخرج عليه ، فقال : لا
أجد ما أحملكم عليه ، عن أبي حمزة
الثمالي ، وقيل : نزلت في سبعة نفر من قبائل
شتى أتوا النبي صلىاللهعليهوآله
فقالوا : احملنا
على الخفاف والبغال وقيل : كانوا جماعة من مزينة ، وقيل : كانوا
سبعة من
فقراء الانصار ، فلما بكوا حمل عثمان منهم
رجلين ، والعباس بن عبدالمطلب
رجلين ، وياسر بن كعب النضيري ثلاثة ، عن الواقدي ، قال
: وكان الناس
بتبوك مع رسول الله صلىاللهعليهوآله ثلاثين ألفا ، منهم
عشرة آلاف فارس.
٣ ـ فس
: كان مع رسول الله صلىاللهعليهوآله بتبوك رجل يقال له :
المضرب من كثرة
ضرباته التي أصابته ببدر وأحد ، فقال له رسول
الله صلىاللهعليهوآله
: عدلي أهل العسكر
فعددهم
فقال : هم خمسة وعشرون ألف رجل سوى العبيد والتباع ، فقال : عد
المؤمنين ، فعددهم فقال : هم خمسة وعشرون رجلا ، وقد كان
تخلف عن رسول
الله صلىاللهعليهوآله
قوم من المنافقين ، وقوم من المؤمنين مستبصرين لم يعثر عليهم في نفاق
____________________
منهم كعب بن مالك
الشاعر ، ومرارة بن الربيع ، وهلال بن أمية الرافقي
فلما تاب الله عليهم قال كعب : ماكنت قط أقوى
مني في ذلك الوقت الذي خرج
رسول الله صلىاللهعليهوآله
إلى تبوك ، وما اجتمعت لي راحلتان قط إلا في ذلك اليوم ، فكنت
أقول : أخرج غدا ، أخرج بعد غد ، فاني مقوي وتوانيت وبقيت بعد خروج
النبي صلىاللهعليهوآله
أياما أدخل السوق ولا أقضي
حاجة ، فلقيت هلال بن أمية ومرارة
ابن الربيع وقد كانا تخلفا أيضا فتوافقنا أن نبكر إلى السوق ، فلم نقض
لنا
حاجة
فما زلنا نقول : نخرج غدا وبعد غد حتى بلغنا إقبال رسول الله صلىاللهعليهوآله
فندمنا ، فلما وافى رسول الله صلىاللهعليهوآله استقبلناه نهنيه
بالسلامة فسلمنا عليه فلم يرد
علينا السلام ، وأعرض عنا ، وسلمنا على إخواننا
فلم يردوا علينا السلام ، فبلغ
ذلك أهلونا فقطعوا كلامنا ، وكنا نحضر المسجد
فلا يسلم علينا أحد ، ولا يكلمنا
فجئن نساؤنا إلى رسول الله (ص) فقلن : قد بلغنا
سخطك على أزواجنا ، أفنعتز لهم؟
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
: لا تعتزلنهم ، ولكن لا يقربونكن ، فلما رأى كعب بن
مالك وصاحباه ما قد حل بهم قال : ما يقعدنا
بالمدينة ولا يكلمنا رسول الله صلىاللهعليهوآله
ولا إخواننا ولا أهلونا؟ فهلموا نخرج إلى هذا الجبل فلا نزال
فيه حتى يتوب
الله علينا أو نموت ، فخرجوا إلى ذناب جبل بالمدينة ، فكانوا يصومون ، وكان
أهلوهم يأتونهم بالطعام فيضعونه ناحية ، ثم
يولون عنهم فلا يكلمونهم
فبقوا
على هذا
أياما كثيرة يبكون الليل
والنهار ، ويدعون الله أن يغفرلهم ، فلما
____________________
طال عليهم الامر قال لهم كعب : يا قوم قد سخط الله
علينا ، ورسوله قد سخط الله
علينا ، وإخواننا سخطوا علينا ، وأهلونا سخطوا علينا ، وفلا يكلمنا أحد فلم لا يسخط
بعضنا على بعض؟ فتفرقوا في الليل
وحلفوا أن لا يكلم أحد منهم
صاحبه حتى يموت أو يتوب الله عليه ، فبقوا على
هذه ثلاثه أيام ، كل واحد منهم
في ناحية من الجبل ، لايرى أحد منهم صاحبه ولا
يكلمه ، فلما كان في الليلة الثالثة
ورسول الله صلىاللهعليهوآله
في بيت أم سلمة نزلت توبتهم على رسول الله.
قوله : « لقد تاب الله بالنبي على
المهاجرين
والانصار الذين اتبعوه في
ساعة العسرة » قال الصادق عليهالسلام : هكذا نزلت وهو
أبوذر ، وأبوخيثمة ، وعمرو
ابن
وهب الذين تخلفوا ، ثم لحقوا برسول الله صلىاللهعليهوآله
، ثم قال في هؤلاء الثلاثة : « وعلى
الثلاثة الذين خلفوا » فقال العالم : إنما نزل : « وعلى الثلاثة الذين
خالفوا
» ولو خلفوا لم يكن عليهم عتب
« حتى إذا ضاقت عليهم الارض بما
رحبت » حيث لم يكلمهم رسول الله (ص) ولا
إخوانهم ولا أهلوهم ، فضاقت المدينة
عليهم حتى خرجوامنها « وضاقت عليهم أنفسهم » حيث
حلفوا أن لا يكلم بعضهم
بعضا فتفرقوا ، وتاب الله عليهم لما عرف من صدق
نياتهم.
٤ ـ فس
: قوله في المنافقين : « قل لهم يا محمد
» : « أنفقوا طوعا أو كرها »
____________________
إلى قوله : « وهم كافرون
» وكانوا
يحلفون لرسول الله صلىاللهعليهوآله
أنهم مؤمنون
فأنزل الله : « ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم
قوم يفرقون * لو يجدون ملجأ
أو مغارات » يعني غارات في الجبال « أو مد خلا » قال
: موضعا يلتجئون
إليه « لولوا إليه وهم يجمحون
» أي يعرضون
عنكم.
قوله : « يحلفون بالله لكم ليرضوكم » فإنها
نزلت في المنافقين الذين كانوا
يحلفون للمؤمنين أنهم منهم لكي يرضى عنهم
المؤمنون ، فقال الله : « والله
وسوله أحق أن
يرضوه إن كانوا مؤمنين
» وقوله : « يحذر
المنافقون أن تنزل عليهم سورة
تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزؤا إن الله مخرج ما تحذرون » قال : كان
قوم من المنافقين لما خرج رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى تبوك كانوا
يتحدثون فيما بينهم ، و
يقولون : أيرى محمد أن حرب الروم مثل حرب غيرهم؟
لا يرجع منهم أحد أبدا
فقال بعضهم : ما أخلقه أن يخبر الله محمدا بما كنا فيه وبما
في قلوبنا ، وينزل
عليه بهذا قرآنا يقرأه الناس؟ وقالوا هذا على حد الاستهزاء ، فقال
رسول الله
صلىاللهعليهوآله
لعمار بن ياسر : الحق فإنهم قد احترقوا ، فلحقهم عمار فقال : ما
قلتم؟ قالوا : ما قلنا شيئا ، إنما كنا نقول
شيئا على حد اللعب والمزاح ، فأنزل
الله : « ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل
أبالله وآياته ورسوله كنتم
تستهزؤن * لا نعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة
بأنهم كانوا مجرمين ».
وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليهالسلام في قوله : « لا
تعتذروا قد كفرتم
بعد إيمانكم » قال : هؤلاء قوم كانوا مؤمنين
صادقين ارتابوا وشكوا ونافقوا بعد
إيمانهم ، وكانوا أربعة نفر. وقوله : « إن نعف
عن طائفة منكم » كان أحد الاربعة
____________________
مختبر بن الحمير فاعترف وتاب ، وقال : يا رسول الله
أهلكني اسمي ، فسماه
رسول الله عبدالله بن عبدالرحمن ، فقال : يا رب
اجعلني شهيدا حيث لا يعلم أحد
أين أنا ، فقتل يوم اليمامة ، ولم يعلم أحد أين
قتل ، فهو الذي عفى الله عنه.
قال : ولما قدم النبي صلىاللهعليهوآله من تبوك كان أصحابه
المؤمنون يتعرضون
للمنافقين ويؤذونهم ، فكانوا يحلفون لهم أنهم
على الحق وليسوا بمنافقين ، لكي
يعرضوا عنهم ويرضوا عنهم فأنزل الله سبحانه : « سيحلفون بالله
لكم إذا نقلبتم
إليهم
» الآية قوله : « ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ » أي عطش « ولا نصب » أي
عناء « ولا مخمصة في سبيل الله » أي جوع « ولا
يطئون موطئا يغيظ الكفار » يعني
يدخلون بلاد الكفار « ولا ينالون من عدو نيلا » يعني قتلا وأسرا.
أقول : سيأتي أن رسول الله صلىاللهعليهوآله لعن أباسفيان في
سبعة مواطن : أحدها
يوم حملوا على رسول الله صلىاللهعليهوآله في العقبة ، وهم
اثنا عشر رجلا من بني أمية ، وخسمة من سائر الناس ، فلعن رسول الله (ص) من على العقبة غير النبي صلىاللهعليهوآله و
ناقته وسائقه وقائده.
٥ ـ ل
: العجلي ، عن ابن زكريا القطان ، عن
ابن حبيب ، عن ابن بهلول
عن أبيه ، عن عبدالله بن الفضل الهاشمي ، عن
أبيه ، عن زياد بن المنذر
قال : حدثني جماعة من المشيخة عن حذيفة بن اليمان أنه
قال : الذين نفروا برسول الله
____________________
ناقته في منصرفه من
تبوك أربعة عشر : أبوالشرور ، وأبوالدواهي ، وأبوالمعازف
وأبوه ، وطلحة ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبوعبيدة ،
وأبوالاعور ، والمغيرة ، و
سالم مولى أبي حذيفة ، وخالد بن الوليد ، وعمروبن
العاص ، وأبوموسى الاشعري
وعبدالرحمن بن عوف ، وهم الذين أنزل الله عزوجل
فيهم : « وهموا بما لم ينالوا » .
بيان
: أبوالشرور وأبوالدواهي وأبوالمعازف أبوبكر وعمر وعثمان ، فيكون
المراد بالاب الوالد المجازي ، أو لانه كان
ولدزنا ، أو المراد بأبي المعازف معاوية
وأبوه أبوسفيان ، ولعله أظهر ، ويؤيده الخبر
السابق.
٦ ـ م
ج : بلاسناد إلى أبي محمد العسكري عليهالسلام قال : لقد رامت
الفجرة
الكفرة
ليلة العقبة قتل رسول الله صلىاللهعليهوآله
على العقبة ، ورام من بقي من مردة
المنافقين بالمدينة قتل علي بن أبي طالب عليهالسلام ، فما قدروا على
مغالبة ربهم ، حملهم
على ذلك حسدهم لرسول الله (ص) في علي عليهالسلام لمافخم من أمره ، وعظم
من شأنه
من ذلك أنه لما خرج من المدينة وقد كان خلفه
عليها وقال له : إن جبرئيل
أتاني وقال لي : يا محمد إن العلي الاعلى يقرئك
السلام ويقول لك يا
محمد : إما
أنت تخرج
ويقيم علي ، أو تقيم أنت ويخرج علي ، لابد من ذلك ، فإن
عليا قد ندبته لاحدى اثنتين ، لا يعلم أحد كنه جلال
من أطاعني فيهما ، و
عظيم
ثوابه غيري ، فلما خلفه أكثر المنافقون الاقوال فيه ، قالوا : مله و
سئمه ، وكره صحبته ، فتبعه علي عليهالسلام حتى لحقه ، وقد وجد
بما قالوا فيه
____________________
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : » ما أشخصك عن مر
كزك »؟ قال : بلغني عن الناس كذا و
كذا ، فقال له : « أما ترضى أن تكون مني بمنزلة
هارون من موسى ، إلا أنه لا
نبي بعدي؟ » فانصرف علي إلى موضعه ، فدبروا
عليه أن يقتلوه ، وتقدموا في
أن يحفروا له في طريقه حفيرة طويلة بقدر خمسين ذراعا ، ثم غطوها بحصر
دقاق
ونثروا فوقها يسيرا من التراب ، بقدرما غطوا وجوه الحصر وكان
ذلك على طريق علي الذي لا بدله من سلوكه ، ليقع
هو دابته في الحفيرة التى قد
عمقوها ، وكان ما حوالي المحفور أرضا ذات حجارة ، دبروا على أنه إذا
وقع مع دابته في ذلك المكان كبسوه بالاحجار حتى يقتلوه ، فلما بلغ علي
عليهالسلام
قرب المكان لوى فرسه عنقه ، وأطاله الله فبلغت جحفلته أذنه وقال : يا
أميرالمؤمنين قد حفر ههنا ودبر عليك الحتف ، وأنت أعلم لا تمر
فيه ، فقال
له علي عليهالسلام
: جزاك الله من ناصح خيرا ، كما تدبر تدبيري
فإن الله عزوجل لا يخليك من صنعه الجميل ، وسار حتى شارف المكان فتوقف الفرس خوفا
____________________
من المرور على
المكان ، فقال علي عليهالسلام
: سر باذن الله سالما سويا ، عجيبا شأنك
بديعا أمرك ، فتبادرت الدابة ، فاذا ربك عز وجل قدمتن الارض وصلبها
ولام حفرها ، وجعلها كسائر الارض ، فلما جاوزها
علي عليهالسلام
لوى الفرس عنقه
ووضع جحفلته على أذنه ثم قال : ما أكرمك على رب العالمين ، أجازك
على هذا المكان الخاوي ، فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : جازاك الله بهذه
السلامة عن
تلك النصيحة التي نصحتني ثم قلب وجه الدابة إلى مايلي كفلها ، والقوم
معه
بعضهم كان أمامه ، وبعضهم خلفه ، وقال : اكشفوا
عن هذا المكان فكشفوا عنه فإذا
هو خاو ، ولا يسير عليه أحد إلا وقع في الحفرة فأظهر القوم الفزع والتعجب
مما رأوا
فقال علي عليهالسلام
للقوم : أتدرون من عمل هذا؟ قالوا : لا ندري ، قال
علي عليهالسلام
: لكن فرسي هذا يدري ، يا أيها الفرس كيف هذا؟ ومن دبر هذا؟
فقال الفرس : يا أمير المؤمنين إذا كان الله
عزوجل يبرم ما يروم جهال الخلق
نقضه ، أو كان ينقض ما يروم جهال الخلق إبرامه
فالله هو الغالب والخلق هم المغلوبون
فعل هذا يا أمير المؤمنين فلان وفلان وفلان إلى أن ذكر العشرة بمواطاة عن
أربعة وعشرين هم مع رسول الله صلىاللهعليهوآله في طريقه ، ثم دبروا
هم على أن يقتلوا
رسول الله صلىاللهعليهوآله
على العقبة ، والله عزوجل من وراء حياطة رسول الله (ص) ، وولي
الله لا يغلبه الكافرون ، فأشار بعض أصحاب أمير
المؤمنين عليهالسلام
عليه بأن يكاتب رسول
____________________
الله صلىاللهعليهوآله في ذلك ويبعث رسولا مسرعا ، فقال أمير
المؤمنين عليهالسلام
: إن رسول
الله إلى محمد
أسرع ، وكتابه إليه أسبق ، فلا يهمنكم
فلما قرب رسول الله
صلىاللهعليهوآله
من العقبة التي بازائها فضائح المنافقين والكافرين نزل دون العقبة ، ثم جمعهم
فقال لهم : هذا جبرئيل الروح الامين يخبرني أن
عليا دبر عليه كذا وكذا ، فدفع
الله عزوجل عنه من ألطافه وعجائب معجزاته بكذا وكذا ، إنه صلب
الارض
تحت حافر دابته وأرجل أصحابه ، ثم انقلب على
ذلك الموضع علي عليهالسلام
وكشف
عنه فرئيت الحفيرة ، ثم إن الله عزوجل لائمها
كما كانت لكرامته عليه ، وإنه
قيل له : كاتب بهذا وأرسل إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله
فقال : رسول الله إلى رسول الله
أسرع ، وكتابه إليه أسبق ، ولم يخبرهم رسول
الله صلىاللهعليهوآله
بما قال علي عليهالسلام
على
باب المدينة : إن مع رسول الله صلىاللهعليهوآله
منافقين سيكيدونه ، ويدفع الله تعالى عنه
فلما سمع الاربعة والعشرون أصحاب العقبة ما
قاله صلىاللهعليهوآله
في أمر علي عليهالسلام
قال
بعضهم لبعض : ما أمهر محمدا بالمخرقة ، إن فيجا مسرعا أتاه ، أو طيرا من المدينة
من بعض أهله وقع عليه؟ أن عليا قتل بحيلة كذا فهو الذي واطانا عليه أصحابنا
فهو الآن لما بلغه كتم الخبر ، وقلبه إلى ضده ،
يريد أن يسكن من معه ، لئلا
يمدوا أيديهم عليه ، وهيهات والله مالبث عليا
بالمدينة إلا حينه
ولا أخرج محمدا
إلى هاهنا إلا حينه وقد هلك علي عليهالسلام وهو ههنا هالك لا
محالة ، ولكن
تعالوا حتى نذهب إليه ونظهر له السرور بأمر علي
ليكون أسكن لقبه إلينا ، إلى
____________________
أن نمضي فيه تدبيرنا
، فحضروه وهنؤه على سلامة علي من الورطة التي رامها
أعداؤه ثم قالوا له أخبرنا عن علي أهو أفضل أم
ملائكة الله المقربون؟ فقال رسول
الله صلىاللهعليهوآله
: وهل شرفت الملائكة إلا بحبها لمحمد وعلي ، وقبولها لولا يتهما؟
إنه لا أحد من محبي علي عليهالسلام نظف قلبه من قذر الغش والدغل
والغل ونجاسة الذنوب إلا كان أطهر وأفضل من الملائكة
، وهل أمر الله الملائكة
بالسجود لآدم إلا لما كانوا قد وضعوه في نفوسهم؟
إنه لا يصير في الدنيا خلق بعدهم
إذا رفعوهم
عنها إلا وهم يعنون أنفسهم أفضل منهم
في الدين فضلا ، وأعلم
بالله وبدينه علما ، فأراد الله أن يعرفهم أنهم
قد أخطؤوا في ظنونهم واعتقاداتهم
فخلق آدم وعلمه الاسماء كلها ، ثم عرضها عليهم
فعجزوا عن معرفتها ، فأمر آدم
أن ينبئهم بها ، وعرفهم فضله في العلم عليهم ، ثم
أخرج من صلب آدم ذرية
منهم
الانبياء والرسل ، والخيار من عبادالله ، أفضلهم
محمد ، ثم آل محمد (ص) ، ومن الخيار
الفاضلين منهم أصحاب محمد؟ وخيار أمة محمد ، وعرف
الملائكة بذلك أنهم أفضل من
الملائكة إذا احتملوا ما حملوه من الاثقال
وقاسوا ما هم فيه بعرض
من أعوان الشياطين
ومجاهدة النفوس ، واحتمال أذى ثقل العيال
والاجتهاد في طلب الحلال ، ومعاناة
مخاطرة الخوف من الاعداء من لصوص مخوفين ، ومن
سلاطين جورة قاهرين ، و
صعوبة في المسالك في المضائق والمخاوف ، والاجزاع
والجبال والتلال
____________________
لتحصيل أقوات الانفس
والعيال من الطيب الحلال ، عرفهم الله عزوجل أن
خيار المؤمنين سيحتملون هذه البلايا ، ويتخلصون
منها ، ويحاربون الشياطين و
يهزمونهم ، ويجاهدون أنفسهم بدفعها عن شهواتها ،
ويغلبونها مع ما ركب فيهم
من شهوة
الفحولة وحب اللباس والطعام والعز والرياسة والفخر والخيلاء
ومقاساة العناء والبلاء من إبليس لعنه الله وعفاريته ،
وخواطرهم وإغوائهم و
استهوائهم ، ودفع ما يكابدون من ألم الصبر على سماع الطعن من أعداء الله
وسماع الملاهي والشتم لاولياء الله ، ومع ما
يقاسونه في أسفارهم لطلب أقواتهم
والهرب من أعداء دينهم ، والطلب لما يأملون
معاملته من مخالفيهم في دينهم ، قال الله
عزوجل : يا ملائكتي وأنتم من جميع ذلك بمعزل ، لا
شهوات الفحولة تزعجكم
ولا شهوة الطعام تحفز كم ولا خوف من أعداء دينكم ودنياكم ينخب
في قلوبكم ، ولا لابليس في ملكوت سماواتي وأرضي
شغل على إغواء
ملائكتي
الذين قد عصمتهم منهم ، يا ملائكتي فمن أطاعني
منهم وسلم دينه من هذه الآفات
والنكبات فقد احتمل في جنب محبتي مالم تحتملوا ،
واكتسب من القربات إلي
ما لم تكتسبوا فلما عرف الله ملائكته فضل خيار
أمة محمد صلىاللهعليهوآله
وشيعة علي و
خلفائه
عليهماالسلام
واحتمالهم في جنب محبة ربهم مالا تحتلمه
الملائكة أبان بني آدم
الخيار المتقين بالفضل عليهم ، ثم قال : فلذلك
فاسجدوا لآدم لما كان مشتملا على
أنوار هذه الخلائق الافضلين ، ولم يكن سجودهم
لآدم ، إنما كان آدم قبلة لهم
____________________
يسجدون نحوه لله
عزوجل ، وكان بذلك معظما له مبجلا ، ولا ينبغي لاحد أن
يسجد لاحد من دون الله يخضع له خضوعه لله ، ويعظم
به السجود
كتعظيمه لله
ولو أمرت أحدا أن يسجد هكذا لغيرالله لامرت
ضعفاء شيعتنا وسائر المكلفين أن
يسجدوا لمن توسط في علوم علي وصي رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ومحض وداد خير
خلق الله
علي بعد محمد رسول الله (ص) ، واحتمل المكاره
والبلايا في التصريح باظهار حقوق الله
ولم ينكر علي حقا أرقبه عليه قد كان جهله أو
أغفله.
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : عصى الله إبليس
فهلك لما كانت معصيته بالكبر على
آدم ، وعصى الله آدم بأكل الشجرة فسلم ولم يهلك
لما لم يقارن بمعصيته التكبر على
محمد وآله الطيبين ، وذلك أن الله تعالى قال له
: يا آدم عصاني فيك إبليس ، وتكبر
عليك فهلك ، ولو تواضع لك بأمري وعظم عز جلالي
لافلح كل الفلاح كما أفلحت
وأنت عصيتني بأكل الشجرة وبالتواضع لمحمد وآل
محمد تفلح كل الفلاح ، و
تزول عنك وصمة الزلة فادعني بمحمد وآله الطيبين عليهماالسلام لذلك ، فدعا بهم
فأفلح كل الفلاح لما تمسك بعروتنا أهل البيت ، ثم
إن رسول الله صلىاللهعليهوآله
أمر
بالرحيل في أول نصف الليل الاخير ، وأمر مناديه
فنادى : ألا لا يسبقن رسول الله
صلىاللهعليهوآله
أحد إلى العقبة ولا يطأها حتى يجاوزها رسول الله صلىاللهعليهوآله
، ثم أمر حذيفة أن يقعد في أصل العقبة فينظر من يمر به ، ويخبر رسول الله (ص) ، وكان رسول
الله
صلىاللهعليهوآله
أمر أن يتشبه
بحجر فقال حذيفة : يا رسول الله (ص) إني أتبين الشر
في وجوه رؤساء عسكرك ، وإني أخاف إن قعدت في
أصل الجبل وجاء منهم من
أخاف أن يتقدمك إلى هناك للتدبير عليك يحس بي
فيكشف عني فيعرفني وموضعي
____________________
من نصيحتك فيتهمني
ويخافني فيقتلني ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
: إنك إذا بلغت
أصل
العقبة فاقصد أكبر صخرة هناك إلى جانب أصل العقبة وقل لها : إن
رسول الله صلىاللهعليهوآله
يأمرك أن تنفر جي لي حتى جوفك ثم ، يأمرك أن ينثقب فيك
ثقبة
أبصر منها المارين ، ويدخل علي منها الروح لئلا أكون من الهالكين ، فإنها
تصير إلى ما تقول لها بإذن الله رب العالمين ، فأدى
حذيفة الرسالة ، ودخل جوف
الصخرة ، وجاء الاربعة والعشرون على جمالهم
وبين أيديهم رجالتهم
، يقول
بعضهم لبعض : من رأيتموه ههنا كائنا من كان
فاقتلوه لئلا يخبروا محمدا أنهم قد رأونا
هنا فينكص محمد ، ولا يصعد هذه العقبة إلانهار
افيبطل تدبيرنا عليه ، فسمعها حذيفة
واستقصوا فلم يجدوا أحدا ، وكان الله قد ستر
حذيفة بالحجر عنهم فتقرقوا فبعضهم
صعد على الجبل وعدل عن الطريق المسلوك ، وبعضهم
وقف على سفح
الجبل
عن يمين وشمال ، وهم يقولون : ألا ترون حين محمد كيف أغراه ، بأن يمنع الناس
من صعود العقبة حتى يقطها هو لنخلو به ههنا فيمضي فيه تدبيرنا وأصحابه
عنه بمعزل ، وكل ذلك يوصله الله من قريب أو
يعبد إلى أذن حذيفة ويعيه حذيفة
فلما تمكن القوم على الجبل خيث أرادوا كلمت
الصخرة حذيفة وقالت : انطلق
الآن إلى رسول الله فأخبره بما رأيت وما سمعت ،
قال حذيفة : كيف أخرج عنك
وإن رآني القوم قتلوني مخافة على أنفسهم من
نميمتي عليهم؟ قالت الصخرة : إن
الذي مكنك في جوفي ، وأوصل إليك الروح من الثقبة التي
أحدثها في هو الذي
____________________
يوصلك إلى نبي الله وينقذك من أعداء الله ، فنهض
حذيفة ليخرج وانفرجت الصخرة
فخوله الله طائرا فطار في الهواء محلقا حتى
انقض بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوآله
، ثم
أعيد إلى صورته ، فأخبر رسول الله صلىاللهعليهوآله بما رأى وسمع ، فقال
رسول الله (ص) : أو عرفتهم بوجوههم؟ قال : يا رسول الله كانوا
متلثمين ، وكنت أعرف أكثرهم بجمالهم
فلما فتشوا الموضع فلم يجدوا أحدا أحدروا اللثام فرأيت وجوههم فعرفتهم
بأعيانهم وأسمائهم فلان وفلان حتى عد أربعة
وعشرين ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
: يا حذيفة إذا كان الله يثبت محمدا لم يقدر هؤلاء ولا الخلق أجمعون أن يزيلوه ، إن
الله
تعالى بالغ في محمد أمره ولو كره الكافرون ، ثم
قال : يا حذيفة فانهض بنا أنت وسلمان
وعمار ، وتوكلوا على الله ، فإذا جزنا الثنية
الصعبة فائذنوا للناس أن يتبعونا ، فصعد
رسول الله صلىاللهعليهوآله
وهو على ناقته وحذيفة وسلمان أحدهما آخذ بخطام ناقته يقودها ، و
الآخر خلفها يسوقها ، وعمار إلى جانبها ، والقوم
على جمالهم ورجالتهم منبثون حوالي
الثنية على تلك العقبات ، وقد جعل الذين فوق
الطريق حجارة في دباب فد حرجوها
من فوق لينفروا الناقة برسول الله صلىاللهعليهوآله لتقع في المهوى الذي يهول الناظر النظر
إليه من بعده ، فلما قربت الدباب من ناقة رسول
الله (ص) أذن الله تعالى لها فارتفعت
ارتفاعا عظيما فجاوزت ناقة رسول الله صلىاللهعليهوآله ثم سقطت في جانب
المهوى ، ولم يبق
منها شئ إلا صار كذلك ، وناقة رسول الله (ص)
كأنها لا تحس بشئ مزتلك القعقعات
التي كانت للدباب ، ثم قال رسول الله (ص) لعمار
: اصعد الجبل فاضرب بعصاك هذه
وجوه رواحلهم فارم بها ، ففعل ذلك عمار فنفرت
بهم وسقط بعضهم
فانكسر عضده
____________________
ومنهم من انكسرت
رجله ، ومنهم جنبه ، واشتدت لذلك أو جاعهم ، فلما
جبرت واندمك بقيت عليهم آثار الكسر إلى أن
ماتوا ، ولذلك قال رسول الله صلىاللهعليهوآله
في حذيفة وأميرالمؤمنين عليهالسلام إنهما أعلم الناس
بالمنافقين ، لقعوده في أصل الجبل
ومشاهدته من مر سابقا لرسوله الله صلىاللهعليهوآله ، وكفى الله رسوله
أمر من قصد له ، وعاد
رسول الله صلىاللهعليهوآله
إلى المدينة
، فكسى الله الذل والعار من كان قعد عنه ، وألبس
الخزي من كان دبر على علي عليهالسلام
ما دفع الله عنه.
بيان
: كبست الئبر : طممتها. والجحفلة للحافر كالشفقه للانسان والمخرقة : الكذب. والحين بالفتح : الهلاك. وحفزة : دفعه
من خلفه. والنخب : النزع ، وفي
بعض النسخ بالحاء المهملة وهو السير السريع.
٧ ـ يج
: روي أن الناس في غزاة تبوك لما ساروا يومهم نالهم عطش كادت
تنقطع أعناق الرجال والخيل والركاب عطشا ، فدعا
بركوة فصب فيها ماء قليلا من
أودات كانت معه ، ووضع أصابعه عليها ، فنبع
الماء من تحت أصابعه فاستقوا وارتووا
والعسكر ثلاثون ألف رجل سوى الخيل والابل.
٨ ـ ما
: أبوعمر و، عن ابن عقدة ، عن أحمد بن يحيى ، عن عبدالرحمن ، عن أبيه
عن الاعمش ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري قال
قال : رسول الله صلىاللهعليهوآله
لعلي بن
أبي طالب عليهالسلام
في غزوة تبوك : اخلفني في أهلي ، فقال علي عليهالسلام
: يا رسول الله
إني أكره أن تقول العرب : خذل ابن عمه وتخلف
عنه ، فقال : أما نرضى أن تكون
مني بمنزلة هارون من موسى؟ قال : بلى ، قال : فاخلفني.
٩ ـ ما
: ابن الصلت ، عن ابن عقدة ، عن علي بن محمد بن علي ، عن جعفر
____________________
بن محمد عيسى ، عن
عبدالله
بن علي ، عن علي بن موسى ، عن أبيه ، عن جده
عن آبائه ، عن علي عليهمالسلام قال : خلف رسول
الله صلىاللهعليهوآله
عليا في غزوة تبوك ، فقال : يا رسول الله تخلفني بعدك؟ قال : ألا ترضى أن تكون مني
بمنزلة هارون من موسى
إلا أنه لانبي بعدي.
١٠ ـ ص
: الصدوق ، عن أبيه ، عن سعد ، عن
إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه
علي ، عن النضر ، عن موسى بن بكر قال : قال بعض
أصحابنا لابي عبدالله عليهالسلام
علم رسول الله صلىاللهعليهوآله
أسماء المنافقين؟ فقال : لا ، ولكن رسول الله (ص) لما كان في
غزوة تبوك كان يسير على ناقته والناس أماه ، فلما
انتهى إلى العقبة وقد جلس
عليها أربعة عشر رجلا ، ستة من قريش ، وثمانية
من أفناء الناس ـ أو على عكس
هذا ـ
فأتاه جبرئيل عليهالسلام
فقال : إن فلانا وفلانا وفلانا فقد قعدوا
لك على
العقبة لينفروا ناقتك ، فناداهم رسول الله (ص)
: يا فلان ويا فلان ويا فلان أنتم القعود
لتقروا ناقتي؟ وكان حذيفة خلفه فلحق بهم فقال : يا حذيفة سمعت؟ قال : نعم
قال : اكتم.
١١ ـ يج
: روي عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : مازال القرآن
ينزل بكلام
المنافقين حتى تركوا الكلام ، واقتصروا
بالحواجب يغمزون ، فقال بعضهم : تأمنون أن تسموا في القرآن فتفتضحوا أنتم وعقبكم هذه
عقبة بين أيدينا لورمينا
به منها ينقطع ، فقعدوا على العقبة ويقال لها : عقبة
ذي فتق وقال حذيفة
كان رسول الله ، إذا أراد النوم على ناقته
اقتصدت في السير ، فقال حذيفة قلت ليلة
____________________
من الليالي : لا
والله أفارق رسول الله صلىاللهعليهوآله
قال : فجعلت أحبس ناقتي عليه ، فنزل
جبرئيل على رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : هذا فلان
وفلان وفلان حتى عدهم قد قعدوا
ينفرون بك ، فقال رسول الله : يا فلان يا فلان
يا فلان يا أعداءالله حتى سماهم بأسمائهم
كلهم ، ثم نظر فإذا حذيفة ، فقال : عرفتهم؟ قلت
: نعم برواحلهم وهم متلثمون فقال : لا تخبر بهم أحدا فقلت : يا رسول الله أفلا تقتلهم؟ قال : إني أكره أن يقول الناس
: قاتل بهم حتى ظفر فقتلهم
، فكانوا من قريش.
١٢ ـ يج
: روي أنه صلىاللهعليهوآله
لما توجه إلى تبوك ضلت ناقته القصوى وعنده
عمارة بن حزم قال كالمستهزئ : يخبرنا محمد بخبر
السماء ولا يدري أين ناقته ، فقال
عليهالسلام
: إني لا أعلم إلا ما علمني الله ، وقد أخبرني الآن أنها بشعب كذا وكذا ، و
زمامها ملتف بشجرة ، فكان كما قال.
١٣ ـ يج
: من معجزاته أنه لما غزا بتبوك كان معه من المسلمين خمسة و
عشرون ألفاسوى خدمهم ، فمر صلىاللهعليهوآله في مسيره بجبل يرشح
الماء من أعلاه إلى أسفله
من غير سيلان ، فقالوا : ما أعجب رشح هذا الجبل؟
فقال : إنه يبكي ، قالوا : والجبل
يبكي؟ قال أتحبون أن تعلموا ذلك؟ قالوا : نعم ،
قال : أيها الجبل مم بكاؤك؟
فأجابه الجبل وقد سمعه الجماعة بلسان فصيح : يا رسول الله صلىاللهعليهوآله مر بي عيسى بن
مريم وهو يتلو : « نار وقودها الناس والحجارة »
فأنا أبكي منذ ذلك اليوم خوفا
من أن أكون من تلك الحجارة ، فقال : اسكن مكانك فلست منها إنما تلك
الحجارة الكبريت ، فجف ذلك الرشح من الجبل في
الوقت حتى لم يرشئ من
ذلك الرشح ، ومن تلك الرطوبة التي كانت.
____________________
١٤ ـ يج
: روي أنه صار بتبوك فاختلف
الرسل بين رسول الله صلىاللهعليهوآله
وملك
الروم فطالت في ذلك الايام حتى نفد الزاد فشكوا
إليه نفاده ، فقال : من كان معه
شئ من الدقيق أو التمر ، أو السويق فليأتني ، فجاء أحد بدقيق ، والآخر
بكف تمر ، والآخر بكف سويق ، فبسط رداءه وجعل
ذلك عليه ووضع يده على
كل واحد
منها ، ثم قال : نادوا في الناس : من أراد الزاد فليأت ، فأقبل الناس
يأخذون الدقيق والتمر والسويق حتى ملاؤا جميع
ما كان معهم من الاوعية ، وذلك
الدقيق والتمر والسويق على حاله ما نقص من واحد
منها شئ ولا زاد عما
كان
ثم سار إلى المدينة فنزل يوما على واد كان يعرف
فيه الماء فيما تقدم فوجدوه يا بسا
لاماء فيه ، فقالوا : ليس في الوادي ماء يا
رسول الله صلىاللهعليهوآله
، فأخذ سهما من
كنانته
فقال لرجل : خذه فانصبه في أعلى الوادي فنصب فتفجرت من حول السهم اثنتا
عشرة عينا تجري في الوادي من أعلاه إلى أسفله وارتووا وملاؤا القرب.
١٥ ـ شى
: عن عبدالرحمن بن كثير ، عن أبي
عبدالله عليهالسلام
في قوله : « إنما
استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا » قال : هم
أصحاب العقبة.
١٦ ـ شى
: عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم ، عن
أبي جعفر وأبي عبدالله
عليهماالسلام
في قول الله : « لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لا تبعوك » الآية ، إنهم
يستطيعون وقد كان في علم الله أنه لو كان عرضا
قريبا وسفرا قاصدا لفعلوا.
بيان
: كأن المعنى أن الغرض بيان أنهم كانوا
مستطيعين للفعل ولم يفعلوا
إذا كان في علم الله أنه لو كان موافقا
لاغراضهم لفعلوا.
١٧ ـ شى
: عن المغيرة قال : سمعته يقول في قول
الله : « ولو أرادوا الخروج
____________________
لاعدوا له عدة » قال
: يعني بالعدة النية يقول : لو كان لهم نية لخرجوا.
بيان
: لا يعبد أن يكون النية تصحيف التهيئة.
١٨ ـ شى
: عن جابر الجعفي قال : قال أبوجعفر عليهالسلام نزلت هذه الآية : « ولئن
سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب » إلى قوله : « نعذب طائفة » قال
قلت لابي جعفر عليهالسلام
تفسير هذه الآية؟ قال : تفسيرها والله ما نزلت آية قط إلا
ولها تفسير ، ثم قال : نعم نزلت في عدد بني
أمية والعشرة
معهم ، إنهم اجتمعوا
اثنا عشر فكمنوا لرسول الله صلىاللهعليهوآله في العقبة ، وائتمروا
بينهم ليقتلوه ، فقال بعضهم
لبعض : إن فطن نقول : إنما كنا نخوض ونلعب ، وإن
لم يفطن لنقتلنه ، فأنزل الله
هذه الآية : « ولئن سئلتهم ليقولن إنما كنا
نخوض ونلعب » فقال الله لنبيه صلىاللهعليهوآله
« قل
أبالله وآياته ورسوله » يعني محمدا صلىاللهعليهوآله
« كنتم
تستهزؤن * لا نعتذروا قد كفرتم بعد
إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم
» يعني عليا ، إن يعف عنهما في أن يلعنهما على
المنابر ويلعن غيرهما فذلك قوله تعالى إن نعف
عن طائفة منكم نعذب طائفة
بيان : لعل المعنى أن العفو والعذاب اللذين
نسبهما إلى نفسه إنما هو عفو
علي عليهالسلام
وانتقامه إذ كانا بأمره تعالى وقد عفا أميرالمؤمنين عن اثنين منهم
يعني أبابكر وعمر فلم يجاهر بلعنهما والبراءة
منهما ، وجاهر بسب العشرة الباقية
وحاربهم وتبرا منهم.
١٩ ـ شى :
عن جابر ، عن أبي جعفر عليهالسلام
في قوله تعالى : « رضوا
بأن يكونوا مع
الخوالف » قال مع النساء.
٢٠ ـ شى
: عن عبيدالله الحلبي قال : سألته عن قوله : « رضوا بأن يكونوا
مع الخوالف » فقال : النساء. إنهم قالوا : إن
بيوتنا عورة وكانت بيوتهم في أطراف
____________________
البيوت حيث يتقرر الناس فأكذبهم الله قال : « وماهي
بعورة إن يريدون إلا فرارا » وهي رفيعة السمك حصينة.
بيان
: لعلهم في تلك الغزوة أيضا قالوا : إن بيوتنا عورة ، وإن لم يذكر الله
تعالى فيها ، مع أنه عليهالسلام إنما فسر الآيتين
ولا يلزم أن تكونا في غزوة واحدة
ويحتمل أن يكون الاختصار المخل من الراوي.
٢١
ـ شى :
عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي عبدالله عليهالسلام
قال : سألته عن
قول الله : « وعلى الثلثة الذين خلفوا » قال
كعب ، ومرارة بن الربيع
، وهلال
بن أمية.
٢٢ ـ شى
: عن فيض بن المختار قال : قال
أبوعبدالله عليهالسلام
: كيف تقرأ هذه
الآية في التوبة : « وعلى الثلثة الذين خلفوا »
قال : قلت : خلفوا ، قا ل : لو خلفوا
لكانوا في حال طاعة.
وزاد الحسين بن المختار عنه : لو كانوا
خلفوا ما كان عليهم من سبيل ، ولكنهم
خالفوا : عثمان وصاحباه ، أما والله ماسمعوا
صوت حافر ولا قعقعة سلاح إلا قالوا : أتينا ، فسلط الله عليهم الخوف حتى أصبحوا.
قال صفوان : قال أبوعبدالله عليهالسلام : قال : كان
أبولبابة أحدهم ، يعنى في « و
على الثلثة الذين خلفوا ».
٢٣ ـ شى
: عن سلام ، عن أبي جعفر عليهالسلام
في قوله : « ثم تاب عليهم ليتوبوا » قال : أقالهم ، فوالله ماتابوا.
بيان :
على هذا يكون المراد بقوله تعالى : « تاب عليهم
» دعاهم إلى التوبة.
٢٤ ـ م
: قال علي بن الحسين عليهماالسلام : لقد كان من
المنافقين والضعفاء من
____________________
أشباه المنافقين مع
رسول الله صلىاللهعليهوآله
أيضا قصد
إلى تخريب المساجد بالمدينة ، و
إلى تخريب مساجد الدنيا كلها بما هموا به من
قتل أميرالمؤمنين علي بن أبي
طالب عليهالسلام
بالمدينة ، ومن قتل رسول الله (ص) في طريقهم إلى العقبة ، ولقد زاد
الله في ذلك السير إلى تبوك في بصائر
المستبصرين وفي قطع معاذير متمرديهم زيادات
تليق بجلال الله وطوله على عباده ، ومنها لما كانوا مع رسول الله صلىاللهعليهوآله في
مسيره
إلى تبوك قالوا : لن نصبر على طعام واحد ، كما قالت بنو إسرائيل لموسى
عليهالسلام
، وكانت آية رسول الله (ص) الظاهرة لهم في ذلك أعظم من الآية الظاهرة
لقوم موسى ، وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوآله لما أمر بالمسير
إلى تبوك أمر بأن يخلف
عليا بالمدينة ، فقال علي عليهالسلام : يا رسول الله ما
كنت أحب أن أتخلف عنك في
شئ من أمورك ، وأن أغيب عن مشاهدتك ، والنظر
إلى هديك وسمتك ، فقال
رسول الله صلىاللهعليهوآله
: يا علي أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه
لا نبي بعدي
وإن لك في مقامك من الاجر مثل الذي يكون لك لو خرجت
مع رسول الله صلىاللهعليهوآله
، ولك مثل أجور كل من خرج مع رسول الله (ص) موفيا
طائعا ، وإن لك على الله يا علي لمحبتك أن تشاهد من محمد سمته في سائر أحواله
إن الله يأمر جبرئيل في جميع مسيرنا هذا أن
يرفع الارض التي نسير عليها ، والارض
التي تكون أنت عليها ، ويقوي بصرك حتى تشاهد
محمدا وأصحابه ، في سائر أحوالك
وأحواله ، فلا يفوتك الانس من رؤيته ورؤتة
أصحابه ، ويغنيك ذلك عن المكاتبة
والمراسلة ، فقام إليه رجل من مجلس زين
العابدين عليهالسلام
لما ذكر هذا وقال :
يا بن رسول الله كيف يكون هذا لعلي؟ إنما يكون
هذا للانبياء دون غيرهم ____________________
فقال زين العابدين عليهالسلام : هذا هو معجزة
لمحمد رسول الله (ص) لا لغيره ، لان
الله لما رفعه بدعاء محمد زاد في نوره وضيائه بدعاء محمد حتى شاهد ما شاهد ، و
أدرك ما أدرك ، ثم قال الباقر عليهالسلام : يا عباد الله ما
أكثر ظلم كثير من
هذه الامة لعلي
ابن أبي طالب عليهالسلام
وأقل إنصافهم له؟ يمنعون هذا
ما يعطونه سائر الصحابة
وعلي عليهالسلام
أفضلهم ، فكيف يمنع
منزلة يعطونها غيره؟ قيل : وكيف ذلك
يا ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله؟
قال : إنكم
تتولون محبي أبي بكر بن أبي قحافة ، و
تتبرؤن من أعدائه كائنا ما كان ، وتتولون محبي عمر بن الخطاب ، وتتبرؤن
من أعدائه كائنا من كان ، وتتولون محبي عثمان
بن عفان ، وتتبرؤن من أعدائه
كائنا من كان ، حتى إذا صار إلى علي بن أبي
طالب عليهالسلام
قالوا : نتولى محبيه ، و
لن نتبرأ
من أعدائه ، بل نحبهم ، وكيف يجوز
هذا لهم ورسول الله يقول :
اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من
نصره ، واخذل من خذله »؟
فترونهم
لا يعادون من عاداه ، ولا يخذلون من خذله ، ليس هذا بإنصاف ، ثم
أخرى إنهم إذا ذكر لهم ما اختص الله به عليا عليهالسلام بدعاء رسول الله صلىاللهعليهوآله و
كرامته
على ربه عزوجل جحدوه ، وهم يقبلون ما يذكر لهم في غيره من
الصحابة ، فما الذي منع عليا عليهالسلام ما جعلوه لاصحاب رسول الله (ص)؟ هذا
____________________
عمر بن الخطاب إذا
قيل لهم : إنه كان على المنبر بالمدينة يخطب إذ نادى في خلال
خطبته : يا سارية الجبل ، وعجبت الصحابة وقالوا : ما هذا الكلام الذي في
هذه الخطبة؟ فلما قضى الخطبة والصلاة قالوا : ما
قولك في خطبتك : يا سارية
الجبل؟ فقال : اعلموا أنني كنت أخطب رميت ببصري نحو الناحية التي
خرج فيها إخوانكم إلى غزو الكافرين بنهاوند ، وعليهم
سعد بن أبي وقاص ، ففتح
الله لي الاستار والحجب ، وقوى بصري حتى رأيتهم
وقد اصطفوا بين يدي جبل
هناك ، وقد جاء بعض الكفار ليدور خلف سارية
فيهجموا عليه وعلى سائر من
معه من المسلمين فيحيطوا بهم فيقتلونهم فقلت : يا سارية الجبل ، ليتنحى عنهم
فيمنعهم ذلك من أن يحيطوا بهم ثم يقالوا ، ومنح الله إخوانكم المؤمنين
أكتاف الكافرين وفتح الله عليهم بلادهم ، فاحفظوا هذا
الوقت فسيرد عليكم
الخبر ، بذلك ، وكان بين المدينة ونهاوند مسيرة
أكثر من خمسين يوما. قال الباقر
عليهالسلام
: فإذا كان مثل هذا العمر فكيف لا يكون مثل هذا الآخر لعلي بن أبي
طالب
عليهالسلام؟
ولكنهم قوم لا ينصفون ، بل يكابرون.
ثم عاد الباقر عليهالسلام إلى حديثه عن علي
بن الحسين عليهالسلام
قال : وكان
تعالى يرفع البقاع التي كان عليها محمد (ص)
ويسير فيها ، لعلي بن أبي طالب عليهالسلام
حتى يشاهدهم على أحوالهم ، قال علي عليهالسلام : وإن رسول الله
كان كلما أراد غزوة
____________________
ورى بغيرها إلا غزاة تبوك ، فإنه عرفهم أنه
يريدها وأمرها أن
يتزودوالها
فتزودوالها دقيقا كثيرا يختبزونه في طريقهم ، ولحما
مالحا وعسلا وتمرا ، و
كان زادهم كثيرا ، لان رسول الله كان حثهم على
التزود لبعد الشقة ، وصعوبة
المفاوز ، وقلة ما بها من الخيرات ، فساروا
أياما ، وعتق طعامهم ، وضاقت من
بقاياه صدورهم ، فأحبوا طعاما طريا ، فقال قوم
منهم : يا رسول الله قد بشمنا
هذا الذي معنا من الطعام فقد عتق ، وصار يابسا وكاد يريح ولا صبر لنا عليه
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
: ما معكم؟ قالوا : خبز ولحم قديد مالح
وعسل وتمر
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
: فأنتم الآن كقوم موسى لما قالوا :
لن نصبر على طعام
واحد ، فما
الذي تريدون؟ قالوا : نريد لحما طريا قديدا ولحما مشويا من
لحم الطيور
ومن الحلواء المعمول ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآله
: ولكنكم تخالفون
في هذه الواحدة بني إسرائيل ، لانهم أرادوا
البقل والقثاء والفوم والعدس والبصل
فاستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير ، وأنتم
تستبدلون الذي هو أفضل بالذي
هو دونه ، وسوف أسأله لكم ربي ، قالوا : يا رسول الله فإن
فينا من يطلب مثل
ما طلبوا من بقلها وقثائها وفومها وعدسها
وبصلها ، فقال
رسول الله صلىاللهعليهوآله
: سوف يعطيكم الله ذلك بدعاء رسول الله (ص) يا عباد الله إن قوم عيسى لما سألوا
عيسى أن ينزل عليهم مائدة من السماء قال الله :
« إنى منزلها عليكم فمن يكفر
بعد منكم فإني أعذ به عذابا لا أعذ به أحدا من
العالمين
» فأنزلها عليهم ، فمن
____________________
كفر بعد منهم مسخه
الله إما خنزيرا ، وإما قردا
وإما دبا ، وإما هرا
و
إما على صورة بعض الطيور والدواب التي في البر
والبحر حتى مسخوا على
أربعمائة نوع من المسخ ، وإن محمدا رسول الله صلىاللهعليهوآله
لا يستنزل لكم ما سألتموه من
السماء حتى يخل بكافر كم ما حل بكفار قوم عيسى عليهالسلام ، وإن محمدا أرأف
بكم من أن يعرضكم لذلك ، ثم نظر رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى طائر في الهواء
فقال لبعض
أصحابه : قل لهذا الطائر : إن رسول الله يأمرك
أن تقع على الارض ، فقالها
فوقع ، ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا أيها الطائر
إن الله يأمرك
أن تكبر ، فازداد
عظما
حتى صار كالتل العظيم ، ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآله
لاصحابه : أحيطوا به
فأحاطوا به وكان عظم ذلك الطير أن أصحاب رسول الله وهم فوق عشرة
آلاف
اصطفوا حوله ، فاستدار صفهم ، ثم قال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
: يا أيها الطائر إن الله
يأمرك أن تفارقك أجنحتك وزغبك وريشك ، ففارقه ذلك أجمع ،
وبقي الطائر
لحما على عظم وجلده فوقه ، فقال رسول الله (ص) : إن
الله يأمرك أن تفارق
عظام بدنك ورجليك ومنقارك ، ففارقه ذلك أجمع ، وصار
حول الطائر
والقوم
حول ذلك أجمع ، ثم قال : رسول الله صلىاللهعليهوآله : إن الله تعالى
يأمر هذه العظام أن تعود
قثا ، فعادت كما قال ، ثم قال : إن الله تعالى
يأمر هذه الا جنحة والزغب والريش أن
يعود
بقلا وبصلا وفوما وأنواع البقول ، فعادت كما قال ، ثم قال رسول الله (ص) : ____________________
يا عباد الله ضعوا
الآن أيديكم عليها ، فمزقوا منها بأيديكم ، وقطعوا منها بسكا كينكم فكلوه ففعلوا ، فقال بعض المنافقين وهو يأكل :
إن محمدا يزعم أن
في الجنة طيورا يأكل منه الجناني من جانب له
قديدا ، ومن جانب مشويا
فهلا أرانا نظير ذلك في الدنيا! فأوصل الله
تعالى علم ذلك إلى قلب محمد (ص) ، فقال : عباد الله ليأخذ كل واحد منكم لقمته وليقل : بسم الله الرحمن الرحيم ، و
صلىاللهعليهوآله
على محمد وآله الطيبين ، وليضع لقمته في فيه فإنه يجد طعم ما شاء قديدا
وإن شاء مشويا ، وإن شاء مرقا طبيخا ، وإن شاء
سائر ما شاء من ألوان الطبيخ
أو ما شاء من ألوان الحلواء ، ففعلوا فوجدوا الامر كما قال رسول الله صلىاللهعليهوآله
حتى شبعوا ، فقالوا : يارسول الله صلىاللهعليهوآله شبعنا ونحتاج إلى
ماء نشربه ، فقال رسول
الله صلىاللهعليهوآله
: أولا تريدون اللبن؟ أولا تريدون سائر الاشربة؟ قالوا : بلى يارسول
الله فينا من يريد ذلك ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ليأخذ كل واحد
منكم لقمة منها
فيضع
في فيه وليقل : بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد وآله
الطيبين ، فإنه يستحيل في فيه ما يريد ، إن
أراد لبنا
وإن أراد شرابا آخر من
الاشربة ، ففعلوا فوجدوا الامر على ما قال رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ثم قال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
: إن الله تعالى يأمرك أيها الطائر أن تعود كما كنت ، ويأمر هذه الا جنحة
والمناقير والريش والزغب التي قد استحالت إلى
البقل والقثاء
والبصل و
الفوم أن تعود جناحا وريشا وعظما كما كانت على
قدر قلتها
فانقلبت وعادت
أجنحة وريشا وزغبا وعظما ثم تركبت على قدر الطائر كما كانت ، ثم
قال
____________________
رسول الله (ص) : أيها
الطائر إن الله يأمر الروح التي كانت فيك فخرجت أن تعود
إليك ، فعادت روحه في جسده ، ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : أيها الطائر إن
الله يأمرك
أن تقوم وتطير كما كنت تطير ، فقام وطار في
الهواء وهم ينظرون إليه ، ثم نظروا
إلى ما بين أيديهم فإذا لم يبق هناك من ذلك
البقل والقثاء
والبصل والفوم
شئ.
ج
: بالاسناد إلى أبي محمد العسكري عليهالسلام
أنه قال : كان علي بن الحسين
عليهماالسلام
قال يوما في مجلسه : إن رسول الله (ص) لما أمر بالمسير إلى تبوك أمر بأن
يخلف عليا عليهالسلام
بالمدينة.
أقول
: وساق الحديث مثل ما مر إلى قوله : ولكنهم قوم لا ينصفون ، بل
يكابرون.
