بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أكرم سيد أنبيائه محمدا
بالرسالة وشرفها به ، شرائف الصلوات و
كرائم التحيات والتسليمات
عليه وعلى الافاخم الانجين من عترته وآله.
أما بعد فيقول الخاطئ القاصر العاثر
محمد بن محمد التق المدعو بباقر عفا الله عن
عثراتهما وحشرهما مع مواليهما وساداتهما : هذا
هو المجلد السادس من كتاب بحار الانوار
المشتمل على تاريخ سيد الا أبرار ، ونخبة
الاخيار ، زين الرسالة والنبوة ، وينبوع الحكمة
والفتوة ،
نبي الانبياء وصفي الاصفياء ، نجي الله ونجيبه ، وخليل الله وحبيبه ، محمول الافلاك ، ومخدوم الاملاك ، صاحب المقام المحمود ، وغاية إيجاد كل موجود ، شمس سماء العرفان ، واس بناء الايمان ، شرف الاشراف ، وغرة عبد مناف ، بحر
السخاء ، ومعدن الحياء ، رحمه العباد ، وربيع البلاد ، الذي به اكتسى الفخر فخرا
والشرف
شرفا ، وبه تضمنت الجنان غرفا ، والقصور شرفا ، فركعت السماوات لاعباء نعمه ، وسجدت
الارضون لموطئ قدمه ، وبنوره استضاءت الانوار ، واستنارت الشموس والاقمار ، وبظهوره
تجلت الاسرار عن جلابيب الاستار ، إمام المرسلين ، وفخر العالمين ، ابى القاسم محمد بن
عبدالله ، خاتم النبيين ، صلوات الله عليه وعلى
أهل بيته الاطهرين ، وبيان فضائله
ومناقبه ومعجزاته ومكارمه وغزواته وسائر أحواله صلىاللهعليهوآله.
_________________
( باب ١ )
* ( بدء خلقه وما جرى له في الميثاق ، وبدء نوره وظهوره ) *
* ( صلىاللهعليهوآله من لدن آدم عليهالسلام ، وبيان حال ) *
* ( آبائه العظام ، وأجداده الكرام ، لا سيما عبدالمطلب و ) *
* ( والديه عليهم الصلاة والسلام ، وبعض احوال العرب في ) *
* ( الجاهلية ، وقصة الفيل ، وبعض النوادر ) *
الايات
: آل عمران (٣) وإذ أخذ الله ميثاق
النبيين لما آتيتكم من كتاب و
حكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قالءأقررتم وأخذتم على
ذلكم. صري قالوا أقررنا فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين
٨١.
الاعراف
(٧) وإذ أخذ
ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على
أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيمة إنا كنا عن هذا غافلين *
أو تقولوا إنما أشرك آباؤنامن قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون
١٧٢ و ١٧٣.
الشعراء
( ٢٦ ) الذي يراك حين تقوم * وتقلبك في الساجدين
١١٨ و ١١٩.
الاحزاب
( ٣٣ ) وإذ أخذنا
من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى
وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا * ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد
للكافرين عذابا أليما ٨٧ و ٨.
تفسير
: قال الطبرسي رحمهالله
في قوله تعالى (
وإذ أخذنا
من النبيين ميثاقهم ) : أي واذكر يا محمد حين أخذ الله الميثاق من النبيين خصوصا بأن يصدق بعضهم بعضا ، ويتبع
بعضهم بعضا وقيل : أخذ ميثاقهم على أن يعبدوا الله ويدعوا إلى عبادة الله ، وأن
يصدق
_________________
بعضهم بعضا ، وأن
ينصحوا لقومهم ( ومنك ) يا محمد ، وإنما قدمه لفضله وشرفه ( ومن نوح وإبراهيم
وموسى وعيسى ابن مريم ) خص هؤلاء لانهم أصحاب الشرائع ( وأخذنا منهم
ميثاقا غليظا ) أي عهدا شديدا على الوفاء بما حملوا من أعباء الرسالة ، وتبليغ
الشرائع ، وقيل : على أن يعلنوا أن محمدا رسول الله ، ويعلن محمد أن لانبي بعده ( ليسأل
الصادقين عن
صدقهم ) قيل : معناه : إنما فعل ذلك ليسأل الانبياء والمرسلين ما الذي جاءت به
اممكم
وقيل : ليسأل الصادقين في توحيد الله وعدله والشرائع ( عن صدقهم ) أي عما كانوا
يقولونه
فيه تعالى ، فيقال لهم : هل ظلم الله أحدا؟ هل جازى كل إنسان بفعله ، وقيل : معناه
: ليسأل الصادقين في أقوالهم عن صدقهم في أفعالهم ، وقيل : ليسأل الصادقين ماذا
قصدتم
بصدقكم؟ وجه الله أو غيره؟
أقول
: سيأتي تفسير سائر الآيات ، وسنورد الاخبار المتضمنة لتأويلها في هذا
الباب وغيره.
١ ـ فس : محمد بن الوليد ، عن محمد بن الفرات ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : ( الذي
يراك حين تقوم ) في النبوة ( وتقلبك في الساجدين ) قال : في أصلاب النبيين.
٢ ـ كنز : محمد بن العباس ، عن الحسين
بن هارون ، عن علي بن مهزيار ، عن أخيه
عن ابن أسباط ، عن عبدالرحمن بن حماد ، عن أبي الجارود قال : سألت أبا جعفر عليهالسلام عن
قوله عزوجل ( وتقلبك في الساجدين
) قال : يرى
تقلبه في أصلاب النبيين من نبي إلى
نبي حتى أخرجه من صلب أبيه من نكاح غير سفاح من لدن آدم عليهالسلام.
٣ ـ ير : بعض أصحابنا ، عن محمد بن
الحسين ، عن علي بن أسباط ، عن علي بن معمر
عن أبيه قال : سألت أبا عبدالله عليهالسلام
عن قول الله تبارك وتعالى (
هنذا نذير
من النذر الاولى )
_________________
قال : يعني به محمدا
صلىاللهعليهوآله
حيث دعاهم إلى الاقرار بالله في الذر الاول.
٤ ـ ل
، مع
: الحاكم أحمد بن محمد بن عبدالرحمن المروزي ، عن محمد بن إبراهيم الجرجاني
عن عبدالصمد بن يحيى الواسطي ، عن الحسن بن علي المدني ، عن عبدالله بن المبارك ، عن سفيان الثوري ، عن جعفر بن محمد الصادق ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبيه ، عن علي
بن أبي طالب عليهمالسلام
أنه قال : إن الله تبارك وتعالى خلق نور محمد صلىاللهعليهوآله
قبل أن خلق
السماوات
والارض والعرض والكرسي واللوح والقلم والجنة والنار وقبل أن خلق آدم ونوحاً
وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وموسى وعيسى وداود وسليمان عليهمالسلام وكل من
قال الله عزوجل في قوله (
ووهبنا له إسحاق
ويعقوب )
إلى قوله : ( وهديناهم إلى
صراط مستقيم ) وقيل أن خلق الانبياء كلهم بأربع مائة ألف سنة وأربع وعشرين ألف
سنة ، وخلق عزوجل معه اثني عشر حجابا : حجاب القدرة ، وحجاب العظمة ، وحجاب
المنة ،
وحجاب الرحمة ، وحجاب السعادة ، وحجاب الكرامة ، وحجاب المنزلة ، و
حجاب الهداية ، وحجاب النبوة ، وحجاب الرفعة ، وحجاب الهيبة ، وحجاب الشفاعة. ثم
حبس نور محمد (ص) في حجاب القدرة اثني عشر ألف سنة ، وهو يقول : ( سبحان ربي
الاعلى )
وفي حجاب لاعظمة إحدى عشر ألف سنة ، وهنو يقول : ( سبحان عالم السر ) وفي حجاب
المنة عشرة آلاف سنة ، وهو يقول : ( سبحان من هو قائم لا يلهو ) وفي حجاب الرحمة
تسعة
آلاف سنة ، وهو يقول : ( سبحان الرفيع الاعلى ) وفي حجاب السعادة ثمانية آلاف سنة
وهو يقول : ( سبحان من هو دائم لا يسهو ) وفي حجاب الكرامة سبعة آلاف سنة وهو يقول
:
( سبحان من هو غني لا يفتقر ) وفي حجاب المنزله ستة آلاف سنة ، وهو يقول : ( سبحان
العليم الكريم
) وفي حجاب الهداية خمسة آلاف سنة ، وهو يقول : ( سبحان ذي
العرش العظيم
) وفي حجاب النبوة أربعة آلاف سنة وهو يقول : ( سبحان رب
_________________
العزة عما يصفون )
وفي حجاب الرفعة ثلاثة آلاف سنة ، وهو يقول : ( سبحان ذي الملك
والملكوت ) وفي حجاب الهيبة ألفي سنة ، وهو يقول : ( سبحان الله وبحمده ) وفي حجاب
الشفاعة ألف سنة ، وهو يقول : ( سبحان ربي العظيم وبحمده ) ثم أظهر اسمه على اللوح
فكان على اللوح منورا أربعة آلاف سنة ، ثم أظهره على العرش فكان على ساق العرش
مثبتا سبعة آلاف سنة ، إلى أن وضعه الله عزوجل في صلب آدم عليهالسلام ، ثم نقله من
صلب آدم عليهالسلام
إلى صلب نوح عليهالسلام
، ثم من صلب إلى صلب
حتى أخرجه الله عزوجل من صلب عبدالله بن عبدالمطلب ، فأكرمه بست كرامات : ألبسه
قميص الرضا ، ورداه برداء الهيبة ، وتوجه بتاج الهداية ،
وألبسه سراويل المعرفة ، وجعل تكته
تكة المحبة ، يشد بها سراويله ، وجعل نعله نعل الخوف ، وناوله عصا المنزلة. ثم
قال : يا محمد اذهب إلى الناس فقل لهم : قولوا : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله.
وكان أصل
ذلك القميص من ستة أشياء : قامته من الياقوت ، وكماه من اللؤلؤ ، ودخريصه من
البلور
الاصفر ، وإبطاه من الزبرجد ، وجربانه من المرجان الاحمر ، وجيبه من نور الرب جل
جلاله ، فقبل الله عزوجل توبة آدم عليهالسلام
بذلك القميص ، ورد خاتم سليمان عليهالسلام
به
ورد يوسف عليهالسلام
إلى يعقوب عليهالسلام
به ، ونجى يونس عليهالسلام
من بطن الحوت به ، كذلك سائر الانبياء عليهمالسلام
أنجاهم من المحن به ، ولم يكن ذلك القميص إلا قميص محمد صلىاللهعليهوآله.
_________________
بيان
: قوله : ( ثم حبس نور محمد (ص) ) ليس الغرض ذكر جميع أحواله (ص) في الذر لعدم
موافقة العدد بل قد جرى على نوره أحوال قبل تلك الاحوال أو بعدها أو
بينها لم تذكر في الخبر.
والدخريص بالكسر : لبنة القميص. وجربان القميص بضم
الجيم والراء وتشديد الباء معرب كريبان.
٥ ـ فر
: عن جعفر بن محمد الفزاري بإسناده
عن قبيصة بن يزيد الجعفي
قال : دخلت على الصادق عليهالسلام
وعنده ابن ظبيان والقاسم الصيرفي ،
فسلمت وجلست وقلت : يا ابن رسول الله أين
كنتم قبل أن يخلق الله سماء مبنية ، وأرضا مدحية أوظلمة أو نورا
قال : كنا أشباح نور حول العرش ، نسبح
الله قبل أن يخلق آدم عليهالسلام
بخمسة عشر ألف
عام ، فلما خلق الله آدم عليهالسلام
فرغنا في صلبه ، فلم يزل ينقلنا من صلب طاهر إلى رحم مطهر حتى بعث الله محمدا صلىاللهعليهوآله الخبر.
٦ ـ فر
: جعفر بن محمد بن بشرويه القطان ، بإسناده عن الاوزاعي ، عن
_________________
صعصعة بن صوحان
والاحنف بن قيس ، عن ابن عباس
قال : قال رسول الله (ص) :
خلقني الله نورا تحت العرش قبل أن يخلق
آدم عليهالسلام
باثني عشر ألف سنة ، فلما أن
خلق الله آدم عليهالسلام
ألقى النور في صلب آدم عليهالسلام
فأقبل ينتقل ذلك النور من صلب إلى صلب حتى افترقنا في صلب عبدالله بن عبدالمطلب
وأبي طالب ، فخلقني ربي من ذلك النور
لكنه لا نبي بعدي.
٧ ـ ع
: إبراهيم بن هارون ، عن محمد بن أحمد بن أبي الثلح ، عن عيسى بن
مهران ،
عن منذ رالشراك ، عن إسماعيل بن علية ، عن أسلم بن ميسرة العجلي ، عن أنس بن مالك ، عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلىاللهعليهوآله
قال : إن الله خلقني وعلياو
فاطمة والحسن والحسين من قبل أن يخلق الدنيا بسبعة آلاف عام ، قلت : فأين كنتم
يا رسول الله؟ قال : قدام العرش ، نسبح الله ونحمده ونقدسه ونمجد ، قلت : على أي
مثال : قال : أشباح نور ، حتى إذا أراد الله عزوجل أن يخلق صورنا صيرنا عمود نور ،
ثم قذفنا في صلب آدم ، ثم أخرجنا إلى اصلاب الآباء وأرحام الامهات ، ولا يصيبنا
نجس
الشرك ، ولا سفاح الكفر ، يسعد بنا قوم ويشقى بنا آخرون ، فلما صيرنا إلى صلب عبد
المطلب أخرج ذلك النور فشقه نصفين ، فجعل نصفه في عبدالله ، ونصفه في أبي طالب ، ثم
أخرج الذي
لي إلى آمنة ، والنصف إلى فاطمة بنت أسد ، فأخر جتني آمنة ، و
_________________
أخرجت فاطمة عليا ، ثم
أعاد عزوجل العود إلي فخرجت مني فاطمة ، ثم أعاد عز
وجل العمود إلى علي فخرج منه الحسن والحسين يعني من النصفين جميعا فما كان من
نور علي فصار في ولد الحسن ، وما كان من نوري صار في ولد الحسين ، فهو ينتقل في الائمة
من ولده إلى يوم القيامة.
٨ ـ فر
: جعفر بن محمد الاحمسي بإسناده
عن أبي ذر الغفاري ، عن النبي صلىاللهعليهوآله
في خبر طويل في وصف المعراج ساقه إلى أن قال : قلت : يا ملائكة ربي هل تعرفونا حق
معرفتنا ، فقالوا : يا نبي الله وكيف لا نعرفكم وأنتم أول ما خلق الله؟ خلقكم أشباح نور من نوره في نور من سناء عزه ، ومن سناء ملكه ، ومن نور
وجهه الكريم ، وجعل لكم مقاعد في ملكوت سلطانه ، وعرشه على الماء قبل أن تكون
السماء مبنية ، والارض مدحية ،
ثم خلق السماوات والارض في ستة أيام ، ثم رفع العرش إلى السماء السابعة فاستوى على
عرشه
وأنتم أمام عرشه تسبحون وتقدسون وتكبرون ، ثم خلق الملائكة من بدء ما أراد من
أنوار
شتى ، وكنا نمر بكم وأنتم تسبحون وتحمدون وتهللون وتكبرون وتمجدون و
تقدسون ، فنسبح ونقدس ونمجد ونكبر ونهلل بتسبيحكم وتحميدكم وتهليلكم
وتكبير كم وتقديسكم وتمجيدكم ،
فما انزل من الله فإليكم وما صعد إلى الله فمن
عندكم ، فلم لا نعرفكم؟ اقرأ عليا منا السلام وساقه إلى أن قال : ثم عرج بي إلى
_________________
السماء السابعة ، فسمعت
الملائكة يقولون لما أن رأوني : الحمد لله الذي صدقنا وعده ، ثم تلقوني وسلموا علي ، وقالوالي مثل مقالة أصحابهم ، فقلت : يا ملائكة ربي سمعتكم
تقولون : الحمد لله الذي صدقنا وعده ،
فما الذي صدقكم؟ قالوا : يا نبي الله إن الله
تبارك وتعالى لما أن خلقكم أشباح نور من سناء نوره ومن سناء عزه ، وجعل لكم مقاعد
في ملكوت سلطانه عرض ولايتكم علينا ،
ورسخت في قلوبنا ، فشكونا محبتك إلى الله ، فوعد ربنا
أن يريناك في السماء معنا ، وقد صدقنا وعده. الخبر.
٩ ـ خص
: الحسين بن حمدان ، عن الحسين المقري الكوفي ، عن أحمد بن زياد الدهقان
عن المخول بن إبراهيم ، عن رشدة بن عبدالله ، عن خالد المخزومي ، عن سلمان الفارسي
رضياللهعنه
في حديث طويل قال : قال النبي صلىاللهعليهوآله
: يا سلمان فهل علمت من نقبائي
ومن الاثنا عشر الذين اختارهم الله للامامة بعدي؟ فقلت : الله ورسوله أعلم ، قال :
يا سلمان
خلقني الله من صفوة نوره ودعاني فأطعت ، وخلق من نوري عليا فدعاه فأطاعه ، وخلق
من نوري ونور علي فاطمة فدعاها فأطاعته ، وخلق مني ومن علي وفاطمة الحسن و
الحسين فدعاهما فأطاعاه ، فسمانا بالخمسة الاسماء من أسائه : الله المحمود وأنا
محمد ، والله العلي وهذا علي ، والله الفاطر وهذه فاطمة ، والله ذو الاحسان وهذا الحسن ، والله
المحسن وهذا الحسين ، ثم خلق منا من صلب الحسين تسعة أئمة فدعاهم فأطاعوه
قبل أن يخلق الله سماء مبنية ، وأرضا مدحية ، أو هواء أو ماء أو ملكا أو بشرا ، وكنا
بعلمه
نورا نسبحه ونسمع ونطيع. الخبر.
١٠ ـ كنز
: من كتاب الواحدة عن أبي محمد الحسن بن عبدالله الكوفي ، عن جعفر
ابن محمد البجلي ، عن أحمد بن حميد ، عن الثمالي ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : قال أميرالمؤمنين
_________________
عليهالسلام
: إن الله تبارك وتعالى أحد واحد تفردفي وحدانيته ، ثم تكلم بكلمة فصارت
نورا ، ثم خلق من ذلك النور محمدا (ص) وخلقني وذريتي ، ثم تكلم بكلمة فصارت
روحا ، فأسكنه الله في ذلك النور ، وأسكنه في أبداننا ، فنحن روح الله وكلماته ، وبنا
احتجب عن خلقه ، فمازلنا في ظللة خضراء حيث لا شمس ولا قمر ولاليل ولا نهار ولا
عين
تطرف ، نعبده ونقدسه ونسبحه قبل أن يخلق الخلق. الخبر.
١١ ـ كنز
: عن محمد بن الحسن الطوسي رحمهالله
في كتابه مصباح الانوار
بإسناده عن أنس عن النبي صلىاللهعليهوآله
قال : إن الله خلقني وخلق عليا وفاطمة والحسن و
الحسين قبل أن لخق آدم عليهالسلام
حين لاسماء مبنية ، ولا أرض مدحية ، ولا ظلمة ولا نور
ولا شمس ولا قمر ولا جنة ولا نار ، فقال العباس : فكيف كان بدء خلقكم يا رسول الله؟
فقال : يا عم لما أراد الله أن يخلقنا تكلم بكلمة خلق منها نورا ، ثم تكلم بكلمة
أخرى
فخلق منها روحا ، ثم مزج النور بالروح ، فخلقني وخلق عليا وفاطمة والحسن والحسين ،
فكنا نسبحه حين لا تسبيح ، ونقدسه حين لا تقديس ، فلما أراد الله تعالى أن ينشئ
خلقه
فتق نوري فخلق منه العرش فالعرش من نوري ، ونوري من نور الله ، ونوري أفضل من
العرش ، ثم فتق نور أخي علي فخلق منه الملائكة ، فالملائكة من نور علي ، ونور علي
من
نور الله ، وعلي أفضل من الملائكة ، ثم فتق نور ابنتي فخلق منه السماوات والارض
فالسماوات والارض من نور ابنتي فاطمة ، ونور ابنتي فاطمة من نور الله ، وابنتي
فاطمة
أفضل من السماوات والارض ، ثم فتق نور ولدي الحسن فخلق منه الشمس والقمر ، فالشمس والقمر من نور ولدي الحسن ، ونور الحسن من نور الله ، والحسن أفضل من الشمس
_________________
والقمر ، ثم فتق نور
ولدي الحسين فخلق منه الجنة والحور العين ، فالجنة والحوار العين
من نور ولدي الحسين ، ونور ولدي الحسين من نور الله ، وولدي الحسين أفضل من الجنة
والحور العين. الخبر.
١٢ ـ مع
: القطان ، عن الطالقاني ،
عن الحسن بن عرفة ، عن وكيع ، عن محمد بن إسرائيل ، عن أبي صالح ، عن أبي ذر رحمة الله عليه قال : سمعت رسول
الله
صلىاللهعليهوآله
وهو يقول : خلقت أنا وعلي بن أبي طالب من نور واحد ، نسبح الله يمنة العرش قبل أن
خلق آدم بألفي عام ، فلما أن خلق الله آدم عليهالسلام
جعل ذلك النور في صلبه ، ولقد سكن الجنة ونحن في صلبه ، ولقدهم بالخطيئة ونحن في صلبه ، ولقد ركب نوح عليهالسلام
السفينة ونحن في صلبه ، ولقد قذف إبراهيم عليهالسلام
في النار ونحن في صلبه ، فلم يزل
ينقلنا الله عزوجل من أصلاب طاهرة
إلى أرحام طاهرة حتى انتهى بنا إلى عبد
المطلب ، فقسمنا بنصفين ، فجعلني في صلب عبدالله ، وجعل عليا في صلب أبي طالب ، وجعل في النبوة والبركة ، وجعل في علي الفصاحة والفروسية ، وشق لنا اسمين من
أسمائه ، فذو العرش محمود وأنا محمد ، والله الاعلى وهذا علي.
١٣ ـ مع
: المكتب ، عن الوراق ، عن بشر بن سعيد ، عن عبدالجبار بن كثير ، عن
محمد بن حرب الهلالي أمير المدينة ، عن الصادق عليهالسلام
قال : إن محمدا وعلياصلوات الله عليهما
كانا نورا بين يدي الله جل جلاله قبل خلق الخلق بألفي عام ، وإن الملائكة لما رأت
ذلك
النور رأت له أصلا وقد انشعب
منه شعاع لامع ، فقالت : إلهنا وسيدنا ما هذا النور؟
_________________
فأوحي الله عزوجل
لاليهم : هذا نور من نوري أصله نبوة وفرعه إمامة ، فأما النبوة
فلمحمد عبدي ورسولي ، وأما الامامة فلعلي حجتي ووليي ، ولو لاهما ما خلقت خلقي
الخبر.
١٤ ـ ما
: المفيد ، عن علي بن الحسين البصري ، عن أحمد بن إبراهيم القمي ،
عن محمد بن علي الاحمر ، عن نصر بن علي ،
عن حميد ، عن أنس قال : سمعت رسول الله
صلىاللهعليهوآله
يقول : كنت أنا وعلي عن يمين العرش ، نسبح الله قبل أن يخلق آدم
بألفي عام ، فلما خلق آدم جعلنا في صلبه ، ثم نقلنا من صلب إلى صلب في أصلاب
الطاهرن وأرحام المطهرات حتى انتهينا إلى صلب عبدالمطلب ، فقسمنا قسمين : فجعل في عبدالله نصفا ، وفي أبي طالب نصفا ، وجعل النبوة والراسلة في ، وجعل
الوصية
والقضية في علي ، ثم اختار لنا اسمين اشتقهما من أسمائه : فالله المحمود وأنا محمد
، والله
العلي وهذا علي ، فأنا للنبوة والرساله ، وعلي للوصية والقضية.
١٥ ـ ما
: الفحام ، عن محمد بن أحمد الهاشمي ، عن عيسى بن أحمد بن عيسى ، عن
أبي الحسن العسكري ،
عن آبائه ، عن أميرالمؤمنين عليهمالسلام
قال : قال النبي (ص) :
_________________
يا علي خلقني الله
تعالى وأنت من نور الله حين خلق آدم ، فأفرغ ذلك النور في صلبه ، فأفضى به إلى عبدالمطلب ، ثم افترق من عبدالمطلب أنا في عبدالله ، وأنت في أبي
طالب ، لا تصلح النبوة إلا لي ، ولا تصلح الوصية إلا لك ، فمن جحد وصيتك جحد نبوتي ، ومن
جحد نبوتي كبه الله
على منخريه في النار.
١٦ ـ ما
: بإسناده عن أنس بن مالك
قال : قلت للنبي صلىاللهعليهوآله
: يا رسول الله
علي أخوك؟ قال : نعم علي أخي ، قلت : يا رسول الله صف لي كيف علي أخوك؟ قال : إن
الله عزوجل خلق ماء تحت العرش قبل أن يخلق آدم بثلاثة آلاف عام ، وأسكنه في
لؤلؤة خضراء في غامض علمه
إلى أن خلق آدم ، فلما خلق آدم نقل ذلك الماء من
اللؤلؤة فأجراه في صلب آدم ،
إلى أن قبضه الله ، ثم نقله إلى صلب شيث ، فلم يزل
ذلك الماء ينتقل من ظهر إلى ظهر
حتى صار في عبدالمطلب ، ثم شقه الله عزوجل
_________________
نصفين : فصار نصفه
في أبي عبدالله بن عبدالمطلب ، ونصفه في ابي طالب ، فأنا من نصف الماء
وعلي من النصف الآخر فعلي أخي في الدنيا والآخرة. ثم قرأ رسوله صلىاللهعليهوآله : ( وهو
الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا ).
اقول
: سيأتي الاخبار الكثيرة في بدء خلقه صلىاللهعليهوآله
في كتاب أحوال أميرالمؤمنين
عليهالسلام
وكتاب الامامة.
١٧ ـ ع
: القطان ، عن ابن زكريا ، عن البرمكي ، عن عبدالله بن داهر ، عن
أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن المفضل قال : قال لي أبوعبدالله عليهالسلام : يا مفضل أما علمت
أن الله تبارك وتعالى بعث رسول الله صلىاللهعليهوآله
وهو روح إلى الانبياء عليهمالسلام
وهم أرواح قبل خلق الخلق بألفي عام؟قلت : بلى ، قال : أما علمت أنه دعاهم إلى
توحيد الله وطاعته و
اتباع أمره ووعدهم الجنة على ذلك ، وأو عد من خالف ما أجابوا إليه وأنكره النار؟
فقلت : بلى. الخبر.
١٨ ـ مع
: بإسناده عن ابن مسعود
قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله
لعلي بن أبي
طالب عليهالسلام
: لما خلق الله عز ذكره آدم ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وأكسنه
جنته وزوجه حواء أمته فرفع طرفه نحو العرش فإذا هو بخمسة سطور مكتوبات ، قال
آدم : يا رب من هؤلاء؟ قال الله عزوجل له : هؤلاء الذين إذاتشفع بهم إلي خلفي
شفعتهم
فقال آدم : يا رب بقدرهم عندك ما اسمهم؟ قال : أما الاول فأنا المحمود وهو محمد ، و
_________________
الثاني فأنا العالي
الاعلى
وهذا علي ، والثالث فأنا الفاطر وهذه فاطمة ، والرابع
فأنا المحسن وهذا حسن ، والخامس فأنا ذو الاحسان وهذا حسين ، كل يحمد الله عز
وجل.
أقول : سيأتي في ذلك أخبار كثيرة في
كتاب الامامة.
١٩ ـ ما
: جماعة ، عن أبي المفضل ، عن محمد بن
على بن مهدي وغيره ، عن محمد بن
علي بن عمرو ،
عن أبيه ، عن جميل بن صالح ، عن أبي خالد الكابلي ، عن ابن نباتة
قال : قال أميرالمؤمنين عليهالسلام
: ألا إني عبدالله وأخو رسوله ، وصديقه الاول ، قد صدقته
وآدم بين الروح والجسد ، ثم إني صديقه الاول في امتكم حقا ، فنحن الاولون و
نحن الآخرون. الخبر.
٢٠ ـ فس
: أبي ، عن النضر ، عن يحيى الحلبي عن ابن سنان قال : قال أبو
عبدالله عليهالسلام
: أول من سبق من الرسل إلى ( بلى ) رسول الله صلىاللهعليهوآله
، وذلك
أنه كان أقرب الخلق إلى الله تبارك وتعالى. الخبر.
٢١ ـ ع
: الصائغ ،
عن أحمد الهمداني ، عن جعفر بن عبيدالله ، عن ابن محبوب
عن صالح بن سهل ، عن أبي عبدالله عليهالسلام
قال : إن بعض قريش قال لرسول الله صلىاللهعليهوآله
: بأي شئ سبقت الانبياء وفضلت عليهم وأنت بعثت آخرهم وخاتمهم؟ قال : إني كنت أول
من أقر بربي جل جلاله ، وأول من أجاب ، حيث أخذ الله ميثاق النبيين ، وأشهدهم
_________________
على أنفسهم : ألست
بربكم؟ قالوا : بلى ، فكنت أول نبي قال ( بلى ) فسبقتهم إلى الاقرار
بالله عزوجل.
ير
: ابن محبوب عن صالح مثله.
شى
: عن صالح مثله.
٢٢ ـ ع
: ابن المتوكل ، عن الحميري ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن
عبدالرحمن بن كثير ، عن داود الرقي ، عن أبي عبدالله عليهالسلام
قال : لما أراد الله عزوجل
أن يخلق الخلق خلقهم ونشرهم بين يديه ، ثم قال لهم : من ربكم؟ فأول من نطق رسول
الله صلىاللهعليهوآله
وأميرالمؤمنين عليهالسلام
والائمة صلوات الله عليهم أجمعين ، فقالوا : أنت ربنا ، فحملهم العلم والدين ، ثم
قال للملائكة : هؤلاء حملة ديني وعلمي وامنائى في خلقي ، وهم
المسؤولون ، ثم قال لبني آدم :
أقروا لله بالربوبية ، ولهؤلاء النفر بالطاعة والولاية ، فقالوا : نعم ربنا أقررنا ، فقال الله جل جلاله للملائكة : اشهدوا ، فقالت
الملائكة : شهدنا على أن لا يقولوا غدا : إنا كنا عن هذا غافلين ، أو يقولوا : إنما أشرك
آباؤنا من
قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطون ، يا داود الانبياء مؤكدة عليهم
في الميثاق.
٢٣ ـ ير
: علي بن إسماعيل ، عن محمد بن إسماعيل
، عن سعدان ، عن صالح بن
سهل ، شن أبي
عبدالله عليهالسلام
قال : سئل رسول الله صلىاللهعليهوآله
بأي شئ سبقت ولد آدم؟
قال : إني أول من أقر ببلى ، إن الله
أخذ ميثاق النبيين وأشهدهم على أنفسهم : ألست
بربكم؟ قالوا : بلى ، فكنت أول من أجاب.
_________________
٢٤ شئ
عن زرارة قال : سألت أبا عبدالله عليهالسلام
عن قوله الله (
وإذ أخذ
ربك من بني آدم من ظهورهم ) إلى ( قالوا بلى ) قال : كان محمد عليه وآله السلام أول
من قال بلى .
٢٥ ـ فس
: قال الصادق عليهالسلام
في قوله تعالى (
وإذ أخذ
ربك من بني آدم )
الآية ، كان الميثاق مأخوذا عليهم لله بالربوبية ، ولرسوله بالنبوة ، ولاميرالمؤمنين
والائمة
بالامامة ، فقال : ألست بربكم ، ومحمد نبيكم ، وعلي إمامكم ، والائمة الهادون
أئمتكم؟
فقالوا : بلى ، فقال الله (
أن تقولوا
يوم القيامة ) أي لئلا تقولوا يوم القيامة ( إنا كنا
عن هذا غافلين ) فأول ما أخذ الله عزوجل الميثاق على الانبياء له بالربوبية وهو
قوله : ( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ) فذكر جملة الانبياء ثم أبرز أفضلهم بالاسامي ، فقال
: ( ومنك ) يا محمد ، فقدم رسول الله صلىاللهعليهوآله
لانه أفضلهم ( ومن نوح وإبراهيم
وموسى وعيسى ابن مريم ) فهؤلاء الخمسة أفضل الانبياء ، ورسول الله أفضلهم ، ثم أخذ
بعد ذلك ميثاق رسول الله صلىاللهعليهوآله
على الانبياء
بالايمان به ، وعلى أن ينصروا أميرالمؤمنين ، فقال : ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين
لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جائكم رسول مصدق لما معكم ) يعني رسول الله صلىاللهعليهوآله ( لتؤمنن به
ولتنصرنه ) يعني أميرالمؤمنين عليهالسلام
، تخبروا اممكم بخبره وخبر وليه والائمة .
٢٦ ـ ع : أبي ، عن محمد العطار ، عن الاشعري ، عن موسى بن عمر ، عن ابن سنان ، عن أبي سعيد القماط ، عن بكير قال : قال لي أبو عبدالله عليهالسلام : هل تدري ما كان
الحجر؟
قال : قلت لا ، قال : كان ملكا عظيما من عظماء الملائكة عند الله عزوجل ، فلما أخذ
الله
_________________
الميثاق من الملائكة
له بالربوبية ولمحمد (ص) بالنبوة ولعلي بالوصية اصطكت فرائص
الملائكة ، وأول من أسرع إلى الاقرار ذلك الملك ، ولم يكن فيهم أشد حبا لمحمد وآل
محمد منه ، فلذلك اختاره الله عزوجل من بينهم ، وألقمه الميثاق ، فهو يجئ يوم
القيامة وله
لسان ناطق ، وعين ناظره ، وليشهد لكل من وافاه إلى ذلك المكان ، وحفظ الميثاق
أقول
: سيأتي الخبر بتمامه مع سائر الاخبار في ذلك في كتاب الامامة وكتاب الحج
إن شاء الله تعالى.
٢٧ ـ ما
: المفيد ، عن ابن قولويه ، عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن ابن
معروف ، عن محمد بن سنان ، عن طلحة بن زيد ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده عليهمالسلام قال : قال رسول
الله صلىاللهعليهوآله
: ما قبض الله نبينا حتى أمره أن يوصي إلى عشيرته من عصبته ، وأمرني أن اوصي ، فقلت : إلى من يا
رب؟ فقال : أوص يا محمد إلى ابن عمك علي بن أبي طالب ، فإني قد أثبته في الكتب
السالفة ، وكتبت فيها أنه وصيك ، وعلى ذلك أخذت ميثاق الخلائق ومواثيق أنبيائي ورسلي ، أخذت مواثيقهم
لي بالربوبية ، ولك يا محمد بالنبوة ، ولعلي بن أبي طالب بالولاية .
أقول : سيأتي سائر الاخبار في ذلك في
كتاب الامامة ، فإن ذكرها في الموضعين
يوجب التكرار.
٢٨ ـ كا
: أحمد بن إدريس ، عن الحسين بن عبيدالله ، عن محمد بن عيسى ، ومحمد بن
عبدالله
، عن علي بن حديد ، عن مرازم ، عن أبي عبدالله عليهالسلام
قال : قال الله تبارك وتعالى : يا محمد إني خلقتك وعليا نورا يعني روحا بلا بدن
قبل أن أخلق سماواتي وأرضي وعرشي
_________________
وبحري ، فلم تزل
تهللني وتمجدني ، ثم جمعت روحيكما فجعلتهما واحدة ، فكانت
تمجدني وتقدسني وتهللني ، ثم قسمتها ثنتين ، وقسمت الثنتين ثنتين ، فصارت أربعة : محمد واحد ، وعلي واحد ، والحسين والحسين ثنتان ، ثم خلق الله فاطمة من نور
ابتدأها
روحا بلا بدن ، ثم مسحنا بيمينه
فأفضى نوره فينا .
٢٩ ـ كا
: الحسين بن محمد ، عن المعلى ، عن عبدالله بن إدريس ، عن محمد بن سنان
قال : كنت عند أبي جعفر الثاني عليهالسلام
فأجريت اختلاف الشيعة ، فقال : يا محمد إن الله تبارك وتعالى لم يزل متفردا
بوحدانيته ، ثم خلق محمدا وعليا وفاطمة فمكثوا ألف دهر ، ثم
خلق جميع الاشياء فأشهدهم خلقها
، وأجرى طاعتهم عليها ، وفوض امورها إليهم ، فهم يحلون ما يشاؤون ، ويحرمون ما يشاؤون ، ولن يشاؤوا إلا أن يشاء الله تبارك
وتعالى
، ثم قال : يا محمد هذه الديانة التي من تقدمها مرق ، ومن تخلف عنها محق ، ومن لزمها
لحق ، خذها إليك يا محمد .
٣٠ ـ ما
: جماعة عن أبي المفضل ، عن رجاء بن يحيى ، عن داود بن القاسم ، عن
عبدالله بن الفضل ، عن هارون بن عيسى بن بهلول ، عن بكار بن محمد بن شعبة ، عن
أبيه ، عن بكر بن عبدالملك
، عن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن جده أميرالمؤمنين عليهمالسلام
قال :
_________________
قال رسول الله (ص).
يا علي خلق الله الناس من أشجار شتى ، وخلقني وأنت من
شجرة واحدة ، أنا أصلها وأنت فرعها ، فطوبى لعبد تمسك بأصلها ، وأكل من
فرعها .
٣١ ـ ما
: جماعة ، عن أبي المفضل ، عن عبدالله
بن إسحاق بن إبراهيم المدائني
، عن عثمان بن عبدالله ، عن عبدالله بن لهيعة ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبدالله
قال : بينا النبي صلىاللهعليهوآله
بعرفات ، وعلي عليهالسلام
تجاهه ونحن معه ، إذ أو مأ النبي صلىاللهعليهوآله
إلى علي عليهالسلام
فقال : ادن مني يا علي ، فدنا منه ، فقال : ضع خمسك يعني كفك في كفي ، فأخذ بكفه ،
فقال : يا علي خلقت أنا وأنت من شجرة أنا أصلها ، وأنت فرعها ، والحسن والحسين
أغصانها ، فمن تعلق بغصن من أغصانها أدخله الله الجنة .
٣٢ ـ ما
: الغضائري ، عن علي بن محمد العلوي ، عن الحسن بن علي بن صالح ، عن الكليني ، عن علي بن محمد ، عن إسحاق بن إسماعيل النيسابوري ، عن الصادق عليهالسلام
عن آبائه عليهمالسلام
، عن الحسن بن علي عليهالسلام
قال : سمعت جدي رسول الله صلىاللهعليهوآله
يقول : خلقت من نور الله عزوجل ، وخلق أهل بيتي من نوري ، وخلق محبيهم من نورهم ، وسائر
الخلق في النار
، .
٣٣ ـ ما
: الغضائري ، عن علي بن محمد العلوي ، عن عبدالله بن محمد ، عن الحسين ، عن أبي عبدالله بن أسباط ، عن أحمد بن محمد بن زياد العطار ، عن محمد بن مروان
الغزال ، عن عبيد بن يحيى ، عن يحيى بن عبدالله بن الحسن ، عن جده الحسن بن علي عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله
: إن في الفردوس لعينا أحلى من الشهد ، وألين من الزبد ، وأبرد
_________________
الثلج ، وأطيب من
المسك ، فيها طينة خلقنا الله عزوجل منها ، وخلق شيعتنا منها ، فمن لم
يكن من تلك الطينة فليس منا ولا من شيعتنا ، وهي الميثاق الذي أخذ الله عزوجل على
ولاية أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام
.
٣٤ ـ كتاب فضائل الشيعة بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال : كنا
جلوسا مع
رسول الله صلىاللهعليهوآله
إذ أقبل إليه رجل فقال : يا رسول الله أخبرني عن قول الله عزوجل
لابليس ( أستكبرت أم كنت من
العالين )
فمن هم يا رسول الله؟ الذين هم أعلى من
الملائكة؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
: أنا وعلي وفاطمة والحسين والحسين ، كنا في سرادق العرش نسبح الله وتسبح الملائكة
بتسبيحنا قبل أن يخلق الله عزوجل آدم بألفي عام .
فلما خلق الله عزوجل آدم أمر الملاكة أن
يسجدوا له ، ولم يأمرنا بالسجود ، فسجدت
الملائكة كلهم إلا إبليس فإنه أبي أن يسجد ، فقال الله تبارك وتعالى ( أستكبرت أم كنت
_________________
من
العالين )
أي من هؤلاء الخمس المكتوب أسماؤهم في سرادق العرش .
٣٥ ـ ير
: ابن عيسى ، عن ابن محبوب. عن بشر بن أبي عقبة ، عن أبي جعفر وأبي
عبدالله عليهماالسلام
قال : إن الله خلق محمدا من طينة من جوهرة تحت العرش ، وإنه كان لطينته تضح ، فجبل طينة أميرالمؤمنين عليهالسلام من نضح طينة رسول
الله صلىاللهعليهوآله
، وكان لطينة أميرالمؤمنين عليهالسلام
نضح فجبل طينتنا من نضح طينة أميرالمؤمنين عليهالسلام
، وكان
لطينتنا نضح فجبل طينة شيعتنا من نضح طينتنا ، فقلوبهم تحن إلينا ، وقلوبنا تعطف عليهم تعطف الوالد على
الولد ، ونحن خيرلهم ، وهم خيرلنا ، ورسول الله صلىاللهعليهوآله
لنا خير ونحن له
خير .
٣٦ ـ ير
: محمد بن حماد ، عن أخيه أحمد ، عن إبراهيم بن عبدالحميد ، عن أبيه ، عن أبي الحسن الاول عليهالسلام
قال : سمعته يقول : خلق الله الانبياء والاوصياء يوم الجمعة ، وهو اليوم الذي أخذ الله ميثاقهم ، وقال : خلقنا نحن وشيعتنا من طينة مخزونة لا
يشذ منها
شاذ إلى يوم القيامة .
٣٧ ـ ير
: احمد بن موسى ، عن الحسن بن موسى ، عن علي بن حسان ، عن
عبدالرحمن بن كثير ، عن أبي عبدالله عليهالسلام
قال : إن الله عزوجل خلق محمدا وعترته من طينة
العرش فلا ينقص
منهم واحد ، ولا يزيد منهم واحد .
٣٨ ـ ير
: بعض أصحابنا ، عن محمد بن الحسين ، عن عثمان بن عيسى ، عن عبدالرحمن
_________________
ابن الحجاج قال : إن
الله تبارك وتعالى خلق محمدا وآل محمد من طينة عليين ، وخلق قلوبهم
من طينة فوق ذلك. الخبر .
٣٩ ـ ك
: العطار ، عن أبيه ، عن الاشعري ، عن ابن أبي الخطاب ، عن أبي سعيد
الغضنفري
، عن عمرو بن ثابت ، عن أبي حمزة قال : سمعت علي بن الحسين عليهماالسلام يقول :
إن الله عزوجل خلق محمدا وعليا والائمة الاحد عشر من نور عظمته أرواحا في ضياء
نوره ، يعبدونه
قبل خلق الخلق ، يسبحون الله عزوجل ويقدسونه ، وهم الائمة الهادية
من آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين .
٤٠ ـ ك
: ابن إدريس ، عن أبيه ، عن محمد بن الحسين بن زيد ، عن الحسين بن موسى ، عن علي بن سماعة ، عن علي بن الحسن بن رباط ، عن أبيه ، عن المفضل ، قال : قال
الصادق عليهالسلام
: إن الله تبارك وتعالى خلق أربعة عشر نورا قبل خلق الخلق بأربعة عشر
ألف عام ، فهي أرواحنا ، فقيل له : يا ابن رسول الله ومن الاربعة عشر؟ فقال : محمد
وعلي
وفاطمة والحسن والحسين والائمة من ولد الحسين ، آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبته
فيقتل الدجال ، ويطهر الارض من كل جور وظلم .
٤١ ـ من رياض الجنان لفضل الله بن محمود الفارسي بإسناده إلى جابر
الجعفي ، عن أبي جعفر عليهالسلام
قال : يا جابر كان الله ولا شئ غيره ، لا معلوم ولا مجهول ، فأول ما ابتدء
من خلقه أن خلق محمدا صلىاللهعليهوآله
، وخلقنا أهل البيت معه من نور عظمته ، فأوقفنا أظلة خضراء
بين يديه ، حيث لا سماء ولا أرض ولا مكان ، ولا ليل ولا نهار ، ولا شمس ولا قمر ، الخبر .
_________________
٤٢ وروى أحمد بن حنبل بإسناده عن رسول
الله (ص) إنه قال : كنت أنا وعلي
نورا بيريدي الرحمن قبل أن يخلق عرشه بأربعة عشر ألف عام .
٤٣ ـ وعن جابر بن عبدالله قال : قلت لرسول الله (ص) : أول شئ خلق
الله تعالى
ما هو؟ فقال : نور نبيك يا جابر ، خلقه الله ثم خلق منه كل خير .
٤٤ ـ وعن جابر أيضا قال : قال رسول الله (ص) : أول ما خلق الله
نوري ، ابتدعه
من نوره ، واشتقه من جلال عظمته .
أقول
: سيأتي تمام هذه الاخبار مع سائر الاخبار الواردة في بدء خلقهم عليهمالسلام في
كتاب الامامة.
٤٥ ـ كا
: علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن علي بن إبراهيم ، عن علي
ابن حماد ، عن المفضل قال : قلت لابي عبدالله عليهالسلام
: كيف كنتم حيث كنتم في الاظلة؟
فقال : يا مفضل كنا عند ربنا ليس عنده أحد غيرنا في ظلة خضراء ، نسبحه ونقدسه و
نهلله ونمجده ، وما من ملك مقرب ولاذي روح غيرنا حتى بداله في خلق الاشياء ، فخلق
ما شاء كيف شاء من الملائكة وغيرهم ، ثم أنهى
علم ذلك إلينا .
٤٦ ـ كا
: احمد بن إدريس ، عن الحسين بن عبدالله الصغير. عن محمد بن إبراهيم الجعفري ، عن أحمد بن علي بن محمد بن عبدالله بن عمر بن علي بن أبي طالب عليهالسلام ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : إن الله كان
إذ لا كان ، فخلق الكان والمكان ، وخلق نور الانوار الذي نورت منه الانوار ، وأجرى
فيه من نوره الذي نورت منه الانوار ، وهو النور الذي خلق منه
محمدا وعليا ، فلم يزالا نورين أولين إذ لا شئ كون قبلهما ، فلم يزالا يجريان
طاهرين
مطهرين في الاصلاب الطاهرة حتى افترقا في أطهر طاهرين في عبدالله وأبي طالب عليهما
السلام .
_________________
بيان.
قوله : ( إذ لا كان ) لعله مصدر بمعنى الكون كالقال والقول ، والمراد به
الحدوث ، أي لم يحدث شئ بعد ، أو هو بمعنى الكائن ، ولعل المراد بنور الانوار أولا
نور النبي صلىاللهعليهوآله
، إذ هو منور أرواح الخلائق بالعلوم والهدايات والمعارف ، بل سبب
لوجود الموجودات ، وعلة غاية لها ، وأجرى فيه ، أي في نور الانوار ، من نوره ، أي
من
نور ذاته ، من إفاضاته وهداياته التي نورت منها جميع الانوار حتى نور الانوار
المذكور
أولا. قوله : ( وهو النور الذي ) أي نور الانوار المذكور أولا ، والله يعلم أسرار
أهل
بيت نبيه صلوات الله عليهم.
٤٧ ـ كا
: أحمد بن إدريس ، عن الحسين بن عبدالله ، عن محمد بن عبدالله ، عن محمد بن
سنان ، عن المفضل ، عن جابر بن يزيد قال : قال لي أبوجعفر عليهالسلام : يا جابر إن الله
أول ما
خلق خلق محمدا وعترته الهداة المهتدين ، فكانوا أشباح نور بين يدري ، قلت : وما
الاشباح؟
قال : ظل النور ، أبدان نورانية بلا أرواح ، وكان مؤيدا بروح واحد وهي روح القدس ، فبه كان يعبدالله وعترته ، وذلك خلقهم حلماء علماء برة أصفياء ، يعبدون الله
بالصلاة
والصوم والسجود والتسبيح والتهليل ، ويصلون الصلوات ، ويحجون ويصومون .
بيان
: قوله عليهالسلام
: ( أشباح نور ) لعل الاضافة بيانية ، أي أشباحا نورانية ، والمراد
إما الاجساد المثالية ، فقوله : ( بلا أرواح ) لعله أراد به بلا أرواح حيوانية ، أو
الا رواح
بنفسها ، سواء كانت مجردة أو مادية ، لان الارواح إذا لم تتعلق بالابدان فهي
مستقلة
بنفسها ، أرواح من جهة وأجساد من جهة ، فهي أبدان نورانية لم تتعلق بها أرواح آخر
، و
ظل النور أيضا إضافته بيانية ، وتسمى عالم الارواح والمثال بعالم الظلال ، لانها
ظلال
تلك العالم وتابعة لها ، أو لانها لتجردها أو لعدم كثافتها شبيهة بالظل ، وعلى
الاحتمال
الثاني يحتمل أن تكون الاضافة لامية ، بأن يكون المراد بالنور نور ذاته تعالى ، فإنها
من آثار تلك النور ، والمعنى دقيق فتفطن.
_________________
٤٨ _ اقول
: قال الشيخ أبوالحسن البكري استاد الشهيد الثاني قدس الله
روحهما في كتابه المسمى بكتاب الانوار :
حدثنا أشياخنا وأسلافنا الرواة لهذا
الحديث عن أبي عمر الانصاري سألت عن
كعب الاحبار
ووهب بن منبه وابن عباس قالوا جميعا : لما أراد الله أن يخلق
محمدا صلىاللهعليهوآله
قال لملائكته : إني اريد أن أخلق خلقا أفضله واشرفه على الخلائق أجمعين ، وأجعله سيد الاولين والآخرين ، واشفعه فيهم يوم الدين ، فلولاه مازخرفت الجنان ، ولا
سعرت النيران ، فاعرفوا محله ، وأكرموه لكرامتي ، وعظموه لعظمتي ، فقالت
الملائكة : إلهنا وسيدنا وما اعتراض العبيد على مولاهم؟! سمعنا وأطعنا ، فعند ذلك
أمر الله تعالى جبرئيل
وملائكة الصفيح الاعلى وحملة العرش فقبضوا تربة رسول الله (ص) من
_________________
موضع ضريحة ، وقضى
أن يخلقه من التراب ، ويميته في التراب ، ويحشره على التراب ، فقبضوا من تربة نفسه
الطاهرة قبضة طاهرة
لم يمش عليها قدم مشت إلى المعاصي ، فعرج بها الامين جبرئيل فغمسها في عين
السلسبيل ، حتى نقيت كالدرة البيضاء ، فكانت تغمس كل يوم
في نهر من أنهار الجنة ، وتعرض على الملائكة ، فتشرق أنوارها فتستقبلها الملائكة
بالتحية
والاكرام ، وكان يطوف بها جبرئيل في صفوف الملائكة ، فإذا نظروا إليها قالوا : إلهنا
وسيدنا إن أمرتنا بالسجود سجدنا ، فقد اعترفت الملائكة بفضله وشرفه قبل خلق
آدم عليهالسلام
، ولما خلق الله آدم عليهالسلام
سمع في ظهره نشيشا
كنشيش الطير ، وتسبيحا
وتقديسا ، فقال آدم : يا رب وما هذا؟ فقال : يا آدم هذا تسبيح محمد العربي ، سيد
الاولين
والآخرين ، فالسعادة لمن تبعه وأطاعه ، والشقاء لمن خالفه ، فخذ يا آدم بعهدي ، ولا تودعه
إلا الاصلاب الطاهرة من الرجال ، والارحام من النساء الطاهرات الطيبات العفيفات ، ثم قال آدم عليهالسلام
: يا رب لقد زدتني بهذا المولود شرفا ونورا وبهاء ووقارا ، وكان نور
رسول الله صلىاللهعليهوآله
في غرة آدم كالشمس في دوران قبة الفلك ، أوكالقمرفي الليلة المظلمة ، ود أنارت منه السماوات والارض والسرادقات والعرش والكرسي ، وكان آدم عليهالسلام إذا
أراد أن يغشى حواء أمرها أن تتطيب وتتطهر ، ويقول لها : الله يرزقك هذا النور ، ويخصك
به ، فهو وديعة الله وميثاقه ، فلا يزال نور رسول الله صلىاللهعليهوآله في غرة آدم عليهالسلام.
فروي عن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام قال : كان الله ولا
شئ معه ، فأول
_________________
ماخلق نور حبيبه
محمد (ص) قبل خلق الماء والعرش والكرسي والسماوات والارض و
اللوح والقلم والجنة والنار والملائكة وآدم وحواء بأربعة وعشرين وأربعمائة ألف عام
، فلما خلق الله تعالى نور نبينا محمد صلىاللهعليهوآله
بقي ألف عام بين يدي الله عزوجل واقفا
يسبحه ويحمده ، والحق تبارك وتعالى ينظر إليه ويقول : يا عبدي أنت المراد والمريد
، وأنت
خيرتي من خلقي ، وعزتي وجلالي لولاك ما خلقت الافلاك ، من أحبك أحببته ، ومن
أبغضك أبضغته ، فتلالا نوره وارتفع شعاعه ، فخلق الله منه اثني عشر حجابا أولها
حجاب
القدرة ، ثم حجاب الرحمة ، ثم حجاب النبوة ، ثم حجاب الكبرياء ، ثم حجاب المنزلة ، ثم
حجاب الرفعة ، ثم حجاب السعادة ، ثم حجاب الشفاعة ، ثم إن الله تعالى أمر نور
رسول الله صلىاللهعليهوآله
أن يدخل في حجاب القدرة فدخل وهويقول : (سبحان العلي الاعلى)
وبقي على ذلك اثنى عشر ألف عام ، ثم أمره أن يدخل في حجاب العظمة فدخل وهو
يقول : ( سبحان عالم السر وأخفى ) أحد عشر ألف عام ، ثم دخل في حجاب العزة وهو
يقول : ( سبحان الملك المنان ) عشرة آلاف عام ، ثم دخل في حجاب الهيبة وهو يقول : ( سبحان من هو غني لا يفتقر ) تسعة آلاف عام ، ثم دخل في حجاب الجبروت وهو يقول : ( سبحان الكريم الاكرم ) ثمانية آلاف عام ، ثم دخل في حجاب الرحمة وهو يقوا : ( سبحان رب العرش العظيم ) سبعة آلاف عام ، ثم دخل في حجاب النبوة وهو يقول : ( سبحان ربك رب العزة عما يصفون ) ستة آلاف عام ، ثم دخل في حجاب الكبرياء و
هو يقول : ( سبحان العظيم الاعظم ) خمسة آلاف عام ، ثم دخل في حجاب المنزلة وهو
يقول : ( سبحان العليم الكريم ، أربعة آلاف عام ، ثم دخل في حجاب الرفعة وهو يقول
: ( سبحان من يزيل الاشياء ولا يزول ) ألفي عام ، ثم دخل في حجاب الشفاعة وهو يقول :
( سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ) ألف عام.
_________________
قال الامام علي بن ابي طالب عليهالسلام : ثم إن الله تعالى
خلق من نور محمد صلىاللهعليهوآله
عشرين بحرا من نور ، في كل بحر علوم لا يعلمها إلا الله تعالى ، ثم قال لنور محمد صلىاللهعليهوآله : أنزل في بحر العز
فنزل ، ثم في بحر الصبر ، ثم في بحر الخشوع ، ثم في بحر التواضع ، ثم في بحر الرضا
، ثم في بحر الوفاء ، ثم في بحر الحلم ، ثم في بحر التقى ، ثم في بحر الخشية ، ثم في
بحر الانابة ، ثم في بحر العمل ، ثم في بحر الزميد ، ثم في بحر الهدى ، ثم في بحر
الصيانة ، ثم في بحر الحياء ، حتى تقلب في عشرين بحرا ، فلما خرج من آخر الابحر
قال الله تعالى : يا حبيبي ويا سيد رسلي ، ويا أول مخلوقاتي ويا آخر رسلي أنت
الشفيع يوم المحشر ، فخر النور ساجدا ، ثم قام فقطرت منه قطرات كان عددها مائة ألف
وأربعة وعشرين ألف قطرة ، فخلق الله تعالى من كل قطرة من نوره نبيا من الانبياء ، فلما تكاملت الانوار صارت
تطوف حول نور محمد صلىاللهعليهوآله
كما تطوف الحجاج حول بيت الله الحرام ، وهم
يسبحون الله ويحمدونه ويقولن : ( سبحان من هو عالم لا يجهل ، سبحان من هو حليم لا
يعجل ، سبحان من هو غني لا يفتقر) فناداهم الله تعالى : تعرفون من أنا؟ فسبق نور محمد صلىاللهعليهوآله
قبل الانوار ونادى : ( أنت الله الذي لا إله إلا أنت ، وحدك لا شريك لك ، رب
الارباب ، وملك الملوك ) فإذا بالنداء من قبل الحق : أنت صفيي ، وأنت حبيبي ، وخير خلقي ، امتك خير امة اخرجت للناس ، ثم خلق من نور محمد صلىاللهعليهوآله
جوهرة ، وقسمها قسمين ، فنظر إلى القسم الاول بعين الهيبة فصار ماء عذبا ، ونظر
إلى القسم الثاني بعين الشفقة فلخلق
منها العرش فاستوى
على وجه الماء ، فخلق الكرسي من نور العرش ، وخلق من نور
الكرسي اللوح ، وخلق من نور اللوح القلم ، وقال له : اكتب توحيدي ، فبقي القلم ألف
عام سكران من كلام الله تعالى ، فلما أفاق قال : اكتب ، قال : يا رب وما أكتب؟ قال
: اكتب : (لا إله إلا الله ، محمد رسول الله) فلماسمع القلم اسم محمدصلىاللهعليهوآله خرساجدا ، وقال : سبحان الواحد القهار ، سبحان العظيم الاعظم ، ثم رفع رأسه من السجود وكتب : ( لا
إله
إلا الله ، محمد رسول الله ) ثم قال : يا رب ومن محمد الذي قرنت اسمه باسمك وذكره
بذكرك؟
قال الله تعالى له : يا قلم فلو لاه ما خلقتك ، ولا خلقت خلقي إلا لاجله ، فهو
بشير ونذير ،
_________________
وسراج منير ، وشفيع
وحبيب ، فعند ذلك انشق القلم من حلاوة ذكر محمد صلىاللهعليهوآله
، ثم قال
القلم : السلام عليك يا رسول الله ، فقال الله تعالى : وعليك السلام مني ورحمة
الله وبركاته ، فلاجل هذا صار السلام سنة ، والرد فريضة ، ثم قال الله تعالى : اكتب قضائي وقدري ،
وما أنا خالقه إلى يوم القيامة ، ثم خلق الله ملائكة يصلون على محمد وآل محمد ، ويستغفرون
لامته إلى يوم القيامة ، ثم خلق الله تعالى من نور محمد صلىاللهعليهوآله الجنة ، وزينها
بأربعة أشياء : التعظيم ، والجلالة ، والسخاء ، والامانة ، وجعلها لاوليائه وأهل طاعته ، ثم نظر
إلى
باقي الجوهرة بعين الهيبة فذابت ، فخلق من دخانها السماوات ، ومن زبدها الارضين ، فلما خلق الله تبارك وتعالى الارض صارت تموج بأهلها كالسفينة ، فخلق الله الجبال
فأرساها
بها ، ثم خلق ملكا من أعظم ما يكون في القوة فدخل تحت الارض ، ثم لم يكن للصخرة
قرار
فخلق لها ثورا عظيما لم يقدر أحد ينظر إليه لعظم خلقته وبريق عيونه ، حتى لو وضعت
البحار كلها في إحدى منخريه ما كانت إلا كخردلة ملقاة في أرض فلاة ، فدخل الثور
تحت
الصخرة وحملها على ظهره وقرونه ، واسم ذلك الثور لهوتا ، ثم لم يكن لذلك الثور
قرار
فخلق الله له حوتا عظيما ، واسم ذلك الحوت بهموت. فدخل الحوت تحت قدمي الثور
فاستقر الثور على ظهر الحوت ،
فالارض كلها على كاهل الملك ، والملك على الصخرة ،
_________________
والصخرة على الثور ،
والثور على الحوت ، والحوت على الماء ، والماء على الهواء ، والهواء
على الظلمة ، ثم انقطع علم الخلائق عما تحت الظلمة ، ثم خلق الله تعالى العرش من
ضياءين : أحدهما الفضل والثاني العدل ، ثم أمر الضياءين فانتفسا بنفسين ، فخاق
منهما
أربعة أشياء : العقل والحلم والعلم والسخاء ، ثم خلق من العقل الخوف ، وخلق من
العلم
الرضا ، ومن الحلم المودة ، ومن السخاء المحبة ، ثم عجن هذه الاشياء في طينة محمدصلىاللهعليهوآله ، ثم خلق من بعدهم أرواح المؤمنين من امة محمدصلىاللهعليهوآله
، ثم خلق الشمس والقمر والنجوم
والليل والنهار والضياء والظلام وسائر الملائكة من نور محمد صلىاللهعليهوآله ، فلما تكاملت
الانوار سكن نور محمد تحت العرش ثلاثة وسبعين ألف عام ، ثم انتقل نوره إلى الجنة
فبقي سبعين
ألف عام ، ثم انتقل إلى سدرة المنتهى فبقي سبعين ألف عام ، ثم انتقل نوره إلى
السماء
السابعة ، ثم إلى السماء السادسة ، ثم إلى السماء الخامسة ، ثم إلى السماء الرابعة
، ثم إلى السماء الثالثة ، ثم إلى السماء الثانية ، ثم إلى السماء الدنيا ، فبقي
نوره في السماء
الدنيا إلى أن أراد الله تعالى أن يخلق آدم عليهالسلام
أمر جبرئيل عليهالسلام
أن ينزل إلى الارض
ويقبض منها قبضة ، فنزل جبرئيل فسبقه اللعين إبليس فقال للارض : إن الله تعالى
يريد
أن يخلق منك خلقا ويعذ به بالنار ، فإذا أتتك ملائكته فقولي : أعوذ بالله منكم أن
تأخذوا
مني شيئا يكون للنار فيه نصيب
، فجاءها جبرئيل عليهالسلام
فقالت : إني لاعوذ بالذي
أرسلك أن تأخذ مني شيئا ، فرجع جبرئيل ولم يأخذ منها شيئا ، فقال : يا رب
قد استعاذت بك مني فرحمتها ، فبعث ميكائيل فعاد كذلك ، ثم أمر إسرافيل فرجع كذلك ،
_________________
فبعث عزرائيل فقال :
وأنا أعوذ بعزة الله أن أعصي له أمرا ، فقبض قبضة من أعلاها و
أدونها وأبيضها وأسودها وأحمرها وأخشنها وأنعمها ، فلذلك اختلفت أخلاقهم وألوانهم ، فمنهم الابيض والاسود والاصفر ، فقال له تعالى : ألم تتعوذمنك الارض بي ، فقال : نعم
، لكن لم ألتفت له فيها ، وطاعتك يا مولاي أولى من رحمتي لها ، فقال له الله تعالى :
لم لا
رحمتها كما رحمها أصحابك؟ قال : طاعتك أولى ، فقال : اعلم أني اريد أن أخلق منها
خلقا أنبياء وصالحين وغير ذلك ، وأجعلك القابض لارواحهم ، فبكى عزرائيل عليهالسلام فقال
له الحق تعالى : ما يبكيك؟ قال : إذا كنت كذلك كرهوني هؤلاء الخلائق ، فقال : لا
تخف إني أخلق لهم عللا فينسبون الموت إلى تلك العلل ، ثم بعد ذلك أمر الله تعالى
جبرئيل عليهالسلام
أن يأتيه بالقبضة البيضاء التي كانت أصلا ، فأقبل جبرئيل عليهالسلام
ومعه الملاكة الكروبيون والصافون والمسبحون ، فقبضوها من موضع ضريحه وهي
البقعة المصيئة المختارة من بقاع الارض ، فأخذها جبرئيل من ذلك المكان فعجنها بماء
التسنيم
وماء التعظيم وماء التكريم وماء التكوين وماء الرحمة وماء الرضا وماء العفو ، فخلق من الهداية رأسه ، ومن الشفعة صدره ، ومن السخاء كفيه ، ومن الصبر فؤاده ، ومن
العفة فرجه ، ومن الشرف قدميه ، ومن اليقين قلبه ، ومن الطيب أنفاسه ، ثم خلطها
بطينة
آدم عليهالسلام
، فلما خلق الله تعالى آدم عليهالسلام
أوحى إلى الملائكة : ( إني خالق بشرا من
طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) فحملت الملائكة جسد آدم عليهالسلام
ووضعوه على باب الجنة وهو جسدلا روح فيه ، والملائكة ينتظرون متى يؤمرون بالسجود ،
وكان ذلك يوم الجمعة بعد الظهر ، ثم إن الله تعالى أمر الملائكة بالجسود لآدم عليهالسلام
فسجدوا إلا إبليس لعنه الله ، ثم خلق الله بعد ذلك الروح وقال لها : ادخلي في هذا
الجسم ، فرأت الروح مدخلا ضيقا فوقفت ، فقال لها : ادخلي كرها ، واخرجي كرها ، قال : فدخلت الروح في اليافوخ
إلى العينين ، فجعل ينظر إلى نفسه ، فسمع تسبيح
_________________
الملائكة ، فلما
وصلت إلى الخياشيم عطس آدم عليهالسلام
، فأنطقه الله تعالى بالحمد ، فقال : الحمد لله ، وهي أول كلمة قالها آدم عليهالسلام
، فقال الحق تعالى : رحمك الله يا آدم ، لهذا خلقتك ، وهذا
لك ولولدك أن قالوا مثل ما قلت ، فلذلك صار تسميت العاطس
سنة ، ولم يكن على إبليس أشد من تسميت العاطس ، ثم إن آدم عليهالسلام فتح عينيه فرأى
مكتوبا على العرش : ( لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ) فلما وصلت الروح إلى
ساقه قام قبل
أن تصل إلى قدميه فلم يطق فلذلك قال تعالى (
خلق
الانسان من عجل ).