٢٥ ـ عم
: تهيأ رسول الله صلىاللهعليهوآله
في رجب لغزو الروم ،
وكتب إلى قبائل
العرب ممن قد دخل في الاسلام ، وبعث إليهم
الرسل يرغبهم في الجهاد والغزو
وكتب إلى تميم وغطفان وطيئ ، وبعث إلى عتاب بن
أسيد عامله على مكة
سيتنفرهم لغزو الروم ، فلما تهيأ للخروج قام
خطيبا فحمد الله تعالى وأثنى عليه
ورغب في المواساة وتقوية الضعيف والانفاق ، فكان
أول من أنفق فيها عثمان بن
عفان ، جاء بأواقي من فضة فصبها في حجر رسول
الله صلىاللهعليهوآله
فجهز ناسا من أهل
الضعف ، وهو الذي يقال : إنه جهز جيش العسرة ، وقدم
العباس على رسول الله صلىاللهعليهوآله
فأنفق نفقة حسنة وجهز ، وسارع فيها الانصار ، وأنفق عبدالرحمن والزبير
وطلحة وأنفق ناس من المنافقين رياء وسمعة فنزل
القرآن بذلك ، وضرب رسول
____________________
الله صلىاللهعليهوآله عسكره فوق ثنية
الوداع بمن تبعه من المهاجرين ، وقبائل العرب ، وبني
كانة ، وأهل نهامة ومزينة وجهينة وطيئ وتميم ، واستعمل
على المدينة عليا؟
وقال « إنه لابد للمدينة مني أو منك » واستعمل
الزبير على راية المهاجرين ، وطلحة
بن عبيدالله على الميمنة ، وعبدالرحمن بن عوف
على الميسرة ، وسار رسول الله صلىاللهعليهوآله
حتى نزل الجرف ، فرجع عبدالله بن أبي بغير إذن ،
فقال عليهالسلام : « حسبي
الله ، هو الذي ايدني بنصره وبالمؤمنين ، وألف
بين قلوبهم
» الآية ، فلما انتهى
إلى الجرف لحقه علي عليهالسلام وأخذ بغرز رحله ، وقال : يا رسول الله زعمت قريش
أنك إنما خلفتني استثقالا لي ، فقال عليهالسلام
: « طال ما أذت الامم أنبياءها
أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ » فقال
: قد رضيت ، قد رضيت
ثم رجع إلى المدينة ، وقدم رسول الله صلىاللهعليهوآله تبوك في شعبان يوم
الثلثاء وأقام بقية
شعبان وأياما من شهر رمضان ، وأتاه وهو بتبوك
نحبة بن روبة
صاحب أيلة
فأعطاه الجزية ، وكتب رسول الله صلىاللهعليهوآله له كتابا ، والكتاب عندهم ، وكتب أيضا
____________________
لاهل حرباء وأذرح كتابا ، وبعث رسول الله صلىاللهعليهوآله وهو بتبوك أبا
عبيدة بن
الجراح إلى جمع من جذام مع زنباع بن روح
الجذامي ، فأصاب منهم طرفا ، وأصاب
منهم سبايا ، وبعث سعد بن عبادة إلى ناس من بني
سليم وجموع من بلي ، فلما قارب
القوم هربوا ، وبعث خالدا إلى الاكيدر صاحب
دومة الجندل ، وقال له : لعل الله
يكفيكه بصيد البقر فتأخذه ، فبينا خالد وأصحابه
في ليلة إضحيان إذا أقبلت البقر
تنتطح ، فجعلت تنتطح باب حصن أكيدر ، وهو مع
امرأتين له يشرب الخمر ، فقام
فركب هو وحسان أخوه وناس من أهله فطلبوها ، وقد
كمن له خالد وأصحابه
فتلقاه أكيدر وهو يتصيد البقر فأخذوه وقتلوا
حسانا أخاه وعليه قباء مخوص
بالذهب ، وأفلت أصحابه فدخلوا الحصن وأغلقوا الباب دونهم ، فأقبل خالد
بأكيدر وسار معه أصحابه فسألهم أن يفتحوا له
فأبوا ، فقال : أرسلني
فإني
أفتح الباب ، فأخذ عليه موثقا ، وأرسله ، فدخل
وفتح الباب حتى دخل خالد و
أصحابه ، وأعطاه ثمان مائة رأس وألفي بعير ، وأربع
مائة درع ، وأربع مائة رمح
____________________
وخمسمائة سيف ، فقبل
ذلك منه وأقبل به إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله
فحقن دمه وصالحه
على الجزية.
وفي كتاب دلائل النبوة للشيخ أبي بكر
أحمد البيهقي : أخبرنا أبوعبدالله
الحافظ وذكر الاسناد مرفوعا إلى أبي الاسود عن
عروة قال : لما رجع رسول
الله صلىاللهعليهوآله
قافلا من تبوك إلى المدينة حتى إذا كان ببعض الطريق مكر به ناس من
أصحابه ، فتأمروا أن يطرحوه من عقبة في الطريق أرادوا أن
يسلكوها معه ، فأخبر
رسول الله صلىاللهعليهوآله
خبرهم ، فقال : من شاء منكم أن يأخذ بطن الوادي فإنه أوسع
لكم ، فأخذ النبي صلىاللهعليهوآله
العقبة ، وأخذ الناس بطن الوادي إلا النفر الذين أرادوا
المكر ، به استعدوا وتلثموا وأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله حذيفة بن اليمان
وعمار بن
ياسر فمشيا معه مشيا ، وأمر عمارا أن يأخذ
بزمام الناقة ، وأمر حذيفة بسوقها ، فبيناهم
يسيرون إذ سمعوا وكزة القوم من ورائهم قد غشوه ، فغضب رسول
الله صلىاللهعليهوآله
وأمر
حذيفة أن يراهم ، ، فرجع ومعه محجن فاستقبل وجوه رواحلهم
وضربها ضربا
بالمحجن ، وأبصر القوم وهم متلثمون ، فرعبهم
الله حين أبصروا حذيفة وظنوا أن
مكرهم قد ظهر عليه ، فأسرعوا حتى خالطوا الناس ،
وأقبل حذيفة حتى أدرك
رسول الله صلىاللهعليهوآله
، فلما أدركه قال : اضرب الراحلة يا حذيفة ، وامش أنت يا عمار
فأسرعوا فخرجوا من العقبة ينتظرون الناس ، فقال
النبي صلىاللهعليهوآله
: يا حذيفة هل عرفت
من هؤلاء الرهط أو الركب أحدا؟ فقال حذيفة : عرفت
راحلة فلان وفلان ، وكان
ظلمة الليل غشيتهم وهم متلثمون ، فقال صلىاللهعليهوآله : هل علمتم ماشأن
الركب وما أرادوا؟
قالوا : لا يا رسول الله ، قال : فإنهم مكروا
ليسيروا معي حتى إذا أظلمت بي العقبة
طرحوني منها ، قالوا : أفلا تأمر بهم يا رسول
الله إذا جاؤك الناس فتضرب أعناقهم؟
قال : أكره أن يتحدث الناس ويقولون : إن محمدا
قد وضع يده في أصحابه ، فسماهم
لهما ثم قال : اكتماهم.
____________________
وفي كتاب أبان بن عثمان : قال الاعمش : وكانوا
اثني عشر : سبعة من قريش
قال : وقدم رسول الله صلىاللهعليهوآله المدينة ، وكان إذا
قدم من سفر استقبل بالحسن والحسين
عليهماالسلام
فأخذهما إليه وحف المسلمون به حتى يدخل على فاطمة عليهاالسلام
ويقعدون
بالباب وإذا خرج مشوا معه ، وإذا دخل منزله
تفرقوا عنه.
وعن أبي حميد الساعدي : قال : أقبلنا مع
رسول الله صلىاللهعليهوآله
من غزوة تبوك
حتى إذا أشرفنا على المدينة ، قال : هذه طابة ،
وهذا أحد ، جبل يحبنا ونحبه.
وعن أنس بن مالك : إن رسول الله صلىاللهعليهوآله لما دنا من المدينة
قال : إن بالمدينة
لاقواما ما سرتم من مسير ولا قطعتم من واد إلا
كانوا معكم فيه ، قالوا : يا رسول الله
وهم بالمدينة؟ قال : نعم وهم بالمدينة حبسهم
العذر ، وكان تبوك آخر غزوات
رسول الله (ص). ومات عبدالله بن أبي بعد رجوع
رسول الله صلىاللهعليهوآله
من غزوة
تبوك.
بيان
: في النهاية : جربى
وأذرح : هما قريتان بالشام بينهما مسيرة ثلاث
ليال ، وكتب لهما النبي صلىاللهعليهوآله أمانا انتهى.
وزنباع كقنطار. والطرف جمع الطرفة
نفائس الاموال وغرائبها. وليلة إضحيانة بالكسر :
مضيئة لا غيم فيها. وقال
الجزري : فيه عليه ديباج مخوص بالذهب ، أي
منسوخ به ، كخوص النخل وهو
ورقه. والوكز : العدو. وفي بعض النسخ : بالراء
المهملة بمعناه. وفي بعضها بالراء
أولا ثم الزاي ، وهو بالكسر : الصوت الخفي
والحس. ولعله أنسب. وفي
النهاية : غشوه ، أي ازدحموا عليه وكثروا.
والمحجن كمنبر : العصا المعوجة.
وطيبة وطابة : من أسماء المدينة. وفي النهاية : في حديث جبل أحد هو جبل يحبنا
ونحبه ، هذا محمول على المجاز ، أراد أنه جبل
يحبنا أهله ، ونحب أهله ، وهم
الانصار ، وهو يجوز أن يكون من باب المجاز الصريح
، أي إننا نحب الجبل بعينه
لانه في أرض من نحب. انتهى. وقال الطيبي : والاولى
أنه على ظاهره
____________________
ولاينكر حب الجمادات
للانبياء والاولياء كما حنت الاسطوانة على مفارقته
وكان يسلم الحجر عليه. وقيل : أراد به أرض
المدينة ، وخص الجبل لانه أول
ما يبدو منها ، ولعله حبب إليه بدعائه : اللهم
حبب إلينا المدينة. انتهى وأقول : سيأتي تحقيق منا في ذلك في المجلد السابع
إنشاءالله.
٢٦ ـ كا
: العدة ، عن سهل ، عن ابن يزيد ، عن عبدالحميد ، عمن ذكره
عن أبي عبدالله عليهالسلام
قال : لما نفروا برسول الله (ص) ناقته ، قالت له الناقة : والله
لا أزلت خفا عن خف ولو قطعت إربا إربا.
٢٧ ـ أقول
: قال في المنتقى : كان النبي صلىاللهعليهوآله
في غزوة تبوك قد ظهر منه
معجزات شتى ، فمنها أنه وصل إلى وادي القرى وقد
أمسى بالحجر قال : إنها ستهب الليلة ريح شديدة ، فلا يقومن منكم
أحد إلا مع صاحبه ، ومن كان
له بعير فليوثقه بعقاله ، فهاجت ريح شديدة
أفزعت الناس ، فلم يقم أحد إلا مع
صاحبه إلا رجلين من بني ساعدة خرج أحدهما
لحاجته ، وآخر لطلب
بعير له
فأما الخارج لحاجته فقد خنق في مذهبه ، وأما
الذي خرج في طلب البعير فاحتملته
الريح فطرحته في جبلي طيئ ، ثم دعا صلىاللهعليهوآله للذي أصيب في مذهبه
فعاد إليه
وأما الذي وقع بجبلي طيئ فإن طيئا أهدته للنبي صلىاللهعليهوآله حين قدم المدينة.
ومنها أنه لما ارتحل عن الحجر أصبح ولا ماء معه
ولا مع أصحابه ، ونزلوا
على غير ماء ، فشكوا إليه العطش ، فاستقبل
القبلة ودعا ولم تكن في السماء سحابة
فما زال يدعو حتى اجتمعت السحائب من كل ناحية ، فما برح من مقامه
حتى سحت بالرواء فانكشفت السحابة من ساعتها فسقي الناس وارتووا و
____________________
ملاؤا الاسقية ، قال
بعض الصحابة :
قلت لرجل من المنافقين : ويلك أبعد هذا
شئ؟ فقال : سحابة مارة ثم ارتحل النبي صلىاللهعليهوآله متوجها إلى تبوك
فأصبح في
منزل فضلت ناقة النبي صلىاللهعليهوآله ، فقال منافق : يزعم محمدا أنه بني ويخبركم بخبر
السماء ، ولا يدري أين ناقته ، فخرج صلىاللهعليهوآله فقال : يزعم منافق
أن محمدا (ص) يقول :
إنه نبي ويخبركم بخبر السماء ولا يدري
أين ناقته ، وإني والله لا أعلم إلا ما
علمني الله ، ولقد أعلمني الآن ودلني عليها ، وإنها
في الوادي في شعب كذا ، و
أشار إلى الشعب حبستها شجرة بزمامها ، فذهبوا
وجاؤا بها.
ومنها أنه صلىاللهعليهوآله
قال : إنكم ستأتون غدا إنشاءالله عين تبوك ، وإنكم لن
تأتوها إلا حين يضحي النهار فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا حتى
آتي ، قال
معاذ : فجئناها وقد سبق إليها رجلان والعين مثل الشراك يبض بشئ يسير
من الماء ، فسألهما هل مسستما من مائها شيئا؟
فقالا : نعم ، فقال لهما ماشاء أن يقول
ثم أمر فغرفوا من العين قليلا قليلا حتى اجتمع
شئ ، ثم غسل النبي صلىاللهعليهوآله
فيه
وجهه ويديه ثم أعاده فيها ، فجاءت العين بماء
كثير ، فاستقى الناس وكفاهم.
ومنها : أن ذا البجادين لما أسلم ولبث زمانا وتعلم القرآن خرج
معه
صلىاللهعليهوآله
إلى تبوك ، فلما حصل بتبوك قال : يا رسول الله (ص) ادع الله لي بالشهادة
فقال : ائتني بلحاء سمرة ، فأتاه به فربطه رسول
الله (ص) على عضده ، وقال : « اللهم
حرم دمه على الكفار » فقال : يا رسول الله ما
هذا أردت ، فقال النبي صلىاللهعليهوآله
: إنك
إذا خرجت غازيا في سبيل الله فأخذتك الحمى
وقتلتك فأنت شهيد ، فلما أقاموا
بتبوك أياما أخذته الحمى فتوفي.
ومنها : أنه صلىاللهعليهوآله في تبوك دعا مرارا
كثيرة بالطعام ، فجاءه بلال ببقية من
____________________
الطعام قليلة ، وكانت
عنده جماعة كثيرة فمس بيده الطعام وكان تمرا وغيره فأكلوا
منه جميعا حتى شبعوا ، وبقي من الطعام أكثر مما
كان أولا ، وقد ظهر على يده
من المعجزات في هذه السفرة أكثر من ذلك ، لكنا
ذكرنا منها لمعا ، ولما نزل
النبي صلىاللهعليهوآله
تبوك أقام بها شهرين ، وكان ما أخبر به النبي صلىاللهعليهوآله
من بعث هرقل أصحابه
ودنوه إلى أدنى الشام وعزمه على قتال النبي (ص) والمسلمين باطلا
وبعث هرقل رجلا من غسان إلى النبي صلىاللهعليهوآله ينظر إلى صفته
وعلاماته وإلى حمرة
في عينية ، وإلى خاتم النبوة وسأل فإذا هو لا يقبل الصدقة ، فوعى
أشياء من
صفات النبي صلىاللهعليهوآله
ثم انصرف إلى هرقل فذكرها له ، فدعا هرقل قومه إلى التصديق
به فأبوا عليه حتى خافهم علي ملكه ، وأسلم هو
سرا منهم ، وامتنع من قتال النبي
صلىاللهعليهوآله
، فلم يؤذن النبي (ص) لقتاله فرجع ، قالوا : وهاجت ريح شديدة بتبوك
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
: هذا لموت منافق عظيم النفاق ، فقدموا المدينة فوجدوا منافقا
قدمات ذلك اليوم. ثم ذكر قصة العقبة وقصة أكيدر.
توضيح : الحجر بالكسر : ديار ثمود. خنق ،
أي خنقته الجن في خلائه حتى
غشي عليه أو مات ، وعلى التقديرين أفاق أو حيي
بدعائه صلىاللهعليهوآله.
حتى سحت
بتشديد الحاء أي صبت. والسح : الصب أو السيلان
من فوق. والرواء بالفتح و
المد : الماء الكثير. وقيل : العذب الذي
للواردين فيه ري. ويقال : بض الماء : إذا قطر وسال.
٢٨ ـ من الديوان المنسوب إلى أميرالمؤمنين عليهالسلام :
ألا باعدالله أهل النفاق
|
|
وأهل الاراجيف والباطل
|
يقولون لي : قد قلاك الرسول
|
|
فخلاك في الخالف الخاذل
|
وما ذاك إلا لان النبي
|
|
جفاك وما كان بالفاعل
|
فسرت وسيفي على عانقي
|
|
إلى الراحم الحاكم الفاضل
|
____________________
فلما رآني هفا قلبه
|
|
وقال مقال الاخ السائل
|
أمم ابن عمي؟ فأنبأته
|
|
بإرجاف ذي الحسد الداغل
|
فقال : أخي أنت من دونهم
|
|
كهارون موسى ولم يأتل
|
بيان
: الخالف : المتأخر لقصان أو قصور وقال الاصممي : إذا تخلف
الظبي عن القطيع قيل : خذل. وهفا الطائر ، أي
خفق وطار ، ويقال : ائتلى في
الامر : إذا قصر.
٣٠
باب
*(قصة
أبى عامر الراهب ، ومسجد الضرار ، وفيه)*
ما يتعلق
بغزوة تبوك
الآيات : التوبة : والذين اتخذوا مسجدا
ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا
لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم
لكاذبون * لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه
فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين * أفمن أسس بنيانه على تقوى
من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم
والله لا يهدي القوم الظالمين * لا يزال بنيانهم الذي بنواريبة في قلوبهم إلا أن تقطع
قلوبهم والله حكيم عليم ١٠٧ ـ ١١٠.
تفسير
: قال الطبرسي قدس الله روحة في قوله تعالى : « والذين اتخذوا مسجدا
» قال المفسرون : إن بني عمرو بن عوف اتخذوا مسجد قباء وبعثوا إلى
رسول الله صلىاللهعليهوآله
أن يأتيهم فأتاهم فصلى فيه فحسدهم جماعة من المنافقين من بني غنم
ابن عوف فقالوا : نبني مسجدا نصلي فيه ولا نحضر جماعة
محمد صلىاللهعليهوآله
، وكانوا
____________________
اثني عشر رجلا ، وقيل
: خمسة عشر رجلا ، منهم ثعلبة بن حاطب ، ومعتب بن
قشير ، ونبتل بن الحارث ، فبنوا مسجدا إلى جنب
قباء ، فلما فرغوا منه
أتوا رسول الله صلىاللهعليهوآله
وهو يتهجز
إلى تبوك ، فقالوا : يا رسول الله (ص) إنا قد
بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة
والليلة الشاتية ، وإنا نحب أن
تأتينا فتصلي لنا فيه وتدعو بالبركة ، فقال صلىاللهعليهوآله : إني على جناح
السفر ولو
قدمنا أتيناكم إنشاءالله فصلينا لكم فلما انصرف رسول الله صلىاللهعليهوآله من تبوك
نزلت عليه الآية في شأن المسجد « ضرارا » أي مضارة بأهل
مسجد قباء
أو
مسجد الرسول صلىاللهعليهوآله
ليقل الجمع فيه « وكفرا » أي ولاقامة الكفر فيه ، أو كان
اتخاذهم ذلك كفرا أو ليكفروا فيه بالطعن على
رسول الله صلىاللهعليهوآله
والاسلام « و
تفريقا بين المؤمنين أي لاختلاف الكلمة ، وإبطال
الالفة ، وتفريق الناس عن
رسول الله صلىاللهعليهوآله
« وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل » وهو أبوعامر لراهب
وكان من قصة أنه كان قد ترهب في الجاهلية ولبس
المسوح ، فلما قدم النبي
صلىاللهعليهوآله
المدينة حزب عليه الاحزاب ، ثم هرب بعد فتخ مكة إلى الطائف ، فلما
أسلم أهل الطائف لحق بالشام ، وخرج إلى الروم
وتنصر ، وهو أبوحنظلة غسيل
الملائكة الذي قتل مع النبي صلىاللهعليهوآله يوم أحد ، وكان
جنبا فغسلته الملائكة ، وسمى
رسول الله أبا عامر الفاسق ، وكان قد أرسل إلى
المنافقين أن استعدوا وابنوا مسجدا
فإني أذهب إلى قيصر ، وآتي من عنده بجنود ، وأخرج
محمدا من المدينة ، فكان
هؤلاء المنافقون يتوقعون أن يجيئهم أبوعامر ، فمات
قبل أن يبلغ ملك الروم « و
ليحلفن إن أردنا إلا الحسنى » أي يحلفون كاذبين
ما أردنا ببناء هذا المسجد إلا
____________________
الفعلة الحسنى من
التوسعة على أهل الضعف والعلة من المسلمين ، فأطلع الله نبيه
على خبث سريرتهم فقال : « والله يشهد إنهم
لكاذبون » فوجه رسول الله صلىاللهعليهوآله
عند
قدومه من تبوك عاصم بن عوف العجلاني ومالك بن
الدخشم ، وكان مالك من بني
عمرو بن عوف فقال : لهما : انطلقا إلى هذا
المسجد الظالم أهله فاهدماه وحر قاه
وروي أنه بعث عمار بن ياسر ووحشيا فحرقاه ، وأمر
بأن يتخذ كناسة تلقى
فيه الجيف ، ثم نهى الله نبيه أن يقوم في هذا
المسجد فقال : « لا تقم فيه أبدا » أي
لا تصل. ثم أقسم فقال : « لمسجد » أي والله
لمسجد « أسس على التقوى » أي بني
أصله على تقوى الله وطاعته « من أول يوم » أي
منذ أول يوم وضع أساسه « أحق
أن تقوم فيه » أي أولى بأن تصلي فيه ، واختلف
في هذا المسجد فقيل : هو مسجد
قباء وقيل : مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وقيل : كل مسجد
بني للاسلام وأريد به
وجه الله تعالى « فيه » أي في هذا المسجد « رجال
يحبون أن يتطهروا » أي يصلوا
لله متطهرين بأبلغ الطهارة ، وقيل : يحبون أن
يتطهروا من الذنوب ، وقيل : يحبون أن يتطهروا بالماء عن الغائط والبول ، وهو المروي عن السيدين الباقر
والصادق عليهماالسلام
وروي عن النبي (ص) أنه قال لاهل قباء : ماذا تفعلون في طهركم
فإن الله تعالى قد أحسن عليكم الثناء؟ قالوا : نغسل
أثر الغائط ، فقال : أنزل الله
فيكم « والله يحب المطهرين » أي المتطهرين « أفمن
أسس بنيانه » إلى قوله : « شفا جرف هار » الشفا : جرف الشئ وشفيرة
، وجرف الوادي : جانبه الذي
ينحفر بالماء أصله ، وهار الجرف يهور هورا فهو
هائر ، وتهور وانهار ، وهار أصله
هائر ، وهو من المقلوب ، كما يقال : شاكي
السلاح ، أي شائك ، وتهور البناء : تساقط ، فالله تعالى شبه بنيانهم على نار جهنم بالبناء على جانب نهر هذه صفته
» فانهار
به في نار جهنم « أي يوقعه ذلك البناء في نار جهنم ، وروي عن جابر بن
عبدالله أنه قال : رأيت المسجد الذي بني ضرارا
يخرج منه الدخان » لا يزال بنيانهم
الذي بنوا ريبة في قلوبهم « أي شكا في قلوبهم
فيما كان من إظهار إسلامهم وثباتا على
النقاق ، وقيل : حزازة
في قلوبهم ، وقيل : حسرة يترددون فيها
» إلا أن
تقطع قلوبهم « أي إلا أن يموتوا ، وقيل : إلا
أن يتوبوا توبة تنقطع بها قلوبهم
ندما وأسفا على تقريطهم » والله عليم « بنيتهم
في بناء المسجد » حكيم » في أمره
بنقضه.
١ ـ فس
: قوله : « الذين
اتخذوا مسجد ضرارا وكفرا » فإنه كان
سبب نزولها أنه جاء قوم من المنافقين إلى رسول
الله صلىاللهعليهوآله
، فقالوا : يا رسول الله!
أتأذن لنا فنبني مسجدا في بني سالم للعليل
والليلة المطيرة والشيخ الفاني؟ فأذن
لهم رسول الله صلىاللهعليهوآله
وهو على الخروج إلى تبوك ، فقالوا : يا رسول الله لو أتينا
فصليت فيه ، قال : أنا على جناح الطير فإذا وافيت إنشاء الله أتيته فصليت فيه
فلما أقبل رسول الله صلىاللهعليهوآله من تبوك نزلت عليه
هذه الآية في شأن المسجد وأبي عامر
الراهب ، وقد كانوا حلفوا لرسول الله صلىاللهعليهوآله أنهم يبنون ذلك
للصلاح والحسنى
فأنزل الله على رسوله « والذين اتخذوا مسجدا » إلى
قوله تعالى : « وإرصادا
لمن حارب الله
ورسوله من قبل » يعني أبا عامر
الراهب ، كان يأتيهم فيذكر رسول الله
وأصحابه ، قوله : « لمسجد أسس على التقوى » يعني
مسجد قباء قوله : « فيه رجال
يحبون أن يتطهروا » قال : كانوا يتطهرون بالماء
، وفي رواية أبي الجارود ، عن
أبي جعفر عليهالسلام
قال : مسجد الضرار ، الذي أسس على شفا جرف هار فانهار به في
نار جهنم ، قوله : « إلا أن تقطع قلوبهم » « إلا
» في موضع « حتى
» فبعث
رسول الله صلىاللهعليهوآله
مالك بن دخشم الخزاعي وعامر بن عدي أخابني عمرو بن عوف
على أن يهدموه ويحرقوه ، فجاه مالك فقال لعامر :
انتظرني حتى أخرج نارا من
منزلي ، فدخل وجاء بنار وأشعل في سعف النخل ثم أشعله في المسجد
فتفرقوا
____________________
وقعد زيد بن حارثة
حتى احترقت البنية ثم أمر بهدم حائطه.
٢ ـ كا
: علي ، عن ابيه ، عن ابن أبي عمير ، ومحمد بن اسماعيل ، عن الفضل
ابن شاذان ، عن صفوان بن يحيى ، وابن أبي عمير
جميعا ، عن معاوية بن عمار قال : قال أبوعبدالله عليهالسلام
: لا تدع إتيان المشاهد كلها مسجد قباء فإنه المسجد الذي
أسس على التقوى من أول يوم.
٣ ـ كا
: محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن
محمد بن عبدالله بن هلال ، عن
عقبة بن خالد ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : ابدأ بقبا
فصل فيه وأكثر فإنه أول
مسجد صلى فيه رسول الله صلىاللهعليهوآله في هذه العرصة.
٤ ـ شى
: عن الحلبي ، عن أبي عبدالله عليهالسلام
قال : سألته عن المسجد الذي
أسس على التقوى من أول يوم ، فقال : مسجد قبا.
٥ ـ شى
: عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفر وأبي عبدالله
عليهماالسلام
عن قوله : « لمسجد أسس على التقوى من أول يوم » قال : مسجد قباء ، و
أما قوله : « أحق أن تقوم فيه » يعني من مسجد
النفاق ، وكان على طريقه إذا أتى
مسجد قباء فكان ينضح بالماء والسدر ، ويرفع ثيابه عن ساقيه ،
ويمشي على
حجر في ناحية الطريق ، ويسرع المشي ، ويكره أن
يصيب ثيابه منه شئ فسألته
هل كان النبي (ص) يصلي في مسجد قبل؟ قال : نعم ،
كان منزله على سعد بن خيثمة
الانصاري.
٦ ـ شى
: عن الحلبي ، عن أبي عبدالله عليهالسلام
قال : سألته عن قول الله : « فيه
رجال يحبون أن يتطهروا » قال : الذين يحبون أن
يتطهروا نظف الوضوء وهو
الاستنجاء بالمآء ، وقال : نزلت هذه الآية في
أهل قبا.
____________________
وفي رواية ابن سنان عنه عليهالسلام قال : قلت : ما ذلك
الطهر؟ قال : نظف الوضوء
إذا خرج أحدهم من الغائط ، فمدحهم الله بتطهرهم.
بيان
: نظف الوضوء كأن المراد بالوضوء الاستنجاء ، أي النظافة الحاصلة
بالاستنجاء ، أو المراد بالنظف المبالغة في
إزالة الغائط من قولهم : استنطف الشئ : إذا أخذه كله ، ويحتمل الوضوء المصطلح ، أي التنظف قبل الوضوء ولاجله.
٧ ـ م
: لما مات سعد بن معاذ بعد أن شفى من
بني قريظة بأن قتلوا أجمعين
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله
: يرحمك الله يا سعذ ، فلقد كنت شجا في حلوق الكافرين ، لو.
بقيت لكففت العجل الذي يراد نصبه في
بيضه الاسلام كعجل قوم موسى ، قالوا : يا رسول الله صلىاللهعليهوآله
أو عجل يراد أن يتخذ في مدينتك هذه؟ قال : بلى ، والله يراد
ولو كان لهم سعد حياما استمر تدبيرهم ، ويستمرون ببعض تدبيرهم
، ثم الله
يبطله ، قالوا : أنخبرنا كيف يكون ذلك؟ قال : دعوا ذلك لما يريد
الله أن
يدبره.
قال موسى بن جعفر عليهالسلام : ولقد اتخذ
المنافقون من أمة محمد صلىاللهعليهوآله
بعد موت سعد بن معاذ وبعد انطلاق محمد (ص) إلى تبوك أبا عامر الراهب أميرا ورئيسا
، وبايعوا
له وتواطئوا على إنهاب المدينة وسبي ذراري رسول
الله صلىاللهعليهوآله
وسائر أهله وصحابته
ودبروا التبيت على محمد ليقتلوه في طريقه إلى
تبوك ، فأحسن الله الدفاع عن محمد (ص) وفضح المنافقين وأخزاهم ، وذلك أن رسول الله
صلىاللهعليهوآله
قال : « لتسلكن سبل من كان
قبلكم حذو النعل بالنعل ، والقذة بالقذة ، حتى
لو أن أحدهم دخل حجر
ضب لدخلتموه » قالوا : يا ابن رسول الله من كان
هذا العجل وما ذا كان هذا التدبير؟
فقال عليهالسلام
: اعلموا أن رسول الله (ص) كان يأنيه الاخبار عن صاحب دومة الجندل
وكان ملك تلك النواحي به مملكة عظيمة مما يلي الشام ، وكان يهدد رسول
الله (ص)
____________________
بأنه يقصده ، ويقتل
أصحابه ويبيد خضراءهم ، وكان أصحاب رسول الله (ص) خائفين
وجلين من قبله ، حتى كانوا يتناوبون على رسول
الله صلىاللهعليهوآله
كل يوم عشرون منهم
وكلما صاح صائح ظنوا أنه قد طلع أوائل رجاله
وأصحابه. وأكثر المنافقون الا راجيف
والا كاذيب ، وجعلوا يتخللون أصحاب محمد (ص) ، ويقولون
: إن أكيدر قد أعد
من الرجال كذا ، ومن الكراع كذا ، ومن المال
كذا ، وقد نادى فيما يليه من ولايته
ألا قد أبحتكم النهب والغارة في المدينة ، ثم
يوسوسون إلى ضعفاء المسلمين يقولون
لهم فأين يقع أصحاب محمد من أصحاب أكيدر؟ يوشك أن
يقصد المدينة فيقتل رجالها
ويسبي ذراريها ونساءها ، حتى آذى ذلك قلوب المؤمنين ،
فشكوا إلى رسول الله (ص) ماهم عليه من الخدع
ثم إن المنافقين اتفقوا وبايعوا أبا عامر الراهب الذي سماه
رسول الله صلىاللهعليهوآله
الفاسق ، وجعلوه أمير عليهم وبخعوا
له بالطاعة ، فقال لهم : الرأي أن أغيب عن المدينة ، لئلا أتهم بتدبير
كم وكانبوا
أكيدر في دومة الجندل
ليقصد المدينة ليكونوا هم عليه ، وهو يقصدهم
فيصطلموه ، فأوحى الله إلى محمد (ص) وعرفه ما اجتمعوا عليه من أمرهم ، وأمره بالمسير إلى تبوك.
وكان رسول الله
صلىاللهعليهوآله
إذا أراد
غزوا ورى بغيره إلا غزاة تبوك ، فإنه أظهر ما كان يريده ، و
أمرهم أن يتزو دوالها ، وهي الغزاة التي افتضح
فيه المنافقون ، وذمهم الله تعالى في
تثبيطهم عنها ، وأظهر رسول الله (ص) ما أوحى
إليه أن سيظفره
بأكيدر حتى يأخذه
ويصالحه على ألف أوقية من ذهب في صفر ، وألف
أوقية من ذهب في رجب ، ومائتي
حلة في صفر ، ومائتي حلة في رجب ، وينصرف سالما
إلى ثمانين يوما ، فقال لهم
____________________
رسول الله صلىاللهعليهوآله : إن موسى وعد قومه أربعين ليلة ، وإني أعدكم ثمانين ليلة
ثم أرجع سالما غانما ظافرا بلا حرب يكون ولا
أحد يستأسر
من المؤمنين ، فقال
المنافقون : لا والله ، ولكنها آخر كسراته التي
لا ينجبر بعدها ، إن أصحابه ليموت
بعضهم في هذا الحر ، ورياح البوادي ، ومياه
المواضع المؤذية الفاسدة ، ومن سلم من
ذلك فبين أسير في يد أكيدر ، وقتيل وجريح ، واستأذنه
المنافقون بعلل ذكروها
بعضهم يعتل بالحر ، وبعضهم بمرض يجده ، وبعضهم بمرض عياله ، وكان يأذن
لهم ، فلما صح عزم رسول الله صلىاللهعليهوآله على الرحلة إلى
تبوك عمد هؤلاء المنافقون
فبنوا مسجدا خارج المدينة وهو مسجد الضرار ، يريدون
الاجتماع فيه ويوهمون
أنه للصلاة ، وإنما كان ليجتمعوا فيه لعلة الصلاة فيتم لهم به ما يريدون ، ثم
جاء جماعة منهم إلى رسول الله (ص) وقالوا : يا
رسول الله إن بيوتنا قاصية عن مسجدك
وإنا نكره الصلاة في غير جماعة ، ويصعب علينا
الحضور ، وقد بنينا مسجدا فإن رأيت
أن تقصده وتصلي فيه لتيمن ونتبرك بالصلاة في
موضع مصلاك ، فلم يعرفهم رسول
الله صلىاللهعليهوآله
ما عرفه الله من أمرهم ونفاقهم ، وقال : ائتوني بحماري ، فأتي باليعفور
فركبه يريد نحو مسجدهم ، فكلما بعثه هو وأصحابه لم ينبعث ولم يمش ، فإذا
صرف
رأسه إلى غيره ، سار أحسن سير وأطيبه ، قالوا : لعل هذا الحمار قد رأى في
هذا
الطريق شيئا كرهه ، فلذلك لا ينبعث نحوه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ايتوني
____________________
بفرس فركبه ، فكلما بعثه نحو مسجدهم لم ينبعث ، وكلما
حركوه نحوه لك
يتحرك حتى
إذا ولوا رأسه إلى غيره سار أحسن سير ، فقالوا : لعل هذا
الفرس قد كره شيئا في هذا الطريق ، فقال : تعالوا
نمش إليه فلما
تعاطى هو و
أصحابه
المشي نحو المسجد جفوا
في مواضعهم ولم يقدروا على الحركة ، وإذا هموا بغيره من المواضع خفت حركاتهم ، وحنت أبدانهم ، ونشطت قلوبهم
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
: إن هذا أمر قدكرهه الله ، فليس يريده الآن وأنا على جناح
سفر فأمهلوا حتى أرجع إنشاء الله تعالى ثم أنظر
في هذا نظرا يرضاه الله تعالى ، وجد
في العزم على الخروج إلى تبوك ، وعزم المنافقون
على الصطلام مخلفيهم أذا خرجوا
فأوحى الله تعالى إليه : يا محمد إن العلي
الاعلى يقرأ عليك السلام ويقول لك : [ إما أن
تخرج أنت ويقيم علي وإما أن يخرج علي وتقيم أنت
] فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
ذاك
لعلي فقال علي السمع والطاعة لامر الله وأمر
رسوله ، وإن كنت أحب أن لا أتخلف
عن رسول الله صلىاللهعليهوآله
في حال من الاحوال ، فقال رسول الله (ص) : أما ترضى أن
تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي
بعدي فقال : رضيت يا رسول الله
فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا أبا الحسن! إن
لك أجر خروجك معي في مقامك
بالمدينة ، وإن الله قد جعلك أمة وحدك ، كما
جعل إبراهيم أمة ، تمنع جماعة
المنافقين والكفار هيبتك عن الحركة على
المسلمين ، فلما خرج رسول الله صلىاللهعليهوآله
وشيعه علي عليهالسلام
خاض المنافقون وقالوا : إنما خلفه محمد بالمدينة لبغضه له ، وملاله
منه ، وما أراد بذلك إلا أن يبيته المنافقون فيقتلوه ويحاربوه فيهلكوه
فاتصل ____________________
ذلك برسول الله (ص)
، فقال علي عليهالسلام
: تسمع ما يقولون يا رسول الله؟ فقال رسول
الله صلىاللهعليهوآله
: أما يكفيك أنك جلدة ما بين عيني ونور بصري ، وكالروح في بدني.
ثم سار رسول الله صلىاللهعليهوآله
بأصحابه وأقام علي عليهالسلام
بالمدينة
، وكان كلما
دبر المنافقون أن يوقعوا بالمسلمين فزعوا من
علي عليهالسلام
، وخافوا أن يقوم معه عليهم
من يدفعهم عن ذلك ، وجعلوا يقولون فيما بينهم :
هي كرة محمد التي لا يؤب منها
فلما صار بين رسول الله صلىاللهعليهوآله وبين أكيدر مرحلة
قال : تلك العشية يا زبير بن العوام
يا سماك بن خرشة امضيا في عشرين من المسلمين إلى باب
قصر أكيدر فخذاه وائتياني
به ، قال الزبير : وكيف يا رسول الله (ص) نأتيك
به ومعه من الجيش الذي قد علمت
ومعه في قصره سوى حشمه ألف مادون عبد وأمة وخادم؟ قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : تحتالان عليه وتأخذانه ، قال : يا رسول الله وكيف وهذه ليلة قمراء ، وطريقنا
أرض ملساء ، ونحن في الصحراء لا نخفى؟ فقال
رسول الله (ص) : أنحبان أن يستر كما
الله عن عيونهم ، ولا يعجل لكما ظلا إذا سرتما ،
ويجعل لكما نورا كنور القمر لا
لا تتبينان منه؟ قالا : بلى ، قال : عليكما بالصلاة
على محمد وآله الطيبين معتقدين
أن أفضل آله علي بن أبي طالب ، وتعتقد يا زبير
أنت خاصة أن لايكون علي عليهالسلام
في قوم إلا كان هو أحق بالولاية عليهم ، ليس
لاحد أن يتقدمه ، فإذا أنتما فعلتما
ذلك وبلغتما الظل الذي بين يدي قصره من حائط
قصره فإن الله سبيعث الغزلان
والاوعال إلى بابه ، فتحك قرونها به فيقول : من لمحمد في مثل هذا؟
____________________
فيركب فرسه لينزل فيصطاد فيقول له امرأته : إياك والخروج فإن محمدا قد
أناخ
بفنائك ، ولست آمن أن يحتال عليك ودس من يغزونك. فيقول لها : إليك عني
فلو كان أحد يفصل عنه في هذه الليلة لتلقاه في هذا القمر
عيون أصحابنا في
الطريق
وهذا الدنيا بيضاء لا أحد فيها ، فلو كان في ظل قصرنا هذا إنسي لنفرت
منه الوحش
، فينزل ليصطاد الغزلان والاوعال فتهرب من بين يديه ويتبعها
فتحيطان به
وتأخذانه
وكان كما قال رسول الله صلىاللهعليهوآله
فأخذوه ، فقال : لي
إليكم حاجة ، قالوا : ماهي فإنا نقضيها إلا أن
تسألنا أن نخليك ، قال : تنزعون
عني ثوبي هذا وسيفي ومنطقتي وتحملونها إليه
وتحملوني
في قميصي لئلايراني
في هذا الزي ، بل يراني في زي تواضع فلعله أن
يرحمني ، ففعلوا ذلك ، فجعل
المسلمون والاعراب يلبسون ذلك الثوب ويقولون : هذا من حلل الجنة ، وهذا
من حلي الجنة يا رسول الله؟ قال : لا ولكنه ثوب
أكيدر وسيفه ومنطقته ، ولمنديل
ابن عمتي الزبير وسماك في الجنة أفضل من هذا إن
استقاما على ما أمضيا من عهدي
إلى أن يلقياني عند حوضي في المحشر ، قالوا : وذلك
أفضل من هذا؟ قال : بل
خيط من منديل بأيديهما في الجنة أفضل من ملء
الارض إلى السماء مثل هذا الذهب
فلما أتي به رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : يا محمد
أقلني وخلني على أن أدفع من ورائي
من أعدائك ، فقال له رسول الله : فان لم تف به؟ قال : يا محمد إن لم أف لك
فإن
____________________
كنت رسول الله
فسيظفرك بي من منع ظلال أصحابك أن يقع الارض حتى
أخذوني ، ومن ساق الغزلان إلى بابي حتى استخر
جتني من قصري وأوقعتني في
أيدي أصحابك ، وإن كنت غير نبي فإن دولتك التي
أوقعتني في يدك بهذه الخصلة
العجيبة والسبب اللطيف ستوقعني في يدك بمثلها ،
قال : فصالحه رسول الله صلىاللهعليهوآله
على
ألف أوقية من ذهب في رجب ومأتي حلة ، وألف
أوقية في صفر ومائتي حلة وعلى
أنهم يضيفون من مربهم من العساكر ثلاثة أيام ، ويزو دونهم إلى المرحلة
التي تليها
، على أنهم إن نقضوا شيئا من ذلك فقد برئت منهم ذمة الله وذمة محمد
رسول الله صلى الل عليه واله ثم كر رسول الله
راجعا إلى المدينة إلى إبطال كيد المنافقين في نصب
ذلك العجل الذي هو أبوعامر الذي سماه النبي (ص)
الفاسق ، وعاد رسول الله صلىاللهعليهوآله
غانما ظافرا
وأبطل الله كيد المنافقين وأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله
بإحراق مسجد الضرار
وأنزل الله عزوجل : « والذين اتخذوا مسجدا
ضرارا وكفرا وتفريقا » الآيات.
وقال موسى بن جعفر عليهماالسلام : فهذا العجل في حياة
رسول الله (ص) دمر الله عليه
وأصابه بقولنج وفالج وجذام ولقوة وبقي أربعين صباحا في أشد عذاب صار إلى
عذاب الله.
بيان
: قال الجوهري : قولهم : أباد الله خضراءهم أي سوادهم ومعظمهم ، قوله : وحنت أبدانهم لعله من الحنين بمعنى الشوق ، وفي بعض النسخ خبت بالخاء
المعجمة والباء الموحدة ، ولعله من الخبب وهو
ضرب من العدو ، والاوعال جمع
الوعل بالفتح وككتف وهو تيس الجبل.
____________________
٣١
باب
*(نزول
سورة براءة وبعث النبى صلىاللهعليهوآله عليا عليهالسلام بها)*
*(ليقرأها
على الناس في الموسم بمكة)*
الآيات ، التوبة « ٩ » : براءة من الله
ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في
الارض أربعة أشهر وا علموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين * وأذان من
الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الاكبر أن الله برئ من المشركين و رسوله فان
تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا
بعذاب أليم * إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقضو كم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا
فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين * فإذا انسلخ الا شهر
الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد
فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكوة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم وإن أحد من
المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا
يعلمون * كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد
الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين * كيف وإن يظهروا
عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم و أكثر هم
فاسقون * اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعلمون *
لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون * فإن تابوا وأقاموا الصلاة
وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون * وإن نكثوا أيمانهم من
بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أتوة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم
ينتهون * ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤكم أول مرة
أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين * قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم
ويخزهم
وينصر كم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين * ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من
يشاء والله عليم حكيم ١ ـ ١٥.
وقال تعالى : إنما المشركون نجس فلا
يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم
هذا وإت خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن
شاء إن الله عليم حكيم ٢٨.
تفسير
: قال الطبرسى رحمة الله : « براءة » أي هذه براءة « من الله ورسوله
أي انقطاع العصمة ، ورفع الامان ، وخروج عن العهود » إلى الذين عاهدتم
من المشركين « الخطاب للنبي صلىاللهعليهوآله وللمسلمين ، والمعنى
تبرؤا ممن كان بينكم و
بينهم عهد من المشركين ، فإن الله ورسوله
بريئان منهم ، وإذا قيل : كيف يجوز
أن ينقض النبي صلىاللهعليهوآله
العهد فالقول فيه أنه يجوز أن ينقض
ذلك على أحد ثلاثة أوجه : إما أن يكون العهد
مشروطا بأن يبقى إلى أن يرفعه
الله بوحي ، وإما أن يكون قد ظهر من المشركين
خيانة ونقض فأمر الله
سبحانه بأن ينبذ إليهم عهدهم ، وإما أن يكون
مؤجلا إلى مدة فتنقضي المدة
وينتقض العهد وقد وردت الرواية بأن النبي صلىاللهعليهوآله شرط عليهم ما
ذكرناه ، وروي
أيضا أن المشركين كانوا قد نقضوا العهد أو هموا
بذلك ، فأمرالله سبحانه أن ينقض
عهودهم ، ثم خاطب الله سبحانه المشركين فقال :
« فسيحوا في الارض » أي سيروا
في الارض على وجه المهل ونصرفوا في جوائجكم
آمنين من السيف « أربعة أشهر » فإذا انقضت هذه المدة ولم تسلموا انقطعت العصمة عن دمائكم وأموالكم » واعلموا
أنكم غير معجزي الله « أي غير فائتين عن الله ،
كما يفوت ما يعجز عنه ، لانكم حيث
كنتم في سلطان الله وملكه » وأن الله مخزي
الكافرين » أي مذلهم ومهينهم ، واختلف
في هذه الاشهر الاربعة فقيل : كان ابتداؤها يوم
النحر إلى العاشر من شهر ربيع
الآخر ، وهو المروي عن أبي عبدالله عليهالسلام ، وقيل : إنما
ابتداء الاشهر الاربعة
من أول الشوال ، إلى آخر المحرم ، وقيل : كان ابتداء
الاشهر الاربعة يوم
____________________
النحر لعشر من ذي
القعدة إلى عشر من شهر ربيع الاول لان الحج في تلك
السنة كان في ذلك الوقت ، ثم صار في السنة
الثانية في ذي الحجة ، وفيها حجة
الوداع ، وكان سبب ذلك النسيئ ، واعلم أنه أجمع
المفسرون ونقلة الاخبار أنه
لما نزلت براءة دفعها رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى أبي بكر ، ثم
أخذها منه ودفعها إلى
علي بن أبي طالب عليهالسلام
، واختلفوا في تفضيل ذلك فقيل : إنه بعثه وأمره أن
يقرأ عشر آيات من أول هذه السورة ، وأن ينبذ
إلى كل ذي عهد عهده ، ثم بعث
عليا عليهالسلام
خلفه ليأخذها ويقرأها على الناس
، فخرج على ناقة رسول الله (ص) العضباء حتى أدرك أبابكر بذي الحليفة فأخذها منه ، وقيل
: إن أبابكر رجع
فقال : هل نزل في شئ؟ فقال صلىاللهعليهوآله لا إلا خيرا ، ولكن
لا يؤدي عني إلا أنا
أو رجل مني ، وقيل : إنه قرأ علي عليهالسلام براءة على الناس ، وكان
أبوبكر أميرا
على الموسم ، وقيل : إنه أخذها من أبي بكر قبل
الخروج ودفعها إلى علي
وقال : لا يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني ، وروى
أصحابنا أن النبي صلىاللهعليهوآله
ولاه
أيضا الموسم ، وأنه حين أخذ البراءة من أبي بكر
رجع أبوبكر ، وروى الحاكم
أبوالقاسم الحسكاني بإسناده عن سماك بن حرب ، عن
أنس بن مالك أن رسول
الله صلىاللهعليهوآله
بعث برءة مع أبي بكر إلى أهل مكة ، فلما بلغ ذا الحليفة بعث إليه
فرده ، وقال لا يذهب بها إلا رجل من أهل بيتي ،
فبعث عليا. وروى الشعبي
عن محرز ، عن أبيه أبي هريرة قال : كنت أنادي
مع علي حين أذن المشركين
وكان إذا صحل صوته فيما ينادي دعوت مكانه ، قال : فقلت
: يا أبه أي شئ كنتم
____________________
تقولون؟ قال : كنا
نقول : لا يحج بعد عامنا هذا مشرك ، ولا يطوفن
بالبيت
عريان ، ولا يدخل البيت إلا مؤمن ، ومن كان
بينه وبين رسول الله مدة فإن أجله
إلى أربعة أشهر ، فاذا انقضت أربعة أشهر فإن الله برئ من المشركين ورسوله
وروى عاصم بن حميد ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر
عليهالسلام
قال : خطب علي عليهالسلام
الناس واخترط سيفه فقال : « لا يطوفن بالبيت
عريان ، ولا يحجن البيت مشرك
ومن كانت له مدة فهو إلى مدته ، ومن لم تكن له
مدة فمدته أربعة أشهر » وكان
خطب يوم النحر ، وكانت عشرون من ذي الحجة ومحرم
وصفر وشهر ربيع الاول
وعشر من شهر ربيع الآخر. وقال يوم النحر : يوم
الحج الاكبر.
وذكر أبوعبدالله الحافظ بإسناده عن زيد
بن بقيع
قال : سألنا عليا
بأي شئ بعثت في ذي الحجة؟ قال : بعثت بأربعة : لا
تدخل الكعبة إلا نفس
مؤمنة ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ولا يجتمع
مؤمن وكافر في المسجد الحرام بعد
عامه هذا ، ومن كان بينه وبين رسول الله عهد
فعهده إلى مدته ، ومن لم يكن له عهد
فأجله أربعة أشهر.
وروي أنه عليهالسلام
قام عند جمرة العقبة وقال : يا أيها الناس إني رسول رسول الله إليكم بأن لا يدخل
البيت كافر ، ولا يحج البيت مشرك ، ولا يطوف بالبيت
عريان ، ومن كان له عهد عند رسول الله صلىاللهعليهوآله فله عهده إلى أربعة
أشهر ، ومن
لا عهد له فله مدة بقية الاشهر الحرم ، وقرأ
عليهم سورة براءة.
وقيل : قرأ عليهم ثلاث عشرة آية من أول
براءة ، وروي أنه عليهالسلام
لما
نادى فيهم : إن الله برئ من كل مشرك قال المشركون : نحن نتبرأ من عهدك
____________________
وعهد ابن عمك ، ثم
لما كانت السنة المقبلة وهي سنة عشر حج النبي صلىاللهعليهوآله
حجة
الوداع وقفل
إلى المدينة ، ومكث بقية ذي الحجة والمحرم وصفر وليالي
من ربيع الاول حتى لحق بالله عزوجل. « وأذان من
الله ورسوله إلى الناس » أي وإعلام ، وفيه معنى الامر ، أي آذنوا الناس ،
يعني أهل العهد. وقيل : أراد
بالناس المؤمن والمشرك ، لان الكل داخلون في
هذا الاعلام « يوم الحج الاكبر » فيه ثلاثة أقوال : أحدها أنه يوم عرفة ، روي عن
أميرالمؤمنين عليهالسلام
، قال عطا
الحج الاكبر الذي فيه الوقوف والحج الاصغر الذي ليس فيه وقوف وهو العمرة
وثانيها : أنه يوم النحر عن علي عليهالسلام وابن عباس ، وهو
المروي عن أبي عبدالله
عليهالسلام
، قال الحسن : وسمي الحج الاكبر لانه حج فيه المسلمون والمشركون
ولم يحج بعدها مشرك. وثالثها : أنه جميع أيام
الحج ، كما يقال : يوم الجمل
ويوم صفين ، يراد به الحين والزمان. « أن الله
برئ من المشركين » أي من عهدهم
« ورسوله
» معناه ورسوله أيضا برئ منهم ، وقيل : إن البراءة الاولى لنقض العهد
والثانية لقطع الموالاة والاحسان فليس بتكرار «
فإن تبتم » عن الشرك « فهو خير
لكم » لانكم تنجون به من خزي الدنيا وعذاب
الآخرة « وإن توليتم » عن
الايمان « فاعلموا أنكم غير معجزي الله » عن
تعذيبكم في الدنيا « وبشر الذين
كفروا بعذاب أليم » في الآخرة « إلا الذين
عاهدتم من المشركين » قال الفراء : استثنى الله تعالى من براءة وبراءة رسوله من
المشركين قوما من بني كنانة وبني
ضمرة ، كان قد بقي من أجلهم تسعة أشهر ، أمر
بإتمامها لهم لانهم لم يظاهروا على
المؤمنين ، ولم ينقضوا عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وقال ابن عباس : عنى
به كل من
كان بينه وبين رسول الله (ص) عهد قبل براءة ، وينبغي
أن يكون أراد بذلك من كان
بينه وبينه عهد وهدنة ، ولم يتعرض له بعداوة ، ولا
ظاهر عليه عدوا لان النبي
صلىاللهعليهوآله
صالح أهل هجر وأهل البحرين وأيلة ودومة الجندل وله عهود بالصلح و
____________________
الجزية ، ولم ينبذ
إليهم بنقض عهد ، ولا حاربهم بعد وكانوا أهل ذمة إلى أن مضى
لسبيله صلىاللهعليهوآله
، ووفى لهم بذلك من بعده « ثم لم ينقصوكم شيئا » من شروط العهد
وقيل : لم يضروكم شيئا « ولم يظاهروا » أي لم
يعاونوا « عليكم أحدا » من أعدائكم
« فأتموا
إليهم عهدهم إلى مدتهم » أي إلى انقضاء مدة المعاهدة و « إن الله يحب
المتقين » لنقض العهود « فإذا انسلخ الاشهر
الحرم » وهي ذوالقعدة وذوالحجة
والمحرم ورجب وقيل : الاشهر الاربعة التي جعل
الله للمشركين أن يسيحوا في
الارض على مامر « فاقتلوا المشركين حيث
وجدتموهم » هذا ناسخ لكل آية وردت
في الصلح والاعراض عنهم « وخذوهم واحصروهم » أي
احبسوهم واسترقوهم أو
فادوهم بمال ، وقيل : وامعنوهم دخول مكة
والتصرف في بلاد الاسلام « واقعدوا
لهم كل مرصد » أي بكل طريق وبكل مكان تظنون
أنهم يمرون فيه « فإن
تابوا » من الشرك « وأقاموا الصلاة وآتوا الزكوة
» أي قبلوا الاتيان بهما « فخلوا
سبيلهم » إلى بلاد الاسلام ، أو إلى البيت « وإن
أحد من المشركين استجارك » أي
طلب منك الامان من القتل ليسمع دعوتك واحتجاجك
عليه بالقرآن « فأجره حتى
يسمع كلام الله » وإنما خص كلام الله لان معظم
الادلة فيه « ثم أبلغه مأمنه » معناه فإن دخل في الاسلام نال خير الدراين ، وإن
لم يدخل في الاسلام فلا تقلته
فتكون قد غدرت به ، ولكن أوصله إلى ديار قومه
التي يأمن فيها على نفسه وماله ذلك بأنهم قوم لا يعلمون « أي ذلك الامان لهم
بأنهم قوم لا يعلمون الايمان
والدلائل فآمنهم حتى يسمعوا ويتدبروا « كيف
يكون للمشركين عهد عندالله
وعند رسوله » أي عهد صحيح مع إضمارهم الغدر
والنكث على التعجب أو على
الجحد ، وقيل : كيف يأمر الله ورسوله بالكف عن
دماء المشركين ، ثم استثنى سبحانه
فقال : « إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام »
فإن لهم عهدا عندالله ، لانهم لم
يضمروا الغدر بك والخيانة لك ، واختلف في هؤلاء
من هما؟ فقيل : هم قريش عن
ابن عباس ، وقيل : هم أهل مكة الذين عاهدهم
رسول الله صلىاللهعليهوآله
يوم الحديبية فلم
يستقيموا ونقضوا العهد بأن أعانوا بني بكر على
خزاعة ، فضرب لهم رسول الله صلىاللهعليهوآله
بعد الفتح أربعة
أشهر يختارون أمرهم ، إما أن يسلموا ، وإما أن يلحقوا بأي بلاد
شاؤا ، فأسلموا قبل الاربعة أشهر ، وقيل : هم من قبائل بكر بنو خزيمة وبنو
مدلج وبنو ضمرة وبنو الدئل ، وهم الذين كانوا
قد دخلوا في عهد قريش يوم الحديبية
إلى المدة التي كانت بين رسول الله صلىاللهعليهوآله وبين قريش ، فلم
يكن نقضها إلا قريش و
بنو الدئل من بكر ، فأمر بإتمام العهد لمن لم
يكن له نقض إلى مدته ، وهذا أقرب
إلى الصواب « فما استقاموا لكم » على العهد « فاستقيموالهم
» كذلك « إن الله
يحب المتقين » للنكث والغدر « كيف وإن يظهروا
عليكم » أي كيف يكون لهم
عهد ، أو كيف لا تقتلونهم وهم بحال إن يظفروا
بكم « لا يرقبوا » أي لا يحفظوا ولا
يراعوا فيكم « إلا ولا ذمة » أي قرابة ولا عهدا
، والال : القرابة ، أو الحلف وقيل
الال ، اسم الله « يرضونكم بأفواههم وتأبى
قلوبهم » أي يتكلمون بكلام الموالين
لكم لترضوا عنهم وتأبى قلوبهم إلا العداوة
والغدر « وأكثرهم فاسقون » أي متمردون
في الشرك ، وقيل : أراد كلهم ، وقيل المعنى
أكثرهم خارجون عن طريق الوفاء بالعهد
وأراد بذلك رؤساءهم « اشتروا بآيات الله ثمنا
قليلا فصدوا عن سبيله » أي أعرضوا عن
دين الله وصدو الناس عنه بشئ يسير نالواه من
الدنيا ، وردفي قوم من العرب جمعهم أبوسفيان
على طعامه ليستميلهم إلى عداوة النبي صلىاللهعليهوآله ، وقيل : ورد في
اليهود الذين كانوا
يأخذون الرشاء من العوام على الحكم بالباطل « إنهم
ساء ما كانوا يعملون » أي
بئس العمل عملهم « لا يرقبون » إلى قوله : « هم
المعتدون » أي المجاوزون الحد
في الكفر والطغيان ، وكرر للتأكيد ، أو الاولى
في طائفة ، والثانية في أخرى
« فإن
تابوا » إلى قوله : « فإخوانكم في الدين » أي فعاملوهم معاملة إخوانكم
من المؤمنين « ونفصل الآيات » أي نبينها « لقوم
يعملون » ذلك ويبينونه
« فإن نكثوا » أي نقضوا « أيمانهم » أي
عهودهم وما حلفوا عليه « من بعد
____________________
عهدهم » أي من بعد
أن عقدوه « وطعنوا في دينكم » أي عابوه وقدحوا فيه « فقاتلوا
أئمة الكفر » أي رؤساء الكفر والضلالة ، وخصهم
لانهم يضلون أتباعهم ، قال
الحسن ، أراد به جماعة الكفار ، وكل كافر إمام
لنفسه في الكفر ولغيره في الدعاء
إليه ، وقال ابن عباس وقتادة : أراد به رؤساء
قريش مثل الحارث بن هشام ، وأبي
سفيان بن حرب ، وعكرمة بن أبي جهل ، وسائر
رؤساء قريش الذين نقضوا العهد
وكان حذيفة يقول : لم يأت أهل هذه الآية بعد ، وقال
مجاهد : هم أهل فارس
والروم ، وقرأ علي عليهالسلام هذه الآية يوم
البصرة ثم قال : أما والله لقد عهد إلي
رسول الله صلىاللهعليهوآله
وقال : يا علي لتقاتلن الفئة النا كثة ، والفئة الباغية ، والفئة
المارقة « إنهم لا ايمان لهم » قرأ ابن عامر « لا
إيمان لهم » بكسر الهمزة ، ورواه
ابن عقدة بإسناده عن عزيز بن الوضاح الجعفي ، عن جعفر بن محمد عليهماالسلام
والباقون بفتحها ، فمن قرأ بالفتح فمعناه أنهم
لا يحفظون العهد واليمين ، ومن
قرأ بالكسر فمعناه لا تؤمنوهم بعد نكثهم العهد ،
أو إنهم إذا آمنوا إنسانا لا يفون به
أو إنهم كفروا فلا إيمان لهم « لعلهم ينتهون » أي
قاتلوهم لينتهوا عن الكفر « ألا
تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج
الرسول » الالف للاستفهام ، والمراد
به التحضيض والايجاب ، ومعناه هلا تقاتلونهم
وقد نقضوا عهودهم التى عقدوها
واختلف فيهم فقيل : هم اليهود الذين نقضوا
العهد ، وخرجوا مع الاحزاب ، و
هموا بإخراج الرسول صلىاللهعليهوآله من المدينة ، كما
أخرجه المشركون من مكة
وقيل : هم مشركو قريش وأهل مكة. « وهم بدؤكم
أول مرة » بنقض العهد ، أو
بالقتال يوم بدر ، أو بقتال حلفاء النبي صلىاللهعليهوآله من خزاعة « أتخشونهم
» أن ينالكم
من قتالهم مكروه « فالله أحق أن تخشوه » أي
تخافوا عقابه في ترك أمره بقتالهم
« إن
كنتم مؤمنين » بعقابه وثوابه « قاتلوهم يعذ بهم الله بأيديكم » قتلا وأسرا
ويخزهم « أي ويذلهم » ويشف صدور قوم مؤمنين « يعني
بني خزاعة الذين بيت
عليهم
بنوبكر و « يذهب غيظ قلوبهم » لكثرة مانالهم من الاذى من جهتهم
____________________
« ويتوب الله على من يشاء » أي ويقبل توبة من
تاب « فلا
يقربوا المسجد الحرام
بعد عامهم هذا » أي فامنعوهم عن المسجد الحرام
وقيل : المراد منعهم من دخول
الحرم فإن الحرم كله مسجد وقبلة ، والعام الذي
أشار إليه سنة تسع الذي نادى
فيه علي عليهالسلام
بالبراءة وقال : لا يحجن بعد العام
مشرك « وإن خفتم عيلة » إي فقرا وحاجة ، وكانوا خافوا انقطاع المتاجر
بمنع المشركين عن دخول الحرم
« فسوف
يغنيكم الله من فضله إنشاء » من جهة أخرى بأن يرغب الناس من أهل الآفاق
في حمل الميرة إليكم قال مقاتل : أسلم أهل جدة
وصنعا وحرش
من اليمن ، و
حملوا الطعام إلى مكة على ظهور الابل والدواب ،
وكفاهم الله سبحانه ما كانوا
يتخوفون ، وقيل : يغنيكم بالجزية المأخوذة من
أهل الكتاب ، وقيل : بالمطر و
النبات ، وقيل : بإباحة الغنائم.