قال الصادق عليهالسلام : كانت الروح في
رأس آدم عليهالسلام
مائة عام ، وفي صدره مائة عام ، وفي ظهره مائة عام ، وفي فخذيه مائة عام ، وفي
ساقيه وقدميه مائة عام
، فلما استوى
آدم عليهالسلام
قائما أمر الله الملائكة بالسجود ، وكان ذلك بعد الظهر يوم الجمعة ، فلم تزل
في سجودها إلى العصر ، فسمع آدم عليهالسلام
من ظهره نشيشا كنشيش الطير ، وتسيحا و
تقديسا ، فقال آدم : يا رب وما هذا؟ قال : يا آدم هذا تسبيح محمد العربي سيد
الاولين و
الآخرين ، ثم إن الله تبارك وتعالى خلق من ضلعه الاعوج حواء وقد أنامه الله تعالى ، فلما انتبه رآها عند رأسه ، فقال : من أنت؟ قالت : أنا حواء ، خلقني الله لك ، قال
: ما
أحسن خلقتك! فأوحى الله إليه : هذه أمتي حواء وأنت عبدي آدم ، خلقتكما لدار اسمها
جنتي ، فسبحاني واحمداني ، يا آدم اخطب حواء مني وادفع مهرها إلي ، فقال آدم : وما مهرها يا رب؟ قال : تصلي على حبيبي محمد (ص) عشر مرات ، فقال آدم : جزاؤك
يا رب على ذلك الحمد والشكر ما بقيت ، فتزوجها على ذلك ، وكان القاضي الحق ، و
العاقد جبرئيل ، والزوجة حواء ، والشهود الملائكة ، فواصلها ، وكانت الملائكة
يقفون
من وراء آدم عليهالسلام
، قال آدم عليهالسلام
: لاي شئ يا رب تقف الملائكة من ورائي؟ فقال : _________________
لينظروا إلى نور
ولدك محمد (ص) ، قال : يارب اجعله أمامي حتى تستقبلني الملائكة ، فجعله
في جبهته ، فكانت الملائكة تقف قدامه صفوفا ، ثم سأل آدم عليهالسلام ربه أن يجعله في
مكان يراه آدم ، فجعله في الاصبح السبابة ، فكان نورمحمدصلىاللهعليهوآله فيها ، ونورعلي عليهالسلام
في الاصبع الوسطى ، وفاطمة عليهماالسلام
في التي تليها ، والحسن عليهالسلام
في الخنصر ، والحسين
عليهالسلام
في الابهام ، وكانت أنوارهم كغرة الشمس في قبة الفلك ، أو كالقمر في ليلة البدر ،
وكان آدم عليهالسلام
إذا أراد أن يغشي حواء يأمرها أن تتطيب وتتطهر ، ويقول لها : يا حواء
الله يرزقك هذا النور ويخصك به ، فهو وديعة الله وميثاقه ، فلم يزل نور رسول الله صلىاللهعليهوآله في غرة
آدم عليهالسلام
حتى حملت حواء بشيث ، وكانت الملائكة يأتون حواء ويهنؤنها ، فلما وضعته
نظرت بين عينيه إلى نور رسول الله صلىاللهعليهوآله
يشتعل اشتعالا ، ففرحت بذلك ، وضرب جبرئيل عليهالسلام
بينها وبينه حجابا من نور
غلظه مقدار خمسمأة عام ، فلم يزل محجوبا محبوسا حتى
بلغ شيث عليهالسلام
مبالغ الرجال ،
والنور يشرق في غرته ،
فلما علم آدم عليهالسلام
أن ولده شيث بلغ مبالغ الرجال قال له : يا بني إني مفارقك عن قريب ، فادن مني
حتى آخذ عليك العهد والميثاق كما أخذه الله تعالى على من قبلك ، ثم رفع آدم عليهالسلام
رأسه نحو السماء وقد علم الله ما أراد ، فأمر الله الملائكة أن يمسكوا عن التسبيح
ولفت
أجنحتها ، وأشرفت سكان الجنان من غرفاتها ، وسكن صرير أبوابها ، وجريان أنهارها ،
وتصفيق أوراق أشجارها ، وتطاولت لاستماع ما يقول آدم عليهالسلام
، ونودي : يا آدم قل ما أنت
قائل ، فقال آدم عليهالسلام
: اللهم رب القدم قبل النفس ، ومنير القمر والشمس ، خلقتنى
كيف شئت ، وقد أودعتني هذا النور الذي أرى منه التشريف والكرامة ، وقد صار
_________________
لولدي شيث ، وإني
اريد أن آخذ عليه العهد والميثاق كما أخذته علي ، اللهم وأنت
الشاهد عليه ، وإذا بالنداء من قبل الله تعالى : يا آدم خذ على ولدك شيث العهد ، وأشهد
عليه جبرئيل وميكائيل والملائكة أجمعين ، قال : فأمر الله تعالى جبرئيل عليهالسلام أن يهبط
إلى الارض في سبعين ألفا من الملائكة بأيديهم ألوية الحمد ، وبيده حريرة بيضاء ، و
قلم مكون من مشية الله
رب العالمين ، فأقبل جبرئيل على آدم عليهالسلام
، وقال له : يا آدم ربك يقرئك السلام ويقول لك : اكتب على ولدك شيث كتابا ، وأشهد عليه
جبرئيل وميكائيل والملائكة أجمعين ، فكتب الكتاب ، وأشهد عليه ، وختمه جبرئيل
بخاتمه ، ودفعه إلى شيث : وكسا قبل انصرافه حلتين
حمراوين أضوء من نور الشمس ، وأروق
من السماء ، لم يقطعا ولم يفصلا ، بل قال لهما الجليل : كونيا فكانتا ، ثم تفرقا ، وقبل شيث العهد وألزمه نفسه ، ولم يزل ذلك النور بين عينيه حتى تزوج المحاولة
البيضاء ، وكانت بطوله حواء ، واقترن إليها بخطبة جبرئيل ، فلما وطأها حملت
بأنوش ، فلما حملت به سمعت مناديا ينادي : هنيئا لك يا بيضاء ، لقد استودعك الله
نور
سيد المرسيلن ، سيد الاولين والآخرين ، فلما ولدته أخذ عليه شيث العهد كما أخذ
عليه ، وانتقل إلى ولده قينان ، ومنه إلى مهلائيل ، ومنه إلى ادد ، ومنه إلى اخنوخ
وهو إدريس عليهالسلام
، ثم أودعه إدريس ولده متوشلخ ، وأخذ عليه العهد ، ثم انتقل إلى _________________
ملك ، ثم إلى نوح ، ومن نوح إلى سام ، ومن
سام إلى ولده أرفخشد
، ثم إلى ولده
عابر ، ثم إلى
قالع ، ثم إلى
أرغو ، ومنه إلى شارغ
، ومنه إلى تاخور
، ثم انتقل إلى تارخ ، ومنه لالى إبراهيم ، ثم إلى إسماعيل ، ثم إلى قيذار ، ومنه
إلى الهميسع
، ثم انتقل لالى نبت
، ثم إلى يشحب ، ومنه إلى ادد ، ومنه إلى
عدنان ، ومنه إلى معد ، ومنه إلى نزار ، ومنه إلى مضر ، ومن مضر إلى إلياس ، ومن إلياس إلى مدركة ، ومنه إلى خزيمة ، ومنه إلى كنانة ، ومن كنانة إلى قصى ، ومن قصى إلى لوي ، ومن لوي إلى غالب ، ومنه إلى فهر ، ومن فهر إلى عبد مناف ، ومن
عبدمناف إلى هاشم ، وإنما سمي هاشما لانه هشم الثريد لقومه ، وكان اسمه عمرو
العلاء ، _________________
وكان نور رسول الله صلىاللهعليهوآله في وجهه ، إذا أقبل
تضئ منه الكعبة ، وتكتسي من
نور نرا شعشانيا ، ويرتفع من وجهه نور إلى السماء ، وخرج من بطن امه عاتكة بنت
مره ، بنت فالج
بن ذكون ، وله ضفيرتان كضفيرتي إسماعيل عليهالسلام
، يتوقد نورهما
إلى السماء ، فعجب أهل مكة من ذلك ، وسارت إليه قبائل العرب من كل جانب ، وماجت
منه الكهان ، ونطقت الاصنام بفضل النبي
المختار ، وكان هاشم لا يمر بحجر ولا
مدر إلا ويناديه ابشر يا هاشم فإنه سيظهر من ذريتك أكرم الخلق على الله تعالى ، و
أشرف العالمين محمد خاتم النبيين ، وكان هاشم إذا مشى في الظلام أنارت منه الحنادس
ويرى من حوله كما يرى من ضوء المصباح ، فلما حضرت عبد مناف الوفاة أخذ العهد
على هاشم أن يودع نور رسول الله صلىاللهعليهوآله
في الارحام الزكية من النساء ، فقبل هاشم
العهد وألزمه نفسه ، وجعلت الملوك
تتطاول إلى هاشم ليتزوج منهم ويبذلون إليه الاموال
الجزيلة
، وهو يأبى عليهم ، وكان كل يوم يأتي الكعبة ويطوف بها سبعا ، ويتعلق
بأستارها ، وكان هاشم إذا قصده قاصد أكرمه ، وكان يكسو العريان ، ويطعم الجائع ، و
يفرج عن المعسر ، ويوفي عن المديون ، ومن اصيب بدم دفع عنه ، وكان بابه لا يغلق
عن صادر ولا وارد ، وإذا أولم وليمة أو اصطنع طعاما لاحد وفضل منه شئ يأمر به أن
يلقى إلى الوحش
والطيور حتى تحدثوا به وبجوده في الآفاق ، وسوده أهل
مكة بأجمعهم وشرفوه وعظموه ، وسلموا إليه مفاتيح الكعبة والسقاية والحجابة
والرفادة
_________________
ومصادر امور الناس
ومواردها ، وسلموا إليه لواء نزار ، وقوس إسماعيل عليهالسلام
، وقميص
إبراهيم عليهالسلام
، ونعل شيث عليهالسلام
، وخاتم نوح عليهالسلام
، فلما احتوى على ذلك كله ظهر فخره ومجده ، وكان يقوم بالحاج ويرعاهم ، ويتولي امورهم ويكرمهم ، ولا
ينصرفون إلا شاكرين.
قال أبوالحسن البكري : وكان هاشم إذا
أهل هلال ذي
الحجة يأمر الناس
بالاجتماع إلى الكعبة ، فإذا اجتمعوا قام خطيبا ويقول : ( معاش الناس إنكم جيران الله
وجيران بيته ، وإنه سيأتيكم في هذا الموسم زواربيت الله وهم أضياف الله ، والاضياف
هم أولى
بالكرامة ، وقد خصكم الله تعالى بهم وأكرمكم ، وإنهم سيأتونكم شعثا غبرا من كل
فج عميق ، ويقصدونكم من كل مكان سحيق ، فاقروهم واحموهم وأكرموهم يكرمكم
الله تعالى ) وكانت قريش تخرج المال الكثير من أموالهم ، وكان هاشم ينصب أحواض
الاديم
، ويجعل فيها ماء من ماء زمزم ، ويملي باقي الحياص من سائر الآبار بحيث تشرب
الحاج ، وكان من
عادته أنه يطعمهم قبل التروية بيوم ، وكان يحمل لهم الطعام
إلى منى وعرفة ، وكان ييثرد لهم اللحم والسمن والتمر ، ويسقيهم اللبن إلى حيث
تصدر الناس من منى ، ثم يقطع عنهم الضيافة.
قال أبوالحسين البكري : بلغنا أنه كان
بأهل مكة ضيق وجدب وغلاء ، ولم يكن
عندهم ما يزودون به الحاج ، فبعث هاشم إلى نحو الشام أبا عر ، فباعها واشترى
بأثمانها
_________________
كمكا
وزيتا ، ولم يترك عنده من ذلك قوت يوم واحد ، بل بذل ذلك كله للحاج ، فكفاهم جميعهم
، وصدر الناس يشكرونه في الآفاق ، وفيه يقول الشاعر :
يا أيها الرجل المجدر حيلة
|
|
هلا مروت بدار عبد مناف؟!
|
ثكلتك امك لو مررت ببابهم
|
|
لعجبت من كرم ومن أوصاف.
|
عمرو العلاء هشم الثريد لقومه
|
|
والقوم فيها مسنتون عجاف
|
بسطوا إليه الرحلتين كليهم
|
|
عند الشتاء ورحلة الاصياف
|
قال : فبلغ خبره إلى النجاشي ملك الحبشة
، وإلى قيصر ملك الروم ، فكاتبوه و
راسلوه أن يهدوا له بناتهم رغبة في النور الذي في وجهه ، وهو نور محمد صلىاللهعليهوآله ، لان رهبانهم وكهانهم
أعلموهم بأن ذلك النور نور رسول الله صلىاللهعليهوآله
، فأبى هاشم عن ذلك ، وتزوج من نساء قومه ، ورزق منهن أولادا ، وكان أولاده الذكور أسد ومضر وعمرو وصيفى ، وأما البنات فصعصعة ورقية وخلادة والشعثاء ، فهذه جملة الذكور والاناث ،
و
نور رسول الله صلىاللهعليهوآله
في غرته لم يزل ، فعظم ذلك عليه وكبر لديه ، فلما كان في بعض الليالي وقد طاف
بالبيت سأل الله تعالى أن يرزقه ولدا يكون فيه نور رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فأخذه النعاس ، فمال
عن البيت ، ثم اضطجع ، فأتاه آت يقول في منامه : عليك بسلمى بنت عمرو فإنها طاهرة
مطهرة الاذيال ، فخذها ، وادفع لها
المهر الجزيل ، فلم تجد
_________________
لها مشبها من النساء
، فإنك ترزق منها ولدا يكون منه النبي (ص) فصاحبها ترشد ، واسع إلى أخذ
الكريمة عاجلا ، قال : فانتبه هاشم فزعا مرعوبا ، وأحض بني عمه
وأخاه المطلب ، وأخبرهم بما رآه في منامه وبما قال الهاتف ، فقال له أخوه المطلب :
يابن
ام إن المرأة المعروفة في قومها ، كبيرة في نفسها ، قد كملت عفة واعتدالا ، وهي سلمى بنت عمرو بن لبيد بن حداث بن
زيد بن عامر بن غنم بن مازن بن النجار ، وهم أهل الاضياف والعفاف ، وأنت أشرف منهم حسبا ، وأكرم منهم نسبا ، قد تطاولت
إليك الملوك والجبابرة
، وإن شئت فنحن لك خطابا ، فقال لهم : الحاجة لا تقضى
إلا بصاحبها ، وقد جمعت فضلا وتجارة واريد أن أخرج إلى الشام للتجارة ولوصال هذه
المرأة ، فقال له أصحابه
: نحن نفرح لفرحك ، ونسر لسرورك ، وننظر ما يكون من أمرك ، ثم إن هاشما خرج للسفر
وخرج معه أصحابه بأسلحتهم ، وخرج معه العبيد يقودون
الخيل والجمال ، وعليها أحمال الاديم ، وعند خروجه نادى في أهل مكة فخرجت معه
السادات والاكابر ، وخرج معه العبيد والنساء لتوديع هاشم ، فأمرهم بالرجوع وسار هو
_________________
وبنو عمه وأخوه
المطلب إلى يثرب كالاسود طالبي بني النجار.
فلما وصلوا المدينة أشرق بنور رسول الله
صلىاللهعليهوآله
ذلك الوادي من غرة هاشم
حتى دخل جملة البيوت ، فلما رآهم أهل يثرب بادروا إليهم مسرعين ، وقالوا : من أنتم
أيها الناس؟ فما رأينا أحسن منكم جمالا ، ولا سيما صاحب هذا النور الساطع ، والضياء
اللامع ، قال لهم المطلب : نحن أهل بيت الله ، وسكان حرم الله ، نحن بني لوي بن
غالب ، وهذا
أخونا هاشم بن عبد مناف ، وقد جئناكم
خاطبين ، وفيكم راغبين ، وقد علمتم أن أخانا هذا خطبه المللوك والاكابر ، فما رغب إلا فيكم ، ونحب أن
ترشدونا
إلى سلمى ، وكان أبوها يسمع الخطاب ، فقال لهم : مرحبا بكم ، أنتم أرباب الشرف و
المفاخر ، والعز والمآثر ، ولاسادات الكرام ، والمطعمون الطعام ، ونهاية الجود والاكرام ، ولكم عندنا ما تطلبون ، غير أن المرأة
التي خرجتم لاجلها وجئتم لها طالبين هي
ابنتي وقرة عيني ، وهي مالكة نفسها
، ومع ذلك إنها خرجت بالامس إلى سوق
من أسواقنا مع نساء من قومها يقال لها سوق بني قينقاع ، فإن أقمتم عندنا فأنتم في
العناية
والكلاية ، وإن أردتم أن تسيروا إليها ففي الرعاية ، ومن الخاطب لها والراغب فيها؟
قالوا : صاحب هذا النور الساطع ، والضياء اللامع ، سراج بيت الله الحرام ، ومصباح
الظلام ، الموصوف بالجود والاكرام
هاشم بن عبد مناف ، صاحب رحلة الايلاف ، و
ذروة الاحقاف ، فقال أبوها : بخ بخ لقد علونا وفخرنا بخطبتكم ، اعلموا يا من حضر
إني
_________________
قد رغبت في هذا
الرجل أكثر من رغبته
فينا ، غير أني اخبركم أن أمري دون
أمرها ، وها أنا
أسير معكم إليها ، فانزلوا يا خير زوار ، ويا فخر بني نزار ، قال : فنزل
هاشم وأخوه وأصحابه وحطوا رحالهم ومتاعهم ، وسبق أبوها عمر وإلى قومه ، ونحر لهم
النحاير ، وعقر لهم العقاير ، وأصلح لهم الطعام ، وخرجت لهم العبيد بالجفان ، فأكلت
القوم منه حسب الحاجة ، ولم يبق من أهل يثرب أحد إلا خرج ينظر إلى هاشم ونور
وجهه ، وخرج الاوس والخزرج والناس متعجبن من ذلك النور ، وخرج اليهود ، فلما
نظروا إليه عرفوه بالصفة التي وجدوها في التوراة والعلامات ، فعظم ذلك عليهم ، وبكوا
بكاء شديدا ، فقال بعض اليهود لحبر من أحبارهم : ما بكاءكم؟ قال : من هذا الرجل
الذي
يظهر منه سفك دمائكم
وقد جاءكم السفاك القتال الذي تقاتل معه الاملاك المعروف
في كتبكم بالماحي ، وهذه أنواره قد ابتدرت ، قال : فبكى اليهود من قوله ، وقالوا
له : يا ابانا فهل هذا الذي ذكرت نصل إلى قتله ، ونكفي شره؟ فقال لهم : هيهات حيل
بينكم وبين ما تشتهون ، وعجزتم عما تأملون ، إن هذا هو المولود الذي ذكرت لكم ، تقاتل معه الاملاك من الهواء ، ويخاطب من السماء ، ويقول : قال جبرئيل عن رب
السماء
، فقالوا : هذا تكون له هذه المنزلة؟ قال : أعز من الولد عند الوالد ، فإنه أكرم أهل الارض على الله تعالى ، وأكرم أهل السماوات ، فقالوا : أيها السيد
الكريم نحن نسعى في إطفاء ضوء هذا المصباح قبل أن يتمكن ويحدث علينا منه كل
مكروه ، وأضمر القوم لهاشم العداوة ، وكان بدء عداوة اليهود من ذلك اليوم لرسول
الله
صلىاللهعليهوآله
، فلما أصبح هاشم أمر أصحابه أن يلبسوا أفخرج أثوابهم ، وأن يظهروا
_________________
زينتهم ، فلبسوا ما
كان عندهم من الثياب ، وما قد أعدوه للزينة والجمال ، وأظهروا
التيجان والجواشن والدروع والبيض ، فأقبلوا يريدون سوق بني قينقاع وقد شدوا لواء
نزار على قناة ، وأحاطوا بهاشم عن يمينه وشماله ، ومشى قدامه العبيد وابوسلمى معهم
وأكابر قومه ، ومعهم جماعة من اليهود ، فلما أشرفوا على السوق وكان تجتمع إليه
الناس
من أقاصي البلاد وأطارها
وأهل الحضر وسكانها ، فنظر القوم إلى هاشم وأصحابه
وتركوا معاشهم
وأقبلوا ينظرون إلى هاشم ويتعجبون من حسنه وجماله ، وكان هاشم
بين أصحابه كالبدر المنير بن الكواكب ، وعليه الكسنية والوقار ، فأن هل بجماله أهل
السوق ، وجعلوا ينظرون إلى النور الذي بين عينيه ، وكانت سلمى بنت عمرو وواقفة مع
الناس
تنظر إلى هاشم وحسنه وجماله وما عليه من الهيبة والوقار ، إذ أقبل عليها أبوها وقال
لها : يا سلمى ابشرك بما يسرك ولا يضرك ، وكانت معجبة بنفسها من حسنها وجمالها ، فلما
نظرت إلى هاشم وجماله نسيت حسنها وجمالها
، وقالت : يا أبت بما تبشرني؟ قال : إن هذا الرجل ، إليك خاطب ، وفيك راغب ، وهو يا سلمى من أهل الكفاف والعفاف
والجود والاضياف هاشم بن عبدمناف ، وإنه لم يخرج من الحرم لغير ذلك ، فلما سمعت
سلمى كلام أبيها أعرضت عنه بوجهها وأدركها الحياء منه فأمسكت عن الكلام ، ثم قالت
: يا أبت إن النساء يفتخرون على الرجال بالحسن والجمال والقدر والكمال ، وإذا كان
زوج المرأة
سيدا من سادات العرب وكان مليح المنظر والمخبر فما أقول لك ، وقد عرفت ما جرى
بينى وبين احيحة بن الجلاح
الاوسي وحيلتي عليه حتى خلعت نفسى منه لما علمت
أنه لم يكن من الكرام ، وإن هذا الرجل يدل عظمته ونور وجهه على مروته ، وإحسانه
يدل على فخره ، فإن يكن القوم كما ذكرت قد خطبونا ورغبوا فينا فإنى فيهم راغبة ، _________________
ولكن لابد أن أطلب
منهم المهر
، ولا اصغر نفسي
، وسيكون لنا ولهم خطاب
وجواب ، وان القول منها لحال أبيها لانها لم تصدق بذلك ، حتى نزلت هاشم قريبا من
السوق واعتزل ناحية عنه ، فأقبل أهل السوق إليه مسرعين ينظرون إلى نوره حتى ضاع
كثير من متاعهم ومعاشهم من نظر هم إليه ، وقد نصبت له خيمة من الحرير الاحمر ، و
وضعت له سرادقات
، فلما دخل هاشم وأصحابه الخيمة تفرق أهل السوق عنهم ، و
جعل يسأل بعضهم بعضا عن أمرهاشم وقومه ، وما أقدمهم عليه من مكة ، فقيل : إنه
جاء خاطبا لسلمى فحدسوها عليه ، وكانت أجمل أهل زمانها وأكملهم حسنا وجمالا ، وكانت جارية تامة معتدلة ، لها منظر ومخبر
، كاملة الاوصاف ، معتلة
الاطراف
، سريعة الجواب ، حسنة الآداب ، عاقلة طريفة عفيفة لبيبة ، طاهرة من الادناس ، فحسدوها كلهم على هاشم حتى حسدها إبليس لعنه الله
وكان قد تصور لها في صورة شيخ كبير
وقال : يا سلمى أنا من أصحاب هاشم قد جئتك
ناصحا لك
، اعلمي أن لصاحبنا هذا من الحسن والجمال ما رأيت إلا أنه رجل ملول
للنسا ، لا تقيم المرأة عنده أكثر من شهرين إذا أراد ، وإلا فعشرة أيام لا غير ، وقد
تزوج نساء كثيرة ، ومع ذلك إنه جبان في الحروب ، فقالت سلمى : إليك عني ، _________________
فو الله لو ملا لي
حصنا من المال ما قبلته ، ولو ملا لي حصون خيبر ذهبا وفضة ما رغبت
فيه لهذه الخصال التي ذكرت ، ولقد كنت أجبته ورغبت فيه وقد قلت رغبتي فيه لهذه
الخصال ، اذهب عني ، فانصرف عنها وتركها في همها وغمها ، ثم إن إبليس لعنه الله
تصور لها بصورة اخرى وزعم أنه لا يرسل إلي رسولا بعد ذلك ، فسكت إبليس لعنه الله ،
فقالت : إن أرسل رسولا بعدك أمرت بضرب عنقه ، فخرج إبليس فرحا مسرورا وقد ألقى
في قلبها البغضة لهاشم ، وظن أن هاشما يرجع خائنا ، فعند ذلك دخل عليها أبوها
فوجدها
في سكرتها وحيرتها ، فقال : يا سلمى ما الذي حل بك هذا اليوم وهذا يوم سرورك؟!
فقالت : يا أبت لا تزيدني كلاما ، فقد فضحتني وأشهرت أمري ، أردت أن تزوجني برجل
ملول للنساء ، كثير الطلاق ، جبان في الحروق ، فضحك أبوها وقال : يا سلمى والله
ما لهذا الرجل شئ من هذه الخصال الثلاث ، وإنه إلى كرمه الغاية ، وإلى جوده النهاية
، وإنما سمي هاشما لانه أول من هشم الثريد لقومه ، وأما قولك : كثير الطلاق فإنه
ما طلق امرأة قط ، وأما قولك : جبان فهو واحد أهل زمانه في الشجاعة ، وإنه لمعروف
عند الناس بالجواب والخطاب والصواب
، فقالت : يا أبت لو أنه ما جائني عنه إلا
واحد كذبته وقلت : إنه عدو ، فقد جاءني ثلاثة نفر كل واحد منهم يقول مثل مقالة
الآخر ، فقال أبوها : ما رأينا منه رسولا ولا جاءنا منه خبر ، وكان الشيطان يظهر
لهم
في ذلك الزمان ويأمرهم وينهاهم ، وقد صح عندها ما قاله الشيطان الرجيم وهي تظن
أنه من بني آدم ، وهاشم لا يعلم شيئا من ذلك
، وكان قد عول على جمع من قومه في
خطبتها
، ثم إن سلمى خرجت في بعض حوائجها وهي تحب أن تنظر إلى هاشم ، _________________
فجمع الله بينهما في
الطريق ، فوقع في قلبها أمر عظيم من محبته ، وكان في ذلك الزمان
لا تستحي النساء من الرجال ، ولا يضرب بينهن
حجاب إلى أن بعث محمد صلىاللهعليهوآله
، ونزل طائفة من اليهود من جهة خيمه هاشم ، ولما اجتمعت سلمى بهاشم عرفته بالنور
الذي في وجهه ، وعرفها أيضا هو ، فال له : يا هاشم قد أحببتك وأردتك ، فإذا كان
غدا فاخطبني من أبي ، ولا يعز عليك ما يطلب أبي منك ، فإن لم تصله يدك ساعدتك
عليه ، فلما أصبح تأهب هاشم للقاء القوم فتزينوا بزينتهم ، وإذا أهل سلمى قد قدموا ، فقام من كان في الخيمة إجلالا لهم ، وجلس هاشم وأخوه وبنو عمه في صدر الخيمة
فتطاولت
القوم إلى هاشم
، فابتدأهم المطلب بالكلام ، وقال : يا أهل الشرف والاكرام والفضل
والانعام ، نحن وفد بيت الله الحرام ، والمشاعر العظام ، وإلينا سعة الاقدام ، وأنتم تعلمون شرفنا وسوددنا ، وما قد خصصنا
الله به من النور الساطع ، والضياء
اللامع ، ونحن بنولوي بن غالب ، قد انتقل هذا النور إلى عبد مناف ، ثم إلى أخينا
هاشم ، وهو معنا من آدم إلى أن صار إلى هاشم
، وقد ساقه الله إليكم ، وأقدمه عليكم ، فنحن لكريتكم خاطبون ، وفيكم راغبون ، ثم أمسك عن الكلام ، فقام عمرو أبوسلمى : لكم التحية والاكرام والاجابة والاعظام ، وقد قبلنا خطبتكم ، وأجبنا دعوتكم ، وأنتم
تعرفون عليتنا
، ولا يخفى عليكم أحوالنا ، ولابد من تقدير المهر كما كان سلفنا و
_________________
آباؤنا ، ولو لا ذلك ما واجهناكم بشئ من ذلك
ولاقابلناكم به أبدا ، فعند ذلك
قال المطلب : لكم عندي مأة ناقة سود الحدق ، حمر الوبر ، لم يعلها جمل ، فبكى
إبليس
لعنه الله وكان من جملة من حضر ، وجلس عند أبي سلمى وأشار إليه أن اطلب الزيادة ، فقال
أبوسلمى : معاشر السادات ما هذا؟ هذا قدر ابنتنا عندكم؟ فقال المطلب : ولكم ألف
مثقال من الذهب الاحمر ، فغمز إبليس لعنه الله أبا سلمى وأشار إليه أن اطلب
الزيادة ، فقال : يافتى قصرت في حقنا فيما قلت
، وأقللت فيما بذلت ، فقال : ولكم عندنا
حمل عنبر ، وعشرة أثواب من قباطي مصر ، وعشرة من أراضي العراق ، فقد أنصفناكم ، فغمز إبليس لعنه الله أبا سلمى وأشار إليه أن اطلب الزيادة ، فقال : يا فتى قد
قاربت وأجملت ، قال له المطلب : ولكم خمس وصايف برسم الخدمة ، فهل تريدون أكر من ذلك؟ فأشار
إليه إبليس لعنه الله أن اطلب الزيادة ، فقال أبوسلمى : يا فتى إن الذي بذلتموه
لنا
إليكم راجع ، فقال المطلب : ولكم عشر أواق من المسك الاذذفر ، وخمسة أقداح
من الكافور ، فهل رضيتم أم لا؟ فهم إبليس أن يغمز أبا سلمى فصاح به أبوسلمى وقال
له : يا شيخ السوء اخرج لقد جئت شيئا نكرا ، فو الله لقد أخجلتني ، فقال له المطلب : اخرج
يا شيخ السوء ، فقام الشيطان وخرج ، خرج اليهود معه ، فقال إبليس : يا عمر وإن
الذي
شرطته في مهر ابنتك قليل ، وإنما أردت أن أطلب من القوم ما تفتخر به ابنتك على
سائر
نسائها وأهل زمانها ، ولقد هممت أن أشرط عليه أن يبني لها قصرا طوله عشرة فراسخ ، وعرضه مثل ذلك ، ويكون شاهقا في الهواء ، باسقا في السماء ، وفي أعلاه مجلس ينظر
منه إلى أيوان كسرى ، وينظر إلى المراكب منحدرات في البحر ، ثم يحلب إليه نهرا
من الدجلة والفرات عرضه مأة ذراع ، تجري فيه المراكب ، ثم يغرس حول النهر
_________________
نخلات معتدلات لا
ينقطع ثمرها صيفا ولا شتاء ، قال المطلب : يا ويلك ومن يقدر على
ذلك يا شيخ السوء؟ فقد أسرفت فيما قلت ، من يصل إلى ما أردت؟ فصاح به أبوسلمى
والمطلب فأخذته الصيحة من كل مكان ، وكان مراد إبليس لعنه الله تفرق المجلس ، ثم
قال أرمون بن قيطون : يا قوم إن هذا الشيخ أحكم الحكماء ، وهو معروف في بلادنا
بالحكمة ، وفي الشام والعراق ، وبعد ذلك إننا ما نزوج ابنتنا برجل غريب من غير
بلدنا ، فقامت اليهود وهم أربع مأة يهودي وأهل الحرم أربعون سيدا وجردوا سيوفهم ، وقال هاشم لاصحابه : دونكم القوم ، فهذا تأويل رؤياي ، فقمت الصيحة فيهم فوثت
المطلب
على أرمون بن قيطون ، ووثب هاشم على إبليس لعنه الله فانحاز يريد الهرب فأدركه
هاشم
وقبضه ورفعه وجلد به الارض
، فصرخ صرخة عظيمة لما غشاه
نور رسول الله صلىاللهعليهوآله
وصار ريحا ، فقاتفت هاشم إلى أخيه المطلب فوجده قد قتل أرمون بن قيطون وقسمه
نصفين ، وقتل هاشم وأصحابه جمعا كثيرا من اليهود ، ووقع الرجفة في المدينة ، وخرج
الرجال والنساء وانهزم اليهود على وجوههم ، ورجع أبوسلمى وقال لقومه : مزجتم الفرح
بالترح ، وما كان سبب الفتنة إلا من إبليس
لعنه الله ، فوضع
السيف عن اليهود بعد
أن قتل منهم سبعين
رجلا ، وكانت عداوة اليهود لرسول الله صلىاللهعليهوآله
من ذلك اليوم ، ثم
إن هاشما قال لاصحابه : هذا تأويل رؤياي ، فافتقد اليهود الحبر فلم يجدوه ، فقال
هاشم : يا معاشر اليهود إنما أغواكم الشيطان الرجيم ، فانظروا إلى صاحبكم ، فإن
وجدتموه فاعلموا أنّه كما زعمتم حكيم من حكمائكم ، وإن لم تجدوه فقد حيل بينكم
_________________
وبينه وظننتم أنه من
أحباركم وما هو إلا الشيطان أغواكم ، ثم إن أبا سلمى عمد إلى إصلاح
شأنه ، ورجع القوم إلى أماكنهم وقد امتلؤا غيظا على اليهود ، فأقبل هاشم إلى منزله
واصلح الولائم
، وأمر العبيد أن يحملوا الجفان المترعة باللبن ولحوم الضأن والابل ، ثم إن عمروا مضى إلى ابنته وقال لها : إن الرجل الذي يقول لك : إن هاشما لجبان
قد نطق بالمحال ، والله لو لا أمسكته وأحلف عليه ما ترك من القوم واحدا ، فقالت : يا
أبت امض
معهم على كل حال ولا ملامة للآئم
، قال : فلما أكلوا ورفعوا أيديهم قال لهم أبوسلمى : يا معاشر السادات اصرفوا عن قلبوكم الغيظ وكل هم ، فنحن لكم وابنتنا هدية ، فقال
له المطلب : لك ما ذكرناه وزيادة ، ثم قال : يا أخي هاشم أرضيت بما تكلمت به عنك؟
قال : نعم ، فعند ذلك تصافحوا ، ومضى أبوسلمى وأخرج من كمه دنانير ودراهم فنثر
الدنانير على هاشم وأخيه المطلب ، ونثر الدراهم على أصحابه ، ونثر عليهم زرير
المسك
الاذفر ، والكافور والعنبر ، حتى غمر أطمارهم
، ثم قال : يا هاشم تحب الدخول على
زوجتك هذه الليلة أو تصبر لها حتى تصلح لها شأنها ؟ قال : بل أصبر حتى تصلح
شأنها ، فعند ذلك أمر بتقديم مطاياها ، فركبوا وخرجوا ، ثم إن هاشما دفع إلى أخيه
المطلب ما حضره من المال ، وأمره أن يدفعه إلى سلمى ، فلما جائها المطلب فرحت به
وبذلك المال وقبلته ، وقالت : يا سيد الحرم وخير من مشى على قدم سلم على أخيك وقل
له : ما الرغبة إلا فيك
، فاحفظ منا ما حفظنا منك ، ثم قالت : قل
له ما أقول لك ، قال : قولي ما بدا لك ، قالت : قل لاخيك : إني امرأة كان لي رجل اسمه احيحة بن
الجلاح
الاوسي ، وكان كثير المال ، فلما تزوجته اشترطت عليه أنه متى أساء إلي
_________________
فارقته ، وكان من
قصتي أني رزقت منه ولدا فأردت فراقه فأخذت خيطا وربطته في رجل
الطفل ، فجعل الطفل يبكي تلك الليلة حتى مضى من الليل ثلثه أو نصفه ، وقطعت الخيط
من رجل الطفل ، فنام الطفل وأبوه ، فخرجت إلى أهلي ، فانتبه الرجل فلم يجدني فعلم
أنها حيلة مني عليه ، وأنا قد حسدثتك بهذا الحديث لتخبر به أخاك لكيلا
يخفى عليه شئ من أمري ، ولا يشتغل عني بباقي نسائه ، فقال المطلب عند ذلك : اعلمي
أن أخي قد تطاولت إليه الملوك في خطبته ، ورغبوا في تزويجه فأبى حتى أتاه آت في
منامه فأخبره بخبرك فرغب فيك ، وأراد أن يستودعك هذا النور الذي استودعه الله إياه
بعد الانبياء ، فأسأل الله أن يتم لكم السرور ، وأن يكفيكم كل محذور ، ثم إنه خرج
وهي تشيعه ومعها نساء من قومها ، فمضى إلى أخيه وأخبره بما قالت له سلمى ، فضحك
لذلك وقال له : بلغت الرسالة ، قال : ثم أقام هاشم أياما ودخل على زوجته سلمى في
مدينة يثرب وحضر عرسها الحاضر والبادي من جميع الآفاق ، فلما دخل بها رأى ما يسره
من الحسن والجمال ، والهيئة والكمال ، ثم إن سلمى دفعت إليه جميع المال الذي دفعه
إليها وزادته أضعافا ، فلما واقعها حملت منه في ليلتها بعبد المطلب جد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وهذا حديث تزيج
سلمى بهاشم ، وكان أهل يثرب يعلمون الولائم ، ويطعمون الناس
إكراما لهاشم وأصحابه ، وقد زاد سلمى حسنا وجمالا وصار أهل يثرب يهنؤنها بما خصها
الله تعالى به .
قال : أبوالحسن البكري : حدثنا أشياخنا
وأسلافنا الرواة لهذا الحديث أنه لما
_________________
تزوج هاشم بن عبد
مناف بسلمى بنت عمرو النجارية ودخل بها حملت بعبد المطلب جد
رسول الله صلىاللهعليهوآله
، وانتقل النور الذي كان في وجهه إلى سلمى زادها حسنا وجمالا
وبهجة وكمالا حتى شاع حسنها في الآفاق ، وكان يناديها الشجر والحجر والمدر
بالتحية والاكرام ، وتسمع قائلا يقول عن يمينها : السلام عليك يا خير البشر ، ولم
تزل تحدث بما ترى حتى حذرها هاشم فكانت تكتم أمرها عن قومها حتى إذا كان
ذات ليلة سمعت قائلا
يقول :
لك البشر إن اوتيت أكرم من مشى
|
|
وخير الناس من حضر وبادي
|
وقال : لما سمعت ذلك لم تدع هاشما يلا
مسها بعد ذلك
قال : ثم إن هاشما أقام
في المدينة أياما حتى اشتهر حمل سلمى ، فقال لها : يا سلمى إني أودعتك الوديعة
التي أودعها الله تعالى آدم عليهالسلام
، وأودعها آدم عليهالسلام
، ولدها شيثا عليهالسلام
، ولم يزالوا
يتوارثونها من واحد إلى واحد إلى أن
وصلت إلينا ، وشرفنا الله بهذا النور ، وقد أودعته
إياك ، وها أنا آخذ عليك العهد والميثاق بأن تقيه وتحفظيه ، وإن أتيت به وأنا غائب
عنك
فليكن عندك بمنزلة الحدقة من العين ، والروح بين الجنبين ، وإن قدرت على أن لا
تراه العيون
فافعلي ، فإن له حسادا وأضدادا ، وأشد الناس عليه اليهود ، وقد رأيت ما جرى بيننا
وبينهم يوم خطبتك ، وإن لم أرجع من سفري هذا او سمعت أني قد هلكت فليكن عندك
محفوظا مكرما إلى أن يترعرع
، واحمليه إلى الحرم إلى عمومته في دار عزؤه ونصرته ، ثم قال لها : اسمعي واحفظي ما قلت لك ، قالت : نعم قد سمعت وأطعت ولقد أوجعتني
_________________
بكلامك ، فأنا أسأل
الله العظيم أن يردك سالما ، ثم خرج هاشم وأخوه المطلب وأصحابه
وأقبل عليهم وقال : يا بني أبي وعشيرتي من بني لوي إن الموت سبيل لابد منه ، وأنا
غائب عنكم ، ولا أدري أني أرجع إليكم أم لا ، وأنا اوصيكم : إياكم والتفرق والشتاة
فتذهب حميتكم ، وتقل قيمتكم ، ويهين قدركم عند الملوك ، ويطمع فيكم الطامع ، فهل
أنت يا أخي لما أقول لك سامع؟ وإني مخلف فيكم ومقدم عليكم أخي المطلب دون
إخوتي ، لانه من أبي وامي ، وأعز الخلق عندي ، وإن سمعتم وصيتي وقد متموه
وسلمتم إليه مفاتيح الكعبة وسقاية الحاج ولواء نزارو كل ما كان من مكارم الانبياء
سعدتم ،
وإني أوصيكم بولدي الذي اشتملت عليه سلمى ، فإنه سيكون له شأن عظيم ، ولا تخالفوا
قولي ، قالوأ : سمعنا وأطعنا غير أنك كسرت قلوبنا بوصيتك ، وأزعجت أفئدتنا بقولك ،
قال : ثم إن هاشما سافر إلى غزة
الشام فحضر موسمها وباع أمتعته وشرى ما كان
يصلح له ، واشترى لسلمى طرفا وتحفا ، ثم إنه تجهز للسفر فلما كان الليلة التي عزم
فيها على الرحيل طرقته حوادث الزمان ، وأتته العلة ، فأصبح مثقلا ، وارتحل رفقاءه
وبقي
هاشم وعبيدة وأصحابه
، فقال لهم : ألحقوا بأصحابكم فإنى هالك لا محالة ، وارجعوا
إلى مكة وإن مررتم على يثرب
فاقرءوا زوجتي سلمى عني السلام ، وأخبروها
بخبري ، وعزوها في شخصى ، وأوصوها بولدي ، فهو أكبر همي ، ولو لاه ما نلت أمري ، فبكى القوم بكاء شديدا فقالوا : ما نبرح عنك حتى ننظر ما يكون من أمرك ، وأقاموا
يومهم ، فلما
أصبحوا ترادفت
عليه الامراض ، فقالوا له : كيف تجد نفسك؟ فقال :
_________________
لا مقام لي معكم
أكثر من يومي هذا ، وغدا توسدوني التراب
، فبكى القوم بكاء شديدا
وعلموا أنه مفارق الدنيا ، ولم يزالوا يشاهدونه حتى طلع الفجر الاول ، فاشتد به
الامر ، فقال لهم : اقدعوني وسندونى وآتوني بدواة وقرطاس ، فأتوه بما طلب ، وجعل
يكتب وأصابعه ترتعد ، فقال : باسمك اللهم هذا كتاب كتبه عبد ذليل ، جائه أمر مولاه
بالرحيل ، أما بعد فإني كتبت إليكم هذا الكتاب وروحي بالموت تجاذب ، لانه لا
لاحد من الموت مهرب
، وإني قد نفذت إليكم أموالي فتقاسموها بينكم بالسوية ، ولا تنسوا البعيدة عنكم
التي آخذت نوركم ، وحوت عزكم سلمى ، واوصيكم بولدي
الذي منها ، وقولوا : لخلادة
وصفية ورقية يبكين علي ، ويندبن ندب الثلاكلات
ثم بلغوا سلمنى عني السلام وقولوا لها : آه ثم آه ، إني لم أشبع من قربها ، والنظر
إليها وإلى ولدها ، والسلام عليكم ورحمة الله إلى يوم النشور ، ثم طوى الكتاب
وختمه
ودفعه إلى اصحابه ، وقال : اضجعوني فأضجعوه ، فشخص ببصره نحو السماء ثم قال : رفقا رفقا أيها الرسول بحق ما حملت من نور المصطفى ، وكأنه كان مصباحا وانطفئ ، ثم لما مات جهزوه ودفنوه وقبره معروف هناك ، ثم عزم عبيدة وغلمانه على الرجل
بأمواله وفيه يقول الشاعر :
اليوم هاشم قد مضى لسبيله
|
|
يا عين جودي منك بالعبرات
|
وابكي على البدر المنير بحرقة
|
|
وابكي على الضرغام طول حياتى
|
آه أبوكعب مضى لسبيله
|
|
يا عين ففابكى الجود بالعبرات
|
صعب العريكة لابه لوم ولا
|
|
فشل غداة الروع والكربات
|
يا عين ابكي غيث جود هاطل
|
|
أعني ابن عبد مناف ذي الخيرات
|
_________________
وابكى لاكرم من مشى فوق الثرى
|
|
فلاجله قد أردفت زفراتي
|
قال : وسار القوم حتى أشرفوا على يثرب
فبكوا بكاء شديدا ، ونادوا : واها شماه ، واعزاه ، وخرج الناس وخرجت سلمى وأبوها وعشيرتها فنظروا وإذا بخيل هاشم قد
جزوا نواصيها وشعورها ، وعبيد هاشم يبكون
، فلما سمعت سلمى بموت هاشم مزقت
أثوباها ، ولطمت خدها ، وقالت : واها شماه ، مات والله لفقدك الكرم والعز من بعدك
، يا هاشماه يا نور عيني من لولدك الذي لم تر عيناك؟ قال : فضج الناس بالبكاء
والنحيب ، ثم إن سلمى أخذت سيفا من سيوف هاشم وعطفت به على ركابه وعقرتها عن آخرها ، وحسبت ثمنها على نفسها ، وقالت لوصي هاشم : اقرء المطلب عني السلام وقل له : إني
على عهد أخيه ، وإن الرجال بعده علي حرام ، ثم إن العبيد والغلمان ساروا إلى مكة
وقد سبقهم الناع إلى أولاده وعياله ، فأكثر أهل مكة البكاء والنحيب ، وخرج الرجال
وخرجت نساء قريس منشورات الشعور ، ومشققات الجيوب ، وخرجت نساء سادات بني
عبد مناف ، وتقدمت خلادة
تلومهم حيث إنهم لم يحملوه إلى الحرم وأنشأت
تقول :
يا أيها الناعون أفضل من مشى
|
|
الفاضل بن الفضال بن الفاضل
|
اسد الثرى ما زال يحمي أهله
|
|
من ظالم أو يهتد بالباطل
|
ما مضي العزيمة أروع ذي همة
|
|
عليا وجود كالسحاب الهاطل
|
زين العشيرة كلها وعمادها
|
|
عند الهزاهز طاعن بالذابل
|
إن السميدع قد مضى في بلدة
|
|
بالشام بين صحاصح وجنادل
|
قال : فلما فرغت من شعرها أتت إليهم
بنته الشعثاء فحثت التراب على وجههم ،
_________________
وقالت : بئس العشيرة
أنتم ضيعوا سيدهم ، وأسلموا عمادهم ، أما كان هاشم مشفقا عليكم ، إذا نزل به الموت
أن تحملوه إلى بلده وعشيرته حتى نشاهده ، وأنشأت بعد ذلك تقول :
يا عين جودي وسحي دمعك الهطلا
|
|
على كريم ثوى في الشام ثم خلا
|
زين الورى ذاك الذي سن القرى
|
|
كرما ولم ير في يديه مذ نشا بخلا
|
قال : فلما فرغت من شعرها أقبلت ابنة
الطليعة حليلة هاشم تقول
:
ألا يا أيها الركب الذي ن تركتموا
|
|
كريمكم بالشام رهن مقام
|
ألم تعرفوا ما قدره وفخاره
|
|
ألا إنكم أولى الورى بملام
|
أيا عبرني سحي عليه فقد مضى
|
|
أخو الجود والاضياف تحت رخام
|
قال : وكان آخر من رثاه من بناته رقية
فإنها جعلت تندب وتقول :
عين جودي بالبكاء والعويل
|
|
لاخ الفضل والسخاء الفضيل
|
طيب الاصل في العزيمة ماض
|
|
سمهري في النايبات أصيل
|
قال : فبكى القوم عند ذلك وفكوا كتابه
وقرموه فجددوا حزنهم ، ثم قدموا أخاه
المطلب وسودوه عليهم ، فقال : إن أخي عبد شمس أكبر مني وأحق بهذا الامر ، فقال
عبد شمس : وأيم الله إنك خليفة أخي هاشم ، قال : فرضوا أهل مكة بذلك ، وسلموا له
لوآء نزار ، ومفاتيح الكعبة والسقاية والرفادة ودار الندوة ، وقوس إسماعيل عليهالسلام ، ونعل
شيث عليهالسلام
، وقميص إبراهيم عليهالسلام
، وخاتم نوح عليهالسلام
، وما كان في أيديهم
من مكارم الانبياء ، وأقام المطلب أياما
، فلما اشتد بسلمى الحمل وجائها المخاض وهى
لا تجد ألما إذ سمعت هاتفا يقول :
_________________
يا زينة النساء من بني النجار
|
|
بالله اسد لي عليه بالاستار
|
واحجبيه عن أعين النظار
|
|
كي تسعدي في جملة الاقطار
|
قال : فلما سمعت شعر الهاتف أغلقت بابها
، وأسدلت سترها ، وكتمت أمرها ، فبينما هي تعالج نفسها إذ تطرت إلى حجاب من نور قد ضرب عليها من البيت إلى عنان
السماء ، وحبس الله عنها الشيطان الرجيم ، فولدت شيبة الحمد ، وقامت وتولت أمرها ، ولما وضعته سطح منه
نور شعشعاني ، وكان ذلك النور نور رسول الله صلىاللهعليهوآله
، ضحك وتبسم
، فتعجبت امه من ذلك ، ثم نظرت إليه فإذا هي بشعرة بيضاء تلوح في رأسه ، فقالت : نعم أنت شيبة كما سميت ، ثم إن سلمى درجته في ثوب من صوف وقمطته وهيأته
ولم تعلم به أحد من قومها حتى مضت له أيام ، وصارت تلاعبه ويهش إليها ، فلما
كمل له شهر علم الناس فأقبل القوابل إليها فوجودها تلاعبه ، فلما صار له شهران
مشى ولم يكن على اليهود أشد منه
وأكثر ضررا ، وكانوا إذا نظروا إليه امتلؤا غيظا
وخنقا لما يعلمون
بما سيظهر منه من تدميرهم ، وخراب أوطانم وديارهم ، وقطع
آثارهم
، وكانت امه إذا ركبت ركب معها أبطال الاوس والخزرج ، وكانت مطاعة
بينهم ، وكان إذا
خرج يلعب يقفون
الناس من حوله يفرحون به أولادهم
، وكانت امه لا تأمن عليه أحدا ، فلما تم له سبع سنين اشتد حبله ، وقوى بأسه ، وتبين
_________________
للناس فضله ، وكان
يحمل الشئ الثقيل ، ويأخذ الصبي ويصرعه ، فلم يشكوه إلى امه
وكان يهشم عظامهم.
قال أبوالحسن البكري : بلغنا أن رجلا من
بني الحارث دخل يثرب في حاجة
فإذا هو بابن هاشم يلعب من الصبيان قد غمرهم بنوره ، فوقف الرجل ينظر إلى الصبي
وهو يقول : ما أسعد من أنت في ديارهم ساكن؟ وكان يلعب وهو يقول : أنا ابن زمزم
والصفا ، أنا ابن هاشم وكفى ، قال : فناداه الرجل : يا فتى ، فأجاب وقال : ما تريد
يا عم؟
قال : ما اسمك؟ قال : شيبة بن هاشم بن عبدمناف ، مات أبي وجفوني عمومتي ، وبقيت مع
امسي وأخوالي ، فمن أين أقبلت يا عم؟ قال : من مكة ، قال : وهل أنت متحمل لي
رسالة ومتقلد لي
أمانة؟ قال الحارث : وحق ابي وأبيك إني فاعل ما تأمرني به ، قال : يا عم إذا رجعت إلى بلدك سالما ورأيت بني عبد مناف فاقرءهم مني السلام وقل
لهم : إن معي رسالة غلام يتيم ، مات أبوه ، وجفوه عمومته ، يا بني عبد مناف ما أسرع ما
نسيتم
وصيته هاشم ، وضيعتم نسله ، وإذا هبت الريح تحمل روائحكم إلي ، قال : فبكى الرجل
واستوى على مطيته وأرسل زمامها
حتى قدم مكة ، فلم يكن له همة إلا رسالة الغلام ، ثم
أتى مجلس بني عبد مناف فوجدهم جلوسا فأنعهم صباحا ، وقال : يا أهل الفضل والاشراف
، يا
بني عبد مناف ، أراكم قد غفلتم عن عزكم وتركتم مصباحكم يستضئ به غيركم ، قالوا : وما ذلك؟ فأخبرهم بوصية ابن أخيهم ، فقالوا : وأيم الله ما ظننا أنه صار إلى هذا
الامر ، فقال لهم الحارث : وإنه
ليعجز الفصحاء عن فصاته ، ويعجز اللبيب عن خطابه ، وإنه لفصيح اللسان ، جري الجنان ، يتحير في كلامه اللبيب ، فائق على العلماء ، عاقل أديب ، إلى عقله الكفاية ، وإلى جماله النهاية ، فقال عمه المطلب بن عبد مناف
: شعرا :
_________________
أقسمت بالسلف الماضين من مضر
|
|
وهاشم الفاضل المشهور في الامم
|
لامضين إليه الآن مجتهدا
|
|
وأقطعن إليه البيد في الظلم
|
السيد الماجد المشهور من مضر
|
|
نور الانام وأهل البيت والحرم
|
قال : وكان المطلب أشد أهل زمانه بأسا
في الشجاعة ، فقال له إخوته : نخشي عليك
إن علمت امه لم تدعه يخرج معك
، لانها شرطت على أخيك ذلك ، فقال : يا قوم
إن لي في ذلك أمرا ادبره ، ثم إنه تهيأ للخروج ، وأفرغ على نفسه لامة حربه ، وركب مطيته وخرج وقد أخفى نفسه خوفاً أن يشعر به أحد فيخبر سلمى ثم أقبل يجد
السير حتى أقبل
على مدينة يثرب وقد ضيق لثامه ، ودخل المدينة فوجد شيبة يل
فعرفه بالنور الذي أودعه الله فيه ، وهو قد رفع صخرة عظيمة وقال : أنا ابن هاشم
المعروف
بالعظائم ، فلما سمع كلامه عمه أناخ مطيته وناداه : ادن مني يابن أخي ، فأسرع إليه
شيبة فقال له : من أنت يا هذا؟ فقد مال قلبي إليك وأظنك أحد عمومتي ، فقال له : أنا
عمك المطلب ، آوأسبل عبرته
، وجعل يقبله وقال : يابن أخي احب أن تمضي معي
إلى بلد أبيك وعمومتك ، وتكون في دار عزك ، فقال : نعم ، فركب المطلب ، وركب
شيبة معه وسارا ، فقال له شيبة : يا عم اسرع بنا لاني أخشى أن يعلموا بنا امي
وعشيرتها فيلحقوا بنا
فيأخذوني قهرا ، أما علمت أنه يركب لركوبها أبطال الاوس
والخزرج ، فقال له : يابن أخي في الله الكفاية
، ثم سارا وركبا الجادة الكبرى حتى
أدركهم المساء بذي الحليفة فنزلا وسقيا مطيتهما ، ثم إن المطلب ركب مطية وأخذ
_________________
ابن أخيه شيبة قدامه
وأرسل زمامها وسارا ، فبينماهما كذلك إذ سمعا صهيل الخيل و
قعقعة اللجم
وهمهمة الرجال في جوف الليل ، فقال المطلب : يابن أخي دهينا
ورب الكعبة فما نصنع؟ قال شيبة : ألم أقل لك إن القوم يلحقوم بنا ، فانحرف بنا عن
الجادة إلى الطريق السفلى ، قال المطلب : وكيف يخفى أمرنا عليهم ونورك يدل علينا
قال : أستروجهي .
فعسى أن يخفى أمرنا عليهم ، قال : فأخذ المطلب ثوبا وطواه ثلاث
طيات وستر به وجهه ، وإذا بالنور علا من وجهه كما كان ، فقال : يابن أخي إن لك
شأنا
عظيما عندك ، فإن الذي أعطاك هذا النور يصرف عنا كل محذور ، قال : فبينا
هو يخاطب ابن أخيه إذ أدركتهما الخيل وكانوا من اليهود ، فلما رأوا شيبة علموا أنه
هو الذي يخرج من ذريته من يسومهم سؤالعذاب ، ويكون خراب ديارهم على يديه وقد
بلغهم في ذلك
اليوم أن شيبة قد خرج هو وعمه ولا ثالث لهما فأدركهم الطمع في
قتله ، فخرجوا وخرج معهم سيد
من سادات اليهود يقال له : دحية ، وكان له ولد
يقال له : لاطية ، فخرج يوما يلعب من الصبيان فأخذ شيبة عظم بعير وضرب به ابن دحية
فهشم رأسه وشجه شجة موضحة
، وقال له : يا ابن اليهودية قد قرب أجلك
، و
دنا خراب دياركم ، فبلغ الخبر إلى أبيه دحية فامتلا غيظا ، فلما علم أنه قد خرج مع
_________________
عمه نادى : يا معاشر
اليهود ، هذا الغلام الذى تخشونه قد خرج معه عمه وما لهما ثالث
فاسرعوا إليه واقتلوه ، فخرجوا وكان عددهم سبعين فارسا ، فلحقوا بشيبة وعمه ، فقال
لعمه شيبة : يا عم انزلني حتى أراك فدرة الله تعالى فأنزله عمه فقصده القوم فجثا على
الطريق وجعل يمرغ وجهه في التراب ويدعوا ويقال في دعائه : ( يا رب الظلام الغامر ،
والفلك
الدائر
، يا رب السبع الطباق ، يا مقسم الارزاق ، أسألك بحق الشفيع المشفع ، والنور المستودع ، أن ترد عنا كيد أعدائن ) فما استتم دعاؤه حتى كادت الخيل تهجم
عليهم ، فوقفت الخيل ، فقال ابن دحية لا طية : يابن هاشم اصرف عنا هذا الخطاب
وكثرة الجواب ، فنحن لا نشك فيك يا بن عبدمناف ، فأنتم السادات ، اعلموا أنا
ما خرجنا طالبين كيدكم ، ولكن خرجنا كى نردك إلى امك ، فلقد كنت مصباح بلدتنا ، فقال شيبة : أراكم تنظرون إلي بعين مغضب ، فكيف تكون في قلوبكم المحبة لي؟ لكن
لما رأيتم قدرة الله تعالى قلتم : هذا الكلام ، وتركهم ، وسار إلى عمه ، فقال له
المطلب : يابن أخي إن لك عند الله شأنا ، ثم جعل يقبله ، وساراوسار القوم راجعين ، قال لهم
لا طية :
_________________
ألم تعلموا أن هؤلاء معدن السحر؟ قالوا
: بلى ، قال : يا بني إسرائيل يا امة
الكليم قد سحركم هذا الغلام وعمه فدعونا نترجل ، فاتبعوهم من ورائهم شاهرين سيوفهم
وقصدوا شيبة ، فلما قربوا قال المطلب : الآن قد ققت الحقائق ، وأخذ المطلب
قوسه وجعل فيه سهما ورمى
بها اليهود فقتل بها عبد لاطية ، فأتاه سيده وقدمات ، و
قد أخذ اخرى ورمى بها فأصابت رجلا آخر فقتله ، فصاحوا بأجمعهم وهموا بالرجوع ، فقال لهم لاطية : عار عليكم الرجوع عن اثنين ، فإلى متى يصيبون منا بنبلهم؟ فلا بد
أن
يفرغ نبلهم ونقتلهم ، ولم يكن
في القوم أشجع منه ، وكان من يهود خيبر ، فعند ذلك
حملوا عليهما حملة رجل واحد ، وجاء لاطية إلى المطلب وقال : قف لي اكمك بما فيه
المصلحة ونرجع
عنكم ، قال شيبة : يا عم إن القوم قد عزموا علينا ، فقال المطلب : يا
معاشر اليهود ليس فيكم شفيق ولا حبيب ، والمقام له بين عمومته خير له فانصرفوا
راجعين ، فقال
لهم لاطية : كيف يرجع هذا الجمع خائبا ونحن قد خرجنا ومرادنا أن نرده إلى أمه؟
_________________
فقال لهم المطلب : أنتم
قوم ظالمون
، لقد أكثرتم الكلام ، وأطلتم الملام ، ثم قال
المطلب : إنما غرضي أن تمضي إلى عمومتك ، فإن كنت تعرف من القوم الصدق فارجع
معهم حتى تكبر وتبلغ مبالغ الرجال ، ثم تعود إلى بلد عمومتك ، قال : يا عم لا
يغرنك
كلامهم ، إنهم أعداءنا ، قال عمه : صدقك ، قال : ثم إن المطلب قال لهم : يا حزب
الشيطان
بنا تمكرون ، وعلينا تحتالون؟ إنما ساقكم إلينا آجالكم ، فمن شاء منكم أن يبرز
إلى القتال فليبرز ، فلما سمعوا كلام المطلب قال لهم لا طية : أما تعلمون أن هذا
فارس
بني عبد مناف الذي يفرق العرب؟ من يبرز إليه فله عندي مأة نخلة حاملة ليس فيها
ذكر ، فقال له رجل يقال له : ( جميع ) من بني قريظة وكان للاطية عليه دين : أنا
أبرز إليه
واترك دينك عني ، قال : نعم ولك مثله ، فاشهدوا يا من حضر ، ثم خرج جميع إلى
المطلب
وهو لا يعلم به حتى قرب منه ، فقال له المطلب : لا أشك أنه قد ساقك قصر أجلك ، ثم
ضربه بالسيف فقال : خذها وأنا المطلب بن عبد مناف ، فمات من ساعته ، فأعقبل اليهود
و
أحاطوا به ، فلما رأى لاطية ما حل باصحابه غضب غضبا شديدا وقال : من يبرز إليه
فله عندي ما
يريد ، فقال له غلاب : ما لهذا البطل إلا بطل مثله ، أبرز إليه أنت ،
_________________
قال : نعم أنا أبرز
إليه وجرد سيفه ودنا من المطلب فتقاتلا من أول النهار حتى مضى من
الليل أكثره
، واليهود فرحون إذ برز لاطية للمطلب هذا ، وعينا شيبة يهملان دموعا
خوفا على عمه المطلب ، فبيناهم كذلك وإذا بغبرة قد ثارت كأنها الليل المظلم
وقد سدت الافق ، وإذا بصهيل الخيل ، وقعقعة اللجم ، واصطفاق الاسنة ، وإذاهم
أربعمأة
وهم فرسان الاوس والخزرج قد أقبلوا من المدينة مع سلمى وأبيها ، فلما نظرت إلى
اليهود مجتمعين على حرب المطلب صاحت بهم صيحة عظيمة وقالت : يا ويلكم ما هذا
الفعال؟ فهم لاطية بالهزيمة فقال له المطلب : إلى أين يا عدو الله ، الفرار من الموت ، ثم ضربه بالسيف على عاتقه فقسمه نصفين ، وعجل الله بروحه إلى النار وبئس القرار ، وجالت الفرسان على اليهود ، فما كان إلا قليلا حتى باد جميع اليهود ، فعند ذلك
عطفوا على المطلب ولاسيف مشهور في يده وقد دفع القوس إلى ابن أخيه ، فلما جالت
الكتائب خافت سلمى على ولدها فأومأت إلى القوم وكانت مطاعة فيهم فأمسكوا عن القتال
، فتقدمت سلمى إلى المطلب ونادته وقالت : من الهاجم على مرابط الاسد والخاطف من
اللبوة شبلها؟ قال المطلب : هو من يزيده شرفا على شرفه ، وعزا إلى عزه ، وهو أشفق
عليه منكم ، وأنا أرجو أن يكون صاحب الحرم ، والمتولي على الامم ، وأنا عمه
المطلب ، فلما سمعت كلامه قالت : مرحبا
وأهلا وسهلا ، ولم لا تستأذني في حملك ولدنا
_________________
من بلدنا ، وأنا قد
شرطت على أبيه إن رزقت منه ولدا يكون عندي ولا يفارقني ، فقال لها
المطلب : كان ذلك ، ثم أقبلت على ولدها ، وقالت : يا ولدي خرجت مع عمك وتركتني ، والآن إن أردت أن ترجع معي فارجع ، وإن اخترت عمك فامض راشدا ، فلما سمع كلام
امه أطرق إلى الارض ، فقالت له امه : يا بني لم تسكت وأنت طلق اللسان ، جرئ
الجنان؟ فوحق أبيك إني لا أمنعك عن شهوتك ، وإن عز علي فراقك يا ولدي ، فرفع
رأسه وقد سبقته العبرة فقال : يا اماه أخشى مخالفتك لانه محرم علي عصياني لك ، ولكن احب مجاورة بيت ربي ، وأنظر إلى عمومتي وعشيرتي ، فإن أمرتني بالمسير سرت
وإلا رجعت ، فعند ذلك بكت وقالت له : إذا كان كذلك فقد سمحت لك برضى مني ، و
قد كنت مستأنسة بغرتك
فلا تنسني ، ولا تقطع أخبارك عني ، ثم قبلته وودعته ، وقالت : يابن عبد مناف قد سلمت إليك الوديعة التي استودعنيها أخوك هاشم بالعهد
والميثاق ، فاحتفظ بها ، فإذا بلغ ولدي مبالغ الرجال ولم أكن حاضرة فانظروا بمن تزوجونه ، فقال لها المطلب : تكرمت بما فعلت ، وأجملت فيما وصفت ، ونحن لا ننسى حقك ما
حيينا ، ثم عطف عليها يودعها فقالت سلمى : خذوا من هذا الثياب والخيل ما تريدون ، فشكرها المطلب وأردف ابن أخيه وسارا حتى قربا من مكة فأضاءت شعابها وأنارت
الكعبة ، فأقبلت الناس ينظرون إليه ، وإذا هم بالمطلب يحمل ابن أخيه ، فسألوه عنه
و
قالوا : من هذا يابن عبد مناف الذي قد أضائت به البلاد؟ فقال لهم المطلب : هذا
عبدلي ، فقالوا : ما أجمل هذا العبد ، فسموه الناس من ذلك عبدالمطلب ، وأقبل إلى منزله
وكتم
أمره ، وقد عجبت الناس منه ومن نوره وهم لا يعلمون أنه جد رسول الله (ص) ، ثم إنه
ظهرت له
آيات ومعجزات ومناقب ودلالات تدل على النبوة .
_________________
وقال أبوالحسن
البكري : حدثنا أشياخنا وأسلافنا الرواة لهذا الحديث أنه لما
قدم المطلب وشيبة إلى الحرم وكان بين عينيه نور رسول الله (ص) كانت قريش تتبرك به
، فإذا أصابتهم مصيبة أو نزلت بهم نازلة أودهمهم طارق أول نزل بهم قحط توسلوا بنور
رسول الله (ص) فيكشف الله عنهم ما نزل بهم ، قال : وكان أعجب نازلة نزلت بهم وأعجب
آية ظهرت لهم ما جرى من أصحاب الفيل وهو أبرهة بن الصباح ، وكان ملك اليمن ، وقيل
: ملك الحبشة
الذي ذكره الله في كتابه العزيز ، وكان قد أشرف منه أهل مكة على
الهلاك ، وقد حلف أنه يقطع آثارهم ، ويهدم الكعبة ، ويرمى بأحجارها في بحر جدة ، ويحفر أساسها ، فكشفه الله عن البيت وأهله ببركة عبدالمطلب جد رسول الله صلىاللهعليهوآله.
قال صاحب الحديث : فأما ما اجتمعت عليه الروايات وأصحاب الحديث أنه
نزلت جماعة من أهل مكة بأرض الحبشة في تجارة فدخلوا في كنيسة من كنائس النصارى ، و
أوقدوا بها نارا يصطلون عليها ، ويصلحون بها طعاما لهم ورحلوا لم يطفؤهافهبت ريح
فأحرقت
جميع ما في الكنيسة ، فلما دخلوا قالوا : من فعل هذا؟ قالوا : كان بها تجار من عرب
مكة ، فأخبروا بذلك النجاشي وكان ملك اليمن أو ملك الحبشة والله أعلم قال : ما أحرق معبدنا إلا العرب ، فغضب لذلك غضبا شديدا ، وقال : لاحرقن معبدهم كما
أحرقوا معبدنا ، فأرسل وزيره أبرهة بن الصباح وأرسل معه أربعمأة فيل ، وأرسل مع
أة ألف مقاتل ، وقال له : امضى إلى كعبتهم وانقضها حجرا حجرا ، وارمها في بحر جدة
، واقتل رجالهم ، وانهب أموالهم وذراريهم ، ولا تترك لهم رجالا ، قال : فأمر المنادي
ينادي
في الجيوش بالمسير إلى مكة ، واجتمعوا من كل جانب ومكان ، وأعدوا ما يصلح للسفر
من الزاد والماء والعدد والسلاح والدواب وأمرهم بالمسير ، قال : فسار القوم وجعل
في
مقدمة الجيوش رجلا من أخيار دولته يقال له : الاسود بن مقصود ، وأمره بالمسير أمامه ،
_________________
ومعه عشرون ألف فارس
، وقال : امض بمن معك ، وانزل على الكعبة ، وخذ رجالها ونسائها
ولا تقتل منهم أحدا حتى آتيك ، فإني اريد أن اعذبهم عذابا شديدا لم يعذب به
أحد من العالمين ، قال : فسار بجيشه سيرا عنيفا يقطع الفيافي والقفار ، ويجوز
السهل
والوعار ، ولم يقروا ولم يهدءوا
حتى نزلوا ببطن مكة ، فلما سمع أهل مكة أنه
قد نزل بهم صاحب الفيل جمعوا أموالهم وأهليهم ودوابهم وهموا بالخروج من مكة هاربين
من أصحاب الفيل ، فلما نظر إليهم عبدالمطلب قال لهم : يا قوم أيجمل منكم هذا
الامر؟ وإنه لعار عليكم خروجكم عن كعبتكم ، قالوا له : إن الملك أقسم بمعبوده أن
لابد له من ذلك أن يهدم الكعبة ، ويرمي أحجارها في البحر ، ويذبح أطفالها ، ويرمل
نسائها ، ويقتل رجالهخا ، فاتر كنا نخرج قبل أن يحل بنا الويل ، فقال لهم
عبدالمطلب : إن الكعبة لا يصلون إليها ، لان لها مانعا يمنعهم عنها ، وصادا يصدهم عنها ، فإن
أنتم
التجأتم إليها واعتصمتم بها فهو خير لكم ، فلو تطمئن القلوب إلى كلامه ، وغلب عليهم
الخوف والجزع ، وخرجوا هاربين يطلبون العاب ، ومنهم من طلب الجبال ، ومنهم من
ركب البحر ، قال : فعند ذلك قالوا لعبد المطلب : ما يمنعك أن تهرب مع الناس؟ قال :
أستحيي من الله أن أهرب عن بيته وحرمه ، فوالله لا برحت من مكاني ولا نأيت عن
بيت ربي حتى يحكم الله بما يشاء ، قال : ولم يبق يومئذ بمكة إلا عبدالمطلب وأقار
به
وهم غير آمنين على أنفسهم ، فلما نظر عبدالمطلب إلى الكعبة خالية وديارها خاوية
قال : ( اللهم أنت أنيس المستوحشين ولا وحشة معك ، فالبيت بيتك و ، والحرم حرمك ، والدار
دارك ،
ونحن جيرانك تمنع عنه ما تشاء
، ورب الدار أولى بالدار ) قال : وأقام الاسود بن
_________________
مقصود بجيشه حتى ورد
عليه أبرهة بن الصباح ومعه بقية الجيش وهم أربعمأة فيل ، فكدر
المياه ، وحطم المراعي ، وسد المسالك والفجاج
، وحطموا الارض ، فأضر بهم العطش والجوع
لكثرتهم فشكوا ذلك إلى أبرهة ، فقال لهم : سيروا إلى مكة مسرعين ، فنزلوا بالابطح ، وساقوا جميع المواشي ، وكانت لعبد المطلب ثمانون ناقة حمراء فأخذها القوم
وتقاسموها
، وسبق بعض الرعاة فأخبر عبدالمطلب بذلك ، فقال : ( الحمد لله ) هي مال الله ، وضيافة
لاهل
بيته وزواره وحجاجه ، فإن سلمها
فهي له ، وإن ردها إلينا فهي إحسانه ، وهي
عارية عندنا ) ، ثم إن عبدالمطلب لبس قميصه ، وتردى برداء لوي ، وتحزم بمنطقة
الخليل عليهالسلام
، وتنكب قوس إسماعيل عليهالسلام
، واستوى على مطيته وعزم على الخروج ، فقام
إليه أقاربه وقالوا له : أين تريد؟ قال : إلى
هذا الرجل الظالم الذي أخذ مال الله
عزوجل ، وتعرض لحرم الله ، قالوا : ما كنا بالذي نطلق سبيلك حتى تمضي إليه لان
هذا مثل البحر من دخله غرق ، وأنت اعتصمت برب الكعبة ، واعتمنا معك ، ورضينا
لانفسنا ما رضيت لنفسك ، أما الخروج من الحرم إلى شر الامم فلما نسمح لك بذلك ، قال : يا قوم إني أعلم من فضل ربي ما لا تعلمون ، فخلوا سبيلي فإني سأرجع إليكم
عن قريب ، فخلوا سبيله فمرت به مطيته كالريح ، فلما أشرف على القوم نظروا إليه من
بعيد فإذا هو كالبدر إذا بدا ، والصبح إذا أسفر ، فلما عاينوه من قريب بهتوا فيه
فجاؤه
وقد حبس الله أيديهم عنه ، فقالوا له : من أنت أيها الرجل الجميل الطلعة ، المليح
الغرة ، من أنت يا ذا النور الساطع ، والضياء اللامع؟ فإن كنت من هذه البلدة نسألك أن ترد
_________________
عن قربنا شفقة منا عليك ، فقال لهم : إني اريد
الملك ، فقالوا له : إن ملكنا قد
أقسم بمعبوده أن لا يترك من قومك أحدا ، فقال لهم عبدالمطلب : إني قد أتيته قاصدا
، فعند ذلك تصارخت القوم وقال بعضهم لبعض : ما رأينا مثل هذا الرجل في الجمال و
الكمال إلا أنه ناقص العقل ، نحن نقول : إن ملكنا قد أقسم بمعبوده أن لا يترك أحدا
من أهل هذه البلدة ، وهو يقول : لابد لي منه ، قال : فخلوا سبيله فمضى قاصدا إلى
الملك ، فأوصلوا خبره إلى الملك ، وقالوا : أيها الملك قد قدم علينا رجل صفته كذا وكذا من
أهل مكة ولم يفزع ولم يجزع ، فقال الملك : علي به ، فوحق ما أعتقده من ديني لو
سألني
أهل الارض ما قبلت فيه سؤالا ، قال : فعند ذلك أقبلوا إلى عبدالمطلب ليأتوا به ، فقال
لهم
عبدالمطلب : إني قادم إلى الملك بنفسي ، فأمر الملك قومه أن يشهروا السلاح ، وبجردوا
السيوف ، وجعل الملك على رأسه تاجا ، وشد عمامته على جبينه ، وأمر سياس الفيل أن
يحضروه فأحضروه ، وكان فيهم فيل يقال له : المذموم ، وكان قد ركبوا على رأسه قرنين من
حديد لو نطح جبلا راسيا بهما لالقاه ، وكانوا
قد علقوا على خرطومه سيفين هنديين
وعلموه الحرب ، ووقف سياسه من ورائه ، فقال لهم الملك : إذا رأيتموني قد أشرت لكم
عند دخول هذا المكى فأطلقوه عليه حتى يدوسه بكلكله ، قال : فدخل عليهم عبدالمطلب
وهم صفوف ينظرون ما يأمرهم الملك في عبدالمطلب وهم باهتون ، وهو لا يلتفت إلى أحد
منهم حتى جاوز أصحاب الفيل ، فأمرهم الملك بإطلاق الفيل فأطلقوه ، فلما قرب من
عبدالمطلب برك الفيل إلى الارض وجثا على ركبتيه وسكن ارتجاجه ، وكان قبل ذلك
إن أحضره سياسه
على القتال تحمر عيناه ، ويضرب بخرطومه وفيه سيفان ، فلما
قرب من عبدالمطلب سكن ولم يفعل شيئا ، فتعجب الملك وأصحابه من ذلك ، وألقى الله
_________________
في قلبه الجزع
والفزع ، وارتعدت فرائصه ، ورق قلبه ، فأقبل على عبدالمطلب حتى أجلسه
بجانبه ، ورحب به ، والتفت إلى الاسود بن مقصود ، وقال : أي شئ يطلب هذا الرجل
المكي فأقضي حاجته. وقد كان الملك يحلف على هلاكه قبل ذلك ، ثم قال له الملك : من أنت وما اسمك؟ فما رأيت أجمل منك وجها ، ولا أحسن منك بهجة ، ولك عندي ما
سألت ، ولو سألتني الرجوع عن بلدك لفعلت
، فقال له عبدالمطلب : لا أسألك في شئ
من ذلك إلا أن قومك أغاروا علينا ، وأخذوا لي ثمانين ناقة ، وكنت قد أعددتها
للحجاج الذين يقصدوننا من جميع النواحي ، فإن رأيت أن تردها علي فافعل ، فأمر
الملك رجاله بإحضارهن
، ثم قال الملك : هل لك من حاجة غيرها فاسألني فيها ؟
فقال عبدالمطلب : أيها الملك ما أريد غير هذه ، فقال له الملك : فلم لا تسألني في
بلدك
فإني أقسمت لاهد من كعبتكم ، وأقتل رجالكم ، لكن لعظم قدرك عندنا لو سألتني فيها
قبلت سؤالك
، فقال عبدالمطلب : لا أسألك في شئ من ذلك ، قال : ولم ذلك؟ قال : إن لها مانعا يمنعها غيري ، فقال الملك : اعلم يا عبدالمطلب إني أخرج على أثرك
بجنودي
ورجالي ، فنخرب الكعبة ونواحيها ، وأقتل سكانها ، فقال له عبدالمطلب : إن قدرت
فافعل ، قال : فانصرف عبدالمطلب ومر على الفيل المذموم ، فلما نظر الفيل إلى عبدالمطلب سجد
له ، فقا
لوزراء والحجاب يلومون الملك في أمر عبدالمطلب كيف خلى سبيله ، فقال
لهم الملك : ويحكم لا تلوموني ، ألم تروا كيف سجد له الفيل بين يديه؟ والله لقد
وقع
لهذا الرجل في قلبي هيبة عظيمة ، ولكن أشيروا علي بما يكون من هذا الامر ، فقالوا
: لابد لنا أن نسير إلى مكة فنخربها ، ونرمي أحجارها في بحر جدة ، فعند ذلك أمر
الملك بالجموع والجيوش أن تزحف إلى مكة
، ولما وصل عبدالمطلب بالنوق إلى
_________________
مكة خرج إليه أقاربه
وبنو عمه يهنؤنه بالسلامة ، وقد كانوا آيسوا منه ، فلما نظروا
إليه فرحوا به وجعلوا يتعلقون به ويقبلون يديه ، وقالوا : ( الحمد لله الذي حماك
وحفظك
بهذا النور الحسن ) ، ثم سألوه عن الجيش فأخبرهم بقصته وخبر الفيل ، فقالوا له : ما
الذي
تأمرنا به؟ فقال : يا قوم اخرجوا إلى جبل ابي قبيس حتى ينفذ الله حكمه ومشيته ، قال
: فخرج القوم بأولادهم ونسائهم ودوابهم ، وخرج عبدالمطلب وبنو عمه وإخوته وأقاربه ، وأخرج مفاتيح الكعبة إلى جبل أبي قبيس ، وجعل يسير بهم إلى الصفا ، ويدعو ويبكي
ويتوسل بنور محمد صلىاللهعليهوآله
، وجعل يقول : ( يا رب إليك المهرب ، وأنت المطلب ، أسألك
بالكعبة العلياء ذات الحج والموقف العظيم المقرب ، يا رب ارم الاعادي بسهام العطب
حتى يكونوا كالحصيد المنقلب ) ثم رجع وأتى إلى
باب البيت فأخذ بحلقته وهو يقول :
لاهم إن المرء يمنع رحله ، فامنع
رحالك
|
|
لا يغلبن صليبهم ، ومحالهم عدوا محالك
|
إن كنت تاركهم وكعبتنا فأمر ما بدالك
|
|
جر واجميع بلادهم ، والفيل كي يسبوا
عيالك
|
عمدوا جمالك بكيدهم ، جهلا وما راقبوا
جلالك
|
|
فانصر على آل الصليب ، وعابديه اليوم
آلك
|
وقال أيضا شعرا :
يا رب لا أرجو لهم سواكا
|
|
يا رب فامنع منهم حماكا
|
إن عدو البيت من عاداكا
|
|
أمنعهم أن يخربوا قراكا
|
وإذا بهاتف يسمع صوته ولا يرى شخصه وهو
يقول : قد أجبت دعوتك ، وبلغت
مسرتك إكراما للنور الذي في وجهك ، فنظر يمينا وشمالا فلم ير أحدا ، ثم قال لمن
معه وهم على جبل أبي قبيس وقد نشروا شعورهم وهم يبتهلون بالدعاء ويستتبشرون
بالاجابة ، قال : ثم قال : أبشروا فإني رأيت النور الذي في وجهي قد علا ، وإنما كان ذلك كاشفا
لما
_________________
طرقكم ، ففرح القوم
وتضرعوا إلى الله تعالى ، فبينماهم كذلك إذا أشرفت عليهم غبرة
القوم ، وتقاربت
الصفوف ، ولاح لهم بريق الاسنة ، ثم انكشف الغبار عن الفيل
فنظروا إليه كأنه الجبل العظيم ، وقد ألبسوه الحديد ، وزينوه بزينة ، فاشتد قلقهم
، وانهملت عبراتهم ، وتضرع عبدالمطلب ودعا ، فو الله ما أتم عبدالمطلب دعائه وتضرعه
حتى وقف الفيل مكانه فصرخت عليه اليالة
، وزجرته الساسة ، فلم يلتفت إليهم ، فوقت الجيوش ودهشوا ، فقال الاسود بن مقصود وهو على الساقة : ما الخبر؟ قالوا : إن الفيل قد وقف ، فقال للساسة : اضربوه ، فضربوه فما حال ولا زال ، فتعجبوا من
ذلك ، ثم أمرهم أن يعطفوا رأسه ففعلوا فهرول راجعا ، فأمر برده فردوه فوقف ، فقال الاسود
: سحروافيلكم ، ثم بعث إلى الملك وأعلمه بذلك ، فقال له : أشر علينا ، فبعث أبرهة
إلى
ابن مقصود فقال : ليس من جرب كمن لا يجرب ، ابعث للقوم رسولا واطلب الصلح ، ولا تخبرهم بأمر الفيل لئلا يكون طريقا لطمعهم فيكم ، واطلب منهم رجالا بعددمن قتل
منا ، ويقومون
لنا بما أفسدوا من كنيستنا ، فإذا فعلوا ذلك رجعنا عنهم ، قال : فلما
دخل رسوله أبرهة على الاسود وكان اسمه حناطة الحيمري ، وكان يهزم الجيوش
وحده ، وكان له خلقة هائلة فقال له الاسود هل لك أن تكون أنت الرسول إليهم؟
فعسى أن يكون الصلح على يديك ، فقال حناطة : ها أنا سائر إليهم ، فإن صالحونا وإلا
_________________
رجعت برؤوسهم ، ثم
سارو هو معجب بنفسه فسأل عن سيد قريش ، فقالوا : هو الشيبة النجار ، وكان عبدالمطلب قد رأه وعلم أنه رسول من القوم ، فلما نظر حناطة إلى عبدالمطلب دهش
وحار ، فقال له عبدالمطلب : ما الذي أتي بك؟ قال : يا مولاي إن أبرهة قد عرف فضلكم
، ووهب لكم الحرم والبيت ، وقد أرسل إليك أن تقوم بدية من قتل له ، أو تسلم من رجالك
بعددهم
، ثم تقوم له بثمن ما عدم من الكنيسة ، فإذا فعلتم هذا رجل عنكم ، فقال عبدالمطلب : أيؤخذ البرئ بالسقيم ، ونحن من شميتنا الامانة والصيانة ، ونقبض
أيدينا عن المظالم ، ونصرف جوارحنا
عن المآثم ، فبلغ صاحبك عنا ذلك ، وأما هذا
البيت فقد سبق مني القول فيه : إن له ربا يمنع عنه ، فوالله ما كبر علي ما جمعتموه
من الرجال ، فإن أراد صاحبك المسير فليسر ، وإن أراد المقام فليقم ، قال : فلما
سمع
حناطة كلامه غضب وأراد أن يقتل عبدالمطلب ، فظهر لعبد المطلب ما في وجهه فلم يمهله
دون أن قبض على محزمه ومراق بطنه وشاله
وضرب به الارض ، وقال : وعزة ربي
لو لا أنك رسول لاهلكتك قبل أن تأتي صاحبك ، فرجع حناطة إلى الاسود وأعلمه بما
كان من أمره ، ثم قال : هؤلاء قوم قد غلت
دماؤهم ، والرأي عندي أن تراسل القوم
بعد هذا ، واعلم أن مكة خلية من أهلها
، فاسرع إلى الغنيمة.
قال الراوي : فأمر الجيوش بالزحف فساروا
نحو الحرم ، فلما قربوا منه جاءهم
أمر الله من حيث لا يشعرون ، وإذاهم بأفواج من الطير كالسحابة المترادفة يتبع
بعضها بعضا ، و
هي كأمثال الخطاطيف ، يحمل
كل طير ثلاثة أحجار : أحدها في منقاره ، واثنين
_________________
بين رجليه كالعدس ، وكبيرها
كالحمص ، وقد تعالت الطيور ، وارتفعت وامتدت فوق
العسكر
، وانتشرت بطولهم وعرضهم ، فلما نظر القوم إلى ذلك خافوا وقالوا : ما
هذه الطيور التي لم نر مثلها قبل هذا اليوم؟ فقال الاسود : ما عليكم بأس ، لانها
طير
تحمل رزقها لفراخها ، ثم قال : علي بقوسي ونبلي حتى أردها عنكم ، فأخذ قوسه و
أراد الرمي فتصارخت الطيور مستأذنة لربها في هلاك القوم ، فما أتمت صراخها حتى
فتحت أبوباب السماء ، وإذا بالنداء : أيها الطيور المطيعة لربها افعلوا امرتم به ،
فقد
اشتد غضب الجبار على الكفار ، ففتحت الطيور أفواهها ، وكان أول حصاة وقعت على
رأس حناطة فنزلت من البيضة إلى الرأس إلى الحلقوم ، ونزلت إلى الصدر ، وخرجت من
دبره ، ونزلت إلى الارض وغاصت فانقلب صريعا ، فتناثرت القوم يمينا وشمالا و
الطيور تتبعهم لا تحول ولا تزول عن الرجل حتى ترميه بالحصاة على رأسه ، فتخرج من
دبره ولا يردها درقة
ولا حديد ، وإن أبرهة لما نظر إلى الطير وفعلها علم أنه
قد احيط بهم ، فولى هاربا على وجهه ، وأما الاسود فإنه لما نظر إلى ما نزل بقومه
والحصى تتساقط عليهم وهم يقعون على وجوههم فإذا بطير قد ألقى حجرا فوقع في فيه
حتى خرج من دبره
، وأتاه آخر فضربه في هامته فطلع من قفاه
، فخر صريعا ، و أعجب من ذلك أن رجلا من حضر موت كان له أخ فسأله المسير معه فأبى ، وقال : ما
أنا ممن يتعرض لبيت الله ، فلما نزل بهم البلاء حرج هاربا على وجهه والطير يتبعه ،
فلما وصل إلى أخيه وصف له العذاب الذي حل بالقوم ورفع رأسه وإذا هو بطير قدرماه
بحصاة
_________________
على هامته وخرجت من
دبره ، وأما أبرهة فإنه سار مجدا على فرسه ، إذ سقطت يده
اليمنى فتحير في أمره فسقطت يده اليسرى ، ثم رجله اليمنى ، ثم اليسرى ، فأتى منزله
فحكى لهم جميع ما جرى لهم كلهم ، فما أتم حديثه إلا ورأسه قد وقع ، هذا ما جرى لهم
، وأما عبدالمطلب ومن معه فإنهم أقاموا في ابتهال ودعاء وتضرع وقد استجيب لهم ببركة
رسول الله صلىاللهعليهوآله
، وقالوا في دعائهم : ( اللهم ببركة هذا النور الذي وهبتنا اجعل لنا من
كل كيدهم فرجا
، وانصرنا على أعداءنا ) ونظروا هياكل الاعداء على وجه الارض
مطروحة ، والفيل ولى هاربا ، وأما ما كان ممن فر من أهل مكة وسمع بما نزل بأصحا
لفيل أتوا فرحين مستبشرين ، وأقاموا مدة ينقلون الاسلاب والرحال وكان سعادتهم
وسرورهم ببركة رسول الله صلىاللهعليهوآله.
ثم إن عبدالمطلب كان ذات يوم نائما في الحجر إذ أتاه آت
فقال له : احفر
طيبة ، قال : فقلت له : وما طيبة؟ فغاب عني إلى غد ، فنمت في مكاني فأتى الهاتف
فقال : احفر
برة ، فقلت : وما برة؟ فغاب عني ، فنمت في اليوم الثالث فأتى وقال : احفر مضنونه؟
فقلت : وما مضنونة؟ فغاب عني ، فنمت في اليوم الثالث فأتى وقال : احفر مضنونة ، فقلت : وما مضنونة ، فغاب عني ، وأتاني في اليوم الرابع وقال : احفر زمزم ، فقلت :
وما
زمزم؟ قال : لا تنزف أبدا ولا تذم ، تسقي الحجيج الاعظم ، عند قرية النمل ، فلما
دله
على الموضع أخذ عبدالمطلب معوله وولده الحارث ولم يكن له يومئذ ولد غيره ، فلما
ظهر له البناء وعلمت قريش بذلك قالوا له : هذا بئر زمزم ، بئر أبينا إسماعيل عليهالسلام و
نحن فيه شركاء ، قال : لا أفعل لانه أمر خصصت به دونكم ، فتشاوروا على أن يجعلوا
_________________
بينهم حكما وهو سعيد
بن خثيمة
، وكان بأطراف الشام ، فخرجوا حتى إذا كانوا
بمفازة بين الحجاز والشام بلغ بهم الجهد والعطش ولم بجدوا ماء ، فقالوا لعبد
المطلب : ما تفعل؟ قال : كل واحد منكم يحفر حفيرة لنفسه فقعلوا ، ثم ركب عبدالمطلب راحته
وساربها
فنبع الماء من تحت خفها فكبر وكبرت أصحابه وشروبا جمعيهم وملؤا
قربهم وحلفوا أن لا يخالفوه في زمزم ، فقالوا : إن الذي أسقاه الماء في هذه الفلاة
هو الذي
أعطاه زمزم ، ورجعوا ومكنوه من الحفر .
فلما تمادى على الحفر وجد غزالين من ذهب
وهما اللذان دفنهما جرهم ، ووجد
أسيافا كثيرة ودروعا ، فطلبوه بنصيبهم فيها ، فقال لهم : هلموا إلى من ينصف بيننا
، فنضرب
القداح
فنجعل للكعبة قدحين ، ولي قدحين ، ولكم قدحين ، فمن خرج قدحاه كان
هذا له ، قالوا : أنصفت ، فجعل قدحين أصفرين للكعبة ، وقدحين أسودين له ، وقد حين
أبيضين لقريش ، ثم أعطاه لصاحب القادح
وهو عند هبل ، وهبل صنم في الكعبة ، فضرب بهما فخرج الاصفران على الزالين ، وخرج الاسودان على الاسياف والدروع
لعبد المطلب ، وتخلف قدحا قريش ، فضرب عبدالمطلب الاسياف ما بين الكعبة ، فضرب
في الباب الغرالين من الذهب ، وأقام عبدالمطلب بسقاية زمزم لحاج .
وما كان بمكة من يحسده ويضاده إلا رجل
واحد وهو عدي بن نوفل ، وكان أيضا
صاحب منعة
وبسطة وطول يد ، وكان المشار إليه قبل قدوم عبدالمطلب ، فلما قدم
_________________
عبدالمطلب إلى مكة
وسوده أهل مكة عليهم كبر ذلك على عدي بن نوفل ، إذ مال الناس إلى
عبدالمطلب وكبر ذلك عليه ، فلما كان بعض الايام تناسبا وتقاولا ووقع الخصام ، فقال عدي بن نوفل لعبد المطلب : أمسك عليك ما أعطيناك ، ولا يغرنك ما خولناك ، فإنما أنت غلام من غلمان قومك ، ليس لك ولد ولا مساعد فبم تستطيل علينا ولقد كنت
في يثرب وحيدا حتى جاء بك عمك إلينا ، وقدم بك علينا ، فصارلك كلام ، فغضب
عبدالمطلب لذلك ، وقال له : يا ويلك تعيرني بقلة الولد ، لله علي عهد وميثاق لازم
، لان
رزقني الله عشرة أولاد ذكورا وزاد عليهم لانحرن أحدهم إكراما وإجلالا لحقه ، وطلبا
بثاري بالوفاء ، اللهم
فكثر لي العيال ، ولا تشمت بي أحدا ، إنك أنت الفرد الصمد ، ولا أعاين بمثل قولك أبدا
، ثم مضى وأخذ في خطبة النساء والتزويج حرصا على
الاولاد ، ثم تزوج بست نساء فرزق منهن عشرة أولاد ، وكل امرأة تزوجها هي كانت
ذات حسن وجمال وعز في قومها ، منهن منعة بنت حباب الكلابية ، والطائفية الطليقية بنت غيدق اسمها سمراء ، وهاجرة الخزاعية ، وسعدى بنت حبيب الكلابية ، وهالة بنت وهب ، وفاطمة بنت عمرو المخزومية ، وأما منعة بنت الحباب فإنها ولدت له
الغيداق واسمه الحجل ، وإنما سمي الغيداق لمروته وبذل ماله ، وأما الفرعى
فولدت له أبا لهب واسمه عبدالعزى ، وأما سعدى
فولدت له ولدين : أحدهما ضرار ، والآخر العباس ، وأما فاطمة فولدت له ولدين : أحدهما عبد مناف ، ويقال له : أبوطالب
_________________
والآخر عبدالله
أبورسول الله صلىاللهعليهوآله
، وكان
عبدالله أصغر أولاده ، وكان في وجهه نور
رسول الله صلىاللهعليهوآله
، فأولاد عبدالمطلب الحارث وأبولهب والعباس وضرار وحمزة والمقوم
والحجل والزبير وأبوطالب وعبدالله
، وكان عبدالمطلب قائما مجتهدا في خدمة الكعبة ، وكان عبدالمطلب نائما في بعض الليالي قريبا من حائط الكعبة فرأى رؤيا فانتبه فزعا
مرعوبا ، فقام يجر أذياله ويجر ردائه إلى أن وقف على جماعته وهو يرتعد فزعا ، فقالوا
له : ماوراءك يا أبا الحارث؟ إنا نراك مرعوبا طائشا ، فقال : إني رأيت كأن قد خرج
من ظهري سلسلة بيضاء مضيئة ، يكاد ضوئها يخطف الابصار ، لها أربعة أطراف ، طرف
منها
قد بلغ المشرق ، وطرف منها قد بلغ المغرب ، وطرف منها قد غاص تحت الثرى ، وطرف
منها
قد بلغ عنان السماء ، فنظرت
وإذا رأيت تحتها شخصين عظيمين بهيين ، فقلت لاحدهما : من أنت؟ فقال : أنا نوح نبي رب العالمين ، وقلت للآخر : من أنت؟ قال : أنا إبراهيم
الخليل ، جئنا نستظل بهذه الشجرة ، فطوبى لمن استظل بها ، والويل لمن تنحى عنها ، فانتبهت لذلك فزعا مرعوبا فقال له الكههنة : يا أبا الحارث هذه بشارة لك ، وخير
يصل
إليك ، ليس لاحد فيها شئ ، وإن صدقت رؤياك ليخرجن من ظهرك من يدعو أهل المشرق
والمغرب ، ويكون رحمة لقوم ، وعذابا على قوم ، فانصرف عبدالمطلب فرحا مسرورا ، وقال
في نفسه : ليت شعري من يقبض النور من ولدي ، وكان يخرج كل يوم إلى الصيد وحده ، فأخذه ذات يوم العطش فنظر إلى ماء صاف في حر معين ، فشرب منه فوجده أبرد من
الثلج ، وأحلى من العسل ، وأقبل من وقته وغشى زوجته فاطمة بنت عمرو ، فحملت
بعبدالله
أبي رسول الله (ص) ، فانتقل النور الذي كان في وجهه إلى زوجته فاطمة ، فما مرت بها
الليالي والايام حتى ولدت عبدالله أبا رسول الله (ص) ، فانتقل النور إليه ، فلما
ولدته
_________________
سطح النور في غرته حتى لحق عنان السماء ، فلما نظر إليه عبدالمطلب فرح
فرحا شديدا ، ولم يخف مولده على الكهنة والاحبار ، فأما الكهنة فعظم أمره عليهم
لابطال كهانتم ، وأما أحبار اليهود فكانت معهم جبة بيضاء وكانت جبة يحيى بن زكريا
عليهماالسلام
، وكان الدم يابسا عليها قد غمست في دمه ، وكان في كتبهم : إن هذا الدم الذي في
الجبة إذا قطر منها قطرة واحدة من الدم يكون قد قرب خروج صاحب السيف المسلول ، فنظروا إلى ذلك الدم فوجدوا الجبة ، وإذا بها قد صارت رطبة يقطر منها الدم ، فعلموا أنه قددنا خروجه ، فاغتموا لذلك غما شديدا ، وبعثوا إلى مكة رجالا منهم
يكشفون لهم عن الخبر ، ويأتونهم بخبر مولده ، وكان عبدالله يشب في اليوم مثل ما
يشب
أولاد الناس في السنة ، وكان الناس يزورونه ويتعجبون من حسنه وجماله وأنواره ، وقيل
: إنه لقى عبدالله في زمانه وما لقى يوسف الصديق في زمانه ، وذلك من عداوة اليهود ، وجرت
عليه امور عظيمة وأحوال جسيمة .
فلما كملت لعبد المطلب عشرة أولاد ذكورا
وولد له الحارث
فصاروا أحد عشر
ولدا ذكرا فذكر نذره الذي نذر ، والعهد الذي عاهد : لئن بلغت أولادي أحد عشر ولدا
ذكورا لاقربن
أحدهم لوجه الله تعالى ، فجمع عبدالمطلب أولاده بين يديه ، وصنع
لهم طعاما ، وجمعهم حوله ، واغتم لذلك غما شديدا ، ثم قال لهم : يا أولادي إنكم
كنتم
تعلمون
أنكم عندي بمنزلة واحدة ، وأنتم الحدقة من العين ، والروح بين الجنبين ،
_________________
ولو أن أحدكم أصابته
شوكة لساءني ذلك
، ولكن حق الله أوجب من حقكم
، وقد عاهدته ونذرت له متى رزقني الله أحد عشر ولدا ذكرا لانحرن أحدهم قربانا ، وقد
أعطاني ما سألته ، وبقي الآن
، ما عاهدته ، وقد جمعتكم لاشاوركم ، فما أنتم قائلون؟
فجعل بعضهم ينظر إلى بعض وهم سكوت لا يتكلمون ، فأول من تكلم منهم عبدالله أبو
رسول الله صلىاللهعليهوآله
وكان أصغر أولاده ، فقال : يا أبت أنت الحاكم علينا ، ونحن أولادك وفي
طوع يدك ، وحق الله أوجب من حقنا ، وأمره أوجب من أمرنا ، ونحن لك طائعون
وصابرون على حكم الله وحكمك ، وقد رضينا بأمر الله وأمرك ، وصبرنا على حكم الله و
حكمك ، ونعوذ بالله من مخالفتك ، فشكره أبوه ، وكان لعبد الله في ذلك اليوم إحدى
عشر
سنة ، فلما سمع أبوه كلامه بكى بكاء شديدا حتى بل لحيته من دموعه ، ثم قال لهم : يا أولادي ما الذي تقولون؟ فقالوا له : سمعنا وأطعنا ، فافعل ما بدا لك ، ولن
نحرتنا عن
آخر نافكيف واحدا منا ، فشكرهم على مقالتهم ، ثم قال لهم : يا بني امضوا إلى
امهاتكم
و أخبروهن بما قلت لكم ، وقولوا لهن يغسلنكم ويكحلنكم ويطيبنكم ، والبسوا
أفخر ثيابكم ، وودعوا امهاتكم وداع من لا يرجع أبدا ، فتفرقوا إلى امهاتهم و
وأخبروهن بما قال لهم أبوهم ، ففاضت لاجل ذلك العيون ، وترادفت الاحزان ، قال : ثم إن عبدالمطلب بات تلك الليلة مهموما مغموما ، لم يطعم طعاما ، ولم يشرب شرابا ،
ولم يغمض عينا حتى طلع الفجر
، ثم لبس أفخر أثوابه ، وتردى برداء آدم عليهالسلام
، وتنعل
بنعل شيث عليهالسلام
، وتختم بخاتم نوح عليهالسلام
، وأخذ بيده خنجرا ما ضيا ليذبح به بعض أولاده
_________________
وخرج يناديهم من عند
امهاتهم واحدا واحدا ، فأقبلوا إليه مسرعين وقد تزينوا
بأحسن الزينة ، فلم يتأخر
غير عبدالله ، لانه كان أصغرهم ، فسألهم عنه فقالوا : لا نعلمه منهم أحد
فخرج إليه بنفسه حتى ورد منزل فاطمة زوجته ، فأخذ بيده ، فتعلقت به امه ، فجعل أبوه يجذبه منها ، وهي تجذبه منه ، وهو يريد أباه ، وهو
يقول : ( يا اماه اتركيني أمضي مع أبي ليفعل بي ما يريد ) ، فتركته وشقت جبيبها
وصرخت
وقالت : ( لفعلك يا أبا الحارث فعل لم يفعله أحد غيرك ، فكيف تطيب نفسك بذبح ولدك؟
وإن كان ولا بد من ذلك فخل عبدالله لانه طفل صغير وارحمه لاجل صغره ، ولاجل هذا
النور الذي في غرته
) فلم يكترث بكلامها
، ثم جذبه من يدها
، فقامت
عند ذلك تودعه فضمته إلى صدرها ، وقالت : ( حاشاك يا رب أن يطفئ نورك ، وقد قلت
حيلتي فيك يا ولدي ، واحزنا عليك يا ولدي ، ليتني قبل غيبتك عني وقبل ذبحك
يا ولدي غيبت تحت الثرى ، لئلا أرى فيك ما أرى ، ولكن ذلك بالرغم مني لا بالرضا
_________________
سوقك من عندي من غير
اختياري
) ، فلما سمع ذلك أبوه بكى بكاء شديدا حتى غشي
عليه وتغير لونه ، فقال عبدالله لامه : دعيني أمضي مع أبي ، فإن اختارني ربي
كنت راضيا سامحا ببذل روحي له ، وإن كان غير ذلك عدت إليك ، فأطلقته امه فمشى
وراء أبيه وجملة أولاده
إلى الكعبة ، فارتفعت الاصوات من كل ناحية ، وأقبلوا ينظرو
ا يصنع عبدالمطلب بأولاد ، وأقبلت اليهود والكهنة وقالوا : لعله يذبح الذي نخافه ،
ثم
عزم على القرعة بينهم وجاء بهم جميعا للمنحر ، وبيده خنجر يلوح الموت من جوانبه ، ثم
نادى بأعلا صوته يسمع القريب والبعيد وقال : ( الهم رب هذا البيت والحرم والحطيم ،
وزمزم ورب
الملائكة الكرام ، ورب جملة الانام ، اكشف عنا بنورك الظلام ، بحق ما جرى به القلم ، اللهم إنك خلقت الخلق بقدرتك ، وأمرتهم بعبادتك ، لا مانع
منك إلا أنت
، وإنما يحتاج الضعيف إلى القوي ، والفقير إلى الغني ، يا رب وأنت
تعلم أني نذرت نذرا ، وعاهدتك عهدا على إن وهبتني عشرة أولاد ذكور لاقربن لوجهك
الكريم واحدا منهم ، وها أناوهم بين يديك ، فاختر منهم من أحببت ، اللهم كما قضيت
وأمضيت فاجعله في الكبار ، ولا تجعله في الصغار ، لان الكبير أصبر على البلاء من
الصغير ،
_________________
والصغير أولى
بالرحمة ، اللهم رب البيت والاستار ، والركن والاحجار ، وساطح
الارض ، ومجري البحار ، ومرسل السحاب والامطار ، اصرف البلاء عن الصغار ) ثم دعا
بصاحب الجرائد فقدها
فقذفها وكتب على كل واحدة اسم ولد ، ثم دعا بصاحب
القداح وهي الازلام
التي ذكرها الله تعالى ، وكانوا يقسمون
بها في الجاهلية ، فأخذ الجرائد من يده ، وساق أولاد عبدالمطلب وقصد بهم الكعبة ، فأخذت اماتهم في
الصراخ والنياح والشق للجيوب
، كل واحدة تبكي على ولدا ، وجميع الناس
يبكون لبكائهم ، وجعل عبدالمطلب يقوم
مرة ويقعد اخرى ، وهو يدعو
: ( يا رب
اسرع في قضائك ) فتطاولت الاعناق ، وفاضت العبرات ، واشتدت الحسرات ، فبينما هم
في ذلك وإذا بصاحب القداح قد خرج من الكعبة وهو قابض على عبدالله أبي رسول الله ( ص
) وقد جعل ردائه في عنقه وهو يجره وقد زالت النضارة من وجهه ، واصفر لونه ، وارتعدت
فرائصه ، وقال له : يا عبدالمطلب هذا ولدك قد خرج عليه السهم ، فإن شئت فاذبحه أواتركه
، فلما سمع كلامه خر مغشيا عليه ، ووقع إلى الارض ، وخرج بقية أولاده من
الكعبة وهم يبكون على أخيهم ، وكان أشدهم عليه حزنا أبوطالب لانه شقيقه من امه
وأبيه ، وكان لا يصبر عنه ساعة واحدة ، وكان يقبل غرته وموضع النور من وجهه ، ويقول
: يا أخي ليتني لا أموت حتى أرى ولدك الوارث لهذا النور الذي فضله الله على الخلق
أجمعين
، الذي يغسل الارض من الدنس ، ويزيل دولة الاوثان ، ويبطل كهانة
الكهان.
_________________
فلما ولد النبي صلىاللهعليهوآله كان يحبه أبوطالب
حبا شديدا
، ويقول له : فدتك
نفسي يابن أخي ، يابن الذبيحين إسماعيل وعبدالله.
رجعنا إلى الحديث الاول : ثم لما أفاق
عبدالمطلب سمع البكاء من الرجال و
النساء من كل ناحية ، فنظر وإذا فاطمة بنت عمر وام عبدالله وهي تحثو التراب على
وجهها ، وتضرب على صدرها ، فلما نظر إليها عبدالمطلب لم يجد صبرا وقبض على
يد ولده ، وأراد أن يذبحه فتعلقت به سادات قريش وبنو عبد مناف فصاح بهم صيحة منكرة
وقال : يا ويلكم لستم أشفق على ولدي مني ، ولكن أمضي حكم ربي ، وأبوطالب متعلق
بأذيال عبدالله وهو يبكي ويقول لابيه : اترك أخي واذبحني مكانه فإني راض أن أكون
قربانك لربك ، فقال عبدالمطلب : ما كنت بالذي أتعرض على ربي ، واخالف حكمه ، فهو الآمر وأنا المأمور ، ثم اجتمع أكابر قومه وعشريته وقالوا له : يا عبدالمطلب
عد إلى
صاحب القداح مرة ثانية فعسى أن يقع السهم في غيره ، ويقضي الله ما فيه الفرج ، فعاد ثانية فعاد السهم
على عبدالله ، فقال عبدالمطلب : قضي الامر ورب الكعبة ، ثم
ساق ولده عبدالله إلى المنحر والناس من وراءه صفوف ، فلما وصل المنحر عقل رجليه
فعند ذلك ضربت امه وجهها ، ونشرت شعرها ، ومزقت أثوابها ، ثم أضجعه وهو ذاهل
لا يدري ما يصنع مما بقبله من الحزن ، فلما رأته امه أنه لا محالة عازم على ذبحه
مضت مسرعة إلى قومها ، وهي قد اضطربت جوارحها لما رأت عبدالمطلب قد أضجع
_________________
عبدالله ولده ليذبحه
، وهو لا يسمع
عذل عاذل ، ولا قول قائل ، وضجت الملائكة بالتسبيح ، ونشرت أجنحتها ، ونادى جبرئيل
، وتضرع إسرافيل وهم يستغيثون إلى ربهم ، فقال الله : يا ملائكتي إني بكل شئ عليم ، وقد ابتليت عبدي لانظر صبره على حكمي ، فبينما عبدالمطلب كذالك إذ أتاه عشرة رجال عراة حفاة ، في أيديهم السيوف ، وحالوا
بينه وبين ولده ، فقال لهم : ما شأنكم؟ قالوا له : لا ندعك تذبح ابن اختنا ولو
قتلتنا
عن آخرنا ، ولقد كلفت هذه المرأة ما لا تطيق ، ونحن أخواله من بني مخزوم ، فلما
رآهم قد حالوا بينه وبين ولده رفع رأسه إلى السماء ، وقال : ( يا رب قد منعوني أن
أمضي حكمك ، واوفي بعهدك ، فاحكم بيني وبينهم بالحق وأنت خير الحاكمين ) ، فبينماهم كذلك
إذ أقبل عليهم رجل من كبار قومه يقال له : عكرمة بن عامر ، فأشار بيده إلى الناس أن اسكتوا ، ثم قال : يا ابا الحارث اعلم أنك قد أصبحت سيد
الابطح ، فلو فعلت بولدك هذا لصار سنة بعدك يلزمك عارها وشنارها ، وهذا لا يليق بك
، فقال : أترى يا عكرمة أغضب ربي؟ قال : إني أدلك على ما فيه الصلاح ، قال : ما هو
يا عكرمة ، قال : إن معنا في بلادنا كاهنة
عارفة ليس في الكهان أعرف منها ، تحدث بما يكون في ضمائر الناس وما يخفى في سرائرهم ، وذلك أن لها صاحبا من
الجن يخبرها بذلك ، فلما سمع كلامه سكن ما به فأجمع رأيهم على ذلك ، فقالوا : يا أبا الحارث لقد تكلم عكرمة بالصواب ، فأخذ عبدالمطلب ولده وأقبل إلى منزله وأخذ
_________________
أهبة السفر إلى الكاهنة ، وأخذ معه هدية
عظيمة ، وكان اسم
الكاهنة ام ملخان ، فلما كان بعد ثلاثة أيام خرج عبدالمطلب
في قومه إلى الكاهنة ، فتقدم عبدالمطلب
إليها بعد أن دفع إليها الهدية ، فسألها عن أمره ، فقالت ، انزلوا ، وغدا أظهر لكم
العجب ، فلما كان غداة غد اجتمعوا عندها فأنشأت تقول :
يا مرحبا بالفتية الاخيار
|
|
الساكني البيت مع الاستار
|
قد خلقوا من صلصل الفخار
|
|
ومن صميم العز والانوار
|
خذوا بقولي صح في الآثار
|
|
انبئكم بالعلم والاخبار
|
أهل الضياء والنور والفخار
|
|
من هاشم سماه في الاقدار
|
قد رام من خالقه الجبار
|
|
أن يعطه عشرا من الاذكار
|
من يغر ما نقص بإذن الباري
|
|
فواحد ينحره للانذار
|
ثم إنها التفتت إلى عبدالمطلب ، وقالت
له : أنت
الناذر؟ قال : نعم ، جئناك
لتنظري في أمرنا ، وتعملي الحيلة في ولدنا ، فقالت : ورب البنية ، وناصب الجبال
المرسية ، وساطح الارض المدحية ، إن هذا الفتى الذي ذكر تموه سوف يعلو ذكره ويعظم
_________________
أمره ، وإني سأرشدكم
إلى خلاصه ، فكم الدية عندكم ، قالوا : عشرة
من الابل ، قالت : ارجعوا إلى بلدكم واستقسموا بالازلام على عشرة من الابل وعلى ولدكم ، فإن خرج
عليه السهم فزيدوا عشرة اخرى وارموا عليها بالسهام ، فإن خرج عليه دونها فزيدوا
عشرة
اخرى هكذا إلى المأة ، فإن لم تخرج على الابل اذبحوا ولدكم ، ففرح القوم ورجعوا
إلى مكة ، وأقبل
عبدالمطلب على ولده يقبله ، فقال عبدالله : يعز علي يا أبتاه
شقاءك من أجلي ، وحزنك علي ، ثم أمر عبدالمطلب أن يخرج كل ما معه من الابل ، فأحضرت وأرسل إلى بني عمه أن يأتوا بالابل على قدر طاقتهم ، وقال : ( إن أراد الله
بي خيرا
وقاني في ولدي ، وإن كان غير ذلك فحكمه ماض ) ، فجعل أهل مكة يسوقون له كل ما معهم
من
الابل ، وأقبل عبدالمطلب على فاطمة ام عبدالله ، وقد أقرحت عيناها بالبكاء فأخبرها
بذل
فرحت وقالت : أرجو من ربي أن يقبل مني الفداء ، ويسامحني في ولدي ، وكانت ذات
يسار ومال كثير ، وكانت امها سرحانة زوجة عمرو المخزومي ، وكانت كثيرة الاموال
والذخائر ، وكان لها جمال تسافر إلى العراق ، وجمال تسافر إلى الشام ، فقالت : علي
بمالي ومال أمي ، ولو طلب مني ربي ألف
ناقة لقدمتها إليه وعلي الزيادة ، فشكرها عبدالمطلب وقال : أرجو أن يكون في مالي ما يرضى ربي ، ويفرج كربي ، وأما الناس بمكة ففي فرح وسرور
، وبات عبدالمطلب فرحا مسرورا ، ثم أقبل إلى الكعبة
وطاف بها سبعا ، وهو يسأل الله تعالى أن يفرج عنه ، فلما طلع الصباح أمر رعاة
الابل أن يحضروها ، فأحضروها
، وأخذ عبدالمطلب ابنه فطيبه وزينه وألبسه أفخر
_________________
أثوابه ، وأقبل به
إلى الكعبة ، وفي يده الحبل والسكين ، فلما رأته امه فاطمة
قالت : يا عبدالمطلب ارم ما في يدك حتى يطمئن قلبي ، قال : إني قاصد إلى ربي أسأله
أن يقبل مني الفداء في ولدي ، فإن نفدت أموالي وأموال قومي ركبت جوادي وخرجت
إلى كسرى وقيصر
وملوك الهند ولاصين مستطعما على وجهي حتى أرضى ربي ، وأنا أرجو أن يفديه كما فدا أبي إسماعيل من الذبح ، وسار إلى الكعبة والناس حوله
ينظرون ، فقال لهم : ( يا معاشر من حضر إياكم أن تعودوا إلي في ولدي كما فعلتم
بالامس ، وتحولوا بيني وبين ذبح ولدي ) ، ثم إنه قدم عشرة من الابل وأوقفها
وتعلق بأستار الكعبة ، وقال : ( اللهم أمرك نافذ ) ، ثم أمر صاحب القداح أن يضربها
فضربها ، فخرج السهم على عبدالله ، فقال عبدالمطلب : ( لربي القضاء ) ، فزاد على
الابل
عشرة ، وأمر صاحب القداح أن يضربها ، فضربها فخرج السهم على عبدالله ، فقال أشراف
قريش : لو قدمت غيرك يا عبدالمطلب لكان خيرا ، فإنا نخشى أن يكون ربك ساخطا
عليك ، فقال لهم : إن كان الامر كما زعمتم فالمسئ أولى بالاعتذار ، ثم قال : (
اللهم
إن كان دعائي عنك قد حجب من كثرة الذنوب فإنك غفار الذنوب ، كاشف الكروب ، تكرم علي بفضلك وإحسانك ) ثم زاد عشرة اخرى من الابل ورمق بطرفه نحو السماء
وقال : ( اللهم أنت تعلم السر وأخفى ، وأنت بالمنظر الاعلى ، اصرف عنا البلاء كما
صرفة
عن إبراهيم الذي وفي ) ثم أمر صاحب القداح أن يضربها فضربها فخرج السهم على
_________________
عبدالله ، فقال
عبدالمطلب : إن هذا لشئ يراد ، ثم قال : لعل بعد العسر يسرا ، ثم أضاف
إلى الثلاثين عشرة اخرى فقال :
يا رب هذا البيت والعباد
|
|
إن بني أقرب الاولاد
|
وحبه في السمع والفؤاد
|
|
وامه صارخة تنادي
|
فوقه من شفرة الحداد
|
|
فانه كالبدر في البلاد
|
ثم أمر صاحب القداح أن يضربها فضربها
فخرج السهم على عبدالله ، فقال عبدالمطلب : كيف أبذل فيك يا ولدي الفداء وقد حكم فيك الرب بما يشاء ، ثم أضاف إلى الاربعين
عشرة اخرى ، وأمر صاحب القداح أن يضربها فضربها فخرج السهم على عبدالله ، فقالت
امه : يا عبدالمطلب اريد منك أن تتركني أسأل الله في ولدي ، فعسى أن يرحمني ويرحم
ضعفي وحالتي هذه ، فقامت فاطمة وأضافت إلى الخمسين عشرة اخرى. وقالت : ( يا رب
رزقتني ولدا وقد حسدني عليه أكثر الناس وعاندني فيه ، وقد رجوته أن يكون لي سندا
وعضدا ، وأن يوسدني في لحدي ، ويكون ذكري بعدي ، فعارضنني فيه أمرك وأنت تعلم
يا رب إنه أحب أولادي إلي ، وأكرمهم لدي ، وإني يا رب فديته بهذه الفداء فاقبلها
ولا تشمت بي الاعداء ) ، ثم أمرت صاحب القداح أن يضربها فضربها فخرج السهم على
بدالله ، فقال عبدالمطلب : إن لكل شئ دليلا ونهاية ، وهذا الامر ليس لي ولا لك فيه
حيلة ، فلا تعودي إلى التعرض في أمري ، ثم أضاف إلى الستين عشرة اخرى فقال : ( اللهم منك المنع ومنك العطاء ، وأمرك نافذ كما تشاء ، وقد تعرضت عليك بجهلي
وقبيح عملي فلا تؤاخذني ولا تخيب أملي ) ثم أمر صاحب القداح أن يضربها فضربها فخرج
السهم على عبدالله ، فعند ذلك ضج الناس بالبكاء والنحيب ، فقال عبدالمطلب : ( ما
بعد المنع
إلا العطاء ، وما بعد الشدة إلا الرخاء ، وأنت عالم السر وأخفى ) ، ثم ضم إلى السبعين
عشرة أخرى وأمر صاحب القداح أن يضربها ، فضربها فخرج السهم على عبدالله ، فأخذ عبدالمطلب الحبل والسكين بيده وهم الناس أن يمنعوه مثل المرة الاولى
فقال لهم : أقسمت بالله إن عارضنني في ولدي أحد لاضربن نفسي بهذا السكين و
أذبح نفسي ، اتركوني حتى أنفذ حكم ربي فأنا عبده ، وولدي عبده ، يفعل بنا ما يشاء
ويحكم ما يريد ، فأمسك
الناس عنه ، ثم أضاف إلى الثمانين عشرة وجعل يقول : ( يا رب
إليك المرجع ، وأنت ترى وتسمع ) ثم أمر صاحب القداح أن يضربها فضربها فخرج
السهم على عبدالله ، فوقع عبدالمطلب مغشيا عليه ، فلما أفاق قال : ( واغوثاه إليك
يا رب ) وجذب ابنه للذبح وضجت الناس بالبكاء والعويل رجالا ونساء ، فعند ذلك
صاح عبدالهل في وثاقه
وقال : يا أبت أما تستحيي من الله؟ كم ترد أمره وتلح عليه؟
هلم إلي فانحرني فإني قد خجلت من تعرضك إلى ربك في حقي ، فإني صابر على
قضائه وحكمه ، وإن كنت يا أبت لا تقدر على ذلك من رقة قلبك علي يا ابتاه فخذ بيدي
ورجلي واربطهما بعضهما إلى بعض ، وغط وجهي لئلاترى عينك عيني ، واقبض ثيابك
عن دمي لكيلا تتلطخ بالدم ، فتكون إذا لبست أثوابك تذكرك الحزن علي يا أبت ، واوصيك يا أبتاه بامي خيرا ، فإني أعلم أنها بعدي هالكة لا محالة من أجل حزنها
علي فسكنها وسكن دمعتها ، وإني أعلم أنها لا تلتذ بعدي بعيش ، وأوصيك بنفسك
خيرا ، فإن خفت ذلك فغمض عينيك فإنك تجدني صابرا ، ثم قال عبدالمطلب : يعز
علي يا ولدي كلامك هذا ، ثم بكى حتى اخضلت لحيته بالدموع ، ثم قال : ( يا قوم ما
تقولون؟ كيف أتعرض على ربي في قضائه؟ وإني أخاف أن ينتقم مني ، ثم قام
ونهض إلى الكعبة فطاف بها سبعا ودعا الله ومرغ وجهه وزاد في دعائه ، وقال : ( يا
رب
امض أمرك فإني راغب في رضاك
) ثم زاد على الابل عشرة فصارت مأة ، وقال : من أكثر
قرع الباب يوشك أن يفتح له ، ثم قال : ( رب ارحم تضرعي وتوسلي وكبري ) ثم أمر
صاحب القداح أن يضربها ، فضربها فخرج السهم على الابل ، فنزع الناس عبدالله من يد
أبيه ، وأقبلت الناس من كل مكان يهنؤنه بالخلاص ، وأقبلت أمه وهي تعثر في أذيالها
فأخذت ولدها وقبلته وضمته إلى صدرها ، ثم قالت : ( الحمد لله الذي لم يبتلني بذبحك
،
_________________
ولم يشمت بي الاعداء
وأهل العناد ) ، فبينما هم كذلك إذ سمعوا هاتفا من داخل الكعبة
وهو يقول : ( قد قبل الله منكم الفداء ، وقد قرب خروج المصطفى ) ، فقالت قريش : بخ
بخ لك
يا أبا الحارث ، هتفت بك وبابنك الهواتف ، وهم الناس بذبح الابل ، فقال عبدالمطلب
: مهلا أراجع ربي مرة اخرى ، فإن هذه القداح تصيب وتخطئ ، وقد خرجت على ولدي
تسع مرات متواليات ، وهذه مرة واحدة ، فلا أدري ما يكون من الثانية ، اتركوني
أعاود ربي مرة واحدة ، فقالوا له : افعل ما تريد ، ثم إنه استقبل الكعبة وقال : (
اللهم
سامع الدعاء ، وسابغ النعم ، ومعدن الجود والكرم ، فإن كنت يا مولاي مننت علي
بولدي هبة منك فاظهرلنا برهانة مرة ثانية ) ثم أمر صاحب القداح أن يضربها فضربها
فخرج السهم على الابل ، فأخذت فاطمة ولدها وذهبت به إلى بيتها وأتى إليه الناس من
كل جانب ومكان سحيق ، وفج عميق
يهنؤنها بمنة الله عليها ، ثم أمر عبدالمطلب
أن تنحر الابل فنحرت عن آخرها وتناهبها الناس ، وقال لهم : لا تمنعوا منها الوحو
الطير ، وانصرفت
فجرت سنة في الدية مأة من الابل إلى هذا الزمان ، ومضى عبدالمطلب
وأولاده ، فلما رأته الكهنة والاحبار وقد تخلص خاب أملهم ، فقال بعضهم لبعض : تعالوا
تسع في هلاكه
من حيث لا يشعر به أحد ، فقال كبيرهم وكان يسمى ربيان وكانوا له
سامعين فقال لهم : اعملوا طعاما وضعوا فيه سما ، ثم ابعثوا به إلى عبدالمطلب على
حال الهدية إكراما لخلاص ولده ، فعزم القوم على ذلك فصنعوا طعاما ووضعو فيه سما ، وأرسلوه مع نساء متبرقعات إلى بيت عبدالمطلب ، وهنو خافيات أنفسهم بحيث لا تعلم
إحذاهن ، فقرعوا الباب فخرجت إليهم فاطمة ورحبت بهن ، وقالت : من أين أنتن؟
_________________
قلن لها : نحن من
قرابتك من بني عبد مناف ، دخل علينا السرور لخلاص ابنك ، فأخذت فاطمة
منهن الطعام
، وأقبلت إلى عبدالمطلب ، فقال : من أين هذا؟ فذكرت له الخبر ، فقال عبدالمطلب : هلموا إلى ما خصكم به قرابتكم ، فقاموا وأرادوا الاكل منه ، وإذا
بالطعام قد نطق بلسان فصيح وقال : لا تأكلوا مني فإني مسموم ، وكان هذا من دلائل
نور رسول الله صلىاللهعليهوآله
، فامتنعوا من أكله وخرجوا يقتفون النساء فلم يروا لهن أثرا ، فعلموا
أنه مكيدة من الاعداء ، فحفروا للطعام حفيرة ووضعوه فيها .
وقال أبوالحسن البكري : حدثنا أشياخنا
وأسلافنا الرواة لهذا الحديث أنه لما
قبل الله الفداء من عبدالمطلب في ولده عبدالله فرح فرحا شديدا ، فللما لحق عبدالله
ملاحق
الرجال تطاولت إليه الخطاب ، وبذلوا في طلبه الجزيل من المال ، كل ذلك رغبة في
نور رسول الله صلىاللهعليهوآله
، ولم يكن في زمانه أجمل ولا أبهى ولا أكمل منه ، وكان إذا مر
بالناس في النهار يشمون منه رائحة
المسك الاذفر والكافور والعنبر ، وكان إذا مر بهم
ليلا تضئ من نوره الحنادس والظلم ، فسموه أهل مكة مصباح الحرم ، وأقام عبدالمطلب
وابنه عبدالله بمكة حتى تزوج عبدالله بآمنة بنت وهب ، وكان السبب في تزويجها به
أن الاحبار اجتمعوا بأرض الشام ، وتكلموا في مولد رسول الله صلىاللهعليهوآله والدم الذي قد جرى
من جبة يحيى بن زكريا عليهماالسلام
كما تقدم ذكره ، فلما أيقنوا أنه قد قرب خرج
صاحب السيف
، وظهرت أنواره تشاوروا فيما بينهم وساروا إلى حبر لهم وكان في
_________________
قرية من قرى الاردن
، وكانوا يقتبسون من علمه ، وكان ممن عمر في زمانه ، فقصده
القوم ، فلما وصلوا إليه قال لهم : ما الذي أزعجكم ؟ قالوا له : إنا نظرنا في كتبنا
فوجدنا صفة هذا الرجل السفاك
الذي تقاتل معه الاملاك ، وما نلقى عند ظهوره من
الاهوال والهلاك
، وقد جئناك نشاورك في أمره قبل ظهوره وعلو ذكره ، قال : يا قوم
إن من أراد إبطال ما أراد الله فهو جاهل مغرور ، وإنه لكائن بكم ، وهذا الذي ذكرتم
قد سبق أمره عند الله ، فكيف تقدرون على إبطاله؟ وهو مبطل كهانة الكهان ، ومزيل
دولة الصلبان
، وسيكون له وزير وقريب
، فلما سمعوا كلامه خافوا وحاروا ، فقام
حبر من أحبارهم يقال له : هيوبابن داحورا
، وكان كافرا متمردا شديد البأس ، فقال
لهم : هذا رجل قد كبر وخرف وقل عقله فلا تسمعوا من قوله ، ثم قال لهم : أرأيتم
الشجرة إذا قطعت من أصلها فهل تعود خضرا؟ قالوا : لا ، قال : فإن قتلتم صاحبكم هذا
الذي يخرج من صلبه هذا المولود فما الذي تخافون منه؟ فقوموا هذه الساعة وخذوا معكم
تجارة وسيروا إلى البلد الذي هو فيها ، يعني مكة ، فإذا وصلتم دررتم الحيلة في
هلاكه
فتبعوا قوله
وقالوا له : أنت سيدنا
، قال لهم : افعلوا ما آمركم به ، وأنا معكم
سيفى ورمحي ، ولكن ما أسير معكم حتى تعاهدوني
، فيعمد كل واحد منكم إلى
_________________
سيفه ليسقيه سما
فأجابوه إلى ذلك وافترقوا ، ثم اجتمعوا بايلة
، وخرجوا بجمالهم
محملة بالتجارة ، وساروا حتى وصلوا مكة ، فلما دخلوها سمعوا من ورائهم صوتا وهو
يقول :
قصدتم لازر القوم في السهر والجهر
|
|
تريدون مكرا بالمعظم في القدر
|
ومن غالب الرحمن لا شك إنه
|
|
سيرميه باريه بقاصمة الظهر
|
ستضحون يا شر الانام كأنكم
|
|
نعام اسيقت للذباحة والنحر
|
فلما سمعوا كلام الهاتف هالهم ذلك وهموا
بالرجوع ، فقال لهم هيوبا : لا تخافوا
من كلام هذا الهاتف ، فإن هذا الوداي قد كثر فيه الكهان والشياطين ، وإن هذا
الهاتف
هو شيطان قد علم قصدكم فعند ذلك تبادر القوم ، فكان كل من لقاهم يحدثهم بحسن
عبدالهل وجماله ، فوقع في قلوبهم الكمد
والحسد ، فجعلوا يسومون متاعهم ولا يبيعون
منه شيئا ، وإنما يريدون بذلك المقام بمكة والحيلة في قتل عبدالله فأقبل يوما
عبدالمطلب
وهو قابض على يده ولده عبدالله ، ومر باليهود ، وكان عبدالله قد رأى رؤيا أفزعته ،
فخرج
مرعوباً إلى أبيه فقال : ما أصابك يا بني ؟
قال : رؤيا هالتني ، قال : رأيت سيوفا مجردة
في أيدي قردة وهم قعود على أدبارهم ، وأنا أنظر إليهم وهم يهزون السيوف ويشيرون
بها
إلي فعلوت عنها
في الهواء ، فبينما أنا كذلك وإذا بنار قد نزلت من السماء فزادتني
خوفا ، وقلت : كيف خلاصي منها؟ فبينما أنا كذلك وإذا بالنار قد وقعت على القردة
فأحرقتهم عن آخرهم ، فزادني ذلك رعبا ، فقال له أبوه : وقاك الله يا بني شرما
تحاذر من
الحساد والاضداد
، فإن الناس يحسدونك على هذا النور الذي في وجهك ، ولكن
_________________
لو اجتمعن أهل الارض
إنسها وجنا لم يقدروا على شئ ، لانه وديعة من الله عزوجل
لخاتم الانبياء ، وهاهنا أحبار اليهود من الشام وفيهم الحكمة والمعرفة فقم معي حتى
أقص
عليهم رؤياك ، فقبض عبدالمطلب على يد ولده عبدالله ودخلا عليهم ، فلما نظر إليه
الاحبار
وهو كأنه البدر المنير نظر بعضهم إلى بعض وقالوا : هذا الذي نطلبه ، فقال لهم
عبدالمطلب : يا معاشر اليهود
جئنا إليكم نخبركم
برؤيا رآها ولدي هذا ، فقالوا له : وماذا؟
فقص عليهم الرؤيا ، فزادهم حنفا عليه ، وقال له هيوبا : أيها السيد إنها أضغاث
أحلام
وأنتم سادات كرام ، ليس لكم معاند ولا مضاد ، ثم انصرف عبدالمطلب بولده وأقاموا
بعد
ذلك أياما يريدون الحيلة فلم يجدوا إلى ذلك سبيلا ، وكان عبدالله مغما بالصيد ، وكان إذا خرج إلى الصيد لا يرجع إلا ليلا ، وكان يخرج مع أبيه فلم يجدوا إلى ذلك
سبيلا حتى خرج ذات يوم وحده
فخرجوا ورائه من حيث لا يشعر بهم أحد
، فقال
لهم هيوبا : ما انتظاركم وقد خرج الذي تطلبونه ؟
فقالوا له : إنا نخاف من فتيان
مكة وفرسان بني
هاشم وهم لا يطاقون وقد ذلت لهم العمالقة وغيرهم ، ونخشى أن
يشعروا بنا
، فلما سمع هيوبا مقالتهم قال : خاب سعيكم ، فإذا كنتم هكذا فما الذي
أتى بكم إلى هاهنا؟ فلابد من قتل هذا الغلام ، ولو طال عليكم المقام ، ولم تجدوا
يوما
مثل هذا اليوم ، فإذا قتلناه وخفتم التهمة به
فعلي ديته ، وكانوا قد بعثوا عبدا من
_________________
عبيدهم ينظر إلى أين
يتوجه عبدالله ، فرجع العبد وأخبرهم أنه قد غاب بين الجبال و
الشعاب ، وقد خرج من العمران ، وليس عنده
إنسان ، فعزم القوم على ما أملوه ، وجعلوا
نصفا عند الامتعة ، والنصف الآخر أخذوا السيوف تحت ثيابهم وخرجوا قاصدين عبدالله
والعبد أمامهم حتى أوقفهم عليه
، وكان عبدالله قد صاد حمار وحش وهو يسلخه فنظر
إلى القوم وقد أقبلوا عليه ، فقال لهم هيوبا : هذا صاحبكم الذي خرجتم من أوطائكم
في
في طلبه ، فما أحس عبدالله إلا وقد أحاطوا به ، وكانوا قد افترقوا فرقتين ، وقالوا
للذين
خلفوهم عند متاعهم : إذا دعوناكم أجيبونا مسرعين ، فلما أشرفوا على عبدالله وقد
سدوا
الطرقات
، وزعموا أنهم قد حكموا عليه ، فرفع عبدالله رأسه إلى السماء ، ودعا الله
تعالى وأقبل إليهم
وقال : يا قوم ما شأنكم؟ فوالله ما بسطت يدي إلى واحد منكم
بمكروه أبدا فتطالبوني به ، ولا غصب ما لا قط ، ولا قتلت احدا فاقتل به ، فماحاجتكم؟
فإن يكن سبقت مني فعلة سوء إليكم فأخبروني حتى أعرفها ، واليهود يومئذ تلثموا
ولم يبين منهم إلا حماليق الحدق
، فلم يردوا عليه جوابا ، وأشار بعضهم إلى بعض
وهموا بالهجوم عليه ، فجعل نبلة في كبد قوسه ورمى بها نحوهم فاصابت رجلا منهم فوقع
ميتا ، ثم رماهم بأربع نبال أصابت أربعة رجال فاشتغلوا عنه بنفسهم ، فأخذ الخامسه
ليرميهم بها وأنشأ يقول :
ولي همه تعلو على كل همة
|
|
وقلب بورلايروع من الحرب
|
ولي نبلة أرمي بها كل ضيغم
|
|
فتنفذ في اللبات والنحر والقلب
|
فأربعة منها أصابت لاربع
|
|
ولو كاثروني صلت بالطعن والضرب
|
أخذت نبالي ثم أرسلت بعضها
|
|
فصارت كبرق لاح في خلل السحب
|
_________________
قلما سمعوا ذلك منه قال له هيوبا : يا
فتى احبس عنا نبالك فقد أسرفت في فعالك ، ولقد قلت منا رجالا من غير ذنب ولا سبقة سبقت منا إليك ، ونحن قوم تجار ، ونحن
الذين وقفت علينا بالامس مع أبيك ، وكان لنا عبد قد هرب منا ، فلما رأيناك أنكرناك
، فعند ما عرفناك أنك عبدالله فنحن ما لنا معك طلابة ، وأنك لاعز الخلق علينا ، و
أكرمهم لدينا ، فامض لسبيلك فقد سمحنالك بما فعلت فينا ، فقال لهم : يا ويلكم ما
الذي
تبين لكم مني أني عبدكم؟ فهل عبدكم مثلي ، أو صفته صفتي ، أوله نور كنوري؟
فقالوا له : إنما دخلنا الشك وأنت متباعد عنا ، فلما قربت منا وعرفناك ، فاسمح لنا
بما
كان منا إليك فإنا سمحنالك بما كان وإن كان وأعظم من ذلك أنك قتلت منا
رجالا لا ذنب لهم ، ونحن حيث أكلنا طعام أبيك وشربنا شرابه فنحن لك شاكرون ، وأنت أولى بكتمان ما كان اليوم
منا ، فلما سمع عبدالله كلامهم زعم أنه حق وهو
خديقعة ، ثم إنه ركب جواده وأخذ قوسه وعطف إلى ناحية المضيق ، فلما رآه القوم
قد أقبل عليهم يريد الخروج بادروا إليه بأجمعهم وجعلوا يرمونه بالحجارة وقاموا
إليه
بالسيوف ، فجعل يكر فيهم كرة بعد كرة ، فعند ذلك صاح فيهم هيوبا فتبادروا إلي
أجمعهم وهو يكر فيهم يمينا وشمالا ، وكلما رمى رجل خر صريعا ونزل عبدالله عن فرسه
واستند إلى المضيق ، وقد أقبلوا إليه من كل جانب يرمونه بالحجارة ، فبينماهم في
المعركة
وإذاهم برجال قد أقبلوا بأيديهم السيوف مشهورة وهم عراة مسرعون نحوهم ، فإذاهم
بنوهاشم ، وأبوطالب
وفتيان مكة وكان في أولهم أبوطالب وحمزة والعباس ، فعند
_________________
ذل كناداه أبوه فقال
: يا بني
هذا تأويل رؤياك من قبل ، فما استتم كلامه حتى أحاط
بعبدالله إخوته وأقاربه.
قال البكري : وكان قد أخبرهم بالخبر رجل
يقال له : وهب بن عبدمناف ، لانه
أشرف عليهم في المعركة
، فهم أن ينزل فخاف على نفسه من كثرتهم ، فأتى إلى
الحرم ونادى في
بني هاشم
، فلما رآهم اليهود أيقنوا بالهلاك وقالوا لعبد الله : إنما
أردنا أن نعلم حقيقة الحال ، فقال لهم عبدالله : هيهات لقد أجدهتم أنفسكم في هلاكي
، فهرب منهم جماعة والتجؤا إلى جبل وظنوا أنهم قد نجوا ، فإذا أتاهم أمر الله فسقط
ليهم قطعة من الجبل فسدت
عليهم المضيق فلم يجدوا مهربا ، ولحقهم عبدالمطلب
و أصحابه ، والفرقة التي كانت من الجانب الآخر مع هيوبا قتلوا منهم اناسا كثيرة ، وقا
جل منهم : دعونا نصل مكة وافعلوا فينا ما تريدون ، فإن لنا مع الناس أمتعة وأموالا
كنّا قد أخفيناها وأنتم أحق بها ، خذها ولا تقتلونا ، فكتفوهم عن آخرهم ، وأقبلوابهم
إلى مكة وأقبل عبدالمطلب على ولده يقبله ويقول : ( يا ولدي لو لا وهب بن عبد مناف
أخبرنا بأمرك ما كنا علمنا ، ولكن الله تعالى يحفظك ) ، فلما أشرفوا على مكة خرج
الناس يهنؤنهم بالسلامة ، وإذا باليهود مكتوفين ، فجعل جملة الناس يرمونهم الحجارة
، فقام لهم عبدالمطلب وقال : ارسلوا بهم
إلى دار وهب حتى يستقصوا على أموالهم ، ولم
يبق لهم شئ فأرسلوهم إلى دار وهب ، فلما كان في تلك الليلة أقبل وهب على زوجته برة
بنت عبدالعزى وقال لها : يا برة لقد رأيت اليوم عجبا من عبدالله ما رأيته من أحد ،
وهو
بكر على هؤلاء القوم ، وكلما رماهم بنبلة قتل منهم إنسانا ، وهو أجمل الناس وجها
مما
_________________
خصه الله تعالى من
الضياء الساطع ، فامضي إلى أبيه واخطبيه لا بنتنا واعرضيها عليه ، فعسى أن يقبلها ، فإن قبلها سعدنا سعادة عظيمة ، قالت له يا وهب : إن رؤساء مكة و
أبطال الحرم وأشرف البطحاء قد رغبوا فيه فأبى عن ذلك ، وقد كاتبه ملوك الشام
والعراق
على ذلك فأبى عليهم ، فكيف يتزوج بابنتنا وهي قليلة المال ؟ قال لها : إن لي عليهم
اليد إنني أخبرتهم
بأمر عبدالله مع هذا اليهود ، ثم إن برة قامت ولبست أفخر أثوابها
وخرجت حتى أتت دار عبدالمطلب فوجدته يحدث أولاده بالخبر ، فقالت : أنعم الله
مساءكم ، ودامت نعماءكم ، فرد عليها عبدالمطلب التحية والاكرام ، وقال لها : لقد
سلف لبعلك اليوم
علينا يد لا نقدر أن نكافيه أبدا ، وله أياد بالغة بذلك ، وسنجازيه
بما فعل إن شاء الله تعالى ، فطمعت برة في كلامه ، ثم قال : بلغي بعلك عنا التحية
والاكرام وقولي له : إن كان له لدينا حاجة تقضى إن شاء الله مهما كانت ، فقالت له
برة : يا أبا الحارث قد طلبنا تعجيل المسرة ، وقد علمنا أن ملوك الشام والعراق وغيرهم
تطاولت إليكم ، وقد رغبوا في ولدكم يطلبون أولادكم وأنواركم المضيئة ، ونحن طمعنا فيمن طمع في ولدكم عبدالله ، ورجوناه مثل من رجا . وقد رجا وهب أن يك
عبدالله بعلالابنتنا ، وقد جائناكم طامعين وراغبين في الور الذي في وجه ولدكم
عبدالله ، ونسألكم أن تقبلونا ، فإن كان مالها قليلا فعلينا ما نجملها به وهي هدية منا لابنك
عبدالله ، فلما سمع عبدالمطلب كلامها نظر لالى ولده وكان قبل ذلك إذا عرض عليه
التزويج
_________________
من بنات الملوك يظهر
في وجهه الامتناع ، وقال أبوه : ما تقول يا بني فيما سمعت؟ فوالله
ما في بنات أهل مكة مثلها ، لانها محتشمة في نفسها طاهرة مطهرة ، عاقلة دينة ، فسكت عبدالله ولم يرد جوابا ، فعلم أبوه أنه قد مال إليها ، فقال عبدالمطلب : قد
قبلنا
دعوتكم ، وأجبنا ورضينا بابنتكم ، قالت فاطمة زوجة عبداللمطلب : أنا أمضي معك
إليها حتى أنظر
إلى آمنة ، فإن كانت تصلح لولدي رضينا بها ، فرجعت برة مسرورة بما
سمعت ، ثم سارت إلى زوجها مسرعة وبشرته وسمعت ام آمنة هاتفا في الطريق يقول : ( بخ بخ لكم يا معشر أهل الصفا ، قد قرب خروج المصطفى ) ، فدخلت على زوجها فقال : وما وراءك؟ قالت : لقد سعدت سعادة علا قدرك في جملة العالمين ، اعلم أن عبدالمطلب
قد رضي بابنتك
، ولكن مع الفرح ترحة ، قال : وما هي؟ قالت : إن فاطمة خارجة
تنظر إلى ابنتك آمنة ، فإن رضيت بها وإلا لم يكن شيئا ، وإني أخاف أن لا
ترضى بها ، فقال لها وهب بن عبدمناف : اخرجي هذه الساعة إلى ابنتك وزينيها
وألبسيها
أفخر الثياب وقلديها أفخر ما عندك ، فعسى ولعل ، فعمدت برة إلى بنتها وألبستها
أفخر
ما عندها من الثياب ، والحلي ، وضفرت شعرها
، وأرخت ذوائبها
على أكتافها ، وقالت لها : يا ابنتي إذا أتتك فاطمة فتأدبي لها أحسن الادب ، وارغبي في النور
الذي
في وجه ولدها عبدالله ، فبينما هما في ذلك إذ أقبلت فاطمة وخرج وهب من المنزل ، وإذا
بعبد المطلب
فأدخلوا فاطمة ، فقامت له آمنة إجلالا وتعظيما ورحبت بها أحسن
_________________
المرحب ، فنظرت
إليها فاطمة وإذا بها قد كساها الله جمالا لا يوصف ، فلما رأت فاطمة
ذلك الحسن والجمال وقد أضاء من نور وجهها ذلك المجلس ، قالت فاطمة : يا برة ما كنت
عهدت أن آمنة على هذه الصورة ولقد رأيتها قبل ذلك مرارا ، فقالت برة : يا فاطمة كل
ذلك ببركتم علينا ، ثم خاطبت
فاطمة آمنة وإذا هي أفصح نساء أهل مكة ، فقامت
فاطمة وأتت إلى عبدالمطلب وعبدالله ، وقالت : يا ولدي ما في بنات العرب مثلها أبدا
، ولقد
ارتضيتها ، وإن الله تعالى لا يودع هذا النور إلا في مثل هذه.