١ ـ كا
: علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار قال : سألت
أبا عبدالله عليهالسلام
عن يوم الحج الاكبر ، فقال : هو يوم النحر ، والحج الاصغر
العمرة.
٢ ـ كا
: أبوغلي الاشعري ، عن محمد بن عبدالجبار. عن صفوان ، عن ذريح ، عن أبي عبدالله عليهالسلام
قال : الحج الاكبر يوم النحر.
٣ ـ كا
: علي ، عن أبيه ، وعلي بن محمد القاساني جميعا عن القاسم بن محمد
عن سليمان بن داود ، عن فضيل بن عياض قال : سألت
أبا عبدالله عليهالسلام
عن الحج
الاكبر فإن ابن عباس كان يقول : يوم عرفة ، فقال
أبوعبدالله عليهالسلام
: قال أمير المؤمنين
عليهالسلام
: الحج الاكبر يوم النح ، ويحتج بقوله تعالى : « فسيحوا في الارض أربعة أشهر
» وهو عشرون من ذي
الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الاول
وعشر من ربيع الآخر ، ولو كان الحج الاكبر يوم
عرفة لكان أربعة أشهر ويوما
____________________
بيان
: قوله عليهالسلام
: الحج الاكبر ، أي يوم الحج الاكبر ، يوم النحر ، و
مبنى الاحتجاج على ما كان مسلما عندهم من أن أشهر السياحة تنتهي في العاشر من
ربيع الآخر.
٤ ـ شى
: عن داود بن سرحان ، عن أبي عبدالله عليهالسلام
قال : كان الفتح في
سنة ثمان ، وبراءة في سنة تسع ، وحجة الوداع في
سنة عشر.
٥ ـ شى
: عن حريز ، عن أبي عبدالله عليهالسلام
قال : إن رسول الله صلىاللهعليهوآله
بعث أبابكر مع براءة إلى الموسم ليقرأها على الناس ، فنزل جبرئيل فقال : لا يبلغ
عنك
إلا علي ، فدعا رسول الله صلىاللهعليهوآله عليا فأمره أن يركب
ناقته العضباء ، وأمره أن
يلحق أبابكر فيأخذ منه براءة ويقرأه على الناس
بمكة ، فقال أبوبكر : أسخطة؟
فقال : لا إلا أنه أنزل عليه أنه لا يبلغ إلا
رجل منك ، فلما قدم علي عليهالسلام
مكة
وكان يوم النحر بعد الظهر وهو يوم الحج الاكبر
قام ثم قال : إني رسول
رسول الله إليكم فقرأ عليهم : « براة من الله
ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين
فسيحوا في الارض أربعة أشهر » عشرين من ذي
الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع
الاول وعشر من شهر ربيع الآخر ، وقال : لا يطوف بالبيت عريان
ولا
عريانة ولا مشرك ، ألا ومن كان له عهد عند رسول الله فمدته
إلى هذه الاربعة
الاشهر.
وفي خبر محمد بن مسلم فقال : يا علي هل
نزل في شئ منذ فارقت رسول الله
صلىاللهعليهوآله؟
قال : لا ، ولكن أبى الله أن يبلغ عن محمد إلا رجل منه ، فوافى الموسم فبلغ
عن الله وعن رسوله بعرفة والمزدلفة ويوم النحر
عند الجمار وفي أيام التشريق
كلها ينادي : « براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من
المشركين * فسيحوا في الارض
أربعة أشهر » ولا يطوفن بالبيت
عريان.
____________________
٦ ـ شي
: عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفر وأبي عبدالله
عليهماالسلام
عن قوله : « فسيحوا في الارض أربعة أشهر » قال : عشرين من ذي الحجة و
المحرم وصفر وشهر ربيع الاول وعشر من شهر ربيع
الآخر.
٧ ـ شى
: عن حكيم بن جبير عن علي بن الحسين عليهماالسلام
قال : والله إن
لعلي لاسما في القرآن ما يعرفه الناس ، قال : قلت
: وأي شئ هو جعلت فداك؟
فقال لي : « وأذان من الله ورسوله إلى الناس
يوم الحج الاكبر » قال : فبعث
رسول الله صلىاللهعليهوآله
أمير المؤمنين وكان علي عليهالسلام
هو والله المؤذن ، فأذن بأذان الله
ورسوله يوم الحج الاكبر في المواقف كلها ، فكان
ما نادى به : ألا لا يطوف بعد هذا
العام عريان ، ولا يقرب المسجد الحرام بعد هذا
العام مشرك.
٨ ـ شى
: عن زرارة ، عن أبي جعفر عليهالسلام
في قول الله : « فإذا انسلخ الاشهر
الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجد تموهم » قال : هي
يوم النحر إلى عشر مضين
من شهر ربيع الآخر.
٩ ـ عم
: نزلت سورة « براءة من الله ورسوله » في سنة تسع فدفعها إلى أبي بكر
فسار بها فنزل جبرئيل عليهالسلام فقال : إنه لا يؤدي
عنك إلا أنت أو علي ، فبعث
عليا عليهالسلام
على ناقته العضباء فلحقه ، فأخذ منه الكتاب ، فقال له أبوبكر : أنزل
في شئ؟ قال : لا ، ولكن لا يؤدي عن رسول الله (ص)
إلا هو أو أنا ، فسار بها علي
عليهالسلام
حتى أذن بمكة يوم النحر وأيام التشريق ، وكان في عهده أن ينبذ إلى
المشركين عهدهم ، وأن لا يطوف بالبيت عريان ، ولا
يدخل المسجد مشرك ، ومن
كان له عهد فإلى مدته ، ومن لم يكن له عهد فله
أربعة أشهر
، فإن أخذناه
بعد أربعة أشهر قتلناه ، وذلك قوله تعالى « فإذا انسلخ الاشهر
الحرم » إلى قوله : ____________________
« كل مرصد » قال : ولما دخل مكة اخترط سيفه وقال
: والله لا يطوف بالبيت عريان إلا ضربته بالسيف ، حتى ألبسهم الثياب فطافوا وعليهم
الثياب.
١٠ ـ شا
: من فضائله عليهالسلام
ما جاء في قصة براءة ، وقد دفعها النبي (ص) إلى
أبي بكر لينبذ بها عهد المشركين ، فلما سار غير
بعيد نزل جبرئيل عليهالسلام
على النبي
صلىاللهعليهوآله
فقال : إن الله يقرئك السلام ويقول لك : لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل
منك ، فاستدعا رسول الله (ص) عليا عليهالسلام وقال له : اركب
ناقتي العضباء ، وألحق
أبابكر ، فخذ براء من يده ، وامض بها إلى مكة
وانبذ بها عهد
المشركين
إليهم ، وخير أبابكر بين أن يسير مع ركابك ، أو
يرجع إلي ، فركب أمير
المؤمنين عليهالسلام
ناقة رسول الله صلىاللهعليهوآله
العضباء ، وسار حتى لحق بأبي بكر
فلما
رآه فزع من لحوقه به واستقبله وقال : فيم جئت
با أبا الحسن؟ أسائر أنت معي
أم لغير دلك؟ فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : إن رسول الله صلىاللهعليهوآله أمرني أن ألحقك
فأقبض منك الآيات من براءة أنبذبها عهد المشركين إليهم وأمرني أن أخيرك
بين
أن تسير معي
أو ترجع إليه فقال : بل أرجع إليه وعاد إلى النبي صلىاللهعليهوآله
، فلما
دخل عليه قال : يا رسول الله إنك أهلتني لامر
طالت الا عناق إلي
فيه ، فلما
توجهت له رددتني عنه ، مالي أنزل في قرآن؟ فقال
له النبي صلىاللهعليهوآله
: لا ولكن
الامين جبرئيل عليهالسلام
هبط إلي عن الله عزوجل بأنه لايؤدي عنك إلا أنت
أورجل منك وعلي مني ، ولا يودي عني إلا علي ، في حديث مشهور ، وكان
نبذ العهد مختصا بمن عقده بمن يقوم مقامه في فرض الطاعة ، وجلالة القدر ،
وعلو الرتبة ، وشرف المقام ، ومن لا يرتاب بفعاله ، ولا يعترض عليه في مقاله ، ومن
هو كنفس العاقد ، وأمره أمره ، فإذا حكم بحكم
مضى واستقر ، وأمن الاعتراض
____________________
فيه ، وكان بنبذ
العهد قوة الاسلام ، وكمال الدين ، وصلاح أمر المسلمين ، وتمام
فتح مكة واتساق أحوال الصلاح وأحب الله أن يجعل ذلك في يد من
ينوه باسمه ، ويعلي ذكره ، وينبه على فضله ، ويدل
على علو قدره ، ويبينه
به عمن سواه ، وكان ذلك أمير المؤمنين عليهالسلام ، ولم يكن لاحد من
القوم فضل
يقارب الفضل الذي وصفناه ، ولا يشركه فيه أحد منهم على مابيناه.
أقول : سيأتى أكثر الاخبار المتعلقة بتلك القصة وبسط القول في الاستدلال
بها على إمامته وفضله في أبواب الآيات النازلة
في شأنه في باب مفرد ، فمن أراد
الاطلاع عليها فليرجع إليه.
١١ ـ كا
: العدة ، عن سهل ، عن ابن شمون ، عن
الاصم ، عن مسمع ، عن
أبي عبدالله عليهالسلام
قال : لما بعث رسول الله (ص) ببراءة مع علي عليهالسلام
بعث معه
أناسا وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : من استأسر من غير
جراحة مثقلة فليس منا.
٣٢
باب
*(المباهلة
وما ظهر فيها من الدلائل والمعجزات)*
الآيات : آل عمران « ٣ » : إن مثل عيسى عندالله
كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له
كن فيكون * الحق من ربك فلا تكن من الممترين * فمن حاجك فيه من بعد ما
جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم
نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين
٥٩ ـ ٦١.
____________________
تفسير
: قال الطبرسي رحمة الله في نزول الآيات : قيل : نزلت في وفد نجران
السيد والعاقب ومن معها ، قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوآله : هل رأيت ولدا من
غير ذكر؟
فنزلت « إن مثل عيسى » الآيات ، فقرأها عليهم ،
عن ابن عباس وقتادة والحسن
فلما دعاهم رسول الله (ص) إلى المباهلة
استنظروه إلى صبيحة غد من يومهم ذلك فلما
رجعوا إلى رحالهم قال لهم الاسقف : انظروا
محمدا في غد فإن بولده وأهله فاحذروا
مباهلته ، وإن غدا بأصحابه فباهلوه فإنه على
غير شئ ، فلما كان من الغد جاء
النبي (ص) آخذا بيد علي بن أبي طالب عليهالسلام ، والحسن والحسين عليهماالسلام بين يديه
يمشيان وفاطمة عليهماالسلام
تمشي خلفه ، وخرج النصارى يقدمهم أسققهم فلما رأى النبي
قد أقبل بمن معه سأل عنهم فقيل له : هذا ابن
عمه وزوج ابتنه وأحب الخلق إليه
وهذان ابنا بنته من علي ، وهذه الجارية بنته
فاطمة أعز الناس عليه وأقربهم إليه
، وتقدم رسول الله فجثا على ركبتيه ، فقال أبوحارثة الاسقف : جثاو الله
كما جثا الانبياء للمباهلة ، فرجع ولم يقدم على المباهلة فقال له السيد :
ادن
يا حارثة للمباهلة ، قال : لا إني لارى رجلا
جريئا على المباهلة ، وأنا أخاف أن
يكون صادقا ، ولئن كان صادقا لم يحل علينا
الحول والله وفي الدنيا نصراني يطعم
الماء فقال الاسقف : يا أبا القاسم ، أنا لا
نباهلك ، ولكن نصالحك ، فصالحنا على
ما ننهض به ، فصالحهم رسول الله صلىاللهعليهوآله على ألفي حلة من
حلل الاواقي قيمة كل
حلة أربعون درهما ، فما زاد أو نقص فعلى حساب
ذلك ، وعلى عارية ثلاثين درعا
وثلاثين رمحا ، وثلاثين فرسا إن كان باليمن كيد
، ورسول الله صلىاللهعليهوآله
ضامن حتى
يؤديها ، وكتب لهم بذلك كتابا ، وروي أن الاسقف
قال لهم : إني لارى وجوها
لو سألوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لازاله ، فلا
تبتهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه
الارض نصراني إلى يوم القيامة ، وقال النبي صلىاللهعليهوآله : والذي نفسي بيده
لو
لا عنوني لمسخوا قردة وخنازير ، ولا ضطرم
الوادي عليهم. نارا ، ولما حال الحول على
____________________
النصارى حتى هلكوا
كلهم ، قالوا : فلما
رجع وفد نجران لم يلبث السيد و
العاقب إلا يسيرا حتى رجعا إلى النبي صلىاللهعليهوآله وأهدى العاقب له
حلة وعصا وقدحا
ونعلين وأسلما.
فرد الله سبحانه على النصارى قولهم في
المسيح : إنه ابن الله فقال : « إن مثل
عيسى عندالله » أي في خلق الله إياه من غير أب
« كمثل آدم » في خلق الله إياه من غير
أب ولا أم ، فليس هو بأبدع ولا أعجب من ذلك ، فكيف
أنكروا ذا ، وأفروا بذلك؟
« خلقه
من تراب » أي خلق عيسى من الريح ولم يخلق قبله أحدا من الريح ، كما
خلق آدم من التراب ولم يخلق أحدا قبله من
التراب « ثم قال له » أي لآدم كما
قيل لعيسى
: « كن فيكون » أي فكان في الحال كما أراد « الحق » أي هذا
هو الحق « من ربك » أضافه إلى نفسه تأكيدا
وتعليلا « فلا تكن » أيها السامع من الممترين « الشاكين » فمن حاجك « أي جادلك
وخاصمك » فيه « أي في
عيسى » من بعد ما جاءك من العلم « أي من
البرهان الواضح على أنه عبدي ورسولي
وقيل : معناه فمن حاجك في الحق » فقل « يا محمد
لهؤلاء النصارى : « تعالوا « أي
هلموا إلى حجة أخرى فاصلة بين الصادق والكاذب »
ندع أبناءنا وأبناءكم « أجمع
المفسرون على أن المراد » بأبنائنا « الحسن
والحسين عليهماالسلام
، قال أبوبكر الرازي
هذا يدل على أن الحسن والحسين ابنا رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وأن ولد الابنة
ابن
على الحقيقة ، وقال ابن أبي علان وهو أحد أئمة
المعتزلة : هذا يدل على أنهما
عليهماالسلام
كانا مكلفين في تلك الحال ، لان المباهلة لا يجوز إلا مع البالعين ، وقال
إن صغر السن ونقصانها عن حد بلوغ الحلم لا
ينافي كمال العقل ، وإنما جعل
بلوغ الحلم حد التعلق الاحكام الشرعية ، وكان
سنهما عليهماالسلام
في تلك الحال سنا
لا يمتنع معها أن يكونا كاملي العقل ، على أن
عندنا يجوز أن يخرق الله العادات للائمة
____________________
ويخصهم بما لا
يشركهم فيه غيرهم ، فلو صح أن كمال العقل غير معتاد في تلك
السن لجاز ذلك فيهم إبانة لهم عمن سواهم ، ودلالة
على مكانهم من الله واختصاصهم به.
ومما يؤيده من الاخبار قول النبي صلىاللهعليهوآله : ابناي هذان
إمامان قاما أوقعدا.
« ونساءنا » اتفقوا على أن المراد به
فاطمة عليهاالسلام
، لانه لم يحضر المباهلة
غيرها من النساء ، وهذا يدل على تفضيل الزهراء عليهاالسلام على جميع النساء ، ويعضده
ماجاء في الخبر أن النبي صلىاللهعليهوآله قال : فاطمة بضعة
مني يريبني مارابها ، وقال : إن الله يغضب لغضب فاطمة ، ويرضى لرضاها.
وقد صح عن حذيفة أنه قال : سمعت النبي صلىاللهعليهوآله يقول : أتاني ملك
فبشرني
أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ونساء أمتي
وعن الشعبي عن مسروق ، عن عائشة قالت : أسر
النبي صلىاللهعليهوآله
إلى فاطمة
شيئا فضحكت ، فسألتها قالت : قال لي : ألا ترضين أن تكوني سيدة
نساء هذه الامة
أو نساء المؤمنين ، فضحكت لذلك. « ونساءكم » أي من شئتم
من نساءكم
« وأنفسنا
» يعني عليا عليهالسلام
خاصة ، ولا يجوز أن يكون المعني به النبي صلىاللهعليهوآله
لانه هو الداعي ، ولا يجوز أن يدعو الانسان
نفسه ، وإنما يصح أن يدعو غيره
وإذا كان قوله : « وأنفسنا » لابد أن يكون
إشارة إلى غير الرسول وجب أن يكون
إشارة إلى علي عليهالسلام
، لانه لا أحد يدعي دخول غير أميرالمؤمنين وزوجته وولديه
عليهمالسلام
في المباهلة ، وهذا يدل على غاية الفضل وعلو الدرجة ، والبلوغ منه إلى
حيث لا يبلغه أحد ، إذ جعله الله سبحانه نفس
الرسول ، وهذا مالا يدانيه فيه أحد
ولا يقاربه ، ومما يعضده في الروايات ما صح عن
النبي صلىاللهعليهوآله
أنه سئل عن بعض
أصحابه ، فقال له قائل : فعلي؟ فقال : إنما
سألتني عن الناس ، ولم تسألني
عن نفسي.
وقوله صلىاللهعليهوآله
لبريدة : لا تبغض
عليا فإنه مني وأنا منه ، وإن الناس
____________________
خلقوا من شجر شتى
وخلقت أنا وعلي من شجرة واحدة. وقوله صلىاللهعليهوآله
بأحد
وقد ظهر من نكاتيه في المشركين ووقايته إياه بنفسه حتى
قال جبرئيل : يا محمد
إن هذا لهي المواساة ، فقال : يا جبرئيل إنه
لمني وأنا منه ، فقال جبرئيل : وأنا
منكما « وأنفسكم » يعني من شئتم من رجالكم « ثم
نبتهل » أي نتضرع في الدعاء
عن ابن عباس ، وقيل : نلتعن ، فنقول : لعن الله
الكاذب « فنجعل لعنة الله على
الكاذبين » منا ، وفي هذه الآية دلالة على أنهم
علموا أن الحق مع النبي صلىاللهعليهوآله
لانهم امتنعوا من المباهلة ، وأقروا بالذل
والخزي ، وانقادوا لقبول الجزية ، فلولم يعلموا ذلك لباهلوه ، وكان يظهر ما زعموا من بطلان قوله في الحال ، ولو لم
يكن النبي صلىاللهعليهوآله
متيقنا بنزول العقوبة بعدوه دونه لو باهلوه لما أدخل أولاده و
خواص أهله في ذلك مع شدة إشفاقه عليهم. انتهى
كلامه رفع الله مقامه.
ولنذكر هنا بعض ما ذكره المخالفون في تفسير تلك الآية ليكون أجلى للعمى
وأبعد عن الارتياب ، قال الزمخشري في الكشاف :
« فمن حاجك » من النصارى
« فيه
» في عيسى « من بعد ما جاءك من العلم » أي من البينات الموحبة للعلم
« تعالوا
» هلموا ، والمراد المجئ بالراي والعزم ، كما تقول : تعال نفكر في هذه
المسألة « ندع أبناءنا وأبناءكم » أي يدع كل
مني ومنكم أبناءه ونساءه ونفسه
إلى المباهلة » ثم نبتهل « ثم نتباهل بأن نقول
: بلهة الله على الكاذب منا ومنكم
والبهلة بالفتح والضم : اللعنة ، وبهله الله : لعنه
وأبعده من رحمته ، من قولك : أبهله : إذا أهمله ، وناقة باهل : لاصرار عليها
، وأصل الابتهال هذا ، ثم استعمل
في كل دعاء يجتهد فيه وإيكن التعانا.
وروي أنه لما دعاهم إلى المباهلة قالوا
: حتى وننظر ، فلما تخافوا
قالوا للعاقب وكان ذارأيهم : يا عبد المسيح ما
ترى؟ فقال : والله لقد عرفتم يا معشر
____________________
النصارى أن محمدا
نبي مرسل ، ولقد جاء كم بالفصل من أمر صاحبكم ، والله ما باهل
قوم نبيا قط فعاش كبيرهم ، ولا ثبت صغيرهم ، ولئن
فعلتم لتهلكن ، فان أبيتم
إلا إلف دينكم ، والاقامة على ما أنتم عليه
فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم
فأتوا رسول الله صلىاللهعليهوآله
وقد غدا محتضنا الحسين ، آخذا بيد الحسن ، وفاطمة تمشي
خلفه ، وعلي خلفها وهو يقول : إذا أنا دعوت
فأمنوا ، فقال أسقف نجران : يا
معشر النصارى : إني لارى وجوها لوشاءالله أن
يزيل جبلا من مكانه لازاله بها ، فلا
تباهلوا فتهلكوا ، ولايبق على وجه الارض نصراني إلى يوم القيامة
فقالوا : يا
أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك ، وأن نقرك على
دينك ، ونثبت على ديننا ، فقال : » فإن
أبيتم المباهلة
فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم » فأبوا قال
« فإني أنا جزكم » فقالوا : مالنا بحرب
العرب طاقة ، ولكن نصالحك على أن لا
تغزونا ولا تخيفنا ولا تردنا عن ديننا على أن
نؤدي إليك كل عام ألفى حلة : ألف
في صفر ، وألف في رجب ، وثلاثين درعا عادية من
حديد ، فصالحهم على ذلك ، وقال : « والذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلى على
أهل نجران ، ولو لا عنوا لمسخوا
قردة وخنازير ، ولا ضطرم عليهم الوادي نارا ، ولا
ستأصل الله نجران وأهله حتى
الطير على رؤس لما الشجر ، ولما حال الحول على
النصارى كلهم حتى يهلكوا » وعن عايشة
أن رسول الله صلىاللهعليهوآله
خرج وعليه مرط مرحل
من شهر أسود ، فجاء الحسن فأدخله ، ثم جاء الحسين فأدخله ، ثم فاطمة ، ثم علي ثم قال : « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل
البيت ويطهركم تطهيرا ».
فإن قلت : ما كان دعاؤه إلى المباهلة
إلا ليتبين الكاذب منه ومن خصمه ، و
____________________
ذلك أمر يختص به
وبمن يكاذبه ، فما معنى ضم الابناء والنساء؟ قلت : ذلك آكد
في الدلالة على ثقته بحاله ، واستيقانه بصدقه ،
حيث استجرأ على تعريض أعزته ، وأفلا ذكبده ، وأحب الناس إليه لذلك ، ولم يقتصر على تعريض نفسه له ، وعلى
ثقته بكذب خصمه حتى يهلك خصمه مع أحبته وأعزته
هلاك الاستيصال إن تمت
المباهلة ، وخص الابناء والنساء لانهم أعز
الاهل وألصقهم بالقلوب ، وربما فداهم
الرجل بنفسه وحارب دونهم حتى يقتل ، ومن ثم
كانوا يسوقون مع أنفسهم
الظعائن في الحروب لتمنعهم من الهرب ، ويسمون
الذادة عنها بأرواحهم حماة
الحقائق ، وقد مهم في الذكر على الانفس لينبه
على لطف مكانهم ، وقرب منزلتهم
وليؤدن بأنهم مقدمون على الانفس ، مفدون بها ، وفيه
دليل لا شئ أقوى منه
على فضل أصحاب الكساء عليهمالسلام ، وفيه برهان واضح
على صحة نبوة النبي
صلىاللهعليهوآله
، لانه لم يرو أحد من موافق ولا مخالف أنهم أجابوا إلى ذلك انتهى.
وروى إمامهم الرازي في تفسيره الروايتين في المباهلة والكساء مثل مارواه
الزمخشري إلى قوله « ويطهركم تطهيرا » ثم قال :
واعلم أن هذه الرواية كأنها
متفق
على صحتها بين أهل التفسير والحديث ثم قال : هذه الآية دلت على أن
الحسن والحسين عليهماالسلام
كانا ابني رسول الله (ص) ثم قال كان في الري رجل يقال له : محمود
بن الحسن الخصيمي ، وكان متكلم الاثنى عشرية ، وكان يزعم
أن عليا عليهالسلام
أفضل من جميع الانبياء سوى محمد (ص) ، قال : والذي
يدل عليه قوله تعالى : « وأنفسنا وأنفسكم
» وليس المراد بقوله : « وأنفسنا » نفس محمد صلىاللهعليهوآله
لان الانسان لا يدعو
نفسه ، بل المراد به غيره ، وأجمعوا على أن ذلك
الغير كان علي بن أبي طالب عليهالسلام
فدلت الآية على أن نفس علي هي نفس محمد ، ولا
يمكن أن يكون المراد أن هذه
النفس هي عين تلك النفس ، فالمراد أن هذه النفس
مثل تلك النفس ، وذلك
____________________
يقتضي الاستواء في
جميع الوجوه ، ترك العمل بهذا العموم في حق النبوة ، وفي حق
الفضل ، لقيام الدلائل على أن محمدا صلىاللهعليهوآله كان نبيا ، وما كان
علي كذلك ولانعقاد
الاجماع على أن محمدا صلىاللهعليهوآله كان أفضل من علي
فيبقى فيما سواه معمولا به ، ثم
الاجماع دل على أن محمدا (ص) كان أفضل من سائر
الانبياء
، فهذا وجه الاستدلال
بظاهر هذه الآية ، ثم قال ، وتأكد الاستدلال
بهذه الآية بالحديث المقبول عند
الموافق والمخالف وهو قوله : عليهالسلام : « من أراد أن يرى
آدم في علمه ، ونوحا في طاعته
وإبراهيم في خلته ، وموسى في قربته ، وعيسى في
صفوته فلينظر إلى علي بن أبي
طالب عليهالسلام
» فالحديث دل على أنه اجتمع فيه ما كان متفرقا فيهم ، وذلك يدل
على أن عليا أفضل من جميع الانبياء سوى محمد صلىاللهعليهوآله ، وأما سائر الشيعة
فقد كانوا
قديما وحديثا يستدلون بهذه الآية على أن عليا صلىاللهعليهوآله أفضل من سائر الصحابة
، و
ذلك لان الآية لما دلت على أن نفس علي مثل نفس
محمد صلىاللهعليهوآله
إلا فيما خصه الدليل
وكان نفس محمد (ص) أفضل من الصحابة فوجب أن
يكون نفس علي أفضل من سائر
صحابته. والجواب كما أنه انعقد الاجماع بين
المسلمين على أن محمدا صلىاللهعليهوآله
أفضل
من علي عليهالسلام
فكذلك انعقد الاجماع بينهم قبل ظهور هذا الانسان على أن
النبي أفضل ممن ليس بنبي ، وأجمعوا على أن عليا
ما كان نبيا ، فلزم القطع
بأن ظاهر الآية مخصوص في حق محمد (ص) ، فكذلك مخصوص في حق
سائر الانبياء
عليهمالسلام
انتهى.
____________________
أقول
: انعقاد الاجماع على كون النبي أفضل ممن ليس ببني مطلقا
ممنوع ، كيف وأكثر علماء الامامية بل كلهم
قائلون بأن أئمتنا عليهمالسلام
أفضل من
سائر الانبياء سوى نبينا صلىاللهعليهوآله ، ولو سلم فلا نسلم
حجية مثل هذا الاجماع الذي
لم يتحقق دخول المعصوم فيه كيف وأخبار أئمتنا عليهمالسلام مستفيضة بخلافه ، ولنعم
ما فعل حيث أعرض عن الجواب في حق الصحابة إذ لم
يجد عنه محيصا.
ثم قال : هذه الآية دلت على صحة نبوة
النبي صلىاللهعليهوآله
من وجهين : أحدهما
أنه صلىاللهعليهوآله
خوفهم بنزول العذاب ، ولو لم يكن واثقا بذلك لكان ذلك منه سعيا في
إظهار كذب نفسه ، لان بتقدير أن رغبوا في
مباهلته ثم لاينزل العذاب فحينئذكان
يظهر كذبه ، فلما أصر على ذلك علمنا أنه إنما أصر عليه لكونه
واثقا بنزول
العذاب عليهم.
والثاني : أن القوم لماتر كوا مباهلته
فلولا أنهم عرفوا من التوراة والانجيل
ما يدل على نبوته لما أحجموا عن مباهلته.
فإن قيل : لعلهم كانوا شاكين فتركوا
مباهلته خوفا من أن يكون صادقا
فينزل بهم ما ذكر من العذاب ، قلنا : هذا مدفوع
من وجهين ، الاول : أن القوم
كانوا يبذلون النفوس والاموال في المنارعة مع
رسول الله صلىاللهعليهوآله
، فلو كانوا شاكين
لما فعلوا ذلك.
الثاني : فقد نقل عن تلك النصارى أنهم
قالوا : والله هو النبي المبشر به في
التوراة والانجيل ، وإنه لو باهلتموه لحصل الاستيصال ، وكان ذلك
تصريحا
منهم بأن الامتناع عن المباهلة كان لاجل علمهم بأنه
نبي مرسل من عندالله تعالى
انتهى كلامه.
____________________
وأما النيشابوري فقد ذكر في تفسيره
الروايتين مثل مامر ، ثم قال بعد قوله :
« ويطهر كم تطهيرا » وهذه الرواية كالمتفق على صحتها ، ثم ساق الكلام نحوا
مما ساقه الرازي في الاستدلال والجواب ، ثم قال
: وأما فضل أصحاب الكساء فلا
شك في دلالة الآية على ذلك ، ولهذا ضمهم إلى
نفسه ، بل قد مهم في الذكر ، وفيها
أيضا دلالة على صحة نبوته صلىاللهعليهوآله ، فانه لو لم يكن
واثقا بصدقه لم يتجرأ على
تعريض أعزته وخويصته وأفلاذ كبده في معرض
الابتهال ومظنة الاستيصال.
وقال البيضاوي : بعد تفسير الآية وإيراد
خبر المباهلة : وهو دليل على نبوته
وفضل من أتى بهم من أهل بيته.
أقول : سيأتي تمام القول في الاستدلال
بالآية والاخبار على إمامة أمير المؤمنين
عليهالسلام
وسائر الاخبار المروية في هذا الباب في أبواب الآيات النازلة في شأنه عليهالسلام.
وقال السيوطى في الدر المنثور : أخرج البيهقي
في الدلائل من طريق سلمة
ابن عبد يشوع عن أبيه ، عن جده أن رسول الله صلىاللهعليهوآله كتب إلى أهل نجران
قبل أن
ينزل عليه طس سليمان : « بسم إله إبراهيم
وإسحاق ويعقوب ، من محمد رسول الله
إلى أسقف نجران وأهل نجران ، إن أسلمتم فإني
أحمد إليكم الله إله إبراهيم و
إسحاق ويعقوب ، أما بعد فإني أدعوكم إلى عبادة
الله من عبادة العباد ، وأدعوكم
إلى ولاية الله من ولاية العباد ، فإن أبيتم
فالجزية ، فإن أبيتم فقذ آذنتكم بحرب
والسلام ». فلما قرأ الاسقف الكتاب قطع به وذعر
ذعرا شديدا ، فبعث إلى رجل
من أهل نجران يقال له : شر حبيل بن وداعة ، فدفع
إليه كتاب رسول الله صلىاللهعليهوآله
فقرأه
فقال له الا سقف : ما رأيك؟ فقال شر حبيل : قد
علمت ما وعد الله إبراهيم في ذرية
إسماعيل من النبوة ، فما يؤمن أن يكون هذا
الرجل ، ليس لي في النبوة رأي ، لو كان أمر من أمور الدنيا أشرت عليك فيه وجهدت لك ، فبعث الاسقف إلى واحد
بعد واحد من أهل نجران ، فكلهم قال مثل قول
شرحبيل ، فاجتمع رأيهم على أن
____________________
يبعثوا شرحبيل
وعبدالله بن شرحبيل وجبار بن فيض فيأتونهم بخبر رسول الله صلىاللهعليهوآله
فانطلق الوفد حتى أنوا رسول الله فساء لهم وساء
لوه ، فلم يزل به وبهم المسألة حتى
قالوا له : ما تقول في عيسى بن مريم : فقال
رسول الله (ص) : ما عندي فيه شئ يومي
هذا فأقيموا حتى أخبركم بما يقال لي في عيسى
صبح الغد ، فأنزل الله هذه الآية
« إن مثل عيسى عندالله كمثل آدم » إلى
قوله : « فنجعل لعنة الله على الكاذبين
» فأبوا أن يقروا بذلك ، فلما أصبح رسول الله صلىاللهعليهوآله الغد بعد ما أخبرهم
الخبر أقبل
مشتملا على الحسن والحسين في خميلة له ، وفاطمة تمشي عند ظهره ، وخلفها
علي ، للملاعنة ، وله يومئذ عدة نسوة ، فقال
شرحبيل لصاحبيه : إني أرى امرأ
مقبلا إن كان الرجل نبيا مرسلا فلعناه لايبقى
على وجه الارض منا شعر ولا ظفر
إلا هلك ، فقالا له : ما رأيك؟ فقال : رأيي أن
أحكمه ، فإني أرى رجلا لا يحكم
شططا أبدا ، فقالا له : أنت وذاك ، فتلقى
شرحبيل رسول الله فقال : إني قد رأيت
خيرا من ملا عنتك ، قال : وماهو! قال : حكمك
اليوم إلى الليل ، وليلتك إلى
الصباح ، فمهما حكمت فينا جايز ، فرجع رسول
الله (ص) ولم يلاعنهم وصالحهم على
الجزية.
وقال السيد ابن طاووس رحمة الله في كتاب
إقبال الاعمال : روينا بالاسانيد
الصحيحة والروايات الصريحة إلى أبي المفضل محمد
بن عبدالمطلب الشيباني رحمة الله
من كتاب المباهلة ، ومن أصل كتاب الحسن بن
إسماعيل بن اشناس من كتاب عمل
ذي الحجة فيما رويناه بالطرق الواضحة عن ذوي
الهمم الصالحة لا حاجة إلى ذكر
أسمائهم لان المقصود ذكر كلامهم ، قالوا : لما
فتح النبي صلىاللهعليهوآله
مكة وانقادت له
العرب ، وأرسل رسله ودعاته إلى الامم وكاتب
الملكين : كسرى وقيصر يدعو هما
إلى الاسلام ، وإلا أقرا بالجزية والصغار ، وإلا
أذنا بالحرب العوان
أكبر شأنه
نصارى نجران وخلطاؤهم من بني عبد المدان ، وجميع
بني الحارث بن كعب ومن
____________________
ضوى إليهم ونزل بهم
من دهماء الناس على اختلافهم هناك في دين النصرانية من
الاروسية
والسالوسية
واصحاب دين الملك
والمارونية والعباد والنسطورية
وأملات
قلوبهم على تفاوت منازلهم رهبة منه ورعبا ، فإنهم كذلك من شأنهم
إذ وردت عليهم رسل رسول الله صلىاللهعليهوآله بكتابه ، وهم عتبة
بن غزوان ، وعبدالله بن
أمية ، والهدير بن عبدالله أخوتيم بن مرة ، وصهيب
بن سنان أخو النمر بن قاسط
يدعوهم إلى الاسلام ، فإن أجابوا فإخوان ، وإن
أبوا واستكبروا فإلى حظة
المخزية إلى أداء الجزية عن يد ، فإن رغبوا عما
دعاهم إليه من أحد
المنزلين
وعندوا فقد آذنهم على سواء ، وكان في كتابه صلىاللهعليهوآله : « قل يا أهل
الكتاب تعالوا إلى
كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا
نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا
من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا
مسلمون قالوا : وكان
رسول الله صلىاللهعليهوآله
لا يقاتل قوما حتى يدعوهم ، فازداد القوم لورود
رسل نبي الله صلىاللهعليهوآله
وكنايه نفورا
وامتزاجا
، ففزعوا لذلك إلى بيعتهم
العظمى ، وأمروا ففرش أرضها ، وألبس
جدرها بالحرير والديناج ، ورفعو الصليب الاعظم. وكان من ذهب مرصع أنفذه
إليهم قيصر الاكبر ، وحضر ذلك بنو الحارث بن كعب وكانوا ليوث. الحرب ، و
فرسان الناس ، قد عرفت العرب ذلك لهم في قديم
أيامهم في الجاهلية
، فاجتمع
____________________
القوم جميعا للمشورة
والنظر في أمورهم ، وأسرعت إليهم القبائل من مذحج وعك
وحمير وأنمار ومن دنا منهم نسبا ودارا من قبائل
سبأ ، وكلهم قد روم أنفه أنفة وغضبا
لقومهم ، ونكص من تكلم منهم بالاسلام ارتدادا ،
فخاضوا وأفاضوا في
ذكر المسير
بنفسهم وجمعهم إلى رسول الله (ص) والنزول به
بيثرب لمناجزته ، فلما رأى أبوحارثة
حصين بن علقمة أسقفهم الاول وصاحب مدارسهم
وعلامهم ، وكان رجلا من بني
بكر بن وائل ، ما أزمع القوم عليه من إطلاق
الحرب دعا بعصابة فرفع بها حاجبيه عن
عينيه وقد بلغ يومئذ عشرين ومائة سنة ، ثم قام
فيهم خطيبا معتمدا على عصا ، و
كانت فيه بقية وله رأي وروية ، وكان موحدا يؤمن
بالمسيح وبالنبي عليهماالسلام
، ويكنم
ذلك
من كفرة قومه وأصحابه ، فقال : مهلا بني عبد المدان ، مهلا استديموا
العافية والسعادة ، فإنهما مطويان في الهوادة ،
دبوا إلى
قوم في هذا الامر
دبيب الذر ، وإياكم والسورة العجلى فإن البديهة
بها لاتنجب ، إنكم والله على فعل مالم تفعلوا أقدر منكم على رد ما فعلتم ، ألا إن
النجاة مقرونة بالاناة ، ألارب
إجحام أفضل من إقدام ، وكأين من قول أبلغ من
صول ، ثم أمسك فأقبل عليه
كرز بن سبرة
الحارثي ، وكان يومئذ زعيم بني الحارث بن كعب ، وفي بيت شرفهم
والمعصب
فيهم وأمير حروبهم ، فقال : لقد انتفخ سحرك ، واستطير قلبك أبا حارثة
فظلت كالمسبوع اليراعة المهلوع تضرب لنا الامثال ، وتخو فنا النزال ، لقد
علمت
وحق المنان بفضيلة الحفاظ بالنوء بالعبء وهو
عظيم ، ونلقح
الحرب وهي عقيم
نثقف أود الملك الجبار ، ولنحن أركان الرايس وذي المنار اللذين شددنا ملكهما
____________________
فأي أيامنا تنكر ، أم لايها ويك تلمز؟ فما أتى على أخر كلامه حتى
انتظم نصل نبلة كانت في يده بكفه غيظا وغضبا
وهو لا يشعر ، فلما أمسك كرز بن
سبرة أقبل عليه العاقب واسمه عبد المسيح بن
شرجيل وهو يومئذ
عميد القوم وأمير رأيهم
وصاحب مشورتهم الذي لا يصدرون جميعا إلا عن
قوله ، فقال له : أفلح وجهك ، و
أنس ربعك وعز جارك ، وامتنع ذمارك ، ذكرت وحق
مغبرة الجباه حسبا
صميما
وعيصا
كريما وعزا قديما ، ولكن أبا سبرة! لكل مقام مقال ، ولكل عصر رجال
والمرء بيومه أشبه منه بأمسه ، وهي الايام تهلك
جيلا ، وتديل قبيلا
، والعافية
أفضل جلباب ، وللآفات أسباب ، فمن أو كد
أسبابها التعرض لابوابها. ثم صمت
العاقب مطرقا فأقبل عليه السيد واسمه أهتم بن النعمان
وهو يومئذ أسقف نجران
وكان نظير العاقب في علو المنزلة ، وهو رجل من
عاملة وعدادة في لخم ، فقال
له : سعد جدك وسما جدك أبا وائلة! إن لكل لا معة ضياء ، وعلى كل صواب
نورا ، ولكن لا يدر كه وحق واهب العقل إلا من
كان بصيرا ، إنك أفضيت و
هذان فيما تصرف بكما الكلمة إلى سبيلي حزن وسهل ، ولكل على
تفاوتكم
حظ من الرأي الربيق ، والامر الوثيق إذا أصيب به مواضعه ، ثم
إن أخا
قريش قد نجدكم لخطب عظيم ، وأمر جسيم ، فما عند كم
فيه قولوا. وأنجزوا ، أبخوع وإقرار ، أم نزوع؟ قال عتبة. الهدير والنفر من أهل نجران : فعاد كرز بن
سبرة بكلامه وكان كميا أبيا ، فقال : أنحن
نفارق دينا رسخت عليه عروقنا ، و
مضى عليه آباؤنا ، وعرف ملوك الناس ، ثم العرب
ذلك ، أنتها لك
إلى ذلك ، أم نقر بالجزية ، وهي الخزية حقا؟ لا والله حتى نجر دالبواتر من أغمادها ، و
____________________
تذهل الحلائل عن
أولادها ، أو نشرق نحن ومحمد
بدمائنا ، ثم يديل الله عزوجل
بنصره من يشاء ، قال له السيد : اربع على نفسك
وعلينا أبا سبرة! ، فإن سل
السيف يسل السيوف. وإن محمدا قد بخعت له العرب
وأعطته طاعتها ، وملك رجالها
وأعنتها ، وجرت أحكامه في أهل الوبر منهم
والمدر ، ورمقه الملكان العظيمان كسرى
وقيصر ، فلا أراكم والروح لو نهد لكم إلا وقد
تصدع عنكم من حف معكم من هذه
القبايل ، فصرتم جفاء كأمس الذاهب ، أو كلحم
على وضم ، وكان فيهم رجل يقال
له : جهير بن سراقة البارقي من زنادقة نصارى
العرب ، وكان له منزلة من ملوك
النصرانية ، وكان مثواه بنجران ، فقال له أبا
سعاد : قل في
أمرنا وانجدنا
برأيك ، فهذا مجلس له ما بعده ، فقال : فإني
أرى لكم أن تقاربوا محمدا وتطيعوه
في بعض ملتمسه عندكم ، ولينطلق وفود كم إلى
ملوك أهل ملتكم ، إلى الملك
الاكبر بالروم قيصر ، وإلى ملوك هذه الجلدة السوداء
الخمسة ، يعنى ملوك السودان : ملك النوبة ، وملك الحبشه ، وملك علوه وملك الرعاوة ، وملك الراحات
ومريس والقبط ، وكل هؤلاء كانوا نصارى ، قال : وكذلك
من ضوى إلى الشام
وحل بها من ملوك غسان ولخم وجذام وقضاعة وغيرهم
من ذوي يمنكم ، فهم لكم
عشيرة وموالي وأعوان ، وفي الدين إخوان ، يعني
أنهم نصارى ، وكذلك نصارى
الحيرة من العباد وغيرهم فقد صبت إلى دينهم قبائل تغلب بنت وائل وغيرهم
من ربيعه بن نزار ، لتسر وفودكم ، ثم لتخرق
إليهم البلاد إغذاذا فيستصر خونهم
لدينكم ، فستنجدكم الروم وتسير إليكم الاساودة
مسير أصحاب الفيل ، وتقبل
____________________
إليكم نصارى العرب
من ربيعة اليمن ، فاذا وصلت الامداد واردة سرتم أنتم في
قبائلكم وساير من ظافر كم وبذل نصره وموازرته لكم حتى تصاهؤن
من أنجدكم وأصرخكم من الاجناس والقبائل الوارد
عليكم فأموا محمدا حتى
تنيخوا
به جميعا فسيعتق
إليكم وافدا لكم من صبا إليه مغلوبا مقهورا ، و
ينعق
به من كان منهم في مدرته مكثورا ، فيوشك أن تصطلموا حوزته ، وتطفؤا
جمرته ، ويكون لكم بذلك الوجه والمكان في الناس
، فلا تتمالك العرب حينئذ
حتى تتهافت دخولا في دينكم ، ثم لتعظمن بيعتكم
هذه ، ولتشرفن حتى تصير
كالكعبة المحجوجة بتهامة ، هذا الرأي فانتهزوه
، فلا رأي لكم
بعده ، فأعجب
القوم كلام جهير بن سراقة ووقع منهم كل موقع ، فكاد
أن يتفرقوا على العمل به
وكان فيهم رجل من ربيعة بن نزار من بني قيس بن
ثعلبة ، يدعى حارثة بن اثال
على دين المسيح عليهالسلام
، فقام حارثة على قدميه وأقبل على جهير وقال متمثلا :
متى ماتقد بالباطل الحق يأبه
|
|
وإن قدت بالحق الرواسي تنقد
|
إذا ما أتيت الامر من غير بابه
|
|
ضللت وإن تقصد إلى الباب تهتدي
|
ثم استقبل السيد والعاقب والقسيسين والرهبان
وكافة نصارى
نجران بوجهه لم يخلط معهم غيرهم فقال : سمعا
سمعا يا أبناء الحكمة ، وبقايا حملة
الحجة ، إن السعيد والله من نفعته الموعطة ، ولم
يعش عن التذكرة ، ألا وإني
أنذركم وأذكر كم قول مسيح الله عزوجل ، ثم شرح
وصيته ونصه على وصيه
شمعون بن يوحنا وما يحدث على امته من الافتراق
، ثم ذكر عيسى عليهالسلام
وقال : إن الله جل جلاله أوحى إليه فحد يا ابن أمتي
كتابي بقوة ثم فسره لاهل سوريا
بلسانهم ، وأخبرهم أني أنا الله لا إله إلا أنا
الحي القيوم البديع الدائم الذي لا أحول
____________________
ولا أزول ، إني بعثت
رسلي ونزلت
كتبي رحمة ونورا وعصمة لخلقي ، ثم
إني باعث بذلك نجيب رسالتي أحمد صفوتي وخيرتي
من بريتي البار قليطا عبدي
أرسله في خلو من الزمان أبتعثه بمولده فاران من مقام إبراهيم عليهالسلام
أنزل عليه توراة حديثة ، أفتح بها أعينا عمياء ، وآذانا
صماء ، وقلوبا
غلفا ، طوبى لمن شهد أيامه ، وسمع كلامه فآمن
به ، واتبع النور الذي جاء به
فإذا ذكرت يا عيسى ذلك النبي فصل عليه فإني
وملائكتي نصلي عليه ، قالوا : فما أتى حارثة بن اثال على قوله هذا حتى أظلم بالسيد والعاقب
مكانهما ، و
كرها ماقام به في الناس معربا ومخبرا عن المسيح
عليهالسلام
بما أخبر وقدم
من
ذكر النبي محمد صلىاللهعليهوآله
لانهما كانا قد أصابا بموضعهما من دينهما شرفا
بنجران ، ووجها عند ملوك النصرانية جميعا ، وكذلك
عند سوقتهم وعربهم في البلاد
فأشفقا أن يكون ذلك سببا لانصراف قومهما عن
طاعتهما لدينهما ، وفسخا لمنزلتهما
في الناس.
فأقبل العاقب على حارثة فقال : أمسك
عليك يا حار ، فإن راد هذا الكلام
عليك أكثر من قابله ، ورب قول يكون بلية على
قائله وللقلوب نفرات عند الا صداع
بمضنون الحكمة فاتق نفورها ، فلكل نبأ أهل ، ولكل
خطب محل ، وإنما الدرك
ما أخذلك بمواضي النجاة ، وألبسك جنة السلامة ، فلا
تعدلن بهما حظا ، فإني
لم آلك لا أبا لك نصحا ، ثم أرم يعني أمسك. فأوجب السيد أن
يشرك العاقب
في كلامه فأقبل على حارثة فقال : إني لم أزل
أتعرف لك فضلاً تميل إليه
____________________
الالباب ، فإياك أن
تقتعد مطية اللجاج ، وأن توجف
إلى آل السراب ، فمن
عذر بذلك فلست فيه أيها المرء بمعذور ، وقد
أغفلك أبوواثلة وهو ولي أمرنا و
سيد حضرنا
عتابا فأوله أعتابا ، ثم تعلم أن ناجم قريش يعني رسول الله صلىاللهعليهوآله
يكون رزه
قليلا ثم ينقطع ، ويكون يعد ذلك قرن
يبعث في آخره النبي
المبعوث بالحكمة والبيان والسيف والسلطان ، يملك
ملكا مؤجلا ، تطبق فيه
أمته المشارق والمغارب ، ومن ذريته الامير
الظاهر يظهر على جميع الملكات والاديان
ويبلغ ملكه ما طلع عليه الليل والنهار ، وذلك
يا حار أمل من ورائه أمد ، ومن
دونه أجل فتمسك من دينك بما تعلم ، وتمنع الله
أبوك من أنس متصرم بالزمان
أو لعارض من الحدثان فإنما نحن ليومنا ولغد
أهله.
فأجابه حارثة بن اثال فقال إيه عليك أبا قرة! فإنه لا حظ في يومه لمن
لا درك له في غده ، واتق الله تجد الله جل
وتعالى بحيث لا مفزع إلا إليه ، وعرضت
مشيدا بذكر أبي واثلة فهو العزيز المطاع ، الرحب
الباع ، وإليكما معا ملقى
الرجال ، فلو أضربت التذكرة عن أحد لتبريز فضل
لكنتماه ، لكنها أبكار الكلم
تهدى لاربابها ، ونصيحة كنتما أحق من أصفى بها إنكما مليكا ثمرات قلوبنا
ووليا طاعتنا في ديننا ، فالكيس الكيس يا أيها
المعظمان عليكما به أرمقا
ما بدهكما نواحيه واهجرا سنة التسويف فيما أنتما بعرضه ،
آثرا الله فيما آتاكما
يؤثر كما
بالمزيد من فضله ، ولا نخلدا فيما أظلكما إلى الونية ، فإنه من أطال
عنان الامن أهلكته العزة ومن اقتعد مطية الحذر كان بسبيل أمن من
المتالف
____________________
ومن استنصح عقله
كانت العبرة له لابه ، ومن نصح لله عزوجل آنسه الله جل و
تعالى بعز الحياة وسعادة المنقلب.
ثم أقبل على العاقب معاتبا فقال : وزعمت
أبا واثلة أن راد ما قلت أكثر من
قابله ، وأنت لعمرو الله حري أن لا يؤثر هذا
عنك. فقد علمت وعلمنا أمة
الا نجيل معا بسيرة ما قام به المسيح عليهالسلام في حواريه ، ومن آمن له من قومه
وهذه منك فهة لاير حضها إلا التوبة والاقرار
بما سبق وبه الانكار ، فلما أتى على
هذا الكلام صرف إلى السيد وجهه فقال : لا سيف
إلا ذونبوة ، ولا عليم إلا ذوهفوة
فمن نزع عن وهله وأقلع فهو السعيد الرشيد ، وإنما الآفة
في الاصرار
وعرضت
بذكر نبيين يخلقان ، زعمت بعد ابن البتول ، فأين يذهب بك عما
خلد
في الصحف من ذكرى ذلك؟ ألم تعلم ما انتبأ
به المسيح عليهالسلام
في بني
إسرائيل وقوله لهم : كيف بكم إذا ذهب بي إلى
أبي وأبيكم وخلف بهد أعصار
تخلو من بعدي وبعدكم صادق وكاذب ، قالوا : ومن
همايا مسيح الله؟ قال : نبي
من ذرية إسماعيل عليهماالسلام
صادق ، ومتنبئ من بني إسرائيل كاذب ، فالصادق
منبعث منهما برحمة وملحمة يكون له الملك
والسلطان ما دامت الدنيا ، وأما الكاذب
فله نبز
يذكر به المسيح الدجال يملك فواقا ، ثم يقتله الله بيدي إذا رجع بي.
قال حارثة : وأحذركم يا قوم أن يكون من قبلكم
من اليهود أسوة لكم
إنهم أنذروا بمسيحين : مسيح رحمة وهدى ، ومسيح
ضلالة ، وجعل لهم على كل
واحد منهما آية وأمارة ، فجحدوا مسيح الهدى
وكذبوا به ، وآمنوا بمسيح
الضلالة الدجال وأقبلوا على انتظاره ، وأضربوا
في الفتنة وركبوا نتجها
ومن
____________________
قبل ما نبذوا كتاب
الله وراء ظهورهم وقتلوا أنبياءه والقوامين بالقسط من عباده
فحجب
الله عزوجل عنهم البصيرة بما كسبت أيديهم ونزع ملكتهم
منهم ببغيهم وألزمهم الذلة والصغار ، وجعل
منقلبهم إلى النار.
قال العاقب : فما أشعرك يا حار أن يكون هذا
النبي المذكور في الكتب هو
قاطن يثرب؟ ولعله ابن عمك صاحب اليمامة ، فإنه
يذكر من النبوة ما يذكر
منها أخو قريش ، وكلاهما من ذرية إسماعيل ، ولجميعهما
أتباع وأصحاب يشهدون
بنبوته ويقرون له برسالته فهل تجد بينهما في
ذلك من فاصلة
فتذكرها؟.
قال حارثة : أجل والله ، أجدها والله أكبر
وأبعد مما بين السحاب والتراب
وهي الاسباب التي بها وبمثلها تثبت حجة الله في
قلوب المعتبرين من عباده لرسله
وأنبيائه ، وأما صاحب اليمامة فليكفك فيه ما أخبركم به سفهاؤكم وغيركم
والمنتجعة منكم أرضه ومن قدم من أهل اليمامة
عليكم ، ألم تخبركم
جميعا عن
رواد مسيلمة وسماعيه ومن أو فده صاحبهم إلى أحمد بيثرب فعادوا إليه
جميعا
بما تعرفوا
هناك في بني قيلة
وتبينوا به. قالوا : قدم علينا أحمد يثرب و
بئارنا ثماد ، ومياهنا ملحة ، وكنا من قبله لا
نستطيب ولا نستعذب ، فبصق في بعضها
ومج في بعض فعادت عذابا محلولية ، وجاش منهما
ما كان ماؤها ثمادا ، فحار بحرا
قالوا : وتفل محمد في عيون رجال ذوي رمد ، وعلى
كلوم رجال ذوي جراح فبرئت
لوقته عيونهم فما اشتكوها ، واندملت جراحهم فما
ألموها في كثير مما أدوا ونبؤا
عن محمد صلىاللهعليهوآله
من دلالة وآية ، وأرادوا صاحبهم مسيلمة على بعض ذلك فأنعم لهم
كارها ، وأقبل بهم إلى بعض بئارهم فمج فيها
وكانت الركي معذوذبة
فحارت
____________________
ملحا لا يستطاع.
وبصق في بئر كان ماؤها وشلا فعادت
فلم تبض
بقطرة من
ماء ، وتفل في عين رجل كان بها رمد فعميت ، وعلى
جراح أو قالوا : جراح آخر
فاكتسى جلده برصا ، فقالوا لمسيلمة فيما أبصروا
في ذلك منه واستبرؤه
فقال : ويحكم بئس الامة أنتم لنبيكم ، والعشيرة لابن
عمكم ، إنكم تحيفتموني
يا هؤلاء
من قبل أن يوحى إلي في شئ مما سألتم ، والآن
فقد أذن لي في أجسادكم وأشعاركم
دون بئاركم ومياهكم ، هذا لمن كان منكم بي
مؤمنا ، وأما من كان مرتابا فانه
لا يزيدة تفلتي عليه إلا بلاء ، فمن شاء الآن منكم
فليأت لاتفل في عينه وعلى
جلده ، قالوا : ما فينا وأبيك أحد يشاء ذلك ، إنا
نخاف أن يشمت بك أهل يثرب
وأضربوا
عنه حمية لنسبه فيهم وتذمما لمكانه منهم.
فضحك السيد والعاقب حتى فحصا الارض
بأرجلهما ، وقالا : ما النور و
الظلام والحق والباطل بأشد تباينا وتفاوتا مما بين هذين الرجلين صدقا
وكذبا.
قالوا : وكان العاقب أحب مع ما تبين من
ذلك أن يشيد ما فرط من تفريظه
مسيلمة ويؤثل منزلته ليجعله لرسول الله صلىاللهعليهوآله كفؤا ، استظهارا بذلك في بقاء
عزه وما طارله من السمو في أهل ملته ، فقال : ولئن
فجر أخو بني حنيفة في زعمه
أن الله عزوجل أرسله وقال من ذلك ما ليس له بحق
فلقدبر في أن نقل قومه من
عبادة الاوثان إلى الايمان بالرحمن.
قال حارثة : أنشدك بالله الذي دحاها ، وأشرق
باسمه قمراها ، هل تجد فيما
أنزل الله عزوجل في الكتب السالفة يقول الله
عزوجل ، « أنا الله لا إله إلا أناديان
____________________
يوم الدين ، أنزلت
كتبي ، وأرسلت رسلي لاستنقذ بهم عبادي من حبائل الشيطان
وجعلتهم في بريتي وأرضي كالنجوم الدراري في
سمائي يهدون بوحيي وأمري ، من
أطاعهم أطاعني ، ومن عصاهم فقد عصاني ، وإني
لعنت وملائكني في سمائي أرضي
واللاعنون من خلقي من جحد ربوبيتي ، أو عدل بي
شئيا من بريتي ، أو كذب
بأحد من أنبيائي ورسلي ، أو قال : أوحي إلى ولم
أوح إليه
شئيا ، أو غمص
سلطاني أو تقمصه متبرئا ، أو أكمه عبادي وأضلهم عني ، ألا وإنما يعبدني
من عرف ما أريد من عبادتي وطاعتي وخلقي ، فمن لم يقصد إلي من
السبيلالتي نهجتها برسلي لم يزدد في عبادته مني إلا
بعدا.
قال العاقب : رويدك فأشهد لقد نبأت حقا.
قال حارثة : فما دون الحق من مقنع ، ولا
بعده لا مرئ مفزع
، ولذلك
قلت الذي قلت.
فاعترضه السيد وكان ذامحال وجدال شديد
فقال : ما أحرى
وما أرى أخا
قريش مرسلا إلا إلى قومه بني إسماعيل دينه « كذا
» وهو مع ذلك يزعم أن الله عز
وجل أرسله إلى الناس جميعا.
قال حارثة : أفتعلم أنت يا باقرة أن
محمدا مرسل من ربه إلى قومه خاصة؟
قال : أجل ، قال أتشهد له بذلك؟ قال : ويحك وهل
يستطاع دفع الشواهد؟ نعم
أشهد غير مرتاب بذلك ، وبذلك شهدت له الصحف
الدراسة ، والانباء الخالية ، فأطرق حارثة ضاحكا ينكت الارض بسبابته.
قال السيد : ما يضحكك يا ابن اثال؟ قال : عجبت فضحكت ، قال :
____________________
أو عجب ما تسمع؟ قال
: نعم العجب أجمع ، أليس بالاله بعجيب من رجل أوتي أثرة
من علم وحكمة يزعم أن الله عزوجل اصطفى لنبوته ،
واختص برسالته ، وأيد
بروحه وحكمته رجلا خراصا يكذب عليه ويقول : أوحي
إلي ولم يوح إليه
فيخلط كالكاهن كذبا بصدق ، وباطلا بحق؟ فارتدع
السيد وعلم أنه قد وهل
فأمسك محجوجا.
قالوا : وكان حارثة بنجران جنيبا يعني
غريبا ، فأقبل العاقب عليه وقد قطعه
ما فرط إلى السيد من قوله ، فقال له : عليك
أخابني قيس بن ثعلبة ، واحبس عليك
ذلق لسانك ، وما لم نزل تستحم لنا من مثابة سفهك ، فرب كلمة يرفع
صاحبها
بها رأسا
قد ألقته في قعر مظلمة ، ورب كلمة لامت ورأبت قلوبا نغلة ، فدع
عنك ما يسبق إلى القلوب إنكاره ، وإن كان عندك
ما يتان
اعتذاره ، ثم اعلم أن
لكل شئ صورة ، وصورة الانسان العقل ، وصورة
العقل الادب ، والادب أدبان
طباعي ومرتاضي ، فأفضلهما أدب الله جل وجلاله ،
ومن أدب الله سبحانه وحكمته
أن يرى لسلطانه حق ليس لشئ من خلقه ، لانه
الحبل بين الله وبين عباده ، و
السلطان اثنان ، سلطان ملكة وقهر ، وسلطان حكمة وشرع ، فأعلاهما
فوقا
سلطان الحكمة ، وقد ترى يا هذا أن الله عزوجل قد صنع لنا حتى جعلنا حكاما
وقواما على ملوك ملتنا ومن بعدهم من حشوتهم
وأطرافهم ، فاعرف لذي الحق
حقه أيها المرء وخلاك ذم ، ثم قال : وذكرت أخا
قريش وما جاء به من الآيات
والنذر فأطلت وأعرضت ولقد مررت فنحن بمحمد عالمون ، وبه جد اموقنون
شهدت لقد انتظمت له الآيات والبينات سالفها
وآنفها ، إلا آية هي أشفاها
و
____________________
أشرفها ، وإنما
مثلها فيما جاء به كمثل الرأس للمسجد ، فما حال جسد لا رأس له؟
فأمهل رويدا نتجسس الاخبار ونعتبر الآثار
ونستشف ما ألفينا مما أفضي إلينا فإن
آنسنا الآية الجامعة الخانمة لديه فنحن إليه
أسرع ، وله أطوع ، وإلا فاعلم ما تذكر
به النبوة والسفارة عن الرب الذي لا تفاوف في
أمره ولا تغاير في حكمه.
قال له حارثة : قد ناديت فأسمعت ، وقرعت فصدعت ، وسمعت وأطعت
فما هذه الآية التي أوحش بعد الآنسة فقدها ، وأعقب الشك بعد البينة عدمها؟.
قال له العاقب : قد أثلجك
أبوقرة بها ، فذهبت عنها في غير مذهب وحاورتنا
فأطلت في غير ماطائل حوارنا.
قال حارثة ، وأني ذلك فجلها الآن لي
فداك أبي وأمي.
قال العاقب : أفلح من سلم للحق ، وصدع
به ، ولم يرغب عنه ، وقد أحاط
به علما ، فقد علمنا وعلمت من أبناء الكتب
المستودعة علم القرون وما كان وما يكون
فإنها استهلت بلسان كل أمة منهم معربة مبشرة ومنذرة
بأحمد النبي العاقب
الذي تطبق أمته المشارق والمغارب ، يملك وشيعته
من بعده ملكا مؤجلا ، يستأثر
مقتبلهم
ملكا على الاحم منهم بذلك النبي تباعة وبيتا ويوسع من بعدهم أمتهم
عدوانا وهضما ، فيملكون بذلك سبتا طويلا حتى لا
يبقى بجزيرة العرب بيت إلا و
هو راغب إليهم أو راهب لهم ، ثم يدال بعد لاي منهم ويشعث سلطانهم حدا
حدا
، وبيتا فبيتا حتى تجئ أمثال النغف من الاقوام فيهم ، ثم يملك أمرهم
____________________
عليهم عبداؤهم وقنهم يملكون جيلا فجيلا يسيرون في الناس
بالقعسرية
حيطا خيطا
، ويكون سلطانهم سلطانا عضوضا ضروسا ، فتنتقص الارض حينئذ
من أطرافها ، ويشتد البلاء وتشتمل الآفات حتى يكون الموت أعز من الحياة
الحمر
، أو أحب حينئذ إلى أحدهم من الحياة إلى المعافاة السليم ، وما ذلك
إلا لما يدهون به من الضر والضراء والفتنة العشواء ، وقوام
الدين يومئذ و
زعماؤه يومئذ أناس ليسوا من أهله ، فيمج الدين
بهم ، وتعفو
آياته ، ويدبر
توليا وامحاقا ، فلا يبقي منه إلا اسمه حتى
ينعاه ناعيه ، والمؤمن يومئذ غريب ، و
الديانون قليل ماهم ، حتى يستأيس الناس من روح
الله وفرجه إلا أقلهم ، وتظن
أقوام أن لن ينصر الله رسله ويحق وعده ، فإذا
بهم الشصائب والنقم ، وأخذ من
جميعهم بالكظم ، تلافى الله دينه ، وراش عباده من بعد ما قنطوا برجل من ذرية
نبيهم أحمد ونجله ، يأتي الله عزوجل به من حيث
لا يشعرون ، تصلي عليه المساوات
وسكانها ، وتفرج به الارض وما عليها ، من سوام
وطاير وأنام وتخرج له أمكم يعني
الارض بركتها وزينتها ، وتلقي إليه كنوزها
وأفلاذ كبدها حتى تعود كهيئتها
على عهد آدم وترفع عنهم المسكنة والعاهات في
عهده ، والنقمات التي كانت تضرب بها
الامم من قبل ، وتلقي في البلاد ، الامنة ، وتنزع
حمة كل ذات حمة ، ومخلب كل ذي
مخلب ، وناب كل ذي ناب ، حتى أن الجويرية
اللكاع لتلعب بالافعوان فلا
يضرها شيئا ، وحتى يكون الاسد في الباقر كأنه
راعيها ، والذئب في البهم كأنه
ربها ، ويظهر الله عبده على الدين كله فيملك
مقاليد الاقاليم إلى بيضاء الصين ، حتى لا يكون على عهده ، في الارض أجمعها إلا دين الله الحق الذي ارتضاه لعباده ، و
بعث به آدم بديع فطرته ، وأحمد خاتم رسالته ، ومن بينهما من أنبيائه ورسله.
____________________
فلما أتى العاقب على اقتصاصه هذا أقبل عليه حارثة مجيبا فقال : أشهد
: بالله البديع يا أيها النبيه الخطير ، والعليم
الاثير ، لقد ابتسم الحق بقيلك ، و
أشرق الجناب
بعدل منطقك ، وتنزلت كتب الله التي جعلها نورا في بلاده ، و
شاهدة على عباده بما افتصصت من مسطورها حقا ، فلم يخالف طرس منها
طرسا
ولا رسم من آياتها رسما ، فما بعد هذا؟ قال : العاقب
: فإنك زعمته
أخا قريش ، فكنت بما تأثر من هذا حق غالط ، قال : وبم ، ألم تعترف له بنبوته ورسالته الشواهد
قال العاقب : بلى لعمرو الله ، ولكنهما نبيان
رسولان ، يعتقبان بين مسيح الله عزوجل
وبين الساعة ، اشتق اسم أحد هما من صاحبه محمد
وأحمد بشر بأولهما موسى عليهالسلام
وبثانيهما عيسى عليهالسلام
، فأخو قريش هذا مرسل إلى قومه ويقفوه من بعده ذوالملك
الشديد ، والاكل الطويل ، يبعثه الله عزوجل
خاتما للدين ، وحجة على الخلائق
أجمعين ، ثم يأتي من بعده فترة تتزايل فيها
القواعد من مراسيها ، فيعيدها الله
عز
وجل
على الدين كله ، فيملك هو والملوك الصالحون من عقبه جميع ما طلع
عليه الليل والنهار ، من أرض وجبل وبر وبحر ، يرثون
أرض الله عزوجل ملكا
كما ورثها وملكها الابوان : آدم ونوح عليهماالسلام ، يلقون وهم الملوك
الاكابر في مثل هيئة المساكين بذاذة واستكانة ،
فأولئك الاكرمون الاماثل ، لا
يصلح عباد الله وبلاده إلا بهم ، عليهم ينزل
عيسى بن البشر
عليهالسلام
على آخر هم
بعد مكث طويل وملك شديد ، لا خير في العيش بعد
هم ، وتردفهم رجراحة
طغام
____________________
في مثل أحلام
العصافير ، عليهم تقوم الساعة ، وإنما تقوم على شرار الناس وأخابثهم ، فذلك الوعد الذي صلى به الله عزوجل على أحمد ، كما صلى به خليله إبراهيم
في كثير مما لاحمد صلى الله عليه من البراهين
والتأييد الذي خبرت به كتب الله
الاولى.
قال حارثة : فمن الاثر المستقر عندك أبا
واثلة في هذين الاسمين أنهما
لشخصين ، لنبيين مرسلين في عصرين مختلفين؟ قال
العاقب : أجل ، قال : فهل
يتخالجك في ذلك ريب ، أو يعرض لك فيه ظن؟ قال
العاقب : كلا والمعبود ، إن هذا
لاجلى من بوح ، وأشار له إلى جرم الشمس المستدير ، فأكب
حارثة مطرقا و
جعل ينكت في الارض عجبا ، ثم قال : إنما الآفة
أيها الزعيم المطاع أن يكون المال
عند من يخزنه لا من ينفقه ، والسلاح عند من
يتزين به لا من يقاتل به ، والرأي عند
من يملكه
لا من ينصره.
قال العاقب : لقد أسمعت يا حويرث فأقذعت
، وطفقت فأقدمت فمه ، قال : أقسم
بالذي قامت السماوات والارض بإذنه ، وغلب الجبابرة بأمره إنهما اسمان
مشتقان لنفس واحدة ، ولنبي واحد ، ورسول واحد ،
أنذر به موسى بن
عمران
وبشر به عيسى بن مريم ، ومن قبلهما أشار به في
صحف إبراهيم عليهالسلام.
فتضاحك السيد يري قومه ومن حضرهم أن ضحكه هزؤ
من حارثة وتعجبا
وانتشط العاقب ذلك فأقبل على حارثة مؤ نبا فقال : لا
يغررك باطل أبي قرة
فإنه وإن ضحك لك فإنما يضحك منك ، قال حارثة : لئن
فعلها لانها لاحدى
الدهارس أوسوءة أفلم تتعرفا ، راجع الله بكما من موروث
الحكمة ، لا ينبغي
____________________
للحكيم أن يكون
عباسا في غير أرب
، ولا ضحا كا من غير عجب ، أولم يبلغكما عن
سيد كما المسيح قال : فضحك العالم في غير حينه
غفلة من قلبه ، أو سكرة ألهته
عما في غده ، قال السيد : يا حارثه إنه لا يعيش
والله أحد بعقله حتى يعيش بظه ، وإذا أنالم أعلم إلا مارويت فلا علمت ، أولم يبلغك
أنت عن سيدنا المسيح علينا
سلامه أن لله عبادا ضحكوا جهرا من سعة رحمة
ربهم ، وبكوا سرا من خيفة ربهم؟
قال : إذا كان هذا فنعم ، قال فما هنا فلتكن مراجم ظنونك بعباد ربك ، و
عدبنا إلى ما نحن بسبيله ، فقد طال التنازع
والخصام بيننا يا حارثة ، قالوا : وكان
مجلسا ثالثا في يوم ثالث من اجتماعهم للنظر في
أمرهم.
فقال السيد : يا حارثة ألم ينبئك
أبوواثلة بأفصح لفظ اخترق
أذنا وعاد
لك
بمثله مخبرا فألفاك مع عزما تك
بموارده حجرا ، وها أباذا أؤكد عليك
التذكرة بذلك من معدن ثالث فأنشدك الله وما
أنزل إلى كلمة ، من كلماته ، هل
تجد في الزاجرة المنقولة من لسان أهل سوريا إلى لسان العرب يعنى صحيفة
شمعون بن حمون الصفا التي توارثها عنه أهل نجران ، قال
السيد : ألم يقل بعد
نبذ طويل من كلام : فإذاطبقت وقطعت الارحام
وعفت الاعلام بعث
الله عبده
الفار قليطا
بالرحمة والمعدلة ، قالوا : وما الفار قليطا
يا ميسح الله؟ قال : أحمد
النبي الخاتم الوارث ، ذلك الذى يصلى عليه حيا
ويصلى عليه بعد ما يقبضه إليه
بابنه الطاهر الخابر ، ينشره الله في آخر الرمان ، بعد ما
انفصمت عرى
الدين ، وخبت مصابيح الناموس ، وأفلت نجومه ، فلا
يلبث ذلك العبد الصالح إلا
____________________
أمما حتى يعود الدين
به كما بدأ ويقر الله عزوجل سلطانه في عبده ، ثم في
الصالحين من عقبه ، وينشر منه حتى يبلغ ملكه
منقطع التراب ، قال حارثة : قد
أشدتما
بهذه الماثرة لاحمد صلىاللهعليهوآله
وكر رتما بها القول ، وهي حق لا وحشة مع
الحق ، ولا أنس في غيره فمه؟ قال السيد : فإن
من الحق أن لا حظ في هذه
الاكرومة لابتر ، قال حارثة : إنه لكذلك ، وليس
بمحمد صلىاللهعليهوآله؟ قال السيد
إنك ما عملت
إلا لدا ، ألم يخبرنا سفرنا وأصحابنا فيما تجسسنا من خبره أن
ولديه الذكرين القرشية والقبطية بادا يعني هلكا
، وغودر محمد كفرن الاعضب مؤف
على ضريحة فلو كان بقية لكان لك بذلك مقالا إذا
وليت أبناؤه الذي
تذكر
قال حارثة : العبر لعمرو الله كثيرة والاعتبار
بها قليل ، والدليل مؤف
على سنن
السبيل إن لم يعش عنه ناظر ، وكما أن الابصار الرمدة لا
تسيطيع النظر في قرص
الشمس لسقمها فكذلك البصائر القصيرة لا تتعلق
بنور الحكمة لعجزها ، ألا ومن
كان كذلك فلستماه ـ وأشار إلى السيد والعاقب ـ إنكما
ويمين الله لمحجوجان
بما آتاكما الله عزوجل من ميراث الحكمة ، واستودعكما
من بقايا الحجة ، ثم
بما أوجب لكما من الشرف والمنزلة في الناس ، فقد
جعل الله عزوجل من آتاه
سلطانا ملوكا للناس وأربابا ، وجعلكما حكما وقواما على ملوك ملتنا ، وذادة لهم يفزعون إليكما في دينهم ، ولاتفزعان إليهم ، وتأمر انهم فيأتمرون
لكما ، وحق لكل ملك أو موطئ الا كناف أن يتواضع لله عزوجل إذا رفعه
____________________
وأن ينصح لله عزوجل
في عبادة ، ولا يدهن في أمره ، وذكرتما محمدا بما حكمت له به
الشهادات الصادقة ، وبينته فيه الاسفار
المستحفظة ، ورأيتماه مع ذلك مرسلا إلى قومه
لا إلى الناس جميعا ، وأن ليس بالخاتم الحاشر ،
ولا الوارث العاقب ، لانكما زعمتماه
أبتر ، أليس كذلك ، قالا : نعم ، قال : أرأيتكما
لو كان له بقية وعقب هل كنتما
ممتريين
لما تجدان وبما تكذبان
من الوراثة والظهور على النواميس أنه النبي
الخاتم والمرسل إلى كافة البشر قالا : لا ، قال
: أفليس هذا القيل لهذه الحال مع طول
اللوائم والخصائم عند كما مستقر؟ قالا : أجل ، قال : الله أكبر ، قالا :
كبرت
كبيرا ، فما دعاك إلى ذلك؟ قال حارثة : الحق أبلج
، والباطل لجلج ، ولنقل ماء
البحر ولشق الصخر أهون من إماتة ما أحياء الله
عزوجل ، وأحياء
ما أماته
الآن فاعلما أن محمدا غير أبتر ، وأنه الخاتم الوارث ، والعاقب الحاشر
حقا ، فلا نبي بعده ، وعلى أمته تقوم الساعة ، ويرث الله الارض ومن عليها ، وإن من
ذريته الامير الصالح الذي بينتما ونبأتما أنه
يملك مشارق الارض ومغاربها ، ويظهره
عزوجل بالخفية الابراهيمية على النواميس كلها ، قالا :
أولى : بك يا حارثة
لقد أغفلناك
وتأبى إلا مراوغة كالثعالبة
فما تسأم المنازعة ، ولا تمل من
المراجعة ، ولقد زعمت مع ذلك عظيما فما برهانك
به؟ قال : أما وجد كما
لانبئكما
ببرهان يجير من الشبهة ، ويشفي به جوى الصدور ، ثم أقبل على
أبي حارثة حصين بن علقمة شيخهم وأسقفهم الاول
فقال : إن رأيت أيها الاب
الاثير أن تؤنس قلوبنا وتثلج صدورنا بإحضار
الجامعة والزاجرة : قالوا :
____________________
وكان هذا المجلس
الرابع من اليوم الرابع ، وذلك لما حلقت الشمس وركدت
وفي زمن قيظ شديد ، فأقبلا على حارثة فقالا : أرج
هذا إلى غد ، فقد بلغت
القلوب منا الصدور ، فتفرقوا على إحضار الزاجرة
والجامعة من غد للنظر فيهما
والعمل بما يترا آن منهما ، فلما كان من الغد صار أهل
نجران إلى بيعتهم
لاعتبار ما أجمع صاحباهم مع حارثة على اقتباسه
وتبينه من الجامعة
، ولما رأى
السيد والعاقب اجتماع الناس لذلك قطع بهما
لعلمهما بصواب قول حارثة واعترضاه
ليصدانه عن تصفح الصحف على أعين الناس ، وكانا
من شياطين الانس ، فقال السيد : إنك قد أكثرت وأمللت فض الحديث لنا مع فضه ودعنا من تبيانه ، فقال
حارثة : وهل هذا إلا منك وصاحبك ، فمن الآن
فقولا ما شئتما ، فقال العاقب : ما من مقال إلا ما قلنا وسنعود فنخبر بعد ذلك لك تخبيرا ، غير
كانمين لله عز
وجل من حجة ، ولا جاحدين له آية ، ولا مفترين
مع ذلك على الله عزوجل
لعبد إنه مرسل منه وليس برسوله ، فنحن نعترف يا
هذا بمحمد صلىاللهعليهوآله
أنه رسول
من الله عزوجل إلى قومه من بني إسماعيل عليهالسلام في غير أن يجب له بذلك على
غيرهم من عرب الناس ولا أعاجمهم تباعة ولا طاعة
بخروج له عن ملة ، ولا دخول معه
في ملة ، إلا الاقرار له بالنبوة والرسالة إلى
أعيان قومه ودينه.
قال حارثة : وبم شهدتما له بالنبوة
والامر؟ قالا : حيث جاء تنا فيه البيتة
من تباشير الاناجيل والكتب الخالية ، فقال : منذوجب
هذا لمحمد صلىاللهعليهوآله
عليكما
في طويل الكلام وقصيره وبدئه وعوده فمن أين
زعتما أنه ليس بالوارث الحاشر
ولا المرسل إلى كافة البشر؟ قالا : لقد علمت وعلمنا فما نمتري بأن حجة الله
____________________
عزوجل لن ينتهي أمرها ، وإنها كلمة الله جارية في
الاعقاب ما اعتقب الليل
والنهار ، وما بقي من الناس شخصان ، وقد ظننا
من قبل أن محمدا صلىاللهعليهوآله
ربها ، و
أنه القائد بزمامها ، فلما أعقمه الله عزوجل
بمهلك الذكورة من ولده علمنا أنه
ليس به ، لان محمدا أبتر ، وحجة الله عزوجل
الباقية ونبيه الخاتم بشهادة كتب
الله عزوجل المنزلة ليس بأبتر ، فإذا هو نبي
يأتي ويخلد بعد
محمد صلىاللهعليهوآله
اشتق اسمه من اسم محمد ، وهو أحمد الذي نبأ
المسيح عليهالسلام
باسمه بنبوته ورسالاته
الخاتمة ، وبملكة ابنه القاهرة الجامعة للناس جميعا على
ناموس الله عزوجل
الاعظم ليس بظهرة دينه ولكنه من ذريته وعقبه ، يملك قرى الارض
وما
بينهما
من لوب وسهل وصخر وبحر ملكا مورثا موطأ ، وهذا نبأ أحاطت سفرة
الاناجيل به علما ، وقد أوسعناك بهذا القيل
سمعا ، وعدنا لك به آنفة بعد سالفة
فما إربك إلى تكراره؟
قال حارثة : قد أعلم أنا وإياكم في رجع من القول منذ ثلاث وما
ذاك
إلا ليذكر ناس ، ويرجع فارط ، ويطمئن لنا الكلم ، وذكرتما نبيين يبعثان
يعتقبان بين مسيح الله عزوجل والساعة ، قلتما
وكلاهما من بني إسماعيل
أو لهما محمد بيثرب ، وثانيهما أحمد العاقب ، وأما
محمد صلىاللهعليهوآله
أخو قريش هذا القاطن
بيثرب فإنا به حق مؤمن ، أجل وهو والمعبود أحمد
الذي نبأت به كتب الله عز
وجل ، ودلت عليه آياته ، وهو حجة الله عزوجل
ورسوله صلىاللهعليهوآله
الخاتم الوارث
حقا ، ولا نبوة ولا رسول لله عزوجل ولا حجة بين
ابن البتول والساعة غيره
بلى ومن كان منه من ابنته البهلولة الصديقة فأنتما ببلاغ الله إليكما من
____________________
نبوة محمد صلىاللهعليهوآله في أمر مستقر ، ولولا
انقطاع نسله لما ارتبتما فيما زعمتما به أنه
السابق العاقب ، قالا : أجل إن ذلك لمن أكبر
أماراته عندنا ، قال : فأنتما والله فيما
تزعمان من نبي ثان من بعده في أمر ملتبس ، والجامعة
في ذلك يحكم
بيننا
فتنادى الناس من كل ناحية وقالوا : الجامعة يا
با حارثة الجامعة ، وذلك لما مسهم
في طول تحاور الثلاثة من السأمة والملل ، وظن
القوم مع ذلك أن الفلج
لصاحبهما
بما كانا يدعيان في تلك المجالس من ذلك ، فأقبل
أبوحارثه إلى
علج واقف منه أمما فقال : امض يا غلام فأت بها ،
فجاء بالجامعة يحملها على رأسه و
هو لا يكاد يتماسك بها لثقلها.
قال : فحدثني رجل صدق من النجرانية ممن
كان يلزم السيد والعاقب و
يخف لهما في بعض أمورهما ، ويطلع على كثير من
شأنهما ، قال : لما حضرت
الجامعة بلغ ذلك من السيد والعاقب كل مبلغ ، لعلمهما
بما يهجمان عليه في
تصحفهما من دلائل رسول الله صلىاللهعليهوآله وصفته ، وذكر أهل
بيته وأزواجه وذريته ، وما يحدث في أمته وأصحابه من بوائق الامور من بعده إلى فناء
الدنيا وانقطاعها
فأقبل أحدهما على صاحبه فقال : هذا يوم ما بورك
لنا في طلوع شمسه ، لقد شهدته
أجسامنا ، وغابت عنه آراؤنا بحضور طغامنا وسفلتنا ، ولقل ما شهد سفهاء قوم
مجمعة
إلا كانت لهم الغلبة ، قال الآخر : فهم شر غالب لمن غلب ، إن أحدهم ليفتق بأدنى
كلمة ، ويفسد في بعض ساعته
مالا يستطيع الآسي الحليم له رتقا
ولا الخولي النفيس إصلا حاله في حول مجرم ذلك ،
لان السفيه هادم ، والحليم بان ، وشتان بين البناء والهدم ، قال : فانتهز حارثة
الفرصة فأرسل في خفية
و
____________________
سر إلى النفرمن
أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله
فاستحضرهم استظهارا بمشهدهم فحضروا فلم
يستطمع الرجلان فض ذلك المجلس ولا إرجاءه ، وذلك لما تبينا من تطلع
عامتهما من نصارى نجران إلى معرفة ما تضمنت
الجامعة من صفة رسول الله صلىاللهعليهوآله
وانبعاثهم
له مع حضور رسل رسول الله لذلك ، وتأليب حارثة عليهما فيه ، وصغو
أبي حارثة شيخهم إليه ، قال : قال لي ذلك الرجل
النجراني : فكان الرأي عندهما
أن ينقاد المايد همهما من هذا الخطب ، ولا يظهران شماسا منه ولا نفورا
حذرا
أن يطرقا الظنة فيه إليهما ، وأن يكونا أيضا أول معتبر للجامعة ، و
مستحث لها لئلا يفتات في شئ من ذلك المقام
والمنزلة عليهما ، ثم يستبينان
الصواب في الحال ويستنجدانه ليأخذان بموجبه ، فتقد
ما لما تقدم في أنفسهما من
ذلك إلى الجامعة وهي بين يدي أبي حارثة ، وحاذا
هما حارثة بن أثال
و
تطاولت إليهما فيه الاعناق ، وخفت رسل رسول
الله صلىاللهعليهوآله
بهم ، فأمر أبوحارثة
بالجامعة ففتح طرفها واستخرج منها صحيفة آدم الكبرى
المستودعة علم ملكوت
الله عزوجل جلاله ، وما ذرأ وما برأ في أرضه
وسمائه ، وما وصلهما جل جلاله
به من ذكر عالميه ، وهي الصحيفة التي ورثها شيث
من أبيه آدم عليهالسلام
عما دعا من
الذكر المحفوظ ، فقرا القوم السيد والعاقب وحارثة في الصحيفة
تطلبا لما
تنازعوا فيه من نعت رسول الله صلىاللهعليهوآله وصفته ، ومن حضرهم
يؤمئذ من الناس إليهم
____________________
مضجون مرتقبون لما يستدرك من ذكرى ذلك ، فألفوا
في المسباح
الثاني
من فواصلها
بسم الله الرحمن الرحيم : « أنا الله لا إله إلا الحي القيوم ، معقب
الدهور ، وفاصل الامور ، سبقت بمشيتي الاسباب ، وذللت بقدرتي الصعاب
فأنا العزيز الحكيم ، الرحمن الرحيم ، أرحم
وأترحم ،
سبقت رحمتي غضبي ، و
عفوي عقوبتي ، خلقت عبادي لعبادتي ، وألزمتهم
حجتي ، ألا إني باعث فيهم
رسلي ، ومنزل عليهم كتبي ، أبرم ذلك من لدن أول مذكور من بشر إلى أحمد
نبيي وخاتم رسلي ، ذاك الذي أجعل عليه صلواتي وأسلك في قلبه بركاتي ، و
به أكمل أنبيائي ونذي ، قال آدم عليهالسلام : إلهي من هؤلاء
الرسل؟ ومن أحمد هذا
الذي رفعت وشرفت؟ قال : كل من ذريتك ، وأحمد
عاقبهم ووراثهم
قال : رب بما أنت باعثهم ومرسلهم؟ قال : بتوحيدي ، ثم أقفي ذلك بثلاثماثة و
ثلاثين شريعة أنظمها وأكملهالاحمد جميعا ، فآذنت لمن جاءني بشريعة منها مع
الايمان بي وبرسلي أن أدخله الجنة ».
ثم ذكر ما جملته ، أن الله تعالى عرض
على آدم عليهالسلام
معرفة الانبياء عليهمالسلام
وذريتهم ونظر إليهم آدم عليهالسلام ثم قال ماهذا لفظه :
« ثم نظر آدم عليهالسلام
إلى
نور قد لمع فسد الجو المنخرق ، فأخذ بالمطالع
من المشارق ثم سرى كذلك حتى
طبق المغارب ، ثم سما حتى بلغ ملكوت السماء ، فنظر
فإذا هو نور محمد رسول الله
صلىاللهعليهوآله
وإذا الاكناف به قد تضوعت طيبا ، وإذا أنوار أربعة قد اكتنفته عن يمينه
____________________
وشماله ومن خلفه
وأمامه ، أشبه شي به أرجا ونورا ، ويتلوها أنوار من بعدها
تستمد منها ، وإذا هي شبيهة بها في ضيائها
وعظمها ونشرها ، ثم دنت منها فتكللت
عليها وحفت بها ، ونظر فإذا أنوار من بعدذلك في
مثل عدد الكواكب ودون
منازل الاوائل جدا جدا ، وبعض هذه أضوأ من بعض ،
وهم في ذلك متفاوتون
جدا ، ثم طلع عليه سوادكالليل وكالسيل ينسلون
من كل وجهة وأوب ، فأقبلوا
كذلك حتى ملؤا القاع والاكم ، فإذا هم أقبح شئ صورا وهيئة ،
وأنتنه
ريحا فبهر آدم صلى الله عليه ما رأى من ذلك ، وقال
: يا عالم الغيوب وغافر الذنوب
ويا ذا القدرة القاهرة والمشية الغالبة ، من هذا الخلق السعيد
الذي كرمت
ورفعت على العالمين؟ ومن هذه الانوار المكتنفة
له؟ فأوحى الله عزوجل إلي
يا آدم هذا وهؤلاء وسيلتك ووسيلة من أسعدت من خلقي ، هؤلاء السابقون المقربون
والشافعون المشفعون ، وهذا أحمد سيدهم وسيد
بريتي ، اخترته بعلمي ، و
اشتققت
اسمه من اسمي ، فأنا المحمود وهو محمد
وهذا صنوه ووصية آزرته
به ، وجعلت بركاني وتطهيري في عقبه ، وهذه سيدة
إمائي والبقية في علمي من
أحمد نبيي ، وهذان السبطان والخلفان لهم ، وهذه
الاعيان الضارع
نورها
أنوارهم بقية منهم ، ألا إن كلا اصطفيت وطهرت ،
وعلى كل باركت وترحمت
فكلا بعلمي جعلت قدوة عبادي ، ونور بلادي ، ونظر
فإذا شبح
في آخرهم يزهر
في ذلك الصفيح كما يزهر كوكب الصبح لاهل الدنيا
، فقال الله تبارك وتعالى : وبعبدي هذا السعبد أفك عن عبادي الاغلال ، وأضع عنهم
الآصار ، وأملا أرضي
____________________
به حنانا ورأفة
وعدلا ، كما ملئت من قبله قسوة وقشعرية
وجورا ، قال آدم : رب إن الكريم
من كرمت ، وإن الشريف
من شرفت ، وحق يا إلهى
لمن رفعت وأعليت أن يكون كذلك ، فياذا النعم
التي لا تنقطع ، والاحسان الذي
لا يجازى
ولا ينفد ، بم بلغ عبادك هؤلاء العالون
هذه المنزلة من شرف عطائك
وعظيم فضلك وحبائك؟ كذلك من كرمت من عبادك المرسلين؟ قال الله
تبارك وتعالى : إني أنا الله لا إله إلا أنا
الرحمن الرحيم ، العزيز الحكيم ، عالم
الغيوب ومضمرات القلوب ، أعلم ما لم يكن مما
يكون كيف يكون ، وما لا يكون
كيف لو كان يكون ، وإني اطلعت يا عبدي في علمي
على قلوب عبادي فلم
أرفيهم أطوع لي ولا أنصح لخلقي من أنبيائي
ورسلي ، فجعلت لذلك فيهم روحي و
كلمتي ، وألزمتهم عبء حجتي واصطفيتهم على البرايا برسالتي ووحبي ، ثم
ألقيت بمكاناتهم تلك في منازلهم حوامهم وأوصياءهم من بعد فألحقتهم بأنبيائي
ورسلي ، وجعلتهم من بعدهم ودايع حجتي والاساة في بريتي ، لاجبربهم
كسر عبادي ، وأقيم بهم أودهم ، ذلك أني بهم
وبقلوبهم لطيف خبير ، ثم اطلعت
في قلوب
المصطفين من رسلي فلم أجد فيهم أطوع لي ولا أنصح لخلقي من محمد
خيرتي وخالصتي ، فاخترته على علم ورفعت ذكره إلى ذكري ، ثم وجدت
____________________
قلوب حامته اللاتي
من بعده على صبغة
قلبه فألحقتم
به ، وجعلتهم ورثة
كتابي ووحيي ، وأوكار حكمتي ونوري ، وآليت بي أن لا أعذب
بناري من
لقيني معتصما بتوحيدي ، وحبل مودتهم أبدا ».
ثم أمرهم أبوحارثة أن يصيروا إلى صحيفة
شيث الكبرى التي انتهى ميراثها
إلى إدريس النبي صلى الله عليه قال : وكان
كتابتها
بالقلم السرياني القديم ، وهو
الذي كتب به من بعد نوح عليهالسلام من ملوك الهياطلة
وهم النماردة قال : فاقتص
القوم الصحيفة وأفضوا منها إلى هذا الرسم ، قالوا
: اجتمع إلى
إدريس عليهالسلام
قومه وصحابته وهو يومئذ في بيت عبادته من أرض كوفان
فخبرهم فيما اقتص
عليهم ، قال : « إن بنى أبيكم آدم عليهالسلام لصلبه وبني بنيه وذريته اختصموا
فيما بينهم وقالوا : أي الخلق عندكم أكرم على
الله عزوجل ، وأرفع لديه
مكانة ، وأقرب منه منزلة؟ فقال بعضهم : أبوكم
آدم عليهالسلام
خلقه الله عزوجل بيده
وأسجد له ملائكته ، وجعله الخليفة في أرضه ، وسخر
له جميع خلقه ، وقال
آخرون : بل الملائكة الذين لم يعصوا الله عزوجل
[ وقال بعضهم : لابل حملة العرش
الثمانية العظماء من الملائكة المقربين ] وقال بعضهم : لابل رؤساء الملائكة
الثلاثة
جبرئيل وميكائيل وإسرافيل عليهمالسلام ، وقال بعضهم : لابل
أمين الله جبرئيل عليهالسلام
فانطلقوا إلى آدم صلى الله عليه فذكروا الذي قالوا واختلفوا فيه فقال : يا بني أنا
أخبركم بأكرم الخلائق جميعا على الله عزوجل ، إنه
والله لما
أن نفخ في
____________________
الروح حتى استويت
جالسا فبرق لي
العرش العظيم ، فنظرت فيه فإذا فيه
[ لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، « فلان أمين الله » فلان أمين الله ، فلان خيرة
الله
عزوجل ] فذكر عدة أسماء مقرونة بمحمد صلى الله عليه وعليهم ، قال
آدم
عليهالسلام
: ثم لم أرفي السماء موضع أديم ـ أو قال : صفيح ـ منها إلا وفيه مكتوب : « لا
إله إلا الله » وما من موضع فيه مكتوب : « لا
إله إلا الله » إلا وفيه مكتوب خلقا
لاخطا : « محمد رسول الله » وما من موضع فيه
مكتوب : « محمد رسول الله » إلا وفيه
مكتوب : « فلان خيرة الله ، فلان صفوة الله ، فلان أمين الله عزوجل » فذكر عدة أسماء ينتظم الحساب المعدود قال آدم عليهالسلام
: فمحمد صلىاللهعليهوآله
يا
بني ومن خط من تلك الاسماء معه أكرم الخلائق على الله عزوجل جميعا ».
ثم ذكر أن أبا حارثة سأل السيد والعاقب
أن يقفا على صلوات إبراهيم
عليهالسلام
الذي جاء بها الاملاك من عندالله عزوجل فقنعوا بما وقفوا عليه في الجامعة
قال أبوحارثة : لابل شارفوها بأجمعها واسبروها
فإنه أصرم للغدور
، وأرفع
لحكة
الصدور. وأجدر أن لا ترتابوا في الامر من بعد ، فلم يجدا من المصير
إلى قوله من بد ، فعمد القوم إلى تابوت إبراهيم
عليهالسلام
قال : وكان الله
عز و
جل بفضله على من يشاء من خلقه قد اصطفى إبراهيم
عليهالسلام
بخلته ، وشرفه بصلواته
وبركانه ، وجعله قبلة وإماما لمن يأتي من بعده ،
وجعل النبوة والامامة و
الكتاب في ذريته ، يتلقاها آخر عن أول ، وورثه
تابوت آدم عليهالسلام
المتضمن
للحكمة والعلم ، الذي فضله الله عزوجل به على
الملائكة طرا ، فنظر إبراهيم
____________________
عليهالسلام
في ذلك التابوت فأبصر فيه بيوتا بعدد ذوي العزم من الانبياء المرسلين
وأوصيائهم من بعدهم ، ونظر فإذا بيت محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم آخر
الانبياء
عن يمينه علي بن أبي طالب عليهالسلام آخذ بحجرته ، فاذا
شكل عظيم
يتلالؤ نورا ، فيه هذا صنوه ووصيه المؤيد
بالنصر ، فقال إبراهيم عليهالسلام
إلهي وسيدي من هذا الخلق الشريف؟ فأوحى الله
عزوجل عبدي وصفوتي
الفاتح الخاتم ، وهذا وصيه الوارث ، قال : رب!
ما الفاتح الخاتم؟ قال : هذا محمد
خيرتي ، وبكر فطرتي ، وحجتي الكبرى في بريتي ، نبأنه
واجتبيته إذ آدمبين الطين والجسد ، ثم إني باعثه عند انقطاع الزمان
لتكملة ديني ، وخاتم
به
رسالاتي ونذري ، وهذا علي أخوه وصديقه الاكبر ،
آخيت بينهما واخترتهما
وصليت وباركت عليهما ، وطهرتهما ، أخلصتهما
والابرار منهما وذريتهما قبل
أن أخلق سمائي وأرضي وما فيهما وبينهما من خلقي
، ذلك لعلمي بهم
وبقلوبهم
إني بعبادي عليم خبير ، قال : إبراهيم عليهالسلام فإذا اثنا عشر
عظيما تكاد
تلالا أشكالهم بحسنها نورا ، فسأل ربه جل وتعالى فقال : رب
نبئني بأسماء
هذه الصور المقرونة بصورتي محمد ووصيه ، وذلك
لما رأى من رفيع درجاتهم والتحاقهم
بشكلي محمد ووصيه عليهماالسلام
، فأوحى الله عزوجل إليه : هذه أمتي ، والبقية من
نبيي فاطمة الصديقة الزاهرة وجعلتها مع خليلها عصبة لذرية نبيي هؤلاء وهذان الحسنان
وهذا فلان وهذا فلان ، وهذا
كلمتي التي أنشربه رحمتي في
بلادي ، وبه أنتاش ديني وعبادي ، ذلك بعد أياس منهم وقنوط
منهم من غياثي ، فإذا ذكرت محمدا نبيي بصلواتك فصل عليهم معه يا إبراهيم ، قال : فعندها صلى
____________________
عليهم
إبراهيم عليهالسلام
فقال : رب صلى على محمد وآل محمد ، كما اجتبيتهم وأخلصتهم
إخلاصا ، فأوحى عزوجل ليهنئك كرامتي وفضلي عليك ، فإني صائر
بسلالة محمد ومن اصطفيت معه منهم إلى قناة صلبك
، ومخرجهم منك ، ثم من بكرك
إسماعيل عليهالسلام
، فأبشر يا ابراهيم فإني واصل صلواتك بصلواتهم ، ومتبع ذلك
بركاتي وترحمي عليك وعليهم ، وجاعل حناني وحجتي إلى الامد المعدود
واليوم الموعود الذي أرث فيه سمائي وأرضي ، وأبعث
له خلقي بفصل قضائي
و
إفاضة رحمتي وعدلي.
قال : فلما سمع أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله ما أفضى إليه القوم
من تلاوة ما تضمنت
الجامعة والصحف الدارسة من نعت رسول الله صلىاللهعليهوآله وصفة أهل بيته
المذكورين
معه بماهم به منه وبما شاهدوا من مكانتهم عنده
ازداد القوم بذلك يقينا وإيمانا ، و
استطيروا له فرحا.
قال : ثم صار القوم إلى ما نزل على موسى
عليهالسلام
فألفوا في السفر الثاني من
التوراة : إني باعث في الاميين من ولد إسماعيل
رسولا أنزل عليه كتابي وأبعثه
بالشريعة القيمة إلى جميع خلقي ، أوتيه حكمتي ،
واؤيده بملائكتي
وجنودي
تكون ذريته من ابنة له مباركة باركتها ، ثم من
شبلين لها كإسماعيل وإسحاق
أصلين لشعبين عظيمين اكثرهم جدا جدا ، يكون منهم اثنا عشر
قيما ، أكمل
بمحمد صلىاللهعليهوآله
وبما أرسله به من بلاغ وحكمة ديني وأختم به أنبيائي ورسلي ، فعلى
محمد وأمته تقوم الساعة.
فقال حارثة : الآن اسفر الصبح لذي عينين
، ووضح الحق لمن رضي به دينا
فهل في أنفسكما من مرض تستشفيان به؟ فلم يرجعا
إليه قولا.
____________________
فقال أبوحارثة : اعتبروا الامارة
الخاتمة من قول سيدكم المسيح عليهالسلام
، فصار القوم
إلى الكتب والاناجيل التي جاء بها عيسى صلى الله عليه فألفوا في المفتاح
الرابع من الوحي إلى المسيح عليهالسلام : يا عيسى يا بن
الطاهر البتول
اسمع قولي ، وجد
في أمري ، إني خلقتك من غير فحل ، وجعلنك آية
للعالمين ، فإياي فاعبد ، و
علي فتوكل ، وخذ الكتاب بقوة ثم فسره لاهل
سوريا ، وأخبرهم أني أنا الله
لا إله إلا أنا الحي القيوم ، الذي لا أحول ولا
أزول ، فآمنوا بي وبرسولي النبي
الامي الذي يكون في آخر الزمان نبي الرحمة ، والملحمة
الاول والآخر ، قال
: أول النبين خلقا ، وأخرهم مبعثا ، ذلك العاقب الحاشر ، فبشر به بني اسرائيل
قال عيسى عليهالسلام
: يا مالك الدهور ، وعلام الغيوب ، من هذا العبد الصالح الذي قد
أحبه قلبي ولم تره عيني؟ قال : ذاك خالصتي
ورسولي المجاهد بيده في سبيلي
يوافق
قوله فعله ، وسريرته علانيته ، أنزل عليه توراة
حديثة أفتح بها أعينا
عميا ، وآذانا صما ، وقلوبا غلفا ، فيهاينا بيع
العلم ، وفهم الحكمة وربيع القلوب
وطوباه وطوبى أمته ، قال : ر ب ما اسمه وعلامته؟
وما أكل أمته؟ ـ يقول : ملك
أمته
ـ وهل له من بقية؟ يعني ذرية ، قال : سأنبئك بما سألت ، اسمه أحمد
منتخب
من ذرية إبراهيم ، ومصطفى من سلالة إسماعيل ، ذوالوجه الاقمر ، و
الجبين الازهر ، راكب الجمل ، تنام عيناه
ولاينام قلبه يبعثه الله في أمة أمية ما بقي
الليل والنهار ، مولده في بلد أبيه إسماعيل
يعني مكة ، كثير الازواج ، قليل الاولاد
نسله من مباركة صديقة يكون له منها ابنة لها
فرخان سيدان يستشهدان ، أجعل
نسل أحمد منهما ، فطو باهما ولمن أحبهما وشهد
أيامهما فنصر هما ، قال عيسى عليهالسلام
: إلهي وما طوبى؟ قال : شجرة في الجنة ساقها وأغصانها من ذهب ، ورقها حلل ، وحملها
____________________
كثدي الابكار ، أحلى
من العسل ، وألين من الزبد ، وماؤها من تسنيم ، لو أن
غرابا طار وهو فرخ لادركه الهرم من قبل أن
يقطها ، وليس منزل من منازل أهل
الجنة إلا وظلاله فنن من تلك الشجرة.
قال : فلما أتى القوم على دراسة ما أوحى
الله عزوجل إلى المسيح عليهالسلام
من
نعت محمد رسول الله صلىاللهعليهوآله وصفته وملك أمته
وذكر ذريته وأهل أمسك الرجلان
مخصومين ، وانقطع التحاور بينهم في ذلك ، قال :
فلما فلج
حارثة على السيد والعاقب بالجامعة وما تبينوه
في الصحف القديمة ولم يتم لهما ما قد روا
من تحريفها ، ولم يمكنهما أن يلبسا على الناس
في تأويلهما
أمسكا عن المنارعة
من هذا الوجه ، وعلما أنهما قد أخطئا سيبل
الصواب بذلك
فصارا إلى بيتعهم
آسفين لينظرا ويرتئيا وفزع إليهما نصارى نجران فسألوهما عن
رأيهما وما
يعملان في دينهما ، فقالا ما معناه : تمسكوا
بدينكم حتى يكشف
دين محمد ، و
سنسير إلى بني قريش إلى يثرب ، وننظر ما جاء به
وإلى ما يدعو إليه. قال فلما
تجهز السيد والعاقب للمسير إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله بالمدينة انتدب
معهما أربعة عشر
راكبا من نصارى نجران هم من أكابرهم فضلا وعلما
في أنفسهم وسبعون رجلا
من أشراف بني الحارث بن كعب وسادتهم ، قال : وكان
قيس بن الحصين ذوالغصة
ويزيد بن عبد المدان ببلاد حضر موت فقدما نجران
على تفيئة
مسير قومهم
فشخصا معهم ، فاعترز القوم في ظهور مطاياهم ، وجنبوا خيلهم ، وأقبلوا لوجوههم
حتى وردوا المدينة.
____________________
قال : ولما استراث رسول الله صلىاللهعليهوآله خبر أصحابه أنفذ
إليهم خالد بن الوليد
في خيل سرحها معه لمشارفة أمرهم فألفوهم وهم
عامدون إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله.