ولما وقع الحديث بين وهب وبين عبدالمطلب في أمر
ابنته آمنة ، قال وهب : يا
أبا الحارث هذه آمنة هدية مني إليك بغير صداق معجل ولا مؤجل ، فقال عبدالمطلب
جزيت خيرا ولابد
من صداق ، ويكون بيننا وبينك من يشهد به من قومنا ، ثم
إن عبدالمطلب هم أن يمد إليه شيئا من المال ليصلح به شأنها ، إذ سمع همهمة وأصواتا
فوثب وهب وسيفه مسلول ثم قاموا جميعا ، قال أبوالحسن البكري : وكان سبب ذلك
أن اليهود الذين كانوا محبوسين في دار وهب خدعهم الشيطان ، وزين لهم هيوبا إنكم
مقتولون لا محالة ، فقوموا جميعا وخاطروا بأنفسكم على عبد المطلب وابنه عبدالله ، فإن
الموت قد وقع بكم ، واهربوا على وجوهكم ، ثم إن هبوبا تمطى في كتافه فقطعه ، ثم
_________________
حل جملة أحصابه ، فلما خلصهم قالوا : بهم نهجم عليهم
وليس معنا سلاح؟ فقال هيوبا : نهجم عليهم بالحجارة هجمة رجل واحد ، وهم غافلون ، فسار القوم وأقبلوا وعبدالمطلب
وولده عبدالله ووهب في دار وهب ، والمصباح عندهم ، واليهود يرونهم وهم لا يرون اليهود
فرموهم بالحجارة التي كانت معهم ، فرد الله تعالى عليهم الحجارة فهشمت وجوههم ، ومنهم
من وقع حجره في رأسه ، ومنهم من وقع في صدره ، وذلك بقدرة الله تعالى لاجل النور
الذي في وجه عبدالله ، فحمل عليهم عبدالمطلب ومن كان معه فقتلوهم عن آخرهم ، وكان
عبدالمطلب يلا يفارقه سيفه حيث ما توجه ، وبعد ذلك خرج عبدالمطلب وولده وزوجته
لالى
منزلهم ، وقالوا : يا وهب إذا كان في غداة غد جمعنا قومنا وقومك ليشهدون بما يكون
من الصداق ، فقال : جزاك الله خيرا ، فلما طلع الفجر أرسل عبدالمطلب إلى بني عمه
ليحضروا خطبتهم ، ولبس عبدالمطلب
افخر أثوابه ، وجمع وهب أيضا قرابته وبني عمه
فاجتمعوا في الابطح ، فلما أشرف عليهم الناس قاموا إجلالا لعبد المطلب وأولاده ، فلما استقر بهم المجلس خطبوا خطبتهم وعقدوا عقد النكاح ، وقام عبدالمطلب فيهم
خطيبا
_________________
فقال : ( الحمد لله
حمد الشاكرين حمدا أستوجبه بما أنعم علينا
وأعطانا ، وجعلنا لبيته
جيرانا ، ولحرمه سكانا ، وألقى محبتنا في قلوب عباده ، وشرفنا على جميع الامم ، ووقانا
شر الآفات والنقم ، والحمد لله الذي أحل لنا النكاح ، وحرم علينا السفاح ، وأمرنا
بالاتصال
وحرم علينا الحرام
، اعلموا أن ولدنا عبدالله هذا الذي تعرفونه قد خطب فتاتكم
آمنة بصداق
معجل ومؤجل كذا وكذا ، فهل رضيتم بذلك من ولدنا )؟ قال وهب : قد رضينا منكم ، فقال عبدالمطلب : اشهدوا يا من حضر ، ثم تصافحوا وتهانوا وتصافقوا
وتعانقوا ، وأولم عبدالمطلب وليمة عظيمة ، فيها جميع أهل مكة وأوديتها وشعابها
و سوادها ، فأقام الناسفي مكة أربعة أيام .
قال أبوالحسن البكري : ولما تزوج
عبدالله بآمنة أقامت معه زمانا ، والنور في
وجهه لم يزل حتى نفذت مشية الله تعالى وقدرته وأراد أن يخرج خيرة خلقه محمدا رسول
الله
وأن يشرف
به الارض وبنورها بعد ظلامها ، ويطهرها بعد تنجيسها ، أمر الله
تعالى جبرئيل عليهالسلام
أن ينادي في جنة المأوى أن الله جل جلاله قد تمت كلمته ومشيته
وأن الذي وعده من ظهور البشير
النذير السراج المنير الذي يأمر بالمعروف ، وينهى
عن المنكر ، ويدعو إلى الله وهو صاحب الامانة ولاصيانة يظهر نوره في البلاد ، ويكون
_________________
رحمة على العباد ، ومن
أحبه بشر بالشرف والحباء
، ومن أبغضه بسوء القضاء ، وهو
الذي عرض عليكم من قبل أن يخلق آدم عليهالسلام
الذي يسمى في السماء أحمد
، وفي
الارض محمدا
وفي الجنة أبا القاسم
، فأجابته الملائكة بالتسبيح والتهليل والتقديس
والتكبير لله رب العالمين ، وفتحت أبواب الجنان ، وغلقت أبواب النيران ، وأشرفت
الحور العين
، وسبحت الاطيار على رؤس الاشجار ، فلما فرغ جبريل من أهل
السماوات أمره الله أن ينزل في مأة ألف من الملائكة إلى أقطار الارض ، وإلى جبل
قاف ، وإلى
خازن السحاب ، وجملة ما خلق الله يبشرهم
بخروج رسول الله صلىاللهعليهوآله
، ثم نزل إلى
الارض السابعة فأخبرهم بخبره ، ومن أراد الله به خيرا ألهمه محبته ، ومن أراد به
شرا
ألهمه بغضه ، وزلزلت الشياطين ، وصفدت
وطردت عن الاماكن التي كانوا يسترقون
فيها السمع ، ورجموا بالشهب.
قال صاحب الحديث : ولما كانت ليلة
الجمعة عشية عرفة وكان عبدالله قد خرج هو
وإخوته وأبوه. فبينما هم سائرون وإذا بنهر عظيم فيه ماء زلال ، ولم يكن قبل ذلك
اليوم
هناك ماء فبقي عبدالمطلب وأولاده متعجبين ، فبينما عبدالله كذلك إذ نودي يا عبدالله
اشرب من هذا النهر ، فشرب منه ، وإذا هو أبرد من الثلج ، وأحلى من العسل ، وأزكى
من
المسك ، فهنض مسرعا والتفت إلى إخوته فلم يروا للنسهر أثرا فتعجبوا منه ، ثم إن
عبدالله
مضى مسرعا إلى منزله فرءته آمنة طائشا ، فقالت له : ما بالك ؟ صرف الله عنك الطوارق ،
_________________
فقال لها : قومي
فتطهري وتطيبي وتعطري واغتسلي خ ل ، فعسى الله أن يستودعك
هذا النور ، فقامت وفعلت ما أمرها ، ثم جاءت إليه فغشيها تلك الليلة المباركة ، فحملت
برسول الله صلىاللهعليهوآله
، فانتقل النور من وجه عبدالله في ساعته إلى آمنة بنت وهب ، قالت آمنة : لما دنا منسي ولا مسني
أضاء منه نور ساطع ، وضياء لامع ، فأنارت منه السماء والارض ، فأدهشني ما رأيت ، وكانت آمنة بعد ذلك يرى النور في وجهها كأنه المرآت
المضيئة .
بيان
: النشيش : صورت الماء وغيره إذا غلا. والاراض بالكسر : بساط ضخم من صوف
أو وبر. وانحاز عنه : عدل ، وانحا ، القوم : تركوا مراكزهم. والترح بالتحريك : ضد
الفرح. والاروع من الرجال : الذي يعجبك حسنه. والذابل : الرمح الرقيق. والسميدع
بالفتح : السيد الموطأ الاكناف. والصحاصح : جمع الصحصاح وهو المكان المستوي.
والجندل : الحجارة. والاسمهرار : الصلابة ولاشدة. قوله : ( دهينا ) ، أي أصابتنا
الداهية.
والدرقة : الترس. والغيداق : الكريم. والضيغم : الاسد.
أقول
: إنما أوردت هذا الخبر مع غرابته وإرساله للاعتماد على مؤلفه واشتماله
عليكثير من الآيات والمعجزات التي لا تنافيها سائر الاخبار ، بل تؤيدها والله
تعالى
يعلم.
٤٩ ـ قب
: محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب سمي بذلك لان هاشما دخل مكة
وهو رديفه ، وعبدالمطلب اسمه شيبة الحمد بن هاشم ، سمي بذلك لانه هشم الثريد
للناس في أيام الغلاء ، وهو عمرو بن عبدمناف ، سمي بذلك لانه علا وأناف ، واسمه
المغيرة
_________________
ابن قصي ، واسمه
زيدا ، قصي عن دار قومه ، لانه حمل من مكة في صغره إلى بلاد أزد شنوءة
فسمي قصيا ، ويلقب بالمجمع لانه جمع قبائل قريش بعد ما كانوا في الجبال والشعاب.
وقسم بينهم المنازل بالبطحاء ، ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لوي بن غالب بن فهر بن
مالك
ابوالنضر وهو قريش ، وسمي النضر لان الله تعالى اختاره ، والنضر النضرة ، ابن خزيمة ، وإنما سمى بذلك لانه خزم نور آبائه ، ابن مدركة ، لانهم أدركوا الشرف
في أيامه ، وقيل : لادراكه صيدا لابيه ، وسمي أبوه طابخة لطبخه لابيه ، ابن إلياس
النبي عليهالسلام
، وسمي بذلك لانه جاء على أياس وانقطاع ، ابن مضر ، وسمي بذلك لاخذه
بالقلوب ، ولم يكن يراه أحد إلا أحبه ، ابن نزار ، واسمه عمرو ، وسمي بذلك لان معد
نظر إلى نور النبي صلىاللهعليهوآله
في وجهه فقرب له قربانا عظيما ، وقال له : لقد استقللت هذا القربان
وإنه لقليل نزر ، ويقال : إنه اسم أعجمي ، وكان رجلا هزيلا ، فدخل على يستاسف فقال
: هذا نزار ابن معد ، وسمي بذلك لانه كان صاحب حروب وغارات على اليهود ، وكان
منصورا ، ابن عدنان ، لان أعين الحى كلها تنظر إليه.
وروي عنه صلىاللهعليهوآله
إذا بلغ نسبي إلى عدنان فأمسكوا.
وعنه صلىاللهعليهوآله
كذب النسابون ، قال الله تعاليك ( وقرونا بين ذلك كثيرا ).
قال القاضي عبدالجبار بن أحمد : المراد بذلك أن اتصال الانساب غير معلوم ، فلا يخلوا إما أن يكون كاذبا أو في حكم الكاذب. وقد روي أنه انتسب إلى إبراهيم.
ام سلمة سمعت النبي صلىاللهعليهوآله
يقول : معد بن عدنان بن أدد ، وسمي ادد لانه كان
ماد الصوت ، كثير الغر ، ابن زيد بن ثرا بن أعراق الثرى.
قالت ام سلمة : زيد هميسع ، وثرا نبت ، وأعراق
الثرى إسماعيل بن إبارهيم ، ققالت : ثم قرء عليهالسلام
( وعادا وثمود وأصحاب
الرس )
الآية ، واعتمد النسابة وأصحاب
التواريخ أن عدنان هو ابن أدبن أدد بن اليسع بن الهميسع بن سلامان بن نبت بن حمل
_________________
ابن قيذار بن
إسماعيل .
وقال ابن بابويه : عدنان بن ادبن ادد بن
زيد بن يقدد بن يقدم بن الهميسع بن نبت
بن قيذار بن إسماعيل ، وقال ابن عباس : عدنان بن اد بن ادد بن اليسع بن الهميسع ، و
يقال : ابن ياحين
بن يخشب
بن منحر بن صابوغ بن الهميسع بن نبت بن قيذار بن
إسماعيل بن إبراهيم بن تارخ بن ناخور بن سروغ
بن ارغو وهو هود ، ويقال : بن قالغ
بن غابر
وهو هود بن أرفخشد بن متوشلخ بن سام بن نوح بن لملك بن اخنوخ ، ويقال : احنوخ وهو إدريس بن مهلايل
، ويقال : مهاييل بن زبارز
، ويقال : مادر ، ويقال
أياد بن قينان بن انوش ، ويقال : قينان بن ادد بن أنوش بن شيث وهو هبة الله ابن
آدم.
امه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بنكلاب بن مرة إلى آخر النسب ،
_________________
ويقال : إنه ينسب
إلى آدم بتسعة وأربعين أبا .
٥٠ ـ د
: رسول الله (ص) أبوالقاسم محمد وأحمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم
بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن لوي
بن غالب بن فهر بن مالك بن النضربن
كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن ادد بن
اليسع بن
الهميسع بن سلامان بن النبت بن حمل بن قيداد بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهمالسلام بن
تارخ بن ناخور بن شروغ بالشين المعجمة والغين المعجمة ابن ارغو بن فالغ بالغين
المعجمة
فيهما بن عابر بفتح الباء والعين غير المعجمة ابن شالخ بن ارفخشد بن سام بن نوح بن
ملك
بن متوشلخ بكسر اللام ابن اخنوع بن اليارذ بالذال المعجمة ابن مهلايل بن فينان بن
أنوش بن شيث بن آدم عليهالسلام
.
وقال ابن بابويه : عدنان بن أد بن ادد
بن زيد بن يعدد بن يقدم بن الهميسع بن
نبت بن قيذار بن إسماعيل .
وقال ابن عباس : عدنان بن اد بن ادد بن
اليسع بن الهميسع.
ويقال : ابن يامين بن يحشب بن منحد بن
صابوع بن الهميسع بن نبت بن قيذار بن
إسماعيل بن إبراهيم بن تارخ بن سروع بن أرغو ، وهو هود ويقال : ابن قالع بن عامر
بن
أرفحشد بن ناحور بن متوشلح بن سام بن نوح بن لملك بن احنوح ، وهو إدريس بن مهلائيل
، ويقال : مهائيل بن زياد ، ويقال : مارد ، ويقال : أياد بن قينان بن أنوش ، ويقال :
قينان بن
_________________
أودين أنوش بن شيث
وهو هبة الله بن آدم عليهمالسلام
.
٥١ ـ ب
: السندي بن محمد ، عن صفوان الجمال ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : قال
رسول الله صلىاللهعليهوآله
: إني مستوهب من ربي أربعة ، وهو واهبهم لي إن شاء الله : آمنة بنت وهب ، وعبدالله بن عبدالمطلب ، وأبوطالب بن عبدالمطلب ، ورجل من الانصار جرت بيني وبينه ملحة
.
بيان : قال الفيروزآبادي ى : بينهما ملح وملحة : حرمة وحلف ، وهذا الخبر يدل
على إيمان هؤلاء فإن النبي صلىاللهعليهوآله
لا يستوهب ولا يشفع لكافر ، وقد نهى الله عن موادة
الكافر والشفاعة لهم والدعاء لهم كما دلت عليه الآيات الكثيرة.
٥٢ ـ مع
، لى : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن علي بن
حسان ، عن عبدالرحمن
ابن كثير الهاشمي قال : سمعت أبا عبدالله الصادق عليهالسلام
يقول : نزل جبريل على النبي صلىاللهعليهوآله
فقال : يا محمد إن الله جل جلاله يقرءك السلام ويقال : إني حرمت النار على صلب
أنزلك ، وبطن حملك ، وحجر كفلك ، فقال : يا جبريل بين لي ذلك ، فقال : أما الصلب
الذي أنزلت فعبدالله بن عبدالمطلب ، وأما البطن الذي حملك فآمنة بنت وهب ، وأما
الحجر الذي كفلك فأبوطالب بن عبدالمطلب وفاطمة بنت أسد .
بيان
: هذا الخبر أيضا يدل على إيمان هؤلاء ، فإن الله تعالى أوجب النار على
جميع المشركين والكفار كما دلت عليه الآيات والاخبار.
٥٣ ـ ع
، مع : محمد بن عمرو بن علي البصري ، عن
عبدالسلام بن محمد بن هارون
الهاشمي ، عن محمد بن محمد بن عقبة الشيباني ، عن الخضر بن أبان ، عن أبي هدية
إبراهيم
ابن هدية
، عن أنس بن مالك قال : أتى أبوذر يوما إلى مسجد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقال :
_________________
ما رأيت كما رأيت
البارحة ، قالوا : وما رايت البارحة؟ قال : رأيت رسول الله (ص) ببابه ، فخرج ليلا فأخذ بيد علي بن أبي طالب عليهالسلام
، وخرجا إلى البقيع فمازلت أقفو أثرهما
إلى أن أتيا مقابر مكة فعدل إلى قبر أبيه فصلى عنده ركعتين ، فإذا بالقبر قد انشق
و
إذا بعبدالله جالس وهو يقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، فقال
له : من وليك يا أبه؟ فقال : وما الولي
يا بني؟ قال : هو هذا علي ، قال : وإن عليا
وليسي ، قال : فارجع إلى روضتك ، ثم عدل إلى قبر امه فصنع كما صنع عند قبر أبيه
فإذا بالقبر قد انشق فإذا هي تقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك نبي الله
ورسوله ، فقال لها من وليك يا اماه؟ فقالت : ومن الولي
يا بني؟ فقال : هو هذا علي بن أبي
طالب ، فقالت : إن عليا وليي
، فقال : ارجعي إلى حفرتك وروضتك ، فكذبوه ، ولببوه
، وقالوا : يا رسول الله كذب عليك اليوم ، فقال : وما كان من ذلك؟ قالوا : إن
جندب حكى عنك كيت
وكيت ، فقال
النبي صلىاللهعليهوآله
: ما أظلت الخضراء ولا أقلت
الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر.
قال عبدالسلام بن محمد : فعرضت هذا
الخبر على الهجيمي
محمد بن عبدالاعلى
فقال : أما علمت أن النبي صلىاللهعليهوآله
قال : أتاني جبرئيل عليهالسلام
فقال : إن الله عزوجل حرم
النار على ظهر أنزلك وبطن حملك ، وثدي أرضعك ، وحجر كفلك .
بيان : هذا الخبر أيضا يدل على إيمان
والدين عليهماالسلام
إذ لو كانا ماتا على الشرك لم
_________________
ينفعهم الايمان بعد
الاحياء ، لان الله تعالى ختم على من مات على الكفر والشرك دخول
النار ، فهو صلىاللهعليهوآله
إنما أحياهما ليدركا أيام نبوته ، ويشهدا برسالته وبإمامة وصيه ، فيكمل بذلك إيمانهما ، ويشهد له قوله صلىاللهعليهوآله
: فارجع إلى روضتك.
٥٤ ـ فس
: قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : لوقمت المقام
المحمود لشفعت لابي وامي
وأخ كان لي مواخيا في الجاهلية .
٥٥ ـ فس
: ابي ، عن ابن أبي عمير ، عن سيف بن
عميرة وعبدالله بن سنان وأبي
حمزة الثمالي قالوا : معنا أبا عبدالله جعفر بن عليهالسلام
يقول : لما حج رسول الله صلىاللهعليهوآله
حجة الوداع نزل بالابطح ووضعت له وسادة فجلس عليها ثم رفع يده إلى السماء وبكى
بكاء شديدا ، ثم قال : يا رب إنك وعدتني في أبي وامي وعمي أن لا تعذبهم قال
فأوحى الله إليه إني آليت على نفسي أن لا يدخل جنتي إلا من شهد أن لا إله إلا الله
، وأنك عبدي ورسولي ، ولكن ائت الشعب فنادهم فإن أجابوك فقد وجبت لهم رحمتي ، فقام النبي صلىاللهعليهوآله
إلى الشعب فناداهم يا أبتاه ويا اماه ويا عماه ، فخرجوا ينفضون التراب
عن رؤوسهم ، فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوآله
: ألا ترون إلى هذه
الكرامة التي أكرمني
الله بها ، فقالوا : نشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله حقا حقا ، وأن جميع
ما أتيت
به من عند الله فهو الحق ، فقال : ارجعوا إلى مضاجعكم ، ودخل رسول الله صلىاللهعليهوآله مكة ، و
قدم عليه علي بن أبي طالب من اليمن ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
: ألا ابشرك يا علي؟ فقال
له أميرالمؤمنين عليهالسلام
: بأبي أنت وامي لم تزل مبشرا ، فقال : ألا ترى إلى ما رزقنا
الله تبارك وتعالى في سفرنا هذا؟ وأخبره الخبر ، فقال على : الحمد لله ، قال : فأشرك
رسول الله صلىاللهعليهوآله
في بدنه
أباه وامه وعمه .
_________________
بيان
: هذا الخبر إما محمول على التقية ، أو
على أنه إنما فعل ذلك ليظهر للناس
إسلامهم ، ثم اعلم أن هذه الاخبار مخالفة لما اشتهر من أن والديه عليهماالسلام ما تا في غيرمكة
ويمكن الجمع بينهما بأن يكونوا نقلوهما بعد موتهما إلى مكة كما ذكره بعض أهل
السير ، أو انتقلا بعد ندائه صلىاللهعليهوآله
بإعجازه إليها.
٥٦ ـ ص
: إن أباه توفى وامه حبلى ، وقدمت امه آمنة بنت وهب على أخواله
من بني عدي من النجار بالمدينة ، ثم رجعت به حتى إذ كانت بالابواء ماتت ، وأرضعته حتى شب حليمة بنت عبدالله السعدية .
٥٧ ـ يج
: روي أن عبدالله بن عبدالمطلب لما ترعوع ركب يوما ليصيد ، وقد
نزل بالبطحاء قوم من اليهود قدموا ليهلكوا والد محمد صلىاللهعليهوآله
ليطفؤا نور الله فنظروا إلى عبدالله
قرءوا حلية ابوة الذبوة فيه ، فقصدوه وكانوا ثمانين نفرا بالسيوف والسكاكين ، وكان
وهب
بن عبد مناف بن زهرة والد آمنة ام محمد (ص) في ذلك الصوب يصيد ، وقد رأى عبدالله
وقد صف به اليهود ليقتلوه ، فقصد أن يدفعهم عنه ، وإذا بكثير من الملائكة معهم
الاسلحة
طردوا عنه اليهود
، فعجب من ذلك وانصرف ، ودخل على عبدالمطلب وقال : ازوج
بنتي آمنة من عبدالله ، وعقد فولدت رسول الله صلىاللهعليهوآله
.
٥٨ ـ قب
: تصور لعبدالمطلب أن ذبح الولد أفضل قربة لما علم من حال إسماعيل
عليهالسلام
فنذر إنه متى رزق عشرة أولاد ذكور أن ينحر أحدهم للكعبة شكرا لربه ، فلما
وجدهم عشرة قال لهم ، يا بني ما تقولون في نذري؟ فقالوا : الامر إليك ، ونحن بين
يديك
فقال : لينطلق كل واحد منكم إلى قدحه وليكتب عليه اسمه ففعلوا وأتوه بالقداح
فأخذها
وقال :
عاهدته والآن اوفي عهده
|
|
إذ كان مولاي وكنت عبده
|
_________________
نذرت نذرا لا احب رده
|
|
ولا احب أن أعيش بعده
|
فقدمهم ثم تعلق بأستار الكعبة ونادى : (
اللهم رب البلد الحرام
، والركن والمقام ، ورب المشاعر اعظام ، والملائكة الكرام ، اللهم أنت خلقت الخلق لطاعتك ، وأمرتهم
بعبادتك ، لا حاجة منك في كلام له ) ثم أمر بضرب القداح وقال : ( اللهم إليك
أسلمتهم
ولك أعطيتهم ، فخذ من أحببت منهم فإني راض بما حكمت ، وهب لي أصغرهم سنا
فإنه أضعفهم ركنا ) ثم أنشأ يقول :
يا رب لا تخرج عليه قدحي
|
|
واجعل له واقية من ذبحي
|
فخرج السهم على عبدالله فأخذ الشفرة
وأتى عبدالله حتى أضجعه في الكعبة ، وقال :
هذا بني قد اريد نحره
|
|
والله لا يقدر شئ قدره
|
فإن يؤخره يقبل عذره .
وهم بذبحه فأمسك أبوطالب يده وقال :
كلا ورب البيت ذي الانصاب
|
|
ما ذبح عبدالله بالتلعاب
|
ثم قال : ( اللهم اجعلني فديته ، وهب لي
ذبحته ) ، ثم قال :
خذها إليك هدية يا خالقي
|
|
روحي وأنت مليك هذا الخافق
|
وعاونه أخواله من بني مخزوم وقال بعضهم
:
يا عجبا من فعل عبدالمطلب
|
|
وذبحه ابنا كتمثال الذهب
|
فأشاروا عليه بكاهنة بني سعد فخرج في
ثمان مأة رجل وهو يقول :
_________________
تعاوني أمر فضقت به ذرعا
|
|
ولم أستطع مما تجللني دفعا
|
نذرت ونذر المرء دين ملازم
|
|
وما للفتى مما قضى ربه منعا
|
وعاهدته عشرا إذا ما تكملوا
|
|
اقرب منهم واحدا ماله رجعا
|
فأكملهم عشرا فلما هممت أن
|
|
أفئ بذاك النذر ثار له جمعا
|
يصدونني عن أمر ربي وإنني
|
|
سأرضيه مشكورا ليلبسني نفعا
|
فلما دخلوا عليها قال :
يا رب إني فاعل لما ترد
|
|
إن شئت ألهمت الصواب والشد
|
فقالت : كم دية الرجل عندكم؟ قالوا : عشرة
من الابل ، قالت : واضربوا على الغلام
وعلى الابل القداح ، فإن خرج القداح على الابل فانحروها ، وإن خرج عليه فزيدوا في
الابل
عشرة عشرة حتى يرضى ربكم ، وكانوا يضربون القداح على عبدالله وعلى عشرة فيخرج
السهم على عبدالله إلى أن جعلها مأة ، وضرب فخرج القدح على الابل فكبر عبدالمطلب
وكبرت قريش ، ووقع عبدالمطلب مغشيا عليه ، وتواثبت بنو مخزوم فحملوه على
أكتافهم ، فلما أفاق من غشيته قالوا : قد قبل الله منك فداء ولدك ، فبيناهم كذلك
فإذا
بهاتف يهتف في داخل البيت وهو يقول : قبل الفداء. ونفذ القضآء ، وآن ظهور محمد
المصطفى ، فقال عبدالمطلب : القداح تخطئ وتصيب حتى أضرب ثلاثا ، فلما ضربها خرج
على الابل فارتجز يقول :
دعوت ربي مخلصا وجهرا
|
|
يا رب لا تنحر بني نحرا
|
فنحرها كلها فجرت السنة في
الدية بمأة من الابل .
_________________
٥٩ ـ قب
: كانت امرأة يقال لها : فاطمة بنت مرة قد قرأت الكتب ، فمر بها عبدالله
ابن عبدالمطلب ، فقالت : أنت الذي فداك أبوك بمأة من الابل؟ قال : نعم ، فقالت : هل
لك أن تقع علي مرة واعطيك من الابل مأة؟ فنظر إليها وأنشأ :
أما الحرام فالممات دونه
|
|
والحل لا حل فأستبينه
|
فكيف بالامر الذي تبغينه
ومضى مع أبيه فزوجه أبوه آمنة فظل عندها
يوما وليلة ، فحملت بالنبي صلىاللهعليهوآله
، ثم انصرف عبدالله فمر بها فلم يربها حرصا على ما قالت أولا ، فقال لها عند ذلك
مختبرا : هل لك فيما قلت لي فقلت : لا؟
قالت :
قد كان ذاك مرة فاليوم لا
فذهبت كلمتاهما مثلا.
ثم قالت : أي شئ صنعت بعدي؟ قال : زوجني
أبي آمنة فبت عندها ، فقالت :
لله ما زهرية سلبت
|
|
ثوبيك ما سلبت؟ وما تدري
|
ثم قالت : رأيت في وجهك نور النبوة
فأردت أن يكون في وأبي الله إلا أن يضعه
حيث يحب ، ثم قالت :
بني هاشم قد غادرت من أخيكم
|
|
امينة إذ للباه يعتلجان
|
كما غادر المصباح بعد خبوه
|
|
فتائل قد شبت له بدخان
|
وما كل ما يحوى الفتى من نصيبه
|
|
بحرص ولا ما فاته بتواني
|
ويقال : إنه مر بها وبين عينيه غرة كغرة
الفرس ، وكان عند الاحبار جحبة صوف
بيضاء قد غمست في دم يحي بن زكريا عليهالسلام
وكانوا قد قرءوا في كتبهم إذا رأيتم هذه الجبة
تقطر دما فاعلموا أنه قد ولد أبوالسفاك الهتاك ، فلما رءوا ذلك من الجبة اغتموا و
_________________
اجتمع خلق على أن
يقتلوا عبدالله. فوجدوا الفرصة منه لكون عبدالمطلب في الصيد
فقصدوه ، فأدرك وهب بن عبد مناف الزهري فجاز
منه فنظر إلى رجال نزلوا من السمآء
وكشفوهم عنه ، فزوج ابنته من عبدالله ، قال : فمتن من نساء قريش مأتا امرءة غيرة ،
ويقال : إن عبدالله كان في جبينه نو يتلالا ، فلما قرب من حمل محمد صلىاللهعليهوآله لم يطق
أحد رؤيته ، وما مر بحجر ولا شجر إلا سجد له وسلم عليه ، فنقل الله منه نوره يوم
عرفة
وقت العصر وكان يوم الجمعة إلى آمنة .
بيان : قولها : ( ما زهرية ) ، المراد
بالزهرية
آمنة ، أي آمنة ما سلبت ثوبيك
فقط حين قاربتها ، ما سلبت؟ أي أي شئ سلبت؟ أي سلبت منك شيئا عظيما ، وهو نور
النبوة ، وما تدري ، قولها : ( قد غادرت ) ، أي تركت ، قولها : ( للباه يعتلجان )
، أي للجماع ، يتصارعان وينضمان ، والخبو : الانطفاء ، قد شبست له على بناء المجهول ، أي أوقدت ،
والضمير للمصباح ، والحاصل أنها خاطبت بني هاشم أن آمنة ذهبت بالنور من عبدالله ، كمصباح اطفئ فلم يبق منه إلا فتيلة فيها دخان ، ثم ذكرت لنفسها عذرا فيما فاتها
بأن
الحرص لا يسوق شيئا لم يقدر ، وليس كل ما فات من الانسان بالتواني والتقصير ، بل
هو
من تقدير الحكيم الخبير.
٦٠ ـ قب
: توفي أبوه صلىاللهعليهوآله
وهو ابن شهرين.
الواقدي : وهو ابن سبعة أشهر.
الطبري : توفي أبوه بالمدينة ودفن في
دار النابغة.
ابن إسحاق : توفي أبوه وامه حامل به ، وماتت
امه وهو ابن أربع سنين.
الكلبي : وهو ابن ثمانية وعشرين شهرا.
محمد بن إسحاق : توفيت امه بالابواء
منصرفة إلى مكة وهو ابن ست ، ورباه
_________________
عبدالمطلب وتوفي عنه
وهو ابن ثمانية
سنين وشهرين وعشرة أيام فأوصى به إلى
أبي طالب فرباه .
٦١ ـ د
: قيل : إنه لما شب رسول الله صلىاللهعليهوآله
وترعوع وسعى ردته حليمة إلى
امه فافتصلته
وقدمت به على أخواله من بني عدي بن النجار بالمدينة ، ثم رجعت به
حتى إذا كان بالابواء هلكت بها ، فيتم
رسول الله صلىاللهعليهوآله
وكان عمره يومئذ ست سنين
فرجعت به ام أيمن إلى مكة ، وكانت تحضنه
، وورث رسول الله صلىاللهعليهوآله
من امه ام
أيمن ، وخمسة أجمال أوداك
، وقطيعة غنم ، فلما تزوج بخديجة أعتق ام أيمن.
وروي أن آمنة لما قدمت برسول الله صلىاللهعليهوآله المدينة نزلت به في
دار النابلغة رجل
من بني عدي بن النجار فأقامت بها شهرا ، فكان رسول الله صلىاللهعليهوآله يذكر امورا كانت في
مقامه ذلك ، فقال صلىاللهعليهوآله
: نظرت إلى رجل من اليهود يختلف وينظر إلي ، ثم ينصرف
عني ، فلقيني يوما خاليا فقال لي : يا غلام ما اسمك؟ قلت : أحمد ، فنظر إلى ظهري
فأسمعه
يقول : هذا نبي هذه الامة ، ثم راح إلى أخوالي فخبرهم الخبر فأخبروا امي فخافت
علي وخرجنا من المدينة.
وحدثت ام أيمن : قالت : أتاني رجلان من
اليهود يوما نصف النهار بالمدينة
فقالا : اخرجي لنا أحمد فأخرجته ، فنظرا إليه وقلباه مليا ونظرا إلى سرته ثم قال
أحدهما
لصاحبه : هذا نبي هذه الامة ، وهذه دار هجرته ، وسيكون بهذه البلدة من القتل
والسبي
أمر عظيم .
_________________
٦٢ ـ د
: عبدالله أنفذه أبوه يمتار
له تمرا من يثرب فتوفي بها .
٦٣ ـ عد
: قال الشيخ أبوجعفر رضياللهعنه
: اعتقادنا في آباء النبي صلىاللهعليهوآله
أنهم
مسلمون من آدم إلى أبيه عبدالله ، وأن أبا طالب كان مسلما ، وآمنة بنت وهب بن عبد
مناف ام رسول الله صلىاللهعليهوآله
كانت مسلمة ، وقال النبي (ص) : خرجت من نكاح ولم أخرج
من سفاح من لدن آدم.
وقد روي أن عبدالمطلب كان حجة ، وأبوطالب
كان وصيه عليهالسلام .
بيان : اتفقت الامامية رضوان الله عليهم
على أن والدي الرسول وكل أجداده
إلى آدم عليهالسلام
كانوا مسلمين ، بل كانوا من الصديقين : إمام أنبياء مرسلين ، أو أوصياء معصومين ، ولعل بعضهم لم يظهر الاسلام لتقية أو لمصلحة دينية.
قال أمين الدين الطبرسي رحمهالله في مجمع البيان : قال
أصحابنا : إن آزركان جد
إبراهيم عليهالسلام
لامه ، أو كان عمه من حيث صح عندهم أن آباء النبي صلىاللهعليهوآله
إلى آدم
كلهم كانوا موحدين ، وأجمعت الطائفة على ذلك ، ورووا عن النبي صلىاللهعليهوآله
أنه قال : لم يزل ينقلني الله من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهرات ، حتى أخرجني في عالمكم
هذا ، لم يدنسني بدنس الجاهلية.
ولو كان في آبائه عليهالسلام كافر لم يصف جميعهم
بالطهارة ، مع قوله سبحانه (
إنما
المشركون نجس ) ولهم في ذلك أدلة ليس هنا موضع ذكرها.
انتهى .
وقال إمامهم الرازي في تفسيره : قالت
الشيعة : إن أحدا من آباء الرسول صلىاللهعليهوآله
وأجداده ما كان كافرا ، وأنكروا أن يقال : إن والد إبارهيم كان كافرا وذكروا أن
آزركان
عم إبراهيم عليهالسلام
، واحتجوا على قولهم بوجوه :
_________________
الاولى : أن آباء نبينا ما كانوا كفارا
ويدل عليه وجوده :
منها : قوله تعالى ( الذي يراك حين تقوم * وتقلبك في الساجدين
) قيل : معناه إنه كان ينقل روحه من ساجد إلى ساجد ، وبهذا التقدير فالآية دالة على أن
جميع
آباء محمد صلىاللهعليهوآله
كانوا مسلمين ، فيجب القطع
بأن والد إبراهيم كان مسلما ، ومما
يدل على أن أحدا من آباء محمد (ص) ما كانوا من المشركين قوله (ص) : ( لم أزل أنقل
من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات ) وقال تعالى (
إنما
المشركون نجس ).
أقول : ثم أورد بعض الاعتراضات والاجوبة
التي لاحاجة لنا إلى إيرادها ، ثم
قال : وأما أصحابنا فقد زعموا أن والد رسول الله صلىاللهعليهوآله
كان كافرا ، وذكروا أن نص
الكتاب في هذه الآية تدل على أن آزركان كافرا ، وكان والد إبراهيم عليهالسلام إلى آخر ما
قال ، وإنما
أوردنا كلامه ليعلم أن اتفاق الشيعة على ذلك كان معلوما ، بحيث
اشتهربين المخالفين.
وأما المخالفون : فذهب أكثرهم إلى كفر
والدي الرسول (ص) وكثير من أجداده
كعبد المطلب وهاشم وعبد مناف صلوات الله عليهم أجمعين ، وإجماعنا وأخبارنا متضافرة
_________________
على خلافهم ، وسيأتي
الاخبار الكثيرة الدالة على ذلك في سائر أبوباب الكتاب.
ووجدت في بعض الكتب أن عبدالمطلب اسمه
شيبة ، ويقال : شيبة الحمد ، وقد
قيل : إن اسمه عامر ، ولاصحيح الاول ، ويقال : إنه سمي شيبة لانه ولد وفي رأسه
_________________
شعرة بيضاء ، ويكنى
أبا الحراث ، ويلقب الفياض لجوده ، وإنما سمي عبدالمطلب
لان أباه هاشما مر بيثرب في بعض أسفاره فنزل على عمرو بن زيد ، وقيل : زيد بن عمرو
ابن خداش بن امية بن وليد بن غنم بن عدي بن النجار ، والراوي الاول يقول : عمرو
_________________
ابن زيد بن لبيد بن
خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار ، وهم تيم الله بن ثعلبة بن
عمرو بن الخزرج وهو المعتمد ، فرأى ابنته سلمى فخطبها إليه فزوجه إياها ، وشرط
عليه
أنها إذا حملت أتى بها لتلد في دار قومها ، وبنى عليها هاشم بيثرب ومضى بها إلى
مكة ، _________________
فلما أثقلت أتى بها
إلى يثرب في السفرة التي مات فيها وذهب إلى الشام فمات هناك بغزة من
أرض الشام ، وولدت سلمى عبدالمطلب وشب عند امه فمر به رجل من بني الحارث بن
عبد مناف ، وهو مع صبيان يتناضلون
فرآه أجملهم وأحسنهم إصابة ، وكلما رمى فاصاب ،
قال : أنا ابن هاشم ، أنا ابن السيد
البطحاء ، فأعجب الرجل ما رأى منه ودنا إليه فقال : من أنت؟ قال : أنا شيبة بن هاشم بن عبدمناف ، قال : بارك اللهفيك ، وكثر فينا مثلك
، قال : _________________
من أنث يا عم؟ قال :
رجل من قومك ، قال : حياك الله ومرحبا بك ، وسأله عن أحواله
وحاجته ، فرأى الرجل منه ما أعجبه ، فلما أتى مكة لم يبدء بشئ حتى أتى المطلب بن
عبد مناف فأصابه جالسا في الحجر فخلا به وأخبره خبر الغلام وما رأى منه ، فقال
المطلب : والله لقد أغفلته ، ثم ركب قلوصا
ولحق بالمدينة وقصد محلة بني النجار فإذا هو
بالغلام في غلمان منهم ، فلما رآه أناخ قلوصه وقصد إليه ، فأحبره بنفسه ، وأنه جاء
للهذاب به ، فما لبث أن جلس على عجز الرحل وركب المطلب القلوص ومضى به ، وقيل : بل كانت امه قد علمت بمجئ المطلب ونازعته فغلبها عليه ، ومضى به إلى مكة
وهو خلفه ، فلما رآه قريش قامت إليه وسلمت عليه وقالوا : من أين أقبلت؟ قال : من
يثرب ، قالوا : ومن هذا معك؟ قال : عبد ابتعته ، فلما أتى محله اشترى له حلة
فألبسه
إياها وأتى به في مجلس بني عبدمناف ، فقال : هذا ابن أخيكم هاشم ، وأخبرهم خبره ، فغلب عليه عبدالمطلب لقول عمه : إنه عبد ابتعته ، وساد عبدالمطلب قريشا ، وأذعنت
له
سائر العرب بالسيادة والرياسة ، وأخباره مشهورة مع أصحاب الفيل ، وحفر زمزم ، وفي
سقياه حين استسقى مرتين : مرة لقريش ، ومره لقيس إلى غير ذلك من فضائله ، وأخباره
وأشعاره تدل على أنه كان يعلم أن سبطه محمد نبي ، وهو ابن هاشم ، واسمه عمرو ، و
يقال له : عمرو العلى ، ويكنى أبا نضله ، وإنما سمي هاشما لهشمه الثريد للحجاج ، وكانت إليه الوفادة والرفادة
وهو الذي سن الرحلتين : رحلة الشتاء إلى اليمن و
_________________
العراق ، ورحله
الصيف إلى الشام ومات بغزة من أرض الشام وفيه يقول مطرود بن كعب
الخزاعي : شعر :
عمرو العلى هشم الثريد لقومه
|
|
ورجال مكة مسنتون عجاف .
|
وكان هاشم يدعى القمر ، ويسمى ذات الركب
، وقد مي بهذا آخرون من قريش
أيضا ، وهو ابن عبد مناف ، واسمه المغيرة ، وإنما سمته عبد مناف امه ، ومناف اسم
صنم
كان مستقبل الركن الاسود ، وكان أيضا يدعى القمر لجماله ، ويدعى السيد لشرفه
وسودده ، وهو ابن قص ، واسمه زيد ، وإنما سمى قصيا لان امه فاطمة بنت سعد بن سنبل
الازدية
من أزدشنوءه تزوجها بعد أبيه كلاب ربيعة بن حزام بن سعد بن زيد القضاعي ، فمضى بها إلى قومه ، وكان زهرة بن كلاب كبيرا ، فتركته عند قومه ، وحملت زيدا معها
، لانه كان فطيما ، فسمي قصيا لانه أقصى عن داره ، وشب في حجر ربيعة بن حزام ، لا يرى إلا أنه أبوه إلى أن كبر فنازع بعض بني عذرة ، فقال له العذري : الحق بقومك
فإنك لست منا ، قال : وممن أنا؟ قال : سل امك تخبرك ، فقالت : أنت والله أكبر منهم
نفسا ووالدا ونسبا ، أنت ابن كلاب بن مرة ، وقومك آل الله في حرمه وعند بيته ، فكره
قصي المقام دون مكة ، فأشارت عليه امه أن يقيم حتى يدخل الشهر الحرام ، ثم يخرج
مع حجاج قضاعة ففعل ، ولما صار إلى مكة تزوج إلى خليل بن الحبشية الخزاعي
ابنته حيي ، وكان خليل يلي أمر الكعبة ، وعظم أمر قصي حتى استخلص البيت من
خزاعة وحاربهم وأجلاهم عن الحرم وصارت إليه السدانة والوفادة والسقاية ، وجمع
قبائل
قريش وكانت متفرقة.
وقال محمد بن مسعود الكازروني في كتاب
المنتقى : ولد عبدالله لاربع وعشرين سنة
_________________
مضت من ملك كسرى
أنوشروان ، فبلغ سبع عشرة سنة ، ثم تزوج آمنة ، فلما حملت
برسول الله صلىاللهعليهوآله
توفي ، وذلك أن عبدالله بن عبدالمطلب خرج إلى الشام في عير
من عيرات قريش ، يحملون تجارات ، ففرغوا من تجاراتهم ثم انصرفوا ، فمروا بالمدينة
وعبدالله بن عبدالمطلب يومئذ مريض ، فقال : أتخلف عند أخوالي بني عدي بن النجار ، فأقام عندهم مريضا شهرا ، ومضى أصحابه فقدموا مكة فسألهم عبدالمطلب عن عبدالله ، فقالوا
خلفناه عند أخواله بني عدي بن النجار وهو مريض ، فبعثت إليه عبدالمطلب أعظم ولده
الحارث فوجده قد توفي في دار النابغة
، فرجع إلى أبيه فأخبره ، فوجد
عليه
عبدالمطلب وإخوته وأخواته وجدا شديدا ، ورسول صلىاللهعليهوآله
يومئذ حمل ، ولعبد الله يوم
توفي خمس وعشرون سنة.
وروي أنه توفي بعد ما أتى على رسول الله
صلىاللهعليهوآله
ثمانية وعشرون شهرا ، ويقال : سبعة أشهر ، والاول أصح.
قال الواقدي : ترك عبدالله أم أيمن
وخمسة جمال أوراك ، يعني قد أكلت الاراك ، وقطيعة غنم ، فورث رسول الله صلىاللهعليهوآله
وكانت أم أيمن تحضنه واسمها بركة .
٦٤ ـ ن لى
: ابن المتوكل ، عن علي ، عن أبيه ، عن الريان بن الصلت قال : أنشدني الرضا عليهالسلام
لعبد المطلب شعر
:
يعيب الناس كلهم زمانا
|
|
وما لزماننا عيب سوانا
|
نعيب زماننا والعيب فينا
|
|
ولو نطق الزمان بناهجانا
|
_________________
وإن الذئب يترك لحم ذئب
|
|
ويأكل بعضنا بعضا عيانا
|
أقول
: سيأتي في باب مولد النبي صلىاللهعليهوآله
بعض أخباره.
٦٥ ـ ل
: الفامي وابن مسرور معا ، عن ابن بطة ، عن الصفار ، عن ابن معروف ، عن حماد ، عن حريز ، عمن أخبره ، عن أبي جعفر صلىاللهعليهوآله
قال : أول من سوهم عليه مريم
نت عمران ، وهو قول الله (
وما كنت
لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم
) والسهام
ستة ، ثم استهموا في يونس عليهالسلام
لما ركب مع القوم ، فوقفت السفينة في اللجة ، فاستهموا
فوقع السهم على يونس عليهالسلام
ثلاث مرات ، قال : فمضى يونس عليهالسلام
إلى صدر السفينة
فإذا الحوت فاتح فاه فرمى بنفسه ، ثم كان عبدالمطلب ولد له تسعة فنذر في العاشر إن
يرزقه الله غلاما أن يذبحه ، قال : فلما ولد عبدالله لم يكن يقدر أن يذبحه ورسول
الله صلىاللهعليهوآله
في صلبه ، فجاء بعشر من الابل وساهم عليها وعلى عبدالله فخرجت السهام على عبدالله
، فزاد
عشرا ، فلم يزل السهام تخرج على عبدالله ويزيد عشرا ، فلما بلغت مأة خرجت السهام
على الابل ، فقال عبدالمطلب : ما أنصفت ربي ، فأعاد السهام ثلاثا فخرجت على الابل
، فقال : الآن علمت أن ربي قد رضي ، فنحرها .
٦٦ ـ ل
: أبي ، عن سعد ، عن أبي محمد الفضل اليماني ، عن الحسن بن جمهور ، عن أبيه ، عن علي بن حديد ، عن عبدالرحمن بن الحجاج ، عن هارون بن خارجة ، عن
أبي عبدالله عليهالسلام
قال : هبط جبرئيل على رسول الله (ص) فقال : يا محمد إن الله عزوجل
قد شفعك
في خمسة : في بطن حملك وهي آمنة بنت وهب بن عبد مناف ، وفي صلب
أنزلك وهو عبدالله بن عبدالمطلب ، وفي حجر كفلك وهو عبدالمطلب بن هاشم ، وفي بيت
آواك وهو عبد مناف بن عبدالمطلب أبوطالب ، وفي أخ كان لك في الجاهلية ، قيل :
_________________
يا رسول الله من هذا
الاخر؟ فقال رسول الله : كان آنسي وكنت آنسه ، وكان سخيا يطعم
الطعام .
٦٧ ـ ل
: محمد بن علي بن الشاه ، عن أبي حامد ، عن أبي يزيد ، عن محمد بن أحمد بن
صالح التميمي ، عن ابيه ، عن أنس بن محمد أبي مالك ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد ، عن
أبيه ، عن جده ، عن علي بن أبي طالب عليهالسلام
، عن البني صلىاللهعليهوآله
أنه قال في وصيته له : يا علي إن عبدالمطلب سن في الجاهلية خمس سنن أجراها الله له في الاسلام : حرم
نساء الآباء على الابناء فأنزل الله عزوجل : م ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من
النساء ) ووجد
كنزا فأخرج منه الخمس وتصدق به ، فأنزل الله عزوجل (
واعلموا
أنما غنمتم من شئ
فأن لله خمسه ) الآية ، ولما حفر زمزم سماها سقاية
الحاج فأنزل الله عزوجل : ( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر ) الآية ، وسن
في القتل مأة من الابل فأجرى الله عزوجل ذلك في الاسلام ، ولم يكن للطواف عدد عند
قريش فسن فهيم عبدالمطلب سبعة أشواط ، فأجرى الله ذلك في الاسلام ، يا علي إن
عبدالمطلب كان لا يستقم بالازلام ، ولا يعبد الاصنام ، ولا يأكل ما ذبح على النصب
، ويقول : أنا على دين أبي إبراهيم عليهالسلام
.
بيان
: لعله عليهالسلام
فعل هذه الامور بإلهام من الله تعالى ، أو كانت في ملة إبراهيم
عليهالسلام
فتركتها قريش فأجراها فيهم ، فلما جاء الاسلام لم ينسخ هذه الامور لما
سنة عبدالمطلب.
٦٨ ـ ل
: الهمداني ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان الاحمر قال : سمعت جعفر بن محمد عليهالسلام
يحدث عن أبيه عليهالسلام
قال : سمعت جابر بن عبدالله الانصاري
يقول : سئل رسول الله صلىاللهعليهوآله
عن ولد عبدالمطلب ، فقال : عشرة والعباس.
قال الصدوق ره : وهم عبدالله ، وأبوطالب ، والزبير ، وحمزة ، والحارث ، وهو أسنهم
والغيداق ، والمقوم ، وحجل ، وعبدالعزى وهو أبولهب ، وضرار ، والعباس ، ومن الناس
_________________
من يقول : إن المقوم
هو حجل. ولعبد المطلب عشرة أسماء
، تعرفه بها العرب وملوك
القياصرة وملوك العجم وملوك الحبشة ، فمن أسمائه : عامر ، وشيبة الحمد ، وسيد
البطحاء ، وساقي الحجيج ، وساقي الغيث ، وغيث الوري في العام الجدب ، وأبوالسادة العشرة ، وعبدالمطلبب ، وحافر زمزم
، وليس ذلك لمن تقدمه .
٦٩ ـ ن
: القطان ، عن الاسدي
، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن ابيه
قال : سالت أبا الحسن الرضا عليهالسلام
عن معنى قول النبي صلىاللهعليهوآله
أنا ابن الذبيحين ، قال : يعني إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهماالسلام
، وعبدالله بن عبدالمطلب ، أما إسماعيل فهو
الغلام الحليم الذي بشر الله تعالى به إبراهيم عليهالسلام
( فلما بلغ معه السعي ) وهو لما
عمل مثل عمله ( قال يا بني : إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ما ذا ترى * قال
يا أبت افعل ما تؤمر ) ولم يقل له : يا أبت افعل ما رايت ( ستجدني إن شاء الله من
الصابرين )
فلما عزم على ذبحه فداه الله تعالى بذبح عظيم بكبش أملح. يأكل في سواد ، ويشرب في
سواد ، وينظر في سواد ، ويمشى في سواد ويبول
ويبعر في سواد ، وكان يرتع قبل ذلك
في رياض الجنة أربعين عاما ، وما خرج من رحم انثى ، وإنما قال الله عزوجل له :
_________________
كن فكان ، ليفدي به
إسماعيل ، فكل ما يذبح بمنى فهو فدية لاسماعيل إلى يوم القيامة ، فهذا أحد الذبيحين ، وأما الآخر فإن عبدالمطلب كان تعلق بحلقة باب الكعبة ودعا
الله
عزوجل أن يرزقه عشرة بنين ، ونذر لله عزوجل أن يذبح واحدا منهم متى أجاب الله
دعوته ، فلما بلغوا عشرة قال : قد وفى الله تعالى لي فلافين لله عزوجل فأدخل وده
الكعبة ، وأسهم بينهم ، فخرج سهم عبدالله أبي رسول الله صلىاللهعليهوآله وكان أحب ولده إليه
، ثم أجالها ثانية فخرج سهم عبدالله ، ثم أجالها ثالثة ، فخرج سهم عبدالله فأخذه
وحبسه
وعزم على ذبحه ، فاجتمعت قريش ومنعته من ذلك ، واجتمع نساء عبدالمطلب يبكين
ويصحن ، فقالت له ابنته عاتكة : يا أبتاه اعذر فيما بينك وبين الله عزوجل في قتل
ابنك ، قال : وكيف اعذر يا بنية فإنك مباركة؟ قالت : اعمد على تلك السوائم التي لك
في الحرم فاضرب بالقداح على ابنك وعلى الابل واعط ربك حتى يرضى ، فبعث
عبدالمطلب إلى إبله فأحضرها وعزل منها عشرا ، وضرب بالسهام فخرج سهم عبدالهل ، فما
زال
يزيد عشرا عشرا حتى بلغت مأة؟ فضرب فخرج السهم على الابل ، فكبرت قريش
تكيرة ارتجت لها جبال تهامة ، فقال عبدالمطلب : لا حتى أضرب بالقداح ثلاث مرات
فضرب ثلاثا كل ذلك يخرج السهم على الابل ، فلا كان في الثالثة اجتذبه الزبير
وأبوطالب
وإخواتهما من تحت رجليه ، فحملوه وقد انسلخت جلدة خده الذي كان على الارض وأقبلوا
برفعونه ويقبلونه ويمسحون عنه التراب ، وأمر عبدالمطلب أن تنحر الابل بالحزورة ، ولا يمنع أحد منها ، وكانت مأة ، فكانت لعبد المطلب خمس من السنن أجراها الله
عزوجل
في الاسلام : حرم نساء الآباء على الابناء ، وسن الدية في القتل مأة من الابل ، وكان
يطوف بالبيت سبعة أشواط ، ووجد كنزا فأخرج منه الخمس ، وسمي زمزم حين حفرها
سقاية الحاج ، ولو لا أن عبدالمطلب كان حجة
وأن عزمه على ذبح ابنه عبدالله شبيه بعزم
إبراهيم عليهالسلام
على ذبح ابنه إسماعيل لما افتخر النبي صلىاللهعليهوآله
باللانتساب إليهما لاجل
_________________
أنهما الذبيحان في
قوله (ص) : أنا ابن الذبيحين ، والعلة التي من أجلها دفع الله عز و
جل الذبح عن إسماعيل هي العلة التي من أجلها دفع الذبح عن عبدالله ، وهي كون
النبي والائمة
صلوات الله عليهم في صبيلهما ، فببركة النبي والائمة صلوات الله عليهم
دفع الله الذبح عنهما ، فلم تجر السنة في الناس بقتل أولادهم ، ولو لا ذلك لوجب
على الناس كل
أضحى التقرب إلى الله تعالى ذكره بقتل أولاهم ، كل ما يتقرب الناس به إلى الله عز
وجل من اضحية فهو فداء لاسماعيل إلى يوم القيامة .
٧٠ ـ جا
، ما : المفيد ، عن علي بن بلال المهلبي ، عن
عبدالواحد بن عبدالله بن
يونس ، عن الحسين بن محمد بن عامر ، عن المعلى ، عن العمي ، عن جعفر بن بشير ، عن
سليمان بن سماعة ، عن عبدالله بن القاسم ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله
جعفر بن محمد
عليهماالسلام
، عن أبيه ، عن جده عليهمالسلام
قال : لما قصد أبرهة بن الصباح ملك الحبشة لهدم البيت تسرعت الحبشة فأغاروا عليها فأخذوا سرحا لعبد المطلب بن هاشم ، فجاء عبدالمطلب
فاستأذن عليه فأذن له وهو في قبة ديباج على سرير له : فسلم عليه ، فرد أبرهة
السلام وجعل ينظر
في وجهه فراقه حسنه وجماله وهيبته ، فقال له : هل كان في آبائك مثل هذا النور الذي
أراه لك والجمال؟ قال : نعم أيها الملك كل آبائي كان لهم هذا الجمال والنور
والبهاء ، فقال له أبرهة : لقد فقتم
فخرا وشرفا ، ويحق لك أن تكون سيد قومك ، ثم أجلسه
معه على سريره ، وقال لسائس فيله الاعظم : وكان فيلا أبيض عظيم الخلق ، له نا بان
مرصعان بأنواع الدر والجواهر ، وكان الملك يباهي به ملوك الارض اتيني به ، فجاء
به سائسه وقد زين بكل زينة حسنة ، فحين قابل وجه عبدالمطلب سجد له ، ولم يكن
يسجد لملكه ، وأطلق الله لسانه بالعربية فسلم على عبدالمطلب ، فلما رأى الملك ذلك
ارتاع
_________________
له وظنه سحرا ، فقال
: ردوا الفيل إلى مكانه ، ثم قال لعبد المطلب : فيم جئت؟ فقد
بلغني سخاءك وكرمك وفضلك ، ورأيت من هيبتك وجمالك وجلالك ما يقتضي أن أنظر في
حاجتك ، فسلني ما شئت ، وهو يرى أنه يسأله في الرجوع من مكة ، فقال له عبدالمطلب :
إن أصحابك غدوا
على سرح لي فذهبوا به فمرهم برده علي ، قال : فتغيظ الحبشي
من ذلك ، وقال لعبدالمطلب : لقد سقطت من عيني ، جئتني تسألني في سرحك وأنا قد
جئت لهدم شرفك ، وشرف قومك ، ومكرمكتم التي تتميزون بها من كل جيل وهو
البيت الذي يحج إليه من كل صقع في الارض ، فتركت مسألتي في ذلك وسألتني في
سرحك ، فقال له عبدالمطلب : لست برب البيت الذي قصدت لهدمه ، وأنا رب سرحي
الذي أخذه أصحابك ، فجئت أسألك فيما أنا ربه ، وللبيت رب هو أمنع له من الخلق
كلهم ، وأولى به منهم ، فقال الملك ردوا عليه سرحه ، وانصرف لالى مكة ، وأتبعه
الملك بالفيل ألاعظم مع الجيش لهدم البيت ، فكانوا إذا حملوه على دخول الحرم أناخ
، وإذا تركوه رجع مهرو لا ، فقال عبدالمطلب لغلمانه : اعدوا إلي ابني ، فجئ بالعباس
، فقال : ليس هذا أريد ، ادعوا إلي ابني ، فجئ بأبي طالب فقال : ليس هذا اريد ، ادعوا
إلي ابني فجئ بعبدالله أب النبي صلىاللهعليهوآله
، فلما أقبل إليه قال : اذهب يا بني حتى تصعد
أبا قبيس ، ثم اضرب ببصرك ناحية البحر ، فانظر أي شئ يجئ من هناك ، وخبرني
به ، قال : فصعد عبدالله أبا قبيس فما لبث أن جاء بطير أبا بيل مثل السيل والليل ، فسقط على أبي قبيس ، ثم صار إلى البيت فطاف سبعا ، ثم صار إلى الصفا والمروة فطاف
بهما سبعا ، فجاء عبدالله إلى أبيه فأخبره الخبر ، فقال : انظر يا بني ما يكون من
أمرها
بعد فأخبرني به ، فنظرها فإذا هي قد أخذت نحو عسكر الحبشة ، فأخبر عبدالمطلب بذلك
، فخرج عبدالمطلب وهو يقول : يا أهل مكة اخرجوا إلى العسكر فخذوا غنائمكم ، قال :
_________________
فأتوا العسكر وهم
أمثال الخشب النخرة ، وليس من الطير إلا ما معه ثلاثة أحجار في
منقاره ويديه
يقتل يكل حصاة منها واحدا من القوم ، فلما أتوا على جميعهم انصرف
الطير فلم يرقبل ذلك ولا بعده ، فلما هلك القوم بأجمعهم جاء عبدالمطلب إلى البيت
فتعلق
بأستاره وقال :
يا حابس الفيل ذي المغمس
|
|
حبسته كأنه مكوس
|
في مجلس تزهق فيه الانفس
فانصرف وهو يقول في فرار قريش وجزعهم من
الحبشة :
طارت قريش إذا رأت خميسا
|
|
فظلت فردا لا أرى أنيسا
|
ولا أحس منهم حسيسا
|
|
إلا أخا لي ماجدا نفيسا
|
مسودا في أهله رئيسا.
بيان
: راقه : أعجبه ، قال الفيروزآبادي : المغمس
كمعظم ومحدث : موضع بطريق
الطائف فيه قبر أبي رغال دليل أبرهة ويرجم ، وقال : المكوس كمعظم حمار.
أقول
: روي في كتاب العدد مثله إلا أنه زاد فيه : فحين قابل الفيل وجه عبدالمطلب
سجد له ، ولم يكن سجد لملكه وأطلق الله لسانه بالعربية فسلم على عبدالمطلب وقال
بلسان فصيح : يا نور خير البرية ، ويا صاحب البيت والسقاية ، ويا جد سيد المرسيلن
، السلام على نور الذي في ظهرك ، يا عبدالمطلب معك العز والشرف ، لن تذل ولن تغلب
أبدا ، فلما راى الملك ذلك ارتاع له وظنه سحرا ، فقال : ردوا الفيل إلى مكانه ، ثم
قال
لعبد المطلب : فيم جئت؟ فقد بلغني سخاءك وكرمك وفضلك ، ورأيت من هيبتك وجمالك
وجلالك ما يقتضي أن أنظر في حاجتك ، فسل ما شئت. وساق الحديث إلى آخره .
٧١ ـ فس
( ألم تر ) ألم تعلم يا محمد ( كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ) قال :
_________________
نزلت في الحبشة حين
جاءوا بالفيل ليهدموا به الكعبة ، فلما أدنوه
من باب المسجد
قال له عبدالمطلب : تدري أين يأم بك؟ قال برأسه : لا ، قال : أتوا بك لتهدم كعبة
الله ، أتفعل ذلك؟ فقال برأسه : لا ، فجهدت به الحبة ليدخل المسجد فأبى ، فحملوا عليه
بالسيوف وقطعوه ، ( فأرسل
عليهم طيرا أبابيل ) قال : بعضها على أثر بعض ( ترميهم
بحجارة من سجيل ) قال : كان مع كل طير حجر
في منقاره ، وحجران في مخاليبه
، وكانت ترفوف على رؤوسهم ، وترمى في دماغهم
فيدخل الحجر في دماغهم ، ويخرج
من أدبارهم ، وتنتض
أبدانهم فكانوا كما قال :
( فجعلهم كعصف مأكول ) قال : العصف : التبن ، والمأكول هو الذي يبقى من فضله ، قال الصادق عليهالسلام : وأهل الجدري
من ذلك
الذي أصابهم في زمانهم جدري .
بيان : قال الطبرسي ره : أجمعت الرواة
على أن ملك اليمن الذي قصد هدم
الكعبة هو أبرهة بن الصباح ، وقيل : إن كنيته أبويكسوم ، قال الواقدي : هو صاحب
النجاشي جد النجاشي الذي كان على عهد رسول الله (ص) ، وقال محمد بن إسحاق : أقبل
تبع
حتى نزل على المدينة ، فنزل بوادي قبا فحفر بها بئرا تدعى اليوم ببئر الملك ، قال
: و
بالمدينة إذ ذاك يهود والاوس والخزرج فقاتلوه وجعلوا يقاتلونه بالنهار ، فإذا أمسى
أرسلوا
إليه بالضيافة ، فاستحيى وأراد صلحهم ، فخرج إليه رجل من الاوس يقال له : احيحة
_________________
ابن الجلاح ، وخرج
إليه من اليهود بنيامين القرطي
، فقال له احيحة : أيها الملك
نحن قومك ، وقال بنيامين : هذه بلدة لا تقدر أن تدخلها ولوجهدت. قال : ولم؟ قال : لانها منزل نبي من الانبياء يبعثه الله من قريش ، قال : ثم خرج يسير حتى إذا كان
من مكة على ليلتين بعث الله عليه ريحا قصفت
يديده ورجليه ، وشنجت
جسده ، فأرسل
إلى من معه من اليهود فقال : ويحكم ما هذا الذي أصابني؟ قالوا : حدثت نفسك بشئ؟
قال : نعم ، وذكر ما أجمععليه من هدم البيت ، وإصابة ما فيه ، قالوا : ذاك بيت
الله الحرام ، ومن أراده هلك ، قال : ويحكم وما المخرج مما دخلت فيه؟ قالوا : تحدث نفسك بأن
تطوف به وتكسوه وتهدي له ، فحدث نفسه بذلك فأطلقه الله ، ثم سار حتى دخل مكة
فطاف بالبيت ، وسعى بين الصفا والمروة ، وكسى البيت ، وذكر الحديث في نحره بمكة
وإطعامه الناس ، ثم رجوعه إلى اليمن وقتله وخروج ابنه إلي قيصر واستعانته به
فيما فعل قومه بأبيه ، وإن قيصرا كتب له إلى النجاشي ملك الحبشة وأن النجاشي بعث
معه ستين ألفا ، واستعمل عليهم روز به حتى قاتلوا حمير قتله أبيه ، ودخلوا صنعاء
فملكوها
وملكوا اليمن ، وكان في أصحاب روز به رجل يقال له : أبرهة وهو أبويكسوم ، فقال
لروزبه
أنا أولى بهذا الامر منك ، وقتله مكرا ، وأرضى النجاشي ، ثم إنه بنى كعبة باليمنو
جعل فيها قبابا من ذهب ، وأمر أهل مملكته بالحج إليها يضاهي بذلك البيت الحرام ، وإن رجلا من بني كنانة خرج حتى قدم اليمن فنظر إليها ، ثم قعد فيها ، يعني لحاجة
الانسان ، فدخلها أبرهة فوجدتلك العذرة فيها ، فقال : من اجترء علي بهذا؟ ونصرانيتي
لاهد من ذلك البيت حتى لا يحجه حاج أبدا ، فدعا بالفيل وأذن قومه بالخروج
_________________
ومن اتبعه من أهل
اليمن ، وكان أكثر من تبعه منهم عك
والاشعريون
وخثعم
قال
: ثم خرج يسير حتى إذا كان ببعض طريقه بعث رجلا من بني سليم ليدعو الناس
إلى حج بيته الذي بناه ، فتلقاه رجل من الخمس
من بني كنانة فقتله ، فازداد بذلك
حنقا ، وأحث السير والانطلاق ، وطلب من أهل الطائف دليلا ، فبعثوا معه رجلا من
هذيل
يقال له : نفيل ، فخرج بهم يهديهم حتى إذا كانوا بالمغمس نزلوا وهو من مكة على ستة
أميال ، فبعثوا مقدماتهم إلى مكة. فخرجت قريش عباديد في رؤوس الجبال وقالوا : لاطاقة لنا اليوم بقتلال هؤلاء القوم ، ولم يبق بمكة غير عبدالمطلب بن هاشم أقام
على سقايته ، وغير شيبة بن عثمان بن عبدالدار أقام على حجابة البيت ، فجعل عبدالمطلب يأخذ
بعضادتي الباب ثم يقول :
لا هم إن المرء يمنع رحله فامنع رحالك
|
|
لا يغلبوا بصليبهم ومحالهم عدوا محالك
|
إن يدخلوا البيت الحرام إذا فأمر ما
بدالك
ثم إن مقدمات أبرهة أصابت نعما لقريش
فأصابت فيها مأتي بعير لعبد المطلب
ابن هاشم ، فلما بلغه ذلك خرج حتى أتى القوم ، وكان حاجب أبرهة رجلا من
الاشعرين
، وكانت له بعبدالمطلب معرفة ، فاستأذن له على الملك وقال له : أيها
_________________
الملك جائك سيد قريش
، الذي يطعم إنسها في الحي
، ووحشها في الجبل ، فقال : ائذن له ، وكان عبدالمطلب رجلا جسيما جميلا ، فلما رآه أبويكسوم أجله أن يجلسه
تحته ، وكره أن
يجلسه معه على سريره ، فنزل من سريره فجلس على الارش ، و
أجلس عبدالمطلب معه ، ثم قال : ما حاجتك؟ قال : حاجتي مأتا بعيرلي أصابتها مقدمتك
، فقال أبويكسوم : والله لقد رأيتك فأعجبتني ، ثم تكلمت فزهدت فيك ، فقال : ولم
أيها الملك؟ قال : لاني جئت إلى بيت عزكم ومنعتكم من العرب ، وفضلكم في
الناس ، وشرفكم عليهم ، ودينكم الذي تعبدون ، فجئت لاكسره ، واصيبت لك مأتابعير ، فسألتك عن حاجتك فكلمتني في إبلك ، ولم تطلب إلي في بيتكم ، فقال له عبدالمطلب : أيها الملك إنما اكلمك فيما لي
، ولهذا البيت رب هو يمنعه ، لست أنا منه في
شئ ، فراع ذلك أبا يكسوم ، وأمر برد إبل عبدالمطلب عليه ، ثم رجع وأمست ليلتهم
تلك ليلة كالحة نجومها ، كأنها تكلمهم كلاما لاقترابها منهم ، فأحست نفوسهم
بالعذاب ، وخرج دليلهم حتى دخل الحرم وتركهم ، وقام الاشعريون وخثعم وكسروا رماحهم و
سيوفهم ، وبرءوا إلى الله أن يعينوا على هدم البيت ، فباتوا كذلك بأخبث ليلة ، ثم
أدلجوا
بسحر ، فبعثوا
فيلهم يريدون أن يصبحوا بمكة ، فوجهوه إلى مكة ، فربض ، فضربوه فتمرغ فلم يزالوا كذلك حتى كادوا أن يصبحوا ، ثم إنهم أقبلوا على الفيل
فقالوا : لك الله أن لانوجهك إلى مكة ، فانبعث فوجهوه إلى اليمن راجعافتوجه يهرول
فعطفوه حين رأوه منطلقا حتى إذا ردوه إلى مكانه الاول ربض ، فلما رأوا ذلك عادوا
إلى القسم فلم يزالوا كذلك يعالجونه حتى إذا كان من طلوع الشمس طلعت عليهم الطير
_________________
معها الحجبارة ، فجعلت
ترميهم ، وكل طائر في منقاره حجر ، وفي رجليه حجران ، وإذا
رمت بتلك مضت ، وطلعت اخرى ، فلا يقع حجر من حجارتهم تلك على بطن إلا خرقه ، ولا عظم إلا أوها
وثقبه ، وثاب
أبويكسوم راجعا قد أصابته بعض الحجاره ، فجعل كلما قدم أرضا انقطع له فيها إرب
حتى لاذا انتهى إلى اليمن لم يبق شئ
إلا أباده ،
فلما قدمها انصدع صدره ، وانشق بطنه فهلك ، ولم يصب من خثعم و
الاشعريين أحد ، قال : وكان عبدالمطلب يرتجزويدعو على الحبشة يقول :
يا رب لا أرجو لهم سواكا
|
|
يا رب فامنع منهم حماكا
|
إنهم لم يقهروا قواكا
|
|
حواست جمع كن
|
قال : ولم تصب تلك الحجارة أحدا إلا هلك
، وليس كل القوم أصابت ، وخرجوا
هاربين ، يبتدرون الطريق الذي منه جاءوا ، ويسألون عن نفيل ليدلهم على الطريق .