قال : ولما دنوامن المدينة أحب السيد والعاقب
أن يباهيا المسلمين وأهل
المدينة بأصحابهما ، وبمن حف من بني الحارث معهما ، فاعترضاهم فقالا
: لو كففتم صدور ركابكم ومسستم الارض فألقيثم عنكم تفثكم وثياب سفركم وشننتم
عليكم من باقي مياهكم كان ذلك أمثل ، فانحدر
القوم عن الركاب فأماطوا من شعثهم
وألقوا عنهم ثياب بذلتهم ، ولبسوا ثياب صونهم
من الاتحميات
والحرير
والبحر ، وذروالمسك في لمعهم ومفارقهم ، ثم
ركبوا الخيل واعترضوا بالرماح
على مناسج خيلهم ، وأقبلوا يسيرون رزدقا واحدا ،
وكانوا من أجمل العرب صورا ، وأنمهم أجساما وخلقا ، فلما تشوفهم الناس أقبلوا نحوهم فقالوا : ما رأينا وفدا
أجمل من هؤلاء ، فأقبل القوم حتى دخلوا على
رسول الله صلىاللهعليهوآله
في مسجده ، وحانت
صلاتهم فقاموا يصلون إلى المشرق ، فأراد الناس
أن ينهوهم عن ذلك فكفهم رسول
الله صلىاللهعليهوآله
، ثم أمهلهم وأملهوه ثلاثا فلم يدعهم ولم يسألوه لينظروا إلى هديه ويعتبروا
ما يشاهدون منه مما يجدون من صفته ، فلما كان بعد ثالثه دعاهم صلىاللهعليهوآله
إلى
الاسلام ، فقالوا : يا أبا القاسم ما أخبرتنا
كتب الله عزوجل بشئ من صفة النبي
المبعوث من بعد الروح عيسى عليهالسلام إلا وقد تعرفناه
فيك إلا خلة هي أعظم الخلال
آية ومنزلة ، وأجلاها أمارة ودلالة ، قال : وما
هي؟ قالوا : إنا نجد في الانجيل
من صفة النبي الغابر من بعد المسيح أنه يصدق به
ويؤمن به ، وأنت تسبه وتكذب
به ، وتزعم أنه عبد ، قال : فلم تكن خصومتهم
ولا منازعتهم للنبي صلىاللهعليهوآله
إلا في
عيسى عليهالسلام
فقال النبي صلىاللهعليهوآله
: لا بل أصدقه وأصدق به وأؤمن به ، وأشهد أنه
____________________
النبي المرسل من ربه
عزوجل ، وأقول : إنه عبد لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا
ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ، قالوا : وهل
تستطيع العبيد أن تفعل
ما كان يفعل؟
وهل جاءت الانبياء بما جاء به من القدرة
القاهرة؟ ألم يكن يحيي الموتى ، ويبرئ
الاكمه والابرص ، وينبئهم بما يكنون في صدورهم ،
وما يدخرون في بيوتهم؟
فهل يستطيع هذا إلا الله عزوجل ، أو ابن الله؟
وقالوا في الغلو فيه وأكثروا
تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، فقال صلىاللهعليهوآله : قد كان عيسى أخي
كما قلتم يحيي
الموتى ، ويبرئ الاكمه والابرص ، ويخبر قومه
بما في نفوسهم وبما يدخرون
في بيوتهم ، وكل ذلك بإذن الله عزوجل ، وهو لله
عزوجل عبد ، وذلك عليه
غير عار ، وهو منه غير مستنكف ، فقد كان لحما
ودما وشعرا وعظما وعصبا وأمشاجا
يأكل الطعام ويظمأ وينصب والله بأربه ، وربه الاحد الحق الذي ليس
كمثله
شئ ، وليس له ند ، قالوا : فأرنا مثله جاء من غير فحل ولا أب ، قال : هذا
آدم عليهالسلام
أعجب منه خلقا « ، جاء من غير أب ولا أم ، وليس شئ من الخلق بأهون
على الله عزوجل في قدرته من شئ ولا أصعب ، إنما
أمره إذا أراد شيئا أن يقول له : كن ، فيكون ، وتلا عليهم : « إن مثل عيسى عندالله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال
له كن فيكون
» قالا : فما نزداد منك في أمر صاحبنا إلا تباينا ، وهذا الامر
الذي لا نقره لك ، فهلم فلنلا عنك أينا أولى
بالحق فنجعل لعنة الله على الكاذبين
فإنها مثلة وآية معجلة ، فأنزل الله عزوجل آية
المباهلة على رسول الله صلىاللهعليهوآله
: « فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم
فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناؤكم ونساءنا
ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة
الله على الكاذبين
» فتلا عليهم
رسول الله صلىاللهعليهوآله
ما نزل عليه في ذلك من القرآن فقال : إن الله قد أمرني أن أصير
____________________
إلى ملتمسكم ، وأمرني
بمباهلتكم إن أقمتم وأصررتم على قولكم ، قالا : وذلك
آية ما بيننا وبينك ، إذا كان غدا باهلناك ، ثم
قاما وأصحابهما من النصارى معهما
فلما أبعدا وقد كانوا نزلوا بالحرة أقبل بعضهم على بعض فقالوا : قد
جاءكم
هذا بالفصل من أمره وأمركم ، فانظروا أو لا بمن
يباهلكم ، أبكافة أتباعه أم بأهل
الكتابة
من أصحابه ، أو بذوي التخشع والتمسكن
والصفوة دينا وهم القليل
منهم عددا ، فإن جاءكم بالكثرة وذوي الشدة منهم
فإنما جاءكم مباهيا كما يصنع
الملوك ، فالفلج إذا لكم دونه ، وإن أتاكم بنفر
قليل ذوي تخشع فهؤلاء سجية
الانبياء وصفوتهم وموضع بهلتهم فإياكم والاقدام
إذا على مباهلتهم ، فهذه لكم
أمارة ، وانظروا حينئذ ما تصنعون بينكم وبينه ، فقد أعذر من أنذر ، فأمر
صلىاللهعليهوآله
بشجرتين فقصدتا وكسح ما بينهما ، وأمهل حتى إذا كان من الغد أمر بكساء
أسود رقيق فنشر على الشجرتين ، فلما أبصر السيد
والعاقب ذلك خرجا بولديهما
صبغة المحسن وعبدالمنعم وسارة ومريم ، وخرج
معهما نصارى نجران ، وركب
فرسان بني الحارث بن كعب في أحسن هيئة ، وأقبل
الناس من أهل المدينة من
المهاجرين والانصار وغيرهم من الناس في قبائلهم
وشعارهم من رآياتهم وألويتهم
وأحسن شارتهم وهيئتهم لينظروا ما يكون من الامر ، ولبث
رسول الله صلىاللهعليهوآله
في
حجرته حتى متع النهار ، ثم خرج آخذا بيد علي ، والحسن
والحسين أمامه
وفاطمة عليهمالسلام
من خلفهم ، فأقبل بهم حتى أتى الشجرتين فوقف بينهما من تحت
الكساء على مثل الهيئة التي خرج بها من حجرته ،
فأرسل إليهما يدعوهما إلى
ما دعواه إليه من المباهلة ، فأقبلا إليه فقالا
: بمن تباهلنا يا أبا القاسم؟ قال : بخير
أهل الارض وأكرمهم على الله عزوجل ، بهؤلاء ، وأشار
لهما إلى علي وفاطمة
والحسن والحسين صلوات الله عليهم ، قالا : فما
نراك جئت لمباهلتنا بالكبر ولا من
____________________
الكثر ولا أهل
الشارة ممن نرى ممن آمن بك واتبعك ، وما نرى هيهنا معك إلا
هذا الشاب والمرأة والصبيين ، أفبهؤلاء تباهلنا؟
قال : نعم أولم أخبركم بذلك
آنفا؟ نعم ، بهؤلاء أمرت والذي بعثني بالحق أن
أباهلكم ، فاصفارت حينئذ
ألوانهما وكرا وعادا إلى أصحابهما وموقفهما ، فلما
رأى أصحابهما ما بهما وما
دخلهما قالوا : ما خطبكما؟ فتماسكا وقالا : ما
كان ثم من خطب
فنخبركم ، و
أقبل عليهم شاب كان من خيارهم قد أوتي فيهم
علما ، فقال : ويحكم لا تفعلوا
اذكروا ما عثرتم عليه في الجامعة من صفته ، فوالله إنكم لتعلمون حق العلم
إنه لصادق
، وإنما عهدكم بإخوانكم حديث ، قد مسخوا قردة وخنازير
فعلموا أنه قد نصح لهم فأمسكوا ، قال : وكان
للمنذر بن علقمة
أخي أسقفهم أبي
حارثة حظ من العلم فيهم يعرفونه له ، وكان
نازحا عن نجران في وقت تنازعهم
فقدم وقد اجتمع القوم على الرحلة إلى رسول الله
صلىاللهعليهوآله
فشخص معهم ، فلما رأى
المنذر انتشار أمر القوم يومئذ وترددهم في
رأيهم أخذ بيد السيد والعاقب وأقبل
على أصحابه فقال : اخلوني وهذين ، فاعتزل بهما
ثم أقبل عليهما فقال : إن الرائد
لا يكذب أهله ، وأنا لكما حق نصيح ، وعليكما جد
شفيق ، فإن
نظرتما
لانفسكما نجيتما ، وإن تركتما ذلك هلكتما وأهلكتما ، قالا
: أنت الناصح
جيبا المأمون عيبا فهات ، قال : أتعلمان أنه ما
باهل قوم نبيا قط إلا كان مهلكهم
كملح البصر؟ وقد علمتما وكل ذي أرب من ورثة
الكتب معكما أن محمدا أبا القاسم
هذا هو الرسول الذي بشرت به الانبياء عليهمالسلام ، وأفصحت بنعته
وأهل بيته الامناه
____________________
وأخرى أنذركما بها
فلا تعشوا عنها ، قالا : وما هي يا أبا المثنى؟ قال : انظرا إلى
النجم قد استطلع على الارض. وإلى خشوع الشجر ، وتساقط
الطير بإزائكما
لوجوهها
، قد نشرت على الارض أجنحتها ، وقاءت
ما في حواصلها ، وما عليها
لله عزوجل من تبعة ، ليس ذلك إلا لما قد أظل من
العذاب ، وانظرا إلى اقشعرار
الجبال
، وإلى الدخان المنتشر
، وقزع السحاب ، هذا ونحن في حمارة
القيظ ، وإبان الهجير ، وانظرا إلى محمد صلىاللهعليهوآله رافعا يده والاربعة
من أهله معه
إنما ينتظر ما تجيبان به ، ثم اعلموا أنه إن نطق فوه بكلمة
من بهلة لم نتدارك
هلاكا ، ولم نرجع إلى أهل ولا مال ، فنظرا
فأبصرا أمرا عظيما فأيقنا أنه الحق
من الله عزوجل فزلزلت أقدامهما ، وكادت أن تطيش
عقولهما ، واستشعرا أن
العذاب واقع بهما ، فلما أبصر المنذر بن علقمة
ما قد لقيا من الخيفة والرهبة قال
لهما : إنكما إن أسلمتماله سلمتما في عاجلة
وآجلة ، وإن
آثرتما دينكما وغضارة
أيكتكما وشححتما بمنزلتكما من الشرف في قومكما فلست أحجر عليكما
الضن
بما نلتما من ذلك ، ولكنكما بدهتما محمدا صلىاللهعليهوآله
يتطلب المباهلة له
وجعلتماها حجازا وآية بينكما وبينه ، وشخصتما
من نجران وذلك من بالكما
فأسرع محمد صلىاللهعليهوآله
إلى ما بغيتما منه ، والانبياء إذا أظهرت
بأمر لم ترجع إلا
بقضائه وفعله ، فإذ نكلتما عن ذلك وأذهلتكما
مخافة ما تريان فالحظ في النكول
____________________
لكما ، فالوحى يا
إخواتي الوحى صالحا محمدا صلىاللهعليهوآله
وارضياه ، ولا ترجئا ذلك
فإنكما وأنا معكما بمنزلة قوم يونس ، لما غشيهم
العذاب ، قالا : فكن
يا أبا
المثنى أنت الذي تلقى محمدا صلىاللهعليهوآله بكفالة ما يبتغيه
لدينا ، والتمس لنا إليه ابن عمه
هذا ليكون هو الذي يبرم الامر بيننا وبينه فإنه
ذوالوجه والزعيم عنده ، ولا تبطئن
لنطمأن بما ترجع إلينا به ، وانطلق المنذر إلى
رسول الله صلىاللهعليهوآله
فقال : السلام عليك
يا رسول الله ، أشهد أن لا إله إلا الله الذي
ابتعثك ، وأنك وعيسى عبدان لله عز
وجل مرسلان ، فأسلم وبلغه ما جاء له ، فأرسل
رسول الله صلىاللهعليهوآله
عليا لمصالحة القوم
فقال علي عليهالسلام
: بأبي أنت على ما أصالحهم؟ فقال له : رأيك يا أبا الحسن فيما تبرم
معهم رأيي ، فصار إليهم فصالحاه على ألف حلة ، وألف
دينار ، خرجا في كل عام
يؤديان شطر ذلك في المحرم ، وشطرا في رجب ، فصار
علي عليهالسلام
بهما إلى رسول
الله صلىاللهعليهوآله
ذليلين صاغرين ، وأخبره بما صالحهما عليه ، وأقرا له بالخرج والصغار
فقال لهما رسول الله صلىاللهعليهوآله قد قبلت ذلك منكم ،
أما إنكم لو با هلتموني بمن تحت
الكساء لاضرم الله عليكم الوادي نارا تأجج ، ثم
لساقها الله عزوجل
في أسرع
من طرف العين إلى من ورائكم فحرقهم تأججا ، فلما
رجع النبي صلىاللهعليهوآله
بأهل بيته
وصار إلى مسجده هبط عليه جبرئيل فقال : يا محمد
إن الله عزوجل يقرئك السلام
ويقول لك : إن عبدي موسى عليهالسلام باهل عدوه قارون
بأخيه هارون وبنيه ، فخسفت
بقارون وأهله وماله ، وبمن آزره من قومه ، وبعزتي
أقسم وبجلالي يا أحمد لو
باهلت بك وبمن تحت الكساء من أهلك أهل الارض والخلائق
جميعا لتقطعت
السماء كسفا ، والجبال زبرا ، ولساخت الارض فلم
تستقر أبدا إلا أن أشاء ذلك
فسجد النبي صلىاللهعليهوآله
ووضع على الارض وجهه ، ثم رفع يديه حتى تبين للناس
عفرة إبطيه ، فقال : شكرا للمنعم ، شكرا للمنعم
، قالها ثلاثا ، فسئل نبي الله صلىاللهعليهوآله
____________________
عن سجدته وعما رأى
من تباشير السرور في وجهه ، فقال : شكرالله
عزوجل
لما أبلاني من الكرامة في أهل بيتي ، ثم حدثهم
بما جاء به جبرئيل عليهالسلام.
بيان
: وإلا أذنا بمعناه ، قال تعالى : « فأذنوا بحرب من الله ورسوله » ويقال : ضويت إليه أضوى ضويا : إذا آويت إليه ،
وانضممت ، ذكره الجوهري
وقال : دهماء الناس : جماعتهم. وقال : الخطة : بالضم
: الامر والقصة. وقال : حفزه يحفزه : دفعه من خلفه ، وبالرمح طعنه ، وعن الامر : أعجله وأزعجه.
وقال : يقال : أزمعت على أمر : إذا ثبت عزمه.
وكانت فيه بقية ، أي من القوة أو شفقة وإبقاء
على قومه ، في القاموس : أبقيت ما بيننا : لم أبالغ في إفساده ، و
الاسم : البقية. « وأولوا بقية ينهون » أي إبقاء ، أوفهم. والهوادة : الصلح.
قوله : دبوا إلى قوم ، لعله بتشديد
الباء ورفع « قوم » من قبيل أكلوني البراغيث
أو بالتخفيف وجر « قوم » أي دب قوم إلى قوم في
هذا الامر كدبيب النمل من غير
روية وتأمل ، وفي بعض النسخ القديمة « أي قوم »
حرف نداء « فدبوا » أمر ، والمراد
به التأني والتثبت وترك الاستعجال وهو أظهر.
والسورة : الشدة. والحدة
والسطوة. والاعتداء. قوله : فإن البديهة بها ، أي
المفاجات بالسورة من غير
تأمل لا ينجب ولا يحسن. والاناه : كقناه : الترفق
والحلم. والاحجام : الكف.
والصول : الاستطالة والحملة. والمعصب كمحدث : السيد
المطاع ، لانه يعصب
بالتاج ، أو تعصب به أمور الناس ، أي تردد إليه. والسحر بالفتح والضم و
التحريك : الرية ، ويقال للجبان : اتنفخ سحره.
وفي القاموس ، استطار الفجر : انتشر ، والحائط : انصدع واستطير طير وفلان : ذعر. والمسبوع : الذي افترسه السبع
أو افترس ولده واليراعة : الاحمق ، والجبان ، والنعامة.
والهلع : أفحش
الجزع. قوله بالنوء بالعبء أي حمل الاثقال
العظيمة ، يقال : ناء بالحمل : إذا نهض
____________________
به مثقلا ، والعبء
بالكسر : الحمل. قوله : وتلقيح الحرب ، أي جعل الحرب
ذات حمل أي فايدة ، وهو عقيم أي معطلة غير
قائمة وغير مفيدة ، وفي بعض النسخ
« نلقح
» بصيغة المتكلم. وتثقيف الرماح : تسويتها. والاود بالتحريك : الاعوجاج.
وقوله : ويك بمعنى ويلك. واللمز : العيب.
والربع بالفتح : الدار ، والمحلة والمنزل. والذمار بالكسر : ما يلزمك حفظه وحمايته. وفي القاموس : العيص بالكسر : الشجر الكثير الملتف ، والاصل ،
وما اجتمع وتدانى من العضاة
وفي بعض النسخ « عصبا » وهو بالتحريك : خيار
القوم.
قوله : المرء بيومه : أي ينبغي للانسان
أن ينظر إلى أحوال زمانه فيعمل
ما يناسبه ، ولا يقيس على الازمنة السالفة.
والجيل بالكسر : الصنف من الناس.
والجلباب : الملحفة.
قوله : من الرأي الربيق ، أي الرأي الذي
عزم عليه كأنه مشدود في ربقة
أو يلزم العمل به كأنه يجعل عنق الانسان في
ربقة ، وهى العروة التي يشدبها البهيمة يقال : ربقه يربقه بالضم والكسر : إذا جعل
رأسه في الربقة ، والربيقة كسفينة : البهمية المربوقة ، وفي بعض النسخ القديمة بالتاء من الرتق : ضد الفتق ، وهو أصوب.
وقال الفيروز آبادي : النجد : الغلبة ، وأنجد : ارتفع ، والدعوة : أجابها
والنجدة : القتال ، والشجاعة ، والشدة ، والهول
، ونجد الامر : وضح واستبان
والتنجيد العدو والتزيين ، واستنجد : استعان
وقوي بعد ضعف ، وفي بعض النسخ
بالذال المعجمة يقال : نجذه ، أي ألح عليه.
ونجز كفرح ونصر : انقضى وفني
والوعد : حضر ، والكلام : انقطع ، وأنجز حاجته :
قضاها ، والوعد : وفي به
وبخع بالحق بخوعا : أقربه وخضع له. ونزع عن
الامر : انتهى عنه. والكمي : الشجاع.
قوله : أنتهالك ، أي نسرع إلى هذا الدين
فندخل فيه من غير روية ، من
قولهم : تهالك الفراش : إذا تساقط. والبواتر : السيوف
القاطعة.
قوله : أو نشرق ، على المجرد ، أي نظهر ، أو على التفعيل من قولهم : شرق :
إذا أخذ في ناحية
المشرق ، ولعله تصحيف.
وقولهم : اربع على نفسك ، بفتح الباء ، أي
ارفق بنفسك وكف ، ورمقته
أرمقه : نظرت إليه. قوله : والروح : أقسم بروح
القدس. ونهد إلى العدو كمنع
أي نهض. والجفاء بالضم : ما قذفه السيل. والوضم بالتحريك : كل شئ
يجعل عليه اللحم من خشب أو بارية يوقي به من
الارض. والخرق : قطع المفاوز
والاغذاذ : الاسراع في السير. وأعنق : أسرع في
السير ، وفي نسخة قديمة بالتاء
المثناة الفوقانية ، من عتق الفرس كضرب ، أي
سبق فنجا. ونعق الراعي بغنمه
ينعق بالكسر ، أي صاح بها وزجرها. والمدرة.
والمكثور : المغلوب بالكثرة
والحوزة : الناحية. وانتهزه : اغتنمه.
وقال الجوهري : عشوت إلى النار أعشو
إليها عشوا إذا استدللت عليها
ببصر ضعيف ، وإذا صدرت عنه إلى غيره قلت : عشوت
عنه ، ومنه قوله تعالى : « ومن يعش عن ذكر الرحمن » والخلق بالتحريك : البالي ، وهنا
كناية عن فساد
الزمان وامتداد الفترة ، وفي القديمة « في خلو
» بالواو المشددة ، أي عند خلو
الزمان من الحجج وآثار الهداية. وفاران : اسم
جبل بمكة كما مر. والسوقة : خلاف
الملك. والصدع : الشق : وصدع بالامر : تكلم به
جهارا. والدرك بالتحريك : اللحاق والوصول إلى الشئ. وأرم القوم ، أي
سكتوا. والقعدة بالضم من
الابل : الذي يركبه الراعي في كل وجه ، واقتعده
: اتخذه قعدة. والآل : الذي
تراه أول النهار وآخره كأنه يرفع الشخوص وليس
بالسراب. وأغفلت الشئ : إذا تركته على ذكر منك ، وأغفله ، وأي غفل عنه.
عتابا تميز عن نسبة أغفل أو حضر
والحاصل حضرنا وعاتبنا. فأو له إعتابا ، أي
أعطه ما يصير سببا لرضاه ، يقال : أعتبه
أي أعطاه العتبى وهو الرضا. ونجم الشئ : ظهر
وطلع.
____________________
قوله : يكون زره قليلا ، في بعض النسخ
بتقديم المهملة وهو بالكسر : الصوت
وفي بعضها بتأخيرها وهو بالفتح : العض ، وفي
النسخة القديمة بتقديم المهملة وضمها
مهموزا بعمنى المصيبة وهو أصوب. وإيه بكسر
المهزة والهاء منونا وغير منون : استزاده في الكلام ، فإذا أسكته وكففته قلت : إيها
عنا ، وإذا أردت التبعيد قلت : أيهابفتح الهمزة بمعنى هيهات ذكره الجوهري.
وقال : برز الرجل : فاق على أصحابه ، والحاصل
أنه لو كان تفوق رجل
وفضله مانعا من التذكير لكنتما مصداق لكن ليس
كذلك. قوله : أصغى بها
أي إليها ، وفي القديمة بالفاء من قولهم : أصفى
فلانا بكذا ، أي آثره. ويقال : رمقه أي لحظه لحظا خفيفا. وبدهه أمر : فجأه. والنواحي : الجوانب ، وفي
بعض النسخ بواجبه ، أي بما يجب ويلزم من الرمق.
سنة التسويف أي الغفلة
الداعية إلى تأخير النظر ، أو هو بالضم
والتشديد ، وأخلدت إلى فلان
أي ركنت إليه. ويقال : ونيت في الامرونية ، أي
ضعفت. قوله : أن لا يؤثر ، أي
يروى ويذكر عنك. والفهة بالفتح وتشديد الهاء : السقطة
والجهلة. والرحض
بالحاء المهملة والضاد المعجمة : غسل الثوب
والجسد. ويقال : نبا السيف : إذا لم
يعمل في الضريبة. والهفوة : الزلة ويقال : وهل
كفرح : ضعف وفزع ، وعنه
غلط فيه ونسيه ، وتوهله : عرضه لان يغلط. وخلد
خلودا. دام ، وبالمكان أقام.
والملحمة القتال. والنبز بالفتح مصدر نبزه
ينبره ، أي لقبه ، وبالتحريك : القلب. والفواق بالضم والفتح : ما بين الحلبتين من الوقت ، وهو كناية عن قلة
زمان ملكه.
قوله : وأضربوا في الفتنه لعله من قولهم
: أضرب الرجل الفحل النافة فضربها
وفيه استعارة بليغة. وقطن بالمكان : أقام به.
والنجعة : طلب الكلاء في موضعه
تقول : منه انتجعت ، وانتجعت فلانا : إذا أتيته
تطلب معروفه. والرواد جمع
الرائد ، وهو الذي يبعث لاستعلام الامر ، وفي
الاصل هو الذي يتقدم القوم يبصر
لهم الكلاء ومساقط الغيث ومنه قولهم : الرائد
لا يكذب أهله. ووفد فلان على
الامير : ورد رسولا ،
وأوفدته : أرسلته ، والمراد بصاحبهم مسيلمة. وبنو قيلة : الانصار. والثمد بالفتح وو التحريك وككتاب : الماء القليل الذي لا مادة له. وماء
ملح بالكسر ، أي ليس بعذب. واسعذب القوم ماءهم :
إذا استقوه عذبا. ومج
الماء من فيه رمى به. واحلولي ، أي صار حلوا.
وجاش الوادي ، كثر ماؤه وزخر
وامتد. وحار أي رجع ، وتحير الماء : اجتمع
ودار. والجراح جمع الجراحة
بكسرهما. والكلم الجراحة وقال الجوهري وقال
الجوهري : الالم : الوجع وقد ألم
يألم ألما ، وقولهم : ألمت بطنك كقولهم : رشدت
أمرك ، أي ألم بطنك وأنعم له أي
قال له : نعم. والركي جمع الركية وهي البئر.
والوشل بالتحريك : والماء
القليل. وبض الماء يبض بالكسر أي سال قليلا
قليلا. وتحيفته تنقصته ، من
حيفه ، أي من نواحيه. قوله : وأبيك ، الواو
للقسم. والتذمم : الاكستنكاف. و
فرط إليه مني قول : أي سبق. والتقريظ : المدح
بباطل أوحق. والتأثيل : التأصيل.
قوله : دحاها أي الارض. والقمران : الشمس والقمر. والكوكب الداري : الثاقب المضئ.
وقال الفيروز آبادي : غمصه كضرب وسمع
وفرح : احتقره كاغتمصه ، وعابه
وتهاون بحقه ، والنعمة لم يشكرها. والتقمص : لبس
القميص ، أي ادعى
سلطان الله وخلافته. متبرأ من صاحبه أو من
شرائطه ، أو بغير همز من قولهم : بتريت له ، أي تعرضت لمعروفه ، والاظهر أنه كان
« مبتزا » بالزاء ، أي غاصبا
من قولهم : ابتز الشئ أي سلبه. والكمه : العمى.
قوله : رويدك أي أمهل. و
المقنع بالفتح : ما يقنع به. والمحال ككتاب : الكيد
والمكر ، والقدرة ، والجدال
والمعاداة. قوله : الدراسة ، أي القديمة ، من
درست الآثار ، عفت ، ودرس الثوب
خلق. والخالية : الماضية. والنكت : أن تضرب في
الارض بقضيب فيؤثر فيها.
قوله : أثره من علم بالتحريك أي بقية ، والخراص
، الكذاب. والمحجوج ، المغلوب بالحجة. ويقال : جنب ، أي نزل غريبا.
قوله : ما لم تزل تستخم ، في بعض النسخ
بالخاء المعجمة من قولهم : خم
البئر والبيت ، أي
كنسها ، والناقة : حلبها ، وفي بعض بالمهملة يقال : استحم
أي اغتسل أو عرق ، وحم حمه : قصدة ، والتنور : سجره
، والماء : سخنه ، وفي
بعضها بالجيم ولعله من قولهم : استجم الفرس : إذا
استراح ، وقال الجوهري : يقال : إني لاستجم قلبي بشئ من اللهو لاقوى به
على الحق ، أي لم تزل تستريح
وتتقوى لنا في بيتك وتهيئ لنا الحشو من الكلام
لتجادنا به. والمثابة : المرجع
والمنزل ، وموضع حبالة الصائد. ويقال : لامت
بين القوم ، أي أصلحت وجمعت.
ورأبت الاناء : شعبته وأصلحته ، ومنه قولهم : اللهم
ارأب بينهم ، أي أصلح.
نغل قلبه علي ، أي ضغن ، ويقال : نغلت نياتهم ، أي فسدت. ما يتسان بتشديد
النون من السنن وهو الطريقة ، أي لم يتطرق
ويقال : من حشوة بني فلان
بالكسر ، أي من رذالهم. والاطراف جمع طرف
بالكسر وهو الكريم الطرفين.
وخلاك ذم أي أعذرت وسقط عنك الذم. ويقال
: استشفه ، أي نظر ماوراء. وقد
أثلجك. كذا في النسخ القديمة ، من قولهم : ثلجت
نفسي ، واي اطمأنت ، والاثلاج : الافلاج والمجاوبة : المحاورة وتجلية الشئ : كشفه
وإيضاحه. قوله : يستأثر مقتبلهم
الاستيثار ، الاستبداد ، واقتبل أمره : استأنفه
، واقتبل الخطبة : ارتجلها ، أو المراد
بالمقتبل من يقبل الدين بكراهة اضطرارا. والاحم
الاقرب. وتباعة وبيتا
تميزان ، أي على من كان أقرب منهم من جهة
المتابعة والبيت ، أي النسب ، وهذا
إشارة إلى غصب الخلافة ، أي يستبد بأمر الخلافة
من لم يسبق له نص ولا فضيلة
على من هو أقرب من ذلك النبي نسبا وفضلا من كل
أحد. والسبت : الدهر
والنغف بالتحريك : الدود الذي يكون في أنوف
الابل والغنم وفي حديث يأجوج
ومأجوج : « فيرسل عليهم النغف » والعبداء
بالقصر والمد جمع العبد ، كالعبدان
والعبدان بالضم والكسر. والقن بالكسر : عبد ملك
هو وأبواه ، للواحد
والجمع. والقعسرة : الصلابة والشدة.
قوله : خيطا بالياء المثناة وهو السلك
والجماعة من النعام والجراد ، أو
بالموحدة من قولهم : خبط خبط عشواء ، ويقال : أتوا
خبطة ، أي جماعة جماعة.
وقال الجزري ، فيه ثم يكون ملك عضوض ، أي
يصيب الرعية فيه عسف
وظلم : كأنهم يعضون فيه عضا.
وقال الفيروز آبادي : الضرس كالضرب : العض
الشديد بالاضراس ، واشتداد
الزمان. وقال : الجمر من حر الغيظ : أشده ، ومن
الرجل : شره. وقوله : إلى المعافا كأنه بدل من قوله : إلى أحدهم.
قوله : لما يدهون ، على بناء المجهول
أي يصابون بالدواهي والامور العظيمة. والعشواء :
الناقة التي لا تبصر أمامها ، فهي
تخبط بيديها كل شئ ، وركب فلان العشواء : إذا
خبط أمره على غير بصيرة.
والشصائب : الشدائد. ويقال : أخذت بكظمه ، بالتحريك ، أي بمخرج نفسه
ورشت فلانا : أصلحت حاله.
وقال الجزري : في أشراط الساعة وتقئ
الارض أفلاذ كبدها ، أي تخرج
كنوزها المدفون فيها ، وهو استعارة ، والافلاذ
جمع فلذة. وهي
القطعة المقطوعة طولا.
والحمة بضم الحاء وتخفيف الميم وقد يشدد
دالسم. ورجل لكع ، أي لئيم
ويقال : هو ذليل النفس ، وامرأة لكاع مثال
قطام. والافعوان بضم الهمزة والعين : ذكر الافاعي. والباقر : جماعة البقر مع رعاتها.
والبهم بالفتح جمع بهمة وهي
أولاد الضأن ، وبالضم جمع البهميمة. والبيضاء :
كورة بالمغرب. ويقال : فلان
أثيري ، أي من خلصائي. والجناب : الفناء ، والرحل
، والناحية. والطرس
بالكسر : الصحيفة.
قوله : فمما بعد هذا؟ أي فمن أي شئ ولاي
سبب تتأمل في الايمان بعد
هذا البيان؟.
والبذاذة : هيئة أهل الفقر. والامثل : الافضل.
والرجرجة : الاضطراب
والجماعة الكثيرة في الحرب ، ومن لا عقل له.
والطغام كسحاب رذال الناس. وبوح
بالباء الموحدة المضمومة ، ويوح بالياء المثناة
التحتانية المضمومة كلاهما اسم للشمس
والزعيم : سيد القوم وريئسهم والمتكلم عنهم.
وقذعه كمنعه وأقذعه : رماء
بالفحش وسوء القول.
وطفق في الفعل : شرع ، وطفق الموضع : لزمه والدهارس
جمع الدهرس كجعفر وهو الداهية والخفة والنشاط.
قوله : حتى يعيش بظنه لعل المعنى أن الذين
يعيشون بعقولهم ويستبدون
بها يتبعون الظنون الفاسدة ، أو المعنى أن
العاقل لا يكون عاقلا إلا أن يجد أشياء
بظنه وفهمه ولا يتوقف فهمه على الرواية والاثر
ولعله كان في الموضعين « يغتر » من الاغترار. قوله : إلا ما رويت لعله على
الخطاب ، أي إن كنت لا أعلم إلا روايتك
التي رويت فلست من أهل العلم. قوله : إذا كان
هذا فنعم ، أي إذا كانت تلك
الرواية مروية فضحكك حسن ، أو إذا كان ضحك على
هذا الوجه فله وجه. قوله : فما هنا ، أي فما قلت في هذا المقام من الظنون التي رجمت بها عباد ربك ، وفي بعض
النسخ : « فكف مراجم » وهو أظهر ، فقوله : فما
هنا ، أي أي شئ كان هيهنا غير
هذا الوجه على الوجه الثاني ، وعلى الوجه الاول
لما كان كلامه مشعرا بعدم صحة الخبر
قال : فما هنا ، أي انتسب إلى الكذب ، وفي
النسخة القديمة : « فههنا فلتكن » وكأنه أصوب. والفصم : الكسر. وخبت النار : سكنت
وطفئت. وأفل كضرب
ونصر وعلم : غاب. والامم بالتحريك : القرب ، واليسير
، والبين من الامر.
ولده : خصمه ، والالد : الخصم الذي لا يزيع إلى الحق ، ولددت لدا : صرت ألد.
والمغادرة : الترك. والاعضب : والمسكور القرن. والاعضب من الرجال : من
لا ناصر له. قوله : موف على ضريحة ، أي مشرف
على الموت ، من أوفى على الشئ
أشرف عليه ، فلا يترقب له بعد ذلك ولد. وذدت
الابل : سقتها وطردتها ، ورجل
ذائد وذواد : أي حامي الحقيقة دفاع.
قوله : أو موطأ الاكناف الاكناف : الجوانب
، وهو إما كناية عن حسن
الخلق من قولهم : فراش وطيئ ، أي لا يؤذي جنب
النائم ، أو عن الكرم والغز
وكثرة ورود الاضياف وغيرهم عليهم.
____________________
وقال الجوهري : البلوج : الاشراف ، وبلج
الحق : إذا تضح ، يقال : الحق أبلج ، والباطل لجلج. وقال : التلجلج ، التردد
في الكلام ، والباطل
لجلج ، أي يردد من غير أن ينفذ. وقولهم : أولى لك ، تهدد ووعيد. قوله : أغفلناك ، أي
تركناك ، وفي بعض النسخ : « أعقلناك » من أعقله ، أي وجده عاقلا
وفي بعضها : « أعضلناك » يقال : أعضلني فلان ، أي
أعياني أمره ، وعضلت عليه
تعضيلا : إذا ضيقت عليه في أمره وراغ الرجل
والثلعب : مال وحاد عن الشئ
والمراوغة : المصارعة. والجوى : داء الجوف إذا
تطاول. ويقال : ثلجت نفسي
كنصرت : اطمأنت. وتحليق الشمس : ارتفاعها.
ويقال : أرجأت الامر وأرجيته
أي أخرته. وقطع بفلان : إذا عجز عن سفره من
نفقة ذهبت ، أو قامت عليه راحلته
أو أتاه أمر لا يقدر أن يتحرك. قوله : فض
الحديث بالفاء والضاد المعجمة والفض : الكسر ، أو بالقاب والصاد المهملة من قص
الجناح. أو القطع ، أو من القصة
أو بالقاف والضاد المعجمة من قض اللؤلؤة : ثقبها
، والشئ : دقه ، والوتد : قطعه
وجاؤا قصنهم وقضيضهم أي جميعهم.
قوله : فنحبر بالخاء المعجمة ، بمعنى
الاخبار ، أو الاختبار ، أو بالمهلمة من
تحبير الكلام : تحسينه والتباشير : البشرى ، وتباشير
الصبح : أوائله.
قوله : ليس بظهرة دنيه ، أي ليس هذا الرجل من أعوان دينه وأمته ، بل من
ذريته. واللوب بالضم جمع اللوبة واللابة وهي
الحرة. قوله : موطأ أي متهيأ
له. والارب بالكسر : الحاجة. والفارط : المقصر
والمضيع.
قوله : البهلولة ، البهلول باضم : السيد
الجامع لكل خير ، وفي بعض
النسخ « البتولة » وهو أظهر. والآسي كالقاضي : الطبيب.
والخائل : الحافظ
للشئ ، يقال : هو خولي مال ، أي حسن القيام به.
وفي القاموس : حول مجرم كمعظم : تام.
والتأليب : التحريص. والصغو بالفتح
والكسر : الميل ، وتقول : أصغيت
إلى فلان : إذا ملت بسمعك نحوه. وشمس الفرس
شموسا وشماسا : منع ظهره.
قوله : لئلا يفتات ، في القاموس : لا
يفتات عليه : لا يعمل دون أمره.
واستنجدني فأنجدته ، أي استعان في فأعنته.
وقال أبوعبيد : أضج القوم إضجاجا : إذا
جلبوا وصاحوا ، فإذا جزعوا
من شئ وغلبوا قيل : ضجوا.
واستدرك الشئ بالشئ : حاول إدراكه به.
وضاع المسك وتضوع ، أي
تحرك فانتشرت رائحته. وأرج الطيب يأرج أرجا بالتحريك
: فاح وتضوع.
والتكلل : الاحاطة. ونسل كنصر وضرب : أسرع.
والاوب : الناحية. والقاع
المستوى من الارض. والاكم بالتحريك : التلال.
وبهره : غلبه. وناف الشئ
أي طال وارتفع ، وأناف على الشئ ، أي أشرف.
والصفيح : السماء ووجه كل
شئ عريض. والاصر : الذنب والثقل.
وقال الفيروز آبادي : اقشعر جلده : أخذته
قشعريرة ، أي رعدة ، والسنة
أملحت ، وكعلابط : الخشن المس.
وقال : الهياطلة : جنس من الترك والهند
كانت لهم شوكة.
وشارفه وعليه : اطلع من فوقه. والسبر : امتحان
غور الشئ. والصرم
القطع. قوله لحكة الصدور ، أى لخلجان الشبه فيها ، وفي بعض النسخ « لحسكة
الصدور » وهي نبات تعلق ثمرته بالصوف ، والحقد
العداوة قوله : طرا بالضم
أي جميعا. والعصبة : قوم الرجل الذين يتعصبون
له. بماهم به منه : أي الذين
ذكروا بنعت هم متلبسون به من قرابة الرسول
ونسبه. وقناة الظهر : التي تنتظم
الفقار. والبكر بالكسر : أول كل شئ. وأول
ولدالابوين. والانتياش : التناول
والاخراج. والفنن : الغصن. والاسف : أشد الحزن ،
وقد أسف على مافاته : تلهف ، وأسف عليه : غضب. وارتأى : افتعال من الرأي. وندبه الامر ، فانتدب
له أي دعاه فأجابه. وتفيئة الشئ : حينه وإبانه.
ويقال : غرز رجله في الغرز
وهو ركاب من جلد ـ وضعها فيه ، كاغترز ، واغترز
السير : دنا. وراث علي خبرك : أبطأ
والاستراثة : الاستبطاء. والتفث : الشعث
والكثافات. وشن الماء : صبه وفرقه.
وأماط : أبعد. والبذلة بالكسر : مالا
يصان من الثياب. والاتحمية : نوع من البرد.
وذر الملح والطيب : نثره وفرقه ، واللمم كعنب
جمع اللمة بالكسر ، وهي الشعر
يجاوز شحمة الاذن. ومنسج الفرس : أسفل من حاركه. والرزدق : الصف
من الناس. وتشوقت إلى الشئ أي تطلعت. والغابر :
الماضي والباقي.
وكنت الشئ : سترته ، وأكننته في نفسي : أسررته : والامشاج : الاخلاط. قوله : وينصب والله باربه ، أي يتعب بسبب حاجته ، ويمكن
أن يكون كناية عن الذهاب
إلى الخلاء.
فهؤلاء سجية الانبياء أي المباهلة بهم
طريقتهم ، والاظهر « شجنة » بالشين
المعجمة والنون كما في بعض النسخ ، قال في
النهاية : الرحم شجنة من الرحمن
أي قرابة مشتبكة كاشتباك العروق شبهه بذلك
مجازا واتساعا ، وأصل الشجنة
بالكسر والضم : شعبة من غصن من غصون الشجرة
انتهى.
وسيأتي وشيج ، وله أيضا وجه ، وفي نسخة
قديمة « وشجة ».
والشارة : اللباس والهيئة. ومتع النهار
كمنع : ارتفع. والنازح : البعيد
ورجل ناصح الجيب ، أي أمين ، والقزع بالتحريك :
قطع من السحاب رقيقة.
وحمارة القيظ بفتح الحاء والتشديد الراء. شدته.
والهجير والهاجرة : نصف النهار
عند اشتداد الحر. وإبان الشئ بالكسر والتشديد :
وقته. والغضاوة : طيب
العيش. وفي القاموس : الايك : الشجر الكثير ، والواحدة
أيكه. والشح : البخل مع حرص ، تقول شححت بالكسر والفتح. وحجر
عليه : منعه. والضن
بالكسر : البخل. وبدهه بأمر : استقبله به ، وبادهه
: فاجأه.
من بالكما ، في القاموس : البال : الحال
، والخاطر ، والقلب ، وفي بعض
النسخ من تأليكما ، والتألي : التقصير ، والحلف
، وفي الحديث : من يتألى على
الله بكذبه ، أي من حكم عليه وحلف. والوحى : السرعة
، يقال : الوحى الوحى
____________________
البدار البدار.
والكسف بكسر الكاف وفتح السين : القطع ، وكذا الزبر بضم
الزاء وفتح الباء. وساخت قوائمه في الارض : دخلت
وغابت. والعفرة بالضم : البياض ليس بالشديد.
٢ ـ عم
: قدم على رسول الله صلىاللهعليهوآله
وفد نجران فيهم بضعة عشر رجلا من
أشرافهم ، وثلاثة نفر يتولون أمورهم : العاقب
وهو أميرهم وصاحب مشورتهم
الذي لا يصدرون إلا عن رأيه وأمره ، واسمه
عبدالمسيح ، والسيد وهو ثمالهم
وصاحب رحلهم ، واسمه الايهم ، وأبوحارثة بن
علقمة الاسقف ، وهو حبرهم و
إمامهم وصاحب مدارسهم ، وله فيهم شرف ومنزلة ، وكانت
ملوك الروم قد بنوا
له الكنايس ، وبسطوا عليه الكرامات لما يبلغهم
من علمه واجتهاده في دينهم ، فلما
وجهوا إلى رسول الله جلس أبوحارثة على بغله
وإلى جنبه أخ له يقال له : كرز
أو بشر بن علقمة يسايره ، إذا عثرت بغلة أبي حارثة ، فقال
كرز : تعس الابعد
يعني رسول الله صلىاللهعليهوآله
، وقال له أبوحارثة : بل أنت تعست ، قال : له ولم يا أخ؟
فقال : والله إنه للنبي الذي كنا ننتظر فقال كرز : فما يمنعك أن تتبعه؟ فقال :
ما صنع بنا هؤلاء القوم ، شرفونا ومولوناو
أكرمونا وقد أبوا إلا خلافه ، ولوفعلت
نزعوا منا كل ما ترى ، فأضمر عليها منه أخوه
كرز حتى أسلم ، ثم مر يضرب
راحلته ويقول :
إليك تغدو قلقا وضينها
|
|
معترضا في بطنها جنينها
|
مخالفا دين النصارى دينها
فلما قدم على النبي صلىاللهعليهوآله أسلم ، قال : فقدموا
على رسول الله وقت العصر
وفي لباسهم الديباج وثياب الحيرة على هيئة لم يقدم بها أحد من العرب ، فقال
أبوبكر : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، لو لبست
حلتك التي أهداها لك قيصر
____________________
فرأوك فيها ، قال : أتوا
رسول الله (ص) فسلموا عليه فلم يرد عليهمالسلام
ولم يكلمهم
فانطلقوا يبتغون عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف وكانا
معرفة لهم ، فوجدوهما في مجلس من المهاجرين فقالوا : إن نبيكم كتب إلينا بكتاب فأقبلنا
مجيبين له فأتيناه فسلمنا عليه فلم يرد سلامنا ولم يكلمنا ، فما
الرأي؟ فقالا
لعلي بن أبي طالب : ما ترى يا أبا الحسن في
هؤلاء القوم؟ قال : أري أن يضعوا
حللهم هذه وخوانيمهم ثم يعودون إليه ، ففعلوا ذلك فسلموا
فرد سلامهم
ثم قال : والذي بعثني بالحق لقد أتوني المرة
الاولى وإن إبليس لمعهم ، ثم
ساءلوه ودارسوه يومهم ، وقال الاسقف : ما تقول
في السيد المسيح يا محمد؟ قال : هو عبدالله ورسوله ، قال : بل هو كذا كذا ، فقال عليهالسلام
: بل هو كذا وكذا
فترادا ، فنزل على رسول الله من صدر سورة آل
عمران نحو من سبعين آية يتبع بعضها
بعضا وفيما أنزل الله : « إن مثل عيسى عندالله
كمثل آدم خلقه من تراب » إلى قوله : « على
الكاذبين
» فقالوا للنبي صلىاللهعليهوآله
: نباهلك غدا : وقال أبوحارثة لاصحابه : انظروا فإن كان محمد غدا بولده وأهل بيته فاحذروا مباهلته ، وإن غدا
بأصحابه
وأتباعه فباهلوه.
____________________
قال أبان : حدثني الحسين بن دينار ، عن
الحسن البصري قال : غدا رسول
الله آخذا بيد الحسن والحسين تتبعه فاطمة ، وبين
يديه علي ، وغدا العاقب والسيد
بابنين على أحدهما درتان كأنهما بيضتا حمام ، فحفوا
بأبي حارثة ، فقال أبوحارثة : من هؤلاء معه؟ قالوا : هذا ابن عمه زوج ابنته ،
وهذان ابنا ابنته ، وهذه بنته أعز
الناس عليه وأقربهم إلى قلبه ، وتقدم رسول الله
صلىاللهعليهوآله
فجثا على ركبتيه ، فقال أبو
حارثة : جثا والله كما جثا الانبياء للمباهلة
فكع ولم يقدم على المباهلة ، فقال له
السيد : ادن يا باحارثة للمباهلة ، فقال : لا ،
إني لارى رجلا جريئا على المباهلة
وأنا أخاف أن يكون صادقا فلا يحول والله علينا
الحول وفي الدنيا نصراني يطعم
الماء ، قال : وكان نزل العذاب من السماء لو
باهلوه ، فقالوا : يا أبا القاسم إنا لا
نباهلك ولكن نصالحك. فصالحهم رسول الله على
ألفي حلة من حلل الاواقي قيمة
كل حلة أربعون درهما جيادا ، وكتب لهم بذلك
كتابا ، وقال لابي
حارثة
الاسقف : لكأنني بك قد ذهبت إلى رحلك وأنت
وسنان فجعلت مقدمه
مؤخره
فلمارجع قام يرحل راحلته فجعل رحله مقلوبا فقال
: أشهد أن رسول
الله صلىاللهعليهوآله.
____________________
بيان
: يقال : فلان ثمال قومه بالكسر ، أي غياث لهم يقوم بأمرهم. التعس : الهلاك ، والعثار ، والسقوط ، والشر ، والبعد ،
والانحطاط ، والفعل كمنع و
سمع ، فإذا خاطبت قلت تعست ، كمنع ، وإذا حكيت
قلت : تعس كسمع. و
الابعد : الخائن والمتباعد عن الخير. وقال
الجزري : في حديث علي عليهالسلام
: « إنك
لقلق الوضين » القلق : الانزعاج. والوضين : بطان
منسوج بعضه على بعض يشد به
الرحل على البعير ، كالحزام للسرج ، أراد أنه
سريع الحركة يصفه بالخفة وقلة
الثبات كالحزم إذا كان رخوا ، ومنه حديث ابن
عمر :
إليك تعدو قلقا وضينها
|
|
مخالفا دين النصارى دينها
|
أراد أنها هزلت ودقت للسير عليها ، وقال
: يقال : كع الرجل عن الامر : إذا جبن عنه وأحجم.
٣ ـ ما
: أبوعمرو ، عن ابن عقدة ، عن محمد بن أحمد بن الحسين عن أبيه
عن هاشم بن المنذر ، عن الحارث بن الحصين ، عن
أبي صادق ، عن ربيعة بن ناجد
عن علي عليهالسلام
قال : خرج رسول الله (ص) حين خرج لمباهلة النصارى بي وبفاطمة
والحسن والحسين ، رضوان الله عليهم.
٤ ـ ما
: أبوعمرو وابن الصلت معا ، عن ابن عقدة ، عن أحمد بن يحيى
عن يعقوب بن يوسف الضبي ، عن محمد بن إسحاق بن
عمار ، عن هلال بن أيوب
عن عبدالكريم ، عن أبي أمية ، عن مجاهد قال : قلت
لابن عباس : من الذين
أراد رسول الله صلىاللهعليهوآله
أن يباهل بهم؟ قال : علي وفاطمة والحسن والحسين والانفس
النبي صلىاللهعليهوآله
وعلي عليهالسلام.
٥ ـ ما
: محمد بن أحمد بن أبي الفوارس ، عن أحمد بن محمد الصائغ ، عن محمد بن
____________________
إسحاق السراج ، عن
قتيبة بن سعيد ، عن حاتم ، عن بكير بن يسار ، عن عامر بن سعد
عن أبيه قال
: لما نزلت هذا الآية : « ندع أبناءنا وأبناءكم » دعلى رسول الله صلىاللهعليهوآله
عليا وفاطمة وحسنا وحسينا عليهمالسلام وقال : اللهم هؤلاء
أهل بيتي الخبر.
أقول : قد مر فيما احتج به الرضا عليهالسلام في مجلس المأمون في
فضل العترة
الاحتجاج بالمباهلة.
٦ ـ فس :
أبي ، عن النضر ، عن ابن سنان ، عن أبي عبدالله عليهالسلام
أن نصارى
نجران لما وفدوا على رسول الله وكان سيدهم
الاهتم والعاقب
والسيد ، وحضرت
صلواتهم فأقبلوا يضربون بالناقوس ، وصلوا ، فقال
أصحاب رسول الله : يا رسول الله
هذا في مسجدك؟ فقال : دعوهم ، فلما فرغوا دنوا
من رسول الله فقالوا : إلى ما
تدعو ؟
فقال : إلى شهادة أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وأن عيسى
عبد مخلوق يأكل ويشرب ويحدث قالوا : فمن أبوه؟
فنزل الوحي على رسول
الله صلىاللهعليهوآله
، فقال : قل لهم : ما يقولون
في آدم؟ أكان عبدا مخلوقا يأكل ويشرب
ويحدث وينكح؟ فسألهم النبي صلىاللهعليهوآله فقالوا : نعم ، فقال
: فمن أبوه؟ فبقوا
ساكتين ، فأنزل الله : « إن مثل عيسى عندالله
كمثل آدم » الآية إلى قوله : « فنجعل
لعنة الله على الكاذبين » فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : فباهلوني ، إن
كنت صادقا أنزلت
اللعنة عليكم ، وإن كنت كاذبا أنزلت علي فقالوا : أنصفت ، فتواعدوا
____________________
للمباهلة فلما رجعوا إلى منازلهم قال رؤساؤهم : السيد
والعاقب والاهتم : إن باهلنا بقومه باهلناه ، فإنه ليس بنبي وإن
باهلنا بأهل بيته خاصة فلا نباهله
فإنه لا يقدم على أهل بيته إلا وهو صادق ، فلما
أصبحوا جاؤا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله
ومعه أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام فقال النصارى : من
هؤلاء؟
فقيل لهم : هذا ابن عمه ووصيه وختنه علي بن أبي طالب ، وهذه ابنته فاطمة
وهذان ابناه الحسن والحسين ، فقرقوا وقالوا
لرسول الله صلىاللهعليهوآله
: نعطيك الرضا
فاعفنا عن المباهلة ، فصالحهم رسول الله صلىاللهعليهوآله
على الجرية وانصرفوا.
٧ ـ يج
: روي أنه لما قدم وفد نجران دعا النبي صلىاللهعليهوآله
العاقب والطيب
رئيسيهم إلى الاسلام ، فقالا : أسلمنا قبلك ، فقال
: كذبتما يمنعكما من ذلك حب
الصليب وشرب الخمر ، فدعا هما إلى الملاعنة
فواعداه على أن يغادياه ، فغدا رسول
الله عليه واله ولقد أخذ بيد علي والحسن
والحسين وفاطمة ، فقالا : أتي بخواصه
واثقا بديانتهم فأبوا الملاعنة ، فقال صلىاللهعليهوآله : لو فعلا لامطر
الوادي عليهم
نارا ـ شى
: عن حريز ، عن أبي عبدالله عليهالسلام
قال : إن أمير المؤمنين عليهالسلام
سئل عن فضائله ، فذكر بعضها ثم قالوا له : زدنا ، فقال : إن رسول
الله صلىاللهعليهوآله
أتاه حبران من أحبار النصارى من أهل نجران
فتكلما في أمر عيسى ، فأنزل الله
هذه الآية : « إن مثل عيسى عندالله كمثل آدم » إلى آخر الآية ، فدخل رسول
الله صلىاللهعليهوآله
فأخذ بيد علي والحسن والحسين وفاطمة ثم خرج ورفع كفه إلى
السماء وفرج بين أصابعه ودعاهم إلى المباهلة.
____________________
قال : وقال أبوجعفر عليهالسلام : وكذلك المباهلة
يشبك يده في يده يرفعهما
إلى السماء.
فلما رآه الحبران قال أحدهما لصحابه : والله
لئن كان نبيا لنهلكن وإن
كان غير نبي كفانا قومه ، فكفا وانصرفا.
٩ ـ شى
: عن محمد بن سعيد الاردني
عن موسى بن محمد بن الرضا ، عن
أخيه أبي الحسن عليهمالسلام
أنه قال في هذه الآية : « قل
تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم
ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل
فنجعل لعنة الله على الكاذبين
» ولو قال : تعالوا نبتهل فنجعل لعنة الله عليكم
لم يكونوا يجيبون للمباهلة ، وقد
علم أن نبيه مؤد عنه رسالاته وما هو من الكاذبين.
١٠ ـ شى
: عن المنذر قال : حدثنا علي عليهالسلام
قال : لما نزلت هذه الآي
« تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم » الآية.
قال : أخذ بيد علي وفاطمة وابنيهما
عليهمالسلام
فقال رجل من اليهود : لا تفعلوا فتصيبكم عنت ، فلم يدعوه.
١١ ـ شى
: عن عامر بن سعد قال : قال معاوية لابي : ما يمنعك أن تسب
أبا تراب؟ قال : لثلاث رويتهن عن النبي صلىاللهعليهوآله
: لما نزلت آية المباهلة : تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم « الآية أخذ رسول
الله بيد علي وفاطمة والحسن و
الحسين عليهمالسلام
قال : هؤلاء أهلي.
١٢ ـ قب
: تفسير ابن عباس وقتادة ومجاهد وابن جبير والكلبي والحسن
وأبي صالح والقزويني والمغربي والوالبي ، وفي
صحيح مسلم ، وشرف الخر كوشي
____________________
واعتقاد الاشهني في
قوله تعالى : « ونساءنا
ونساءكم » كانت فاطمة عليهماالسلام فقط ، و
هو المروي عن الصادق وسائر أهل البيت عليهمالسلام.