وقال مقاتل : السبب الذي جر أصحاب الفيل إلى مكة هو أن فئة من قريش خرجوا
تجارا إلى أرض النجاشي ، فساروا حتى دنوا من ساحل البحر ، وفي حقف من أحقافها
بيعة للنصارى تسميها قريش الهيكل ، ويسميها النجاشي وأهل أرضه ما سرخشان ، فنزل القوم فجمعوا حطبا ثم أججوا نارا فاشتووا لحما ، فلما ارتحلوا تركوا النار
كما
هي في يوم عاصف فذهبت الرياح بالنار فاضطرم الهيكل نارا ، فغضب النجاشي لذلك
فبعث أبرهة لهدم الكعب.
_________________
وروى العياشي بإسناده عن هشام بن سالم ،
عن أبي عبدالله عليهالسلام
قال : أرسل الله على
أهل الفيل
طيرا مل الخطاف أو نحوه في منقاره حجر مثل العدسة ، فكان يحاذي
براس الرجل فيرميه بالحجر ، فيخرج من دبره ، فلم تزل بهم حتى أتت عليهم ، قال : فأفلت رجل منهم فجعل يخبر الناس بالقصة ، فبينا هو يخبرهم إذ ابصر طيرا منها ، فقال
: هذا هو منها
، قال : فحاذى به فطرحه على رأسه فخرج من دبره.
وقال عبيد بن عمير : لما أراد الله أن
يهلك أصحاب الفيل بعث عليهم طيرا نشأت من
البحر كأنها الخطاطيف ، كل طير منها معه ثلاثة أحجار ، ثم جاءت حتى صفت على
رؤوسهم ، ثم صاحت والقت ما في أرجلها ومناقيرها ، فما من حجر وقع منها على رجل
إلا خرج من الجانب الآخر ، إن وقع على رأسه خرج من دبره ، وإن وقع على شئ من
جسده خرج من الجانب الآخر.
وعن ابن عباس : قال : دعا الله الطير
الابابيل فأطعاها حجارة سودا عليها الطين ، فلما حاذت بهم رمتهم ، فما بقي أحد منهم إلا أخذته الحكة ، فكان لا يحك إنسان منهم
جلده إلا تساقط لحمه ، قال : وكانت الطير نشأت من قبل البحر ، لها خراطيم الطيور ،
ورؤوس السباع ، لم ترقبل ذلك ولا بعده ، فقال تعالى (
ألم تر
) ألم تعلم (
كيف فعل ربك
بأصحاب الفيل ) الذي قصدوا تخريب الكعبة ، وكان معهم فيل واحد اسمه محمود ، وقيل :
ثمانية
أفيال ، وقيل : ثانا عشر فيلا ، وإنما وحد لانه أراد الجنس ، وكان ذلك في العام
الذي ولد
فيه رسول الله (ص) ، وعليه أكثر العلماء ، وقيل : كان أمر الفيل قبل مولده (ص)
بثلاث
وعشرين سنة ، وقيل : بأربعين سنة
( ألم يجعل كيدهم في تضليل ) أي ضل سعيهم
_________________
حتى لم يصلوا إلى ما
أرادوه بكيدهم ( وأرسل عليهم طيرا أبابيل ) أي أقاطيع يتبع بعضها بعضا
كالابل المؤبلة ، وكانت لها خراطيم كخراطيم الطير ، وأكف كأكف الكلاب ، وقيل : لها أنياب كأنياب السباع ، وقيل : طير خضر لها مناقير صفر ، وقيل : طير سود بحرية
تحمل في مناقيرها وأكفها الحجارة ، ويمكن أن يكون بعضها خضرا ، وبعضها سودا
( ترميهم بحجارة من سجيل ) أي تقذفهم تلك الطير بحجاره صلبة شديدة ، وقال موسى
ابن عايشة : كانت أكبر من العدسة ، وأصغر من الحمصة .
وقال البيضاوي ( من سجيل ) من طين متحجر
، معرب سنلا لال ، وقيل : من السجل ، وهو الدلو الكبير ، أو الاسجال وهو اللارسال ، أو من السجل ومعناه من
جملة
العذاب المكتوب المدون.
( فجعلهم كعصف مأكول ) كورق زرع وقع فيه
الاكال وهو أن يأكله الدود أو
اكل حبه فبقي صفرا منه ، أو كتبن أكلته الدواب وراشته .
٧٢ ـ كنز
الكراجكى : عن الحسين بن عبيدالله الواسطي ، عن
التلعكبري ، عن
محمد بن همام وأحمد بن هوذة جميعا ، عن الحسن بن محمد بن جمهور ، عن أيه ، عن
الحسن بن
محبوب ، عن عبدالرحمن بن الحجاج ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي عبدالله ، عن آبائه
عليهمالسلام
قال : لما ظهرت الحبشة باليمن وجه يكسوم ملك الحبشة بقائدين من قواده ، يقال لاحدهما : أبرهة ، والآخر أرباط ، في عشرة من الفيلة ، كل فيل في عشرة آلاف
لهدم بيت الله الحراك ، فلما صاروا ببعض الطريق وقع بأسهم بينهم ، واختلفوا فقتل
أبرهة
أرباط واستولى على الجيش ، فلما قارب مكمة طرف أصحابه عيرا لعبد المطلب بن هاشم ، فصار عبدالمطلب إلى أبرهة ، وكان ترجمان أبرهة والمستولي عليه ابن داية لعبد
المطلب ، فقال الترجمان لابرهة : هذا سيد العرب وديانها فأجله وأعظمه ، ثم قال لكاتبه : سله
ما حاجته؟ فسأله فقال : إن أصحاب الملك طردو الي نعما ، فأمر بردها ، ثم أقبل على
_________________
الترجمان فقال : قل
له : عجبا لقوم سودوك ورء سوك
عليهم حيث تسألني في عير لك
وقد جئت لاهدم شرفك ومجدك ، ولو سالتني الرجوع عنه لفعلت ، فقال : أيها الملك
إن هذه العير لي وأنا ربها ، فسألتك إطلاقها ، وإن لهذه البنية ربا يدفع عنها ، قال
: فإني عاد
لهدمها حتى أنظر ماذا يفعل ، فلما انصرف عبدالمطلب رحل ابرهة بجيشه
فإذا هاتف يهتف في السحر الاكبر : يا أهل مكة أتاكم أهل عكة بجحفل جرار يملا
الاندار ملا الجفار ، فعليهم لعنة الجبار ، فأنشأ عبدالمطلب يقول شعر .
أيها الداعي لقد أسمعتني
|
|
كل ما قلت ومابي من صمم
|
إن للبيت لربا مانعا
|
|
من يرده باثام يصطلم
|
رامه تبع في أجناده
|
|
حمير والحي من آل إرم
|
هلكت بالبغي فيهم جرهم
|
|
بعد طسم وحديس وجشم
|
وكذلك الامر فيمن كاده
|
|
ليس أمر الله بالامر الامم
|
نحن آل الله فيما قد خلا
|
|
يزل ذاك على عهد إبرهم
|
نعرف الله وفينا شيمة
|
|
صلة الرحم ونوفي بالذمم
|
لم يزل لله فينا حجة
|
|
يدفع الله بها عنها النقم
|
ولنا في كل دور كرة
|
|
نعرف الدين وطورا في العجم
|
_________________
فإذا ما بلغ الدور إلى
|
|
منتهى الوقت أتى الطين فدم
|
بكتاب فصلت آياته
|
|
فيه تبيان أحاديث الامم
|
فلما أصبح عبدالمطلب جمع بنيه وأرسل
الحارث ابنه الاكبر إلى أعلى أبي قبيس
فقال : انظر يا بني ماذا يأتيك من قبل البحر فرجع فلم ير شيئا ، فأرسل واحدا بعد
آخر
من ولده فلم يأته أحد منهم عن البحر بخبر ، فدعا عبدالله وإنه لغلام حين أيفع ، وعليه
ذؤابة تضرب إلى عجزه ، فقال : اذهب فداك أبي وامي ، فاعل أبا قبيس فانظر ماذا ترى
يجئ من البحر ، فنزل مسرعا فقال : يا سيد النادي رأيت سحابا من قبل البحر
مقبلا ، يستفل تارة ، ويرتفع اخرى ، إن قلت غيما قلته ، وإن قلت جهاما خلته ، يرتفع
تارة ، وينحدر أخرى ، فنادى عبدالمطلب يا معشر قريش ادخلوا منازلكم ، فقد أتاكم
الله
بالنصر من عنده ، فأقبلت الطير الابابيل في منقار كل طائر حجر ، وفي رجليه حجران ،
فكان الطائر الواحد يقتل ثلاثة من أصحاب أبرهة ، كان يلقي الحجر في قمة رأس
الرجل فيخرج من دبره ، وقد قص الله تبارك وتعالى نبأهم في كتابه فقال سبحانه ( ألم تر
كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ) السورة ، السجيل : الصلب من الحجارة.
والعصف : ورق الزرع. ومأكول يعني كأنه قد اخذ ما فيه من الحب فأكل وبقي لا حب فيه ، وقيل : إن الحجارة كانت إذا وقعت على رؤوسهم وخرجت من أدبارهم بقيت أجوافهم فارغة
خالية حتى يكون الجسم كقشر الحنظلة .
بيان : قال الجوهري : العكة بالضم : آنية
السمن ، ورملة حميت عليها الشمس ، وفورة الحر. وعكة اسم بلد في الثغور. والجحفل : الجيش. والاندر : البيدر. ولعل
فيه تصحيفا
والجفار جمع جفر وهو من أولاد الشاة ما عظم ، وجمع جفرة وهي جوف الصدر ، وسعة في الارض مستديرة. والامم محركة : اليسير. والفدم : الاحمر المشبع حمرة ، ولعله
_________________
هنا كناية عن الدم ،
والجهام : الحساب لاماء فيه.
٧٣ ـ ع
: ابن المتوكل ، عن السعد آبادي ، عن
البرقي ، عن ابن محبوب ، عن جميل بن
صالح ، عن أبي مريم ، عن أبي جعفر عليهالسلام
في قوله ( وأرسل عليهم طيرا
أبابيل * ترميهم بحجارة من
سجيل )
فقال : هؤلاء أهل مدينة كانت على ساحل البحر إلى المشرق فيما بين اليمامة والبحر
بن ، يخيفون السبيل ، ويأتون المنكر ، فأرسل عليهم طيرا جاءتهم من قبل البحر رؤوسها
كأمثال
رووس السباع ، وأبصارها كأبصار السباع
، مع كل طير ثلاثة أحجار : حجران في
مخاليبه
، وحجر في منقاره ، فجعلت ترميهم بها حتى جدرت أجسادهم ، فقتلهم الله
عزوجل بها ، وما كانوا قبل ذلك رءوا شيئا من ذلك الطير ولا شيئا من الجدري ، ومن
أفلت منهم انطلقوا حتى بلغوا حضر موت وادي باليمن أرسل الله عزوجل عليهم سيلا
فغرقهم ولارءوا في ذلك الوادي ماء قبل ذلك ، فلذلك سمي حضر موت حين ماتوا فيه .
بيان : هذا حديث غريب مخالف لما مر ، لم أره إلا من هذا الطريق ، ويمكن أن
تكون السورة إشارة إلى الواقعتين معا ، ويحتمل أن يكون الذي ن أرادوا البيت هؤلاء
القوم ، وسيأتي الخبر من الكافي بهذا السند
بوجه آخر لا يخالف شيئا من الاخبار .
٧٤ ـ ك
: ابن موسى ، عن ابن زكريا القطان ، عن محمد بن إسماعيل ، عن عبدالله
ابن محمد ، عن أبيه ، عن الهيثم بن عمرو المغربي ، عن إبراهيم بن عقيل الهذلي ، عن
عكرمة ، عن ابن عباس قال كان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة لا يجلس عليه
أحد إلا هو ، إجلالا له ، وكان بنوه يجلسون حوله حتى يخرج عبدالمطلب ، فكان
رسول الله صلىاللهعليهوآله
يخرج وهو غلام صبي فيجئ حتى يجلس على الفراش ، فيعظم ذلك
_________________
أعمامه ويأخذونه ليؤخروه فيقول لهم عبدالمطلب
إذا راى ذلك منهم : دعوا ابني ، فوالله
إن له لشأنا عظيما ، إني أرى أنه سيأتي عليكم يوم وهو سيدكم ، إني أرى غرته
غرة تسود الناس ، ثم يحمله فيجلسه معه ، ويمسح ظهره ويقبله ، ويقول : ما رايت قبلة
أطيب منه ، ولا أطهر قط
، ولا جسدا ألين منه ولا أطيب ، ثم يلتفت
إلى أبى طالب
وذلك أن عبدالله وأبا طالب لام واحدة فيقول : يا أبا طالب إن لهذا الغلام لشأنا
عظيما فاحفظه واستمسك به ، فإنه فرد وحيد ، وكن له كالام لا يصل إليه شئ يكرهه ، ثم يحمله على عنقه فيطوف به اسبوعا ، وكان عبدالمطلب قد علم أنه يكره اللات والعزى
فلا يدخله عليهما ، فلما تمت له ست سنين ماتت امه آمنة بالابواءبين المكة والمدينة
، وكانت قدمت به على أخواله من بني عدي ، فبقي رسول الله صلىاللهعليهوآله يتيما لا أب له ولا
أم
فازداد عبدالمطلب له رقة وحفظا ، وكانت هذه حاله حتى أدرك عبدالمطلب الوفاة فبعث
إلى أبي طالب ومحمد على صدره وهو في غمرا الموت وهو يبكي ، ويلتفت إلى أبي طالب
ويقول : يا أبا طالب انظر أن تكون حافظا لهذا الوحيد الذي لم يشم رائحة أبيه ، ولم
يذق شفقة امه ، انظر يا أبا طالب أن يكون من جسدك بمنزلة كبدك ، فإني قد تركت
بني كلهم وأوصيتك به لانك من ام أبيه ، يا أبا طالب إن أدركت أيامه تعلم
أني كنت من أبصر الناس به ، وأنظر الناس وأعلم
، فإن استطعت أن تتبعه فافعل
وانصره بلسانه ويدك ومالك ، فإنه والله سيسودكم ويملك ما لم يملك أحد من بني
آبائي ، يا أبا طالب ما أعلم أحدا من آبائك مات عنه أبوه على حال ابيه ، ولا امه
على
حال امه ، فاحفظه لوحدته ، هل قبلت وصيتي؟ قال : نعم قد قبلت والله علي بذلك
_________________
شاهد ، فقال عبدالمطلب : فمد يدك إلي ، فمد
يده فضرب بيده إلى يده ، ثم قال عبدالمطلب : الآن خفف علي الموت ، ثم لم يزل يقبله ويقول : أشهد أني لم اقبل أحدا من ولدي
أطيب ريحا منك ، ولا أحسن وجها منك ، ويتمنى أن يكون قد بقي حتى يدرك زمانه ، فمات عبدالمطلب وهو ابن ثمان سنين ، فضمه أبوطالب إلى نفسه لا يفارقه ساعة من ليل
ولانهار ، وكان ينام معه حتى بلغ لا يأمن
عليه أحدا .
٧٥ ـ ك
: أحمد بن محمد بن الحسين ، عن محمد بن يعقوب الاصم ، عن أحمد بن
عبدالجبار العطاردي ، عن يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق بن بشار الهذلي ، عن العباس بن عبدالله بن سعيد ، عن بعض أهله قال : كان يوضع لعبد لمطلب جد رسول
الله صلىاللهعليهوآله
فراش في ظل الكعبة ، وكان لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالا له ، وكان
رسول الله (ص) يأتي حتى يجلس عليه ، فيذهب
أعمامه ليؤخروه فيقول جده عبدالمطلب : دعوا ابنى ، فيمسح على ظهره ويقول : إن لابني هذا لشأنا ، فتوفي عبدالمطلب والنبي
صلىاللهعليهوآله
ابن ثمان سنين بعد الفيل بثمان سنين .
٧٦ ـ ك
: أحمد بن محمد الصائغ ، عن محمد بن أيوب ، عن صالح بن أسباط ، عن
إسماعيل بن محمد ، وعلي بن عبدالله ، عن الربيع بن محمد السلمي ، عن سعد بن طريف ، عن الاصبغ بن نباته قال : سمعت أميرالمؤمنين عليهالسلام
يقول : والله ما عبد أبي ولا جدي
عبدالمطلب ولا هاشم ولا عبدمناف صنما قط ، قيل : فما كانوا يعبدون؟ قال : كانوا
يصلون
إلى البيتعلى دين إبراهيم عليهالسلام
متمسكين به .
_________________
٧٧ ـ يج
: من معجزات النبي صلىاللهعليهوآله
أن أبرهة بن يكسوم قاد الفيلة إلى بيت الله
الحرام ليهدمه قبل مبعثه ، فقال عبدالمطلب لابرهة وقد حضره بعد أن عظم شأنه لسؤاله
بعيره : إن لهذا البيت ربا يمنعه ، ثم رجع إلى أهل مكة فدعا عبدالمطلب على أبي
قبيس
وأهل مكة قد صعدوا وتركوا مكة ، ثم قال لابي طالب : اخرج وانظر ماذا ترى في
السمآء ، فرجع قال : طيورا لم تكن في ولايتنا ، وقد أخبره سيف بن ذي يزن وغيره به
، فأرسل الله عليهم طيرا أبابيل ودفعهم عن مكة وأهلها .
٧٨ ـ قب
: لما قصد أبرهة بن الصباح لهدم الكعبة
أتاه عبدالمطلب ليستردمنه
إبله ، فقال : تعلمني في مأة بعير ، وتترك دينك ودين آبائك وقد جئت لهدمه؟ فقال
عبدالمطلب : أنا رب الابل ، وإن للبيت ربا سيمنعه منك ، فرد إليه إبله ، فانصرف
إلى
قريش فأخبرهم الخبر ، وأخذ بحلقة الباب قائلا :
يا رب لا أرجو لهم سواكا
|
|
يا رب فامنع منهم حماكا
|
إن عدو البيت من عاداكا
|
|
امنعهم أن يخربوا قراكا
|
وله أيضا :
لا هم إن المرء يمنع رحله فامنع رحالك
|
|
لا يغلبن صليبهم ومحالهم عدوا محالك
|
فانجلى نوره على الكعبة فقال لقومه : انصرفوا
، فوالله ما انجلى من جبيني هذا النور
إلا ظفرت ، والآن قد انجلى عنه ، وسجد الفيل له ، فقال للفيل : يا محمود ، فحرك
الفيل
رأسه ، فقال له : تدري لم جاءوا بك؟ فقال الفيل برأسه : لا ، فقال : جاموا بك
لتهدم بيت
ربك ، أفتراك فاعل ذلك؟ فقال الفيل برأسه : لا .
بيان : المحال بالكسر : الكيد والقوة.
بيان : المحال بالكسر : الكيد والقوة.
_________________
٧٩ ـ قب
: عكرمة قال : كان يوضع فراش لعبد المطلب في ظل الكعبة ، ولا يجلس
عليه أحد إجلالا له ، وكان بنوه يجلسون حوله حتى يخرج ، فكان رسول الله صلىاللهعليهوآله يجلس
عليه فيأخذه أعمامه ليؤخروه ، فيقول لهم عبدالمطلب : دعوا ابني ، فوالله إن له
لشأنا
عظيما ، إني أرى أنه سيأتي عليكم وهو سيدكم ، ثم يحمله فيجلسه معه ويمسح ظهره
ويقبله ويصويه إلى ابي طالب .
٨٠ ـ فض
: قال
الواقدي : كان في زمان عبدالمطلب رجل يقال له : سيف بن
ذي يزن ، وكان من ملوك اليمن ، وقد أنفذ ابنه إلى مكة واليا من قبله ، وتقدم إليه
باستعمال
العدل والانصاف ففعل ما أمره به أبوه ، ثم إن عبدالمطلب دعا برؤساء قريش مثل عتبة
ابن ربيعة ، ومثل الوليد بن المغيره ، وعقبة بن أبي معيط ، وامية بن خلف ، ورؤساء
بني هاشم ، فاجتمعوا في دار الندوة
، فلما قعدوا وأخذوا مراتبهم فتكلم عبدالمطلب وقال : اعلموا أني
قد دبرت تدبيرا ، فقال المشايخ : وما دبرت يا رئيس قريش وكبير بني هاشم؟ فقال : يا
قوم
إنكم تحتاجون أن تخرجوا معي نحو سيف بن ذي يزن لتهنيته في ولايته وهلاك عدوه
ليكون أرفق بنا ، وأميل إلينا ، فقالوا له بأجمعهم : نعم ما رأيت ، ونعم ما دبرت ،
قال : فخرج عبدالمطلب ومعه سبعة وعشرون رجلا على نوق جياد نحو اليمن ، فلما وصلوا إلى
سيف بن ذي يزن بعد أيام سألوا عن الوصول إليه ، قالوا لهم : إن الملك في القصر الوردي
، وكان من عاداته
في أوان الورد أن يدخل قصر غمدان ، ولا يخرج إلا بعد نيف وأربعين
يوما ، ولا يصل إليه ذوحاجة ولا ئائر ، وأنتم قصدتم الملك في أيام الورد ، فذهب
عبدالمطلب
_________________
إلى باب بستانه ، وكان
لقصر غمدان في وسط البستان أبواب ، وكان لهذا البستان باب
يفتح إلى البرية ، وقد وكل بذلك البستان بوابا واحدا ، فقال عبدالمطلب لاصحابه : لعلنا يتهيئ لنا الدخول بحيلة ، ولا يتهيئ إلا هي ، فقال القوم : صدقت ، قال
الواقدي : ثم إن عبدالمطلب نزل وأخذ نحو الباب ، فنظر إلى البواب وسلم عليه ، فقال له : يا
بواب
دعني أن أدخل هذا البستان ، فقال البواب : واعجبا منك! ما أقل فهمك ، وأضعف
رأيك؟ أمصروع أنت؟ فقال له عبدالمطلب : ما رأيت من جنوني؟ فقال له البواب : ما
علمت
أن سيف بن ذي يزن في القصر مع جواريه وخدمه قاعدا فإن بصر بك في بستانه أمر
بقتلك ، وإن سفك دمك عنده أهون من شربة ماء ، فقال له عبدالمطلب : دعني أدخل
ويكون من الملك إلي ما يكون ، فقال له البواب : يا مغلوب العقل إن الملك في القصر
وعيناه للباب والبواب ، إنه قدر ما يرمق
أن يأمر بقتلك ، فقال عقيل بن أبي وقاص : يا أبا الحارث أما علمت أن المصابيح لا تضئ إلا بالدهن؟ فقال عبدالمطلب : صدقت ، قال
الواقدي : ثم إن عبدالمطلب دعا بكيس من أديم فيه ألف دينار ، وقال : بعد أن صب
الكيس بين يدي البواب يا هذا إن تركتني أدخل البستان جعلت هذا يري إليك ، فاقبل صلتي ، وخل سبيلي ، فلما نظر البواب إلى الدرهم خرمبهوتا وقال له البواب : يا شيخ إن دخلت ونظر إليك وسألك عن كيفية دخولك ما أنت قائل؟ قال عبدالمطلب : أقول له : كان البواب نائما وشرط عليه عبدالمطلب أن لا يكذبه إن دعاه الملك
للمسألة
فيقول : غفوت
وليس لي بدخوله علم ، قال : نعم؟ فقال عبدالمطلب : إن كذبتني في
هذا صدقت الملك عن الصلة التي وصلتك بها ، فقال له البواب : ادخل يا شيخ ، فدخل
عبدالمطلب البستان ، وكان قصر غمدان في وسط الميدان والبستان كأنه جنة من الجنان ،
قد حف بالورد والياسمين وأنواع الرياحين والفواكه ، وفيه أنهارا جارية وسطه ، وإذا
سيف بن ذي يزن قد اتكأ على عمود المنظرمة من قصره ، فلما نظر إلى عبدالمطلب غضب
_________________
وقال لغلمانه : من
ذا الذي دخل علي بغير إدني؟ ايتوني به سرعا ، فسعى إليه الغلمان
والخدم فاختطفوه من البستان ، فلما دخل عبدالمطلب عليه راى قصرا مبنيا على حجر ، مطلى بطلاء الوردي ، منقشا بنقش اللازوردي ، وورد على أمثال الورد ، ورأى عن يمين
الملك وعن شماله وبين يديه من الجواري ما لا عدد لهن ، ورأى بقرب الملك عمودا من
عقيق
أحمر ، وله راس من ياقوب أزرق ، مجوف محشى بالمسك ، ورأى عن يساره تورا من
ذهب أحمر ، وعلى فخذه سيف نقمته مكتوب عليه بماء الذهب. شعر :
رب ليث مدجج كان يحمي
|
|
ألف قرن منغمد الاغمادي
|
وخميس ملفف بخميس
|
|
بدد الدهر جمعهم في البلاد
|
قال الواقدي : فوقف عبدالمطلب بين يديه
ولم يتكلم له الملك ولا عبدالمطلب حتى
كرع الملك في التور الذي بين يديه ، فلما فرغ من شربه نظر إليه وكان سيف قد شاهد
عبدالمطلب قبل هذا ، ولكنه انكره حتى استنطقه ، فقال له الملك : من الرجل؟ فقال
أنا
عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن مضر بن نزار بن معد بن
عدنان ، حتى بلغ آدم عليهالسلام
، فقال له الملك : أنت ابن اختي؟ فقال : نعم أيها الملك
أنا ابن اختك ، وذلك أن سيف بن ذي يزن كان من آل قحطان ، وآل قحطان من الاخ ، وآل إسماعيل من الاخت ، فعلم سيف بن ذي يزن أن عبدالمطلب ابن اخته ، فقال سيف : أهلا وسهلا وناقة ورحلا ، ومد الملك يده إلى عبدالمطلب ، وكذلك عبدالمطلب إلى نحو
الملك ، فأمره الملك بالقعود وكناه بأبي الحارث ، أنتم معاشر أهل الشار ، رجال
الليل
والنهار ، وغيوث الجدب والغلاء ، ليوث الحرب بضرب الطلا ، ثم قال : يا أبا الحارث
فيم جئت؟ فقال له عبدالمطلب : نحن جيران بيت الله الحرام ، وسدنة البيت ، وقد جئت
إليك وأصحابي بالباب لنهئك بولايتك وما فوضه الله تعالى م نالنصر لك وأجراه على
يديك من هلاك عدوك ، فالحمد لله الذي نصرك ، وأقر عينيك ، وأفلج حجتك ، وأقر
_________________
عيوننا بخذلان عدوك
، فأطال الله تعالى في سوابغ نعمه مدتك ، وهنأك بما منحك ، ووصلها بالكرامة الابدية ، فلا خيب دعائي فيك أيها الملك ، ففرح سيف بدعائه واستقر
له بالمحبة بما سمع من تهنيته ، ثم أمره أن يصير هو ومن معه بالباب من أصحابه إلى
دارالضيافة إلى أن يؤمر
بإحضارهم بعد هذا اليوم إلى مجلسه ، فمضى وحجابه وخدمه
بين يديه إلى حيث أمرهم ، وخرج عبدالمطلب واستوى على جمله وأتبعه أصحابه وبين
يديه غلمان الملك وحوله حتى أنزلوه وأصحابه الدار ، وبالغوا بالتوصية به وبأصحابه
، فأمر الملك أن يجري عليهم في كل يوم ألف درهم بيض ، فبقي عبدالمطلب في دار الضيافة
سريرا حتى تصرمت
أيام الورد ، فلما كان في اليوم الذي أراد فيه مجلسه للتسليم
عليه والنظر في أمره ذكر عبدالمطلب في شطر من ليلته فأمر بإحضاره وحده ، فدخل
عليه الرسول فأمره وأعلمه بمراد الملك منه ، فقام معه إليك ، فإذا الملك في مجلسه
وحده ، فقال لخدمه : تباعدوا عنا ، فلم يبق في المجلس غير الملك وعبدالمطلب ، وثالثهم رب
العزة
تبارك وتعالى ، فقال له الملك : يا أبا الحارث ، إن من آرائي أن افوض إليك علما
كنت
كتمته عن غيرك ، وأريد أن أضعه عندك ، فإنك موضع ذلك ، وأريد أن تطويه وتكتمه
إلى أن يظهره الله تعالى ، فقال عبدالمطلب : السمع والطاعة للملك ، وكذا الظن بك
فقال الملك : اعلم يا أبا الحارث إن بأرضكم غلاما حسن الوجه والبدن ، جميل القد
والقامة ، بين
كتفيه شامة
، المبعوث من تهامة ، أنبت اله تعالى على رأسه شجرة النبوة ، وظللته الغمامة ، صاحب الشفاعة يوم القيامة ، مكتوب بخاتم النبوة على كتفيه سطران : لا إله إلا الله
، والثاني
محمد رسول الله ، والله تعالى أمات امه وأباه ، وتكون تربيته على جده وعمه ، وإني
وجدت في كتب بني إسرائيل صفته أبين وأشرح من القمر بين الكواكب ، وإني
أراك جده ، فقال عبدالمطلب : أنا جده أيها الملك ، فقال الملك : مرحبا بك وسهلا يا
أبا الحارث ، ثم قال له الملك : اشهدك على نفسي يا أبا الحارث إني مؤمن به وبما
يأتي
_________________
به من عند ربه ، ثم
تأوه سيف ثلاث مرات بأن يراه فكان ينصره وينظره ، يتعجب
منه الطير في الهواء ، ثم قال : يا أبا الحارث عليك بكتمان ما ألقيت عليك ، ولا
تظهره إلى
أن يظهره الله تعالى ، فقال عبدالمطلب : السمع والطاعة للملك ، ونظر عبدالمطلب في
لحية سيف بن ذي يزن سوادا وبياضا ، وخرج من عنده وقد وعده في الحباء في غد لير
حلوا
إلى أرض الحرم إن شاء الله تعالى ، فلما رجع إلى أصحابه وجدهم وجلين شاحبين وقد
أكثروا الفكر فيه حين دعاه الملك في مثل ساعه التى دعاه فيها ، فقالوا له ، ما كان
يريد
الملك منك؟ قال عبدالمطلب : يسألني عن رسوم مكة وآثارها ، ولم يخبر عبدالمطلب
أحدا بما كان بينه وبين الملك ، وغدا عليهم رسول اللملك من غد يحضرهم مجلسه
فتطيبوا
وتزينوا ودخلوا القصر ، وعبدالمطلب يقدمهم ، فدخلوا عليه فنظر عبدالمطلب فإذا
برأسه
ولحيته حالكا ، فقال له عبدالمطلب : إني تركتك أبيض اللحية فما هذا؟ فقال له الملك
: إني أستعمل الخضاب ، فقال أصحاب عبدالمطلب : إن رأى الملك أن يرانا أهلا لذلك
الخضاب فليفعل ، قال فأمر الملك أن يؤخذ بهم إلى الحمام ، وكان القوم بيض الرؤوس
واللحاء ، فخضبوا هناك فخرجوا ولشعورهم بريق كأسود ما يكون من الشعر ، ويقال : إن
سيفا أول من خضب رأسه ولحيته.
قال الواقدي : ثم إن الملك أمر لكل واحد
منهم ببدرة بيض ، فحمل كل واحد
منهم على دابة وبغل ، وأمر لكل واحد منهم بجارية وغلام وبتخت ثياب فاخرة ، ولعبد المطلب بضعفي ما وهب لهم ، ثم دعا الملك بفرسه العقاب وبغلته الشهباء وناقته
العضباء
وقال يا أبا الحارث : إن الذي اسلمه إليك
أمانة في عنقك تحفظها إلى
_________________
أن تسلمها إلى محمد (ص)
إذا بلغ مبلغ الرجال فقال له : اعلم أني ما طلبت على ظهر هذه
الفرس شيئا إلا وجدته ، وما قصدني عدو وأنا راكب عليها إلا نجاني الله تعالى منه ،
وأما
البغلة فإني كنت أقطع بها الدكداك والجبال لحسن سيرها ، ولا أنزل عنها ليلي ونهاري
، فامره أن يتحفظ ويجعلها لي تذكرة ، وبلغه عني التحية الكثيرة ، فقال عبدالمطلب : السمع والطاعة لامر الملك ، ثم ودعوه وخرجوا نحو الحرم حتى دخلوا مكة ، فوقعت
الصيحة في البلد بقدومهم ، فخرج الناس يستقبلونهم ، وخر جأولاد عبدالمطلب وقعد
البني
على صخرة وقد ألقى كمه على وجهه لئلا تناله الشمس حتى تقارب عبدالمطلب ، فنظر
أولاده إليه وقالوا : يا أبانا خرجت إلى اليمن شيخا ورجعت شابا ، قال : نعم أيها
الفتيان
ساخبركم بماذكرتم ، ثم قال لهم : أين سيدي محمد؟ فقالوا : إنه قعد في بعض الطريق
ينتظركم ، ثم إن عبدالمطلب سار نحوه حتى وصل إليه مع أصحابه ، فنزل عن مركوبه
وعانقه وقبل ما بين عينيه ، وقال له : إن هذا الفرس والبغلة والناقة أهداها إليك
سيف بن
ذي يزن ، ويقرء عليك التحية الطيبة ، ثم أمر أن يحمل رسول الله صلىاللهعليهوآله على الفرس ، فلما استوى النبي صلىاللهعليهوآله
على ظهر الفرس انتشط وصهل صهيلا شديدا فرحا برسول الله
صلىاللهعليهوآله
، ونسب هذا الفرس إنه عقاب بن ينزوب بن قابل بن بطال بن زاد الراكب بن
الكفاح بن الجنح بن موج بن ميمون بن ريح ، أمر الله تعالى قال : كن ، فكان بأمره.
قال الواقدي : وأخذ ابوطالب بلجام فرسه
، وحف برسول (ص) أعمامه ، فقال
(ص) : خلوا عني فإن ربي يحفظني ويكلاني
، فخلوا عنه ، فدخل النبي صلىاللهعليهوآله
إلى مكة على حالته ، فشاع خبره في قريش وبني هاشم ، فتعجب من أمره الخلق ، وبقي
البني صلىاللهعليهوآله
فرحا مسرورا عند عبدالمطلب.
قال الواقدي : ودب النبي (ص) ودرج وأتى
عليه ثمان سنين وثمانية أشهر وثمانية
أيام فعندها اعتل عبدالمطلب علة شديدة فأمر أن يحمل سريره إلى عند البيت الحرام ، وينصب هناك عند أستار الكعبة ، وكان لعبدالمطلب سرير من خيزران أسود ورثه من جده
عبد مناف ، وكان السرير له شبكات من عاج وآبنوس وصندل وعود أحسن ما يكون إحكاما
_________________
وهيئة ، وأمر
عبدالملطب أن يزين السرير بألوان الفرش والديباج الرقاق ، وأمر أن ينصب
فوق سريره فسطاط من ديباج أحمر ، ففعل ذلك ، وحمل عبدالمطلب إلى بيت الله الحرام
ونام على ذلك السرير المزين ، وقعد حوله أولاده ، وكان له من البنين عشرة أنفس ، فمات
منهم عبدالله ، وبقى بعده تسعة أنفس شجعان يعد كل واحد منهم بألف ، وقعدوا حوله
وحفوا
بعبد المطلب يبكون ودموعهم تتقاطر كالمطر ، وقعد النبي صلىاللهعليهوآله واجتمعت عند
عبدالمطلب
بطون العرب وكبار قريش مصطفون
، ما منهم أحد إلا وعيناه تهملان بالدموع ، فعند ذلك ظهر أبولهب لعنه الله وأخزاه وأخذ برأس رسول الله صلىاللهعليهوآله لينحيه عن
عبدالمطلب
فصاح عبدالمطلب وانتهره
، وقال له : مه يا عبدالعزى أنت من عداوتك لاتنفك من
إظهارك ببغضك لولدي محمد ، اقعد مكانك وأمسك
عنه ، وقام أبولهب وقعد عند رجل
عبدالمطلب خجلا مخذولا ، لان أبالهب كان من الفراعنة المبغضين لرسول الله صلىاللهعليهوآله ، ثم مال عبدالمطلب أرفق منه برسول الله صلىاللهعليهوآله
ولا أميل منه ، ثم أنشأ يقول شعر
:
اوصيك يا عبد مناف بعدي
|
|
بموحد بعد أبيه فردى
|
فارقه وهو ضجيع المهدي
|
|
فكنت كالام له في الوجدي
|
قد كنت ألصقه الحشى والكبدي
|
|
حتى إذا خفت فراق الوحدي
|
اوصيك أرجى أهلنا بالرفدي
|
|
يابن الذي غيبته في اللحدي
|
بالكره مني ثم لا بالعمدي
|
|
وخيرة الله يشاء في العبدي
|
ثم
قال عبدالمطلب : يا أبا طالب إنني القي إليك بعد وصيتي ، قال أبوطالب : ما هي؟ قال : يا بني اوصيك بعدي بقرة عيني محمد (ص) وأنت تعلم محله مني ، ومقامه
لدي ، فأكرمه بأجل الكرامة ، ويكون عندك ليله ونهاره ومادمت في الدنيا ، الله ثم الله في
حبيبه ، ثم
_________________
قال لاولاده : اكرموا
وجللوا محمدا صلىاللهعليهوآله
، وكونوا عند إعزازه وإكرامه ، فسترون منه
أمرا عظيما عليا ، وسترون آخر أمره ما أنا أصفه لكم عند بلوغه ، فقالوا بأجمعهم : السمع
والطاعة يا ابانا نفديه بأنفسنا وأموالنا ونحن له فدية ، قال أبوطالب : قد أوصيتنا
بمن هو
أفض مني ومن إخواني ، قال : نعم ، ولم يكن في اعمام النبي صلىاللهعليهوآله أرفق من أبي طالب
قديما وحديثا في أمر محمد صلىاللهعليهوآله
، ثم قال : إن نفسي ومالى دونه فداء
انازع معاديه : وأنصر مواليه ، فلا يهمنك أمره.
قال الواقدي : ثم إن عبدالمطلب غمض
عينيه وفتحهما ونظر قريشا وقال : يا
قوم أليس حقي عليكم واجبا؟ فقالوا بأجمعهم : نعم حقك على الكبير والصغير واجب ، فنعم القائد ونعم السائق فبينا كنت ، فجزاك الله تعالى عنا خيرا ، ويهون عليك
سكرات
الموت ، وغفر لك ما سلف م نذنوبك ، فقال عبدالمطلب : اوصيكم بولدي محمد بن عبدالله
صلىاللهعليهوآله
فأحلوه محل الكرامة فيكم وبروه ولا تجفوه ، ولا تستقبلوه بما يكره ، فقالوا
بأجمعهم : قد سمعنا منك وأطعناك فيه ، ثم قال لهم عبدالمطلب : إن الرئيس عليكم من
بعدي الوليد بن المغيرة أبوعبدالشمس بن أبي العاص بن نقية بن عبد شمس بن عبدمناف ، فضجت الخلق بأجمعهم وقالوا : قبلنا أمرك ، فنعم ما رأيته رأيا ، ونعم ما خلفته
فينا بعدك ، وصارت قريش وبنو هاشم تحت ركاب اللويد بن المغيرة ، فعند ذلك تغير وجه عبدالملطب
واخضرت أظافير يديه ورجليه ، وقع على وجنتيه غبار الموت ، يكثر التقلب من جنب إلى
جنب ، ومرة يقبض رجلا ويبسط اخرى ، والخلائق من قريش وبني هاشم حاضرون ، وقد
صارت مكة في ضجة واحدة ، وأراد النبي صلىاللهعليهوآله
أن يقوم من عنده ففتح عبدالمطلب عينيه
وقال : يا محمد تريد أن تقوم؟ قال : نعم ، فقال عبدالمطلب : يا ودي فإني وحق رب
السمآء لفي راحة مادمت عندي ، قال : ففعدالنبي صلىاللهعليهوآله
فما كان إلا عن قليل حتى قضى
نحبه .
_________________
قال الواقدي : ثم قاموا في تغسيله
فغسلوه وكفنوه وحنطوه ، وجعلوه في أعواد
المنايا وحملوه إلى ذيل الصفا ، وما بقي في مكة شيخ ولا شاب ولا حر ولا عبد من
الرجل و
النساء إلا وقد ذهبوا إلى جنازته وعظموها ودفنوه ، فرجع الخلق من جنازته باكين
عليه
لفقده من مكة ، فقالت عاتكة بنت عبدالمطلب ترثي أباها وتقول :
ألا يا عين ويحك فاسعديني
|
|
بدمع واكف هطل غزير
|
على رجل أجل الناس أصلا
|
|
وفرعا في المعالي والظهور
|
طويل الباع أروع شيظميا
|
|
أغر كغرة القمر المنير
|
وقالت صفية ترثي أباها :
أعيني جودا بالدموع السواكب
|
|
على خير شخص من لوي بن غالب
|
أعيني جودا عبرة بعد عبرة
|
|
على الاسد الضرغام محض الضرائب
|
وقالت برة بنت عبدالمطلب تبكي أباها
وترثيه :
أعيني جودا بالدموع الهواطل
|
|
على النحر مني مثل فيض الجداول
|
ولا تسأما أن تبكيا كل ليلة
|
|
ويوم على مولى كريم الشمائل
|
أبا الحارث الفياض ذوالباع والندى
|
|
رئي س قريش كلها في القبائل
|
فأسقى مليك الناس موضع قبره
|
|
بنوء الثريا ديمة بعد وابل
|
_________________
وقالت أروى بنت عبدالمطلب ترثي أباها :
ألاياعين ويحك فاسعديني
|
|
بويل واكف من بعد ويل
|
بدمع من دموعك ذو غروب
|
|
فقد فارت ذا كرم ونبل
|
طويل الباع أروى ذي المعالي
|
|
أبوك الخير وارث كل فضل
|
وقالت آمنة بنت عبدالمطلب تبكي أباها
وترثيه :
بكت عيني وحق لها البكاء
|
|
على سمح السجية والحياء
|
على سمح الخليفة أبطحي
|
|
كريم الخيم ينميه العلاء
|
أقب الكشح أروع ذي اصول
|
|
له المجد المقدم والثناء
|
وكان هو الفتى كرما وجودا
|
|
وبأسا حين يشتبك القناء
|
بيان : قال الجزري : فيه ذكر غمدان ، هو
بضم الغين وسكون الميم : البناء
العظيم بناحية صنعاء اليمن ، قيل : هو من بناء سليمان عليهالسلام انتهى. والمدجج : الذي
دخل في سلاحه. والاغماد جمع الغمد بالكسر وهو جفن السيف ، وغمده يغمده : جعله
في الغمد. وكرع الماء : تناوله بفيه من غير أن يشرب بكفه ولابإناء كما تشرب
البهائم.
والشارة والشيار : الحسن والجمال والهيئة وللباس والزينة. والطلا بالضم : الاعناق.
_________________
ويقال : رجل بر سر
أي يبر ويسر. والحالك : الاسود الشديد السواد. والد كداك
من الرمل : ما التبد منه بالارض ولم يرتفع. والشيظم : الطويل الجسم. والغروب : مجاري الدمع. والخيم بالكسر : السجية والطبيعة لا واحد له من لفظه.
٨١ ـ د
: لما ماتت آمنة ضم عبدالمطلب رسول الله صلىاللهعليهوآله
إلى نفسه وكان يرق
عليه ويحبه ويقر به إليه ويدنيه ، وخرج رسول الله صلىاللهعليهوآله
يوما يعلب مع الغلمان حتى
بلغ الردم
فرآه قوم من بني مدلج
فدعوه فنظروا إلى قدميه وإلى أثره ، ثم خرجوا
في أثره فصادفوا عبدالمطلب قد اعتنقه ، فقالوا له : ما هذا منك؟ قال : ابني ، قالوا
: احتفظ به فإنا لم نرقدما أشبه بالقدم التي في المقام منه ، فقال عبدالمطلب لابى
طالب : اسمع ما يقول هذا ، فكان أبوطالب يحتفظ به .
٨٢ ـ روى كميل بن سعيد ، عن أبيه قال : حججت في الجاهلية فإذا أنا
برجل
يطوف بالبيت وهو يرتجز ويقول :
يا رب رد راكبي محمدا
|
|
رد إلي واصطنع عندي يدا
|
قال : فقلت : من هذا؟ قيل : هو
عبدالمطلب بن هاشم ، ذهبت إبل له فأرسل ابن
ابنه في طلبها ، ولم يرسله في حاجة قط إلا جاء بها ، وقد احتبس عليه ، قال : فما
برحت
أن جاء النبي صلىاللهعليهوآله
وجاء بالابل ، فقال له : يا بني قد حزنت عليك حزنا لا يفارقني أبدا.
وتوفي عبدالمطلب والنبي صلىاللهعليهوآله
له ثمان سنين وشهران وعشرة أيام ، وكان خلف جنازته
يبكي حتى دفن بالحجون
، فكفله أبوطالب عمه وكان أخا عبدالله لابيه وامه .
_________________
٨٣ ـ كنز الكراجكى
: روي أنه قيللاكثم بن يصيفي وكان حكيم العرب وكان
من المعمرين : إنك لاعلم أهل زمانك وأحكمهم وأعقلهم وأحلمهم ، فقال : وكيف لا
أكون كذلك وقد جالست أبا طالب بن عبدالمطلب دهره ، وعبدالمطلب دهره ، وهاشما
دهره ، وعبدمناف دهره ، وقصيا دهره؟ وكل هؤلاء سادات أبناء سادات فتخلقت بأخلاقهم
وتعلمت من حلمهم ، واقتبست
سوددهم ، واتبعت آثارهم .
٨٤ ـ كا
: محمد بن يحيى ، عن ابن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل ، عن زرارة ، عن أبي عبدالله صلىاللهعليهوآله
قال : يحشر عبدالمطلب يوم القيامة امة وحده
عليه سيماء
الانبياء وهيبة الملوك .
بيان
: قوله عليهالسلام
: امة وحده ، أي إذا حشر الناس فوجا فوجا هو يحشر وحده ، لانه كان في زمانه متفردا بدين الحق من بين قومه. قال في النهاية : في حديث قس
إنه يبعث يوم القيامة امة واحدة ، الامة الرجل المتفرد بدين كقوله تعالى ( إن إبراهيم
كان امة ).
٨٥ ـ كا
: علي ، عن أبيه ، عن الاصم ، عن الهيثم بن واقد ، عن مقرن ، عن أبي
عبدالله عليهالسلام
قال : إن عبدالمطلب أول من قال : بالبداء يبعث يوم القيامة امة وحده ، عليه بهاء الملوك ، وسيماء الانبياء .
٨٦ ـ كا
: بعض أصحابنا ، عن ابن جمهور ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن عبدالرحمن بن الحجاج ، عن محمد بن سنان
، عن المفضل بن عمر ، جميعا عن أبي
_________________
عبدالله عليهالسلام قال ب يبعث
عبدالمطلب امة وحده عليه بهاء الملوك ، وسيماء الانبياء ، و
ذلك أنه أول من قال بالبداء ، قال : وكان عبدالمطلب أرسل رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى
رعاته في إبل
قد ندت له
، فجمعها فأبطأ عليه فأخذ بحلقة باب الكعبة وجعل
يقول : يا رب أتهلك آلك إن تفعل فأمر ما بدالك ، فجاء رسول الله صلىاللهعليهوآله بالابل وقد
وجه عبدالمطلب في كل طريق ، وفي كل شعب في طلبه ، وجعل يصيح : يا رب أتهلك آلك
إن تفعل فأمر ما بدالك ، ولما راى رسول الله صلىاللهعليهوآله
أخذه فقله ، فقال : يا بني لا وجهتك
بعد هذا في شئ ، فإني أخاف أن تغتال فتقتل. .
توضيح : قوله عليهالسلام : وذلك أنه تعليل
لقوله : عليه سيماء الانبياء. وند البعير : نفر وذهب على وجهه شاردا. قوله : أتهلك آلك ، أي أتهلك من جعلته أهلك ، ووعدت
أنه سيصير نبيا ، ثم تفطن بإمكان البداء فقال : إن تفعل فأمر آخر بدالك فيه ، فظهر
أنه كان قائلا بالبداء ، ويمكن أن يقرأ بصيغة الامر ، أي فأمر ما بدالك في وأهلكني
فإني لا احب الحياة بعده ، والاول أظهر. والاغتيال : هو أن يخدع ويقتل في موضع
لا يراه أحد.
٨٧ ـ كا
: العدة ، عن ابن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن حمران ، عن ابن
تغلب قال : قال أبوعبدالله عليهالسلام
: لما أن وجه صاحب الحبشة بالخيل ومعهم الفيل ليهدم
البيت مروا بإبل لعبد المطلب فساقوها ، فبلغ ذلك عبدالمطلب فأتى صاحب الحبشة فدخل
الآذن فقال : هذا عبدالمطلب بن هاشم ، قال : وما يشآء؟ قال الترجمان : جاء في إبل
له
ساقوها يسألك ردها ، فقال ملك الحبشة لاصحابه : هذا رئيس قوم وزغيمهم ، جئت إلى
بيته الذي يعبده لاهدمه وهو يسألني إطلاق إبله ، أما لو سألني الامساك عن هدمه
لفعلت ، ردوا عليه
إبله ، فقال عبدالمطلب لترجمانه : ما قال الملك؟ فأخبره ، فقال
_________________
عبدالمطلب : أنا رب
الابل ، ولهذا البيت رب يمنعه ، فردت عليه إبله ، وانصرف
عبدالمطلب نحو منزله فمر بالفيل في منصرفه فقال للفيل : يا محمود ، فحرك الفيل
رأسه ، فقال له : أتدري لم جاءوا بك؟ فقال الفيل برأسه : لا ، فقال عبدالمطلب : جاءوا بك
لتهدم
بيت ربك ، أفتراك فاعل ذلك؟ فقال برأسه : لا ، فانصرف عبدالمطلب إلى منزله ، فلما
أصبحوا غدوا به لدخول الحرم فأبى وامتنع عليهم ، فقال عبدالمطلب لبعض مواليه عند
ذلك : اعل الجبل فانظر ترى شيئا ، فقال : أرى سوادا من قبل البحر ، فقال له : يصيبه
بصرك أجمع؟ فقال له : لا ، ولاوشك أن يصيب ، فلما أن قرب قال : هو طير كثير ولا
أعرفه
يحمل كل طير في منقاره حصاة مثل حصاة الخذف أودون حصاة الخذف ، فقال عبدالمطلب
ورب عبدالمطلب ما يريد إلا القوم ، حتى لما صاروا فوق رؤوسهم أجمع ألقت الحصاة
فوقعت كل حصاة على هامة رجل فخرجت من دبره فقتلته ، فما انلت منهم إلا رجل واحد
يخبر الناس ، فلما أن أخبرهم ألقت عليه حصاة فقتلته .
٨٨ ـ كا
: علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي نصر ، عن رفاعة ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : كان عبدالمطلب يفرش له بفناء الكعبة لا يفرش لاحد غيره ، وكان له ولد يقومون على
رأسه
فيمنعون من دنامنه ، فجاء رسول الله صلىاللهعليهوآله
وهو طفل يدرج
حتى جلس على فخذيه ، فأهوى بعضهم إليه لينحيه عنه ، فقال له عبدالمطلب دع ابني فإن الملك قد أتاه .
٨٩ ـ كا
: محمد بن يحيى ، عن ابن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن أبي مريم ، عن أبي جعفر عليهالسلام
قال : سألته عن قول الله عزوجل : ( وأرسل عليهم
طيرا أبابيل * ترميهم بحجارة من سجيل
) قال : كان
طير ساف
جاءهم من قبل البحر
رؤوسها كأمثال رؤوس السباع ، وأظفارها كأظفار السباع من الطير ، مع كل طائر ثلاثة
أحجار : في رجليه حجران ، وفي منقاره حجر ، فجعلت ترميهم بها حتى جدرت
_________________
أجسادهم فقلتهم بها ، وما كان قبل ذلك رؤي شئ من
الجدري ، ولا رءوا ذلك من الطيرقبل ذلك اليوم ولا بعده ، قال : ومن أفلت منهم
يومئذ انطلق حتى إذا بلغوا حضر موت
وهو واددون اليمن ، أرسل الله عليهم سيلا فغرقهم أجمعين ، قال : وما رؤي في ذلك
الوادي ماء
قبل ذلك اليوم بخمسة عشر سنة ، قال : فلذلك سمي حضر موت حين
ماتوا فيه .
٩٠ ـ ختص
: محمد بن علي ، عن محمد بن الحسن ، عن عبدالرحمن بن أخي الاصمعي ، عن بعض أصحابنا ، عن عبدالرحمن بن خالد بن أبي الحسن مولى المنصور قال : أخرج
إلي بعض ولد سليمان بن علي كتابا بخط عبدالمطلب وإذا شبيه بخط الصبيان : بسمك اللهم ، ذكر حق عبدالمطلب بن هاشم من أهل مكة على فلان فلان الحميري
من أهل زول
صنعاء عليه ألف درهم فضة طيبة كيلا بالجديد ، ومتى دعاه بها أجابه ، شهدالله والملكان .
٩١ ـ ما
: محمد بن أحمد بن شاذان ، عن إبراهيم بن محمد المذاري ، عن محمد بن جعفر ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن ابن مسكان ، عن
جعفر بن محمد عليهماالسلام
قال : سألته عن
القائم في طريق الغري
، فقال : نعم إنه لما جازوا بسرير أميرالمؤمنين علي عليهالسلام
انحنى أسفا وحزنا على أميرالمؤمنين ، وكذلك سرير أبرهة لما دخل عليه عبدالمطلب
انحنى ومال .
_________________
٩٢ ـ د
: كان لهاشم خمسة بنين : عبدالمطلب وأسد ، ونضلة ، وصيفي ، وأبوصيفي ، وسمي هاشما لهشمه الثريد للناس في زمن المسغبة
، وكنيته أبونضلة ، واسمه عمرو العلى
قال ابن الزبعري :
كانت قريش بيضة فتقلقت
|
|
فالمخ خالصها لعبد مناف
|
الرايشون وليس يوجد رايش
|
|
والقائلون : هلم للاضياف
|
والخالطون فقيرهم بغنيسهم
|
|
حتى يكون فقيرهم كالكافي
|
عمرو العلى هشم الثريد لقومه
|
|
ورجال مكة مسنتون عجاف
|
ولد هاشم وعيد شمس توأمان في بطن ، فقيل
: إنه اخرج أحدهما وإصبعه ملتصقة
بجبهة الآخر ، فلما ازيلت من موضعها أدميت ، فقيل : يكون بينهما دم ، وكان عبد
مناف
وصى إلى هاشم ودفع إليه مفتاح البيت وسقاية الحاج وقوس إسماعيل ، ومات هاشم
بغزة من آخر عمل الشام ، ومات عبدالمطلب بالطائف ، وأسد من ولد هاشم انقرض عقبه
إلا من ابنته فاطمة ام أميرالمؤمنين عليهالسلام
، وأيوصيفي انقرض عقبه إلا من ابنته رفيقة وهي
ام مخزومة بن نوفل ، وصيفي لا عقب له ، ونضلة لا عقب له ، والبقية من سائر ولد
هاشم
من عبدالمطلب ، وعبد مناف ، اسمه المغيرة بن قصي ، واسمه زيد ، قصا عن دار قومه
لانه
حمل من مكة في صغره إلى بلاد أزدشنوءة وسمي قصيا ، ويلقب بالمجمع ، لانه جمع قبايل
قريش بن كلاب بن مرة بن كعب بن لوي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر ، وسمي
قريشا ، ابن خزيمة بن مدركة لانهم أدركوا الشرف في أيامه ، ابن إلياس ، لانه جاء
_________________
على أياس وانقطاع ، ابن
مضر لاخذه بالقلوب ، ولم يكن يراه أحد إلا أحبه ، ابن نزار
واسمه عمرو بن معد بن عدنان.
بيان
: راش : جمع المال والاثاث ، والصديق : أطعمه
وسقاه وكساه وأصلح حاله.
٩٣ ـ اقول
: قال صاحب المنتقى وغيره : وروي عن ابن عباس وغير واحد قالوا : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله
مع امه آمنة بنت وهب ، فلما بلغ ست سنين خرجت به إلى أخواله
بني عدي بن النجار بالمدينة تزورهم به ، ومعه ام أيمن تحضنه ، وهم على بعيرين ، فنزلت به في دار النابغة فأقامت به عندهم شهرا ، وكان قوم من اليهود يختلفون
وينظرون
، قالت ام أيمن : فسمعت أحدهم يقول : هو نبي هذه الامة ، وهذه دار هجرته ، ثم رجعت
به امه إلى مكة ، فلما كانوا بالابواء توفيت امه آمنة ، فقبرها هناك ، فرجعت به ام
أيمن إلى مكة ، ثم لما مر رسول الله صلىاللهعليهوآله
في عمرة الحديبية بالابواء قال : إن الله قد
أذن لي في زيارة قبر امي ، فأتاه رسول الله صلىاللهعليهوآله
فأصلحه وبكى عنده وبكى المسلمون
لبكاء رسول الله صلىاللهعليهوآله
، فقيل له فقال : أدركتني رحمة رحمتها فبكيت.
وروي عن بريدة قال : لما فتح رسول الله صلىاللهعليهوآله مكة أتى قبرا فجلس
إليه وجلس
الناس حوله ، فجعل يتكلم كهيئة المخاطب ، ثم قام وهو يبكي فاستقبله عمر فقال : يا رسول الله ما الذي أبكاك؟ قال : هذا قبر امي سألت ربي الزيارة فأذن لي.
ثم قال في المنتقى : وجه الجمع أنه يجوز
أنها توفيت بالابواء ثم حملت إلى مكة
فدفنت بها ، وأما عبدالمطلب عليهالسلام
فمات وللنبي صلىاللهعليهوآله
ثمان سنين وهو ابن ثنتين وثمانين
سنة ، ويقال : ابن مأة وعشرين سنة ، وسئل رسول الله صلىاللهعليهوآله
أتذكر موت عبدالمطلب؟
فقال : نعم أنا يومئذ ابن ثمان سنين ، قالت ام أيمن : رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآله يبكي خلف
سرير عبدالمطلب.
وفي رواية : توفي عبدالمطلب وللنسبي
ثمانية وعشرون شهرا ، والاولى أصح. وتوفي
عبدالمطلب في ملك هرمز بن أنوشيروان .
_________________
٩٤ ـ د
: كان لعبدالمطلب عشرة أسماء : عمر ، وشيبة الحمد ، وسيد البطحاء ، وساقي الحجيج ، وساقي الغيث ، وغيث الورى في العام الجدب ، وأبولسادة العشرة ، وحافر
زمزم ، وعبدالمطلب
، وله عشرة بنين : الحارث ، والزبير ، وحجل وهو الغيداق ، وضرار
وهو نوفل ، والمقوم ، وأبولهب وهو عبدالعزى ، وعبدالله ، وأبوطالب ، وحمزة ، والعباس
، وكانوا من امهات شتى إلا عبدالله وأبوطالب والزبير ، فإن امهم فاطمة بنت عمرو بن
عايذ ، وأعقب من البنين خمسة : عبدالله أعقب محمدا صلىاللهعليهوآله
سيد البشر ، وأبوطالب أعقب
جعفرا وعقيلا وعليا عليهالسلام
سيد الوصيين ، والعباس أعقب عبدالله وقثم والفضل وعبيدالله ، والحارث أعقب عتبة ومعتبة وعتيقا ، وكان لعبدالمطلب ست بنات : عاتكة ، واميمة ، والببضاء
وهي ام حكيم ، وبرة ، وصفية وهي ام الزبير ، وأروى ، ويقال : وريدة ، وأسلم وأعمام
النبي صلىاللهعليهوآله
أبوطالب وحمزة والعباس ، ومن عماته صفية وأروى وعاتكة ، وآخر من مات من
أعمامه العباس ، ومن عماته صفية.
٩٥ ـ كا
: علي بن إبراهيم وغيره رفعوه قال : كان في الكعبة غزالان من ذهب وخمسة
أسياف ، فلما غلبت خزاعة جرهم على الحرم ألقت جرهم الاسياف والغزالين في بئر
زمزم ، وألقو فيها الحجارة وطموها
وعموا أثرها ، فلما غلبت قصي على خزاعة لم
يعرفوا موضع زمزم وعمي عليهم موضعها ، فلما غلب عبدالمطلب وكان يفرش له في فناء
الكعبة ولم يكن يفرش لاحد هناك غيره ، فبينما هو نائم في ظل الكعبة فرأى في منامه
أتاه آت فقال له : احفر برة ، قال : وما برة؟ ثم أتاه في اليوم الثاني فقال : احفر
طيبة ، ثم أتاه في اليوم الثالث فقال : احفر المضنونة
، قال : ثم أتاه في الرابع فقال : احفر زمزم
لا تنزخ
ولا تذم لسقي
الحجيج الاعظم ، عند الغراب الاعصم ، عند قرية النمل ، وكان عند زمزم حجر يخرج منه النمل فيقع عليه الغراب الاعصم في كل يوم يلتقط
_________________
النمل ، فلما رأى
عبدالمطلب هذا عرف موضع زمزم ، فقال لقريش : إني عبرت في
أربع ليال في حفر زمزم فهي مآثرتنا وعزنا فهلموا تحرها ، فلم يجيبوه إلى ذلك ، فأقبل
يحفرها هو بنفسه ، وكان له ابن واحد وهو الحارث ، وكان يعينه على الحفر ، فلما صعب
ذلك عليه تقدم إلى باب الكعبة ثم رفع يديه ودعا الله عزوجل ، ونذر له إن رزقه عشر
بنين أن ينحر أحبهم إليه تقربا إلى الله عزوجل ، فلما حفر وبلغ الطوي طوي
إسماعيل وعلم أنه قد وقع على الماء كبر وكبرت قريش فقالوا : يا أبا الحارث هذه
مآثرتنا ولنا فيها نصيب ، قال لهم : لم تعينوني على حفرها هي لي ولولدي إلى آخر
الابد .
تبيين : عمى عليه الامر : التبس ، قال
الجزري : في حديث زمزم أتاه آت فقال : احفر برة سماه برة لكثرة منافعها وسعة مائها ، وقال الفيروزآبادي : طيبة بالكسر : اسم
زمزم ، وقال الجزري : فيه احفر المضنونة ، أي التي يضن بها لنفاستها وعزتها ، وقال : فيه
أرى
عبدالمطلب في منامه احفر زمزم لا تنزف ولا تذم ، أي لا يفنى ماءها على كثرة
الاستسقاء ، ولا تذم ، أي لا تعاب ، أولا تلفى مذموما من أذممته : إذا وجدته مذموما ، وقيل : لا
يوجد
ماءها قليلا من قولهم : بئر ذمة : إذا كانت قليلة الماء : وقال : الغراب الاعصم : الابيض
الجناحين ، وقيل : الابيض الرجلين انتهى.
والمآثرة بفتح الثاء وضمها : المكرمة ، والطوي
على فعيل : البئر المطوية
بالحجارة.
٩٦ ـ كا
: عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن القاسم بن يحيى ، عن جده
الحسن بن راشد قال : سمعت أبا إبراهيم عليهالسلام
يقول : لما احتفر عبدالمطلب زمزم وانتهى إلى قعرها
خرجت عليه من أحد جوانب البئر رائحة منتنة أفظعته فأبى أن ينثني وخرج ابنه الحارث
عنه ، ثم حفر حتى أمعن
فوجد في قعرها عينا تخرج عليه برائحة المسك ، ثم احتفر
_________________
فلم يحفر إلا ذراعا
حتى تجلاه النوم فأرى رجلا طويل الباع
، حسن الشعر ، جميل الوجه ، جيد الثوب ، طيب الرائحة يقول
: احفر تغنم ، وجد تسلم ، ولا تذخرها للمقسم ، الاسياف لغيرك ، والتبر
لك ، أنت أعظم العرب قدرا ، ومنك يخرج نبيها ووليها
والاسباط ، والنجباء الحكماء العلماء البصراء ، والسيوف لهم ، وليسوا اليوم منك
ولا لك ، ولكن في القرن الثاني منك ، بهم ينير الله الارض ، ويخرج الشياطين من أقطارها ، ويذلها
في عزها ، ويهلكها بعد قوتها ، ويذل الاوثان ويقتل عبادها حيث كانوا ، ثم يبقى
بعده
نسل من نسلك هو أخوه ووزيره ودونه في السن ، وقد كان القادر على الاوثان ، لا
يعصيه
حرفا ، ولا يكتمه شيئا ، ويشاوره في كل أمر حجم عليه ، واستعيا عنها عبدالمطلب فوجد
ثلاثة عشر سيفا مسندة إلى جنبه فأخذها ، وأراد أن يبث فقال : وكيف ولم أبلغ الماء ، ثم حفر
فلم يحفر شبرا
حتى بداله قرن الغزال ورأسه فاستخرجه وفيه طبع : لا إله إلا الله ، محمد
رسول الله ، علي ولي الله ، فلان خليفة الله ، فسألته فقلت : فلان متى كان؟ قبله
أو بعده؟
قال : لم يجئ بعد ، ولا جاء شئ من أشراطه
، فخرج عبدالمطلب وقد استخرج الماء
وأدرك وهو يصعد ، فإذا أسود له ذنب طويل يسبقه بدارا إلى فوق ، فضربه فقطع أكثر
ذنبه ، ثم طلبه ففاته ، وفلان قاتله إن شاء الله ، ومن راي عبدالمطلب أن يبطل
الرؤيا التي
رآها في البئر ، ويضرب السيوف صفايح للبيت
، فأتاه الله بالنوم فغشيه وهو في حجر
الكعبه فرأى ذلك الرجل بعينه وهو يقول : يا شيبة الحمد احمد ربك ، فإنه سيجعلك
_________________
لسان الارض ، ويتبعك
قريش خوفا ورهبة وطمعا ، ضع السيوف في مواضعها ، فاستيقظ
عبدالمطلب فأجابه : إنه يأتيني في النوم فإن يكن من ربي فهو أحب إلي ، وإن يكن
من شيطان فأظنه مقطوع الذنب
، فلم ير شيئا ولم يسمع كلاما ، فلما أن كان الليل
أتاه في منامه بعدة من رجال وصبيان فقالوا له : نحن أتباع ولدك ، ونحن من سكان
السمآء
السادسة ، السيوف ليست لك ، تزوج في مخزوم تقوي ، واضرب بعد في بطون العرب
فإن لم يكن معك مال فلك حسب ، فادع هذه الثلاثة عشرة سيفا إلى ولد المخزومية
ولا بيان لك
أكثر من هذا ، وسيف لك منها واحد يقع من يدك
فلا تجد له أثرا
إلا أن يستجنه
جبل كذا وكذا فيكون من أشراط قائم آل محمد صلى الله عليه وعليهم ، فانتبيه عبدالمطلب وانطلق والسيوف على رقبته فأتى ناحية من نواحي مكة ففقد منها
سيفا
كان أرقها عنده ، فيظهر من ثم ، ثم دخل معتمرا وطاف بها على رقبته والغزالين إحدى
عشر طوافا وقريش
تنظر إليه وهو يقول : اللهم صدق وعدك ، فأثبت لي قولي ، و
انشر ذكري ، وشد عضدي ، وكان هذا ترداد كلامه
، وما طاف حول البيت بعد رؤياه
في البيت ببيت
شعر حتى مات ، ولكن قد ارتجز على بنيه يوم أراد نحر عبدالله ، فدفع الاسياف جميعها إلى بني المخزومية : إلى الزبير ، وإلى أبي طالب ، وإلى
عبدالله ،
_________________
فصار لابي طالب من
ذلك أربعة أسياف : سيف لابي طالب ، وسيف لعلي ، وسيف لجعفر ، وسيف لطالب ، وكان للزبير سيفان ، وكان لعبد الله سيفان ، ثم عادت فصار لعلي
الاربعة
الباقية : اثنين من فاطمة ، واثنين من أولادها
، فطاح
سيف جعفر يوم أصيب فلم يدر
في يدمن من وقع حتى الساعة ، ونحن نقول : لا يقع سيف من أسيافنا في يدغيرنا إلا
رجل
يعين به معنا إلا صار فحما ، قال : وإن منها لواحدا في ناحية يخرج كما تخرج الحية
فيبين منه
ذراع وما يشبهه فتبرق له الارض مرارا ، ثم يغيب ، فإذا كان الليل فعل مثل ذلك فهذا
دأبه حتى يجئ صاحبه ولو شئت أن اسمى مكانه لسميته ، ولكن أخاف عليكم من أن
اسميه فتسموه فينسب إلى غير ما هو عليه .
بيان : حتى تجلاه النوم ، أي غشيه وغلب
عليه ، وجد من الجود أو من الجد و
الاول أنسب بترك الذخيرة ، ولاضمير في قوله : ولا تذخرها راجع إلى الغنيمة المدلول
عليها بقوله : تغنم ، والمقسم مصدر ميمي بمعنى القسمة ، أي لا تجعلها ذخيرة لان
تقسم
بعدك ، والتبر بالكسر : الذهب والفضة ، وفي بعض النسخ : البئر.
قوله عليهالسلام
: واستعيا عنها عبدالمطلب : لعلة من قولهم : عيي : إذا لم يهتد لوجهه ، و
أعي الرجل في المشي وأعي عليه الامر ، والمعنى أنه تحير في الامر ولم يدر معنى ما
رأى
في منامه ، أوضعف وعجز عن البئر وحفرها ، وفي بعض النسخ بالغين المعجمة والباء
الموحدة
من قولهم : غبى عليه الشئ : إذا لم يعرفه ، وهو قريب من الاول.
قوله عليهالسلام
: وأراد أن يبث أي ينشر ويذكر خبر الرؤيا ، فكتمه ، أو يفرق السيوف
على الناس فأخره ، وفي بعض النسخ : يثب بتقديم المثلثة من الوثوب ، أي يثب عليها
فيتصرف
فيها ، أو يثب على الناس بهذه السيوف.
قوله : فلان خليفة الله ، أي القائم عليهالسلام ، والاسود لعله كان
الشيطان ، والقائم عليهالسلام
يقتله كما سيئاتي في كتابى الغيبة ، ولذا قال عبدالمطلب : فأظنه مقطوع الذنب.
قوله عليهالسلام
: ويضرب السيوف صفايح للبيت ، أي يلصقها بباب البيت ، لتكون
_________________
صفايح لها ، أو
يبيعها ويصنع من ثمنها صفايح البيت ، وفي بعض النسخ : مفاتيح للبيت ، فيحتمل أن يكون المراد أن يجاهد المشركين فيستولي علهيم ، ويخلص البيت من أيديهم.
قوله عليهالسلام
: فأجابه ، أي أجاب عبدالمطلب الرجل الذي كلمه في المنام. قوله : تزوج في مخزوم ، تزوج عبدالمطلب فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمر بن مخزوم ام
عبدالله
والزبير وأبي طالب. قوله : واضرب بعد في بطون العرب : أي تزوج في أي بطن منهم
شئت ، والحاصل أنك لابد لك أن تتزوج في بني مخزوم ليحصل والد النبي والاوصياء
صلوات الله عليهم ويرثوا السيوف ، وأما سائر القبائل فالامر إليك ، ويحتمل أن يكون
المراد جاهد بطون العرب وقاتلهم ، والاول أظهر.
قوله : إلا أن يستجنه ، وفي بعض النسخ
يسجنه ، أي يخفيه ويستره. قوله : فيظهر من ثم ، أي يظهر في زمن القائم عليهالسلام
من هذا الموضع الذي فقد فيه ، أو من الجبل
الذي تقدم ذكره ، ولعله كان كل سيف لمعصوم ، وكان
بعددهم ، وسيف القائم عليهالسلام
أخفاه الله في هذا المكان ليظهر له عند خروجه.
قوله : فصار لعلي ، يحتمل أن يكون
المراد بالاربعة الباقية تتمة الثمانية
المذكورة إلى اثني عشر ، ويكون المراد بفاطمة امه عليهالسلام
، أي صارت الاربعة الباقية
أيضا إلى علي عليهالسلام
من قبل امه وإخوته ، حيث وصل إليهم من جهة أبي طالب زايدا
على ما تقدم ، أو يكون المراد بفاطمة بنت النبي (ص) ، بأن يكون النبي (ص) أعطاها
سيفين غير الثمانية ، وأعطى الحسنين عليهماالسلام
سيفين ، ويحتمل أن يراد بالاربعة سيوف الزبير
وعبدالله ، فيكون الاربعة الاخرى مسكوتا عنها.
قوله عليهالسلام
: إلا صار فحما ، أي يسود ويبطل ولا يأتي منه شئ حتى يرجع
إلينا.
قوله عليهالسلام
: وإن منها لواحدا ، لعله هو الذي فقد من عبدالمطلب يظهر هكذا
عند ظهور القائم عليهالسلام
ليأخذه.
قوله عليهالسلام
: فينسب إلى غير ما هو عليه ، أي يتغير مكانه ، أو يأخذه غير القائم
عليهالسلام.
أقول : قال عبدالحميد بن أبي الحديد : قال
: محمد بن إسحاق
لما انبط
عبدالمطلب الماء في زمزم حدسته قريش فقالت له : يا عبدالمطلب إنها بئر أبينا
إسماعيل ، وإن لنا فيها حقا فأشركنا معك ، قال : ما أنا بفاعل ، إن هذا الامر أمر خصصت به
دونكم ، واعطيته من بينكم ، فقالوا له : فإنا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها ، قال : فاجعلوا بيني وبينكم حكما احاكمكم إليه ، قالوا : كاهنة بني سعد بن هزيم ، قال : نعم ، وكانت بأشراف الشام
، فركب عبدالمطلب في نفر من بني عبد مناف ، وخرج من
كل قبيلة من قبائل قريش قوم ، والارض إذ ذاك مفاوز حتى إذا كانوا ببعض تلك
المفاوز بين الحجاز والشام نفد ما كان مع عبدالمطلب وبني أبيه من لاماء وعطشوا
عطشا شديدا
فاستسقوا قومهم فأبوا أن يسقوهم وقالوا : نحن بمفازة ونخشى على أنفسنا مثل الذي
أصابكم ، فلما رأى عبدالمطلب ما صنع القوم وخاف على نفسه وأصحابه الهلاك قال
لاصحابه
ما ترون؟ قالوا : ما رأينا إلا تبع لرأيك ، فمرنا بما أحببت ، قال : فإني أرى أن
يحفر
كل رجل منا حفرة لنفسه بمامعه من القوة ، فكلما مات رجل دفنه أصحابه في حفرته
حتى يكون آخركم رجل واحد ، فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركب ، قالوا : نعم ما أشرت ، فقام كل رجل منهم فحقر حفيرة لنفسه ، وقعدوا ينتظرون الموت ، ثم إن
عبدالمطلب قال لاصحابه : والله إن إلقائنا بأيدينا كذاللموت لا نضرب في الارض
فتطلب
الماء لعجز ، فقوموا فعسى الله أن يرزقنا ماء ببعض الارض ارتحلوا ، فارتحلوا ومن
معهم
من قبائل قريش ينظرون إليهم ما هم صانعون ، فتقدم عبدالمطلب إلى راحلته فركبها ، فلما انبعثت به انفجر من تحت خفها عين من ماء عذب فكبر عبدالمطلب وكبر أصحابه ،
_________________
ثم نزل فشرب وشرب
أصحابه ، واستقوا حتى ملاؤا أسقيتهم ، ثم دعا القبائل من قريش
فقال لهم : هلموا إلى الماء فقدسقانا الله فاشربوا واستقوا ، فجاءوا فشربوا واستقوا
، ثم قالوا له
قدوالله قضي لك علينا ، والله لا نخاصمك في زمزم أبدا ، إن الذي سقاك هذا الماء
بهذه
المفازة هو سقاك زمزم ، فارجع إلى سقايتك راشدا ، فرجع ورجعوا معه لم يصلوا إلى
الكاهنة وخلوا بينه وبين زمزم .
٩٧ ـ كا
: علي ، عن أبيه ، ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد جميعا ، عن أحمد بن محمد
ابن أبي نصر ، عن أبان ، عن أبي بصير عن أبي جعفر عليهالسلام
قال : لم يزل بنو إسماعيل ولاة
البيت يقيمون للناس حجهم وأمر دينهم يتوارثونه كابر عن كابر حتى كان زمن عدنان
ابن ادد فطال عليهم الامد فقسمت قلوبهم ، وافسدوا وأحدثوا في دينهم ، وأخرج بعضهم
بعضا ، فمنهم من خرج في طلب المعيشة ، ومنهم من خرج كراهية القتال وفي أيديهم
أشياء
كثيرة من الحنيفية من تحريم الامهات والبنات ، وما حرم الله في النكاح إلا أنهم
كانوا
يستحلون امرأة الاب وابنة الاخت ، والجمع بين الاختين ، وكان في أيديهم الحج و
التلبية والغسل من الجنابة إلا ما أحدثوا في تلبيتهم وفي حجهم من الشرك ، وكان
فيما بين
إسماعيل وعدنان بن ادد موسى عليهالسلام
، وروى أن معد بن عدنان خاف أن يدرس الحرم
فوضع أنصابه
، وكان أول من وضعها ، ثم غلبت جرهم بمكة على ولاية البيت فكان
يلي منهم كابر عن كابر حتى بغت جرهم بمكة ، واستحلوا حرمتها ، وأكلوا مال الكعبة
وظلموا من دخل مكة وعتوا وبغوا ، وكانت مكة في الجاهلية لا يظلم ولا يبغي فيها ولا
يستحل حرمتها ملك إلا هلك مكانه ، وكانت تسمى بكة لانها تبك أعناق الباغين
_________________
إذا بغوا فيها ، وتسمى
بساسة كانوا إذا
ظلموا فيها بستهم وأهلكتهم ، وسمي
ام رحم
كانوا إذا لزموها رحموا ، فلما بغت جرهم واستحلوا فيها بعث الله عزوجل عليهم
الرعاف ولنمل ، وأفناهم ، فغبلت خزاعة ، واجتمعت ليجلوا من بقي من حرهم عن الحرم
ورئيس خزاعة عمرو بن ربيعة
بن حارثة بن عمرو ، ورئيس جرهم عمرو بن الحارث بن
مصاص الجرهمي ، فهزمت
خزاعة جرهم ، وخرج من بقي من جرهم إلى أرض من أرض
جهينة ، فجاءهم سيل أتي لهم
فذهب بهم ، ووليت خزاعة البيت فلم يزل في
أيديهم حتى جاء قصي بن كلاب ، وأخرج خزاعة من الحرم ، وولى البيت وغلب
عليه .
بيان
: ادد كعمر بضمتين ، والدرس : الانمحاء ،
وجرهم كقنفذ :
حي من
اليمن. والرحم بالضم الرحمة ، والرعاف في بعض النسخ بالراء المهملة وهو بالضم : خروج الدم من الانف ، وفي بعضها بالمعجمة يقال : موت زعاف ، أي سريع ، فالمراد به
الطاعون.
وقال الفيروزآبادي : النملة قروح في
الجنب كالنمل ، وبثر يخرج في الجسد
بالتهاب واحتراق ، ويرم مكانها يسيرا ويدب إلى موضع آخر كالنملة. قوله عليهالسلام : سيل أتي
_________________
هو بالتشديد على وزن
فعيل : سيل جائك ولم يصبك مطره ، والسيل الاتي أيضا : الغريب .
٩٨ ـ كا
: أبوعلي الاشعري ، عن محمد بن عبدالجبار ، عن محمد بن إسماعيل ، عن
علي بن النعمان ، عن سعيد الاعرج ، عن أبي عبدالله عليهالسلام
قال : إن العرب لم يزالوا
على شئ م نالحنيفية يصلون الرحم ويقرون الضيف ، ويحجون البيت ، ويقولون : اتقوا مال اليتيم فإن مال اليتيم عقال ، ويكفون عن أشياء من المحارم مخافة العقوبة
، وكانوا لا يملى لهم إذا انتهكوا المحارم. وكانوا يأخذون من لحاء شجر الحرم
فيعلقونه
في أعناق الابل فلا يجترئ أحد أن يأخذ من تلك الابل حيث ما ذهبت ، ولا يجترئ
أحد أن يعلق من غير لحاء شجر الحرم ، أيهم فعل ذلك عوقب ، وأما اليوم فاملي لهم.
ولقد جاء أهل الشام فنصبوا المنجنيق على أبي قبيسس فبعث الله عليهم سحابة كجناح
الطير
فأمطرت عليهم صاعقة فأحرقت سبعين رجلا حول المنحنيق ،
بيان : الاقراء : الضيافة. والاملاء : المهملة.
وانتهاك الحرمة : تناولها بمالا يحل.
واللحاء بالكسر ممدودا ومقصورا : ما على العود من القشر ، والظاهر أن نصب المنجنيق
كان لتخريب البيت.
٩٩ ـ كا
: الحسين بن محمد عن
المعلى ، عن الوشاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن
_________________
أبي خديجة ، عن أبي
عبدالله عليهالسلام
قال : جاء رجل إلى النبي (ص) فقال : إني ولدت بنتا
وربيتها حتى إذا بلغت فألبستها وحليتها ، ثم جئت بها إلى قليب فدفعتها في جوفه ، وكان آخر ما سمعت منها وهي تقول : يا أبتاه ، فما كفارة ذلك؟ قال : ألك ام حية؟
قال : لا ، قال : فلك خالة حية؟ قال : نعم ، قال : فابررها فإنها بمنزلة الام تكفر
عنك
ما صنعت ، قال أبو خديجة : فقلت لابي عبدالله عليهالسلام
متى كان هذا؟ قال : كان في الجاهلية ، وكانوا يقتلون البنات مخافة أن يسبين فيلدن في قوم آخرين .
١٠٠ ـ كنزالكراجكى
: عن الحسين بن عبيدالله ، عن هارون بن موسى ، عن محمد بن
همام ، عن الحسين بن جمهور ، عن أبيه ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن
مالك بن عطية قال : لما حفر عبدالمطلب بن هاشم زمزم ، وأنبط منها الماء أخرج منها
غزالين من ذهب وسيوفا وأدراعا ، فجعل الغزالين زينة للكعبة ، وأخذ السيوف والدروع
، وقال : هذه ويعة كان أودعها مضامن الجرهمي بن الحارث بن عمرو بن مضاض ، والحراث
الذي يقول : ( شعر )
:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
|
|
أنيس ولم يسمر بمكة سامر
|
بلى نحن كنا أهلها فأبادنا
|
|
صروت الليالي والجدود العواثر
|
ويمنعنا من كل فج نريده
|
|
أقب كسر حان الاباءة ضامر
|
وكل لجوج في الجراء طمرة
|
|
كعجزآء فتحاء الجناحين كاسر
|
_________________
والقصيدة طويلة ، فحسدته قريش بذلك
فقالوا : نحن شركاءك فيها ، فقال : هذه فضيلة
بنت بهادونكم
أريتها في منامي ثلاث ليال تباعا. قالوا : فحاكمنا إلى من شئت من
حكام العرب ، فخرجوا إلى الشام يريدن أحد كهانها وعلمائها ، فأصابهم عطش شديد
فأوصى بعضهم إلى بعض ، فبيناهم على تلك الحال إذ بركت ناقة عبدالمطلب فنبع الماء
من بين أخفافها ، فشربوا وتزودوا ، وقالوا : يا عبدالمطلب إن الذي سقاك في هذه
البادية
القفر هو الذي سقاك بمكة ، فرجعوا وسلموا له هذه المآثرة ،
بيان
: القبب : الضمر ، وخمص البطن.
والاباءة : أجمة القصب. والجرآء بالكسر
جمع الجر وهو بالضم والكسر : ولد الكلب والسباع. وفرس طمر بالكسر وتشديد الراء
وهو المستفز للوثب والعدو. وعقاب عجزآء : قصيرة الذنب ، ويقال : كسر الطائر : إذا
ضم جناحيه حين ينقض. والكاسر : العقاب ، ذكرها الجوهري.
( باب ٢ )
* ( البشائر بمولده ونبوته من الانبياء والاوصياء صلوات الله عليه
) *
* ( وعليهم وغيرهم من الكهنة وسائر الخلق ، وذكر بعض ) *
* ( المؤمنين في الفترة ) *
الايات
: البقرة (٢) ولما جاءهم كتاب م
نعند الله مصدق لما معهم وكانوا
من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على
الكافرين ٨٩.
وقال تعالى : ولما جاءهم رسول من
عندالله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين
اوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون ١٠١.
وقال سبحانه : .. وابعث فيهم رسولا منهم
يتاوا عليهم آيايت ويعلمهم الكتاب و
الحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم ١٢٩.
_________________
وقال تعالى : الذين آتيناهم الكتاب
يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا
منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون
١٤٧.
آل
عمران (٣) : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب
وحكمة ثم
جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قالءأقررتم وأخذتم على ذلكم
إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين * فمن تولى بعد ذلك فاولئك
هم الفاسقون ٨١ و ٨٢.
وقال تعالى : وإذا أخذ الله ميثاق
الذين اوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه
فنبذوه ورآء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون * لا تحسبن الذين
يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب و
لهم عذاب أليم ١٨٧ و ١٨٨.
الاعراف
(٧) : الذين
يتسبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا
عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات و
يحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به و
عزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه اولئك هم المفلحون
١٥٧.
وقال تعالى : وإذ تأذن ربك ليبعثن
عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب
إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم
١٦٧.
الانبياء
( ٢١ ) : ولقد كتبنا
في الزبور من بعد الذكر أن الارض يرثها عبادي
الصالحون ١٠٥.
العشراء
( ٢٦ ) : وإنه لفي
زبر الاولين * أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء
بني إسرائيل ١٩٦ و ١٩٧.
القصص
( ٢٨ ) : وما كنت
بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الامر وما كنت
من الشاهدين. [ إلى قوله تعالى ]
: وما كنت
بجانب الطور إذنادينا ولكن رحمة من ربك
لتنذر قوما ما آتيهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون
٤٥ و ٤٦.
الصف
( ٦١ ) : وإذ قال
عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا
لما
بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينهات
قالوا هذا سحر مبين * ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الاسلام
والله
لايهدي القوم الظالمين ٦ و ٧.
تفسير
: قال الطبرسي رحمهالله
في قوله تعالى : (
ولما جاءهم
كتاب من عندالله ) : قال
ابن عباس : كانت اليهود ( يستفتحون ) أي يستنصرون على الاوس والخزرج برسول الله
صلىاللهعليهوآله
قبل مبعثه ، فلما بعثه الله من العرب ولم يكن من بني إسرائيل كفروا به وجححدوا
ما كانوا يقولنه فيه ، فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن معرور : يا معشر
اليهود اتقوا
الله وأسلموا ، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهل الشرك وتصفونه وتذكرون
أنه مبعوث ، فقال سلام بن مشكم
أخو بني النضير : ما جاءنا بشئ نعرفه ، وما هو
بالذي كنا نذكر لكم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية .
وفي قوله : ( مصدق لما معهم ) : مصدق
لكتبهم من التوراة والانجيل ، لانه جاء
على الصفة التي تقدم بها البشارة .
وفي قوله : ( وإذ أخذ الله ميثاق
النبيين ) : روي عن أميرالمؤمنين عليهالسلام
وابن عباس
وقتادة أن الله تعالى أخذ الميثاق على الانبياء قبل نبينا أن يخبروا اممهم بمبعثه
ونعته ، ويبشروهم ، به ، ويأمروهم بتصديقه ، وقال طاؤوس : أخذ الله الميثاق على الانبياء
على
الاول والآخر ، فأخذ ميثاق الاول بما جاء
به الآخر.
وقال الصادق عليهالسلام : تقديره وإذ
أخذالله ميثاق امم النبيين بتصديق نبيها ، و
العمل بما جاءهم به ، وإنهم خالفوه بعد ما جاء وما وفوا به ، وتركوا كثيرا من
شرائعه ، وحرفوا كثيرا منها. والاصر : العهد .
وفي قوله تعالى : ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتاب
) قيل : أراد
به اليهود ،
_________________
وقيل : اليهود
والنصارى ، وقيل : كل من اوتي علما بشئ من الكتب ( لتبيننه للناس )
أي محمدا صلىاللهعليهوآله
، لان في
كتابهم أنه رسول الله ، وقيل : أي الكتاب فيدخل فيه بيان
أمر النبي صلىاللهعليهوآله
( لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ) قيل : هم اليهود الذين فرحوا
بكتمان أمر النبي صلىاللهعليهوآله
، وأحبوا أن يحمدوا بأنهم أئمة وليسوا كذلك ، وقال
البلخي : إن اليهود قالوا : نحن أبناء الله وأحباءه ، وأهل الصلاة والصوم ، وليسوا
كذلك ، ولكنهم
أهل الشرك والنفاق وهو المروي عن الباقر عليهالسلام
، والاقوى أن
يكون المعني بالآية من أخبر الله عنهم أنه أخذ ميثاقهم في أن يبينوا أمر محمد صلىاللهعليهوآله
ولا يكتموه .
وفي قوله : ( في التورأة والانجيل )
معناه يجدون نعته وصفته ونبوته مكتوبا في
التوراة في السفر الخامس : إني ساقيم لهم نبيا من إخوتهم مثلك ، وأجعل كلامي في
فيه ، فيقول لهم : كل ما اوصيه به.
وفيها أيضا مكتوب : وأما ابن الامة فقد باركت عليه جدا جدا ، وسيلداثنى
عشر عظيما ، واؤخره لامة عظيمة.
وفيها أيضا : أتانا الله من سيناء ، وأشرق
من ساعير ، واستعلن من جبال فاران .
وفي الانجيل بشارة بالفار قليط في مواضع : منها نعطيكم فارقليط آخر يكون
معكم آخر الدهر كله. وفيه أيضا : قول المسيح للحواريين : أنا أذهب وسيأتيكم
_________________
الفارقليط روح الحق الذي لا يتكلم من قبل نفسه ، إنه
نذيركم يجمع الحق ، و
يخبركم بالامور المزمعة
، ويمدحني ويشهدلي.
وفيه أيضا : إنه إذا جاء قيد أهل العالم.
قوله تعالى : ( إصرهم
) أي ثقلهم
وهو الكاليف الشاقة ( والاغلال التي كانت
علهيم ) أي العهود التي كانت في ذمتهم ، وقيل : يريد بالاغلال ما امتحنوا به من
قتل
نفوسهم في التوبة وقرض ما يصيبه البول من أجسادهم ، وما أشبه ذلك ( وعزروه ) أي
عظموه وقروه ( واتبعوا النور الذي انزل معه ) أي القرآن .
أقول
: سيأتى في الروايات أنه أميرالمؤمنين عليهالسلام.
وفي قوله تعالى : ( وإذ تأذن ربك
) أي آذن
وأعلم ( ليبعثن عليهم ) أي على
اليهود ( إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب
) أي من يذيقهم ويوليهم شدة العذاب
بالقتل وأخذ الجزية منهم ، والمعني به امة محمد صلىاللهعليهوآله
عند جميع المفسرين ، وهو المروي
عن أبي جعفر عليهالسلام
.
وفي قوله تعالى : ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر
) قيل : الزبور
: كتب
الانبياء ، والذكر : اللوح المحفوظ ، وقيل : الزبور : الكتب المنزلة بعل التوراة ،
والذكر : التوراة ، وقيل : الزبور كتاب داود عليهالسلام
، والذكر : التوراة ( أن الارض يرثها عبادي
الصالحون ) أي أرض الجنة أو الارض المعروفة يرثها امة محمد (ص) ، وقال أبوجعفر عليهالسلام : هم أصحاب المهدي في آخر الزمان .
وفي قوله سبحانه : ( وإنه لفي زبر الاولين
) أي ذكر
القرآن وخبره في كتب
الاولين على وجه البشارة به وبمحمد صلىاللهعليهوآله
( أولم يكن لهم آية أن يعلمه علمآء بني
_________________
إسرائيل ) أي أولم
يكن علم علماء بني إسرائيل بمجيئه على ما تقدمت البشارة به دلالة
لهم على صحة نبوته ، وهم عبدالله بن سلام وأصحابه ، وقيل : هم خمة : عبدالله بن
سلام ، وابن يامين ، وثعلبة ، وأسد ، وأسيد .
وفي قوله تعالى ( وما كنت بجانب الغربي
) أي في
الجانب الغربي من الجبل
الذي كلم الله فيه موسى ، وقيل : بجانب الوادي الغربي ( إذ قضينا إلى موسى الامر )
أي عهدنا إليه بالرسالة ، وقيل : أراد كلامه معه في وصف نبينا محمد صلىاللهعليهوآله ونبوته ( ولكن
رحمة من ربك ) أى الله أعلمك ذلك ، وعرفك إياه نعمة من ربك أنعم بها عليك ، وهو
أن بعثك نبيا ، واختارك لانباء العلم بذلك معجزة لك ، لتنذر العرب الذين لم يأتهم
رسول قبلك لكي يتفكروا ويعتبروا .
١ ـ شى
: عن حبيب
السجستاني قال : سألت أبا جعفر عليهالسلام
عن قول الله : ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما
معكم
لتؤمنن به ولتنصرنه ) فكيف يؤمن موسى عليهالسلام
بعيسى عليهالسلام
وينصره ولم يدركه؟ وكيف
يومن عيسى عليهالسلام
بمحمد صلىاللهعليهوآله
وينصره ولم يدركه؟ فقال : يا حبيت إن القرآن قد
طرح منه آي كثيرة ، ولم يزد فيه إلا حروف أخطأت بها الكتبة ، وتوهمتها الرجال ، وهذا وهم ، فاقرءها : ( وإذ أخذ الله ميثاق امم النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة
ثم
جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ) ، هكذا أنزلها الله يا حبيب ، فو
الله
ماوفت امة من الامم التي كانت قبل موسى بما أخذ الله عليها من الميثاق لكل نبي
بعثه الله
بعد نبيها ، ولقد كذبت الامة التي جاءها موسى لما جاءها موسى ولم يومنوا به ولا
نصروه
_________________
لما جاءها إلا
القليل منهم ، ولقد كذبت امة عيسى عليهالسلام
بمحمد (ص) ولم يؤمنوا به ولا
نصروه لما جاءهم إلا القليل منهم ، ولقد جحدت هذه الامة بما أخذ عليها رسول الله
من
الميثاق لعلي بن أبي طالب عليهالسلام
يوم أقامة للناس ونصبه لهم ودعاهم إلى ولايته وطاعته في
حياته ، وأشهدهم بذلك على أنفسهم ، فأي ميثاق أو كد من قول رسول الله صلىاللهعليهوآله في علي
بن أبي طالب عليهالسلام؟
فو الله ما وفوا به ، بل جحدوا وكذبوا .
٢ ـ فس
: ( الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ) الآية ، فإن
عمر بن الخطاب قال لعبد الله بن سلام : هل تعرفون محمدا في كتابكم؟ قال : نعم
والله نعرفه
بالنعت الذي نعته الله لنا إذا رأيناه فيكم ، كما يعرف أحدنا ابنه إذا رآه مع
الغلمان ، والذي يحلق به ابن سلام لانا بمحمد هذا أشد معرفة مني بابني ، قال الله ( الذين
خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون ) .
٣ ـ نجم
: في كتاب دلائل النبوة جم أبي القاسم الحسين بن محمد السكوني ، عن
محمد بن علي بن الحسين ، عن الحسن ، عن عبدالله بن غانم ، عن هناد ، عن يونس ، عن
أبي إسحاق ، عن صالح بن إبارهيم ، عن عبدالرحمن بن أسعد ، عن ابن مسيب ، عن حسان
ابن ثابت
قال : إني والله لغلام يفعاء
ابن سبع أو ثمان سنين أعقل كل ما سمعت
_________________
إذ سمعت يهوديا وعلى
على أكمة
يثرب يصرخ : يا معشر اليهود ، فلما اجتمعوا قالوا : ويلك مالك؟ قال : طلع نجم أحمد الذي يعث به الليلة .
٤ ـ ل
: ما جيلويه ، عن عمه ، عن البرقي ، عن علي بن الحسين الرقي ، عن
عبدالله بن جبلة ، عن الحسن بن عبدالله ، عن آبائه ، عن جده الحسن بن علي بن
أبي طالب عليهمالسلام
في حديث طويل قال : جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله
فسأله
أعلمهم عن أشياء فأجابه عليهالسلام
فأسلم وأخرج رقا أبيض
، فيه جميع ما قال النبي (ص) ، وقال : يا رسول الله والذي بعثك بالحق نبيا ما استسختها إلا من الالواح التي كتب
الله عزوجل لموسى بن عمران عليهالسلام
، ولقد قرأت في التورأه فضلك حتى شككت فيه يا
محمد ، ولقد كنت أمحو اسمك منذ اربعين سنة من التوراة ، وكلما محوته وجدته مثبتا
فيها ، ولقد قرأت في التوراة أن هذه المسائل لا يخرجها غيرك ، وإن في الساعة التي ترد
عليك
فيها هذه المسائل يكون جبرئيل عن يمينك ، وميكائيل عن يسارك ، ووصيك بين يديك ، فقال رسول الله (ص) : صدقت ، هذا جبرئيل عن يمني ، وميكائيل عن يساري ، ووصيي
علي بن أبي طالب بين يدي ، فآمن اليهودي وحسن إسلامه .
٥ ـ ك
: ابن الوليد ، عن الصفار ، عن ابن عيسى ، عن الحسن بن علي ، عن عمر
ابن أبان رفعه
أن تبع
قال في مسيره
:
_________________
حتى أتاني من قريظة عالم
|
|
حبر لعمرك في اليهود مسدد
|
قال :
ازدجر عن قرية محجوبة
|
|
لنبي مكة من قريش مهتد
|
فعفوت عنهم عفو غير مثرب
|
|
وتركتهم لعقاب يوم سرمد
|
وتركتها لله أرجو عفوه
|
|
يوم الحساب من الحميم الموقد
|
فلقد تركت له بها من قومنا
|
|
نفرا اولي حسب وممن يحمد
|
نفرا يكون النصر في أعقابهم
|
|
أرجوا بذلك ثواب رب محمد
|
ما كنت أحسب أن بيتا طاهرا
|
|
لله في بطحاء مكة يعبد
|
قالوا :
بمكة بيت مال داثر
|
|
وكنوزة من لؤلؤ وزبرجد
|
فأردت أمرا حال ربي دونه
|
|
والله يدفع عن خراب المسجد
|
فتركت ما أملته فيه لهم
|
|
وتركتهم مثلا لاهل المشهد
|
قال أبوعبدالله عليهالسلام : كان الخبر أنه سيخرج من هذه يعني مكة نبي يكون
مهاجره يثرب ، فأخذ قوما من اليمن فأنزلهم مع اليهود لينصروه إذا خرج ، وفي ذلك
يقول :
شهدت على أحمد أنه
|
|
رسول من الله بارى ء النسم
|
فلو مد عمري إلى عمره
|
|
لكنت وزيرا له وابن عم
|
وكنت عذاب اعلى المشركين
|
|
أسقيهم كأس حتف وغم
|
٦ ـ ك
: أبي ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبدالحميد
عن الوليد بن صبيح ، عن أبي عبدالله عليهالسلام
قال : إن تبع قال للاوس والخزرج. كونوا
_________________
ها هنا حتى يخرج هذا
النبي ، فأما أنا فلو أدركته لخدمته وخرجت معه .
٧ ـ ك
: أحمد بن محمد بن الحسين البزاز ، عن
محمد بن يعقوب الاصم ، عن أحمد بن
عبدالجبار ، عن يونس بن بكر
، عن زكريا بن يحيى ، عن عكرمة قال : سمعت ابن عباس
يقول : لا يشتبهن عليكم أمر تبع فإنه كان مسلما .
بيان
: اختلف في تبع هل كان مسلما أم لا ، وهذه الروايات تدل على إسلامه.
قال الطبرسي رحمهالله
في قوله تعالى (
أهم خير أم
قوم تبع )
أي أمشركوا قريش
أظهر نعمة ، وأكثر أموالا ، وأعز في القوة والقدرة أم قوم تبع الحميري ، الذي سار
بالجيوش حتى حير الحيرة ، وأتى سمرقند فهدمها ثم بناها ، وكان إذا كتب كتب : ( بسم الذي ملك بر او بحرا ، وضحا وريحا
) ، عن قتادة ، سمي تبعا لكثرة أتباعه
من الناس ، وقيل : لانه تبع من قبله من ملوك اليمن ، والتبابعة : اسم ملوك اليمن ،
فتبع لقب له كما يقال : خاقان لملك الترك ، وقيصر لملك الروم ، واسمه أسعد أبوكرب
، وروى سهل بن سعد ، عن البني صلىاللهعليهوآله
أنه قال : ( لا تسبوا تبعا فإنه كان قد أسلم )
قال كعب : نعم الرجل الصالح ، ذم الله قومه ولم يذمه .
وقال البيضاوي : وكان مؤمنا وقومه
كافرين ، ولذلك ذمهم دونه ، وعنه عليهالسلام
: ما أدري أكان تبع نبيا أو غيرنبي .
٨ ـ ك
: أبي ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن ابن
محبوب ، عن العلاء ، عن محمد بن
مسلم ، عن أبي جعفر عليهالسلام
قال : بينا رسول الله (ص) ذات يوم بفناء الكعبة يوم افتتح مكة
إذ أقبل إليه وفد فسلموا عليه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
: من القوم؟ قالوا : وفد من بكر بن
_________________
وائل ، قال : فهل عندكم علم من خبر قس بن
ساعدة الايادي؟ قالوا : نعم يا رسول الله ، قال : فما فعل؟ قالوا : مات ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
: الحمد لله رب الموت ، ورب الحياة ، كل نفس ذائقة الموت ، كأني أنظر إلى قس بن ساعدة الايادي وهو بسوق عكاظ على
جمل له أحمر ، وهو يخطب الناس ويقول : اجتمعوا أيها الناس ، فإذا اجتمعتم فأنصتوا ، فإذا أنصتم فاستمعوا ، فإذا اسمعتخم
فعوا ، فإذا وعيتم فاحفظوا ، فإذا حفظتم فاصدقوا ، ألا إن من عاش مات ، ومن مات فات ، ومن فات فليس بآت ، إن في السماء خبرا ، وفي
الارض عبرا ، سقف مرفوع ، ومهاد موضوع ، ونجوم تمور ، وليل يدور ، وبحار ما
ا تغور
، يحلف قس ما هذا بلعب
، وإن من وراء هذا لعجبا ، ما لي أرى الناس
يذهبون فلا يرجعون؟ أرضوا بالمقام فأقاموا ، أم تركوا فناموا؟ يحلف قس يمينا غير
كاذبة
إن لله دينا هو خير من الدين الذي أنتم عليه ، ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : رجم الله قسا
يحشر يوم القيامة امة واحدة ، ثم قال : هل فيكم أحد يحسن من شعره شيئا؟ فقال
بعضهم : سمعته يقول :
في الاولين الذاهبين من القرون لنا
بصائر
|
|
لما رأيت مواردا للموت ليس لها مصادر
|
ورأيت قومي نحوها يمضي الاكابر
والاصاغر
|
|
لا يرجع الماضي إلي ولا من الباقين
غابر
|
أيقنت أني لا محالة
حيث صار القوم صائر
وبلغ من حكمة قس بن ساعدة ومعرفته أن
النبي صلىاللهعليهوآله
كان يسأل من يقدم عليه
من إياد
عن حكمته ويصغى إليها .
٩ ـ كنز
الكراجكى : عن أسد بن إبراهيم السلمي ، عن محمد
بن أحمد بن موسى ، _________________
عن عبدالله بن محمد ، عن جعفر بن محمد ، عن محمد بن حسان ،
عن محمد بن الحجاج ،
عن
مجالد ، عن الشعبي ، عن ابن عباس مثله إلى قوله : حيث صار القوم صار .
بيان
: مار الشئ يمور مورا : تحرك وجاء وذهب.
١٠ ـ ك
: الحسن بن عبدالله ، عن الحسين بن الحسين بن علي بن إسماعيل ، عن
محمد بن زكريا ، عن عبدالله بن الضحاك ، عن هشام ، عن أبيه أن وفدا من إياد قدموا
على رسول الله صلىاللهعليهوآله
فسألهم عن حكم قس بن ساعدة فقالوا : قال قس شعرا :
يا ناعي الموت والاموات في جدث
|
|
عليهم من بقايا تر بهم خرق
|
دعهم فإن لهم يوما يصاح بهم
|
|
كما ينبه من نوماته الصعق
|
منهم عرات ومنهم في ثيابهم
|
|
منها جديد ومنها الآن والخلق
|
مطر ونبات وآباء وامهات ، وذاهب وآت ، وآيات
في أثر آيات ، وأموات بعد
أموات ، وضوء وظلام ، وليال وأيام ، وفقير وغني ، وسعيد وشقي ، ومحن ومسئ ، أين
الارباب الفعلة؟ ليصلحن كل عامل عمله ، كلا بل هو الله واحدا ليس بمولود ولا والد ، أعاد وابدئ ، وإليه المآب غدا ، أما بعد يا معشر إياد أين ثمود وعاد؟ وأين الآباء
والاجداد؟ أين الحسن الذي لم يشكر ، والقبيح الذي لم ينقم ، كلا ورب الكعبة ليعودن
ما بدا ، ولئن ذهب يوما
ليعودن يوما.
_________________
وهو قس بن ساعدة بن حداق بن زهر بن إياد
بن نزاد ، أول من آمن بالعيث من
أهل الجاهلية ، وأول من توكأ على عصا ، ويقال : إنه عاش ست مأة سنة ، وكان يعرف
النبي باسمه ونسبه ، ويبشر الناس بخروجه وكان يستعمل التقية ، ويأمر بها في خلال
ما يعظ به الناس .
بيان
: الترب يحتمل أن يكون بالمثلثه يقال : ثرب المريض : نزع عنه ثوبه ، ويحتمل أن يكون تصحيف ثوبهم ، وفي بعض النسخ بزهم وهو أظهر.
أقول
: سيأتي وصية قس في أبواب المواعظ ، وفي
باب كونهم أفضل من الانبياء
في كتاب اللامامة.
١١ ـ ك
: ماجيلويه ، عن عمه ، عن الكوفي ، عن
علي بن حكيم ، عن عمرو بن
بكار العبسي ، عن محمد بن السائب ، عن أبى صالح ، عن ابن عباس ، وعن محمد بن علي بن حاتم البرمكي ،
، عن محمد بن أحمد بن أزهر ، عن محمد بن
إسحاق البصري ، عن علي بن حرب ، عن أحمد بن عثمان بن حكيم ، عن عمرو بن بيكر ، عن أحمد بن القاسم ، عن محمد بن السائب ، عن أبي صالح ، ن ابن عباس قال : لما ظفر
سيف بن
ذي يزن
بالحبشة وذلك بعد مولد النبي (ص) بسنتين أتاه وفد العرب وأشرافها
وشعراءها لتهنئه وتمدحه ، وتذكر ما كان من بلائه وطلبه بثار قومه ، فأتاه وفد من
قريش ومعهم عبدالمطلب بن هاشم وامية بن عبد شمس ، وعبدالله بن جذعان ، وأسد بن
خويلد بن عبدالعزى
، ووهب بن عبد مناف في اناس من وجوه قريش ، فقدموا عليه
_________________
صنعاء فاستأذنوا ، فإذا
هو في راس قصر يقال له : غمدان ، وهو الذي يقول فيه امية بن
أبي الصلت :
اشرب هنيئا عليك التاج مرتفقا
|
|
في راس غمدان دارا منك محلالا
|
فدخل عليه الآذن فأخبره بمكانهم فأذن
لهم ، فلما دخلوا عليه دنا عبدالمطلب منه
فاستأذنه في الكلام ، فقال له : إن كنت ممن يتكلم بين يدي الملوك فقد أذنا لك. قال
: فقال عبدالمطلب : إن الله أحلك أيها الملك محلا رفيعا صعبا منيعا شامخا باذخا ، وأنبتك
منبتا طابت ارومته ، وعذبت جرثومته
، وثبت أصله ، وبسق فرعه ، في أكرم موطن ، وأطيب معدن ، فأنت أبيت اللعن ملك العرب ، وريعها الذي تخصب به ، وأنت أيها الملك
راس العرب الذي له تنقاد ، وعمودها الذي عليه العماد ، ومعقلها الذي يلجأ إليه العباد
سلفك خير سلف ، وأنت لنا منهم خير خلف ، فلن يخمل من أنت سلفه ، ولن يهلك
من أنت خلفه ، نحن أيها الملك أهل حرم الله وسدنة بيته ، أشخصنا إليك الذي أبهجنا
من كشفك الكرب الذي فدحنا
، فنحن وفد التهنئة ، لا وفد المرزئة ، قال : وأيهم
أنت أيها المتكلم؟ قال : أنا عبدالمطلب بن هاشم ، قال : ابن اختنا؟ قال : نعم ، قال
: ادن فأدناه ، ثم
أقبل على القوم وعليه فقال : مرحبا وأهلا ، وناقة ورحلا ، ومستناخا
_________________
سهلا ، وملكا وربحلا
، يعطى عطاء
جزلا ، قد سمع الملك مقالتكم ، وعرف قرابتكم ، وقبل وسيلتكم ، وأنتم
أهل الليل ، وأهل النهار ، ولكم الكرامة ما أقمتم ، والحباء
إذا ظعنتم ، قال : ثم انهضوا إلى دار الضيافة والوفود فأقاموا شهرا لا يصلون إليه
، ولا يأذن
لهم بالانصراف ، ثم انتبه لهم انتباهة فأرسل إلى عبدالمطلب فأدنى مجلسه وأخلاه ، ثم قال : أيا عبدالمطلب
إني مفوض إليك من سر علمي أمرا لو كان
غيرك لم أبح
له به ، ولكني
رأيتك معدنه فأطلعك عليه طلعة
فليكن عندنا مطويا حتى يأذن
الله فيه ، فإن الله بالغ أمره ، إني أجد في ى الكتاب المكنون والعلم المخزون الذي
اخترناه
لانفسنا وأخبرناه
دون غيرنا خبرا عظيما ، وخطرا جسيما ، فيه شرف الحياة ، وفضيلة
الوفاة ، للناس عامة ، ولرهطك كافة ، ولك خاصة ، فقال عبدالمطلب : مثلك أيها الملك
من سر وبر ،
فما هو فداك أهل الوبر زمرا بعد زمر ؟
فقال : إذا ولد بتهامة ، غلام
بين كتفيه شامة ، كانت له الامامة ، ولكم به الزعامة إلى يوم القيامة ، فقال له عبدالمطلب :
أبيت اللعن لقد ابت
بخير ما آب بمثله وافد ، ولو لاهيبة الملك وإجلاله وإعظامه
_________________
لسألته من أسراره ما
أزداد به سرورا
، فقال ابن ذي يزن : هذا حينه الذي يولد فيه ، أو قد ولد فيه ، اسمه محمد ، يموت أبوه وامه ، ويكفله جده وعمه ، وقد ولداه سرارا
والله باعثه جهارا ، وجاعل له منا أنصارا ، يعز بهم أوليائه ، ويذل بهم أعدائه ، يضرب
بهم
الناس عن عرض ،
ويستفتح بهم
كرائم الارض ، يكسر الاوثان ، ويخمد النيران ، ويعبد الرحمن ، ويزجر
الشيطان ، قوله فصل ، وحكمه عدل ، يأمر بالمعروف ويفعله ، وينهي عن المنكر ويبطله ، فقال عبدالمطلب : أيها الملك عز جدك ، وعلا كعبك ، ودام
ملكك ، وطال عمرك ، فهل الملك ساري بإفصاح
فقد أوضح لي بعض الايضاح؟ فقال ابن
ذى يزن : والبيت ذي الحجب ، والعلامات على البيت ، إنك يا عبدالمطلب لجده غير كذب ، قال : فخر عبدالمطلب ساجدا ، فقال له : ارفع رأسك ، ثلج صدرك ، وعلا أمرك ، فهل
أحسست
شيئا مما ذكرته لك ، فقال
: كان لي ابن وكنت به معجبا ، وعليه رفيقا ،
فزوجته
كريمة من كرائم قومي : آمنة بنت وهب ، فجاءت بغلام فسميته محمدا ، مات أبوه وأمه
_________________
وكفلته أنا وعمه ، فقال ابن ي يزن : إن الذي قلت لك كما
قلت فاحتفظ
بابنك ، واحذر عليه اليهود ، فإنهم له أعداء ، ولن يجعل الله لهم عليه سبيلا ، واطلوا
ما
ذكرت لك دون هؤلاء الرهط الذين معك فإني لست آمن أن تدخلهم النفاسة أن تكون
له الرئاسة
فيطلبون له الغوئل ، وينصبون له الحبائل ، وهم فاعلون أو أبنائهم ، ولو لا علمي بأن الموت مجتاحي قبل مبعثه لسرت بخيلي ورجلي حتى صرت بيثرب
دار ملكه نصرة له ، لكني أجد في الكتاب الناطق والعلم السابق أن يثرب دار
ملكه ، وبها استحكام أمره ، وأهل نصرته ، وموضع قبره ، ولو لا أني أخاف فيه
العاهات ، وأحذر عليه العاهات لاعلنت على حداثة سنه أمره في هذا الوقت ، ولاوطأت أسنان العرب
عقبه ، ولكني صارف إليك عن ذلك غير تقصير
مني بمن معك ، قال : ثم أمر لكل
رجل من القوم بعشرة أعبد ، وعشر إماء ، وحلتين من البرود ، ومأة من الابل ، وخمسة
أرطال ذهب ، وعشرة أرطال فضة ، وكرش
مملوة عنبرا ، وأمر لعبد المطلب بعشرة
أضعاف ذلك ، وقال : إذا حال الحول فأتني ، فمات ابن ذي يزن قبل أن يحول الحول ، قال : وكان عبدالمطلب كثيرا ما يقول : يا معشر قريش لا يغبطني رجل منكم بجزيل عطاء
الملك وإن كثر فإنه إلى نفاد ، ولكن يغبطني
بما يبقى لي ولعقبي من بعدي ذكره وفخره
_________________
وشرفه ، فإذا قيل : متى
ذلك ؟ قال : ستعلمن
نبأ ما أقول ولو بعد حين ، وفي ذلك يقول
امية بن عبد شمس يذكر مسيرهم إلى ابن ذي يزن.
جلبنا الضح تحمله المطايا
|
|
على أكوار أجمال ونوق
|
مغلغلة مرافقها تعالى
|
|
إلى صنعاء من فج عميق
|
تؤم بنا ابن ذي يزن وتهدى
|
|
ذوات بطونها أم الطريق
|
وتزجى من مخائله بروقا
|
|
مواصلة الوميض إلى بروق
|
فلما وافقت صنعاء صارت
|
|
بدار الملك والحسب العريق
|
إلى ملك يدر لنا العطايا
|
|
بحسن بشاشة الوجه الطليق
|
١٢ ـ عم
: عن أبي صالح ، عن ابن عباس مثله ، ثم قال : روى هذا الحديث الشيخ
أبوبكر أحمد بن الحسين البيهقي في كتاب دلائل النبوة من طريقين .
١٣ ـ كنز
الكراجكى : عن الحسين بن عبيدالله الواسطي ، عن
التلعكبري ، عن محمد بن
همان ز أحمد بن هوذه ، عن الحسين بن محمد بن جمهور ، عن أبيه ، عن علي بن حرب مثله
.
ايضاح :
قوله : مرتفقا ، قال الجزري. المرتفق : المتكئ على المرفقة وهي
كالوسادة ، ومنه حديث ابن ذي يزن : اشرب هنيئا عليك التاج مرتفقا.
وقال الفيروزآبادي : روضة محلال : تحل
كثيرا. انتهى.
_________________
والارومة بالفتح : أصل
الشجرة. قوله : وعذبت في أكثر النسخ بالباء الموحدة ، وفي بعضها بالمثناة من العذاة : الارض الطيبة البعيدة من الماء والسباخ ، وفي
بعضها
عزت ، وفي بعضها عظمت. والجر ثومة بالضم : الاصل. وبسق النخل : طال.
قوله : أبيت اللعن ، قال الجزري : كان هذا في تحايا الملوك في الجاهلية والدعاء
لهم ، معناه أبيت أن تفعل فعلا تلعن بسببه وتذم انتهى. وقيل : أي أجارك الله أن
تفعل
ما تلعن به والسدنة جمع السادن وهو الخادم : وأشخصنا ، أي أخبرجنا وأتى بنا.
وأبهجنا
أي أمرحنا. وفدحنا أي ثقل علينا. والمرزئة : المصيبة. والربحل بكسر الراء ، وفتح
الباء
الواسع العطاء. والجزل : العظيم.
قوله : وأنتم أهل الليل ، وأهل النهار ،
أي نصحبكم ونأنس بكم في الليل والنهار.
والحباء : العطاء ، والظعن : الارتحال. قوله : انتبه لهم ، أي ذكرهم مفاجاة.
قوله : أخبرناه ، في بعض النسخ : اختبيناه
، أي أخفيناه ، وفي روايات العامة : احتجناه بالحاء المهملة ، ثم التاء ، ثم الجيم ، ثم النون المشددة ، قال الجزري : الاحتجان
جمع الشئ وضمه إليك ، ومنه حديث ابن ذي يزن واحتجناه دون غيرنا. والشامة
بالهمزة وقد يخفف : الخال في الجسد ، والمراد بها هنا خاتم النبوة. والزعامة : الشرف
والرئاسة.
قوله : ولداه سرارا ، في بعض الروايات :
وقد ولدناه مرارا ، أي كانت غير واحدة
من جداته من قبيلتنا من اليمن.
قوله : عن عرض ، بالضم ، أي من اعترض
لهم من أي ناحية وجانب كان ، يعني إذا
لم يوافقهم في دينهم ، قال الفيروز آبادي : ويضربون الناس عن عرض : لا يبالون من
يضربون.
وقال : الكعب : الشرف والمجد. وقال الجزرى : لا يزال كعبك عاليا ، أى لا تزال
شريفا مرتفعا
على من يعاديك. قوله : والعلامات على البيت ، في بعض الروايات على النصب ، وفسر
بحجارة
كانوا يذبحون عليها للاصنام ، ويحتمل أن يكون المراد أنصاب الحرم. وقال الجزرى : ثلجت نفسي بالامر : إذا اطمأنت إليه إليه وسكنت. وثبت فيها ووثقت به ، ومنه حديث
ابن
_________________
ذي يزن : وثلج صدرك.
والمراد بالنفاسة : الحسد ، وفي الاصل بمعنى البخل ، و
الاستبداد بالشئ ، والرغبة فيه. والغوائل جمع الغائلة وهي الشر. والحبائل : المصائد.
والاجتياح : الاهلاك والاستيصال.
وقال الجزري : في حديث ابن ذي يزن : لاوطئن
أسنان العرب كعبه ، يريد ذوي
أسنانهم وهم الاكابر والاشراف انتهى ، أي لرفعته على أشرافهم ، وجعلتهم موضع قدمه.
وقال الجزري : فيه يكون رسول الله في الضح والريح ، قال الهروي : أراد كثرة الخيل
والجيش ، يقال : جاء فلان بالضح والريح ، أي بما طلعت عليه الشمس ، وهبت عليه
الريح ، يعنون المال الكثير ، وقال : الاكوار جمع كور بالضم وهور حل الناقة بأداته ، وقال
: في حديث ابن ذي يزن :
مغلغلة مغالقها تعالى
|
|
إلى صنعآء من فج عميق.
|
المغلغلة بفتح الغينين : الرسالة
المحمولة من بلد إلى بلد ، وبكسر الثانية : المسرعة
من الغلغلة : سرعة السير.
قوله : تعالى ، أي تتصاعد وتذهب ، قوله
: وتهدى في أكثر الروايات ، وتفرى
أي تقطع. وام الطريق : معظمة. والازجاء : السوق ، والدفع. والمخائل جمع المخيلة
وهي السحابة التي تحسبها ماطرة. والوميض : لمعان البرق.
١٤ ـ ك
: القطان وابن موسى ومحمد بن أحمد الشيباني
جميعا ، عن ابن زكريا
القطان ، عن محمد بن إسماعيل ، عن عبدالله بن محمد ، عن أبيه ، عن الهيثم ، عن
محمد بن السائب ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، عن أبيه العباس بن عبدالمطلب ، عن أبي طالب قال : خرجت إلى الشام تاجرا سنة ثمان من مولد رسول الله صلىاللهعليهوآله
، وكان في أشد ما يكون من
الحر فلما أجمعت على السير قال لي رجال قومى
: ما تريد أن تفعل بمحمد؟ وعلى
من تخلفه؟ فقلت : لا اريد أن اخلفه على أحد ، يكون معي ، فقيل : صغير في حر
_________________
مثل هذا تخرجه معك؟
فقلت : والله لا يفارقني حيث توجهت أبدا ، وإني لا وطئ له
الرحل ، فذهبت فحشوت له حشية زكتأ وكناركبانا كثيرا ، فكان والله البعير الذي
عليه محمد أمامي لا يفارقني وكان يسبق الركب كلهم ، وكان إذا اشتد الحر جاءت سحابة
بيضاء مثل قطعة ثلج فتسلم عليه وتقف على راسه ولا تفارقه ، وكانت ربما أمطرت علينا
السحابة بأنواع الفواكه وهي تسير معنا ، وضاق الماء بنا في طريقنا حتى كنا لا نصيب
قربة
إلا بدينارين ، وكنا حيث ما نزلنا تمتلي الحياض ، ويكثر الماء وتخضر الارض ، فكنا
في كل خصب وطيب من الخير ، وكان فينا
قوم قد وقفت جمالهم فمشى إليها رسول
الله ومسح عليها فسارت
، فلما قربنا من بصرى
إذا نحن بصومعة قد أقبلت تمشي كما تمشي
الدابة السريعة حتى إذا قربت منا وقفت ، فإذا فيها راهب وكانت السحابة لا تفارق
رسول
الله صلىاللهعليهوآله
ساعة واحدة ، وكان الراهب لا يكلم الناس ، ولا يدري ما الركب ، وما فيه من
التجار
، فلما نظر إلى النبي صلىاللهعليهوآله
عرفه ، فسمعته يقول : إن كان أحدفأنت أنت ، قال : فنزلنا تحت شجرة عظيمة قريبة من الراهب قليلة الاغصان ، ليس لها حمل ، وكان الركب
ينزل تحلها ، فلما نزلها رسول الله صلىاللهعليهوآله
اهتزت الشجرة ، وألقت أغصانها على رسول الله ، وحملت من ثلاثة أنواع من الفاكهة : فاكهتان للصيف ، وفاكهة للشتاء ، فتعجب جميع
من معنا من ذلك ، فلما رأى بحيراء
الراهب ذهب فاتخذ طعاما لرسول الله بقدرما يكفيه ، ثم جاء وقال : من يتولى أمر هذا الغلام؟ فقلت : أنا ، فقال ، أي شئ تكون منه؟ فقلت
: أنا عمه ، فقال : يا هذا إن له أعماما ، فأي الاعمام أنت؟ فقلت أنا أخو أبيه من أم
واحدة ،
_________________
فقال : أشهد أنه هو
وإلا فلست بحيراء ، ثم قال : يا هذا أتأذن لي أن أقرب هذا الطعام منه
ليأكله ، فقلت له : قربه إليه
، فالتفت إلى النبي صلىاللهعليهوآله
فقلت له : يا بني
رجل
أحب أن يكرمك فكل ، فقال : هو لي دون أصحابي؟ فقال بحيراء : نعم هو لك خاصة ، فقال النبي صلىاللهعليهوآله
: فإني لا آكل دون هؤلاء ، فقال بحيراء : إنه لم يكن عندي أكثر من
هذا ، فقال : أفتأذن يا بحيراء أن يأكلوا معي؟ فقال : نعم ، فقال : بسم الله ، فأكل و
أكلنا معه ، فو الله لقد كنا مأة وسبعين رجلا ، وأكل كل واحد منا حتى شبع و
تجشأ ، وبحيراء قائم على رأس رسول الله صلىاللهعليهوآله
يذب عنه ، ويتعجب من كثرة الرجال
وقلة الطعام ، وفي كل ساعة يقبل رأسه ويا فوخه
، ويقول : هو هو ورب
المسيح ، والناس لا يفقهون
، فقال رجل من الركب : إن لك لشأنا ، وقل كنا
نمر بك قبل اليوم فلا تفعل بنا هذا البر ، فقال بحيراء : والله إن لي لشأنا وشأنا
، وإني لارى ما لا ترون ، وأعلم ما لا تعلمون ، وإن تحت هذه الشجرة لغلاما
لو كنتم تعلمون منه ما أعلم لحملتموه على أعناقكم حتى تردوه إلى وطنه ، والله ما
أكرمتكم إلاله ، ولقد رأيت
وقد أقبل نور من أمامه ما بين السمآء والارض ، ولقد
رأيت رجالا في أيديهم مراوح الياقوت والزبرجد يروحونه ، وآخرين ينثرون عليه
أنواع الفواكه ، ثم هذه السحابة لا تفارقه ، وصومعتي مشت إليه كما تمشي الدابة على
رجلها ، ثم هذه الشجرة لم تزل يابسة قليلة الاغصان وقد كثرت أغصانها واهت
_________________
حملت ثلاثة أنواع من
الفواكه : فاكهتان للصيف ، وفاكهة للشتاء ، ثم هذه الحياض التي
غارت وذهبت ماءها أيام تمرج
بني اسرآئيل بعد الحواريين حين وردوا
عليهم ، فوجدنا في كتاب شمعون الصفا أنه دعا عليهم فغارت وذهب ماءها ، ثم قال : متى ما
رأيتم
قد ظهر في هذه الحياض الماء فاعلموا أنه لاجل نبي يخرج في أرض تهامة ، مهاجره إلى
المدينة ، اسمه في قومه الامين ، وفي السمآء أحمد ، وهو من عترة إسماعيل بن
إبراهيم
لصلبه ، فو الله إنه لهو ، ثم قال بحيراء : يا غلام أسألك عن ثلاث خصاص بحق اللات
والعزى
إلا ما أخبر تنيها ، فغضب رسول الله صلىاللهعليهوآله
عند ذكر اللات والعزى ، وقال : لا تسألني
بهما ، فو الله ما أبغضت شيئا كبغضهما ، إنهما صنمان من حجارة لقومي ، فقال بحيراء
: هذه واحدة ، ثم قال : فبالله إلا ما أخبرتني ، فقال : سل عما بدالك فإنك قد سألتني
بإلهي
وإلهك الذي ليس كمثله شئ ، فقال : أسالك عن نومك ويقظتك ، فأخبره عن نومه و
يقظته واموره وجميع شأنه
، فوافق ذلك ما عند بحيراء،
فأكب عليه بحيراء يقبل رجليه ويقول : يا بني ما اطيب ريحك؟ يا أكثر النبيين أتباعا ، يا من بهاء نور الدنيا من نوره ، يا
من بمذكره
تعمر المساجد ، كأنني بك قد قدمت
الاجناد والخيل الجياد ، وتبعك العرب والعجم
طوعا وكرها ، وكأنني باللات والعزي وقد كسرتهما ، وقد صار البيت العتيق لا يملكه
غيرك ، تضع مفاتيحه حيث تريد ، كم من بطل من قريش والعرب تصرعه؟! معك مفاتيح
الجنان والنيران ، معك الذبح
الاكبر وهلاك الاصنام ، أنت الذي لا تقوم الساعة
حتى تدخل الملوك كلها في دينك صاغرة قمئة ، فلم يزل يقبل يديه مرة ورجليه مرة
ويقول : لئن
أدركت زمانك لاضربن بين يديك بالسيف ضرب الزند بالزند ، أنت سيد ولد آدم ، و
_________________
سيد المرسلين ، وإمام
المتقين ، وخاتم النبيين ، والله لقد ضحكت الارض يوم ولدت فهي
ضاحكة إلى يوم القيامة فرحابك ، والله لقد بكت البيع والاصنام ، والشياطين فهي
باكية إلى يوم القيامة ، أنت بدعوة إبراهيم
، وبشارة عيسى ، أنت المقدس المطهر من
أنجاس الجاهلية ، ثم التفت إلى أبي طالب فقال : ما يكون هذا الغلام منك فإني
أراك لا تفارقه؟ فقال أبوطالب : هو أبني ، فقال : ما هو ابنك وما ينبغي لهذا
الغلام أن يكون
والده الذي ولده حيا ولا امه ، فقال : إنه ابن أخي وقد مات أبوه وامه حاملة به ، و
ماتت امه وهو ابن ست سنين ، فقال : صدقت هكذا هو ، ولكني أرى لك أن ترده
إلى بلده عن هذا الوجه ، فإنه ما بقي على ظهر الارض يهودي ولا نصراني ولا صاحب
كتاب إلا وقد علم بولادة هذا الغلام ، ولئن رأوه وعرفوا منه ما قد عرفت أنا منه
ليبغنه
شرا ، وأكثر ذلك
من اليهود ، فقال أبوطالب : ولم ذلك؟ قال : لانه كائن لابن
أخيك الرسالة والنبوة ، ويأتيه الناموس الاكبر الذي كان يأتي موسى وعيسى ، فقال
أبوطالب : كلا إن شاء الله لم يكن الله ليضيعه ، ثم خرجنا به إلى الشام فلما قربنا
من
الشام رأيت والله قصور الشامات كلها قد اهتزت ، وعلامنها نور أعظم من نور الشمس ، فلما توسطت
الشام ما قدرنا أن نجوز سوق الشام من كثرة ما ازدحم الناس ينظرون
إلى وجه رسول الله صلىاللهعليهوآله
، وذهب الخبر إلى جميع الشامات حتى ما بقى فيها حبر ولا
راهب إلا اجتمع عليه ، فجاء حبر عظيم كان اسمه نسطور فجلس مقابله ينظر إليه ولا يكلمه
بشئ ، حتى فعل ذلك ثلاثة أيام متوالية ، فلما كانت الليلة الثالثة لم يصبر حتى قام
إليه فدار خلفه كأنه يلتمس منه شيئا ، فقلت : يا راهب كأنك تريد منه شيئا؟ قال : أجل إني اريد منه شيئا ، ما اسمه؟ قلت : محمد بن عبدالله ، فتغير والله لونه ، ثم
قال :
_________________
فترى أن تأمره أن
يكشف لي عن ظهره لانظر لاليه؟ فكشف عن ظهره فلما رأى الخاتم
أكب عليه
يقبله ويبكي ، ثم قال : يا هذا اسرع برد هذا الغلام إلى موضعه الذي
ولد فيه ، فإنك لو تدري كم عدو له في أرضنا لم تكن بالذي تقدمه معك ، فلم يزل
يتعاهده
في كل يوم ويحمل إليه الطعام ، فلما خر جنامنها أتاه بقميص من عنده ، فقال له : ترى
أن
تلبس هذا القميص لتذكرني به؟ فلم يقبله ، ورأيته كارها لذلك ، فأخذت أنا القميص
مخافة أن يغتم ، وقلت : أنا البسه ، وعجلت به حتى رددته إلى مكة ، فو الله ما بقي
بمكة يومئذ امرأة ولا كهل ولا شاب ولا صغير ولا كبير إلا استقبله شوقا إليه ما خلا
أبوجل لعنه الله ،
فإنه كان فاتكاما جنا قد ثمل من السكر .
بيان
: قوله : حشية زكتأ الزكت : الملا ، وفي بعض النسخ دكتأ ، ولم أعرف
له معنى ، وفي بعضها ريشا وكتانا كثيرا ، وهو أصوب. قوله وضاق الماء بنا ، لعل
المراد به في غير
هذه المرة أو أولا. والمرج بالتحرى : الفساد والغلق والاضطراب. قوله : قمئة أي
ذليلة. والزند : الذي يقدح به النار. والفاتك : الذي يرتكب ما دعت إليه النفس. والجري : الشجاع.
والماجن : الذي لا يبالي قولا وفعلا. والثمل : السكر ، يقال : ثمل كفرح. والمراد
هنا
شدته ، أو السكر بالتحريك ، وهو الخمر ، ونبيذ يتخذ من التمر.
١٥ ـ ك
: بالاسناد المتقدم عن عبدالله بن محمد ، عن أبيه ، وعبدالرحمن بن محمد ، عن محمد
ابن عبدالله بن أبي بكر بن عمرو بن هرثم
، عن أبيه ، عن جده أن أباطالب قال : لما
فارقه بحيراء بكى بكاء شديدا وأخذ يقول : ابن آمة كأني بك وقد رمتك العرب بوترها ،
_________________
وقد قطعك الاقارب ، ولو
علموا لكنت لهم بمنزلة الاولاد ، ثم التفت إلي وقال : أما أنت
يا عم فارع فيه قرابتك الموصولة ، واحفظ فيه وصية أبيك ، فإن قريشا ستهجرك فيه ، فلا تبال فإني أعلم أنك لا تؤمن به
، ولكن ، سيؤمن به ولد تلده ، وسينصره نصرا
عزيزا ، اسمه في السماوات البطل الهاصر ، والشجاع الاقرع ، منه الفرخان المستشهدان ، وهو سيد العرب ورئيسها
، وذو قرنيها ، وهو في التب أعرف من أصحاب
عيسى عليهالسلام
، فقال أبوطالب : قد رأيت والله كل الذي وصفه بحيراء وأكثر .
١٦ ـ عم
: أورد محمد بن إسحاق بن يسار ، وساق مثل هذا الخبر ثم قال : وفي ذلك يقول
أبوطالب في قصيدته الداليسة أوردها محمد بن إسحق بن يسار :
إن ابن آمنة النبي محمدا
|
|
عندي بمثل منازل الاولاد
|
فارفض من عيني دمع ذارف
|
|
والعيس قط قلصن بالازواد
|
لما تعلق بالزمام رحمته
|
|
مثل الجمان مفرد الافراد
|
راعيت فيه قرابة موصولة
|
|
وحفظت فيه وصية الاجداد
|
وأمرته بالسير بين عمومة
|
|
بيض الوجوه مصالت الانجاد
|
ساروا لابعد طية معلومة
|
|
ولقد تباعد طية المرتاد
|
حتى إذا ما القوم بصرى عاينوا
|
|
لاقوا على شرف من المرصاد
|
_________________
حبرا فأخبرهم حديثا صادقا
|
|
عنه ورد معاشر الحساد
|
قوما يهودا قدرءوا ما قد رأى
|
|
ظل الغمام وعز ذي الاكباد
|
ساروا لقتل محمد فنهاهم
|
|
عنه وأجهد أحسن الاجهاد
|
بيان
: البطل : الشجاع ، والهاصر : الاسد الشديد الذي يفترس ويكسر ، والاقرع المراد به الاصلع ، وأما قوله : أعلم أنك لا تؤمن به المراد به الايمان
الظاهري ،
والعيس بالكسر : الابل البيض يخالط بياضها شئ من الشقرة. قوله : قد قلصن ، أي
اجتمعن وانضممن ، والازواد جمع الزاد وهو الطعام المتخذ للسفر ، والجمان هو اللؤلؤ
الصغار ، وقيل : حب يتخذ من الفضة أمثال اللؤلؤ ، والمصالت جمع المصلت بالكسر وهو
الماضي في الامور ، والانجاد جمع نجد بالفتح وهو الشجاع ، وقال الجوهري : قال
الخليل : الطية تكون منزلا ، وتكون منتأى
، تقول : من مضى لطية أي لنيته التي انتواها ، وبعدت عنا طية ، وهو المنزل الذي انتواه.
١٧ ـ ك
: أبي ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان يرفعه
قال : لما بلغ رسول الله صلىاللهعليهوآله
أراد أبوطالب يخرج إلى الشام في عير قريش ، فجاء رسول
الله صلىاللهعليهوآله
وتشبث بالزمام وقال : يا عم على من تخلفني؟ لا على ام ، ولا على أب
وقد كانت امه توفيت ، فرق له أبوطالب ورحمه وأخرجه معه ، وكانوا إذا ساروا
_________________
تسير على راس رسول
الله الغمامة تظله من الشمس ، فمر وافي طريقهم برجل يقال له : بحيراء ، فلما راى الغمامة تسير معهم نزل من صومعته ، فأخذ لقريش طعاما وبعث إليهم
يسألهم أن يأتوه فأتوه ، وخلفوا رسول الله صلىاللهعليهوآله
في الرحل ، فنظر بحيراء إلى الغمامة
قائمة ، فقال لهم : هل بقي منكم أحد لم يأتني؟ فقالوا : ما بقي منا إلا غلام حدث
خلفناه
في الرحل ، فقال : لا يبنبغي أن يتخلف عن طعامي أحد منكم ، فبعثوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله
فلما أقبل أقبلت الغمامة ، فلما نظر إليه بحيراء قال : من هذا الغلام؟ قالوا : ابن
هذا ، وأشاروا إلى أبي طالب ، فقال له حبحيراء : هذا ابنك؟ فقال أبوطالب : هذا ابن أخي ،
قال : ما فعل ابوه؟ قال : توفي وهو حمل ، فقال بحيراء لابي طالب : رد هذا الغلام في
بلاده ، فإنه إن علمت منه اليهود ما أعلم منه قتلوه ، فإن لهذا شأنا من الشأن ، هذا نبي
هذه
الامة ، هذا نبي السيف .