١٣ ـ قب
: حديث المباهلة رواه الترمذي في جامعه وقال : هذا حديث حسن
صحيح ، وذكر مسلم أن معاوية أمر سعد بن أبي
وقاص أن يسب أبا تراب فذكر
قول النبي صلىاللهعليهوآله
: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، الخبر ، و
قوله : لاعطين الراية غدا رجلا ، الخبر ، وقوله
تعالى : ندع أبناءنا وأبناءكم
القصة. وقد رواه أبوالفتح محمد بن أحمد بن أبي
الفوارس بإسناده عن سعد بن أبي
وقاص قال : لعلي ثلاث فلان تكون لي واحدة منهن
أحب إلي من حمر النعم
ثم روى الخبر بعينه.
وفي أخرى لمسلم : قال سعد بن أبي وقاص :
لما نزلت قوله تعالى : « قل تعالوا ندع
أبناءناو أبناءكما » دعا رسول الله صلىاللهعليهوآله عليا وفاطمة والحسن
والحسين
عليهماالسلام
وقال : اللهم هؤلاء أهلي.
أبونعيم الاصفهاني فيما نزل من القرآن
في أمير المؤمنين عليهالسلام
أنه قال
الشعبي : قال جابر : أنفسنا وأنفسكم رسول الله
وعلي وأبناءنا الحسن والحسين
ونساءنا فاطمة.
وروى الواحدي في أسباب نزول القرآن
بإسناده عن عبدالله بن أحمد بن حنبل
عن أبيه ، وروى ابن البيع في معرفة علوم الحديث
عن الكلبي ، عن أبي صالح
عن ابن عباس ، وروى مسلم في الصحيح ، والترمذي
في الجامع ، وأحمد بن حنبل
في المسند وفي الفضائل أيضا ، وابن بطة في
الابانة ، وابن ماجة القزويني في السنن
والاشنهي في اعتقاد أهل السنة ، والخر كوشي في
شرف النبي ، وقد رواه محمد بن
إسحاق وقتيبة بن سعيد والحسن البصري ومحمود
الزمخشري وابن جرير الطبري
والقاضي أبويوسف والقاضي المعتمد أبوالعباس ، وروي
عن ابن عباس وسعيد
____________________
ابن جبير ومجاهد
وقتادة والحسن وأبي صالح والشعبي والكلبي ومحمد بن جعفر
ابن زبير ، وأسند أبوالفرج الاصفهاني في
الاغاني عن شهر بن حوشب وعن عمر بن
علي وعن الكلبي وعن أبي صالح وابن عباس وعن
الشعبي وعن الثمالي وعن
شريك وعن جابر وعن أبي رافع وعن الصادق وعن
الباقر وعن أمير المؤمنين
عليهمالسلام
، وقد اجتمعت الامامية والزيدية مع اختلاف رواياتهم على
ذلك ، ومجمع الحديث من الطرق جميعا أن وفد
نجران كانوا أربعين رجلا ، فيهم السيد والعاقب وقيس والحارث وعبدالمسيح بن يونان أسقف نجران
فقال الاسقف : يا أبا القاسم موسى من أبوه؟ قال
: عمران ، قال : فيوسف من أبوه؟
قال : يعقوب ، قال : فأنت من أبوك؟ قال : أبي
عبدالله بن عبدالمطلب ، قال : فعيسى من أبوه؟ فأعرض النبي صلىاللهعليهوآله
عنهم ، فنزل : « إن
مثل عيسى عندالله » الآية ، فتلاها رسول الله
فغشي عليه ، فلما أفاق قال : أتزعم
أن الله أوحى إليك أن عيسى خلق من تراب؟ ما نجد
هذا فيما أوحي إليك ، ولا نجده فيما أوحي إلينا ، ولا يجده هؤلاء اليهود فيما أوحي إليهم ، فنزل : فمن حاجك فيه من بعدما جاءك من العلم » الآية ،
قالوا : أنصفتنا يا أبا القاسم
فمتى نباهلك؟ فقال : بالغداة إنشاءالله ، وانصرف
النصارى فقال السيد لابي
الحارث : ما تصنعون بمباهلته؟ إن كان كاذبا ما نصنع بمباهلته شيئا ، وإن كان
صادقا لنهلكن ، فقال الاسقف : إن غدا فجاء
بولده وأهل بيته فاخذروا مباهلة ، و
إن غدا بأصحابه فليس بشئ ، فغدا رسول الله صلىاللهعليهوآله مختصنا الحسين ، آخذا
بيدالحسن
وفاطمة تمشي خلفه ، وعلي خلفها ، وفي رواية : آخذا
بيد علي ، والحسن و
الحسين بين يديه ، وفاطمة تتبعه ، ثم جثابر
كبتيه ، وجعل عليا عليهالسلام
أمامه بين
يديه ، وفاطمة بين كتفيه ، والحسن عن يمينه ، والحسين
عن يساره ، وهو يقول
لهم : إذا دعوت فأمنوا ، فقال الاسقف : جثاوالله
محمد كما يجثو الانبياء للمباهلة ، و
____________________
خافوا ، فقالوا : يا
أبا القاسم أقلنا أقال الله عثرتك ، فقال : نعم قد أقلتكم ، فصالحوه
على ألفي حلة وثلاثين درعا ، وثلاثين فرسا ، وثلاثين
جملا ، ولم يلبث السيد و
العاقب إلا يسيرا حتى رجعا إلى النبي صلىاللهعليهوآله وأسلما ، وأهدى
العاقب له حلة و
عصا وقدحا ونعلين.
وروي أنه قال النبي صلىاللهعليهوآله : والذي نفسي بيده
إن العذاب قد تدلى على
أهل نجران ، ولو لا عنوا لمسخوا قردة وخنازير ،
ولاضرم عليهم الوادي نارا ، و
لا ستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على رؤس
الشجر ، ولما حال الحول على
النصارى كلهم حتى يهلكوا.
وفي رواية : لو باهلتموني بمن تحت
الكساء لاضرم الله عليكم نارا تتأجج
ثم ساقها إلى من وراءكم في أسرع من طرفة العين ،
فأحرقتهم تأججا.
وفي رواية : لو لاعنوني لفلعت دار كل نصراني في
الدنيا.
وفي رواية : أما والذي نفسي بيده لو
لاعنوني ما حال الحول وبحضرتهم
منهم بشر ، وكانت المباهلة يوم الرابع والعشرين
من ذي الحجة ، وروي يوم
الخامس والعشرين والاول أظهر.
١٤ ـ ضه
: قال ابن عباس في قوله تعالى : « قل
تعالوا ندع أبنائنا وأبناءكم » قال : وفد وفد نجران على نبي الله وفيهم السيد
والعاقب وأبوالحارث وهو
عبد المسيح بن يومان أسقف نجران سادة أهل نجران فقالوا : لم
تذكر
صاحبنا؟ قال : ومن صاحبكم؟ قالوا : عيسى بن
مريم. تزعم أنه عبدالله ، قال : أجل هو عبدالله ، قالوا : فأرنا فيمن خلق الله عبدا مثله فأعرض النبي صلى الله
عليه وآله عنهم فنزل جبرئيل عليهالسلام بقوله تعالى : « إن مثل عيسى عندالله
كمثل آدم خلقه من
تراب ثم قال له كن فيكون » إلى قوله :
« فنجعل لعنة الله على الكاذبين »
____________________
فقال لهم : تعالوا
ندع أبنائنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم
نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ، قالوا : نعم
نلاعنك ، فخرج رسول الله صلىاللهعليهوآله
فأخذ بيد علي ومعه فاطمة والحسن والحسين ، فقال
رسول الله صلىاللهعليهوآله
: هؤلاء
أبناؤنا ونساؤنا وأنفسنا فهموا أن يلاعنوه ، ثم
إن السيد قال لابي الحارث
والعاقب : ما تصنعون بملاعنة هذا؟ ان كان كاذبا ما نصنع بملاعنته شيئا ، وإن
كان صادقا لنهلكن ، فصالحوه على الجزية ، فقال
رسول الله صلىاللهعليهوآله
: أما والذى
نفسي بيده لو لا عنوني ما حال الحول وبحضرتهم
بشر ، قال الصادق عليهالسلام
: إن
الاسقف قال لهم : إن غدا فجاء بولده وأهل بيته
فاحذروا مباهلته ، وإن غدا بأصحابه فليس بشئ ، فغدا رسول الله صلىاللهعليهوآله آخذا بيد علي
والحسن والحسين
بين يديه وفاطمة تتبعه ، وتقدم رسول الله صلىاللهعليهوآله فجثا لر كبتيه ، فقال
الاسقف : جثا والله محمد كما يجثو الانبياء للمباهلة
وكاع عن التقدم ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
: لو لاعنوني يعني النصارى لقطعت دابر كل نصراني في الدنيا.
١٥ ـ فر
: الحسين بن سعيد معنعنا عن أبي جعفر عليهالسلام
في قوله تعالى : « أبناءنا وأبناءكم
» الحسن والحسين « وأنفسنا وأنفسكم » رسول الله صلىاللهعليهوآله
وعلي بن أبي
طالب عليهالسلام
« ونساءنا ونساءكم » فاطمة الزهراء عليهاالسلام.
١٦ ـ فر
: جعفر بن محمد بن سعيد الاحمسي معنعنا عن أبي رافع قال : قال : مر صهيب مع أهل نجران ، فذكر لرسول الله صلىاللهعليهوآله ما خاصموه به من
أمر
عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام ، وأنهم دعوه
ولد الله ، فدعاهم رسول الله صلىاللهعليهوآله
فخاصمهم وخاصموه فقال : « تعالوا ندع أبناءنا وأبنائكم ونساءنا ونساءكم
وأنفسنا وأنفسكم » إلى آخر الآية ، فدعا رسول
الله صلىاللهعليهوآله
عليا فأخذ بيده فتوكأ
عليه ومعه ابناه الحسن والحسين عليهماالسلام وفاطمة عليهاالسلام خلفهم فلما رأى
النصارى
____________________
أشار عليهم رجل منهم
فقال : ما أرى لكم تلاعنوه
، فإن كان نبيا هلكتم ، ولكن
صالحوه ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : لولا عنوني ما
وجدلهم أهل ولا ولد
ولا مال.
١٧ ـ فر
: الحسين بن سعيد وأحمد بن الحسن معنعنا عن الشعبي قال : جاء
العاقب والسيد النجرانيان إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فدعاهم إلى الاسلام ، فقالا : إننا مسلمان ، فقال : إنه يمنعكما من الاسلام
ثلاث : أكل الخنزير
، وتعليق
الصليب ، وقولكم في عيسى بن مريم ، فقالا : ومن
أين عيسى؟
فسكت فنزل
القرآن : « إن مثل عيسى عندالله كمثل آدم خلقه
من تراب » إلى آخر القصةفنبتهل « فنجعل لعنة الله على الكاذبين » فقالا
: فنباهلك ، فتواعدوا لغد ، فقال أحدهما
لصاحبه : لا تلاعنه فوالله لئن كان نبيا كان لا
ترجع إلى أهلك ولك
على وجه الارض
أهل ولا مال ، فلما أصبح النبي صلىاللهعليهوآله أخذ بيد علي والحسن
والحسين وقد مهم
وجعل فاطمة وراءهم ، ثم قال لهما : تعاليا فهذا
أبناؤنا : الحسن والحسين ، وهذا
نساؤنا فاطمة وأنفسنا : علي فقالا : لا نلاعنك.
١٧ ـ فر
: أحمد بن جعفر معنعنا عن علي عليهالسلام
قال : لما قدم وفد نجران على
النبي صلىاللهعليهوآله
قدم فيهم ثلاثة من النصارى من كبارهم : العاقب ومحسن والاسقف
فجاؤا إلى اليهود وهم في بيت المدارس فصاحوا
بهم يا أخوة القردة والخنازير ، هذا
الرجل بين ظهرانيكم قد غلبكم انزلوا إلينا ، فنزل
إليهم منصور اليهودي وكعب بن
الاشرف اليهودي ، فقالوا لهم : احضروا غدا نمتحنه ، قال
: وكان النبي صلىاللهعليهوآله
إذا صلى الصبح قال : ههنا من الممتحنة أحد؟ فان
وجدأ حدا أجابه وإن لم يجد
____________________
أحدا قرأ على أصحابه
ما نزل عليه في تلك الليلة فلما صلى الصبح جلسوا بين يديه فقال
له الاسقف : يا أبا القاسم فذاك موسى من أبوه؟
قال : عمران ، قال : فيوسف من أبوه؟
قال : يعقوب ، قال : فأنت فداك أبي وأمى من
أبوك؟ قال : عبدالله بن عبدالمطلب
قال : فعيسى من أبوه؟ قال : فسكت النبي (ص) ، وكان
رسول الله صلىاللهعليهوآله
وما
احتاج إلى
شئ من المنطق فينقض عليه جبرئيل عليهالسلام
من السماء السابعة فيصل
له منطقه في أسرع من طرفة العين ، فذاك قول
الله تعالى : « وما أمرنا إلا واحدة
كلمح بالبصر
» قال : فجاء جبرئيل عليهالسلام
فقال : هو روح الله وكلمته ، فقال له
الاسقف : يكون روح بلا جسد؟ قال : فسكت النبي صلىاللهعليهوآله ، قال : فأوحي إليه
: « إن
مثل عيسى عندالله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون » قال فنزا
الاسقف نزوة إعظاما لعيسى أن يقال له ، من
تراب. ثم قال : ما نجد هذا يا محمد
في التوراة ولا في الانجيل ولا في الزبور ، ولا
تجد هذا عندك
، قال : فأوحى الله
إليه : « قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم
ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم » فقالوا : أنصفتنا يا أبا القاسم ، فمتى موعدك؟
قال : بالغداة إنشاء الله ، قال : فانصرف
وهم يقولون : لا إله إلا الله ما نبالي إيهما
أهلك الله : النصرانية والحنيفية
إذا
هلكوا غدا؟ قال علي بن أبي طالب عليهالسلام : فلما صلى النبي صلىاللهعليهوآله الصبح أخذ
بيدي فجعلني بين يديه ، وأخذ فاطمة عليهاالسلام فجعلها خلف ظهره ، وأخذ
الحسن و
الحسين عن يمينه وعن شماله ، ثم برك لهم باركا ، فلما رأوه قد فعل
ذلك ندموا
وتؤامروا فيما بينهم وقالوا : والله إنه لنبي ،
ولئن باهلنا ليستجيبن
الله له
علينا فيهلكنا ولا ينجينا شئ منه إلا أن
نستقيله ، قال : فأقبلوا حتى جلسوا
بين
____________________
يديه ، ثم قالوا : يا
أبا القاسم أقلنا ، قال : نعم قد أقلتكم ، أما والذي بعثني بالحق
لو باهلتكم ما ترك الله على ظهر الارض نصرانية
إلا أهلكه.
١٨ ـ فر
: أحمد بن الحسن بن إسماعيل بن صبيح معنعنا عن شهر بن حوشب
قال : قدم على رسول الله (ص) عبد المسيح بن
أبقى ومعه العاقب وقيس أخوه ، ومعه
حارث
بن عبد المسيح ، وهو غلام ، ومعه أربعون حبرا ، فقال : يا محمد كيف تقول
في المسيح؟ فوالله إنا لننكر ما تقول ، قال : فأوحى الله تعالى إليه
« إن مثل
عيسى عندالله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له
كن فيكون » فقال إجلالا له
مما يقول : بل هو الله ، فأنزل الله : « فمن
حاجك فيه من بعدما جاءك من العلم
فقل تعالوا ندع » إلى آخر الآية ، فلما سمع ذكر
الابناء غضب غضبا شديدا و
دعا الحسن والحسين وعليا وفاطمة عليهمالسلام فأقام الحسن عن
يمينه ، والحسين
عن يساره ، وعلي إلى صدره ، وفاطمة إلى ورائه
فقال : هؤلاء أبناؤنا ونساؤنا
وأنفسنا فائتيالهم بأكفاء ، قال : فوثب العاقب
فقال : أذكرك الله أن تلا عن هذا
الرجل ، فو الله إن كان كاذبا مالك في ملاعنته
خير ، وإن كان
صادقا لا يحول
الحول ومنكم نافخ ضرمة ، قال : فصالحوه كل
الصلح.
بيان
: قال الجزري في حديث علي : ود معاوية أنه ما بقي من بني هاشم
نافخ ضرمة ، أي أحد ، لان النار ينفخها الصغير
والكبير والذكر والانثى.
١٩ ـ فر
: أحمد بن يحيى معنعنا عن الشعبي قال : لما نزلت الآية :
« قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا
ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم » أخذ
رسول الله صلىاللهعليهوآله
بيد الحسن والحسين
وتبعتهم فاطمة ، قال : فقال : هذه أبناؤنا
____________________
وهذه نساؤنا وهذه
أنفسنا عليهمالسلام فقال رجل لشريك : يا أبا عبدالله
« إن
الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى
» إلى آخر الآية ، قال : يلعنهم كل شئ حتى الخنافس في جحرها ، ثم غضب
شريك واستشاط فقال : يا
معافا ، فقال له رجل يقال له : ابن المقعد : يا
أبا عبدالله إنه لم يعنك ، فقال : أنت
له أنفع ، إنما أرادني تركت ذكر علي بن أبي
طالب عليهالسلام.
٢٠ ـ أقول : قال السيد بن طاوس رحمهالله
في كتاب سعد السعود : رأيت في
كتاب تفسير ما نزل من القرآن في النبي صلىاللهعليهوآله وأهل بيته تاليف
محمد بن العباس
بن مروان أنه روى خبر المباهلة من أحد وخمسين
طريقا عمن سماه من الصحابة
وغيرهم ، رواه عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ، وعن
جرير بن عبدالله السجستاني
وعن أبي قيس المدني ، وعن أبي أويس المدني ، وعن الحسن بن مولانا علي
عليهماالسلام
، وعن عثمان بن عفان ، وعن سعد بن أبي وقاص ، وعن بكر بن سمال.
وعن طلحة بن عبدالله ، وعن الزبير بن العوام ، وعن عبدالرحمن بن عوف ، وعن
عبدالله بن العباس ، وعن أبي رافع مولى رسول
الله صلىاللهعليهوآله
، وعن جابر بن عبدالله
وعن البراء بن عازب ، وعن أنس بن مالك ، وعن
المنكدر بن عبدالله ، عن أبيه
وعن علي بن الحسين عليهماالسلام ، وعن أبي جعفر
محمد بن علي بن الحسين عليهماالسلام
وعن
أبي عبدالله جعفر الصادق عليهالسلام وعن الحسن البصري ،
وعن قتادة ، وعن علباء بن
أحمر ، وعن عامر بن شراحيل الشعبي ، وعن يحيى
بن يعمر ، وعن مجاهد ، وعن
شهر بن حوشب ، ونحن نذكر حديثا واحدا فإنه أجمع
وهو من أول الوجهة
الاولة من القائمة السادسة من الجزء الثاني
بلفظه : المنكدر بن
عبدالله ، عن
أبيه ، حد ثنا أبوعبدالله الحسين بن محمد بن
سعيد بن البزاز قال : حدثنا محمد بن الفيض
____________________
بن فياض أبوالحسن
بدمشق ، قال : حدثني عبدالرزاق بن همام الصنعانى ، قال
حدثنا عمر بن راشد ، قال : حد ثنا محمد بن
المنكدر ، عن أبيه
قال لما قدم السيد
والعاقب أسقفا نجران في سبعين راكبا وفدا على النبي صلىاللهعليهوآله كنت معهم
وكرز
يسير ـ وكرز صاحب نفقاتهم ـ فعثرت بغلته فقال : تعس من نأتيه ، يريد
بذلك النبي صلىاللهعليهوآله
فقال له صاحبه وهو العاقب : بل تعست وانتكست ، فقال : ولم
ذاك؟ فقال : لانك أتعست النبي الامي أحمد ، قال
: وما علمك بذلك؟ قال : أما
تقرأ المصباح الرابع من الوحي إلى المسيح : أن قل
لبني إسرائيل ما أجهلكم
تتطيبون بالطيب لتطيبوا به في الدنيا عند أهلها وأهلكم وأجوافكم عندي
جيف
الميتة ، يا بني إسرائيل آمنوا برسولي النبي والامي الذي يكون في آخر
الزمان صاحب الوجه الاقمر ، والجمل الاحمر
المشرب بالنور ، ذي الجناب
الحسن ، والثياب الخشن ، سيد الماضين عندي ، وأكرم
الباقين علي ، المستن بسنتي
والصابر في ذات نفسي ، والمجاهد بيده المشركين من أجلي ، فبشر
به بني
إسرائيل ، ومر بني إسرائيل أن يعزروه وينصروه ،
قال عيسى : قدوس ، من هذا
العبد الصالح الذي قد أحبه قلبي ولم تره عيني؟
قال : هو منك وأنت منه ، وهو
صهرك على أمك ، قليل الاولاد ، كثير الازواج ، يسكن
مكة من موضع أساس
____________________
وطئ إبراهيم عليهالسلام
نسله من مباركة وهي ضرة أمك في الجنة ، له شأن من
الشأن ، تنام عيناه ولا ينام قلبه ، يأكل
الهدية ولا يأكل الصدقة
، له حوض
من شفير زمزم إلى معرب الشمس حيث يعرف ، فيه شرابان من الرحيق
والتسنيم ، فيه أكاويب عدد نجوم السماء من شرب
منه شربة لا يظمأ بعده أبدا
وذلك بتفضيلي إياه على سائر المرسلين ، يوافق
قوله فعله وسريرته علانيته ، فطوباه
وطوبى
أمته ، الذين على ملته يحيون ، وعلى سنته يموتون ، ومع أهل بيته
يميلون آمنين مؤمنين مطمئنين مباركين ، يكون في زمن قحط وجدب فيدعوني
فيرخي السماء عزاليها حتى يرى أثر بركاتها في أكنافها ، وأبارك
فيما يصنع
يده فيه ، قال : إلهي سمه ، قال : نعم هو أحمد ،
وهو محمد رسولي إلى الخلق كافة
أقربهم مني منزلة ، وأخصهم مني شفاعة ، لا يأمر إلا بما أحب ، ولا ينهى إلا
عما أكره.
قال له صاحبه : فأني تقدم بنا على من هذه صفته قال : نشهد
أقواله
وننظر آياته
، فإن يكن هو هو ساعدناه بالمسالمة ونكفه بأموالنا عن أهل
ديننا من يحث لا يعشر بنا ، وإن يكن كذابا كفيناه بكذبه على الله ، قال
____________________
له صاحبه : ولم إذا
رأيت العلامة
لا تتبعه؟ قال : أما رأيت ما فعل بنا هؤلاء القوم؟
كرمونا ومولونا ونصبوا لنا كنا يسنا ، وأعلوا فيها ذكرنا ، فكيف تطيب
النفس بدين
يستوي فيه الشريف والوضيع؟ فلما قدموا المدينة قال من يراهم
من أصحاب رسول الله (ص) : ما رأينا وفدا من
وفود العرب كانوا أجمل من هؤلاء ، لهم
شعور
وعليهم ثياب الحبر ، وكان رسول الله (ص) متناء عن المسجد فحضرت صلاتهم
فقاموا يصلون في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله تلقاء المشرق ، فهم
رجال من أصحاب
رسول الله صلىاللهعليهوآله
بمنعهم ، فأقبل
رسول الله (ص) فقال : دعوهم ، فلما قضوا
صلاتهم جلسوا إليه وناظروه فقالوا : يا أبا
القاسم حاجنا في عيسى ، فقال : عبدالله
ورسوله ، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، فقال
أحدهم بل هو ولده وثاني
اثنين ، وقال آخر بل ثالث ثلاثة : أب ، وابن ، وروح
قدس ، وقد سمعنا
في
قرآن نزل عليك يقول : فعلنا ، وجعلنا ، وخلقنا ،
ولو كان واحدا لقال : خلقت
وجعلت ، وفعلت ، فتغشى النبي صلىاللهعليهوآله الوحي ونزل على
صدره سورة آل عمران
إلى قوله رأس الستين منها : « فمن حاجك فيه من
بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا
ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا
وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله
على الكاذبين » الآية ، فقص عليهم رسول الله صلىاللهعليهوآله القصة وتلا عليهم
القرآن ، فقال بعضهم لبعض : قدوالله أتاكم بالفصل من خبر صاحبكم.
وقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوآله : إن الله قد أمرني
بمباهلتكم ، إذا كان
غدا باهلناك ، فقال القوم بعضهم لبعض : حتى
ننظر بمن يباهلنا غدا؟ بكثرة أتباعه
____________________
من أوباش الناس ، أم
بأهله من أهل
الصفوة والطهارة؟ فإنهم وشيج الانبياء
وموضع بهلهم
فلما كان من غد ، غدا رسول الله صلىاللهعليهوآله
بيمينه علي ، وبيساره
الحسن والحسين ، ومن ورائهم فاطمة عليهمالسلام عليهم الحلل النجرانية ، وعلى
كتف رسول الله (ص) كساء قطواني رقيق خشن ليس بكثيف ولا لين ، فأمر
بشجرتين
فكسح ما بينهما ونشر الكساء عليهما وو أدخلهم
تحت الكساء وأدخل منكبه الايسر معهم
تحت الكساء معتمد اعلى قوسه النبع ، ورفع يده
اليمنى إلى السماء للمباهلة وأشرف
الناس ينظرون ، واصفرلون السيد والعاقب وزلزلا حتى كاد أن يطيش عقولهما
فقال أحدهما لصاحبه : أنباهله؟ قال : أو ما
علمت أنه ما باهل قوم قط نبيا فنشأ
صغيرهم وبقي كبيرهم ، ولكن أره أنك غير مكترث ،
وأعطه من المال والسلاح
ما أراد ، فإن الرجل محارب ، وقل له ، أبهؤلاء
تباهلنا لئلايرى أنه قد تقدمت
معرفتنا بفضله وفضل أهل بيته ، فلما رفع النبي صلىاللهعليهوآله يده إلى السماء
للمباهلة
قال أحدهما لصاحبه : أي رهبانية؟ دارك الرجل ، فإنه إن فاه ببهلة لم نرجع
إلى أهل ولا مال ، فقالا : يا أبا القاسم
أبهؤلاء تباهلنا؟ قال : نعم ، هؤلاء أوجه من
على وجه الارض بعدي إلى الله وجهة ، وأقربهم
إليه وسيلة ، قال : فبصبصا يعني
ارتعدا وكرا ، وقالا له : يا أبا القاسم نعطيك
ألف سيف ، وألف درع ، وألف
حجفة
وألف دينار كل عام ، على أن الدرع والسيف والحجف عندك إعارة
حتى نأتي من وراءنا من قومنا فنعلمهم بالذي
رأينا وشاهدنا ، فيكون الامر على
____________________
ملاء منهم فإما
الاسلام وإما الجزية وإما المقاطعة في كل عام فقال النبي صلىاللهعليهوآله : قد قبلت منكما ، أما والذي بعثني بالكرامة لو
باهلتموني بمن تحت الكساء لاضرم
الله عليكم الوادي نارا تأجج ثم ساقها إلى من وراءكم في أسرع من طرف العين
فحرقتهم
تأججا فهبط عليه جبرئيل الروح الامين فقال : يا محمد إن الله يقرئك
السلام ويقول لك : وعزتي وجلالي لو باهلت بمن تحت الكساء أهل السماء
وأهل الارض لتساقطت عليهم السماء كسفا متهافتة :
ولتقطعت
الارضون زبرا
سايحة
فلم يستقر عليها
بعد ذلك ، فرفع النبي صلىاللهعليهوآله
يديه حتى رئي بياض إبطيه
ثم قال : على من ظلمكم حقكم وبخسني الاجر الذي
افترضه الله عليهم فيكم بهلة
الله تتابع إلى يوم القيامة.
ختص
: أبوبكر محمد بن إبراهيم العلاف
الهمداني ، عن عبدالله بن محمد بن جعفر
ابن موسى بن شاذان البزاز ، عن الحسين بن محمد
بن سعيد البزاز وجعفر الدقاق
عن محمد بن الفيض بن فياض الدمشقي ، عن إبراهيم
بن عبدالله ابن أخي عبدالرزاق
عن عبدالرزاق بن همام الصنعاني. عن معمر بن
راشد ، عن محمد بن المنكدر ، عن
أبيه ، عن جده مثله.
بيان
: قال في النهاية : الوشيج : هو ما التف من الشجر ، والوشيجة : عرق
الشجرة وليف يفتل ثم يشد به ما يحمل ، والوشيج
جمع وشيجة ، وشجت العروق
والاغصان : اشتبكت.
وفي القاموس : الوشيج : اشتباك القرابة ،
والواشجة : الرحم المشتبكة ، وقال : ____________________
النمرة كفرحة : البحرة
وشملة فيها خطوط بيض وسود ، وقال : قطوان محركة : موضع بالكوفة منه الاكسية.
وفي بعض النسخ : قرطق بالقافين ، وفي
بعضها : قرطف بالفاء أخيرا في
القاموس : القرطق كجندب : لبس معروف معرب كرته ،
وقال : القرطف كجعفر : القطيفة. وقال : النبع : شجر القسي والسهام.
وقال : البصيص : الرعدة ، و
بصبص الكلب : حرك ذنبه.
٣٣
باب
*(غزوة
عمرو بن معدى كرب )*
١ ـ شا
: لما عادر رسول الله صلىاللهعليهوآله
من تبوك إلى المدينة قدم إليه عمرو بن معدي
كرب فقال له النبي صلىاللهعليهوآله : أسلم يا عمرو
يؤمنك الله من الفزع الاكبر ، قال : يا
محمد وما الفزع الاكبر؟ فإني لا أفزع
فقال يا عمرو : إنه ليس كما تظن وتحسب
إن الناس يصاح بهم صيحة واحدة فلا يبقى ميت إلا
نشر ، ولا حي إلا مات ، إلا
ماشاء الله ، ثم يصاح بهم صيحة أخرى فينشر من
مات ويصفون جميعا ، وتنشق
السماء وتهد الارض ، وتخر الجبال هدا ، وترمي
النار بمثل الجبال شررا ، فلا
يبقي ذو روح إلا انخلع قلبه وذكر ذنبه ، وشغل بنفسه إلا من شاء الله ، فأين أنت يا عمرو بن من هذا؟ قال : ألا إني أسمع أمرا عظيما فآمن بالله ورسوله و
آمن معه
من قومه ناس ، ورجعوا إلى قومهم ، ثم إن عمر وبن معدي كرب نظر
إلى أبي بن عثعث الخثعمي فأخذ برقبته ثم جاء به
إلى النبي صلىاللهعليهوآله فقال : ____________________
أعدني على هذا الفاجر الذي قتل والدي ، فقال
رسول الله صلىاللهعليهوآله
: أهدر
الاسلام ما كان في الجاهلية ، فانصرف عمرو
مرتدا فأغار على قوم من بني الحارث
ابن كعب ، ومضى إلى قومه ، فاستدعى رسول الله صلىاللهعليهوآله علي بن
أبي طالب عليهالسلام
وأمره على المهاجرين ، وأنفذه إلى بني زبيد ، وأرسل
خالد بن الوليد في الاعراب وأمره أن يعمد لجعفي فإذا البقيا فأمير الناس
أمير المؤمنين عليهالسلام
، فسار أمير المؤمنين عليهالسلام
واستعمل على مقدمته خالد بن
سعيد ابن العاص ، واستعمل خالد على مقدمته أبا
موسى الاشعري ، فأما جعفي
فإنها لما سمعت بالجيش افترقت فرقتين : فذهبت
فرقة إلى اليمن ، وانضمت الفرقة
الاخرى إلى بني زبيد. فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليهالسلام فكتب إلى خالد بن
الوليد : أن قف حيث إدركك رسولي ، فلم يقف ، فكتب إلى خالد بن سعيد بن العاص تعرض
له حتى تحبسه ، فاعترض له خالد حتى حبسه ، وأدركه
أميرالمؤمنين عليهالسلام
فعنفه
على خلافه ، ثم سار حتى لقي بني زبيد بواد يقال
له : كثير
فلما رآه بنو زبيد
قالوا لعمرو : كيف أنت يا با ثور إذا لقيك هذا
الغلام القرشي فأخذ منك الاتاوه
قال :
سيعلم إن لقيني ، قال : وخرج عمرو فقال : من يبارز؟ فنهض إليه أمير المؤمنين عليهالسلام وقام إليه خالد بن سعيد وقال له : دعني يا
أبا الحسن بأبي أنت
وأمي أبارزه ، فقال له أمير المؤمنين عليهالسلام : إن كنت ترى أن لي
عليك طاعة فقف
مكانك
فوقف ، ثم برز إليه أمير المؤمنين عليهالسلام
فصاح به صيحة فانهزم عمرو و
قتل أخاه
وابن أخيه وأخذت امرأته ركانة بنت سلامة ، وسبى منهم نسوان ، و
انصرف أمير المؤمنين عليهالسلام وخلف على بني زبيد
خالد بن سعيد ليقبض صدقاتهم ، و
يؤمن من عاد إليه من هرابهم مسلما ، فرجع عمرو
بن معدي كرب ، واستأذن على
____________________
خالد بن سعيد فأذن
له فعاد إلى الاسلام ، فكلمه
في امرأته وولده فوهبهم له ، وقد كان عمرو لما وقف بباب خالد بن سعيد وجد جزورا قد نحرت فجمع قوائمها
ثم ضربها بسيفه فقطعها جميعا ، وكان يسمى سيفه
الصمصامة ، فلما وهب خالد بن
سعيد لعمرو وامرأته وولده وهب له عمرو الصمصامة
، وكان أمير المؤمنين عليهالسلام
قد
اصطفى من السبي جارية ، فبعث خالد بن الوليد
بريدة الاسلمي إلى النبي صلىاللهعليهوآله
وقال له : تقدم الجيش إليه فأعلمه بما فعل علي
من اصطفائه الجارية من الخمس
لنفسه ، وقع فيه. فسار بريدة حتى انتهى إلى باب
رسول الله صلىاللهعليهوآله
فلقيه عمر بن
الخطاب فسأله عن حال غزوتهم وعن الذي أقدمه ، فأخبره
أنه إنما جاء ليقع
في علي عليهالسلام
وذكر له اصطفاءه الجارية من الخمس لنفسه ، فقال له عمر : امض
لما جئت له فإنه سيغضب لا بنته مما صنع علي عليهالسلام ، فدخل بريدة على
النبي (ص)
ومعه كتاب من خالد بما أرسل به بريدة ، فجعل يقرأه ووجه رسول الله صلىاللهعليهوآله يتغير
فقال بريدة : يا رسول الله إنك إن رخصت للناس
في مثل هذا ذهبت فيئهم ، فقال
النبي (ص) : ويحك يا بريدة أحدثت نفاقا؟ إن علي
بن أبي طالب عليهالسلام
يحل له
له من الفئ ما يحل لي ، إن علي بن أبي طالب خير
الناس لك ولقومك وخير
من أخلف بعدي لكافة أمتي ، يا بريدة احذر أن
تبغض عليا « فيبغضك الله ، قال
بريدة : فتمنيت أن الارض انشفت لي فسخت فيها
وقلت : أعوذ بالله من سخط
الله وسخط رسول الله يا رسول الله ، استغفرلي فلن أبغضن عليا أبدا » ، ولا
أقول فيه إلا خيرا ، فاستغفر له النبي صلىاللهعليهوآله.
عم : مثله مع اختصار.
بيان
: الاتاوة بالفتح : الخراج.
٢ ـ في الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين عليهالسلام وشرحه أن عمرو بن
معدي
____________________
كرب خاطب عليا :
الآن حين تقلصت منك الكلى
|
|
إذ حر نارك في الوقيعة يسطع
|
والخيل لاحقة الاياطل شزب
|
|
قب البطون ثنيها والاقراع
|
يحملن فرسانا « كراما » في الوغا
|
|
لا ينكلون إذا الرجال تكعكع
|
إني امرؤ أحمي حماي بعزة
|
|
وإذا تكون شديدة لا أجزع
|
وأنا المظفر في الموطن كلها
|
|
وأنا شهاب في الحوادث يلمع
|
من يلقني يلقى المنية والردى
|
|
وحياض موت ليس عنه مذيع
|
فاحذر مصاولتي وجانب موقفي
|
|
إني لدى الهيجا أضر وأنفع
|
فأجابه عليهالسلام
:
يا عمرو قدحمي الوطيس وأضرمت
|
|
نار عليك وهاج أمر مفظع
|
وتساقت الابطال كأس منية
|
|
فيها ذراريح وسم منقع
|
فإليك عني لا ينالك مخلبي
|
|
فتكون كالامس الذي لا يرجع
|
إني امرؤ أحمي حماي بعزة
|
|
والله يخفض من يشاء ويرفع
|
إني إلى قصد الهدى وسبيله
|
|
وإلى شرايع دينه أتسرع
|
ورضيت بالقرآن وحيا « منزلا »
|
|
وبربنا ربا يضر وينفع
|
فينا رسول الله أيد بالهدى
|
|
فلواؤه حتى القيامة يلمع
|
توضيح : تقلص : انضم وانزوى. والوقعية :
القتال. ولحق لحوقا ضمر
والايطل : الخاصرة. والشزب : الضوامر والاقب : الضامر
البطن. والثني : ما دخل في الثالثة في غير الابل ، وفيها في
السادسة. والاقراع : التام والتكعكع
الجبن ولاحتباس. وأذاع الناس ما في الحوض : شربوه. والوطيس : التنور. و
التساقي : أن يسقى كل منهما صاحبه. والذراح
والذروح بالضم : دويبة حمراء
منقوطة بسواد تطير ، وهي من السموم ، والجمع
ذرايح.
____________________
٣٤
باب
*(بعث
أميرالمؤمنين عليهالسلام إلى اليمن)*
١ ـ عم
: بعث رسول الله صلىاللهعليهوآله
عليا عليهالسلام
إلى اليمن ليدعوهم إلى الاسلام وقيل : ليخمس ركازهم ، ويعلمهم الاحكام ، ويبين لهم
الحلال والحرام ، و
إلى أهل نجران ليجمع صدقاتهم ، ويقدم عليه
بجزيتهم ، وروى الحاكم أبوعبدالله
الحافظ بإسناده رفعه إلى عمرو بن شاس الاسلمي
قال : كنت مع علي بن أبي طالب
عليهالسلام
في جملة
فجفاني علي عليهالسلام
بعض الجفاء فوجدت عليه في نفسي ، فلما قدمت
المدينة اشتكيته عند من لقيته ، فأقبلت يوما
ورسول الله صلىاللهعليهوآله
جالس في المسجد
فنظر إلي حتى جلست إليه ، فقال : يا عمرو بن
شاس لقد آذيتني ، فقلت : إنا لله وإنا
إليه راجعون ، أعوذ بالله والاسلام أن أوذي
رسول الله ، فقال : ( من آذى عليا فقد
آذاني ) وقد كان بعث قبله رسول الله صلىاللهعليهوآله خالد بن الوليد إلى
أهل اليمن يدعوهم
إلى الاسلام فلم يجيبوه ، قال البراء : فكنت مع
علي عليهالسلام
فلما دنونا من القوم
خرجوا إلينا فصلي بنا علي عليهالسلام ثم صفنا صفا واحدا
« ، ثم تقدم بين أيدينا فقرأ
عليهم كتاب رسول الله صلىاللهعليهوآله فأسلمت همدان كلها
، فكتب علي عليهالسلام
إلى رسول الله (ص) فلما قرأ الكتاب خر ساجدا ثم رفع رأسه فقال عليهالسلام ( السلام على همدان
السلام على همدان أخرجه البخاري في الصحيح.
وروى الاعمش عن عمرو بن مرة ، عن أبي
البختري ، عن علي عليهالسلام
قال : بعثني رسول الله صلىاللهعليهوآله
إلى اليمن ، قلت : يا رسول الله تبعثني وأنا شاب أقضي بينهم
ولا أدري ما القضاء؟ قال : فضرب بيده في صدري
وقال : ( اللهم اهد قلبه ، وثبت
____________________
لسانه ) فو الذي نفسي
بيده ما شككت في قضاء بين اثنين.
٢ ـ كا
: العدة ، عن سهل وأحمد بن محمد جميعاً ، عن بكر بن صالح ، عن سليمان
الجعفري ، عن أبي الحسن عليهالسلام قال : سمعته يقول :
أهدى أمير المؤمنين إلى رسول
الله صلىاللهعليهوآله
أربعة أفراس من اليمن ، فقال : سمهالي ، فقال : هي ألوان مختلفة ، فقال : ففيها وضح؟ قال : نعم فيها أشقربه وضح ، قال : فأمسكه
علي ، قال : وفيها كميتان
أوضحان ، فقال : أعطهما ابنيك : قال : والرابع
أدهم بهيم ، قال : بعه واستخلف
به نفقة لعيالك ، إنما يمن الخيل في ذوات
الاوضاح.
٣ ـ كا
: علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبيعد الله عليهالسلام
قال : قال أميرالمؤمنين عليهالسلام : بعثني رسول الله (ص)
إلى اليمن وقال لي : يا علي
لا تقاتلن أحدا حتى تدعوه ، وأيم الله لان يهدي
الله على يديك رجلا خير لك مما
طلعت عليه الشمس وغربت ، ولك ولاؤه يا علي.
بيان
: قوله صلىاللهعليهوآله
: ولك ولاؤه ، أي لك ميراثه إن لم يكن له وارث وعليك
خطاؤه.
٤ ـ ما
: جماعة عن أبي المفضل ، عن عبدالرزاق بن سليمان ، عن الفضل
ابن الفضل الاشعري عن الرضا ، عن آبائه عليهمالسلام أن رسول الله (ص)
بعث عليا
عليهالسلام
إلى اليمن فقال له وهو يوصيه ، يا علي أوصيك بالدعاء فإن معه الاجابة
وبالشكر فإن معه المزيد وإياك عن أن تخفر عهدا
« وتعين عليه ، وأنهاك عن
المكر فإنه لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ، وأنهاك
عن البغي فإنه من بغي عليه
لينصرنه الله.
____________________
٥ ـ ص :
الصدوق ، عن ابن موسى ، عن الاسدي ، عن النخعي ، عن
إبراهيم بن الحكم ، عن عمرو بن جبير ، عن أبيه
، عن الباقر عليهالسلام
قال : بعث النبي
صلىاللهعليهوآله
عليا إلى اليمن فانفلت فرس لرجل من أهل اليمن فنفح رجلا فقتله
فأخذه أولياؤه ورفعوا إلى علي عليهالسلام ، فأقام صاحب الفرس
البينة أن الفرس انفلت
من داره فنفح الرجل برجله ، فأبطل علي عليهالسلام دم الرجل ، فجاء أو
لياء المقتول
من اليمن إلى النبي صلىاللهعليهوآله يشكون عليا فيما
حكم عليهم ، فقالوا : إن عليا ظلمنا
وأبطل دم صاحبنا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : إن عليا ليس
بظلام ، ولم يخلق علي
للظلم ، وإن الولاية من بعدي لعلي ، والحكم
حكمه ، والقول قوله ، لا يرد
حكمه وقوله وولايته إلا كافر ، ولا يرضى بحكمه
وولايته إلا مؤمن ، فلما سمع
الناس قول رسول الله (ص) قالوا : يا رسول الله
رضينا بقول علي وحكمه ، فقال رسول
الله صلىاللهعليهوآله
: هو توبتكم مما قلتم.
٦ ـ ير
: أحمد بن موسى ، عن أحمد بن محمد معروف بغزال ، عن محمد بن عمر
الجرجاني يرفعه إلى عبدالرحمن بن أحمد السلماني
، عن أميرالمؤمنين علي بن
أبي طالب عليهالسلام
قال : دعاني رسول الله (ص) فوجهني إلى اليمن لا صلح بينهم ، فقلت
له : يا رسول الله إنهم قوم كقير وأنا شاب حدث
، فقال لي : يا علي إذا صرت
بأعلى عقبة فيق فناد بأعلى صوتك : يا شجر يا مدر يا
ثرى محمد رسول الله صلىاللهعليهوآله
يقرئكم السلام ، قال : فذهبت فلما صرت بأعلى
عقبة فيق
إشرفت على اليمن
فإذاهم بأسرهم مقبلون نحوي ، مشرعون أسنتهم ، منتكبون
قسيهم ، شاهرون
سلاحهم ، فناديت بأعلى صوتي : يا شجر يا مدر يا
ثرى محمد صلىاللهعليهوآله
يقرئكم السلام
قال : فلم يبق شجرة ولا مدرة ولا ثرى إلا ارتجت
بصوت واحد : وعلى محمد رسول
الله وعليك السلام ، فاضطربت قوائم القوم ، وارتعدت
ركبهم ، ووقع السلاح من
أيديهم وأقبلوا مسرعين ، فأصلحت بينهم وانصرفت.
____________________
بيان
: قال الفيروز آبادي : أفيق كأمير : قرية
بين حوران والغور ، ومنه
عقبة أفيق ، ولا تقل : فيق. وأشرعت الرمح قبله
: سددت. وتنكب القوس : ألقاها
على منكبه.
أقول : سيأتي بأسانيد في أبواب معجزات
أميرالمؤمنين عليهالسلام.
٦ ـ شا :
من فضائل أمير المؤمنين ما أجمع عليه أهل السيرة أن النبي صلىاللهعليهوآله
بعث خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى
الاسلام ، وأنفذ معه جماعة من
المسلمين فيهم البراء بت عازب رحمهالله ، وأقام خالد على
القوم ستة أشهر يدعوهم
فلم يجبه أحد منهم ، فساء ذلك رسول الله (ص) ، فدعا
أميرالمؤمنين عليهالسلام
وأمره
أن يقفل خالدا ومن معه ، وقال له : إن أراد أحد
ممن مع خالد أن يعقب معك
فاتر كه ، قال البراء : فكنت ممن عقب معه ، فلما انتهينا إلى أوائل أهل
اليمن
وبلغ القوم الخبر فجمعوا له فصلى بنا علي بن أبي طالب عليهالسلام الفجر ثم تقدم
بين أيدينا فحمدالله ، وأثنى عليه ، ثم قرأ على
القوم كتاب رسول الله (ص) ، فأسلمت
همدان كلها في يوم واحد ، وكتب بذلك أمير
المؤمنين عليهالسلام
إلى رسول الله (ص) فلما قرأ كتابه استبشر وابتهج وخر ساجدا شكر الله تعالى ، ثم
رفع رأسه و
جلس
وقال : السلام على همدان
ثم تتابع بعد إسلام همدان أهل اليمن على
الاسلام.
د
: عن البراء بن عازب مثله.
بيان
: القفول : الرجوع ، وأقفله : رده وأرجعه.
أقول
: وذكر ابن الاثير في الكامل هذه القصة في وقايع السنة العاشرة نحوا
مما ذكره المفيد رحمهالله.
____________________
٣٥
باب
*(قدوم
الوفود على رسول الله صلىاللهعليهوآله)*
*(وساير
ما جرى إلى حجة الوداع)*
١ ـ عم
: قال بعد ذكر نزول براءة : ثم قدم على رسول الله صلىاللهعليهوآله
عروة بن
مسعود الثقفي مسلما ، واستأذن رسول الله صلىاللهعليهوآله في الرجوع إلى قومه
، فقال : إني
أخاف أن يقتلوك ، فقال : إن وجدوني نائما ما
أيقظوي ، فأذن له رسول الله صلىاللهعليهوآله
فرجع إلى الطائف ودعاهم إلى الاسلام ونصح لهم
فعصوه ، وأسمعوه الاذى حتى
إذا طلع الفجر قام في غرفة من داره فأذن وتشهد
، فرماه رجل بسهم فقتله ، وأقبل
بعد قتله من وفد ثقيف بعضة عشر رجلا هم أشراف
ثقيف فأسلموا ، فأكرمهم رسول
الله صلىاللهعليهوآله
وحباهم وأمر عليهم عثمان بن أبي العاص بن بشر
وقد كان تعلم سوراً من القرآن ، وقد ورد في الخبر عنه أنه قال : قلت
يا رسول الله : إن الشيطان قد
حال بين صلاتي وقراءتي قال : ذاك شيطان يقال له
: خنزب ، فإذا خشيت فتعوذ
بالله منه ، واتفل عن يسارك ثلاثا ، قال : ففعلت
فأذهب الله عني ، رواه مسلم في
الصحيح.
فلما أسلمت ثقيف ضربت إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله وفود العرب فدخلوا
في دين
الله أفواجا ، كما قال الله سبحانه فقدم عليه صلىاللهعليهوآله عطارد بن حاجب بن
زرارة
في أشراف من بني تميم ، منهم الاقرع بن حابس ، والزبرقان
بن بدر ، وقيس
ابن عاصم ، وعيينة بن حصن الفزاري ، وعمرو بن
الاهتم ، وكان الاقرع وعيينة
شهدا مع رسول الله صلىاللهعليهوآله فتح مكة وحنينا
والطائف ، فلما قدم وفد تميم دخلا
معهم فأجارهم رسول الله وأحسن جوارهم ، وممن
قدم عليه وفد بني عامر فيهم عامر
____________________
ابن الطفيل ، وأربد
بن قيس أخو لبيد بن ربيعة لامه ، وكان عامر قد قال لاربد : إني شاعل عنك وجهه ، فإذا فعلته فأعله بالسيف ،
فلما قدموا عليه قال عامر : يا
محمد خالني
فقال : لا حتى تؤمن بالله وحده ، قالها مرتين ، فلما أبى عليه
رسول الله قال : والله لاملانها عليك خيلا حمرا
ورجلا ، فلما ولى قال رسول الله
صلىاللهعليهوآله
: « اللهم اكفني عامر بن الطفيل » فلما خرجوا قال عامر لاربد : أين ما
كنت أمرتك به؟ قال : والله ما هممت بالذي
أمرتني به إلا دخلت بيني وبين الرجل
أفأضربك بالسيف؟ وبعث الله على عامر بن الطفيل
في طريقه ذلك الطاعون في عنقه
فقتله في بيت امرأة من سلول ، وخرج أصحابه حين
واروه إلى بلاهم ، وأرسل الله
على أربد وعلى جمله صاعقة فأحرقتهما.
وفي كتاب أبان بن عثمان : أنهما قدما
على رسول الله صلىاللهعليهوآله
بعد غزوة بني
النضير ، قال : وجعل يقول عامر عند موته : أغدة كغدة البكر ، وموت في
بيت سلولية ، قال : وكان رسول الله عليهالسلام قال في عامر وأربد :
اللهم أبدلني بهما
فارسي العرب ، فقدم عليه زيد بن مهلهل الطائي ،
وهو زيد الخيل ، وعمرو بن معدي
كرب.
وممن قدم على رسول الله وفد طيئ فيهم
زيد الخيل ، وعدي بن حاتم ، فعرض
عليه الاسلام فأسلموا وحسن إسلامهم ، وسماه
رسول الله صلىاللهعليهوآله
زيد الخير ، و
قطع له أرضين معه وكتب له كتابا ، فلما خرج زيد من عند
رسول الله صلىاللهعليهوآله
راجعا إلى قومه قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : إن ينج زيد من
حمى المدينة أو من أم ملدم.
____________________
فلما انتهى من بلد
نجد إلى ماء يقال له : قردة
أصابته الحمى فمات بها ، و
عمدت امرأته إلى ما كان معه من الكتب فأحرقتها.
وذكر محمد بن إسحاق أن عدي بن حاتم فر ،
وإن خيل رسول الله صلىاللهعليهوآله
قد
أخذوا أخته فقدموا بها على رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وأنه من عليها
وكساها وأعطاها
نفقة ، فخرجت مع ركب حتى قدمت الشام ، وأشارت
على أخيها بالقدوم ، فقدم
وأسلم وأكرمه رسول الله وأجلسه على وسادة رمى
بها إليه بيده.
بيان
: في النهاية في حديث الصلاة : ذلك شيطان يقال له خنزب ، قال أبوعمرو
هو لقب له ، والخنزب : قطعة لحم منتنة ، ويروى
بالكسر والضم قوله : خالني
أمر ، من المحالة وهي المحبة الخالصة ، وأم
ملدم كنية الحمى ، ولعل الترديد
من الراوي أو المراد نوع منها.
٢ ـ أقول
: قال في المنتقى في سياق حوادث السنة
التاسعة : وفيها قدم على
رسول الله (ص) كتاب ملوك حمير مقدمه من تبوك ورسولهم
إليه بإسلامهم الحارث بن
عبد كلال ونعيم بن كلال وغيرهما.
وفيها : رجم رسول الله صلىاللهعليهوآله الغامدية ، عن بشير
بن المهاجر
عن أبيه
قال : كنت جالسا عند النبي صلىاللهعليهوآله فجاءته امرأة من
غامد ، فقالت : يا نبي الله إني
قد زينت ، وأريد أن تطهرني ، فقال لها النبي صلىاللهعليهوآله : ارجعي ، فلما كان
من
الغدأتته أيضا فاعترفت عنده بالزنا ، فقالت : يا
رسول الله إني قد زنيت وأريد
____________________
أن تطهرني ، فقال
لها : فارجعي ، فلما أن كان من الغدأتته
فاعترفت عنده
بالزنا ، فقالت : يا نبي الله طهرني فلعلك
تردني كما رددت ما عز بن
مالك ، فوالله إني لحبلى ، فقال لها النبي صلىاللهعليهوآله : ارجعي حتى تلدين ،
فلما ولدت
جاءت بالصبي تحمله قالت : يا نبي الله هذاقد
ولدت. قال : فاذهبي فارضعيه حتى
تفطميه ، فلما فطمته جاءت بالصبي في يده كسرة
خبز قالت : يا نبي الله هذا فطمته
فأمر النبي صلىاللهعليهوآله
بالصبي فدفع إلى رجل من المسلمين ، وأمر بها فحفر لها حفرة
فجعلت فيها إلى صدرها ثم أمر الناس أن يرجموها ،
فأقبل خالد بن الوليد بحجر
فرمى رأسها فنضح الدم على وجنة خالد فسبها فسمع
النبي صلىاللهعليهوآله
سبه إياها ، فقال : مهلايا خالد لا تسبها ، فو الذي نفسي بيده لقد
تابت توبة لو تابها صاحب مكس
لغفر له ، فأمر بها فصلى عليها فدفنت.