١٨ ـ ك
: القطان وابن موسى والسناني جميعا ، عن ابن زكريا القطان ، عن محمد
ابن إسماعيل ، عن عبدالله بن محمد ، قال : حدثني أبي وحدثني الهيثم بن عمر
المزني ، عن عمه ، عن يعلى النسابة قال : خرج خالد بن أسيد بن أبي العاص وطليق
ابن أبي سيفيان بن امية تجارا إلى الشام سنة خرج رسول الله صلىاللهعليهوآله فيها ، فكانا معه ،
وكانا يحكيان أنهما رءيا في مسيره وركوبه مما يصنع الوحش والطير ، فلما توسطنا
سوق بصرى إذا نحن بقوم من الرهبان قد جاءوا متغيري الالوان ، كأن على وجوهم
الزعفران نرى منهم الرعد
، فقالوا : يجب
أن تأتوا أكبرنا ، فإنه هاهنا قريب في
الكنيسة العظمى ، فقلنا : ما لنا ولكم؟ فقالوا : ليس يضركم من هذا شئ ، ولعلنا
نكرمكم ، وظنوا أن واحد منا محمد ، فذهبنا معهم حتى دخلنا معهم الكنيسة العظيمة
البنيان ، فإذا كبيرهم قد توسطهم وحوله تلامذته ، وقد نشر كتابا في يده ، فأخذ ينظر
_________________
إلينا مرة ، وفي
الكتاب مرة ، فقال لاصحابه : ما صنعتم شيئا ، لم تأتوني بالذي اريد ، وهو الآن هاهنا ، ثم قال لنا : من أنتم؟ قلنا : رهط من قريش ، فقال : من أي قريش؟
فقلنا : من بني عبد شمس ، فقال لنا : معكم غيركم؟ فقلنا : نعم شاب من بني هاشم ، نسميه
يتيم بني عبدالمطلب ، فو اللله لقد نخر نخرة
كادأن يغشى عليه ، ثم وثب فقال : أوه أوه
هلكت النصرانية والمسيح ، ثم قام واتكأ على صليب من صلبانه وهو مفكر وحوله ثمانون
رجلا من البطارقة والتلامذة ، فقال لنا : فيخف عليكم أن ترونيه؟ فقلنا له : نعم ، فجاء
معنا ، فإذا نحن بمحمد ، قائم في سوق بصرى ، والله لكأنا لم نر وجهه إلا يومئذ ، كان
هلالا يلالا من وجهه ، قد ربح الكثير ، واشترى الكثير فأردنا أن نقول للقين : هو هذا ، فإذا هو قد سبقنا فقال : هو
قد عرفته والمسيح فدنا منه ، وقبل رأسه ، وقال : أنت
المقدس ، ثم أخذ يسأله عن أشياء من علاماته فأخذ النبي صلىاللهعليهوآله يخبره فسمعناه يقول
: لئن أدركت زمانك لاعطين السيف حقه ، ثم قال لنا : أتعلمون ما معه معه الحياة
والموت؟
من تعلق بن حيي طويلا ، ومن زاغ عنه مات موتا لا يحي بعده أبدا ، هو الذي معه
الربح الاعظم ، ثم قبل وجهه
ورجع راجعا .
بيان
: قوله : للقين : القين العبد ، ولعلهم أرادوا أن يغلطوه ويكذبوه فأرادوا أن
يشيروا
إلى عبد أنه هو فعرفه قبل ذلك ، وفي بعض النسخ للقس وهو الظاهر.
١٩ ـ ك
: القطان وابن موسى والسناني جميعا ، عن ابن زكريا القطان ، عن
محمد بن إسماعيل ، عن عبدالله بن محمد ، عن أبيه ، وقيس بن سعد الدئلي ، عن
عبدالله بن
بحير الفقعسي
، عن بكر بن عبدالله الاشجعي ، عن آبائه قالوا : خرج سنة خرج
_________________
رسول الله (ص) إلى
الشام عبد مناة بن كنانة ، ونوفل بن معاوية بن عروة بن صخر بن
نعمان بن عدى تجارا إلى الشام ، فلقاهما أبوالمويهب الراهب فقال لهما : من أنتما؟
قالا : نحن تجار من أهل الحرم من قريش ، فقال لهما : من أى قريش؟ فاخبراه ، فقال
لهما : هل قدم معكما من قريش غيركما؟ قالا : نعم شاب معنى بني هاشم اسمه محمد ، فقال
أبوالمويهب : إياه والله أردت ، فقالا : والله ما في قريش أخمل منه ذكرا ، إنما يسمونه
بيتيم قريش ، وهو
أجير لامرأة منا يقال لها : خديجة ، فما حاجتك إليه ، فأخذ
يحرك راسه ويقول : هو هو ، فقال لهما : تدلاني عليه ، فقالا : تركناه في سوق بصرى
، فبيناهم في الكلام إذ طلع
رسول الله (ص) ، فقال : هو هذا ، فخلابه ساعة يناجيه و
يكلمه ، ثم أخذ يقبل بين عينيه ، وأخرج شيئا من كمه لا ندرى ما هو ورسول الله صلىاللهعليهوآله
يأبى أن يقبله ، فلما فارقه قال لنا : تسمعان مني؟ هذا والله نبي آخر الزمان ، والله سيخرج إلى قريب يدعو الناس إلى شهادة أن لا إله إلا الله فاذا رأيتم ذلك
فاتبعوه ، ثم قال : هل ولد لعمه أبي طالب ولد يقال له : علي؟ فقلنا : لا ، فقال : إما
أن يكون قد ولد ، أو يولد في سنته ، هو أول من يؤمن به ، نعرفه ، وإنا لنجد صفته
عندنا
بالوصية كما نجد صفة محمد بالنبوة ، وإنه سيد العرب وربانيها وذو قرنيها ، يعطي
السيف حقه ، اسمه في الملا الاعلى علي ، وهو أعلى الخلائق يوم القيامة بعد
الانبياء
ذكرا ، وتسميه الملائكة البطل الازهر المفلح لا يتوجه إلى وجه إلا أفلح وظفر ، والله
هو
_________________
أعرف بين أصحابه في
السمآء
من الشمس الطالعة .
٢٠ ـ ك
: أحمد بن محمد بن الحسين ، عن محمد بن يعقوب بن يوسف ، عن أحمد بن عبد
الجبار العطاردي ، عن يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق بن بشار المدني قال : كان زيد بن عمرو بن نفيل
أجمع على الخروج من مكة يضرب في الارض ، ويطلب الحنيفية
دين إبراهيم عليهالسلام
، وكانت امرأته صفية بنت الحضرمي كلما أبصرته قد نهض إلى الخروج
وأراده آذنت به الخطاب بن نفيل
، فخرج زيد إلى الشام يلتمس ويطلب في أهل
الكتاب
دين إبراهيم عليهالسلام
ويسأل عنه ، فلم يزل في ذلك فيما يزعمون حتى أتى
الموصل والجزيرة كلها ، ثم أقبل حتى أتى الشام فجال فيها حتى أتى راهبا من أهل
البلقاء
فتبعه ، كان ينتهي إليه علم النصرانية فيما يزعمون ، فسأله عن الحنيفية دين
إبراهيم عليهالسلام
فقال له الراهب : إنك لتسأل عن دين ما أنت بواجد من يحملك عليه اليوم ، لقد درس
علمه ، وذهب من كان يعرفه ، ولكنه قد أظلك خروج نبي يبعث بأرضك التي خرجت منها بدين
إبراهيم الحنيفية ، فعليك ببلادك فإنه مبعوث ، الآن هذا زمانه ، ولقد كان شام
اليهودية والنصرانية فلم يرض شيئا منهما ، فخرج مسرعا حين قال له الراهب ما قال
يريد
مكة حتى إذا كان بأرض لخم عدوا عليه فقتلوه ، فقال ورقة بن نوفل وكان قد اتبع مثل
_________________
رأي زيد ولم يفعل في
ذلك ما فعل فبكاه ورقة وقال فيه :
رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنما
|
|
تجنبت تنورا من النار حاميا
|
بدينك ربا ليس رب كمثله
|
|
وتركك أوثان الطواغي كما هيا
|
وقد تدرك الانسان رحمة ربه
|
|
ولو كان تحت الارض ستين واديا
|
٢١ ـ
قب : عن محمد بن إسحاق مثله .
بيان
: قوله : شام اليهودية ، بتشديد الميم ، قال الجزري : يقال شاممت فلانا : إذا قاربته وتعرفت ما عنده بالاختبار والكشف ، وهي مفاعلة من الشم ، كأنك تشم
ما عندك ، ويشم ما عنده لتعملا بمقتضى ذلك انتهى.
واللخم بالتحريك : وادبا لحجاز ، بسكون
الخاء بلالام حي باليمن.
٢٢ ـ ك
: بهذا الاسناد عن محمد بن إسحاق بن بشار المدني ، عن محمد بن جعفر بن
الاثير ، ومحمد بن عبدالرحمان بن عبدالله بن الحصين التميمي أن عمر بن الخطاب
وسعيد بن زيد
قالا : يا رسول الله تستغفر لزيد ؟
قال : نعم فاستغفروا له ، إنه يبعث امة واحدة .
٢٣ ـ ك
: بالاسناد المتقدم عن يونس بن بكير ، عن المسعودي ، عن نفيل بن هشام ، عن أبيه أن جده سعيد بن زيد سأل رسول الله صلىاللهعليهوآله
عن أبيه زيد بن عمر ، فقال : يا رسول
_________________
الله إن بن عمرو كان
كما رأيت وكما بلغك فلو أدركك لآمن بك
، فأستغفر له؟
قال : نعم فاستغفر له ، وقال : إنه يجئ يوم القيامة امة واحدة ، وكان فيما ذكروا
أنه
يطلب الدين فمات وهو في طلبه .
٢٤ ـ ك
: أبي ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي
عمير والبزنطي معا ، عن أبان
بن عثمان ، عن أبان بن تغلب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما دعا رسول الله صلىاللهعليهوآله
بكعب بن أسد ليضرب عنقه فاخرج
وذلك في غزوة بني قريظة نظر إليه رسول الله
صلىاللهعليهوآله
فقال له : يا كعب أما نفعك وصية ابن حواش الحبر المقبل من الشام ؟ فقال : ( تركت الخر والخمير ، وجئت إلى البؤس والتمور لنبي يبعث ، هذا أوان خروجه ، يكون مخرجه بمكة ، وهذه دار هجرته ، وهو الضحوك القتال ، يجتزئ بالكسرة و
التميرات ، ويركب الحمار العاري ، في عينيه حمرة ، وبين كتفيه خاتم النبوة ، يضع
سيفه
على عاتقة ، لا يبالي بمن لاقى ، يبلغ سلطانه منقطع الخف والحافر ) قال كعب : قد
كان
ذلك يا محمد ، ولو لا أن اليهود تعيرني أني جبنت عند القتل لآمنت بك وصدقتك ، ولكني على دين اليهودية عليه أحي وعليه أموت ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : قدموه واضربوا
عنقه ، فقدم وضربت عنقه .
٢٥ ـ ص
: بالاسناد إلى الصدوق بإسناده إلى ابن اورمة ، عن عيسى بن العباس ، عن محمد بن عبدالكريم التفليسي ، عن عبدالمؤمن بن محمد رفعه قال : قا رسول الله صلىاللهعليهوآله : أوحى الله تعالى جلت عظمته إلى عيسى عليهالسلام
: جد في أمري ولا تترك ، إني خلقتك
من غير فحل آية للعالمين ، أخبرهم آمنوا بي وبرسولي النبي الامي نسله من مباركة
_________________
وهي مع امك في الجنة
طوبى لمن سمع كلامه ، وأدرك زمانه ، وشهد أيامه : قال عيسى : يا رب وما طوبى؟ قال : شجرة في الجنة تحتها عين ، من شرب منها شربة لم يظمأ بعدها
أبدا ، قال عيسى : يا رب اسقني منها شربة؟ قال : كلايا عيسى ، إن تلك العين محرمة
على الانبياء حتى يشربها ذلك النبي ، وتلك الجنة محرمة على الامم حتى يدخلها
امة ذلك النبي .
٢٦ ـ يج
: فصل ونذكر هاهنا شيئا مما في الكتب المتقدمة من ذكر نبينا ، و
كيف بشرت الانبياء قبله بألفاظهم ، منها ألفاظ التوراة في هذا الباب في السفر
الاول
منه : إن الملك نزل على إبراهيم فقال له : إنه يولد في هذا العالم لك غلام اسمه
إسحاق فقال
إبراهيم : ليت إسماعيل يعيش بين أيديك يخدمنك
، فقال الله لابراهيم : لك ذلك ، قداستجيب في إسماعيل وإني ابركه وآمنه
واعظمه بما استجبت فيه ، وتفسير هذا
الحرف محمد ، ويلداثنى عشر عظيما ، واصيره لامة كثيرة.
وقال في التوراة : إن الملك نزل على ها
جرام إسماعيل وقد كانت خرجت مغاضبة
لسارة وهي تبكي ، فقال لها : ارجعي واخدمي مولاتك ، واعلمي أنك تلدين غلاما يسمى
إسماعيل ، وهو يكون معظما في الامم ، ويده على كل يد.
ولم يكن ذلك لاسماعيل ولا لاحد من ولده
غير نبينا.
وقال في التوراة : إن إبراهيم لما أخرج
إسماعى وامه هاجر اصابهما عطش ، فنزل عليهما ملك وقال لها : لا تهاوني بالغلام ، وشدي يديك به ، فإني اريد أن
اصيره
لامر عظيم.
فإن قيل : هذا تبشير بملك وليس فيه ذكر
نبوة ، قلنا : الملك ملكان : ملك كفر
وملك هدى ، ولا يجوز أن يبشرالله إبراهيم عليهالسلام
وهاجر بظهور الكفر في ولدهما ، و
يصفه بالعظم.
_________________
وقال في التوراة : أقبل من سيناء ، وتجلى من ساعير ، وظهر من جبل فاران.
فسيناء : جبل كلم الله عليه موسى ، وساعير هو الجبل الذي بالشام كان فيه عيسى ، وجبل فاران مكة.
وفي التوراة : إن إسماعيل سكن برية
فاران ، ونشأفيها ، وتعلم الرمي.
فذكر الله مع طور سيناء وساعير التي جاء منها
بأنبيائه ، ومجئ الله إتيان دينه
وأحكامه ، فلقد ظهر دين الله من مكة وهي فاران ، فأتم الله تعالى هذه المواعيد
لابراهيم
عليهالسلام
بمحمد صلىاللهعليهوآله
، فظهر دين الله في مكة بالحج إليها ، واستعلن ذكره بصراخ
أصحابه بالتلبية على رؤوس الجبال وبطون الاودية ، ولم يكن موجودا إلا بمجئ محمد صلىاللهعليهوآله
وغيره من ولد إسماعيل عباد أصنام ، فلم يظهر الله بهم تبجيله .
ويدل على تأويلنا ما قال في كتاب حيقوق
: سيد يجئ من اليمن ، يقدس
من جبل فاران ، يغطي
السمآء بهاء ، ويملا الارض نورا ، ويسيل الموت
بين يديه ، وينقر الطير بموضع قدميه.
وقال في كتاب حزقيل النبي لبني إسرائيل
: إني مؤيد بني قيدار بالملائكة ، و
قيدار جد العرب ابن إسماعيل لصلبه وأجعل الدين تحت أقدامهم فيريثونكم بدينهم ، وليشمون أنفسكم بالحمية والغضب ، ولا ترفعون
أبصاركم ولا تنظرون إليهم ، و
جميع رضاي يصنعونه بكم.
وإن محمدا اخرج إليهم بمن أطاعه من بني
قيدار فيقتل
مقاتليهم ، وأيديهم الله
_________________
بالملائكة في بدر
والخندق وحنين.
وقال في التوراة في السفر الخامس : إني
اقيم لبني إسرائيل نبيا من إخوتهم مثلك ، وأجعل كلامي على فمه.
وإخوة بني إسرائيل ولد إسماعيل ، ولم
يكن في بني إسماعيل نبي مثل موسى ، ولا أتى بكتاب ككتاب موسى غير نبينا صلىاللهعليهوآله.
ومن قول حيقوق النبي ومن قول دانيال : جاء
الله من اليمن ، والتقديس
من
جبال فاران ، فامتلات الارض من تحميد أحمد وتقديسه ، وملك الارض بهبته.
وقال أيضا : يضئ له نوره الارض ، وتحمل خيله في البر والبحر.
وقال أيضا : سننزع في قبيك أغرافا ، وترتوي السهام بأمرك ، يا محمد
ارتوآء.
وهذا إيضاح باسمه وصفاته.
وفي كتاب شعيا النبي : عبدي خيرتي من
خلقي ، رضي نفسى أفيض عليه روحي ، أو قال : أنزال فسظهر في الامم عدلي ، لا يسمع صوته في الاسواق ، يفتح العيون
العور ، ويسمع الآذان الصم ، ولا يميل إلى اللهو ، ركن
المتواضعين ، وهو نور الله الذي لا يطفئ
حتى تثبت في الارض حجتي ، وينقطع به العذر.
وقال في الفصل الخامس : أثر سلطانه على
كتفه.
يعني علامة النبوة ، وكان على كتفه خاتم
النبوة.
وأعلامه في الزبور : قال داود في الزبور
: سبحوا الرب تسبيحا حديثا ، وليفرح
إسرائيل بخالقه ونبوءة صهيون ، من أجل أن الله اصطفى له امته ، وأطاه النصر ، وسدد
الصالحين منهم بالكرامة ، يسبحونه على مضاجعهم ، وبأيديهم سيوف ذات شفرتين .
لينتقم الله تعالى من الامم الذين لا يعبدونه.
_________________
وفي مرموز آخر من الزبور : تقلد أيها
الخيار السيف ، فإن ناموسك وشائعك
مقرونة بهيبة يمينك ، وسهامك مشنونة
، والامم يجرون تحتك.
وفي مرموز آخر : إن الله أظهر من صهيون إكليلا محمودا.
ضرب الاكليل مثلا للرئاسة والامامة ، ومحمود
هو محمد صلىاللهعليهوآله.
وذكر أيضا في صفته : ويجوز من البحر إلى
البحر من لدن الانهار إلى مقطع الارض ، وإنه ليخر أهل الخزائن
بين يديه ، يأتيه ملوك الفرس ، وتسجد له وتدين له الامم بالطاعة ، ينقذ الضعيف ، ويرق
بالمساكين.
وفي مرموز آخر : اللهم ابعث جاعل السنة
كي يعلم الناس أنه بشر.
هذا إخبار عن محمد يخبر الناس أن المسيح
بشر.
وفي كتاب شعيا النبي : قيل لي : قم
نظارا فانظر ماذا ترى فخبر به ، فقلت : أرى
راكبين مقبلين : أحدهما على حمار ، والآخر على جمل ، يقول أحدهما لصاحبه : سقطت
بإبل وأصنامها.
فكل أهل الكتاب يؤمن بهذه الكتب ، وتنفرد
النصارى بالانجيل ، وأعلامه في
الانجيل : قال المسيح للحواريين : أنا أذهب وسيأتيكم الفار قليط بروح الحق الذي لا
يتكلم من قبل نفسه ، إنما هو كما يقال له ، ويشهد علي وأنتم تشهدون ، لانكم
معه ن قبل الناس ، وكل شئ أعده الله لكم يخبركم به ،
وفي حكاية يوحنا عن المسيح قال : الفار
قليط لا يجيئكم ما لم أذهب ، فإذا جاء
وبخ العالم على الخطيئة ، ولا يقول من تلقاء نفسه ، ولكنه يكلمكم مما يسمع ، وسيؤتيكم
_________________
بالحق ، ويخبركم
بالحوادث والغيوب.
وقال في حكاية اخرى : الفار قليط روح
الحق الذي يرسله
باسمي ، هو يعلمكم
كل شئ.
وقال : إني سائل ربي أن يبعث إليكم
فارقليط آخر يكون معكم إلى الابد ، وهو يعلمكم كل شئ.
وقال في حكاية اخرى : ابن البشر ذاهب ، والفار قليط يأتي بعده ، يحيي
لكم الاسرار ، ويفسر لكم كل شئ ، وهو يشهدلي كما شهدت له ، فإني أجيئكم
بالامثال ، وهو يجيئكم بالتأويل.
ومن أعلامه في الانجيل إنه لما حبس يحي
بن زكريا ليقتل بعث بتلاميذه إلى
المسيح وقال لهم : قولوا : أنت هو الآتي أو نتوقع غيرك؟ فأجابه المسيح وقال : الحق
اليقين
أقول لكم : إنه لم تقم النساء على أفضل
من يحي بن زكريا ، وإن التوراة وكتب
الانبياء يتلو بعضها بعضا بالنبوة والوحي حتى جاء يحي ، فأما الآن فإن شئتم
فاقبلوا
أن الاليا متوقع أن يأتي ، فمن كانت له أذنان سامعتان فليسمع.
روي أنه كان فيه : إن أحمد متوقع فغيروا
الاسلم وجعلوا إليالقوله : ( يحرفون
الكم عن مواضعه ) وإليا هو علي بن ابي طالب عليهالسلام
، وقيل : إنما ذكر إليا لان عليا
قد ام محمد صلىاللهعليهوآله
في كل حرب وفي كل حال حتى يوم القيامة ، فإنه صاحب رايته ، كان اسم محمد بالسريانية مشفحا ، ومشفح هو محمد بالعربية ، وإنهم يقولون : شفح
لالاها : إذا أرادوا أن يقولوا : الحمد لله ، وإذا كان الشفح الحمد فمشفح محمد.
وفي كتاب شعيا في ذكر الحج : ستمتلي
البادية فتصفر
لهم من أقاصي الارض
_________________
فإذاهم سراع يأتون ،
يبثون تسبيحه في البر والبحر ، يأتون من المشرق كالصعيد كثرة.
وقال شعيبا : قال الرب : ها أناذا مؤسس بصهيون من بيت الله حجرا ، وفي رواية : مكرمة ، فمن كان مؤمنا فلا يستعجلنا.
وقال دانيال في في الرؤيا التي رآها بخت
نصر ملك بابل وعبرها : أيها الملك رأيت
رؤيا هائلة ، رأيت صنما بارع الجمال ، قائما بين يديك ، رأسه منالذهب ، وساعده من
الفضة ، وبطنه وفخذه نحاس ، وساقاه حديد ، وبعض رجليه خزف ، ورأيت حجرا صك
رجلي ذلك الصنم فدقهما دقا شديدا ، فتفتت ذلك الصنم كله حديده ونحاسه وفضته وذهبه
، وصار رفاتا كدقاق البيدر ، وعصفته الريح فلم يوجد له أثر ، وصار ذلك الحجر الذي
دق الصنم جبلا عاليا امتلات منه الارض ، فهذه رؤياك ، قال : نعم ، ثم عبرها له
فقال : إن الراس الذي رأيت من الذهب مملكتك ، فتوم بعدك مملكة اخرى دونك ، والمملكة
الثالثة التى تشبه النحاس تتسلط على الارض كلها ، والمملكة الرابعة قوتها قوة
الحديد
كما أن الحديد يدق كل شئ ، وأما الرجل الذي كان بعضها من حديد ، وبعضها من
خزف ، فإن بعض تلك المملكة يكون عزا ، وبعضها ذلا ، وكيون كلمة أهل
المملكة متشتتة ، ويقيم إله السمآء في تلك الايام ملكا عظيما دائما أبديا ، لا
يتغير
ولا يتبدل ولا يزول ، ولا يدع لغيره من الامم سلطانا ، ويقوم دهر الداهرين.
فتأويل الرؤيا بعث محمد ، تمزقت الجنود
لنوبته ، ولم ينتض مملكة فارس لاحد
قبله ، وكان ملكها أعز ملوك الارض وأشدها شوكة ، وكان أول ما بدا فيه انتقاص قتل
شيروية بن أبرويز أباه ، ثم ظهر الطاعون في مملكته وهلك فيه ، ثم هلك ابنه أردشير
، ثم ملك رجل ليس من أهل بيت الملك فقتلته بوران بنت كسرى ، ثم ملك بعده رجل
يقال له : كسرى ابن قباد ولد بأرض الترك ، ثم ملكت بوران بنت كسرى ، فبلغ رسول
الله صلىاللهعليهوآله
ملكها فقال : ( لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة ) ، ثم ملكت بنت اخرى
لكسرى فسمت وماتت ، ثم ملك رجل ثم قتل ، فلما راى أهل فارس ما هم فيه من الانتشار
امر ابن لكسرى
يقال له : يزدجرد فملكوه عليهم ، فأقام بالمدائن على الانتشار ثماني
_________________
سنين ، وبعث إلى
الصنين بأمواله ، وخلف أخا بالمدائن لرستم فأتى لقتال المسلمين ، ونزل
بالقادسية ، وقتل بها ، فبلغ ذلك يزدجرد فهرت إلى سجستان وقتل هناك.
وقال في التوراة : أحمد عبدي المختار ، لافظ
ولا غليظ ولا صخاب
في الاسواق ، ولا يجزئ بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويغفر ، مولده بمكة ، وهجرته طيبة ، وملكه
بالشام ، وامته الحامدون ، يحمدون الله على كل نجد ، ويسبحونه في كل منزل ، ويقومون على أطرافهم وهم رعاة الشمس
، مودتهم في جو السمآء
، صفهم في الصلاة
وصفهم في القتال سوآء ، رهبان بالليل ، اسد بالنهار ، لهم دوي كدوي النحل ، يصلون
الصلاة حيثما أدركهم الصلاه.
ومما أوحى الله إلى آدم : أنا الله ذو
بكة ، أهلها جبرتي ، وزوارها وفدي وأضيافي ، أعمره بأهل السمآء وأهل الارض ، يأتونه أفواجا شعثا غبرا ، يعجون بالتكبير
والتلبية ، فمن اعتمره لا يريد غيره فقد زارني ، وهو وفد لي ، ونزل بي ، وحق لي أن اتحفه
بكرامتى ، أجعل ذلك البيت ذكره وشرفه ومجده وسنائه لنبي من ولدك يقال له : إبراهيم ، أبني
له قواعده ، وأجري على يديه عمارته ، وأنبط له سقايته ، واريه حله وحرمه ، واعلمه
مشاعره ، ثم يعمره الامم والقرون حتى ينتهي إلى نبي من ولدك يقال له : محمد وهو
خاتم النبيين ، فأجعله من سكانه وولاته .
ومن أعلامه اسمه ، إن الله حفظ اسمه حتى
لم يسم باسمه أحد قبله صيانة من الله
لاسمه ، ومنع منه
كما فعل بيحي بن زكريا ، ( لم نجعل له من قبل سميا ) ، وكما
_________________
فعل بإبراهيم وإسحاق
ويعقوب وصالح وأنبياء كثيرة منع من مسماتهم
قبل مبعثهم
ليعرفوا به إذا جاءوا ، ويكون ذلك أحد أعلامهم .
وعن سراقة بن جعشم قال : خرجت رابع أربعة ، فلما قدمنا
الشام تزلنا على
غدير فيه شجرات وقربه قائم
لديراني ، فأشرف علينا قال : من أنتم؟ قلنا : قوم من
مضر ، قال : من أي المضرين؟ قلنا : من خندف ، قال : أما إنه سيبعث فيكم وشيكا
نبي اسمه محمد ، فلما صرنا إلى أهلنا ولد لكل رجل منا غلام فسماه محمدا ، وهذا
ايضا
من أعلامه.
٢٧ ـ يج
: روي أن تبع بن حسان
سار إلى يثرب وقتل من اليهود ثلاثمائة
وخمسين رجلا صبرا ، وأراد خرابها
فقام إليه رجل من اليهود له مأتان وخمسون سنة ، وقال : أيها الملك مثلك لا يقبل قول الزور ، ولا يقتل على الغضب ، وإنك لا تستطيع
أن
تخرب هذه القرية ، قال : ولم؟ قال : لانه يخرج منها من ولد إسماعيل نبي يظهر من
هذه النية يعني البيت الحرام فكف تبع ومضى يريد مكة ومعه اليهود ، وكسا البيت
وأطعم الناس ، وهو القائل :
شهدت على أحمد إنه
|
|
رسول من الله بارئ النسم
|
فلو مد عمري إلى عمره
|
|
لكنت وزيرا له وابن عم
|
ويقال : هو تبع الاصغر ، وقيل : هو
الاوسط.
٢٨ ـ يج
: روي عن أبي عبدالله عليهالسلام
قال : فنشأ رسول الله (ص) في حجر ابي طالب
_________________
فبينما هو غلام يجئ
بين الصفا والمروة إذ نظر إليه رجل من أهل الكتاب فقال : ما اسمك؟
قال : اسمي محمد ، قال : ابن من؟ قال : ابن عبدالله ، قال : ابن من؟ قال : ابن
عبدالمطلب ، قال : فما اسم هذه؟ وأشار إلى السمآء ، قال : السمآء ، قال : فما اسم هذه؟ وأشار
إلى الارض ، قال : الارض ، قال : فمن ربهما؟ قال : الله ، قال : فهل لهما رب غيره؟ قال : لا ، ثم إن
أبا طالب
خرج به معه إلى الشام في تجارة قريش فلما انتهى به إلى بصرى وفيها راهب لم يكلم
أهل مكة ، إذا مروا به ، ورأى علامة رسول الله صلىاللهعليهوآله
في الركب ، فإنه راى غمامة
تظله في مسيره ، ونزل تحت شجرة قريبة من صومعته ، فثنيت أغصان الشجرة عليه ، والغمامة على رأسه بحالها ، فصنع لهم طعاما ، واجتمعوا إليه ، وتخلف النبي محمد ، فلما
نظر بحيراء الراهب إليهم ولم ير الصفة التي يعرف قال : : فهل تخلف منكم أحد؟ قالوا
: لا واللات والعزى إلا صبي ، فاستحضره فلما لحظ إليه نظر إلى أشياء من جسده قد كا
عرفها من صفته ، فلما تفرقوا قال : يا غلام أتخبرني عن أشياء أسألك عنها؟ قال : سل
، قال : أنشدك باللات والعزى إلا أخبرتني عما أسألك عنه ، وإنما أراد أن يعرف ، لانه
سمعهم يحلفون بهما ، فذكروا أن النبي قال له : لا تسألني باللات والعزى ، فإني
والله لم أبغض بغضهما شيئا قط ، قال : فو الله لاخبرتني عما أسألك عنه؟ قال : فجعل
يسأله عن حاله في نومه وهيئته في اموره
فجعل رسول الله صلىاللهعليهوآله
يخبره ، فكان يجده
موافقة لما عنده ، فقال له : اكشف عن ظهرك ، فكشف عن ظهره فرأى خاتم النبوة بين
كتفيه على الموضع الذي يجده عنده ، فأخذه الافكل وهو الرعدة واهتز الديراني فقال :
من أبوهذا الغلام؟ قال أبوطالب : هو ابني ، قال : لا والله لا يكون أبوه حيا ، قال
أبوطالب : إنه هو ابن أخي ، قال : فما فعل أبوه؟ قال : مات وهو ابن شهرين قال : صدقت ، فارجع بابن أخيك إلى بلادك ، واحذر عليه اليهود ، فو الله لئن رأته وعرفوا
منه
الذي عرفته ليغنه شرا ، فخرج أبوطالب فرده إلى مكة.
_________________
٢٩ ـ يج
: روى أن قريشا أرسلت النضر بن الحارث وعلقمة بن أبي معيط بيثرب
إلى اليهود ، فقالوا لهما : إذا قدمتما عليهم فاسألوهم عنه ، فلما قدما سألوهم ، فقالوا
: صفوا لنا صفته ، فوصفوه ، قالوا : ومن تبعه؟ قالوا : سفلتنا ، فصاح حبر منهم ثم
قال : هذا النبي الذي نجد نعته في التوراة ، ونجد قومه أشد الناس عداوة له.
٣٠ ـ يج
: روى أن سيف بن ذي يزن حين ظهر بالحبشة وفد عليهم قريش ، وفهيم
عبدالمطلب ، فسأله عن محمد سرا ، فأخبره بن ، ثم بعد مدة طويلة دخلوا عليه فسألهم
عنه
ووصف لهم صفته فأقروا جميعا أن هذه الصفة في محمد ، فقال : هذا أوان مبعثه ، ومستقره
يثرب ، وموته بها.
٣١ ـ يج
: روى عن أبي عبيدة بن عبدالله بن مسعود ، عن أبيه قال : إن الله أمر
نبيه أن يدخل الكنيسة ليدخل رجل الجنة ، فلما دخلها ومعه جماعة فإذا هو بيهود
يقرؤون التوراة ، وقد وصلوا إلى صفة النبي صلىاللهعليهوآله
، فلما رأوا أمسكوا ، وفي ناحية
الكنيسة رجل مريض ، فقال النبي صلىاللهعليهوآله
: ما لكم أمسكتم؟ فقال المريض : إنهم أتوا
على صفة النبي صلىاللهعليهوآله
فأمسكوا ، ثم جاء المريض يجثو
حتى أخذ التوراة فقرءها حتى
أتى على آخر صفة النبي وامته ، فقال هذه صفتك وصفة امتك ، وأنا أشهد أن لا إله
إلا الله ، وأنك رسول الله ، ثم مات ، فقال النبي صلىاللهعليهوآله
: ولوا أخاكم .
٣٢ ـ يج
: روى عن بعضهم قال : حضرت سوق بصرى فإذا راهب في صومعة يقول : سلوا أهل هذا الموسم هل فيكم أحد من أهل الحرم؟ قالوا نعم ، فقالوا : سلوه هل
ظهر أحمد بن عبدالمطلب؟ فهذا هو الشهر الذي يخرج فيه ، وهو آخر الانبياء ، ومخرجه
من الحرم ، ومهاجرته إلى نخل وحرة وسباخ .
قال الراوى : فلما رجعت إلى مكة
قلت : هل هاهنا من حدث؟ قالوا : أتانا محمد بن عبدالله الامين .
_________________
٣٣ ـ يج
: روى عن زيد بن سلام أن جده أبا سلام حدثه أن رسول الله صلىاللهعليهوآله
بينما هو في البطحاء قبل النبوة فإذا هو برجلين عليهما ثياب سفر ، فقالا : السلام
عليك ، فقال لهما البني صلىاللهعليهوآله
: وعليكما السلام ، فقال أحدهما لصاحبه : لا إله إلا الله ما لقيبت
أحدا منذ ولدتني امي يرد السلام قبلك ، وقال الآخر : سبحان الله ما لقيت رجلا يسلم
منذ ولدتني امي ، فقال له الراكب : هل في القرية رجل يدعي أحمد؟ فقال : ما فيها
أحمد ولا محمد غيرى ، قال : من أهلا أنت؟ قال : نعم من أهلها ، وولدت فيها ، فضرب
ذراع
راحلته وأناخها ، ثم كشف عن كتف رسول الله صلىاللهعليهوآله
حتى نظر إلى الخاتم الذى بين
كتفيه ، فقال : أشهد أنك رسول الله ، وتبعث بضرب رقاب قومك ، فهل من زاد تزودني؟
فأتاه بخبز وتميرات ، فجعلهن في ثوبه حتى أتى صاحبه ، وقال : الحمد لله الذى لم
يمتني
حتى حمل لي نبي الله الزاد في ثوبه ، ثم قال النبي صلىاللهعليهوآله
: هل من حاجة سوى هذا؟
قال : تدعو الله أن يعرف بيني وبينك يوم القيامة ، فدعا له ، ثم انطلق.
وفي كتب الله المتقدمة : لما خلق الله
آدم ونفخ فيه من روحه عس ، فقال له ربه : قل
الحمد لله ، ثم قال له ربه
: يرحمك ربك
، ائت أولئك الملا من الملائكة وقل لهم : السلام عليكم ، فقالوا : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، ثم قال له ربه : هذه
تحيتك و
تحية ذريتك.
٣٤ ـ يج
: روي أنه سئل ابن عباس : بلغنا أتك تذكر سطيحا وتزعم أن الله خلفه
ولم يخلق من ولد آدم شيئا يشبهه ، قال : نعم ، إن الله خلق سطيحا الغساني
لحما على وضم ، والوضم شرائج
من جرائد النخل ، وكان يحمل على وضم ، ويؤتى به
حيث يشاء ، ولم يكن فيه عظم ولا عصب إلا الجمجمة والعنق ، وكان يطوى من رجليه إلى
ترقوته ، كما يطوى الثوب ، ولم يكن يتحرك منه شئ سوى لسانه ، فلما أراد الخروج
_________________
إلى مكة حمل على
وضمة فأتي به مكة ، فخرج إليه أربعة من قريش فقالوا : أتيناك لنزورك
لما بلغنا من علمك ، فأخبرنا عما يكون في زماننا ، وما يكون من بعد ، قال : يا
معشر
العرب لا علم عندكم
ولا فهم ، وينشأ من عقبكم دهم ، يطلبون
أنواع العلم ، يكسرون
الصنم ، ويقتلون العجم ، ويطلبون المغنم ، قالوا : يا سطيح من يكونون اولئك؟ قال :
و
البيت ذي الاركان لينشان من عقبكم ولدان يوحدون الرحمان ، ويتركون عبادة الشيطان ،
قالوا : فمن نسل من يكونون اولئك؟ قال : أشرف الاشراف من عبد مناف ، قالوا : من أي بلدة يخرج؟ قال : والباقي الابد
ليخرجن من ذا البلد
، يهدي إلى الرشد ، يعبد
ربا انفرد .
بيان
: قال الجوهري : الوضم : كل شئ يجعل
عليه اللحم من خشب أوبارية يوقى
به من الارض وقال : الدهم : العدد الكثير.
٣٥ ـ يج
: روي أن عبدالمطلب قدم
اليمن فقال له حبر من أهل الزبور : أتأذن
لي أن أنظر إلى بعضك؟ قال : نعم إلا إلى عورة ، ففتح إحدى منخريه فنظر فيه ، ثم
نظر
في الاخرى ، فقال : أشهد أن في إحدى يديك الملك ، وفي الاخرى النبوة ، وإنا نجد في
بني زهرة فكيف ذلك
، قال : قلت : لا أدري قال : هل من شاعة؟ قلت : ما الشاعة؟
قال : الزوجة ، قال : فإذا رجعت فتزوج منهم ، فرجع إلى مكة فتزوج هالة بنت وهب
بن عبد مناف بن زهرة.
٣٦ ـ روي أن بعد مولد النبي (ص) بسنتين أتت أشراف العرب سيف بن ذي
يزن الحميري ، لما ظهر على الحبشة ، وفد عليه قريش للتهنئة ، وفيهم عبدالمطلب ، و
_________________
قال : أيها الملك
سلفك خير سلف ، وأنت لنا خير خلف ، قال : من أنت؟ قال : عبدالمطلب
ابن هاشم ، قال : ابن اختنا ، ثم أدناه ، وقال : إني مفض إليك خيرا عظيما ، يولد
نبي اوقد ولد ، اسمه محمد ، الله باعثه جهارا ، وجاعل له منا أنصارا ، فقال عبدالمطلب
: كان
لي ابن زوجته كريمة فجائت بغلام سميته محمدا ، ثم أمر لكل قرشي بنعمة ، عظيمة ، و
لعبدالمطلب بأضعافها عشرة ، وهم يغبطونه بها ، فقال : لو علمتم بفخري وذكري
لغبطتم به .
٣٧ ـ يج
: روي أن جبير بن مطعم قال : كنت آذى
قريش بمحمد ، فلما ظننت
أنهم سيقتلونه خرجت حتى لحقت بدير ، فأقاموا لي الضيافة ثلاثا ، فلما رأونى لا
أخرج
قالوا : إن لك لشأنا؟ قلت ، إني من قرية إبراهيم ، وابن عمي يزعم أنه نبي ، فآذاه
قومه فأرادوا قتله فخرجت لئلا أشهد ذلك ، فأخرجوا إلى صورة ، قلت : ما رأيت شيئا
أشبه
بشئ من هذه الصورة بمحمد ، كأنه طوله وجسمه ، وبعد ما بين منكبيه ، فقالوا : لا
يقتلونه ، وليقتلن من يريد قتله ، وإنه لنبي ، وليظهرنه الله ، فلما قدمت مكة إذا
هو
خرج لالى المدينة ، وسئلوا
من أين لكم هذه الصورة؟ قالوا : إن آدم عليهالسلام
سال ربه أن
يريه الانبياء من ولده ، فأنزل عليه صورهم ، وكان في خزانة آدم عند مغرب الشمس
فاستخرجها ذو القرنين من هناك فدفعها إلى دانيال.
٣٨ ـ يج
: من معجزاته صلىاللهعليهوآله
حديث كعب بن مانع
بينما هو في مجلس و
_________________
رجل من القوم معهم
يحدث أصحابه يقول : رأيت في النوم أن الناس حشروا ، وأن الامم
تمركل امة مع نبيها ، ومع كل نبي نوران يمشي بينهما ، ومع كل من اتبعه نور يمشى
به حتى مر محمد صلىاللهعليهوآله
في امته ، فإذا ليس مه شعرة إلا وفيها نوران من رأسه وجلده ، ولا من
اتبعه من امته إلا ومعه نوران مثل الانبياء فقال كعب : والتفت إليهما ما هذا
الذي يحدث به؟ فقال : رؤيا رأيتها ، فقال
: والذي بعث محمدا صلىاللهعليهوآله
بالحق إنه لفي
كتاب الله كما رأيت.
٣٩ ـ يج
: روي أن زيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل خرجا يلتمسان الدين حتى
انتهيا إلى راهب بالموصل ، فقال لزيد : من أين أقبلت يا صاحب البعير؟ قال : من
بنية
إبراهيم قال : وما تلتمس؟ قال : الدين ، قال : ارجع فإنه يوشك أن يظهر الذي تطلب
في أرضك ، فرجع يريد مكة حتى إذا كان بأرض لخم عدوا عليه فقتلوه ، وكان يقول : أنا
على دين إبراهيم عليهالسلام
، وأنا ساجد على نحو البنية التي بناها إبراهيم عليهالسلام
، وكان يقول : إنا ننتظر نبيا من ولد إسماعيل من ولد عبدالمطلب.
٤٠ ـ يج
: روي عن جرير بن عبدالله البجلي قال : بعثني
النبي (ص) بكتابه إلى ذي
الكلاع وقومه ، فدخلت عليه فعظم كتابه وتجهز وخرج في جيش عظيم ، وخرجت معه ، فبينما نسير إذ رفع إلينا دير راهب ، فقال : اريد هذا الراهب ، فلما دخلنا عليه
سأله أين
تريد؟ قال : هذا النبي الذي خرج في قريش ، وهذا رسوله ، قال الراهى : لقدمات هذا
الرسول ، فقلت : من أين علمت بوفاته؟ قال : إنكم قبل أن تصلوا إلي كنت أنظر في
كتاب دانيال ، مررت بصفة محمد ونعمته وأيامه وأجله ، فوجدت أنه توفي في هذه
الساعة ، فقال ذو الكلاع : أنا أنصرف ، قال جرير : فرجعت فإذا رسول الله توفي ذلك
اليوم.
_________________
٤١ ـ قب
: قال داود في زبوره : اللهم ابعث مقيم السنة بعد الفترة.
وقال عيسى في الانجيل : إن البر ذاهب ، والبار
قليطا جائي
من بعده ، وهو يخفف
الآصار
، ويفسر لكم كل شئ ويشهد لي كما شهدت له ، أنا جئتكم بالامثال ، وهو
يأتيكم بالتأويل .
٤٢ ـ د ، قب.
: كان كعب بن لوي بن غالب يجتمع إليه الناس في كل جمعة ، وكانوا
يسمونها عروبة ، فسماه كعب يوم الجمعة ، وكان يخطب فيه الناس ويذكر فيه خبر النبي
آخر خطبته كلما خطب ، وبين موته والفيل خمسمأة وعشرون سنة فقال : أم والله لو
كنت فيها ذا سمع وبصرويد ورجل لتنصبت فيها تنصب الجمل ، ولارقلت فيها إرقال
الفحل ، ثم قال :
يا ليتني شاهد فحوى دعوته
|
|
حين العشيرة تبغي الحق خذلانا
|
بيان
: قوله : لتنصبت ، أي حملت النصب والتعب ، أو انتصبت وقمت بخدمته. و
الارقال : الاسراع.
٤٣ ـ وروى محمد بن مسعود الكازروني في كتاب المنتقى بإسناده عن أبي سلمة
قال : كان كعب بن لوي بن غلب يجمع قومه يوم الجمعة ، وكانت قريش تسمي الجمعة
عروبة ، فيخطبهم فيقول : أما بعد فاسمعوا وتعلموا ، وافهموا واعلموا ، ليل ساج ، ونهار
ضاح والارض مهاد
، والسمآء بناء
والجبال أوتاد ، والنجوم أعلام ، والاولون كالآخرين ،
_________________
والانثى والذكر زوج ، فصلوا أرحامكم ، واحفظوا أظهاركم ، وثمروا
أولادكم
، فهل رأيتم من هالك رجع؟ أو ميت نشر؟ الدار أمامكم ، وأظن غيرما تقولون ، عليكم
بحرمكم زينوه وعظموه وتمسكوا به ، فسيأتي له نبأ عظيم ، وسيخرج منه نبي كريم ، ثم يقول :
نهار وليل كل أوب بحادث
|
|
سوآء علينا ليلها ونهارها
|
يؤبان بالاحداث حين تأبوا
|
|
وما للفم الضافي عليها ستورها
|
على غفلة يأتي النبي محمد
|
|
فيخبر أخبارا صدوقا خبيرها
|
ثم يقول : والله لو كنت فيها لتنصبت
فيها تنصب الجمل ، وأرقلت فهيا إرقال الفحل ، قال أهل العلم : إنما ذكر كعب صفة البني صلىاللهعليهوآله
ونبوته من صحف إبراهيم عليهالسلام
.
٤٤ ـ د ، قب
: كان تبع الاول
من الخمسة التي كانت لهم الدنيا
بأسرها ،
_________________
فسار في الآفاق ، وكان
يختار من كل بلدة عشرة أنفس من حكمائهم فلما وصل إلى مكة كان معه
أربعة آلاف رجل من العلماء ، فلم يعظمه أهل مكة ، فغضب عليهم وقال لوزيره عمياريسا
في ذلك ، فقال الوزير : إنهم جاهلون ويعجبون بهذا البيت ، فعزم الملك في نفسه أن
يخربها ويقتل أهلها ، فأخذه الله بالصدام ، وفتح عن عينيه واذنيه وأنفه وفمه ماء
منتنا
عجزت الاطباء عنه ، وقالوا : هذا أمر سماوي ، وتفرقوا. فلما أمسى جاء عالم إلى
وزيره
وأسر إليه إن صدق الامير بنيته عالجته ، فاستأذن الوزير له فلما خلا به قال له : هل
أنت
نويت في هذا البيت أمرا؟ قال : كذا وكذا ، فقال العالم : تب من ذلك ولك خير الدنيا
والآخرة ، فقال : قد تبت مما كنت نويت فعوفي في الحال ، فآمن بالله ، وبإبراهيم الخليل عليهالسلام ، و
خلع على الكعبة سبعة أثواب ، وهو أول من كسا الكعبة ، وخرج إلى يثرب ، ويثرب هي
أرض فيها عين ماء ، فاعتزل من بين أربعة آلاف رجل عالم أربعمأة رجل عالم على أنهم
يسكنون
فيها ، وجاءوا إلى باب الملك ، وقالوا : إنا خرجنا من بلداننا وطفنا مع الملك
زمانا وجئنا
إلى هذا المكان ونريد المقام إلى أن نموت فيه ، فقال الوزير : ما الحكمة في ذلك؟
قالوا : اعلم
أيها الوزير أن شرف هذا البيتت بشرف محمد صاحب القآرن والقبلة واللواء والمنبر.
مولده
بمكة ، وهجرته إلى هاهنا ، إنا على رجاء أن ندركه أو تدكره أولادنا ، فلما سمع
الملك
ذلك تفكر أن يقيم معهم سنة رجاء أن يدرك محمدا صلىاللهعليهوآله
، وأمر أن يبنوا أربع مأة دارلكل
واحد دار ، وزوج كل واحد منهم بجارية معتقة ، وأعطى لكل واحد منهم مالا حزيلا.
بيان
: قال الفيروزآبادي : الصدام ككتاب : داء في رؤوس الدواب.
٤٥ ـ د
، قب : روى ابن بابويه في كتاب النبوة أنه
قال أبوعبدالله عليهالسلام
: إن تبعا
قال للاوس والخزرج : كونوا هاهنا حتى يخرج هذا النبي ، أما أنا لو أدركته لخدمته
ولخرجت معه.
وروى أنه قال :
قالوا بم : ة بيت مال داثر
|
|
وكنوزه من لؤلؤ وزبرجد
|
بادرت أمرا حال ربي دونه
|
|
والله يدفع عن خراب المسجد
|
فتركت فيه من رجالي عصبة
|
|
نجباء ذوي حسب ورب محمد
|
_________________
وكتب كتاب إلى النبي صلىاللهعليهوآله يذكر فيه إيمانه
وإسلامه ، وأنه من امته فليجعله
تحت شفاعته ، وعنوان الكتاب : إلى محمد بن عبدالله ، حاتم النبيين ، ورسول رب
العالمين
من تبع الاول ، ودفع الكتاب إلى العالم الذي نصح له ، وسار حتي مات بغلسان بلد
من بلاد الهند ، وكان بين موته ومولد النبي صلىاللهعليهوآله
ألف سنة ، ثم إن النبي لما بعث وآمن
به أكثر أهل المدينة أنفذوا الكتاب إليه على يد ابي ليلى ، فوجد النبي صلىاللهعليهوآله في قبيلة
بني سليم فعرفه رسول الله صلىاللهعليهوآله
، فقال له : أنت أبوليلى؟ قال : نعم ، قال : ومعك كتاب
تبع الاول؟ فتحير الرجل؟ فقال : هات الكتاب ، فأخبرجه ودفعه إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله
فدفعه النبي إلى علي بن أبي طالب عليهالسلام
فقرأه عليه ، فلما سمع النبي صلىاللهعليهوآله
كلام تبع
قال : مرحبا بالاخ الصالح ثلاث مرات ، وأمر أبا ليلى بالرجوع إلى المدينة .
٤٦ ـ قب
: أبوبكر البيهقي في دلائل النبوة أنه قال : قال راهب لطلحة في سوق
بصرى : هل ظهر أحمد فهذا شهره الذي يظهر فيه ، في كلام له.
وقال عفكلان الحيمري لعبدالرحمان بن عوف
: ألا ابشرك ببشارة وهي خير لك من
التجارة؟ انبئك بالمعجبة وابشرك بالمرغبة ، إن الله قد بعث في الشهر الاول من قومك
نبيا
ارتضاه وصفيا ، أنزل عليه كتابا ، جعل له ثوابا ، ينهى عن الاصنام ، ويدعو إلى
الاسلام
أخف الوقفة ، وعجل الرجعة ، وكتب إلى النبي صلىاللهعليهوآله.
أشهد بالله رب موسى
|
|
أنك ارسلت بالبطلاح
|
فكن شفيعي إلى مليك
|
|
يدعو البرايا إلى الفلاح
|
فلما دخل على النبي (ص) قال : أحملت إلي
وديعة أم أرسلك إلي مرسل برسالة؟
فهاتها.
وبشر أوس بن حارثة بن ثعلبة قبل مبعثه
بثلاثمائة عام ، وأوصى أهله باتباعه في
حديث طويل ، وهو القائل :
إذا بعث المبعوث من آل غالب
|
|
بمكة فيما بين زمزم والحجر
|
_________________
هنالك فاشروا نصره ببلادكم
|
|
بني عامر إن السعادة في النصر
|
وفيه يقول النبي صلىاللهعليهوآله : رحم الله أوسا
مات في الحنيفية ، وحث على نصرتنا في
الجاهلية .
د
: وبشر أوس بن حارثة وذكر نحوه. .
٤٧ ـ قب
: ذكر الماوردي أن عبدالمطلب رأى في منامه كأنه خرج من ظهره
سلسله بيضاء ، لها أربعة أطراف : طرف قد أخذ المغرب ، وطرف أخذ المشرق ، وطرف
لحق بأعنان السمآء ، وطرف لحق بثرى الارض ، فبينما هو يتعجب إذا التفت الانوار
فصارت شجرة خضرآء ، مجمعة الاغصان ، متدلية الاثمار ، كثيرة الاوراق ، قد أخذ
أغضانها أقطار الارض في الطول والعرض ، ولها نور قد أخذ الخافقين ، وكأني قد جلست
تحت الشجرة وبإزاي شخصان بهيان وهمان نوح وإبراهيم عليهماالسلام
، قد استظلا به ، فقص ذلك
على كاهن فسره بودة النبي صلىاللهعليهوآله
.
٤٨ ـ قب
: المفسرون عن عبدالله بن عباس في قوله : ( لايلاف قريش ) أنه كانت
لهم في كل سنة رحلتان باليمن والشام ، فكان من وقاية أبي طالب أنه عزم على الخروج
في ركب من قريش إلى الشام تاجرا سنة ثمان من مولده ، أخذ النبي صلىاللهعليهوآله بزمام ناقته
وقال : يا عم على من تخلفني ولا أب لي ولا ام؟ وكان قيل لي : ما يفعل به في هذا
الحر وهو غلام صغير؟! فقال : والله لاخرجن به ولا افارقه أبدا .
٤٩ ـ شى
: عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليهالسلام
في قوله : ( وكانوا من قبل
يستفتحون على الذي ن كفروا ) فقال : كانت اليهود تجد في كتبها أن مهاجر محمد صلىاللهعليهوآله
_________________
ما بين عيرواحد ، فخر جوا يطلبون الموضع ، فمر وابجبل
تسمى حداد،
فقالوا : حداد
واحد سواء ، فتفرقوا عنده ، فنزل بعضهم بفدك ، وبعضهم بخيبر ، وبعضهم بتيمآء ، فاشتياق
الذين بتيمآء إلى بعض إخوانهم ، فمر بهم أعرابي من قيس فتكاروا منه ، وقال لهم : أمر
بكم
ما بين عيرواحد ، فنزلوا عن ظهر إبله فقالوا له : قد أصبنا بغيتنا فلا حاجة لنا في
إبلك ، فاذهب حيث شئت ، وكتبوا إلى إخوانهم الذين بفدك وخيبر أنا قد أصبنا الموضع فهلموا
إلينا ، فكتبوا إليهم : أنا قد استقرت بنا الدار ، واتخذنا الاموال ، وما أقربنا منكم ، وإذا
كان
ذلك فما أسرعنا إليكم ، فاتخذوا بأرض المدينة الاموال ، فلما كثرت أموالهم بلغ تبع
فغزاهم فتحصنوا منه فحاصرهم ، وكانوا يرقون الضعفاء أصحاب تبع فيلقون إليهم بالليل
التمر والشعير ، فبلغ ذلك تبع فرق لهم وآمنهم ، فنزلوا إليه ، فقال لهم : إني قد
استطبت
بلادكم ولا أراني إلا مقيما فيكم ، فقالوا له : إنه ليس ذلك لك ، إنها مهاجر نبي ،
وليس
ذالك لاحد حتى يكون ذالك ، فقال لهم : فإني مخلف فيكم من اسرتي من إذا كان ذالك
ساعده ونصره ، فخلف فيهم حين بوأهم الاوس والخزرج ، فلما كثروا بها كانوا يتناولون
أموال اليهود فكانت اليهود ، فكانت اليهود يقول لهم : أما لو بعث محمد لنخرجنكم من
دينارنا وأموالنا ، فلما بعث الله محمدا عليه اصلاة والسلام آمن به الانصار ، وكفرت
به اليهود ، وهو قول الله :
_________________
( وكانوا من قبل
يستفتحون على الذين كفروا إلى فلعنة الله على الكافرين ).
كا
: محمد بن يحي ، عن ابن عيسى ، عن الاهوازي ، عن الضر ، عن زرعة ، عن
أبى بصير مثله .
٥٠ ـ شى
: عن الثمالي ، عن أبراهيم جعفر عليهالسلام
قال : قوله : ( يجدونه ) يعني اليهود
والنصارى صفة محمد واسمه ( مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف
وينهاهم
عن المنكر
).
٥١ ـ جا
: الحسين بن محمد التمار ، عن محمد بن القاسم الانباري ، عن حميد بن
محمد بن حميد ، عن محمد بن نعيم العبدي ، عن أبي علي الرواسي عبدالله ، عن عبيد بن
سميع ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس قال : لما قدم على النبي صلىاللهعليهوآله وفد
إياد قال لهم : ما فعل قس بن ساعدة؟ كأني أنظر إليه بسوق عكاظ على جمل أورق ، وهو
يتكلم بكلام عليه حلاوة ما أجدني أحفظه
، فقال رجل من القوم : أنا أحفظه يا رسول
الله ، سمعته وهو يقول بسوق عكاظ : أيها الناس اسمعوا وعوا ، واحفظوا ، من عاش مات
، ومن مات فات ، وكل ما هو آت آت ، ليل داج ، وسمآء ذات أبراج ، وبحار ترجرج ، ونجوم تزهر ، ومظر ونبات ، وآباء وامهات ، وذاهب وآت ، وضوء وظلام ، وبر وأثام ، ولباس ورياش ، ومركب ومطعم ومشرب. إن في السمآء لخبرا ، وإن في الارض لعبرا ، ما لي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون ، أرضوا بالمقام هناك فأقاموا ، أم تركوا
فناموا؟
يقسم بالله قس بن ساعدة قسما برا لا إثم فيه ما لله على الارض دين أحب إليه من دين
_________________
قد أظلكم زمانه ، وأدرككم
أوانه ، طوبى لمن أدرك صاحبه فبايعه
، وويل لمن أدركه
ففارقه ، ثم أنشأ يقول :
في الذاهبين الاولين من القرون لنا
بصائر
|
|
لما رأيت مواردا للموت ليس لها مصادر
|
ورأيت قومي نحوها يمضي الاصاغر
والاكابر
|
|
لا يرجع الماضي إليك ولا من الماضين
غابر
|
أيقنت أني لا محالة
حيث صار القوم صائر
فقال رسول الله (ص) : يرحم الله قس بن
ساعدة ، إني لارجو أن يأتي يوم القيامة
امة وحده
، فقال رجل من القيوم : يا رسول الله لقد رأيت من قس عجبا ، قال : وما
الذي رأيت؟ قال : بقس بن ساعدة في ظل شجرة عندها عين ماء ، وإذا حواليه سباع كثيرة
، وقد وردت حتى تشرب من الماء ، وإذا زأر سبع منها على صاحبه ضربه بيده ، وقال : كف
حتى
يشرب الذي ورد قبلك ، فلما رأيته وما حلوه من السباع هالني ذلك ودخلني رعب شديد ، فقال لي : لا بأس عليك ، لا تخف إن شاء الله ، وإذا أنا بقبرين بينهما مسجد ، فلما
آنست
به قلت : ما هذان القبران؟ قال : قبرأخوين كانا لي يعبدان الله في هذا الموضع معي
، فماتا
فدفنتهما في هذا الموضع ، واتخذت فيما بينهما
مسجدا أعبدالله فيه حتى ألحق بهما ، ثم ذكر أيامهما وفعالهما فبكى ثم قال :
خليلي هبا طال ما قدرقدتما
|
|
أجدكما لا تقضيان كراكما
|
ألم تعلما أني بسمعان مفرد
|
|
وما لي بهما ممن حببت سواكما
|
اقيم على قبر يكمالست بارحا
|
|
طوال الليالي أو يجيب صداكما
|
ابكيكما طول الحياة وما الذي
|
|
يرد على ذي عولة إن بكاكما
|
كأنكما والموت أقرب غاية
|
|
بروحي في فبري كما قد أتاكما
|
_________________
فلو جعلت فنس لنفس وقاية
|
|
لجدت بنفسي أن أكون فداكما .
|
بيان : قوله صلىاللهعليهوآله : ما أجدني لعله كان
في الاصل ما أجودني فصحف ، ويحتمل
أن يكون قال ذلك على جهة المصلحة ليسمع الناس من القوم ، والزئير : صوت الاسد
من صدره ، وقد زأر كضرب ومنع وسمع ، والهب : الانتباه من النوم ، ونشاط كل سائر
وسرعه. والكرى : النوم.
وقال الجوهري : الصدى : الذي يجيبك بمثل
صوتك في الجبال وغيرها ، يقال : صم صداه ، وأصم الله صداه أي أهلكه ، لان الرجل إذا مات لم يسمع الصدى منه شيئا
فيجيبه.
وقال الفيروزآبادي : الصدى : الجسد من
الآدمي بعد موته. وطائر يخرج من رأس المقتول
إذا بلي بزعم الجاهلية انتهى. وما في البيت يحتمل المعنيين ، وعلى التقديرين ( أو
) بمعى
( إلى أن ) أي أقيم على قبريكما إلى أن تحييا وتجيباني.
٥٢ ـ نجم
: وجدت في كتاب درة الاكليل تأليف محمد بن أحمد بن عمرو بن حسين
القطيعي في الجزء الثالث منه عند قوله : مفاريد الاسماء علي التقييد ، فذكر في
ترجمة
عبدالاول بن عيسى بن شعيب بن إبراهيم بن إسحاق الشجري الاصل الهروي المولد الصوفي
الشيخ الثقة أبي الوقت بن أبي عبدالله
حديث دلالة النجوم عند هرقل ملك الروم على نبوة
نبينا محمد صلوا الله عليه وعلى آله ، والحديث طويل يتضمن سؤال هرقل لبعض قريش
_________________
عن صفات النبي (ص) ،
ولفظ كتاب النبي صلىاللهعليهوآله
إلى هرقل ، ثم قال : ما هذا لفظه : وكان ابن الناطور صاحب إيليا وهرقل اسقفا على نصارى الشام يحدث أن هرقل حين
قدم إيليا
أصبح يوما خبيث النفس ، فقال بعض بطارقته : قد استنكرنا هيئتك ، ابن الناطور : وكان هرقل جيدا ينظر في النجوم
، فقال لهم حين سألوه : إني رأيت
الليلة حين نظرت ملك قد ظهر من مختتن هذه الامة ، قالوا : ليس مختتن إلا اليهود فلا
يهمنك شأنهم ، واكتب إلى مدائن ملكك يقتلون من بهم من اليهود ، فبينا هم على
أمرهم إذ أتى هرقل برجل أرسل إليه ملك غسان يخبر عن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فلما
استخبره هرقل قال : اذهبوا فانظروا أمختتن
هو أم لا ، فنظروا فحدثوه أنه مختتن ، وساله عن العرب فقال : هم يختتنون
، فقال هرقل : هذا ملك هذه الامة قد ظهر ، ثم
كتب إلى صاحب له برومية وكان نظيره في العلم ، وسار هرقل إلى حمص فلم يرم حمص
حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق رأى هرقل على خروج النبي صلىاللهعليهوآله أنه نبي ، فأذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة له بحمص ثم أمر بأبوابها فغلقت ، ثم أطلع
فقال : يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت ملككم فبايعوا هذا الرجل ،
_________________
فحاصوا حيصة حمر
الوحش إلى الابواب فوجدوها قد غلقت
، فلما رأى هرقل نفرتهم
وآيس من الايمان قال : ردوهم علي ، وقال
: إني قلت مقالتي آنفا أختبر بها
شدتكم على دينكم وقد رأيت
، فسجدوا له ورضوا عنه ، فكان ذلك آخر شأن
هرقل .
بيان
: قوله : فلم يرم حمص ، أي لم يبرحه ولم يزل عنه ، من رام يريم ، والد سكرة : القرية ، ولاصومعة. وحاص عنه يحيص حيصا وحيصة : عدل وحاد.
٥٣ ـ كا
: علي عن أبيه ، عن صفوان بن يحي ، عن إسحاق بن عمار قال : سالت أبا عبدالله عليهالسلام
عن قول الله تبارك وتعالى (
وكانوا من
قبل يستفتحون على الذين
كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به
) قال : كان
قوم فيما بين محمد (ص) وعيسى عليهالسلام
و
كانوا يتوعدون أهل الاصنام بالنبي صلىاللهعليهوآله
، ويقولون : ليخرجن نبي فليكسرن أصنامكم ، وليفعلن بكم وليفعلن ، فلما خرج رسول الله صلىاللهعليهوآله
كفروا به .
٥٤ ـ د
: البشائربه : من ذلك بشائر موسى في السفر الاول ، وبشائر إبراهيم
عليهالسلام
في السفر الثاني ، وفي السفر الخامس عشر ، وفي الثالث والخمسين من مزامير داود عليهالسلام ، وبشائر عويديا
وحيقوق وحزقيل ودانيال وشعيا ، وقال داود في زبوره : اللهم ابعث
مقيم السنة بعد الفترة.
وقال عيسى عليهالسلام
في الانجيل : إن البر ذاهب ، والبار فليطا جائي من بعده ، وهو يخفف الآصار ، ويفسر كل شئ ، ويشهد لي كما شهدت له ، أنا جئتكم بالامثال
_________________
هو يأتيكم بالتأويل .
٥٥ ـ كنزالكراجكى
: قال : ذكر الرواة من أهل العلم أن ربيعة بن نصر
رأى رؤيا هالته
، فبعث في أهل مملكته فلم يدع كاهنا ولا ساحرا ولا فائفا ولا منجما إلا أحضره
إليه ، فلما جمعهم قال لهم : إني قد رأيت رؤياها لتني ، فأخبروني بتأويلها ، قالوا
: اقصصها
علينا لنخبرك بتأويلها ، قال : إني إن أخبرتكم بها لم أطمئن إلى خبركم عن تأويلها
، إنه
لا يعرف تأويلها إلا من يعرفها قبل أن اخبره بها ، فلما قال لهم ذلك قال رجل من
القوم : إن
كان الملك يريد هذا فليبعث إلى سطيح وشق
، فإنه لس أحد أعلم منهما فهما يخبر انك بما
سألت ، فلما قيل له ذلك بعث إليهما ، فقدم عليه سطيح قبل شق ، ولم يكن في زمانهما
مثلهما
من الكهان ، فلما قدم عليه سطيح دعاه فقال له : يا سطيح إني قد رأيت رؤيا هالتني و
فظعت بها ، فأخبرني بها ، فإنك إن أصبتها أصبت تأويلها ، قال : أفعل ، رأيت جمجمة
خرجت من ظلمة فوقعت
بأرض تهمة ، فأكلت منها كل ذات جمجمة
، قال له
الملك : ما أخطأت منها شيئا يا سطيح ، فما عندك في تأويلها؟ فقال : أحلف بما بين
الحرتين
من حنش ، ليهبطن أرضكم الحبش ، فليمكن ما بين أنين إلى جرش ، قال له الملك : وأبيك يا سطيح إن هذا لنا لغائظ موجع ، فمتى هو كائن يا سطيح؟ أفي زماني أم بعده؟
قال : _________________
لابل بعده بحين أكثر
من ستين أو سبعين يمضين من السنين ، ثم يقتلون بها أجمعون
ويخرجون منها هاربين ، قال الملك : من ذا الذي يلي ذلك من قتلهم وإخراجهم؟ قال : يليه إرم ذي
يزن ، يخرج عليهم من عدن ، فلا يترك منهم أحدا باليمن ، قال : أفيدوم ذلك
من سلطانه أو ينقطع؟ قال : بل ينقطع قال : ومن يقطعه؟ قال : نبي زكي ، يأتيه الوحي
من قبل
العلي ، قال : وممن هذا النبي؟ قال : رجل من ولد غالب بن فهر بن مالك بن النضر ، يكون الملك في قومه إلى آخر الدهر ، قال : وهل للدهر يا سطيح من آخر؟ قال : نعم
بوم
يجمع فيه الاولون والآخرون ، ويسعد فيه المحسنون ، ويشقى فيه المسيئون ، قال : أحق
ما تخرنا يا سطيح؟ قال : نعم والشفق والفلق
، والليل إذا اتسق ، إن ما أنبأتك به
لحق ، فلما فرغ قدم عليه شق فدعاه فقال له : يا شق إني رأيت رؤيا هالتني وفظعت
بها ، فأخبرني عنها ، فإنك إن أصبتها أصبت تأويلها كما قال لسطيح ، وقد كتمه ما
قال
سطيح لينظر أيتفقان أم يختلفان ، قال : نعم رأيت جمجمة خرجت من ظلمة فوقعت
بين روضة وأكمة ، فأكلت منها كل ذات نسمة ، قال له الملك : ما أخطأت منها ، فما
عندك في تأويلها؟ قال : أحلف بما بين الحرتين من إنسان ، ليزلن أرضكم الحبشان ، فليغلبن على كل طفلة البنان ، وليملكن ما بين أنين إلى نجران ، فقال له الملك : و
أبيك إن هذا لنا لغائظ موجع ، فمتى كائن افي زماني أم بعده؟ قال : بعده بزمان ، ثم
يستنفذكم منهم عظيم الشأن. ويذيقهم أشد الهوان ، قال : ومن هذا العظيم الشأن؟ قال
: غلام ليس بدني ولا مدن ، يخرج من بيت ذي يزن ، قال : فهل يدوم سلطانه أو ينقطع؟
_________________
قال : بل ينقطع
برسول مرسل ، يأتي بالحق والعدل ، بين أهل الدين والفضل ، يكون
الملك في قومه إلى يوم الفصل ، قال : وما يوم الفصل؟ قال : يوم يجزى فيه الولاة ، يدعى
فيه من
السمآء بدعوات ، يسمع منها الاحياء والاموات ، ويجمع الناس للميقات ، يكون فيه لمن
اتقى الفوز والخيرات ، قال : أحق ما تقول ياشق؟ قال : إي ورب السمآء والارض ، وما
بينهما من رفع وخفض ، إنما أنبأتك لحق ما فيه أمض .
بيان : قال في النهاية : قيل : الحنش : ما
أشبه رأسه رؤوس الحيات من الوزغ و
الحرباء وغيرهما ، وقيل : الاحناش : هو ام الارض ، ومنه حديث سطيح : أحلف بما
بين الحرتين من حنش ، وفي القاموش : الجرش : بالتحريك : بلد بالاردن ، وقال : أمض
كفرح : لم يبال من المعاتبة ، وعزيمته ماضية في قبله ، وكذا إذا أبدى لسانه غير
ما يريده .