وفيها لا عن رسول الله صلىاللهعليهوآله بين عويمر بن
الحارث العجلاني وبين امرأته
بعد العصر في مسجده صلىاللهعليهوآله وكان قد قذفها
بشريك بن سحماء على ما روي عن ابن
عباس أنه قال : لما نزلت : « والذين يرمون المحصنات » الآية ، قرأها النبي
صلىاللهعليهوآله
يوم الجمعة على المنبر ، فقام عاصم بن عدي الانصاري وقال : جعلني الله
فداك إن رأى رجل منامع امرأنه رجلا فأخبر بما
رأى جلد ثمانين وسماه المسلمون
فاسقا ، لا تقبل شهادته أبدا ، فكيف لنا
بالشهداء ونحن إذا التمسنا الشهداء كان الرجل
قد فرغ من حاجته ومر؟ وكان لعاصم هذا ابن عم
يقال له : عو يمر ، وله امرأة
يقال لها : خولة بنت قيس بن محصن ، فأتى عويمر
عاصما وقال : قد رأيت شريك
ابن السحماء على بطن امرأتي خولة ، فاسترجع
عاصما وأتى رسول الله صلىاللهعليهوآله
في
الجمعة الاخرى فقال : يا رسول الله صلىاللهعليهوآله ما أسرع ما ابتليت
بالسؤال الذي سألت
في الجمعة الماضية في أهل بيتي ، وكان عويمر
وخولة والشريك كلهم بنو عم
لعاصم ، فدعا رسول الله صلىاللهعليهوآله بهم جميعا وقال
لعويمر : اتق الله في زوجتك وابنة
عمك فلا تقذفها بالبهتان ، فقال : يا رسول الله
أقسم بالله إني رأيت شريكا على بطنها
____________________
وإني ما قربتها منذ
أربعة أشهر ، وإنها حبلى من غيري ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
للمرأة : اتقي الله ولا تخبريني إلا بما صنعت ،
فقالت : يا رسول الله إن عو يمرا
رجل غيور وإنه رآني وشريكا نطيل السمر ونتحدث
فحملته الغيرة على ما قال
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
لشريك : ما تقول؟ فقال ما تقوله المرأة ، فأنزل الله عز و
جل : « والذين يرمون أزواجهم » الآية ، فأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله حتى نودي : الصلاة جامعة ، فصلى العصر ، ثم قال لعويمر : قم
فقام فقال : اشهد أن خولة زانية
وإني لمن الصادقين ، ثم قال في الثانية : اشهد
بالله أني رأيت شريكا على بطنها و
إني لمن الصادقين ، ثم قال في الثالثة : اشهد
أنها حبلى من غيري ، وإني لمن
الصادقين ، ثم قال في الرابعة : اشهد بالله أني
ما قربتها منذ أربعة أشهر ، وإني لمن
الصادقين ، ثم قال في الخامسة لعنة الله على
عويمر ـ يعني نفسه ـ إن كان من الكاذبين
فيما قال ، ثم أمره بالعقود ، وقال لخولة : قومي
فقامت فقالت : اشهد بالله ما أنا
بزانية ، وإن عويمر المن الكاذبين ، ثم قالت في
الثانية : اشهد بالله أنه ما رأى
شريكا على بطني ، وإنه لمن الكاذبين ، ثم قالت
في الثالثة : اشهد بالله أنه ما رآني
قط على فاحشة وإنه لمن الكاذبين ، ثم قالت في
الرابعة : اشهد بالله أني حبلى منه
وإنه لمن الكاذبين ، ثم قالت في الخامسة : أن
غضب الله على خولة ـ يعني نفسها ـ إن كان من الصادقين ، ففرق رسول الله صلىاللهعليهوآله بينهما ، وقال : « لو
لا هذه الايمان
لكان في أمرها رأي » وقال : تحينوا بها الولادة
فإن جاءت بأصهب أثيبج
يضرب
إلى السواد فهو لشريك ، وإن جاءت بأورق جعدا
جماليا خدلج الساقين فهو لغير
الذي رميت.
قال ابن عباس : فجاءت بأشبه خلق بشريك.
وفي هذه السنة : توفي النجاشي واسمه
اصحمة ، وهو الذي هاجر إليه
المسلمون وأسلم ، وتوفي في رجب هذا السنة فنعاه
رسول الله صلىاللهعليهوآله
إلى المسلمين
وخرج إلى المصلى وصف أصحابه خلفه وصلى عليه.
____________________
وروي عن عائشة قالت : لما مات النجاشي
كنا نتحدث
أنه لا يزال
يرى على قبره نور.
وفيها ماتت أم كلثوم بنت رسول الله صلىاللهعليهوآله كانت تزوجها عتبة
بن أبي لهب
قبل النبوة ، فلما نزلت : « تبت يدا أبي لهب » قال له أبوه : رأسي من رأسك
حرام إن لم تطلق ابنته ، ففارقها ولم يكن دخل
بها ، فلم تزل بمكة مع رسول الله
صلىاللهعليهوآله
ثم هاجرت ، فلما توفيت رقية خلف عليها عثمان في ربيع الاول سنة ثلاث
من الهجرة ، وأدخلت عليه في جمادى الآخرة فماتت
عنده في شعبان من هذه السنة
فغسلتها أسماء بنت عميس وصفية بنت عبدالمطلب
وأم عطية ، ونزل في حفرتها
أبوطلحة.
وفيها مات عبدالله بن عبدبهم بن عفيف ذو البجادين.
وفيها مات عبدالله بن سلول المنافق.
ثم ذكر في وقايع السنة العاشرة : فيها بعث
خالد بن الوليد إلى بني الحارث
ابن كعب ، وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوآله بعث في ربيعها
الآخر من سنة عشر
خالدا
إلى بني الحارث بنجران ، وأمره أن يدعوهم إلى
الاسلام قبل أن يقاتلهم ثلاثا
فإن استجالوا فاقبل منهم وأقم فيهم وعلمهم كتاب
الله وسنة نبيه ومعالم الاسلام
وإن لم يفعلوا فقاتلهم ، فخرج خالد حتى قدم
عليهم فبعث الركبان يضربون في
كل ناحية يدعون الناس إلى الاسلام ، ويقولون : يا أيها
الناس أسلموا تسلموا
فأسلم الناس ودخلوا فيما دعاهم إليه فأقام خالد
فيهم يعلمهم الاسلام ، وكتاب الله
____________________
وسنة نبيه ، ثم كتب
إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله
:
بسم الله الرحمن الرحيم : لمحمد رسول
الله صلىاللهعليهوآله
من خالد بن الوليد السلام
عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته. فإني
أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، أما
بعد يا رسول الله صلى الله عليك ، فانك بعثتني
إلى بني الحارث بن كعب وأمرتني
إذا أتيتهم أن لا أقاتلهم ثلاثة أيام وأن
أدعوهم إلى الاسلام ثلاثة إيام. فإن أسلموا
قبلت منهم ، وإني قدمت عليهم ودعوتهم إلى
الاسلام فأسلموا وأنا مقيم أعلمهم
معالم الاسلام.
فكتب رسول الله : من محمد رسول الله إلى
خالد بن الوليد ، سلام عليك فإني
أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد
فإن كتابك جاءني مع رسولك يخبرني
أن بني الحارث قد أسلموا قبل أن يقاتلوا فبشرهم
وأنذرهم وأقبل معهم ، وليقبل
معك وفدهم ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
فأقبل خالد بن الوليد إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله وأقبل معه وفد بني
الحارث فيهم
قيس بن الحصين فسلموا عليه ، وقالوا : نشهد أنك
رسول الله ، وأن لا إله إلا الله
فقال رسول الله (ص) : وأنا أشهد أن لا إله إله
إلا الله ، وأني رسول الله ، وأمر عليهم
قيسا فلم يمكثوا في قومهم إلا أربعة أشهر حتى
توفي رسول الله صلىاللهعليهوآله
، وبعث إلى
بني الحارث بعد أن ولى وفدهم عمرو بن حزم
الانصاري ليفقههم ويعلمهم السنة
والاسلام
ويإخذمنهم صدقاتهم.
وفيها قدم وفد سلامان في شوالها وهم
سبعة نفر رأسهم حبيب السلاماني.
وفيها قدم وفد محارب في حجة الوداع وهم عشرة نفر فيهم سواءبن الحارث
وابنه خزيمة ، ولم يكن أحد أفظ ولا أغلظ على
رسول الله صلىاللهعليهوآله
منهم ، وكان في
الوفد رجل منهم فعرفه رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : الحمد لله
الذي أبقاني حتى صدقت
بك ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « إن هذه القلوب
بيد الله » ومسح وجه خزيمة فصارت
له غرة بيضاء ، وأجازهم كما يجيز الوفد
وانصرفوا.
____________________
وفيها قدم وفد الازد رأسهم صرد بن
عبدالله الازدي في بضعة عشر.
وفيها قدم وفد غسان وفد عامر كلاهما في شهر
رمضان.
وفيها قدم وفد زبيد على رسول الله صلىاللهعليهوآله فيهم عمرو بن معدي
كرب فأسلم
فلما توفي رسول الله صلىاللهعليهوآله ارتد عمرو ثم عاد
إلى الاسلام.
وفيها قدم وفد عبد القيس ، والاشعث بن قيس في
وفد كنده ، ووفد بني
حنيفة معهم مسيلمة الكذاب ، ثم ارتد بعد أن رجع
إلى وطنه.
وفيها قدم وفد بجيلة ، قدم جرير بن
عبدالله البجلي ، ومعه من قومه مائة
وخمسون رجلا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « يطلع عليكم من
هذا الفج من خير ذي
يمن ، على وجهه مسحة ملك » فطلع جرير على
راحلته على راحلته ومعه قومه فأسلموا وبايعوا
قال جرير : وبسط رسول الله يده فبايعني ، وقال :
« على أن تشهد أن لا إله إلا الله
وأني رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة
، وتصوم شهر رمضان ، وتنصح
للمسلمين ، وتطيع الوالي وإن كان عبداحبشيا » فقلت
: نعم فبايعته ، وكان رسول
الله صلىاللهعليهوآله
يسأله عما وراءه فقال : يا رسول الله قد أظهر الله الاسلام والاذان وهدمت
القبائل أصنامهم التي تعبد ، قال : فما فعل ذو الخلصة قال : هو على حاله
فبعثه رسول الله صلىاللهعليهوآله
إلى هدم ذي الخلصة ، وعقد له لواء فقال : إني لا أثبت على
الخيل ، فمسح رسول الله صلىاللهعليهوآله صدره وقال : « اللهم
اجعله هاديا مهديا » فخرج
في قومه وهم زهاء مائتين ، فما أطال الغيبة حتى
رجع ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
: أهدمته؟ قال : نعم والذي بعثك بالحق ، وأحرقته
بالنار ، فتركته كما يسوء أهله
فبرك رسول الله صلىاللهعليهوآله
على خيل أخمس
ورجالها.
____________________
وفيها قدم السيد والعاقب من نجران فكتب
لهم رسول الله صلىاللهعليهوآله
كتاب صلح.
وفيها قدم وفد عبس ووفد خولان وهم عشرة ، وكان
رسول الله صلىاللهعليهوآله
إذا
قدم الوفد لبس أحسن ثيابه وأمر أصحابه بذلك.
وفيها قدم وفد عامر بن صعصعة ، وفيهم
عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة
وكانا قد أقبلا يريدان رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقيل : يا رسول
الله هذا عامر بن الطفيل
قد أقبل نحوك ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « دعه فإن يرد
الله به خيرا يهده » فأقبل
حتى قام عليه ، فقال : يا محمد مالي إن أسلمت؟
قال : « لك ما للمسلمين ، وعليك
ما عليهم » قال : تجعل لي الامر بعدك. قال : « ليس ذلك إلي ، إنما ذلك إلى
الله يجعله حيث شاء » قال : فتجعلني على الوبر
وأنت على المدر؟ قال : لا ، قال : فماذا تجعل لي؟ قال : « أجعل لك أعنة الخيل تغزو عليها » قال : أو ليس ذلك
إلي اليوم؟ كان عامر قد قال لاربد : إذا رأيتني
أكلمه فدر من خلفه فاضربه
بالسيف ، فدار أربد ليضربه فاخترط من سيفه شبرا
ثم حبسه الله فيبست يده على
سيفه ولم يقدر على سله ، فعصم الله نبيه ، فرأى
أربد وما يصنع بسيفه قال : « اكفنيهما
بما شئت » فأرسل الله تعالى على أربد صاعقة
فأحرقته ، وولى عامر هاربا وقال : يا
محمد دعوت ربك فقتل أربد؟ والله لاملانها عليك
خيلا جردا وفتيانا مردا ، فقال
رسول الله صلىاللهعليهوآله
: « يمنعك الله من ذلك وأبناء قيلة » يعني الاوس والخزرج ، فنزل
عامر بيت امرأة سلولية فلما أصبح ضم عليه سلاحه
وخرج وهو يقول : والله
لئن أصحر إلي محمد وصاحبه ـ يعني ملك الموت ـ لانفذهما برمحي ، فأرسل الله
تعالى ملكا فأثراه في التراب وخرجت عليه غدة كغدة البعير عظيمة ، فعاد
إلى
بيت السلولية وهو يقول : أغدة كغدة البعير ، وموت
في بيت سلولية.
ثم ركب فرسه فمات على ظهر الفرس. فأنزل الله
تعالى : « ويرسل الصواعق
____________________
فيصيب بها من يشاء ».
وفيها خرج بديل بن أبي مارية مولى العاص بن وائل في تجارة إلى الشام
وصحبه نميم الداري وعدي بن بداء وهما على
النصرانية ، فمرض ابن أبي مارية
وقد كتب وصية وجعلها في ماله فقدموا بالمال
والوصية ففقدوا جاما أخذه تميم
وعدي ، وأحلفهما رسول الله صلىاللهعليهوآله بعد العصر ، ثم ظهر
عليه ، فحلف عبدالله بن
عمرو بن العاص والمطلب بن أبي وداعة واستحقا.
٣ ـ وقال في الكامل : وفي السنة العاشرة بعث رسول الله صلىاللهعليهوآله أمراءه على
الصدقات ، فبعث المهاجر بن أبي أمية بن المغيرة
إلى صنعاء ، فخرج عليه العبسي
وهو بها ، وبعث زياد بن أسد الانصاري إلى حضر موت على صدقاتها ، وبعث
عدي بن حاتم الطائي على صدقة طيئ وأسد ، وبعث
مالك بن نويرة على صدقات
حنظلة ، وجعل الزبرقان بدر وقيس بن عاصم على
صدقات زيد بن مناة بن
تميم
وبعث العلاء بن الحضرمي إلى البحرين ، وبعث علي
بن أبي طالب عليهالسلام
إلى
نجران ليجمع صدقاتهم وجزيتهم ففعل وعاد ، فلقي
رسول الله صلىاللهعليهوآله في حجة
الوداع ، واستخلف على الجيش الذين معه رجلا من
أصحابه ، وسبقهم إلى البني
صلىاللهعليهوآله
فلقيه بمكة ، فعمد الرجل إلى الجيش فكساهم كل رجل حلة من البرد
الذي مع علي عليهالسلام
، فلما دنا الجيش خرج علي عليهالسلام
ليتلقاهم فرأى عليهم
الحلل ، فنزعها عنهم ، فشكاه الجيش إلى رسول
الله عليه واله فقام رسول الله (ص) خطيباً
____________________
فقال : أيها الناس
لا تشكوا عليا فانه والله لاخشن
في ذات الله ، أو في سبيل
الله.
بيان
: قوله : صاحب مكس ، أي عشار. وقال الجزري : في حديث الاذان
كانوا يتحينون وقت الصلاة ، أي يطلبون حينها ، والحين
: الوقت. وقال : الاصهب : الذي يعلو لونه صهبة ، وهي كاشقرة.
وقال : في حديث اللعان إن جاءت
به أثيبج ، فهو لهلال ، تصغير الاثيج وهو الاتئ
الثبج ، أي ما بين الكتفين والكاهل
ورجل أثبج أيضا : عظيم الجوف. وقال : الاورق : الاسمر.
والجعد : شديد
الخلق ، أو مجتمعة الخلق ، أو جعد الشعر ضد
السبوطة ، وقال : الجمالي بالتشديد
الضخم الاعضاء التام الاوصال ، يقال : ناقة
جمالية : شبيهة بالجمل عظما وبدانة.
وقال : خدلج الساقين : عظيمهما ، وقال : البجاد
: الكساء ، ومنه تسمية رسول
الله صلىاللهعليهوآله
عبدالله بن عبد بهم ذا الجبادين ، لانه حين أراد المصير إلى النبى (ص)
قطعت أمه بجادا قطعتين فارتدى بإحداهما ، وائتزر بالاخرى ، وقال : يقال : على وجهه مسحة ملك ، ومسحة جمال ، أي أثر ظاهر منه ، ولا يقال ذلك إلا في المدح
وقال : في صفة المهدي قرشي يمان ، ليس من ذي
ولا ذو ، أي ليس فيه نسب أذواء
اليمن ، وهم ملوك حمير ، منهم ذويزن وذورعين ، ومنه
حديث جرير : يطلع عليكم
رجل من ذي يمن ، على وجهه مسحة من ذي ملك ، كذا
أورده عمر الزاهد ، وقال : ذي ههنا صلة ، أي زائدة. وقال : ذوالخلصة : هو
بيت كان فيه صنم لدوس وخثعم
وبجيلة وغيرهم ، وقيل : ذوالخلصة : الكعبة
اليمانية التي كانت باليمن ، فأنفذ
إليها رسول الله صلىاللهعليهوآله
جرير بن عبدالله البجلي فخربها ، وقيل : ذوالخلصة : اسم
الصنم ، وفيه نظر لان « ذو » لا يضاف إلا إلى
أسماء الاجناس. وفي القاموس : فرس أجرد : قصير الشعر رقيقه ، والاجرد : السباق.
وفي النهاية أخيشن في ذات الله هو تصغير
الاخشن للخشن.
____________________
٤ ـ قب
بعث صلىاللهعليهوآله
رسله إلى الآفاق في سنة عشر ، وبين فتح مكة ووفاته
كانت الوفود ، منهم بنو سليم وفيهم العباس بن
مرداس ، وبنو تيم وفيهم عطارد بن
زرارة
وبنو عامر وفيهم عامر بن الطفيل وأربد بن قيس ، وبنو سعد بن بكرو
فيهم ضمام بن ثعلبة ، وعبدالقيس والجارود بن
عمرو وبنو حنيفة وفيهم مسيلمة
الكذاب ، وطيئ وفيهم زيد الخيل وعدي بن حاتم ، وزبيد
وفيهم عمرو بن معدي
كرب ، وكندة وفيهم الاشعث بن قيس ، ونجران
وفيهم السيد والعاقب وأبو
الحارث والازد. وبعث حمير إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله بإسلامهم ، وبعث
فروة الجذامي
رسولا باسمه ، وبنو الحارث بن كعب وفيهم قيس بن
الحصين ويزيد بن عبدالمدان
وثقيف وسيدهم عبد نايل ، بنو أسد وأسلم.
٥ ـ كنز
الكراجكي : روي أن النبي صلىاللهعليهوآله كان يوما جالسا في
نفر من
أصحابه وقد صلى الغداة إذا أقبل أعرابي على
ناقة له حتى وقف بباب المسجد
فأناخها ثم عقلها ودخل المسجد يتخطى الناس
والناس يوسعون له ، وإذا هو رجل
مديد القامة ، عظيم الهامة ، معتجر بعمامة.
فلما مثل بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوآله
أسفر
عن لثامه ثم هم أن يتكلم فارتج ، ثم هم أن
يتكلم فارتج
حتى اعترضه ذلك
ثلاث مرات ، فلما رآه النبي صلىاللهعليهوآله وقد ركبه الزمع لهى
عنه بالحديث ليذهب
عنه بعض الذي أصابه ، وقد كسا الله نبيه جلالة
وهيبة ، فلما أنس وفرخ روعه
قال له النبي صلىاللهعليهوآله
: قل لله أنت ما أنت قائل ، فأنشد أبياتا اعتذارا عما أصابه
فاستوى رسول الله صلىاللهعليهوآله وكان متكئا فقال : أنت أهيب بن سماع ، ولم
يره
قط قبل وقته ذلك فقال : أنا أهيب بن سماع الآبي الدفاع
القوي المناع
قال : « أنت الذي ذهب جل قومك بالغارات ، ولم
ينفضوا رؤسهم من الهفوات ، إلا
منذ أشهر وسنوات » قال : أنا ذاك ، قال : « أتذكر
الازمة التي أصابت قومك ،
____________________
احرنجم لها الذيخ ، وأخلف
نوء المريخ ، وامتنعت
السماء ، وانقطعت الانواء
واحترقت العنمة ، وخفت البرمة ، حتى أن الضيف
لينزل بقومك وما في الغنم عرق
ولا غزر ، فتر صدون الضب المكنون فتقتنصونه؟ وكأنك قلت في طريقك إلي : لستألني عن حل ذلك وعن حرجه ألا ولا حرج على مضطر ، ومن كرم
الاخلاق
برالضيف » قال : فقال : لا والله لا أطلب أثرا
بعد عين ، لكأنك كنت معي في
طريقي وشريكي في أمري ، أشهد أن لا إله إلا
الله ، وإنك محمد رسول الله ، ثم قال : يا رسول الله زدني شرحا وبيانا أزدد بك إيمانا ،
فقال له النبي صلىاللهعليهوآله
: أتذكر إذ
أتيت صنمك في الظهيرة فعترت له العتيرة ، فقال :
نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله
إن الحارث بن أبي ضرار المصطلقي جمع لك جموعا
ليدهمك بالمدينة ، واستعان بي
على حربك وكان لي صنم يقال له : واقب فرقبت خلوته ، وقممت ساحته ، ثم
نفضت التراب عن رأسه ، ثم عترت له عتيرة ، فإني
لاستخبره في أمري ، وأستشيره
في حربك
إذ سمعت له صوتا قف له شعري ، واشتد منه ذعري ، فوليت عنه و
هو يقول :
أهيب مالك تجزع
|
|
لا تنأ عني وارجع
|
واسمع مقالا ينفع
|
|
جاءك ما لا يدفع
|
نبي صدق أروع
|
|
فاقصد إليه واسرع
|
تأمن وبال المصرع
قال أهيب : فأتيت أهلي ولم أطلع أحدا
على أمري ، فلما كان من الغد أتيته
في الظهيرة فرقبت خلوته ، وقممت ساحته ، وعترت
له عتيرة ، ثم جسدته بدمها
فبينا أنا كذلك إذ سمعت منه صوتا هائلا فوليت
عنه هاربا ، وهو يقول كلاما في
معنى كلامه الاول ، قال : فلما كان من غد ركبت
ناقتي ، ولبست لامتي ، و
____________________
تكبدت الطريق حتى
أتيتك ، فأنزلي سراجك ، وأوضح لي منهاجك ، قال : فقال
النبي صلىاللهعليهوآله
: قل : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وإني محمد عبده ورسوله ، فقالها
غير مستنكف وأسلم وحسن إسلامه ، ووقرحب الاسلام
في قلبه ، فقال النبي صلىاللهعليهوآله
لامير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام : خذ بيده فعلمه
القرآن ، فأقام عند النبي
صلىاللهعليهوآله
فلما حذق شيئا من القرآن قال : يا نبي الله إن الحارث ابن أبي ضرار قد
جمع لك جموعا ليدهمك بالمدينة ، فلو وجهت معي
قوما بسرية تشن عليهم الغارة
فوجه النبي صلىاللهعليهوآله
معه أمير المؤمنين وجماعة من المؤمنين
فظفروا بهم واستاقوا
إبلهم وماشيتهم.
توضيح : يقال : ارتج على القاري على ما
لم يسم فاعله : إذا لم يقدر على
القراءة. والزمع بالتحريك : الدهش. وفرخ الروع
تفريخا : ذهب كأفرخ. و
الازمة : الشدة والضيق. واحرنجم : أراد الامر
ثم رجع عنه ، والقوم أو الابل : اجتمع بعضها وازدحموا. والذيخ بالكسر : الذئب ،
والجرئ والفرس الحصان
وذكر الضباع الكثير الشعر ، والنوء ، : سقوط
نجم من المنازل في المغرب مع الفجر
وطلوع رقيبه من المشرق يقابله من ساعته في كل
ليلة إلى ثلاثة عشر يوما ، وهكذا
كل نجم منها إلى انقضاء السنة ما خلا الجبهة
فإن لها أربعة عشر يوما ، وكانت
العرب تضيف الامطار والرياح والحر والبرد إلى
الساقط ، كذا ذكر الجوهري.
وقال : العنم : شجرلين الاعضاء يشبه بنان
الجواري. وقال : البرم : ثمر العضاة
الواحدة برمة ، وفي بعض النسخ بالزاء يقال : بزم
عليه ، أي عض بمقدم أسنانه
والبزمة في الاكل : هو أن يأكل في اليوم والليل
مرة. والعرق : اللبن ، ولعل
المراد هنا اللبن القليل ، وبالغزر الكثير ، قال
في القاموس : الغزير : الكثير من
كل شئ والغزيرة : الكثيرة الدر. واقتنصه : اصطاده.
قوله : لا أطلب أثرا بعد
عين ، الاثر : الخبر ، أي لا أنتظر سماع خبر
بحقيتك بعدما عاينت من معجزاتك
____________________
والعتيرة : الذبيحة
كانت تذبح للاصنام فيصب دمها على رأسها. وقف شعره : قام
فزعا. والاروع من الرجال : الذي يعجبك حسنه ـ وجسد
الدم به كفرح : لصق
وثوب مجسد مجسد : مصبوغ بالزعفران. واللامة : الدرع
، أو جميع أدوات
الحرب. والكبد : الشدة ، وقال الجوهري : حذق
الصبي القرآن والعمل يحذق
حذقا وحذقا : إذا مهر. وحذق بالكسر حذقا لغة
فيه.
٣٦
باب
*(حجة
الوداع وماجرى فيها إلى الرجوع إلى المدينة)*
*(وعدد
حجه وعمرته صلىاللهعليهوآله وسائر الوقائع)*
*(إلى
وفاته صلىاللهعليهوآله)*
الآيات : الحج « ٢٢ » : وأذن في الناس بالحج
يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من
كل فج عميق * ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في ايام معلومات على
مارزقهم من بهيمة الانعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير * ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا
نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق
٢٧ ـ ٢٩.
تفسير
: قال الطبرسي رحمة الله : اختلف في المخاطب به على قولين : أحدهما
أنه إبراهيم عليهالسلام
والثاني أن المخاطب به نبينا صلىاللهعليهوآله
« وأذن » يا محمد في الناس
« بالحج
» فأذن صلىاللهعليهوآله
في حجة الوداع ، أي أعلمهم بوجوب الحج « رجالا » أي
مشاة على أرجلهم « وعلى كل ضامر » أي ركبانا ، قال
ابن عباس : يريد الابل ، ولا يدخل بعير ولا غيره الحرم إلا وقد هزل
وسيأتي تفسير الآية في كتاب الحج
إن شاء الله تعالى.
١ ـ كا
: العدة : عن أحمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن عمر بن
____________________
أبان الكلبي قال : ذكرت
لابي عبدالله عليهالسلام
المستحاضة فذكر أسماء بنت عميس فقال : إن أسماء ولدت محمد بن أبي بكر با لبيداء ، وكان
في ولادتها البركة للنساء لمن
ولدت منهن أو طمثت ، فأمرها رسول الله صلىاللهعليهوآله فاستثفرت وتنطقت بمنطقة
وأحرمت.
٢ ـ كا
: علي ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز ، عن
زرارة ، عن أبي جعفر عليهالسلام
أن أسماه بنت عميس نفست بمحمد بن أبي بكر ، فأمرها
رسول الله صلىاللهعليهوآله
حين أرادت
الاحرام من ذي الحليفة أن تحتشي بالكرسف والخرق
، وتهل بالحج ، فلما قدموا
مكة وقد نسكوا المناسك وقد أتى لها ثمانية عشر
يوما فأمرها رسول الله صلىاللهعليهوآله
أن
تطوف بالبيت وتصلي ، ولم ينقطع عنها الدم ففعلت
ذلك.
٣ ـ كا
: علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن
معاوية بن عمار ، عن أبي ـ عبدالله عليهالسلام
قال : قطع رسول الله صلىاللهعليهوآله
التلبية حين زاغت الشمس يوم عرفة.
٤ ـ كا
: علي ، عن أبيه ، ومحمد بن إسماعيل عن الفضل ، عن صفوان ، عن
معاوية بن عمار قال : قال أبوعبدالله عليهالسلام : إن المشركين
كانوا يفيضون من قبل
أن تغيب الشمس ، فخالفهم رسول الله (ص) فأفاض
بعد غروب الشمس ، وقال : « أيها
الناس إن الحج ليس بوجيف الخيل ، ولا إيضاح الابل ، ولكن اتقوا الله و
سيروا سيرا جميلا ، ولا توطؤا ضعيفا ، ولا
توطؤا مسلما » وكان صلىاللهعليهوآله
يكف ناقته
____________________
حتى يصيب رأسها مقدم
الرحل ، ويقول : أيها الناس عليكم بالدعة. والخبر
مختصر.
٥ ـ كا
: العدة ، عن سهل ، عن البزنطي ، عن أبي جعفر الثاني عليهالسلام
قال : إن رسول الله لما كان يوم النحر أتاه طوائف من
المسلمين فقالوا : يا رسول الله ذبحنا
من قبل أن نرمي وحلقنا من قبل أن نذبح ، ولم
يبق شئ مما ينبغي لهم أن يقدموه
إلا أخروه ، ولا شئ مما ينبغى لهم أن يؤخروه
إلا قدموه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
: لا حرج لا حرج.
٦ ـ كا
: محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن
إسماعيل بن همام قال : قال
أبوالحسن عليهالسلام
: دخل النبي صلىاللهعليهوآله
الكعبة فصلى في زواياها الاربع ، صلى في
كل زاوية ركعتين.
٧ ـ كا
: علي ، عن أبيه ، عن ابن ابي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن
أبي عبدالله عليهالسلام
قال : لم يدخل الكعبة رسول الله صلىاللهعليهوآله
إلا يوم فتح مكة.
٨ ـ ل
: الحسن بن عبدالله بن سعيد العسكري ، عن
عبدالله بن محمد بن عبد ـ الكريم
، عن ابن عوف ، عن مكي بن إبراهيم ، عن موسى بن عبيدة ، عن صدقة
ابن يسار ، عن عبدالله بن عمر قال : نزلت هذه
السورة : « إذا جاء نصرالله والفتح
» على رسول الله صلىاللهعليهوآله
في أوسط أيام النشريق ، فعرف أنه الوداع ، فركب راحلته
لعضباء فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : يا
أيها الناس كل دم كان في الجاهلية فهو
هدر وأول دم هدر دم الحارث بن ربيعة بن الحارث ،
كان مسترضعا في هذيل
فقتله
____________________
بنو الليث ـ أو قال : كان مسترضعا في بني فقتله
هذيل ـ وكل ربا كان في الجاهلية
فموضوع ، وأول ربا وضع ربا العباس بن عبدالمطلب
، أيها الناس إن الزمان
قد استدار فهو اليوم كهيئة يوم خلق الله
السماوات والارضين ، وإن عدة الشهور
عندالله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق
السموات والارض منها أربعة حرم : رجب مضر الذي بين جمادى وشعبان : وذو القعدة
وذو الحجة والمحرم فلا تظلموا
فيهن أنفسكم ، فإن النسئ زيادة في الكفر يضل به
الذين كفروا يحلونه عاما
ويحرمونه عاما ليواطؤا عدة ما حرم الله ، وكانوا يحرمون المحرم عاما ، و
يستحلون صفر ، ويحرمون صفر عاما ويستحلون المحرم ، أيها الناس إن
الشيطان قد يئس أن يعبد في بلادكم أخر الابد ، ورضي
منكم بمحقرات
الاعمال
أيها الناس من كانت عنده وديعة فليؤدها إلى من
ائتمنه عليها ، أيها الناس إن
النساء عندكم عوان لا يملكن لانفسهن ضرا ولا
نفعا ، أخذ تموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمات الله ، فلكم عليهن حق ، ولهن عليكم حق ، ومن
حقكم عليهن أن لا يواطؤا فرشكم ولا يعصينكم في معروف ، فإذا
فعلن ذلك
فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، ولا تضربوهن ، أيها
الناس إني قد تركت
فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا : كتاب الله
عزوجل فاعتصموا به ، يا أيها الناس
أي يوم هذا؟ قالوا : يوم حرام ، ثم قال : يا
أيها الناس فأي شهر هذا؟ قالوا : شهر حرام ، ثم قال : أيها الناس أي بلد هذا؟
قالوا : بلد حرام ، قال : فان الله
عزوجل حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم
كحرمة هذا ، في
شهركم هذا ، في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه ، ألا
فليبلغ شاهدكم غائبكم ، لا نبي
بعدي ، ولا أمة بعدكم ، ثم رفع يديه حتى أنه ليرى بياض إبطيه ، ثم قال :
____________________
اللهم اشهد أني قد
بلغت.
بيان
: قال الجزري : فيه إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله
السماوات والارض ، يقال : دار يدور ، واستدار
يستدير ، بمعنى إذا طاف حول
الشئ ، وإذاعادإلى الموضع الذي ابتدأ منه ، ومعنى
الحديث أن العرب كانوا
يؤخرون الحرم إلى صفر وهو النسئ ليقاتلوا فيه
فينتقل المحرم من شهر إلى
شهر حتى يجعلوه في جميع شهور السنة ، فلما كانت
تلك السنة كان قد عاد إلى زمنه
المخصوص به قبل النقل ودارت السنة كهيئتها
الاولى. وقال : أضاف رجبا إلى مضر
لانهم كانوا يعظمونه خلاف غيرهم ، فكأنهم
اختصوابه. وقوله : بين جمادى و
شعبان تأكيد للبيان والايضاح ، لانهم كانوا
ينسؤنه ويؤخرونه من شهر إلى شهر
فيتحول عن موضعه المختص به ، فبين لهم أنه
الشهر الذي بين جمادى وشعبان ، لا ما كانوا يسمونه علي حساب النسئ. وقال : العاني : الاسير ، وكل من ذل و
استكان وخضع فهو عان ، والمرأة عانية ، وجمعها
عوان ، ومنه الحديث ، اتقوا الله
في النساء فإنهن عوان عندكم ، أي أسراء أو
كالاسراء.
قوله صلىاللهعليهوآله
: بأمانة الله ، أي بأن جعلكم أمينأ عليهن ، وأمركم بحفظهن
فهن ودايع الله عندكم.
وقال الطيبي في شرح المشكاة : أي بعهده
وهو ما عهد إليهم من الرفق و
الشفقة ، وقال في قوله : بكلمات الله ، هو قوله
: « فانكحوا ما طاب لكم » وقيل
بالايجاب والقبول ، وقيل : بكلمة التوحيد إذ لا
تحل المسلمة لكاف
أقول : سيأتي معنى آخر في الخبر في كتاب النكاح ، وسيأتي تلك الخطبة
بأسانيد في باب خطب النبي صلىاللهعليهوآله
وباب المناهي إنشاءالله تعالى.
٩ ـ ما
: حمويه بن علي ، عن محمد بن محمد بن بكر ، عن الفضل بن حباب ، عن مكي
بن مروك
الاهوازي ، عن علي بن بحر ، عن حاتم بن إسماعيل ، عن جعفر بن
____________________
محمد ، عن أبيه عليهماالسلام قال : دخلنا على
جابر بن عبدالله فلما انتهينا إليه سأل عن القوم
حتى انتهى إلي فقلت : أنا محمد بن علي بن
الحسين فأهوى بيده إلى رأسي فنزع
زري الاعلى وزري الاسفل ، ثم وضع كفه بين ثديي
وقال : مرحبا بك ، و
أهلا يا ابن أخي ، سل ما شئت ، فسألته وهو أعمى
فجاء وقت الصلاة فقام في نساجة
فالتحف بهافلما وضعها على منكبه رجع طرفاها إليه من صغرها ، ورداؤه
إلى
جنبه على المشجب فصلى بنا ، فقلت : أخبرني عن
حجة رسول الله صلىاللهعليهوآله
، فقال
بيده فعقد تسعا ، وقال : إن رسول الله صلىاللهعليهوآله مكث تسع سنين لم
يحج ، ثم أذن
في الناس في العاشرة أن رسول الله صلىاللهعليهوآله حاج ، فقدم المدينة
بشر كثير كلهم يلتمس
أن يأتم برسول الله صلىاللهعليهوآله ويعمل ما عمله ، فخرج
وخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة
فذكر الحديث ، وقدم علي من اليمن ببدن النبي صلىاللهعليهوآله فوجد فاطمة فيمن
أحل
ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت ، فأنكر علي ذلك
عليها ، فقالت : أبي صلىاللهعليهوآله
أمرني
بهذا ، وكان علي عليهالسلام
يقول بالعراق : فذهبت إلى رسول الله (ص) محرشا على
فاطمة بالذي صنعت ، مستفتيا رسول الله صلىاللهعليهوآله بالذي ذكرت عنه
فأنكرت ذلك
قال : صدقت ، صدقت.
بيان
: قال الجزري : النساجة : ضرب من الملاحف منسوجة كإنها سميت
بالمصدر ، وقال : المشجب بكسر الميم : عيدان
تضم رؤسها وتفرج بين قوائمها وتوضع
عليها الثياب ، وقال : في حديث علي عليهالسلام في الحج : فذهبت
إلى رسول الله (ص) محرشا على فاطمة ، أراد بالتحريش هيهنا ذكر ما يوجب عتابه لها ،
وأصله الاغراء
والتهييج.
١٠ ـ عم
شا
: لما أراد رسول الله صلىاللهعليهوآله
التوجه إلى الحج وأداء فرض الله
____________________
تعالى فيه أذن في الناس به ، وبلغت دعوته إلى
أقاصي بلاد الاسلام
فتجهز الناس للخروج معه ، وحضر المدينة من
ضواحيها ومن حولها
ويقرب
منها خلق كثير ، وتهيئوا
للخروج معه ، فخرج صلىاللهعليهوآله
بهم
لخمس بقين من ذي القعدة ، وكاتب أمير المؤمنين عليهالسلام بالتوجه إلى الحج
من
اليمن ولم يذكر له نوع الحج الذي قد عزم عليه
وخرج صلىاللهعليهوآله
قارنا للحج
بسياق الهدي ، وأحرم عليهالسلام من ذي الحليفة ، وأحرم
الناس معه ، ولبى من عند
الميل الذي بالبيداء فاتصل ما بين الحرمين
بالتلبية حتى انتهى إلى كراع الغميم ، وكان الناس معه ركبانا ومشاة ، فشق على المشاة المسير ، وأجهد هم السير
والتع
فشكوا ذلك إلى النبي صلىاللهعليهوآله
واستحملوه ، فأعلمهم أنه لا يجد لهم
ظهرا ، وأمرهم أن يشدوا على أوساطهم ، ويخلطوا
الرمل بالنسل ، ففعلوا ذلك و
استراحوا إليه ، وخرج أمير المؤمنين عليهالسلام بمن معه من العسكر
الذي كان صحبه
إلى اليمن ، ومعه الحلل الذي كان أخذها من أهل نجران ، فلما قارب
رسول
الله صلىاللهعليهوآله
إلى مكة من طريق المدينة قاربها أمير المؤمنين عليهالسلام
من طريق اليمن ، و
تقدم الجيش للقاء النبي صلىاللهعليهوآله ، وخلف عليهم رجلا
منهم ، فأدرك النبي (ص) و
قد أشرف على مكة فسلم عليه وخبره بما صنع ، وبقبض
ما قبض ، وأنه سارع
للقائه أمام الجيش ، فسر رسول الله صلىاللهعليهوآله لذلك وابتهج بلقائه ، وقال له : بم
أهللت يا علي؟ فقال : يا رسول الله إنك لم تكتب
لي بإهلالك ولا
عرفته
فعقدت نيتي بنيتك ، فقلت : اللهم إهلالا كإهلال
نبيك ، وسقت معي من البدن
____________________
أربعا وثلاثين بدنة ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : الله أكبر ، قد
سقت أنا ستاو ستين وأنت شريكي في حجي ومناسكي وهديي ، فأقم على إحرامك ، وعد إلى
جيشك
فعجل بهم إلي حتى نجتمع بمكة إن شاءالله ، فودعه
أمير المؤمنين عليهالسلام
وعاد
إلى جيشه فلقيهم عن قرب فوجدهم قد لبسوا الحلل
التي كانت معهم ، فأنكر ذلك
عليهم ، وقال للذي كان استخلفه عليهم : ويلك ما دعاك إلى أن تعطيهم الحلل
من قبل أن ندفعها إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله
ولم أكن أذنت لك في ذلك؟ فقال : سألوني أن يتجملوا بها ويحرموا فيها ثم يردوها
علي ، فانتزعها أمير المؤمنين عليهالسلام
من القوم وشدها في الاعلال فاضطغنوا ذلك عليه ، فلما دخلوا مكة كثرت
شكاياهم
من أمير المؤمنين عليهالسلام
، فأمر رسول الله (ص) مناديا
فنادى في الناس : « ارفعوا
ألسنتكم عن علي بن أبي طالب فإنه خشن في ذات الله عزوجل ، غير
مداهن في دينه » فكف القوم عن ذكره وعلموا
مكانه من النبي صلىاللهعليهوآله
سخطه على
من رام الغميزة فيه ، وأقام أميرالمؤمنين عليهالسلام على إحرامه تأسيا
برسول الله (ص)
وكان قد خرج مع النبي صلىاللهعليهوآله
كثير من المسلمين بغير سياق هدى ، فأنزل الله
تعالى : « وأتموا الحج والعمرة لله » وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « دخلت العمرة
في الحج إلى يوم القيامة « وشبك إحدى أصابع
يديه على الاخرى
ثم قال عليهالسلام
: » لو
استقبلت من أمري ما استدبرته
ما سقت الهدي » ثم أمر مناديه أن ينادي
: « من لم يسق منكم هديا فليحل وليجعلها
عمرة ، ومن ساق منكم هديا فليقم على
إحرامه » فأطاع في ذلك بعض الناس ، وخالف بعض ،
وجرت خطوب بينهم فيه ، وقال منهم قائلون : إن رسول الله صلىاللهعليهوآله
أشعث أغبر نلبس الثياب
____________________
ونقرب النساء وندهن؟
وقال بعضهم : أما تستحيون تخرجون
رؤسكم تقطر
من الغسل ورسول الله صلىاللهعليهوآله على إحرامه؟ فأنكر
رسول الله (ص) على من خالف
في ذلك. وقال : « لو لا أني سقت الهدي لاحللت ،
وجعلتها عمرة ، فمن لم يسق
هديا فليحل » فرجع قوم وأقام آخرون على الخلاف ،
وكان فيمن أقام على الخلاف
عمر بن الخطاب ، فاستدعاه رسول الله (ص) وقال :
« مالي أراك يا عمر محرما؟ أسقت
هديا؟
» قال : لم أسق ، قال : « فلم لا تحل وقد أمرت من لم يسق بالاحلال؟ » فقال : والله يا رسول الله لا أحللت وأنت محرم ،
فقال له النبي صلىاللهعليهوآله
: « إنك لن
تؤمن بها حتى تموت » فلذلك أقام على إنكار متعة
الحج حتى رقا المنبر في إمارته
فنهى عنها نهيا مجددا وتوعد عليها بالعقاب.
ولما قضى رسول الله صلىاللهعليهوآله نسكه أشرك عليا عليهالسلام في هديه ، وقفل إلى
المدينة وهو
معه والمسلمون حتى انتهى إلى الموضع المعروف بغدير خم وليس بموضع
إذ ذاك يصلح للمنزل لعدم الماء فيه والمرعى ، فنزل عليهالسلام في الموضع ونزل
المسلمون معه ، وكان سبب نزوله في هذا المكان
نزول القرآن عليه بنصبه أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب عليهالسلام
خليفة في الامة من بعده ، وقد كان تقدم الوحي إليه في
ذلك من غير توقيت له ، فأخره لحضور وقت يأمن
فيه الاختلاف منهم عليه ، وعلم
الله عزوجل أنه إن تجاوز غدير خم انفصل عنه
كثير من الناس إلى بلدانهم
وأماكنهم وبواديهم ، فأراد الله أن يجمعهم
لسماع النص على أمير المؤمنين عليهالسلام
و
تأكيد الحجة عليهم فيه ، فأنزل الله تعالى : « يا أيها الرسول بلغ ما أنزل
____________________
إليك من ربك » يعني
في استخلاف علي عليهالسلام
والنص بالامامة عليه « وإن لم
تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس » فأكد الفرض عليه بذلك وخوفه
من تأخير الامر فيه ، وضمن له العصمة ومنع
الناس منه ، فنزل رسول الله صلىاللهعليهوآله
المكان الذي ذكرناه ، لما وصفناه من الامر له
بذلك وشرحناه ، ونزل المسلمون
حوله ، وكان يوما قايظا شديد الحر ، فأمر عليهالسلام بدوحات فقم ما تحتها وأمر
بجمع الرحال في ذلك المكان ، ووضع بعضها فوق
بعض ، ثم أمر مناديه فنادى في
الناس : « الصلاة جامعة » فاجتمعوا من رحالهم
إليه وإن أكثرهم ليلف رداءه على
قدميه من شدة الرمضاء فلما اجتمعوا صعد على تلك الرحال حتى
صار في
ذروتها ، ودعا أمير المؤمنين عليهالسلام فرقى معه حتى قام
عن يمينه ، ثم خطب الناس
فحمدالله وأثنى عليه ، ووعظ فأبلغ في الموعظة ،
ونعى إلى الامة نفسه ، وقال : « قد
دعيت ويوشك أن
أجيب وقدحان مني خفوق من بين أظهركم وإني مخلف فيكم
ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإنهما
لن يفترقا حتى يردا على الحوض » ثم نادى بأعلى
صوته : « ألست أولى بكم منكم
بأنفسكم؟
» قالوا : اللهم بلى ، فقال لهم على النسق من غير فصل وقد أخذ بضبعي
أمير المؤمنين عليهالسلام
فرفعها حتى بان بياض إبطيهما :
« فمن كنت مولاه
فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من
عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل
من خذله » ثم نزل صلىاللهعليهوآله
وكان وقت الظهيرة فصلى ركعتين ثم زالت الشمس فأذن
موذنه لصلاة الظهر فصلى بهم الظهر وجلس عليهالسلام في خيمته وأمر عليا
عليهالسلام
أن
يجلس في خيمة له بإزائه ، ثم أمر المسلمين أن
يدخلوا عليه فوجا فيهنؤه
____________________
بالمقام ، ويسلموا
عليه بإمرة المؤمنين ، ففعل الناس ذلك كلهم ، ثم أمر أزواجه و
سائر نساء
المؤمنين معه أن يدخلن عليه ويسلمن عليه بإمرة المؤمنين ففعلن ، و
كان فيمن
أطنب في تهنيته بالمقام عمر بن الخطاب ، وأظهر له من المسرة به و
قال فيما قال : بخ بخ لك يا علي ، أصبحت مولاي
ومولى كل مؤمن ومؤمنة.
وجاء حسان بن ثابت إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : يا رسول
الله أتأذن
لي
أن أقول في هذا المقام ما يرضاه الله؟ فقال له :
قل يا حسان على اسم الله ، فوقف
على نشز من الارض وتطاول المسلمون لسماع كلامه فأنشأ يقول.
يناديهم يوم الغدير نبيهم
|
|
بخم وأسمع بالرسول مناديا
|
وقال : فمن مولاكم ووليكم؟
|
|
فقالوا ولم يبدوا هناك التعاديا
|
إلهك مولانا وأنت ولينا
|
|
ولن تجدن منا لك اليوم عاصيا
|
فقال له : ثم يا علي فإنني
|
|
رضيتك من بعدي إماما وهاديا
|
فمن كنت مولاه فهذا وليه
|
|
فكونوا له أتباع صدق مواليا
|
هناك دعا اللهم وال وليه
|
|
وكن للذي عادى عليا معاديا
|
فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله : « لا تزال يا
حسان مويدا بروح القدس ما نصرتنا
بلسانك » وإنما اشترط رسول الله (ص) في الدعاء
له ، لعلمه عليهالسلام
بعاقبة أمره في
الخلاف ، ولو علم سلامته في مستقبل الاحوال
لدعا له على الاطلاق ، ومثل ذلك
ما اشترط الله تعالى في مدح أزواج النبي صلىاللهعليهوآله ولم يمدحهن بغير
اشتراط لعلمه
أن منهن من تتغير بعد الحال عن الصلاح الذي
تستحق عليه المدح والاكرام
فقال : « يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن
اتقيتن » ولم
يجعلهن في
ذلك حسب ما جعل أهل بيت النبي صلىاللهعليهوآله في حمل الاكرام
والمدحة ، حيث بذلوا
قوتهم لليتيم والمسكين والاسير فأنزل الله سبحانه في علي
وفاطمة والحسن و
____________________
الحسين عليهمالسلام وقد آثروا على
أنفسهم مع الخصاصة التي كانت بهم فقال تعالى : « ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا
إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء
ولا شكورا * إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا * فوقاهم الله شر ذلك
اليوم ولقاهم نضرة وسرورا * وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا(١)
فقطع لهم بالجزاء ، ولم يشترط لهم كما اشترط لغيرهم لعلمه باختلاف الاحوال على ما
بيناه.
بيان
: ضاحية كل شئ : ناحيته البارزة. وقال الجزري : رمل يرمل رملا : أسرع في السير وهز منكبه. وقال : النسل
والنسلان : الاسراع في المشي. و
خفق النجم خفوقا : غاب. والضبع : العضد. والنشز
بالفتح : المرتفع من الارض
قوله : وأسمع صيغة تعجب ، كقوله تعالى : « أسمع بهم وأبصر ».
١١ ـ سر
: قال ابن محبوب في كتابه : خرج رسول الله صلىاللهعليهوآله
من المدينة لاربع
بقين من ذي القعدة ، ودخل لاربع مضين من ذي
الحجة ، ودخل من أعلى مكة
من عقبة المدنيين ، وخرج من أسفلها.
١٢ ـ عم
: خرج رسول الله صلىاللهعليهوآله
من المدينة متوجها إلى الحج في السنة
العاشرة لخمس بقين من ذي القعدة ، وأذن في
الناس بالحج ، فتجهز الناس للخروج
معه ، وحضر المدينة من ضواحيها ومن جوانبها خلق
كثير ، فلما انتهى إلى ذي
الحليفة ولدت هناك أسماء بنت عميس محمد بن أبي
بكر ، فأقام تلك الليلة من أجلها
وأحرم من ذي الحليفة وأحرم الناس معه ، وكان
قارنا للحج بسياق الهدي ، ساق
معه ستا وستين بدنة ، وحج علي عليهالسلام من اليمن وساق معه
أربعا وثلاثين بدنة
وقد روي أيضا عن الصادق عليهالسلام أن رسول الله (ص)
ساق في حجه مائة بدنة ، فنحر
نيفا وستين ، ثم أعطى عليا فنحر نيفاً وثلاثين.
____________________
أقول : وساق الخبر بتمامه من قصة الجيش
والامر بالعدول إلى العمرة
وإنكار عمر ذلك ، وقصة الغدير مثل ما ساقه
المفيد رحمهالله
إلى أن قال : ولم يبرح رسول الله صلىاللهعليهوآله من المكان حتى نزل
» اليوم أكملت لكم دينكم
وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا « فقال : الحمد لله على كمال
الدين ، وتمام النعمة ، ورضى الرب برسالتي ، والولاية
لعلي من بعدي.
١٣ ـ كا
: علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن
شاذان جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن
عمار ، عن أبي عبدالله عليهالسلام
قال : إن
رسول الله صلىاللهعليهوآله
أقام بالمدينة عشر سنين لم يحج ، ثم أنزل الله عزوجل عليه : « و
أذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر
يأتين من كل فج عميق
» فأمر المؤذنين أن يؤذنوا بأعلى أصواتهم بأن
رسول الله يحج في عامه هذا ، فعلم به
من حضر المدينة وأهل العوالي والاعراب ، واجتمعوا
لحج رسول الله صلىاللهعليهوآله
وإنما
كانوا تابعين ينظرون ما يؤمرون به ويتبعونه أو يصنع شيئا فيصنعونه ، فخرج
رسول الله صلىاللهعليهوآله
في أربع بقين من ذي القعدة ، فلما انتهى إلى ذي الحليفة زالت
الشمس فاغتسل ثم خرج حتى أتى المسجد الذي عند
الشجرة فصلى فيه الظهر ، ثم
عزم بالحج مفردا ، وخرج حتى انتهى إلى البيداء عند
الميل الاول فصف له
سماطان فلبى بالحج مفردا ، وساق الهدي ستا
وستين ـ أو أربعا وستين ـ حتى
انتهى إلى مكة في سلخ أربع من ذي الحجة ، فطاف بالبيت سبعة أشواط ، ثم
صلى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليهالسلام ، ثم عاد إلى الحجر
فاستلمه وقد كان استلمه
في أول طوافه ، ثم قال : إن الصفا والمروة من
شعائر الله ، فأبدأ
بما بدأ الله
____________________
عزوجل به ، وإن
المسلمين كانوا يظنون أن السعي بين الصفا والمروة شئ صنعه
المشركون فأنزل الله عزوجل : « إن الصفا
والمروة من شعائر الله فمن حج البيت
أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما » ثم أتى الصفا فصعد عليه واستقبل
الركن اليماني فحمد الله وأثنى عليه ، ودعا
مقدار ما يقرأ سورة البقرة مترسلا ، ثم انحدر إلى المروة فوقف عليهما كما وقف على الصفا ، ثم انحدر ودعا إلى الصفا
فوقف
عليها ، ثم انحدر إلى المروة حتى فرغ من سعيه ، فلما فرغ من سعيه وهو
على المروة أقبل على الناس بوجهه فحمد الله
وأثنى عليه ثم قال : « إن هذا
جبرئيل ـ وأومأ بيده إلى خلفه ـ يأمرني أن آمر
من لم يسق هديا أن يحل ، ولو
استقبلت من أمري ما استدبرت لصنعت مثل ما
أمرتكم ، ولكني سقت الهدي ، ولا ينبغي لسائق الهدي أن يحل حتى يبلغ الهدي محله » قال : فقال له رجل
من القوم : لنخرجن خجاجا ورؤسنا وشعورنا تقطر؟
فقال له رسول الله : « أما
إنك لن تؤمن
بهذا أبدا » فقال له سراقة بن مالك بن جعشم الكناني : يا
رسول الله علمنا ديننا كأنا خلقنا اليوم ، فهذا الذي أمرتنا به
ألعامنا هذا أم لما
يستقبل؟ فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله : « بل هو للابد
إلى يوم القيامة » ثم شبك
أصابعه وقال : « دخلت العمرة في الحج إلى يوم
القيامة ».
قال : وقدم علي عليهالسلام من اليمن على رسول
الله صلىاللهعليهوآله
وهو بمكة فدخل على فاطمة عليهاالسلام
وهي قد أحلت ، فوجد ريحا طيبا ووجد عليها ثيابا مصبوغة ، فقال : ما هذا يا فاطمة؟ فقالت : أمرنا بهذا رسول الله
(ص) ، فخرج علي عليهالسلام
إلى رسول
الله صلىاللهعليهوآله
مستفتيا ، فقال : يا رسول الله إني رأيت فاطمة قد أحلت وعليها ثياب مصبوغة
____________________
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « أنا أمرت الناس
بذلك فإنت يا علي بما أهللت »؟ قال : يا
رسول الله إهلال كإهلال النبي (ص) فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآله : « قر على
إحرامك مثلي وأنت شريكي في هديي ».
قال : ونزل رسول الله صلىاللهعليهوآله بمكة بالبطحاء هو
وأصحابه ولم ينزل الدور ، فلما كان يوم التروية عند زوال الشمس أمر الناس أن يغتسلوا ويهلوا بالحج ، وهو
قول الله عزوجل الذي أنزله على نبيه صلىاللهعليهوآله « فاتبعوا ملة
أبيكم إبراهيم
» فخرج النبي صلىاللهعليهوآله
وأصحابه مهلين بالحج حتى أتوا
منى فصلى الظهر والعصر
والمغرب والعشاء الآخرة والفجر ، ثم غدا والناس
معه ، وكانت قريش تفيض من
المزدلفة وهي جمع ويمنعون الناس أن يفيضوا منها
، فأقبل رسول الله صلىاللهعليهوآله
وقريش
ترجوا أن تكون إفاضته من حيث كانوا يفيضون ، فأنزل
الله عزوجل عليه ، « ثم
أفيضوامن حيث أفاض الناس واستغفروا الله يعني إبراهيم وإسماعيل وإسحاق
في إفاضتهم منها ومن كان بعدهم فلما رأت قريش
أن قبة رسول الله صلىاللهعليهوآله
قد مضت
كأنه دخل في أنفسهم شئ للذي كانوا يرجون من
الافاضة من مكانهم حتى انتهى
إلى نمرة وهي بطن عرنة بحيال الاراك ، فضربت
قبته وضرب الناس أخبيتهم عندها
فلما زالت الشمس خرج رسول الله صلىاللهعليهوآله ومعه قريش وقد
اغتسل وقطع التلبية حتى
وقف بالمسجد فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم ، ثم صلى
الظهر والعصر بأذان وإفامتين
ثم مضى إلى الموقف فوقف به فجعل الناس يبتدرون
أخفاف إلى جانبها
فنحاها ففعلوا مثل ذلك ، فقال : « أيها الناس
ليس موضع أخفاف ناقتي بالموقف
ولكن هذا كله » وأومأ بيده إلى الموقف ، فتفرق
الناس وفقل مثل ذلك بالمزدلفة
____________________
فوقف الناس حتى وقع
القرص : قرص الشمس ثم أفاض وأمر الناس بالدعة
حتى انتهى إلى المزدلفة وهو المشعر الحرام ، فصلى
المغرب والعشاء الآخرة بأذان
واحد وإقامتين ، ثم أقام حتى صلى فيها الفجر ، وعجل
ضعفاء بني هاشم بليل ، و
أمرهم أن لايرموا الجمرة : جمرة العقبة حتى
تطلع الشمس ، فلما أضاء له النهار
أفاض حتى انتهى إلى منى ، فرمى جمرة العقبة ، وكان
الهدي الذي جاء به رسول الله
صلىاللهعليهوآله
أربعة وستين ـ أو ستة وستين ـ وجاء علي (ع) بأربعة وثلاثين ـ أو ستة و
ثلاثين ـ فنحر رسول الله (ص) ستة وستين ونحر
علي عليهالسلام
أربعة وثلاثين بدنة ، و
أمر رسول الله صلىاللهعليهوآله
أن يؤخذ من كل بدنة منها جذوة من لحم ثم تطرح في برمة
ثم تطبخ فأكل رسول الله صلىاللهعليهوآله وعلي وحسيا من
مرقها ولم يعطيا لجزارين
جلودها ولا جلالها ولا قلائدها ، وتصدق به ، وحلق
وزار البيت ورجع إلى منى و
أقام بها حتى كان اليوم الثالث من آخر أيام
التشريق ، ثم رمى الجمار ونفر حتى
انتهى إلى الابطح فقالت له عايشة أترجع نساؤك بحجة وعمرة معا ، وإرجع بحجة
فأقام بالابطح وبعث صلىاللهعليهوآله معها عبدالرحمن بن
أبي بكر إلى التنعيم فأهلت بعمرة
ثم جاءت وطافت بالبيت وصلت ركعتين عند مقام
إبراهيم ، وسعت بين الصفا والمروة
ثم أنت النبي صلىاللهعليهوآله
فارتحل من يومه ولم يدخل المسجد الحرام ولم يطف بالبيت
ودخل من أعلى مكة من عقبة المدنيين وخرج من
أسفل مكة من ذوي طوى.
بيان :
العوالي : أما كن بأعالي أراضي المدينة ، وأدناها من المدينة على
أربعة أميال ، وأبعدها من جهة نجد ثمانية. قوله
: منفردا ، أي عن العمرة. و
سماط القوم بالكسر : صفهم. قوله : أو أربعا ، الترديد
باعتبار اختلاف الروايات
كما أومأ إليه في السند ، قوله : « فاتبعوا ملة
أبيكم » أقول : ليس في القرآن هكذا
____________________
بل في آل عمران « فاتبعوا ملة إبراهيم
حنيفا وما كان من المشركين * إن أول بيت وضع للناس
» إلى آخر
آيات الحج ، وفي سورة الحج : « وما
جعل عليكم في الدين
من حرج ملة أبيكم إبراهيم
» الآية ، فيمكن أن يكون في مصحفهم
عليهمالسلام
الآية الاولى هكذا أو تكون زيادة « أبيكم » من النساخ ، أو يكون نقلا
بالمعني جمعا بين الآيتين ، وفي بعض النسخ « فاتبعوه
» فيكون إشارة إلى قوله تعالى : « وأن هذا صراطي مستقيما
فاتبعوه
» أو إلى قوله : « وهذا
كتاب أنزلناه مبارك
فاتبعوه
» وما بعده إلى آية الحج
، أو هو بصيغة الماضي عطفا على
« أنزله
» من كلامه صلىاللهعليهوآله.
وسلخ الشهر : مضى كانسلخ. قوله صلىاللهعليهوآله
: بالدعة أي
بالسكون والتأني وترك الايجاف. والجذوة : مثلثة : القطعة والبرمة بالضم
قدر من الحجارة وحسا المرق : شربه شيئا بعد شئ.
١٤ ـ كا
: الحسين بن محمد ، عن المعلى ، عن الوشاء ، عن أبان ، عن سعيد
الاعرج قال : سمعت أبا عبدالله عليهالسلام يقول : إن رسول
الله صلىاللهعليهوآله
عجل النساء
ليلا من المزدلفة إلى منى ، وأمر من كان منهن
عليها هدي أن ترمي ولا تبرح
حتى تذبح ، ومن لم يكن عليها منهن هدي أن تمضي إلى مكة حتى تزور.
١٥ ـ كا
: العدة ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن النعمان ، عن سعيد الاعرج
عنه عليهالسلام
قال : إن رسول الله صلىاللهعليهوآله
أرسل معهن أسامة بن زيد.
١٧ ـ كا
: علي ، عن أبيه
ومحمد بن إسماعيل عن الفضل ، عن ابن عمير
وصفوان ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : أمر رسول
الله (ص) حين
____________________
نحر أن يؤخذ من كل بدنة جذوة من لحمها ثم تطرح في
برمة ثم تطبخ ، و
أكل رسول الله صلىاللهعليهوآله
وعلي منها وحسيا من مرقها.
١٧ ـ كا
: محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن إسماعيل بن عمام ، عن أبي
الحسن عليهالسلام
قال : أخذ رسول الله (ص) حين غدا من منى في طريق ضب ، ورجع
ما بين المأزمين ، وكان إذا سلك طريقا لم يرجع
فيه.
١٨ ـ كا
: علي ، عن أبيه ، ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد جميعا عن ابن أبي
عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : إن رسول الله
(ص) حين
حج حجة الاسلام خرج في أربع بقين من ذي القعدة
حتى أتى الشجرة فصلى بها
ثم قاد راحلته حتى أتى البيداء فأحرم منها ، وأهل
بالحج ، وساق مائة بدنة ، و
أحرم الناس كلهم بالحج لا ينوون عمرة ، ولا
يدرون ما المتعة ، حتى إذا قدم رسول
الله صلىاللهعليهوآله
مكة طاف بالبيت وطاف الناس معه ، ثم صلى ركعتين عند المقام واستلم
الحجر ، ثم قال : « ابدأوا بما بدأ الله عزوجل
به » فأتى الصفا فبدأ بها ثم طاف
بين الصفا والمروة سبعا ، فلما قضى طوافه عند
المروة قام خطيبا فأمرهم أن يحلوا و
يجعلوها عمرة ، وهو شئ أمر الله عزوجل به ، فأحل
الناس وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
« لو
كنت استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما أمرتكم » ولم يكن يستطيع
أن يحل من أجل الهدي الذي كان معه ، إن الله
عزوجل يقول : « ولا تحلقوا
رؤسكم حتى يبلغ الهدى محله » فقال سراقة بن مالك بن جعشم
الكناني : يا
رسول الله علمنا كأنا خلقنا اليوم ، أرأيت هذا
الذي أمرتنا به لعامنا هذا أو لكل
عام؟
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
: لابل للابد الابد
، وإن رجلا
قام فقال : يا رسول الله نخرج حجاجا ورؤسنا تقطر؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله :
____________________
إنك لن تؤمن بهذا أبدا.
قال : وأقبل علي عليهالسلام من اليمن حتى وافى
الحج فوجد فاطمة عليهاالسلام
قد
أحلت ، ووجدريح الطيب ، فانطلق إلى رسول الله (ص)
مسقتيما فقال رسول الله (ص)
يا علي بأي شئ أهللت؟ فقال : أهللت بما أهل به النبي صلىاللهعليهوآله
فقال : « لا تحل أنت
فأشركه في الهدي وجعل له سبعا وثلاثين ونحر رسول الله صلىاللهعليهوآله ثلاثلا وستين
ونحرها بيده ثم أخذ من كل بدنة بضعة فجعلها في
قدر واحدة ، ثم أمر به فطبخ
فأكل منه وحسا من المرق وقال : قد أكلنا منها
الآن جميعا ، والمتعة خير من القارن
السائق ، وخير من الحاج المفرد ، قال : وسألته
: ليلا أحرم رسول الله (ص) أم نهارا؟
فقال : نهارا ، قلت : أي ساعة؟
قال صلاة الظهر.
١٩ ـ كا
: العدة ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن
سويد ، عن عبدالله بن سنان قال : قال
أبوعبدالله عليهالسلام
: ذكر رسول الله (ص) : الحج
فكتب إلى من بلغة كتابه ممن دخل في الاسلام : إن
رسول الله صلىاللهعليهوآله
يريد الحج
يؤذنهم بذلك ليحج من أطاق الحج ، فأقبل الناس ،
فلما نزل الشجرة أمر الناس
بنتف الابط ، وحلق العانة ، والغسل ، والتجرد
في إزار ورداء ، أو إزار وعمامة
ويضعها
على عاتقه لمن لم يكن له رداء ، وذكر أنه حيث لبى قال : « لبيك
اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد
والنعمة لك والملك لا شريك
لك » وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله يكثر « من ذي
المعارج » وكان يلبي كلما لقي
راكبا ، أو علا أكمة ، أوهبط واديا ومن آخر
الليل وفي أدبار الصلوات ، فلما
دخل مكة دخل من أعلاها من العقبة ، وخرج حين
خرج من ذي طوى ، فلما
انتهى إلى باب المسجد استقبل الكعبة ـ وذكر ابن
سنان أنه باب بني شيبة ـ فحمد الله ، وأثنى عليه وصلى على أبيه إبراهيم
، ثم أتى الحجر فاستلمه فلما
____________________
طاف بالبيت صلى
ركعتين خلف مقام إبراهيم عليهالسلام
ودخل زمزم فشرب منها
ثم قال : « اللهم إني أسألك علما نافعا ، واسعا
، وشفاء من كل داء وسقم » فجعل يقول ذلك وهو مستقبل الكعبة ، ثم قال
لاصحابه : ليكن أخر عهدكم
بالكعبة استلام الحجر « فاستلمه ثم خرج إلى
الصفا ، ثم قال : « أبدأ
بما بدأ الله
به » ثم صعد على الصفا فقام عليه مقدار ما يقرأ الانسان سورة
البقرة.
٢٠ ـ كا
: الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن حماد بن عثمان
عن أبي عبدالله عليهالسلام
قال : سمعته يقول : نحر رسول الله (ص) بيده ثلاثا وستين
ونحر علي عليهالسلام
ما غبر ، قلت : سبعا
وثلاثين؟ قال : نعم.
بيان
: لعل الاختلاف الواقع في عدد هديهما صلوات الله عليهما من الرواة
أو ورد بعضها تقية ، أو موافقة لروايات العامة
إلزاما عليهم ، وأما الاختلاف في
سياق أمير المؤمنين عليهالسلام وعدمه فيحتمل ذلك ،
ويحتمل أن يكون المراد بالسياق
من مكة إلى المواقف ، وبعدمه عدم السياق من
اليمن ، أوأنه عليهالسلام
جاء بها معه
ولكن لم يشعرها عند الاحرام ، لعدم علمه عليهالسلام بنوع الحج ، فلذا
أشركه صلىاللهعليهوآله
في هديه ، وكذا الاختلاف في عدد ما ساقه النبي صلىاللهعليهوآله من المائة وبضع
وستين
فيمكن أن يكون المراد بالمائة جميع ما ساقه ، وبالستين
ماساقه لنفسه ، لانه صلىاللهعليهوآله
كان يعلم أن أميرالمؤمنين عليهالسلام
يهل كاهلاله فساق البقية لاجله.
٢١ ـ ل :
ابن بندار ، عن أبي العباس الحمادي ، عن أحمد بن محمد الشافعي
عن عمه ، عن داود بن عبدالرحمن ، عن عمرو ، عن
عكرمة ، عن ابن عباس أن النبي
صلىاللهعليهوآله
اعتمر أربع عمر : عمرة الحديبية ، وعمرة القضاء من قابل ، والثالثة من الجعرانة
والرابعة مع حجته.
____________________
ع
: السناني والدقاق والمكتب والوراق والقطان جميعا عن ابن
زكريا القطان ، عن ابن حبيب ، عن ابن بهلول ، عن
أبيه ، عن أبي الحسن العبدي
عن سليمان بن مهران قال : قلت لجعفر بن محمد عليهالسلام : كم حج رسول الله؟
صلىاللهعليهوآله
فقال : عشرين حجة مستسرا في كل حجة يمر بالمأزمين فينزل فيبول ،
فقلت : يا ابن رسول الله ولم كان ينزل هناك فيبول؟ قال
: لانه أول موضع عبد فيه
الاصنام ، ومنه أخذ الحجر الذي نحت منه هبل
الذي رمى به علي عليهالسلام
من ظهر
الكعبة لما علا ظهر رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فأمر بدفنه عند
باب بني شيبة ، فصار الدخول
إلى المسجد من باب بني شيبة سنة لاجل ذلك.
الخبر.
بيان
: لعل الاستسرار بالحج من قومه ـ مع أنهم كانوا لا ينكرون الحج ـ للنسئ ، لانهم كانوا يحجون في غير أوانه ، أو
لمخالفة أفعاله لافعالهم للبدع التي
أبدعوها في حجهم ، والاول أظهر.
٢٣ ـ قب
: البخاري حج النبي صلىاللهعليهوآله
قبل النبوة وبعدها لا يعرف عددها
ولم يحج بعد الهجرة إلا حجة الوداع.
وعن جابر الانصاري أنه حج ثلاث حجج : حجتين
قبل الهجرة ، وحجة
الوداع.
العلاء بن رزين وعمر بن يزيد عن أبي
عبدالله عليهالسلام
قال : حج رسول الله (ص) عشرين حجة.
الطبري : عن ابن عباس اعتمر النبي صلىاللهعليهوآله أربع عمر : الحديبية
، والقضاء
والجعرانة ، والتي مع حجته.
معاوية بن عمار عن الصادق عليهالسلام اعتمر رسول الله صلىاللهعليهوآله ثلاث عمر متفرقات ثم
ذكر الحديبية والقضاء والجعرانة ، وأقام بالمدينة عشر سنين ، ثم حج حجة
الوداع ، ونصب عليا إماما يوم غدير خم.
____________________
٢٤ ـ سر
: من جامع البرنطي عن زرارة قال : سمعت أباجعفر وأباعبدالله
عليهماالسلام يقولان : حج رسول الله (ص) عشرين حجة
مستسرا ، منها عشرة حجج
ـ أو
قال سبعة.
الوهم من الراوي ـ قبل النبوة ، وقد كان صلى قبل ذلك وهو ابن
أربع سنين ، وهو مع أبي طالب في أرض بصرى ، وهو
موضع كانت قريش تتجر
إلى من مكة.
٢٥ ـ كا
: العدة عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن يحيى ، عن غياث بن ابراهيم
عن جعفر
عليهالسلام
قال : لم يحج النبي صلىاللهعليهوآله
بعد قدومه المدينة إلا واحدة ، وقد
حج بمكة مع قومه حجات.
٢٦ ـ كا :
العدة ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن عيسى الفراء
عن عبدالله بن أبي يعفور ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : حج رسول الله
(ص) عشر
حجات مستسرا ، في كلها يمر بالمأزمين فينزل
ويبول.
بيان
: الظاهر أنه كان عشرين ، فوقع التصحيف من النساخ أو الرواة ، كما
روى هذا الخبر بعينه ابن فضال عن هذا الراوي
بعينه ، وفيه عشرين ، على أنه
يمكن أن يكون العشرون الحج والعمرة معا تغليبا
، أو يكون المراد بالعشر ما كان
بكلها مستسرا بسبب النسئ ، وبالعشرين أعم منها
ومما كان ببعض أعمالها مستسرا
بسبب البدع.
٢٧ ـ كا :
العدة ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن يونس بن
يعقوب ، عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : حج رسول الله
(ص) عشرين
حجة.
٢٨ ـ كا
: علي ، عن أبيه ، ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن
ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي
عبدالله عليهالسلام
قال : الذي كان على بدن
____________________
رسول الله صلىاللهعليهوآله ناجية بن جندب
الخزاعي الاسلمي ، والذي حلق رأس النبي
صلىاللهعليهوآله
في حجته معمر بن عبدالله بن حرابة
بن نصر بن غوث بن عويج بن عدي
ابن كعب ، قال : ولما كان في حجة رسول الله وهو
يحلقه قالت قريش : أي معمر
أذن رسول الله صلىاللهعليهوآله
في يدك وفي يدك الموسى ، فقال معمر : والله إني لاعده من
الله فضلا عظيما علي ، قال : وكان معمر هو الذي
يرحل لرسول الله صلىاللهعليهوآله
، فقال
رسول الله صلىاللهعليهوآله
: يا معمر إن الرحل الليلة لمسترخى ، فقال معمر : بأبي أنت و
أمي لقد شددته كما كنت أشده ، ولكن بعض من
حسدني مكاني منك يا رسول
الله صلىاللهعليهوآله
أراد أن تستبدل بي ، فقال رسول الله : ما كنت لافعل.
بيان
: موسى كفعلى : ما يحلق به. ورحل البعير أصغر من القتب ، ورحلت
البعير أرحله رحلا : شددت على ظهره الرحل.
٢٩ ـ كا
: علي ، عن أبيه ، ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعا ، عن
ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي
عبدالله عليهالسلام
قال : اعتمر رسول الله (ص) ثلاث عمر متفرقات : عمرة في ذي القعدة أهل من عسفان وهي
عمرة الحديبية ، و
عمرة أهل من الجحفة وهي عمرة القضاء ، وعمرة
أهل من الجعرانة بعد ما رجع من
الطائف من غزوة جنين.
بيان
: المراد هنا العمر التي لم يكن مع الحج
، لكن ظاهر أكثر أخبارنا
أنه صلىاللهعليهوآله
لم يعتمر في حجة الوداع ، وخبر الاربع عامي ، ورووه أيضا عن عائشة
ورووا موافقا لهذا الخبر أيضا بأسانيد.
٣٠ ـ كا
: العدة ، عن سهل ، عن ابن أبي نجران ، عن العلا بن رزين ، عن
____________________
عمر بن يزيد قال : قلت
لابي عبدالله عليهالسلام
: أحج رسول الله (ص) غير حجة الوداع؟
قال : نعم عشرين حجة.
٣١ ـ كا
: العدة ، عن سهل بن زياد ، عن ابن فضال ، عن عيسى الفراء ، عن
ابن أبي يعفور ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : حج رسول الله
صلىاللهعليهوآله
عشرين حجة
مستسرة ، كلها يمر بالمأزمين فينزل فيبول.
٣٢ ـ كا
: حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد بن سماعة ، عن جعفر بن سماعة
ومحمد بن يحيى ، عن عبدالله بن محمد ، عن علي
بن الحكم جميعا ، عن أبان ، عن أبي
عبدالله عليهالسلام
قال : اعتمر رسول الله (ص) عمرة الحديبية ، وقضى الحديبية من قابل
ومن الجعرانة حين أفبل من الطائف ثلاث عمر ، كلهن
في ذي القعدة.
٣٣ ـ كا
: محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة
عن أبي عبدالله عليهالسلام
قال : ذكر أن رسول الله (ص) اعتمر في ذي القعدة ثلاث عمر
كل ذلك يوافق عمرته ذا القعدة.
٣٤ ـ يب
: أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن يونس بن يعقوب ، عن أسلم
المكي ، عن عامر بن واثلة أنه قيل له : كم حج
رسول الله صلىاللهعليهوآله؟
قال : عشرا ، أما
سمعتم بحجة الوداع؟ فهل يكون وداع إلا وقد حج
قبله؟.
٣٥ ـ كا
: العدة ، عن أحمد ، عن الحسن بن علي ، عن بعض أصحابنا ، عن
بعضهم عليهمالسلام
قال : أحرم رسول الله صلىاللهعليهوآله
في ثوبي كرسف.
٣٦ ـ كا
: علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية ، عن أبي عبدالله
عليهالسلام
قال : كان ثوبا رسول الله (ص) الذي أحرم فيهما يمانيين عبري وأظفار و
فيهما كفن.
____________________
٣٧ ـ كا
: علي ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز ، عمن أخبره ، عن أبي
عبدالله عليهالسلام
قال : مر رسول الله (ص) على كعب بن عجرة والقمل تتناثر من رأسه
وهو محرم ، فقال له : أيؤذيك هوامك؟ فقال : نعم
، فأنزلت هذه الآية : « فمن
كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من
صيام أو صدقة أو نسك
« فأمره
رسول الله صلىاللهعليهوآله
أن يحلق رأسه ، وجعل الصيام ثلاثة أيام ، والصدقة على ستة
مساكين لكل مسكين مدين ، والنسك شاة.
٣٨ ـ كا
: محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن الكاهلي
عن أبي عبدالله عليهالسلام
قال : طاف رسول الله (ص) على ناقته العضباء وجعل يستلم
الاركان بمحجنه ، ويقبل المحجن.
بيان
: المحجن كمنبر : عصا معوجة الرأس.
٣٩ ـ كا
: علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن
شاذان ، عن صفوان وابن أبي عمير ، عن معاوية بن
عمار ، عن أبي عبدالله عليهالسلام
إن رسول الله
صلىاللهعليهوآله
حين فرغ من طوافه وركعتيه قال : أبدأ بما بدأ الله به من إتيان الصفا ، إن
الله عزوجل يقول : « إن الصفا والمروة من شعائر
الله » وقال : إن
رسول الله
صلىاللهعليهوآله
كان يقف على الصفا بقدر ما يقرأ سورة البقرة مترسلا.
أقول : سيأتي سائر الاخبار في كتاب الحج ، وباب نص الغدير إنشاء الله
تعالى.
٤٠ ـ وروى في المنتقى بإسناده إلى جعفر بن
محمد الصادق ، عن أبيه ، أبي جعفر
الباقر صلوات الله عليهما قال : دخلت على جابر بن عبدالله الانصاري فسأل عن
____________________
القوم حتى انتهى إلي ، فقلت : أنا محمد بن علي
بن الحسين ، فأهوى بيده إلى رأسي
فنزع زري الاعلى ، ثم نزع زري الاسفل ، ثم وضع
كفه بين ثديي وأنا يومئذ
غلام شاب ، فقال : مرحبا بك يا ابن أخي ، سل
عما شئت ، فسألته وهو أعمى ، وحضر
وقت الصلاة فقام في النساجة ملتحفا بها ، كلما
وضعها على منكبه رجع طرفها
إليه من صغرها ، ورداؤه على المشجب فصلى بنا ، فقلت : أخبرني عن حجة
رسول الله (ص) ، فقال بيده فعقد تسعا ، فقال : إن
رسول الله صلىاللهعليهوآله
مكث تسع
سنين لم يحج ، ثم أذن في الناس في العاشرة أن
رسول الله صلىاللهعليهوآله
حاج ، فقدم المدينة
بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلىاللهعليهوآله ويعمل مثل عمله ، فخرجنا
معه
حتى إذا أتينا ذا الحليفة ، فولدت أسماء بنت
عميس محمد بن أبي بكر ، فأرسلت إلى
رسول الله صلىاللهعليهوآله
كيف أصنع؟ قال : اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي ، فصلى
رسول الله صلىاللهعليهوآله
ركعتين في المسجد ، ثم ركب القصواء حتى استوت
ناقته على
البيداء نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب
وماش ، وعن يمينه مثل ذلك ، و
عن يساره مثل ذلك ، ومن خلفه مثل ذلك ، ورسول
الله صلىاللهعليهوآله
بين أظهرنا ، وعليه
ينزل القرآن
وهو يعرف تأويله ، وما عمل به من شئ علمنا به ، فأهل بالتوحيد
« لبيك
اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك ، لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك
لا شريك لك » وأهل الناس بهذا الذي يهلون ، فلم
يرد رسول الله صلىاللهعليهوآله
شيئا
منه ، ولزم رسول الله صلىاللهعليهوآله تلبيته.
قال جابر : لسنا ننوي إلا الحج لسنا
نعرف المعمرة حتى إذا أتينا البيت معه
استلم الركن فرمل ثلاثا ، ومشى أربعا ، ثم نفذ
إلى مقام إبراهيم فقرأ : « واتخذوا
من مقام إبراهيم مصلى » فصلى فجعل المقام بينه وبين البيت.
____________________
فكان أبي يقول ـ ولا أعلمه ذكره إلا عن
النبي صلىاللهعليهوآله
: كان يقرأ في الركعتين
قل يا أيها الكافرون ، وقل هو الله أحد ، ثم
رجع إلى الركن فاستلمه ، ثم خرج
من الباب إلى الصفا ، فلما دنا من الصفا قرأ :
« إن الصفا والمروة من شعائر الله
» أبدأ بما بدأ الله به ، فبدأ بالصفا فرقى عليه
حتى رأى البيت ، فاستقبل القبلة فوحد
الله وكبره ، وقال : « لا إله إلا الله وحده لا
شريك له ، له الملك وله الحمد ، و
هو على كل شئ قدير ، لا إله إلا الله وحده ، أنجز
وعده ، ونصر عبده ، وهزم
الاحزاب وحده » ثم دعا بين ذلك ، قال مثل هذا
ثلاث مرات ، ثم نزل إلى المروة
حتى انصبت قدماه في بطن الوادي حتى إذا صعدتا
مشى حتى أتى المروة ففعل
على المروة كما فعل على الصفا ، حتى إذا كان
آخر طوافه
على المروة قال : « لو
أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة ، فمن كان
منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة » فقام
سراقة بن جعشم فقال : يا رسول
الله صلىاللهعليهوآله
: ألعامنا هذا أم للابد؟ فشبك رسول الله (ص) أصابعه واحدة في الاخرى
وقال : « دخلت العمرة في الحج مرتين لابل لابد
أبد » وقدم علي من اليمن ببدن
النبي رسول الله (ص) فوجد فاطمة ممن أحل ولبست
ثيابا صبيغا واكتحلت ، فأنكر ذلك
عليها فقالت : أبي أمرني بهذا ، قال : فكان علي
يقول بالعراق : فذهبت إلى رسول
الله صلىاللهعليهوآله
محرشا على فاطمة للذي صنعت ومستفتيا لرسول الله (ص) فيما
ذكرت عنه ، فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها ، فقال
: صدقت صدقت ، ما ذا قلت
حين فرضت الحج؟ قال : قلت : « اللهم إني أهل
بما أهل به رسولك » قال : فإن معي الهدي فلا تحل ، قال : فكان جماعة
الهدي الذي قدم
علي من اليمن
والذي أتى به النبي صلىاللهعليهوآله مائة ، قال : فحل
الناس كلهم وقصروا إلا النبي
صلىاللهعليهوآله
ومن كان معه هدي ، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج
____________________
وركب النبي صلىاللهعليهوآله
فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ، ثم مكث
قليلا حتى طلعت الشمس ، وأمر بقبة من شعر تضرب
له بنمرة ، فسار رسول الله
صلىاللهعليهوآله
ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في
الجاهلية ، فأجاز رسول الله صلىاللهعليهوآله حتى أتى عرفة فوجد
القبة قد ضربت
بنمرة
فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء
فرحلت له ، فأتى بطن الوادي فخطب
الناس وقال : « إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم
كحرمة يومكم هذا ، في شهركم
هذا ، في بلدكم هذا ، ألا كل شئ من أمر
الجاهلية تحت قدمى موضوع ، ودماء
الجاهلية موضوعة ، وإن أول دم أضع في دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث » كان
مسترضعا في بني سعد فقتله هذيل « وربا الجاهلية
موضوعة ، وأول ربا أضع ربانا : ربا
عباس بن عبدالمطلب فإنه موضوع كله ، فاتقوا
الله في النساء فإنكم أخذتموهن
بأمان الله ، واستحللتم فروجهن بكلمات الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا
تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ،
ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن
بالمعروف وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن
اعتصمتم به : كتاب الله ، وأنتم تسألون
عني ، فما أنتم قائلون؟ » قالوا : نشهد أنك قد
بلغت وأديت ونصحت ، فقال
بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى
الناس : « اللهم اشهد ، اللهم اشهد » ثلاث مرات ، ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر ، ثم أقام فصلى العصر ، ولم يصل بينهما
شيئا ، ثم ركب رسول الله صلىاللهعليهوآله حتى أنى الموقف
فجعل بطن ناقته القصواء إلى
الصخرات ، وجعل حبل المشاة بين يديه ، واستقبل
القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت
الشمس
وأردف أسامة خلفه ، ودفع رسول الله صلىاللهعليهوآله
وقد شنق للقصواء الزمام
حتى أن رأسها ليصيب مورك رحله ، ويقول بيده
اليمنى : « أيها الناس السكينة
السكينة » كلما أتى حبلا من الحبال أرخى لها
قليلا حتى أتى المزدلفة
فصلى
____________________
بها المغرب والعشاء
بأذان واحد وإقامتين ، ولم يسبح بينهما شيئا ، ثم اضطجع
رسول الله صلىاللهعليهوآله
حتى طلع الفجر ، فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة
ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام ، فاستقبل
القبلة فدعاه وكبره وهلله
ووحده فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا ، فدفع قبل
أن تطلع الشمس ، وأردف
الفضل بن العباس ، وكان رجلا حسن الشعر أبيض
وسيما ، فلما دفع رسول الله
صلىاللهعليهوآله
مرت ظعن يجرين ، فطفق الفضل ينظر إليهن ، فوضع رسول الله (ص) يده
على وجه الفضل ، فحول الفضل وجهه إلى الشق
الآخر ينظر ، فحول رسول الله
صلىاللهعليهوآله
يده من الشق الآخر على وجه الفضل ، فصرف وجهه من الشق الآخر ينظر
حتى أتى بطن محسر فحرك قليلا ، ثم سلك الطريق
الوسطى التي تحرج على الجمرة
التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة
منها حصى الخذف
رمى من بطن الوادي ، ثم انصرف إلى المنحر فنحر
ثلاثا وستين بدنة بيده ، ثم
أعطى عليا فنحر ما غبر
، وأشركه في هديه ، ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت
في قدر فطبخت فأكلا عن لحمها ، وشربا من مرقها ،
ثم ركب رسول الله صلىاللهعليهوآله
فأفاض إلى البيت وصلى بمكة الظهر ، فأتى على بني عبدالمطلب
يسقون على
زمزم ، فقال : انزعوا بنى عبدالمطلب ، فلولا أن
يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت
معكم ، فناولوه دلوا فشرب منه.
بيان
: قال الكازروني : النساجة : الطيلسان وفي بعض الروايات : الساجة
قوله : واستثفري مأخوذ من ثفر الدابة ، وهو
الذي يشد تحت ذنبها ، قوله :
____________________
انصبت ، أي انحدرت ،
أي حتى إذا بلغ إلى موضع مستويستوي قدماه على الارض
بعد ما انحدر من العلو إلى الحدور قوله : دم
ابن ربيعة ، قيل : هو ابن الحارث
ابن عبدالمطلب أخو أبي سفيان بن الحارث ابن عم
النبى صلىاللهعليهوآله
، كان مسترضعا
في بني سعد كماكان رسول الله (ص) مسترضعا فيهم
، وهو حارثة بن ربيعة ، وقيل : أياس بن ربيعة ، وإنما بدأ بإبطال الدم والربا
من أهله وقرابته ليعلم أن ليس
في الدين محاباة والنكت : الضرب على الوجه بشئ
يؤثر فيها ، وكأنه يريد به
ههنا الاشارة ، وقال الجزري : حبل المشاة ، أي
طريقهم الذي يسلكونه في الرمل
وقيل : أراد صفهم ومجتمعهم في مشيهم تشبيها
بحبل الرمل. قوله : شنق أي جذب
زمامها إليه ، والمورك : ثوب أوشئ يجعل بين يدي
الرحل عليه الرحل. و
الحبل بالحاء المهملة والباء الموحدة : المستطيل
من الرمل والضخم منه ، والظعن : النساء واحدتها ظعينة.
٤١ ـ وقال الكازروني : في حجة الوداع جئ بصبي
إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله
يوم ولد فقال : من أنا؟ فقال : رسول الله ، فقال
: صدقت بارك الله فيك ، ثم إن
الغلام لم يتكلم بعدها حتى شب ، وكان يسمى
مبارك اليمامة.
ثم قال في حوادث السنة العاشرة : وفيها
مات باذان والي اليمن ، ففرق رسول
الله صلىاللهعليهوآله
عملها بين شهر بن باذان
وعامر بن شهر الهمداني وأبي موسى الاشعري
وخالد بن سعيد بن العاص ويعلى بن أمية وعمرو بن
حزم وزياد بن لبيد البياضي
على حضر موت ، وعكاشة بن ثور على السكاسك
والسكون ، وبعث معاذ بن جبل
لاهل البلدين : اليمن وحضر موت ، وقال له : « يا
معاذ إنك تقدم على قوم أهل
كتاب وإنهم سائلوك عن مفاتيح الجنة ، فأخبرهم
أن مفاتيح الجنة لا إله إلا الله
وإنها تخرق كل شئ حتى تنتهي إلى الله عزوجل لا
تحجب دونه ، من جاء
بها يوم القيامة مخلصا رجحت بكل ذنب « فقلت : أرأيت ما سئلت عنه واختصم
____________________
إلي فيه مما ليس في
كتاب الله ولم أسمع منك سنة؟ فقال : « تواضع لله يرفعك الله
ولا تقضين إلا بعلم ، فان أشكل عليك أمر فسل
ولا تستحي ، واستشر ثم اجتهد
فإن الله عزوجل إن يعلم منك الصدق يوفقك ، فإن
التبس عليك فقف حتى
تثبته أو تكتب إلي فيه ، واحذر الهوى فإنه قائد
الاشقياء إلى النار ، وعليك
بالرفق ».
أقول : هذا الخبر حجتهم في الاجتهاد ، وأنت
ترى عدم صراحته فيه ، فإنه
يحتمل أن يكون المراد السعي في تحصيل مدرك
الحكم مع أن الخبر ضعيف
تفردوا بروايته.
ثم قال : وفيها بعث رسول الله صلىاللهعليهوآله جرير بن عبدالله
البجلي إلى ذي الكلاع
ابن ناكور بن حبيب بن مالك بن حسان بن تبع
فأسلم وأسلمت امرأته ضريبة
بنت أبرهة بن الصباح ، وروى الرياشي عن الاصمعي
قال : كاتب رسول الله صلىاللهعليهوآله
ذا الكلاع من ملوك الطائف على يد جرير بن
عبدالله يدعوه إلى الاسلام ، وكان قد
استقل أمره حتى ادعى الربوبية فأطيع ، ومات النبي صلىاللهعليهوآله فوفد على عمر
ومعه ثمانية عشر آلاف عبد فأسلم على يده وأعتق
من عبيده أربعة آلاف.
وفيها أسلم فروة الجذامي ، عن راشد بن
عمرو الجذامي قال : كان
فروة بن عمرو الجذامي عاملا للروم فأسلم ، وكتب
إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله
باسلامه
وبعث به مع رجل من قومه يقال له : مسعود بن سعد
، وبعث له بغلة بيضاء مع فرس
وحمار وأثواب وقباء سندس مخوص بالذهب ، وكتب إليه رسول الله صلىاللهعليهوآله : « من
محمد رسول الله صلىاللهعليهوآله
إلى فروة بن عمرو ، أما بعد فقد قدم علينا رسولك ، وبلغ ما
أرسلت به ، وخبر عما قبلكم ، وأتانا بإسلامك ، وأن
الله هداك بهداه
».
____________________
وأمر بلالا فأعطى رسوله اثنتى عشرة
أوقية ونشا
وبلغ ملك الروم إسلام
فروة فدعاه فقال له : ارجع عن دينك نملكك ، قال
: لا أفارق دين محمد فإنك تعلم
أن عيسى قد بشربه ، ولكنك تضن بملكك ، فحبسه ثم
أخرجه فقتله وصلبه.
وفيها : توفي إبراهيم بن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ولد في ذي الحجة
من سنة ثمان
وتوفي في ربيع الاول من هذه السنة ، ودفن
بالبقيع ، وانكسفت الشمس يوم
موته فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : إن الشمس والقمر
آيتان من آيات الله لا ينكسفان
لموت أحد ، فإذا رأيتموها فعليكم بالدعإ حتى تكشف.
وقال في وقايع السنة الحادية عشر : في
هذه السنة قدم على رسول الله صلىاللهعليهوآله
وقد النخع من اليمن للنصف من المحرم ، وهم
مائتا رجل مقرين بالاسلام ، وقد
كانوا بايعوا معاذ بن جبل باليمن ، وهم آخر من
قدم على رسول الله صلىاللهعليهوآله
من
الوفد.
وفي هذه السنة استغفر رسول الله صلىاللهعليهوآله لاهل البقيع ، روي
عن أبي مويهبة
مولى رسول الله صلىاللهعليهوآله
قال : أهبني رسول الله (ص) في المحرم مرجعه من حجه
ولم أدر ما مضى من الليل أو ما بقي فقال : انطلق فإني أمرت أن أستعفر لاهل
هذا البقيع ، فخرجت معه فاستغفر لهم طويلا ، ثم
قال ليهنكم ما أصبحتم فيه ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها ، الآخرة
شر من الاولى ، يابا مويهبة
أعطيت خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة فخيرت
بين ذلك والجنة وبين لقاء
ربي والجنة « فقلت : بأبي أنت وأمي خذ خزائن
الدنيا والخلد فيها ثم الجنة
____________________
فقال : « لا والله
يابا مويهبه لقد اخترت
لقاء ربي والجنة » واشتكى بعد
ذلك بأيام.
وفي رواية عنه أيضا : فما لبث بعد ذلك
الاستغفار إلا سبعا أو ثمانيا حتى قبض.
وفي هذه السنة كانت سرية أسامة بن زيد ، وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوآله أمر
الناس بالتهيؤ لغزو الروم لاربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة
، فلما
كان من الغد دعا أسامة بن زيد فقال : سر إلى
موضع مقتل أبيك ، وأوطئهم الخيل
فقد وليتك هذا الجيش فاغر صباحا على أهل أبنى
وحرق عليهم ، فإن أظفرك الله
بهم فاقلل اللبث فيهم ، خذ معك الاداء والعيون والطلائع أمامك ، فلما كان
يوم الاربعاء بدا رسول الله صلىاللهعليهوآله فحم وصدع ، فلما
أصبح يوم الخميس عقد لاسامة
لواء بيده ثم قال : « اغز بسم الله في سبيل
الله ، فقاتل من كفر بالله » فخرج وعسكر
بالجرف فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين والانصار
إلا انتدب في تلك الغزاة
فيهم أبوبكر وعمر وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن
زيد وأبوعبيدة وقتادة بن
النعمان ، فتكلم قوم وقالوا : يستعمل هذا
الغلام على المهاجرين الاولين؟ فغضب
رسول الله (ص) غضبا شديدا ، فخرج وقد عصب على
رأسه عصابة ، وعليه قطيفة فصعد
المنبر فحمدالله وأثنى عليه ثم قال : « أما بعد
أيها الناس فما مقالة بلغني عن بعضكم
في تأمير أسامة ولئن طعنتم في تأميري أسامة فقد طعنتم
في تأميري أباه قبله ، و
أيم الله إن كان للامارة خليقا ، وإن ابنه من
بعده لخليق للامارة ، وإن كان لمن
أحب الناس إلي ، فاستوصوا به خيرا فإنه من
خياركم » ثم نزل فدخل بيته و
ذلك يوم السبت لعشرخلون من ربيع الاول ، وجاء
المسلمون الذين يخرجون مع
أسامة يودعون رسول الله صلىاللهعليهوآله ويمضون على العسكر.
____________________
ثم ذكر تخلف القوم على ما سيأتي بيانه.
قال : فلما بويع لابي بكر أمر بريدة
باللواء إلى أسامة ليمضي لوجهه
فمضى بريدة إلى معسكر هم الاول ، فلما كان هلال
ربيع الآخر سنة إحدى عشرة
خرج أسامة فسار إلى أهل أبنى عشرين ليلة فشن
عليهم الغارة ، فقتل من أشرف
له ، وسبى من قدر عليه ، وقتل قاتل أبيه ، ورجع
إلى المدينة ، فخرج أبوبكر في
المهاجرين وأهل المدينة يتلقونهم سرورا
لسلامتهم ، وفي مدة مرضه صلىاللهعليهوآله
جاء الخبر
بظهور مسيلمة والعنسي ، وكانا يستغويان أهل
بلادهما إلا أنه لم يظهر أمرهما إلا
في حال مرض رسول الله (ص) ، وكان صلىاللهعليهوآله قد لحقه مرض بعيد
عوده من الحج
ثم عوفي ، ثم عاد فمرض مرض الموت ، قال
أبومويهبة : لما رجع رسول الله صلىاللهعليهوآله
من حجه طارت الاخبار بأنه قد اشتكى ، فوثب
الاسود باليمن ومسيلمة باليمامة
فأما الاسود العنسي فاسمه عهيلة بن كعب ، وكان كاهنا يشعبذ ويريهم
الاعاجيب
ويسمي منطقه قلب من يسمعه ، وكان أول خروجه بعد
حجة رسول الله صلىاللهعليهوآله
فسار
إلى صنعاء ، فأخذها ، فكتب فروة بن مسيك إلى
رسول الله عليه واله بخبره وكان عامل
رسول الله صلىاللهعليهوآله
على مراد ، وخرج معاذ بن جبل هاربا حتى مر بأبي موسى الاشعري
وهو بمارت
فاقتحما حضر موت ، ورجع عمرو بن خالد إلى المدينة ، وقتل شهر بن
باذام
وتزوج امرأته ، وكانت ابنة عم فيروز ، فأرسل رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى نفر
من الابناء رسولا ، وكتب إليهم أن يحاولوا
الاسود إما غيلة ، وإما مصادمة ، و
أمرهم أن يستنجدوا رجالا سماهم لهم ممن حولهم
من حمير وهمدان ، وأرسل إلى
أولئك النفر أن ينجدوهم ، فدخلوا على زوجته
فقالوا : هذا قد قتل أباك وزوجك
فما عندك؟ قالت : هو أبغض خلق الله إلي ، وهو
مجرد ، والحرس محيطون بقصره
إلا هذه البيت ، فانقبوا عليه ، فنقبوا ، ودخل
فيروز الديلمي فخالطه فأخذ برأسه
فقتله ، فخار خوار ثور فابتدر الحرس الباب
فقالوا : ما هذا؟ فقالت : النبي
____________________
يوحى إليه ثم خمد ، وقد كان يجي ء إليه شيطان
فيوسوس له فيغط ويعمل بما
قاله ، فلما طلع الفجر نادوا بشعارهم الذي بينهم
ثم بالاذان وقالوا فيه : أشهد
أن محمدا رسول الله ، وأن عهيلة كذاب ، وشنوها غارة ، وتراجع أصحاب
رسول
الله صلىاللهعليهوآله
إلى أعمالهم ، وكتبوا إلى رسول الله (ص) بالخبر فسبق خبر السماء إليه
فخرج رسول الله صلىاللهعليهوآله
قبل موته بيوم أو بليلة فأخبر الناس بذلك ، فقال : قتل
الاسود البارحة ، قتله رجل مبارك من أهل بيت
مباركين ، قيل : ومن هو؟ قال : فيروز ، فاز فيروز ، ووصل الكتاب ورسول الله صلىاللهعليهوآله
قدمات إلى أبي بكر ، وكان
من أول خروجه إلى أن قتل نحو أربعة أشهر وفيروز
قيل : إنه ابن أخت النجاشي
وقيل : هو من أبناء فارس.
وأما مسيلمة بن حبيب الكذاب فكان يقال
له : رحمن اليمامة ، لانه كان
يقول : الذي يأتيني اسمه رحمن ، وقدم على رسول
الله صلىاللهعليهوآله
فيمن أسلم ، ثم ارتد
لما رجع إلى بلده ، وكتب إلى رسول الله : « من
مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول
الله ، أما بعد فإن الارض لنا نصف ، ولقريش نصف
، ولكن قريش قوم يعتدون
» وبعث الكتاب مع رجلين ، فقال لهما رسول الله صلىاللهعليهوآله : أتشهدان أني رسول
الله؟
قالا : نعم قال : أتشهدان أن مسيلمة رسول الله ،
قالا : نعم إنه قد أشرك معك ، فقال : لولا أن الرسول لايقتل لضربت أعناقكما ثم كتب إليه : « من محمد رسول الله
إلى مسيلمة الكذاب ، أما بعد فإن الارض لله
يورثها من يشاء من عباده والعاقبة
للمتقين ، وقد أهلكت أهل حجر أبادك الله ومن
صوب معك
».
وادعى مسيلمة أنه قد اشترك مع محمد صلىاللهعليهوآله في النبوة ، فأتته
امرأة فقالت : ادع الله لنخلنا ولمائنا فإن محمدا دعا لقومه
فجاشت آبارهم ، قال : وكيف صنع؟
____________________
قالت : دعا بسجل
فدعا لهم فيه ، ثم تمضمض ومجه فيه فأفرغوه في تلك الآبار
ففعل هو كذلك فغارت تلك المياه ، وقال رجل : برك
على ولدي ، فإن محمدا يبرك
على أولاد أصحابه ، فلم يؤت بصبي مسح رأسه إلا
قرع وتوضأ
مسيلمة في حائط
فصب وضوءه فيه فلم ينبت ، ووضع في الآخر عنهم
الصلاة ، وأحل لهم الخمر و
الزنا ونحو ذلك ، فاتفقت معه بنو حنيفة إلا
القليل ، وغلب على حجر اليمامة ، و
أخرج ثمامة بن أثال ، وكتب ثمامة إلى رسول الله
صلىاللهعليهوآله
بخبره ، وكان عامل رسول
الله صلىاللهعليهوآله
على اليمامة ، فلما مات رسول الله (ص) أرسل أبوبكر خالد بن الوليد
إلى مسيلمة ، فلما بلغ اليمامة تقاتلوا ، وكان
عدد بني حنيفة يومئذ أربعين ألف
مقاتل ، فقتل من المسلمين ألف ومائتان ، ومن
المشركين نحو عشرين ألفا ، و
كانت بنو حنيفة حين رأت خذلانها تقول لمسيلمة :
أين ما كنت تعدنا؟ فيقول : قاتلوا
عن أحسابكم ، وقتل الله عزوجل مسيلمة ، اشترك
في قتله وحشي وأبودجانة
فكان وحشي يقول : قتلت خير الناس وشر الناس : حمزة
ومسيلمة.
بيان
: في القاموس : السكاسك : حي باليمن ، وقال الجوهري : السكون
بالفتح : حي من اليمن ، وفي النهاية : في حديث
أسامة اغر على أبنى صباحا ، هي
بضم الهمزة والقصر : اسم موضع من فلسطين : بين
عسقلان والرملة ، ويقال لها : يبنى بالياء ، والعنس بالعين المهملة والنون : أبوقبيلة
من اليمن ، وبالباء الموحدة
أيضا أبوقبيلة ، وكذا في أكثر النسخ ، لكن ابن
الاثير ضبطه بالنون ، وباذام في
أكثر النسخ بالميم معرب بادام ، وصححه الفيروز
آبادي بالنون ، وقال : الابناء : قوم من العجم سكنوا اليمن وقال الجوهري : صوبت
الفرس : إذا أرسلته في
الجري ، وصوبه أي قال له : أصبت ، واستصوب فعله.
____________________
مراجع التصحيح
والتخريج
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب
العالمين والصلاة على سيدنا محمد و
آله الطاهرين.
اما بعد فقد وفقنا الله تعالى وله الشكر
والمنة لتصحيح الكتاب وتنميقه و
تحقيق نصوصه وأسانيده ومراجعة مصادره ومآخذه
مزدانا بتعاليق مختصرة لاغنى
عنها وكان مرجعنا في المقابلة والتصحيح مضافا
إلى أصول الكتاب والنسخة المطبوعة
المشهورة بطبعة أمين الضرب والطبعة الحروفية ، عدة
نسخ مخطوطة جيدة في غاية
الدقة والاتقان :
منها
النسخة الثمينة الاصيلة التي هي بخط المؤلف رضوان الله عليه تفضل
بها العالم العامل حجة الاسلام الحاج السيد
مهدي الصدر العاملي الاصبهاني
صاحب الوعظ وإمام الجماعة في عاصمة طهران وهي
مما ورثه من أبيه الفقيد السعيد
الخطيب المشهور الحاج السيد صدر الدين العاملي
رحمة الله عليه.
ومنها
نسخة مخطوطة بخط نعمة الله بن محمد مهدي الاصطهباناتي استكتبها
عام ١٢٧٨ ه وقد رمزنا إليها بـ « الف ».
ومنها نسخة مخطوطة أخرى مصححة بتصحيح
محمد محسن بن أبي تراب مؤرخة
بعام ١٢٢٦ وقد رمزنا إليها بـ « ب ».
تفضل بهما الفاضل البارع الاستاذ المعظم
السيد جلال الدين الارموي
الشهير بالمحدث ويأتي مزيد توضيح بالنسبة إلى
هاتين النسختين في الجزء الثاني
والعشرين الذي يتم به تاريخ نبينا الاكرم صلىاللهعليهوآله إن شاء الله تعالى.
وكان مرجعنا في تخريج أحاديثه وتعاليقه
كتبا أو عزنا إليها في المجلدات
السابقة.
|
قم
المشرقة عبدالرحيم الربانى الشيرازى
|
|
بسمه تعالى وله
الحمد
إلى هنا انتهى
الجزء الحادي والعشرون من كتاب
بحار الانوار من هذه الطبعة النفيسة وهو الجزء السابع
من الملجد السادس في تاريخ نبينا الاكرم صلىاللهعليهوآله حسب
تجزئة المصنف أعلى الله مقامه.
وقد قابلناه
وصححناه عند طبعها طبقا للنسخة التي
صححها الفاضل المكرم الشيخ عبدالرحيم الرباني
المحترم بما فيها من التعليق والتنميق والله ولي التوفيق.
محمد الباقر البهبودى
من لجنة التحقيق والتصحيح
لدار الكتب الاسلامية
|
|
*(فهرس ما في الجزء من الأبواب)*
الباب ٢٢ : غزوة خيبر وفدك ، وقدوم جعفر بن أبي طالب عليهماالسلام......................... ١ ـ ٤١
الباب ٢٣ : ذكر الحوادث بعد غزوة خيبر إلى غزوة مؤتة................................ ٤١ ـ ٥٠
الباب ٢٤ : غزوة موته وما جرى بعدها إلى غزوة ذات السلاسل......................... ٥٠ ـ ٦٥
الباب ٢٥ : غزوة ذات السلاسل..................................................... ٦٦ ـ ٩٠
الباب ٢٦ : فتح مكة.............................................................. ٩١
ـ ١٣٩
الباب ٢٧ : ذكر الحوادث بعد الفتح إلى غزوة حنين................................. ١٣٩ ـ
١٤٦
الباب ٢٨ : غزوة حنين والطائف وأوطاس وسائر الحوادث إلى
غزوة تبوك............. ١٤٦ ـ ١٨٥
الباب ٢٩ : غزوة تبوك وقصة العقبة ، والآيات فيه.................................. ٢٥٢ ـ
١٨٥
الباب ٣٠ : قصة أبى عامر الراهب ، ومسجد الضرار ، وفيه ما
يتعلق بغزوة تبوك....... ٢٦٣ ـ ٢٥٢
الباب ٣١ : نزول سورة البراءة وبعث النبي صلىاللهعليهوآله علياً عليهالسلام بها ليقرأها على
الناس في الموسم بمكة
................................................................................ ٢٦٤
ـ ٢٧٦
الباب ٣٢ : المباهلة وما ظهر فيها من الدلائل والمعجزات............................. ٣٥٦ ـ ٢٧٦
الباب ٣٣ : غزوة عمرو بن معدى كرب........................................... ٣٥٦ ـ ٣٥٩
الباب ٣٤ : بعث أمير المؤمنين عليهالسلام إلى اليمن....................................... ٣٦٠
ـ ٣٦٣
الباب ٣٥ : قدوم الوفود على رسول الله صلىاللهعليهوآله وسائر ما جرى
إلى حجة الوداع........ ٣٦٤ ـ ٣٧٨
الباب ٣٦ : حجة الوداع وما جرى فيها إلىالرجوع إلى المدينة
، وعدد حجه وعمرته صلىاللهعليهوآله ، وسائر الوقايع
إلى وفاته صلىاللهعليهوآله ٣٧٨ ـ ٤١٣
*(رموز الكتاب)*
ب : لقرب الاسناد.
|
ع : للعلل الشرائع.
|
لد : للبلدين الامين.
|
بشا : لبشارة المصطفى.
|
عا : لدعائم الاسلام.
|
لي : لامالى الصدوق.
|
تم : لفلاح السائل.
|
عد : للعقائد.
|
م : لتفسير الامام العسكري (ع)
|
ثو : لثواب الاعمال.
|
عدة : للعدة.
|
ما : لامالى الطوسى.
|
ج : للاحتجاج.
|
عم : لاعلام الورى
|
محص : للتمحيص.
|
جا : لمجالس المفيد.
|
عين : للعيون والمحاسن.
|
مد : للعمدة.
|
جش : لفهرست النجاشي.
|
غر : للغرر والدرر.
|
مص : لمصباح الشريعة.
|
جع : لجامع الاخبار.
|
غط : لغيبة الشيخ.
|
مصبا : للمصباحين.
|
جم : لجماع الاسبوع.
|
غو : لغوالي اللئالي.
|
مع : لمعاني الاخبار.
|
جنة : للجنة.
|
ف : لتحف العقول.
|
مكا : لمكارم الاخلاق.
|
حة : لفرحة الغرى.
|
فتح : لفتح الابواب.
|
مل : لكامل الزيارة.
|
ختص : لكتاب الاختصاص.
|
فر : لتفسير فرات بن إبراهيم.
|
منها : للمنهاج.
|
خص : لمنتخب البصائر.
|
فس : لتفسير علي بن إبراهيم.
|
مهج : لمهج الدعوات.
|
د : للعدد.
|
فض : لكتاب الروضة.
|
ن : لعيون أخبار الرضا (ع).
|
سر : للسرائر.
|
ق : للكتاب العتيق الغروى.
|
نيه : لتنبيه الخاطر.
|
سن : للمحاسن.
|
قب : لمناقب ابن شهر آشوب
|
نجم : لكتاب النجوم.
|
شا : للارشاد.
|
قبس : لقبس المصباح.
|
نص : للكافية.
|
شف : لكشف اليقين.
|
قضا : لقضاء الحقوق.
|
نهج : لنهج البلاغة.
|
شى : لتفسير العياشي.
|
قل : لاقبال الاعمال.
|
نى : لغيبة النعماني.
|
ص : لقصص الانبياء.
|
قية : للدروع.
|
هد : للهداية.
|
صا : للاستبصار.
|
ك : لاكمال الدين.
|
يب : للتهذيب.
|
صبا : لمصباح الزائر.
|
كا : للكافي.
|
يج : للخرائج.
|
صح : لصحيفة الرضا (ع).
|
كش : لرجال الكشي.
|
يد : للتوحيد.
|
ضا : لفقه الرضا (ع).
|
كشف : لكشف الغمة.
|
ير : لبصائر الدرجات.
|
ضوء : لضوء الشهاب.
|
كف : لمصباح الكفعمى.
|
يف : للطرائف.
|
ضه : لروضة الواعظين.
|
كنز : لكنز جامع الفوائد وتأويل
الايات الظاهرة معاً.
|
يل : للفضائل.
|
ط : للصراط المستقيم.
|
ل : للخصال.
|
ين : لكتابى الحسين بن سعيد او لكتابه
والنوادر.
|
طا : لامان الاخطار.
|
|
يه : لمن لايحضره الفقيه.
|
طب : لطب الائمة.
|
|
|
|