٥٦ ـ كنز
الكراجكى : روى أن رجلا حدث رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال في حديثه : خرجت في طلب بعيرلي ضل ، فوجدته في ظل شجرة يهش من ورقها ، فدنوت منه فزممته
واستويت على كوره
، ثم اقتحمت واديا فإذا أنابعين خرارة
، وروضة مدهامة
، وشجرة عادية
، وإذا أنا بقس قائما يصلي بين قبرين ، قد اتخذ له بينما مسجدا ، قال : فلما انفتل
من صلاته قلت له : ماهذان القبران؟ فقال : هذان قبرا أخوين كانا
لي ، يعبدان الله عزوجل معي في هذا المكان ، فأنا أعبدالله بينهما إلى أن ألحق
بهما ، قال : ثم التفت إلى القبرين فجعل يبكي وهو يقول :
_________________
خليلي هبا طال ما قدرقدتما
|
|
أجدكما أم تقضيان كراكما
|
أرى خللا في الجلد والعظم منكما
|
|
كأن الذي يسقي العقار سقاكما
|
ألم تعلما أني بسمعان مفرد
|
|
ومالي يسمعان حبيب سواكما
|
فلو جعلت نفس لنفس فدائها
|
|
لجدت بنفسي أن تكون فداكما
|
قال : فقلت له : فلم لا تلحق بقومك
فتكون معهم في خيرهم وشرهم؟ فقال : ثكلتك امك ، أما علمت أن ولد إسماعيل تركوا دين أبيهم ، واتبعوا الاضداد ، و
عظموا الانداد ، قلت : فماهذه الصلاة التي لا تعرفها العرب؟ فقال : اصليها لاله
السمآء فقلت : وللسمآء إله غير اللات والعزى؟ فأسقط
وامتقع لونه ، وقال : إليك
عني يا أخا إياد ، إن للسمآء إلها هو الذي خلقها ، وبالكواكب زينها ، وبالقمر المنير أشرقها ، أظلم
ليلها ، وأضحى نهارها ، وسوف تعمهم من هذه الرحمة وأومأ بيده نحو مكة برجل أبلج من
ولد لوي بن غالب يقال له : محمد ، يدعو إلى كلمة الاخلاص ، ما أظن أني ادركه ، ولو
أدركت
أيامه لصفقت بكفي على كفه ، ولسعيت معه حيث يسعى ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : رحم
الله أخي قسا يحشر يوم القيامة امة وحده .
بيان : قال في النهاية : في حديث قس ذكر
العقار ، وهو بالضم من أسمآء الخمر ، وفي القاموس : العقار بالضم : الخمر لمعا قرته ، أي ملازمته الدن ، أو لعقرها
شاربها عن
المشي.
_________________
٥٧ ـ أقول
: وجدت في كتاب سليم بن قيس عن أبان بن أبي عياش عنه قال : أقبنلا
من صفين مع أميرالمؤمنين عليهالسلام
فنزل العسكر قريبا من دير نصراني ، إذ خرج علينا من
الدير شيخ جميل
حسن الوجه ، حسن الهيئة والسمت ، معه كتاب في يده ، حتى أتى
أميرالمؤمنين عليهالسلام
فسلم عليه بالخلافة ، فقال علي عليهالسلام
: مرحبا يا أخي شمعون بن حمون ، كيف حالك رحمك الله؟ فقال : بخير يا أميرالمؤمنين ، وسيد المسلمين ، ووصي رسول
رب العالمين ، إني من نسل رجل من
حواري عيسى بن مريم عليهالسلام.
وفي رواية اخرى : أنا من نسل حواري أخيك
عيسى بن مريم عليهالسلام.
من نسل شمعون بن يوحنا ، وكان أفضل
حواري عيسى بن مريم عليهالسلام
الاثنى عشر ، وأحبهم إليه ، وآثرهم عنده ، وإليه أوصى عيسى عليهالسلام
، وإليه دفع كتبه علمه وحمته ، فلم يزل أهل بيته على دينه متمسكين عليه
لم يكفروا ولم يبدلوا ولم يغيروا ، و
تلك الكتب عندى إملاء عيسى بن مريم عليهالسلام
، وخط أبينا بيده ، وفيه كل شئ يفعل
الناس من بعده ملك ملك وما يملك ، وما يكون في زمان كل ملك منهم حتى يبعت الله
رجلا من العرب من ولد إسماعيل بن إبراهيم خليل الله ، من أرض تدعى تهامة ، من قرية
يقال لها : مكة ، يقال له : أحمد ، الانجل
العينين ، المقرون الحاجبين ، صاحب الناقة
والحمار ، والقضيب ولاتاج ، يعني العمامة ، له اثنا عشر اسما ، ثم ذكر مبعثه
ومولده
وهجرته ، ومن يقاتله ومن ينصره ومن يعاديه ، وكم يعيش ، وما تلقى امته بعده إلى أن
ينزل الله عيسى بن مريم عليهالسلام
من السمآء ، فذكر في ذلك الكتاب ثلاثة عشر رجلا
_________________
من ولد إسماعيل بن
إبراهيم خليل الله صلى الله عليهم هم خير من خلق الله ، وأحب من خلق
الله إلى الله ، وإن الله ولي من والاهم ، وعدو من عاداهم ، من أطاعهم اهتدى ، ومن
عصاهم ضل ، طاعتهم لله طاعة ومعصيتهم لله معصية ، مكتوبة فيه أسماؤهم وأنسابهم
ونعتهم ، وكم
يعيش كل رجل منهم واحد بعد واحد
، وكم رجل منهم يستر أدلة للناس حتى
ينزل الله عيسى عليهالسلام على آخرهم ، فيصلي
عيسى عليهالسلام
خلفه ، ويقول : إتكم أئممة
لا ينبغي لاحد أن يتقدمكم ، فيتقدم فيصلي بالناس ، وعيسى عليهالسلام خلفه في الصف ، أولهم وأفضلهم وخيرهم ، له مثل اجورهم ، واجور من أطاعهم ، واهتدى بهداهم ، أحمد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، واسمه محمد ، وياسين
، والفتاح ، والختام
، والحاشر ، و
العاقب ، والماحي.
وفي نسخة اخرى : مكان الماحي الفتاح
والقائد ، وهو نبى الله ، وخليل الله ، و
حبيب الله ، وصفية وأمينه وخيرته ، ير تقلبه في الساجدين.
وفي نسخة اخرى : يراه تقلبه في الساجدين
، يعني في أصلاب النبيين.
ويكلمه برحمته ، فيذكر إذا ذكرو هم اكرم
خلق الله على الله ، وأحبهم إلى الله ، لم يخلق الله خلقا ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا آدم فمن سواه خيرا عند الله ولا أحب
لالى الله
منه ، يقعده يوم القيامة على عرشه ، ويشفعه في كل ن شفيع فيه ، باسمه جرى القلم في
في اللوح المحفوظ ، في ام الكتاب ، ثم أخوه احب اللوآء إلى يوم المحشر الاكبر ، ووصيه ووزيره وخليفته في امته ، وأحب خلق الله إلى الله بعده على بن أبي طالب عليهالسلام.
ولي كل مؤمن بعده ، ثم أحد عشر إماما من ولد محمد وولد الاول : اثنان منهم
سميا ابني هارون : شبر وشبير.
_________________
وفي نسخة اخرى : ثم أحد عشر من ولد ولده
: أولهم شبر
، والثاني شبير ، وتسعة من شبير ، واحد بعد واحد .
وفي نسخة الاولى : وتسعة من ولد أصغرهما
وهو الحسين ، واحد بعد واحد
، آخرهم الذي يصلي عيسى بن مريم عليهالسلام
خلفه ، فيه تسمية كل من يملك منهم ، ومن بستتر بدينه ، ومن يظهر ، فأول من يظهر منهم يملا جميع بلاد الله قسطا وعدلا ،
ويملك ما بين المشرق والمغرب حتى يظهره الله على الاديان كلها.
فلما بعث النبي (ص) وأبي حي صدق به وآمن
به ، وشهد أنه رسول الله (ص) ، وكان شيخا كبيرا لم يكن به شخوص فمات ، وقال : يا بني إن وصي محمد صلىاللهعليهوآله وخليفته
الذي اسمه في هذا الكتاب ونعته سيمر بك إذا مضى ثلاثة من أئمة الضلالة ، يسمون
بأسمائهم وقبائلهم ، فلان وفلان وفلان ، ونعتهم ، وكم يملك كل واحد منهم ، فإذا مر
بك فاخرج إليه وبايعه وقاتل معه عدوه ، فان الجهاد معه كالجهاد مع محمد صلىاللهعليهوآله ، والموالي
له كالموالي لمحمد صلىاللهعليهوآله
، والمعادي له كالمعادى لمحمد (ص) ، وفي هذا الكتاب يا أميرالمؤمنين
اثنى عشر
إماما من قريش ، ومن قومه
من أئمة الضلالة يعادون أهل بيته ، ويدعون
حقهم ، ويمنعونهم منه ، ويطردونهم ، ويتبرؤن منهم ، ويخيفونهم ، مسمون
واحدا واحدا بأسمائهم ونعتهم ، وكم يملك كل واحد منهم وما يلقى منهم ولدك وأنصارك
و
شيعتك من القتل والحرب والبلاء ولاخوف ، وكيف يديلكم الله منهم ومن أوليائهم
وأنصارهم ، وما يلقون
من الذل والحرب والبلاء والخزي والقتل والخوف منكم
_________________
أهل البيت ، يا
أميرالمؤمنين ابسط يدك ابايعك بأني
أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد
أن محمدا عبده ورسوله ، وأشهد أنك خليفة رسول الله صلىاللهعليهوآله
في امته ، ووصيه
وشاهده على خلقه ، وحجته في أرضه ، وأن الاسلام دين الله ، وأني أبرء من كل دين
خالف دين الاسلام ، فإنه دين الله الذي اصطفاه لنفسه ، ورضيه لاوليائه ، وإنه دين
عيسى
ابن مريم عليهالسلام
ومن كان قبله من أنبياء الله ورسله ، وهو الذي دان به من مضى من آبائي ، وإني أتولاك وأتولى أولياك ، وأبرء من عدوك ، وأتولى الائمة من ولدك ، وأبرء من
عدوهم وممن خالفهم وبرئ منهم وادعى حقهم ، وظلمهم من الاولين والآخرين ، ثم تناول
يده فبايعه ، ثم قال له أميرالمؤمنين عليهالسلام
: ناولني كتابك ، فناوله إياه ، وقال علي عليهالسلام
لرجل من أصحابه : ثم مع الرجل فأحضر ترجمانا يفهم كلامه فلينسخه لك بالعربية ، فلما
أتاه به قال لابنه الحسن : يا بني أيتني بالكتاب الذي دفعته إليك ، يا بني اقرأه ،
وانظر أنت
يا فلان في نسخة هذا الكتاب فإنه خطي بيدي ، وإملاء رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقرأء فما
خالف حرفا واحدا ليس فيه تقديم ولا تأخير ، كأنه إملاء رجل واحد على رجلين ، فحمد
الله وأثنى عليه ، وقال : الحمد لله الذي لو شاء لم تختلف الامة ولم تفترق ، والحمد
لله
الذي لم ينسني ، ولم يضع أمري ، ولم يخمل ذكري عنده وعند أوليائه ، إذ صغر وخمل
عنده ذكر أولياء الشيطان وحزبه ، ففرح بذلك من حضر من شيعة علي عليهالسلام وشكر
كثير ممن حلوه حتى عرفنا ذلك في وجوههم وألوانهم .
٥٨ ـ وقال السيد ابن طاوس روح الله روحه في كتاب سعد السعود : وجدت
في صحف
إدريس النبي عليهالسلام
فيما خاطب الله به إبليس وأنظره إلى يوم الوقت المعلوم ، قال : و
انتخبت لذلك الوقت عبادا لي امتحنت قلوبهم للايمان إلى أن قال : اولئك أوليائي ، اخترت لهم نبيا مصطفى ، وأمينا مرتضى ، فجعلته لهم نبيا وروسلا ، وجعلتهم له
أولياء
وأنصارا ، تلك امة اخترتها لنبيي المصطفى ، وأميني المرتضى ، ثم قال : ونظر آدم
إلى
_________________
طائفة من ذريته
يتلالا نورهم ، قال آدم : ما هؤلاء؟ قال : هو. ء الانبيآء من ذريتك ، قال : يا رب فما بال نور هذا الاخير ساطعا على نورهم جميعا؟ قال : لفضله عليهم
جميعا ، قال : ومن هذا النبي يا رب؟ وما اسمه؟ قال : هذا محمد نببي ورسولي وأميني ونجيبي ونجيبي
وخيرتي وصفوتي وخالصتي وحبيبي وخليلي وأكرم خلقي علي ، وأحبهم إلي ، وآثرهم
عندي ، وأقربهم مني ، وأعرفهم لي ، وأرجحهم حلما وعلما وإيمانا ويقينا وصدقا وبرا
وعفافا وعبادة وخشوعا ووردعا وسلما وإسلاما ، أخدت له ميثاق حملة عرشي فما دونهم
من
خلائقي في السماوات والارض بالايمان به ، والاقرار بنوته ، فآمن به يا آدم تزدد مني قربة ومنزلة وفضلا ونورا ووقارا ، قال : آمنت
بالله ، ورسوله محمد صلىاللهعليهوآله
، قال الله : قد أوجبت لك يا آدم وقد زدتك فضلا وكرامة ، وأنت يا آدم أول الانبياء والرسل ، و
ابنك محمد خاتم الانبياء والرسل ، وأول من تنشق عنه الارض يوم القيامة ، وأول من
يكسى ويحمل إلى الموقف ، وأول شافع ، وأول مشفع ، وأول قارع لابواب الجنان ، وأول من يفتح له ، وأول من يدخل الجنة ، وقد كنيتك به ، فأنت أبومحمد ، فقال آدم :
الحمد لله الذي جعل من ذريتي من فضله بهذه الفضائل ، وسبقتني إلى الجنة ، ولا
أحسده ، ثم ذكرما نقله الراوندي عن التوراة والانجيل ، وبسط الكلام فيها ، وإنما تركناه
مخافة التطويل ، ثم قال : رأيت في السورة السابعة عشر من الزبور : داود اسمع ما
أقول ، و
مرسليمان يقول بعدك : إن الارض أورثها محمد وامته ، وهم خلافكم ، ولا تكون
صلاتهم لاطنابير ، ولا يدسون الاوتار ، فازدد من تقديسك ، وإذا زمرتم بتقديسيي
فأكثروا البكاء بكل ساعة ، وساعة لا تذكرني فيها عدمتها من ساعة. انتهي .
٥٩ ـ أقول
: وروى محمد بن مسعود الكازروني بإسناده
إلى الاعمش ، عن أبي
صالح ، عن كعب قال : نجد مكتبوا محمد رسول الله ، لافظ ولا غليظ ، ولا صخاب
بالاسواق ،
_________________
ولا يجزي بالسيئة
السيئة ، ولكن يعفو ويغفر ، امته الحامدون ، يكبرون الله على كل
نجد ، ويحمدونه في كل منزل ، يتأزرون على أنصافهم ، ويتوضؤون على أطرافهم ، مناديهم
يناديهم في جو السمآء ، صفهم في القتال وصفهم في السلاة سوآء ، لهم بالليل دوي
كدوي
النحل ، مولده بمكة ، ومهاجرة بطابة ، وملكه بالشام .
أقول : وذكر بشائر كثيرة في كتابه
لانطيل الكلام بإيرادها ، وفي ما ذكرناه
كفاية.
٦٠ ـ مقتضب الاث في النص على الاثنى عشر لاحمد بن محمد بن عياش ، عن
محمد بن
لاحق بن سابق الانباري ، عن جده سابق بن قرين ، عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي
، عن أبيه ، عن الشرقي بن قطامى ، عن تيميم بن وهلة المري ، عن الجارود بن المنذر العبدي
وكان نصرانيا فأسلم عام الحديبية وحسن إسلامه ، وكان قارئا للكتب ، عالما بتأويلها
على وجه الدهر وسالف العصر ، بصيرا بالفلسفة والطب ، ذا رأي أصيل ، ووجه جميل ، أنشأ
يحدثنا في إمارة عمر بن الخطاب قال : وفدت على رسول الله صلىاللهعليهوآله في رجال من
عبدالقيس
ذوي أحلام وأسنان ، فصاحة وبيان ، وحجة وبرهان ، فلما بصروا به صلىاللهعليهوآله راعهم منظره
ومحضره ، وأفحموا عن بيانهم وعن بعهم العروآء
في أبدانهم ، فقال زعيم القوم لي : دونك
من أقمت بنا أممه
، فما نستطيع كلمة
، فاستقدمت دونم إليه ووقفت بين يديه ، وقلت : السلام عليك يا نبي الله ، بأبي أنت وامي ، ثم أنشأت أقول ( شعر ) :
_________________
يا نبي الهدي أتتك رجال
|
|
قطعت قرددا والا فآلا
|
جابت البيد والمهامة حتى
|
|
غالها من طوي السري ما غالا
|
قطعت دونك الصاصح تهوى
|
|
لا تعد الكلال فيك كلالا
|
كل دهناء تقصر الطرف عنها
|
|
أرقلتها قلاصنا إرقالا
|
وطوتها العتاق تجمح فيها
|
|
بكماة مثل النجوم تلالا
|
ثم لما رأتك أحسن مرأى
|
|
أفحمت عنك هيبة وجلالا
|
تتقي شر بأس يوم عصيب
|
|
هائل أو جل القلوب وهالا
|
ونداء لمحشر الناس طرا
|
|
وحسابا لمن تأدى ضلالا
|
نحو نور من الاله وبرهان
|
|
وبز ونعمة لن تنالا
|
وأمان منه لدى الحشر والنشر
|
|
إذ الخلق لا يطيق السؤالا
|
فلك الحوض والشفاعة والكوثر
|
|
والفضل إذ ينص السؤالا
|
فلك الحوض خصك يابن آمنة
|
|
الخير إذا ماتلت سجال سجالا
|
أنبأ الاولون باسمك فينا
|
|
وباسماء بعده تتتالا
|
_________________
فأقبل علي رسول الله بصفحة وجهه المبارك شمت
منه ضياء لامعا ساطعا
كوميض البرق ، فقال
: يا حارود لقد تأخربك وبقومك الوعد
وقد كنت وعدته
قبل عامي ذلك أن أفدإليه بقومي فلم آته ، وآتيته في عام الحديبية فقلت : يا رسول
الله
بأبي أنت ما كان إبطائي عنك إلا أن جله قومي أبطاؤا عن إجابتي حتى ساقها الله إليك
لما أراد لها به إليك من الخير ، فأما من تأخر
فحظه فات منك ، فتلك أعظم حوبة
، وأكبر عقوبة ، ولو كانوا ممن سمع بك أو رآك لما ذهبوا عنك ، فإن برهان الحق في
مشهدك محتدك
، وقد كنت على دين النصرانية قبل أتيتي إليك الاولى ، فها أناتاركه بين
يديك ، إذ ذلك مما يعظم الاجر ، ويمحو المآثم والحوب ، ويرضى الرب عن المربوب ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
: أناضامن لك يا جارود ، قلت : أعلم يا رسول الله أنك مذكنت
ضمين قمين
، قال : فدن الآن بالوحدانية ، ودع عنك النصرانية ، قلت : أشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأنك عبده ورسوله ، ولقد أسلمت على علم بك
ونباء فيك ، علمته من قبل ، فتبسم صلىاللهعليهوآله
كأنه علم ما أردته من الانبآء فيه ، فأقبل علي وعلى قومي ، فقال : أفيكم من يعرف قس بن ساعدة اللايادي؟ قلت : يا رسول الله كلنا نعرفه ، غير
أني من بينهم عارف بخبره ، واقف على أثره ، كان قس بن ساعدة يا رسول الله سبطا من
أسباط العرب ، عمر خمسمأة عام ، تقفر منها في البرارى خمسة أعمار ، يضج بالتسبيح
على
منهاج المسيح ، لا يقره قرار ، ولا يكنه جدار ، ولا يستمع منه جار ، لا يفتر من
_________________
الرهبانية ، ويدين
الله بالوحدانية ، يلبس المسوح
ويتحسى في سياحته بيض النعام ، ويعتر بالنور والظلام ، يبصر فيتفكر ، ويفكر فيختبر ، يضرب بحكمته الامثال ، أدراك
رأس
الحواريين شمعون ، وأدرك لوقاويوحنا ، وفقه منهم ، تحوب الدهر ، وجانب
الكفر ، وهو القائل بسوق عكاظ وذى المجاز
: شرق وغيرب ، ويابس ورطب ، واجاج
وعذب ، وحب ونبات ، وجمع اشتات ، وذهاب وممات ، وآباء وامهات ، وسرور
مولود ، ورزء مفقود نبأ لارباب الغفلة ، ليصلحن العامل عمله قبل أن يفقد أجله ، كلابل
هو الله الواحد ، ليس بمولود ولا والد ، أمات وأحيا ، وخلق الذكر والانثثى ، وهو
رب
الآخرة والاولى ، ثم أنشد شعر
كلمه له :
ذكر القلب من جواه اذكار
|
|
وليال خلا لهن نهار
|
وشموس تحتها قمر
|
|
الليل وكل متابع موار
|
وجبال شوامخ راسيات
|
|
وبحار مياههن غزار
|
وصغير وأشمط ورضيع
|
|
كلهم في الصعيد يوما بوار
|
كل هذا هو الدليل على الله
|
|
ففيه لنا هدى واعتبار
|
ثم صاح : يا معشر إياد فأين ثمود؟ وأين
عاد؟ وأين الآباء والاجداد؟ وأين العليل
_________________
و ـ العواد؟ وأين الطالبون والرواد؟ كل
له معاد ، أقسم
قس برب العباد ، وساطح المهاد ، وخالق سبع الشداد ، سماوآت بلا عماد ، ليحشرن على الانفرد ، وعلى قرب وبعاد ، إذا نفخ في الصور ، ونق في الناقور ، وأشرقت الارض بالنور ، فقد وعظ الواعظ ، وانتبه
القايظ
، وأبصر اللاحظ ، ولفظ اللافظ ، فويل لمن صدف عن الحق الاشهر ، وكذب
بيوم المحشر ، والسراج الازهر ، في يوم الفصل ، وميزان العدل ، ثم أنشأ يقول : ( شعر ) :
يا ناعي الموت والاموات في جدث
|
|
عيهم من بقايا بزهم خرق
|
منهم عرات وموتى في ثيابهم
|
|
منها الجديد ومنها الاورق الخلق
|
دعهم فإن لهم يوما يصاح بهم
|
|
كما ينبه من رقداته الصعق
|
حتى يجيئوا بحال غير حالهم
|
|
خلق مضوا ثم ماذا بعد ذاك لقوا
|
ثم أقبلت على اصحابه فقلت : على علم به
آمنتم قبل مبعثه ، كما آمنت به أنا ، فنصت إلى رجل منهم وأشارت إليه وقالوا : هذا صاحبه وطالبه على وجه لادهر ، وسالف
العصر ، وليس فينا خير منه ، ولا أفضل ، فبصرت به أغر أبلج ، قد وقذته الحكمة ، أعرف
ذلك في أسارير
وجهه ، وإن لم أحط علما بكنهه ، قلت : ومن هو؟ قالوا : هذا سلمان
الفارسي ، ذوالبرهان العظيم ، والشأن القديم ، فقال سلمان : عرفته يا أخا عبدالقيس
من
قبل إتيانه ، فأقبلت على رسول الله صلىاللهعليهوآله
وهو يتلالا ويشرق وجهه نورا وسرورا ، فقلت : يا رسول الله إن قسا كان ينتظر زمانك ، ويتوكف إبانك ، ويهتف ساسمك وأبيك
_________________
وامك ، وبأسماء لست
اصيبها معك ، ولا أراها فيمن اتبعك ، قال سلمان : فأخبرنا
فأنشأت احدثهم ورسول الله صلىاللهعليهوآله
يسمع والقوم سامعون واعون ، قلت : يا رسول الله لقد
شهدت قسا خرج من ناد من أندية إياد ، إلى صحيح ذي قتاد ، وسمرة وعاد وهو مشتمل
بنجاد ، فوقف في أضيحان
ليل كالشمس ، رافعا إلي السمآء وجهه وإصبعه فدنوت منه فسمعته
يقول : أللهم رب هذه السبعة الارقعة
، والارضين الممرعة
، وبمحمد والثلاثة
المحامدة معه ، والعليين الاربعة ، وسيطيه التبعة والارفعة الفرعة ، والسري الامعة ، وسمي الكليم الضرعة
اولئك النقباء الشفعة ، والطريق المهيعة ، درسة الانجيل ، وحفظة التنزيل ، على عدد النقباء من بني إسرائيل ، محاة الاضاليل ، ونفاة الاباطيل
، الصادقوا
القيل ، عليهم تقوم الساعة ، وبهم تنال الشفاعة ، ولهم من الله فرض الطاعة ، ثم
قالك
اللهم ليتني مدركهم ولو بعد لاي من عمري ومحياي ، ثم أنشأ يقول ( شعره ) :
متى أنا قبل الموت للحق مدرك
|
|
وإن كان لي من بعد هاتيك مهلك
|
وإن غالني الدهر الخؤون بغوله
|
|
فقد غال من قبلي ومن وبعد يوشك
|
فلا غرو إني سالك مسلك الاولى
|
|
وشيكا ومن ذا للردى ليس يسلك
|
ثم آب يكفك دمعه ، ويرن رنين البكرة ، وقد برئت ببراة وهو
يقول :
_________________
أقسم قس قسما ، ليس به مكتتما
|
|
لو عاش ألفي سنة ، لم يلق منها سأما
|
حتى يلاقي أحمدا ، والنقباء الحكماء
|
|
هم أوصياء أحمد ، أكرم من تحت السماء
|
يعمي العباد عنهم وهم جلاء للعمي
|
|
ليس بناس ذكرهم حتى احل الرجما
|
ثم قلت : يا رسول الله أنبئني أبنأك الله
بخير عن هذه الاسمآء التي لم نشهدها و
أشهدنا قس ذكرها ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
: يا جارود ليلة أسري بي إلى السمآء أوحى الله
عزوجل إلي أن سل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا ، فقلت : على ما بعثتم؟
قالوا : على نبوتك ، وولاية علي بن أبي طالب والائمة منكما ، ثم أوحى إلي أن التفت
عن يمين العرش ، فالتفت فإذا علي ، والحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن
علي ، وجعفر بن محمد ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى ، ومحمد بن علي ، وعلي بن محمد ، والحسن
بن علي ، والمهدي ، في ضحضاح من نور يصلون ، فقال الرب تعالى : هؤلاء الحجج
لاوليائي ، وهذا المنتقم من أعدائي ، قال الجارود : فقال
سلمان : يا جارود هؤلاء المذكورون في
التوراة والانجيل والزبور كذلك ، فانصرفت بقومي وقلت في توجهي إلى قومي ( شعر ) :
أتيتك يا بن آمنة الرسولا
|
|
لكي بك أهتدي النهج السبيلا
|
فقلت وكان قولك قول حق
|
|
وصدق ما بدالك أن تقولا
|
وبصرت العمى من عبد قيس
|
|
وكل كان من عمه ضليلا
|
وأنبأناك عن قس الايادي
|
|
مقالا فيك ظلت به جديلا
|
وأسماء عمت عنا فآلت
|
|
إلى علم وكن بها جهولا
|
_________________
بيان
: قال الجوهري : العروآء مثال الغلوآء : قرة الحمى ، ومسهافي أول ما تأخذ
بالرعدة ، وفلان قمين بكذا أي جدير خليق ، وفلان يتحوب من كذا ، أي يتأثم. و
التحوب أيضا التوجع والتحزن.
قوله : قدوقذته الحكمة أي أثرت فيه
وبانت فيه آثارها ، قال الجوهري : وقذه يقذه
وقذا : ضربه حتى استرخى وأشرف على الموت ، ويقال : وقذه النعاس : إذا غلبه ، وفي
النهاية : فيه فيقذه الورع أي بيسكنه ويمنعه من انتهاك مالا يحلو لا يحمد ، يقال :
وقذه
الحلم : إذا سكته.
أقول
: سيأتي الخبر مختصرا مع شرح بعض أجزائه
في باب المعراج.
( باب ٣ )
* ( تاريخ ولادته صلىاللهعليهوآله وما يتعلق بها ، وما ظهر )
*
* ( عندها من المعجزات والكرامات والمنامات ) *
اعلم أنه اتفقت الامامية إلا من شذ منهم
على أن ولادته صلىاللهعليهوآله
في سابع عشر
شهر ربيع الاول ، وذهب أكثر المخالفين إلى أنها كانت في الثاني عشر منه ، واختاره
الكليني رحمهالله
على ما سيأتي إما اختيارا ، أو تقية ، وذهب شاذ من المخالفين إلى أنه
ولد في شهر رمضان
، لانهم اتفقوا على أن بدء الحمل به (ص) كان في عشية عرفة ،
_________________
أو أوسط أيام
التشريق ، واشتهر بينهم أن مدة الحمل كانت تسعة أشهر ، فيلزم أن تكون
الولادة في شهر رمضان ، وسيأتي الكلام فيه ، وذهب شرذمة منهم إلى أن الولادة كانت
في
ثامن ربيع الاول ، فأما يوم الولادة فالمشهور بين علمائنا ومدلول أخبارنا أنه كان
يوم
الجمعة ، والمشهور بين المخالفين يوم الاثنين ، ثم الاشهر بيننا وبينهم أنه صلىاللهعليهوآله ولد بعد
طلوع الفجر ، وقيل : عند الزوال ، وذكر جماعة من المؤرخير وأرباب السير أنه كان في
ساعة الولادة غفر
من منازل القمر طالعا ، وكان اليوم موافقا للعشرين أو للثامن و
العشرين أو الغرة من شهر نيسان الرومي ، والسابع عشر من دي ماه بحساب الفرس ، و
كانت في عهد كسرى أنوشيروان بعد مضي اثنين وأربعين من ملكه ، وبعد مضي اثنين
وثمانين
وثمانمأة من وفات إسكندر الرومي ، وكان في عام الفيل بعد مضي خمس وخمسين ، أو
أربعين من الواقعة ، وقيل : في يوم الواقعة ، وقيل : بعد ثلاثين سنة منها ، وقيل :
بعد
أربعين منها ، والاصح أنها كانت في تلك العام.
وذكر أبومعشر البلخي من المنجمين أنه كان طالع ولادته صلىاللهعليهوآله الدرجة
العشرون من الجدي ، وكان الزحل والمشتري في العقرب ، والمريخ في بيته في الحمل ، و
_________________
الشمس في الحمل في
الشرف ، والزهرة في الحوت في الشرف ، والعطارد أيضا في الحوت ، والقمر في أول الميزان ، والرأس في الجوزاء ، والذنب في القوس ، وكانت في الدار
المعروف
بدار محمد بن يوسف ، وكان للنبي (ص) فوهبه لعقيل بن أبي طالب ، فباعه أولاده محمد
بن يوسف
أخا الحاج فأدخله في داره ، فلما كان زمن هارون أخذته خيزران امه فأخرجته و
جعلته مسجدا ، وهو الآن معروف يزار ويصلى فيه ، وسنذكر الاخبار والاقوال في تفاصيل
تلك الاحوال.
١ ـ د
: في كتاب أسماء حجج الله : ولد (ص) سابع عشرة ليلة من شهر ربيع الاول
في عام الفيل ، في كتاب الدر الصحيح : أنه ولد صلىاللهعليهوآله
عند طلوع الفجر من يوم الجمعة
السابع عشر من ربيع الاول بعد خمس وخنسين يوما من هلاك أصحاب الفيل ، وقال
العامة : يوم الاثنين الثامن أو العاشر من ربيع الاول لسبع بقين من ملك أنوشيروان
، و
يقال : في ملك هرمز بن أنوشيروان ، وذكر الطبري أن مولده صلىاللهعليهوآله لاثنتي وأربعين
سنة من ملك أنوشيروان وهو الصحيح ، لقوله صلىاللهعليهوآله
كان لاثنتي وأربعين
سنة من ملك أنوشيروان وهو الصحيح ، لقوله صلىاللهعليهوآله
: ( ولدت في زمن الملك العادل
أنوشيروان ) ووافق شهر الروم العشرين من سباط .
في كتاب مواليد الائمة عليهمالسلام : ولد النبي صلىاللهعليهوآله لثلاث عشرة بقيت من
شهر ربيع
الاول في عام الفيل يوم الجمعة مع الزوال ، وروي عند طلوع الفجر قبل المبعث
بأربعين
_________________
سنة ، وحملت به امه
في أيام التشريق عند الجمرة الوسطى ، وكانت في منزل عبدالله بن
عبدالمطلب ، وولدته في شعب أبي طالب في دار محمد بن يوسف في الزاوية القصوى ، وقيل
: ولد
يوم الاثنين آخر النهار ثاني عشر شهر ربيع الاول سنة ثمان وتسعمأة للاسكندر في شعب
أبي طالب في ملك أنوشيروان
٢ ـ قل
: ذكر محمد بن بابويه رضوان الله عليه
في الحزء الرابع من كتاب النبوة
حديث أن الحمل
بسيدنا رسول الله (ص) كان ليلة الجمعة لاثنتى عشرة ليلة بقيت من
جميدي الآخرة .
٣ ـ قل
: إن الذين أدركناهم من العلمآء كان عملهم على أن ولادته المقدسة (ص) كان يوم الجمعة السابع عشر من ربيع الاول في عام الفيل عند طلوع فجره .
٤ ـ وذكر شيخنا المفيد في كتاب حدائق الرياض : السابع عشر منه مولد
سيدنا
رسول الله صلىاللهعليهوآله
عند طلوع الفجر من يوم الجمعة عام الفيل
، وقال رحمهالله
في كتاب
التواريخ الشريعة : نحوه .
٥ ـ كا
: ولد النبي (ص) لاثنتى عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الاول في عام الفيل
يوم الجمعة مع الزال ، وروي أيضا ، عند طلوع الفجر قبل أن يبعث بأربعين سنة ، وحملت
به امه في أيام التشريق عند الجمرة الوسطى ، وكانت في منزل عبدالله بن عبدالمطلب ،
_________________
وولدته في شعب أبي
طالب في دار محمد بن يوسف في الزاوية القصوى عن يسيارك وأنت داخل ، وقد أخرجت الخيزران
ذلك البيت فصيرته مسجدا يصلي الناس فيه .
بيان
: اعلم أن هاهنا أشكالا مشهورا أورده الشهيد الثاني رحمهالله
وجماعة ، وهو
أنه يلزم على ما ذكره الكليني رحمهالله
من كون الحمل به صلىاللهعليهوآله
في أيام التشريق و
ولادته في ربيع الاول أن يكون مدة حمله إما ثلاثة أشهر ، أو سنة وثلاثة أشهر ، مع
أن الاصحاب اتفقوا على أنه لا يكون الحمل أقل من ستة أشهر ، ولا أكثر من سنة ، ولم يذكر أحد من العلمآء أن ذلك من خصائصه ، والجواب أن ذلك مبني على النسئ
الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية ، وقد نهى الله تعالى عنه ، وقال : ( إنما النسئ
زيادة في
الكفر ). قال الشيخ الطبرسي رحمهالله
في تفسير هذه الآية نقلا عن مجاهد : كان
المشركون يحجون في كل شهر عامين فحجوا في ذي الحجة عامين ، ثم حجوا في المحرم
عامين ، وكذلك في الشهور حتى وافقت الحجة التي قبل حجة الوداع في ذي القعدة ، ثم حج النبي صلىاللهعليهوآله
في العام القابل حجة الوداع فوافقت ذا الحجة ، فقال في خطبته : ألا وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوآت والارض ، السنة اثنى عشر
شهرا ، منها
أربعة حرم : ثلاثة متواليات : ذو العقدة
، وذوالحجة ، ومحرم ، ورجب ، مضر بين جميدي و
شعبان ، أراد بذلك
أن أشهر لا الحرم رجعت إلى مواضعها ، وعاد الحج إلى ذي الحجة ، وبطل النسئ انتهى .
_________________
إذا عرفت هذا فقيل :
إنه على هذا يلزم أن يكون الحج عام مولده صلىاللهعليهوآله
في
جميدي الاولى ، لانه صلىاللهعليهوآله
توفي وهو ابن ثلاث وستين سنة ، ودوره النسئ أربعة و
عشرون سنة ضعف عدد الشهور ، فإذا أخذنا من السنة الثانية والستين ورجعنا تصير
السنة
الخامس عشر ابتداء الدورة ، لانه إذا نقص من اثنين وستين ورجعنا تصير السنة
الخامس عشر ابتداء الدورة ، لانه إذا نقص من اثنين وستين ثمانية وأربعون تبقى
أربعة
عشر ، الاثنتان الاخيرتان منها لذي العقدة ، واثنتان قبلهما لشوال ، وهكذا فتكون
الاوليان منها لجميدي الاولى ، فكان الحج عام مولد النلي صلىاللهعليهوآله وهو عام الفيل في
جميدي
الاولى ، فإذا فرض أنه صلىاللهعليهوآله
حملت به امه في الثاني عشر منه ، ووضعت في الثاني عشر
من ربيع الاول تكون مدة الحمل عشرة أشهر بلا مزيد ولا نقيصة.
أقول
: ويرد عليه أنه قد أخطأ رحمهالله
في حساب الدورة ، وجعلها أربعة و
عشرين سنة ، إذا الدورة على ما ذكر إنما تتم في خمسة وعشرين سنة ، إذ في كل سنتين
يسقط
شهر من شهور السنة باعتبار النسئ ، ففي كل خمسة وعشرين سنة تحصل أربعة وعشرون
حجة تمام الدورة ، وأيضا على ما ذكره يكون مدة الحمل أحد عشر شهرا ، إذ لما كان
عام
مولده أول حج في جمادي الاولى يكون في عام الحمل الحج في ربيع الثاني ، فالصواب
أن يقال : كان في عام حمله (ص) الحج في جمادي الاولى ، وفي عام مولده في جمادي
الثانية ، فعلى ما ذكرنا يتم من عام مولده إلى خمسين سنة من عمره (ص) دورتان في الحادية
والخمسين ، تبتدئ الدورة الثالثة من جمادي الثانية ، وتكون لكل شهر حجتان إلى أن ينتهي إلى
الحادية والستين والثانية والستين ، فيكون الحج فيهما في ذي القعدة ، ويكون في حجة
الوداع الحج في ذي الحجة ، فتكون مدة الحمل عشرة أشهر.
فإن قلت : على ما قررت من أن في كل دورة
متأخر سنة ففي نصف الدورة تتاخر
ستة أشهر ، ومن ريع الاول الذي هو شهر المولد إلى جميدي الثانية التي هي شهر الحج
نحو من ثلاثة أشهر ، فكيف يستقيم الحساب على ما ذكرت؟ قلت : تاريخ السنة محسوبة
بن شهر الولادة ، فمن ربيع الاول من سنة الولادة إلى مثله من سنة ثلاث وستين تتم
ثنتان وستون ، ويكون السابع عشر منه ابتداء سنة الثالث والستين ، وفي الشهر
لعاشر من تلك السنة أعني ذي الحجة وقع الحج الحادي والستون ، وتوفي قبل إتمام
تلك السنة على ما
ذهبت إليه الشيعة بتسعة عشر يوما ، فصار عمره (ص) ثلاثلا وستين إلا تلك
الايام المعدودة ، وأما ما رواه في كتاب النبوة فيمكن أن يكون الحمل في أول سنة
وقع الحج في حميدي الثانية ، ومن سنة الحمل إلى سنة حجة الوداع أربع وستون سنة ، وفي الخمسين تمام الدورتين ، وتبتدئ الثالثة من جميدي الثانية ، ويكون في حجة
الوداع ، والتي قبلها الحج في ذي الحجة ، ولا يخالف شيئا إلا مامر عن مجاهد أن حجة
الوداع كانت مسبوقة بالحج في ذي القعدة ، وقوله غير معتمد في مقابلة الخبر إن ثبت
أنه
رواه خبرا ، وتكون مدة الحمل على هذا تسعة أشهر إلا يوما ، فيوافق ما هو المشهور
في مدة
حمله (ص) عند المخالفين.
٦ ـ ص
: روي أنه صلىاللهعليهوآله
ولد في السابع عشر من شهر ربيع الاول عام الفيل
يوم الاثنين ، وقيل : يوم الجمعة ، وقال (ص) : ( ولدت في زمن الملك العادل ) يعني
أنوشيروان
بن قباد قاتل مزدك والزنادقة .
٧ ـ ك
، لى : الدقاق ، عن ابن ذكريا القطان ، عن
البرمكي ، عن عبدالله بن
محمد ، عن أبيه ، عن خالد بن إلياس ، عن أبي بكر بن عبدالله بن أبي جهم ، عن أبيه
، عن
جده قال : سمعت أبا طالب حدث
عن عبدالمطلب قال : بينا أنا نائم في الحجر إذ رأيت
رؤيا هالتني ، فأتيت كاهنة قريش وعلي مطرف خز ، وجمتي تضرب منكبي ، فلما نظرت
إلي عرفت في وجهي التغير فاستوت وأنا يومئذ سيد قومي ، فقالت : ما شأن سيد العرب
متغير اللون؟ هل رابه من حدثنان الدهر ريب؟ فقلت لها : بلى إني رأيت الليلة وأنا
نائم
في الحجر ، كأن شجرة قد نبتت على ظهري قد نال رأسها السمآء ، وضربت بأغصانها الشرق
والغرب ، ورأيت نورا يزهر منها أعظم من نور الشمس سبعين ضعفا ، ورأيت العرب والعجم
ساجدة لها ، وهي كل يوم تزاد عظما ونورا ، ورأيت رهطا من قريش يريدون قطعها ، فإذادنوا منها أخذهم شاب من أحسن الناس وجها ، وأنظفهم ثيابا ، فيأخذهم ويكسر
ظهورهم ، ويقلع أعينهم ، فرفعت يدي لاتناول غصنا من أغصانها ، فصاح في الشاب وقال
: مهلا
_________________
ليس لك منها نصيب ، فقلت
: لمن النصيب الشجرة مني؟ فقال : النصيب لهؤلاء الذين قد تعلقوا
بها وسيعود إليها ، فانتبهت مذعورا فزعا متغير اللون ، فرأيت لون الكاهنة قد تغير
، ثم
قالت : لئن صدقت ليخرجن من صلبك ولد يملك الشرق ولاغرب ، وينبأ في الناس ، فتسري عني غمي ، فانظر
أبا طالب لعلك تكون أنت ، وكان أبوطالب يحدث بهذا الحديث
والنبى صلىاللهعليهوآله
قد خرج ، ويقول : كانت الشجرة والله أبا القاسم الامين .
توضيح
: قال الجزري : المطرف بكسر الميم
وفتحها وضمها : الثوب الذي في
طرفيه علمان ، وقال : الجمة من شعر الرأس : ما سقط على المنكبين ، وقال الجوهري : هي بالضم مجتمع شعر الرأس.
أقول
: لعل ذكر هذا إما لبيان شرافته بأن يكون إرسال الجمة من خواص
الشرفاء ، أو اضطرابه وارتعاده ، والريب : نازلة الدهر. ورابه أمر : رأى منه ما
يكره ، قوله : وسيعود إليها ، يحتمل أن يكون المراد بالذين تعلقوا بها الذين يريدون قلعها
، ويكون قوله : وستعود بالتاء ، أي ستعود تلك الجماعة بعد منازعتهم ومحاربتهم إلى
هذه
الشجرة ، ويؤمنون بها ، فيكون لهم النصيب منها ، أو بالياء فيكون المستتر راجعا
إلى
الرسول (ص) ، والبارز في منها إلى الجماعة ، أي سيعود النبي (ص) إليهم بعد إخراجهم
له
فيؤمنون به ، فيكون إشاره إلى فتح مكة ، أو يكون المستتر راجعا إلى الشاب ، والبارز
إلى الشجرة ، أى سيرجع هذا الشاب إلى الشجرة في اليقظة ، كما تعلق بها في النوم ، و
على هذا يحتمل أن يكون المراد بالذين تعلقوا بها أبا طالب وأضرابه ممن لم يذكروا
قبل ، ويحتمل أن يكون المستتر راجعا إلي النصيب ، والبارز إلي الشجرة ، إي يكون له (ص) ثواب إسلامهم ، ويحتمل أن يكون ستعود بصيغة الخطاب ، أى ستعود يا عبدالمطلب إليه (ص)
عندولادته ، لكن لا تبلغ ولا تدرك وقت نبوته ، قوله : لعلك تكون أنت ، أي ذلك
الشاب ، ويحتمل أن يكون الشاب أميرالمؤمنين عليهالسلام.
_________________
٨ ـ ك ، لى
: البطان ، عن ابن زكريا القطان ، عن محمد بن إسماعيل ، عن عبدالله
بن محمد ، عن أبيه ، عن سعيد بن مسلم مولى لبني مخزوم ، عن سعيد بن أبي صالح ، عن
أبيه. عن ابن عباس قال : سمعت أبي العباس يحدث قال : ولد لابي عبدالمطلب عبدالله ،
فرأينافي وجهه نورا يزهر كنور الشمس ، فقال أبي : إن لهذا الغلام شأنا عظيما ، قال
: فرأيت في منامي أنه خرج من منخره طائر أبيض ، فطار فبلغ المشرق والمغرب ، ثم رجع
راجعا حتى سقط على بيت الكعبة فسجدت له قريش كلها ، فبينما الناس يتأملونه إذ
صارنورا بين السمآء والارض ، وامتدى حتى بلغ المشرق والمغرب ، فلما انتهبت سألت
كاهنة
بني مخزوم فقالت : يا عباس لئن صدقت رؤياك ليخرجن من صلبه ولد يصير أهل المشرق
والمغرب تبعا له ، قال أبي : فهمني أمر عبدالله إلى أن تزوج بآمنة ، وكانت من أجمل
نساء قريش وأتمها خلقا ، فلما مات عبدالله وولدت آمنة رسول الله صلىاللهعليهوآله أتيته فرأيت النور
بين عينيه يزهر ، فحملته وتفرست في وجهه فوجدت منه ريح المسك ، وصرت كأني
قطعة مسك من شدة ريحي ، فحدثتني آمنة وقالت لي : إنه لما أخذني الطلق ، واشتد بي الامر سمعت جلبة وكلاملا لا يشبه كلام الآدميين ، ورأيت علما من سندس
على قضيب من ياقوت قد ضرب بين السمآء والارض ، ورأيت نورا يسطع من رأسه حتى
بلغ السمآء ، ورأيت قصور الشامات كأنها شعلة نار نورا ، ورأيت حولي من القطاة
أمرا عظيما قد نشرت
أجنحتها حولي ، ورأيت شعيرة الاسدية قد مرت وهى تقول : آمنة ما لقيت الكهان والاصنام من ولدك؟ ورأيت رجلا شابا من أتم الناس طولا ، و
أشدهم بياضا ، وأحسنهم ثيابا ما ظننته إلا عبدالمطلب قددنا مني فأخذ المولود فتفل
في
فيه ، ومعه طست من ذهب مضروب بالزمرد ، ومشط من ذهب ، فشق بطنه شقا ، ثم أخرج
قلبه فشقه ، فأخرج منه نكته سودآء فرمى بها
، ثم ، أخرج صرة من حريرة خضرآء ففتحها
فإذا فيها كالذريرة البيضآء فحشاه ، ثم رده إلى ما كان ، ومسح على بطنه واستنطقه
فنطق
_________________
فلم أفهم ما قال إلا
أنه قال : في أمان الله وحفظه وكلائته ، قد حشوت قلبك إيمانا وعلما و
حلما ويقينا وعقلا وشجاعة
، أنت خير البشر ، طوبى لمن اتبعك ، وويل لمن تخلف عنك ، ثم أخرج صرة اخرى من حريرة بيضاء ففتحها فإذا فيها خاتم فضرب على كتفيه ، ثم
قال : أمرني ربي أن أنفخ فيك من روح القدس فنفخ فيه ، وألبسه قميصا ، وقال : هذا
أمانك من آفات الدنيا ، فهذا ما رأيت يا عباس بعيني ، قال العباس : وأنا يومئذ
أقرء
فكشفت عن ثوبه فإذا خاتم النبوة بين كتفيه ، فلم أزل أكتم شأنه وأنسيت الحديث
فلم أذكره إلى يوم إسلامي حتى ذكرني رسول الله صلىاللهعليهوآله
.
بيان
: الجلبة : اتلاط الاصوات. والسندس بالضم : ما رق من الديباج و
رفع .
٩ ـ لى
: ابن البرقي ، عن أبيه ، عن جده ، عن البزنطي ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي عبدالله الصادق صلىاللهعليهوآله
قال : كان إبليس لعنه الله يخترق السمآوات السبع ، فلما
ولد عيسى عليهالسلام
حجب عن ثلاث سمآوات ، وكان يخترق أربع سمآوات ، فلما ولد رسول
الله (ص) حجب عن السبع كلها ، ورميت الشياطين بالنجوم ، وقالت قريش : هذا قيام
الساعة الذي كنا نسمع أهل الكتب يذكرونه ، وقال عمرو بن امية : وكان من أزجر أهل
الجاهلية : انظروا هذه النجوم التي يهتدي بها ، ويعرف بها أزمان الشتآء والصيف ، فإن
كان
رمي بها فهو هلاك كل شئ ، وإن كانت ثبتت ورمي بغيرها فهو أمر حدث ، وأصبحت الاصنام
كلها
صبيحة ولد النبي صلىاللهعليهوآله
ليس منها صنم إلا وهو منكب على وجهه ، وارتجس في تلك الليلة
أيوان كسرى ، وسقطت منه أربعة عشر شرفة ، وغاضت بحيرة ساوة ، وفاض وادي السمآوة ،
_________________
وخمدت نيران فارس ، ولم
تخمد قبل ذلك بألف عام ، ورأى المؤبذان في تلك الليلة في
المنام إبلا صعابا تقود خيلا عرابا
، قد قطعت دجلة ، وانسربت في بلادهم ، وانقصم طاق
الملك كسرى من وسطه ، وانخرقت عليه دجلة العورآء ، وانتشر في تلك الليلة نور من
قبل
الحجاز ثم استطار حتى بلغ المشرق ، ولم يبق سرير لملك من ملوك الدنيا إلا أصبح
منكوسا ، والملك مخرسا لا يتكلم يومه ذلك وانتزع علم الكهنة ، وبطل سحر السحرة ، ولم تبق كاهنة في العرب إلا حجبت عن صاحبها ، وعظمت قريش في العرب ، وسموا آل الله
عزوجل.
قال أبوعبدالله الصادق عليهالسلام : إنما سموا آل
الله لانهم في بيت الله الحرام ، وقالت
آمنة : إن بني والله سقط فاتقى الارض بيده ، ثم رفع رأسه إلى السمآء فنظر إليها ، ثم
خرج مني نور أضاء له كل شئ ، وسمعت في الضوء قائلا يقول : إنك قد ولدت سيد
الناس فسميه محمدا ، وأتي به عبدالمطلب لينظر إليه وقد بلغه ما قالت امه ، فأخذه
فوضعه
في حجره ثم قال : الحمد لله الذي أعطاني ، هذا الغلام الطيب الاردان ، قد ساد في
المهد
على الغلمان.
ثم عوذه بأركان الكعبة ، وقال فيه
أشعارا ، قال : وصاح إبليس لعنه الله في أبالسته
فاجتمعوا إليه ، فقالوا : ما الذي أفزعك يا سيدنا؟ فقال لهم : ويلكم لقد أنكرت
السمآء
والارض منذ الليلة ، لقد حدث في الارض حدث عظيم ما حدث مثله منذ رفع عيسى بن
مريم عليهالسلام
، فاخرجوا وانظروا ما هذا الحدث الذي قد حدث ، فافترقوا ثم اجتمعوا إليه
فقالوا : ما وجدنا شيئا ، فقال إبليس لعنه الله : أنا لهذا الامر ، ثم انغمس في
الدنيا فجالها
حتى انتهى إلى الحرم فوجد الحرم محفوظا بالملائكة ، فذهب ليدخل فصاحواب به ، فرجع
ثم صار مثل الصر وهو العصفور فدخل من قبل حرى
، فقال له جبرئيل : وراك لعنك
الله ، فقال له : حرف أسألك عنه يا جبرئيل ، ما هذا الحديث الذي حدث منذ الليلة في
الارض؟
_________________
فقال له : ولد محمد (ص)
، فقال له : هل لي فيه نصيب؟ قال : لا ، قال : ففي امته؟ قال : نعم ، قال : رضيت .
توضيح : الزجر بالفتح : العيافة وهو نوع
من التكهن ، تقول : زجرت أنه
يكون كذا. والارتجاس : الاضطراب والتزلزل الذي يسمع منه الصوت الشديد. وغاض
الماء بالغين ولاضاد المعجمتين ، أي قل ونضب ، قال الاجزري : ومنه حديث سطيح وغاضت
بحيرة ساوة ، أي غارماءها وذهب. والسماوة بالفتح : موضع بين الكوفة والشام ، وقال
الخليل في العين : هي فلاة بالبادية تتصل بالشم. والمؤبذان بضم الميم وفتح الباء :
فقيه
الفرس وحاكم المجوس كالمؤبذ ذكره الفيروزآبادى. وقال الجررى : في حديث سطيح
فأرسل كسرى إلى المؤبذان ، المؤبذان للمجوس كقاضي القضاة للمسلين ، والمؤبذ
كالقاضي.
وانسرب الثعلب في حجره أى دخل.
قوله عليهالسلام
: وانخرقت عليه دجلة العور آءيظهر مما سيأتي أن كسرى كان سكر
بعض الدجلة وبنى عليها بناء ، فلعله لذلك وصفوا الدجلة بعد ذلك بالعورآء لانه عور
وطم بعضها
فانخرقت عليه ، واندهم بنيانه ، ورأيت في بعض المواضع بالغين المعجمة
من إضافة الموصوف إلى الصفة ، أي العميقة. والاردان جمع الردن بالضم ، وهو أصل
الكم ، ولعله إنما خصها بالطيب لان الرائحة الخبيثة غالبا تكون فيها لمجاورتها للاباط ، قال
الشاعر :
وعمرة من سروات النسآء
|
|
تنفح بالمسك أردانها
|
قوله : ثم عوذه بأركان الكعبة ، أى مسحه
بها ، أودعاله عندها ، أو كتب أسمائها
وعلقه عليه صلىاللهعليهوآلهوسلم.
قال الفيروزآبادى : الصر : طائر
كالعصفور أصفر ، وقال الجزرى : هو عصفور
_________________
أوطائر في قده ، أصر
اللون ، وفي بعض النسخ والعصفور ، وقال الفيروز آبادى : حرى
كعلى : جبل بمكة ، معروف فيه الغار ، وقال الجوهرى وغيره : إنه بالكسر والمد.
١٠ ـ ما
: الجعابي
، عن ابن عقدة ، عن أحمد بن يوسف الجعفي ، عن محمد بن
حسان ، عن حفص بن راشد الهلالي ، عن محمد بن عباد ، عن سريع البارقي قال : سمعت جعفر بن محمد عليهما اللاسم يقول : لما ولد النبي عليهالسلام ولد ليلا فأتى رجل
من أهل
الكتاب إلى الملا من قريش وهم مجتمعون : هشام بن المغيرة ، والوليد بن المغيرة ، و
عتبة ، وشيبة ، فقال : أولد فيكم الليلة مولد؟ قالوا : لا وما ذاك ، قال : لقد ولد
فيكم
الليلة أو بفلسطين مولود اسمه أحمد ، به شامة ، يكون هلاك أهل الكتاب على يديه ، فسألوا فأخبروا فطلوه ، فقالوا : لقد ولد فينا غلام ، فقال : قبل أن انبئكم أو بعد
،؟ قالوا : قبل ، قال : فانطلقوا معي أنظر إليه ، فأتوا امه وهو معهم فأخبرتهم كيف سقط ، و
مارأتت من النور ، قال اليهودى : فاخرجيه ، فنظر إليه ، ونظر إلى الشامة فخر مغشيا
عليه ، فأدخلته امه ، فلما أفاق قالوا له : ويلك مالك؟ قال : ذهبت نبوة بني
إسرائيل
إلى يوم القيامة ، هذا والله مبيرهم ، ففرحت قريش بذلك ، فلما راى فرحهم قالك
والله
ليسطون بكم سطوة يتحدث بها أهل الشرق وأهل الغرب .
بيان : فلسطين بكسر الفاء وفتح اللام : الكورة
المعروفة ما بين الاردن وديار مصر ، وام بلادها بيت المقدس ، ولعل ترديده لانه راى علامة ولادة نبي فشك أنه خاتم
الانبياء فيكون مولده بمكة أو غيره ، فيكون في بيت المقدس ، أو لم يكن يتبين له أن
مولد خاتم الانبياء مكة ، أو فلسطين ، والسطو : القهر والبطش ، يقال : سطابه وعليه.
١١ ـ ج :
عن موسى بن جعفر عليهاالسلام
في خبر اليهودى الذى سأل أميرالمؤمنين عليهالسلام
عن معجزات الرسول عليهالسلام
قال : فإن هذا عيسى بن مريم يزعمون أنه تكلم في المهد
_________________
صبيا ، قال له علي عليهالسلام : لقد كان كذلك ، ومحمد
(ص) سقط من بطن امه واضعا يده
اليسرى على الارض ، ورافعا يده اليمنى إلى السمآء ، ويحرك شفتيه بالتوحيد ، وبدا
من فيه نور رأى أهل مكة منه قصور بصرى من الشام ومايليها ، والقصور الحمر من أرض
اليمن وما يليها ، والقصور البيض من إصطخر ومايليها ، ولقد أضائت الدنيا ليلة ولد
النبي (ص) حتى فزعت الجن والانس والشياطين وقالوا : يحدث في الارض حدث ، ولقد رأت الملائكة ليلة ولد تصعد وتنزل ، وتسبح وتقدس ، وتضطرب النجوم وتتساقط
النجوم علامات لميلاده ، ولقدهم إبليس بالظعن في السمآء لما رأى من الاعاجيب في
تلك
الليلة ، وكان له مقعد في السمآء الثالثة ، والشياطين يسترقون السمع ، فلما رأوا
الاعاجيب
أرادوا أن يسترقوا السمع ، فإذاهم قد حجبوا من السمآوات كلها ، ورموا بالشهب دلالة
لنبوته صلىاللهعليهوآله
.
بيان
: بصرى : بلد بالشام ، وإصطخر بالفارس معروف ، قوله عليهالسلام
: ولقد رأت
الملائكة ، أى الشياطين رأوهم.
١٢ ـ لى
: ابن المتوكل ، عن علي ، عن أبيه ، عن
محمد بن سنان ، عن زياد بن
المنذر ، عن ليث بن سعد قال : قلت لكعب وهو عند معاوية : كيف تجدون صفة مولد
النبي صلىاللهعليهوآله؟
وهل تجدون لعترته فضلا؟ فالتفت كعب إلى معاوية لينظر كيف هواه ، فأجرى الله عزوجل على لسانه فقال : هات يا أبا إسحاق رحمك الله ما عندك ، فقال كعب
: إني قد قرأت اثنين وسبعين كتابا كلها انزلت من السمآء ، وقرأت صحف دانيال كلها ، ووجدت في كلها ذكر مولده ومولد عترته ، وإن اسمه لمعروف وإنه لم يولد بني قط
فنزلت عليه المئلاكة ما خلا عيسى وأحمد صلوات الله عليهما ، وما ضرب على آدمية حجب
الجنة
غير مريم وآمنة ام أحمد (ص) ، وما وكلت الملائكة بانثى حملت غير مريم ام المسيح عليهالسلام
وآمنة ام أحمد (ص) ، وكان من علامة حمله أنه لما كانت الليلة التي حملت آمنة به (ص)
_________________
نادى ماد في
السمآوات السبع : أبشروا ، فقد حمل الليلة بأحمد ، وفي الارضين كذلك حتى
في البحور ، وما بقي يومئذ في الارض دابة تدب ولا طائر يطير إلا علم بمولده ، ولقد
بني
في الجنة ليلة مولده سبعون ألف قصر من يقاوت أحمر ، وسبعون ألف قصر من لؤلؤ رطب ، فقيل : هذا قصور الولادة ، ونجدت
الجنان ، وقيل لها : اهتزي وتزيني ، فإن نبي
أوليائك قد ولد ، فضحكت الجنه يومئذ فهي ضاحكة إلى يوم القيامة ، وبلغني أن
حوتا من حيتان
البحر يقال له : طموسا وهو سيد الحيتان له سبمأة ألف ذنب ، يمشي على ظهره سبعمأة ألف ثور الواحد منها أكبر من الدنيا ، لكل ثور سبعمأة ألف
قرن من زمرد أخضر ، لا يشعر بهن ، اضطرب فرحا يبمولده ، ولو لا أن الله تبارك
وتعالى
ثبته لجعل عاليها سافلها ، ولقد بلغني أن يومئذ ما بقي جبل إلا نادى صاحبه
بالبشارة ، ويقول : لا إله إلا الله ، ولقد خضعت الجبال كلها لابي قبيس كرامة لمحمد (ص) ، ولقد
قدست الاشجار أربعين يوما بأنواع أفنانها وثمارها فرحا بمولده صلىاللهعليهوآله ، ولقد ضرب
بين السمآء والارض سبعون عمودا من أنواع الانوار لا يشبه كل واحد صاحبه ، وقد
بشر آدم عليهالسلام
بمولده فزيد في حسنه سبعين صنفا
، وكان قد وجد مرارة الموت و
كان قدمسه ذلك فسري عنه ذلك ، ولقد بلغني أن الكوثر اضطرب في الجنة واهتز فرمى
بسبعمائة ألف قصر من قصور الدر والياقوت نثارا لمولد محمد صلىاللهعليهوآله ، ولقد زم إبليس
وكبل
والقي في الحصن أربعين يوما ، وغرق عرشه أربعين يوما ، ولقد تنكست الاصنام كلها
وصاحت وولولت ، ولقد سمعوا صوتا من الكعبة : يا آل قريش قدجاء كم البشير ، جاءكم
النذير ، معه العز الابد ، والربح الاكبر ، وهو خاتم الانبياء ، ونجد في الكتب أن
عترته خير الناس بعده ، وأنه لا يزال الناس في أمان من العذاب مادام من عتره في
دار الدنيا
_________________
خلق يمشي ، فقال
معاوية : يا أبا إسحاق ومن عترته؟ قال كعب : ولد فاطمة ، فعبس وجهه ، وعض على شفييه ، وأخذ يعبث بلحيته ، فقال كعب : وإنا نجد صفة الفرخين المستشهدين ،
وهما فرخا فطامة عليهاالسلام
، يقتلهما شر البرية ، قال : فمن يقتلهما؟ قال : رجل من قريش ، فقام معاوية وقال : قوموا إن شئتم فقمنا .
بيان
: التنجيد : التزيين ، الافنان : الاغصان ، وسري عنه الهم بالتشديد على
بناء المفعول أي انكشف ، والزم : الشد ، والكبل : القيد الضخم ، يقالك كبلت الاسير
وكبلته.
١٣ ـ مع
: الدقاق ، عن الكليني ، عن الحسن بن محمد ، عن محمد بن يحيى الفارسي
عن أبي حنيفة محمد بن يحيى ، عن الوليد بن أبان ، عن محمد بن عبدالله بن مسكان ، عن
أبيه
قال : قال أبوعبدالله عليهالسلام
: إن فاطمة بنت أسد رحمها الله جاءت إلى أبي طالب رحمهالله
تبشرة بمولد النبي
(ص) فقال لها أبوطالب : اصبري لي سبتا آتيك بمثله إلا النبوة ، وقال : السبت : ثلاثون سنة ، وكان بين رسول الله (ص) وأميرالمؤمنين عليهالسلام ثلاثون
سنة .
بيان
: قال الجوهري والفيروزآبادي : السبت : الدهر.
١٤ ـ ك : أحمد بن محمد بن رزمة ، عن الحسن بن علي بن نصر ، عن علي
بن حرب
الموصلي ، عن يعلى بن عمران ، عن ولد جرير
بن عبدالله ، عن مخزوم بن هاني ، عن
أبيه وأتت له مأة وخمسون سنة ، قال : لما كانت ليلة ولد فيها رسول الله (ص) ارتجس
إيوان كسرى ، وسقطت منه أربعة عشر شرفة ، وغاضت بحيرة ساوة ، وخمدت نار فارس
ولم تخمد قبل ذلك ألف سنة ، ورأى المؤبذان إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت
دجلة .
_________________
وانتشرت في بلادها ، فلما أصبح كسرى
هاله ما رأى فتصير عليها
تشجعا ، ثم رأى
أن لا يسر ذلك عن وزرآئه فلبس تاجه ، وجلس على سريره ، وجمعهم فأخبرهم بما رأى ،
فبيناهم كذلك إذ ورد عليهم كتاب بخمود النار
فازداد غما إلى غمه ، فقال المؤبذان :
وأنا أصلح الله الملك قد رأيت في هذه الليلة ، ثم قص عليه رؤياه في الابل والخيل ،
فقال :
أي شئ يكون هذا يا مؤبذان؟ وكان أعلمهم في أنفسهم ، فقال : حادث يكون في ناحية
المغرب ، فكتب عند ذلك : من كسرى الملك
إلى النعمان بن المنذر ، أما بعد فتوجه إلي برجل عالم بما اريد أن أسأله عنه ، فوجه
إليه بعبد المسيح بن عمرو بن حيان بن
تغلبة الغساني ، فلما
قدم عليه قال : عندك
علم ما اريد أن أسألك عنه؟ قال :
ليسئلني الملك ويخبرني
، فإن كان عندي علم منه وإلا أخبرته من يعلمه
، فأخبره
بما رأى ، فقال : علم ذلك عند خال لي يسكن بمشارف الشارم يقال له : سطيح ، قال :
فأته فاسئله وأخبرني بما يرد عليك ، فخرج عبدالمسيح حتى ورد على سطيح وقد أشرف
على الموت فسلم عليه وحياه ، فلم يرد عليه سطيح جوابا ، فأنشأ عبدالمسيح يقول :
أصم أم يسمع غطريف اليمن
|
|
أم فاز فاز لم به شأو
العنن
|
يا فاصل الخطة أعيت من ومن
|
|
واشف الكربة في الوجه الغضن
|
_________________
أتاك شيخ الحي من آل سنن
|
|
وامه من آل ذئب بن حجن
|
أزرق ضخم الناب صرار الاذن
|
|
أبيض فضفاض الردآء والبدن
|
رسول قيل العجم كسرى للوسن
|
|
لا يرهب الرعد ولا ريب الزمن
|
تجوب في الارض علنداة شجن
|
|
ترفعني طورا وتهوي بي دجن
|
حتى أتى عاري الجآجئ والقطن
|
|
تلفه في الريح بوغاء الدمن
|
فلما سمع سطيح شعره فتح عينيه فقال : عبدالمسيح
على ، جميل يسيح ، إلى سطيح ، وقد أوفى على الضريح
، بعثك ملك بني ساسان ، لارتجاس الايوان
، وخمود
النيران ، ورؤيا المؤبذان ، رأى إبلا صعابا ، تقود خيلا عرابا ، قد قطعت دجلة ، وانتشرت
في بلادها ، وغاض بحيرة ساوة ، فقل يا عبدالمسيح : إذا كثرت التلاوة ، وبعث صاحب
الهراوة ، وفاض وادي السماوة ، وغاضت بحيرة ساوة ، فلس الشام لسطيح شاما ، يملك منهم ملوك
وملكات ، على عدد الشرفات ، وكل ما هو آت آت ، ثم قضى سطيح مكانه ، فنهض عبدالمسيع
إلى رحله وهو يقول :
شمر فإنك ماضي العزم شمير
|
|
لا يفزعنك تفريق وتغيير
|
إن يمس ملك بني ساسان أفرطهم
|
|
فإن ذا الدهر أطوار دهارير
|
وربما كان قد أصخو بمنزلة
|
|
تهاب صولهم الاسد المهاصير
|
فيهم أخو الصرح بهرام وإخوته
|
|
والهرمزان وسابور وسابور
|
والناس أولاد علات فمن علموا
|
|
أن قد أقل فمحقور ومهجور
|
وهم بنو الام إما إن رأوا نشبا
|
|
فذاك بالغيب محفوظ ومنصور
|
_________________
والخير والشر مقرونان في قرن
|
|
والخير متبع والشر محذور
|
قال : فلما قدم على كسرى أخبره بما قال
سطيح ، فقال : إلى أن يملك منا أربعة
عشر ملكا قد كانت امور ، قال : فملك منهم عشرة في أربع سنين ، وملك الباقون إلى
أمارة
عثمان ، وكان سطيح ولد في سيل العرم فعاش إلى ملك ذي نواس ، وذلك أكثر من ثلاثين
قرنا ، وكان مسكنه بالبحرين ، فتزعم عبدالقيس أنه منهم ، وتزعم الازد أنه منهم ، وأكثر المحدثين قالوا : إنه من الازد ، ولا يدرى ممن هو غير أن عقبه يقولون : نحن
من الازد .
ايضاح : قال في النهاية : المشارف : القرى
التي تقرب من المدن ، وقيل : القرى
التي بين بلاد الريف وجزيرة العرب ، قيل لها ذلك لانها أشرفت على السواد. والغطريف
بالكسر : السيد ، وقال الجزري : فاز يفوز فوزا : مات ، وقال : يردى بالدال ببمعناه
، وقال : ازلم أي ذهب مسرعا ، وأصله ازلام فحذفت الهمزة تخفيفا ، والشأو : السبق والغاية ، والعنن : اعتراض ، وشأو العنن : اعتراض الموت وسبقه ، وقيل : ازلم : قبض ، والعنن
: الموت ، أي عرض له الموت فقبضه ، قوله : يا فاصل الخطة ، الفاصل : المبين. الحاكم.
والخطة بضم الخآء ، وتشديد الطآء : الخطب ، والامر ، والحال ، اي يا من يبين ويظهر
امورا أعيت وأعجزت ، من ومن ، أي جماعة كثيرة ، قال في الفائق : أراد أن تلك الخطة
لصعوبتها أعجزت من الحكماء والبصرآء من جل قدره ، فحذفت الصلة ، كماحذفت في
قولهم : بعد اللتيا والتي ، إيذانا بأن ذلك مما تقصر العبارة عنه لعظمه.
وقال الجزري : الوجه الغضن هو الوجه
الذي فيه تكسر وتجعد من شدة الهم
والكرب الذي نزل به ، والازرق : صفة البعير ولونه ، وفي بعض الكتب أورق ، وهو أيضا
لون ، وفي بعضها : أصك أي الذي يصصك قدماه.
قوله : ضخم الناب : في بعض الروايات : مهم
الناب ، قيل : أي تام السن ، و
قال الجزري : في حديث سطيح أزرق مهم الناب ، صرار الاذن ، أي حديد الناب ، قال
الازهري : هكذا روي ، وأظنه مهو الناب بالواو ، يقال : سيف مهو ، أي حديد ماض ،
_________________
وأورده الزمخشري
ممهي الناب ، وقال : الممهي : المحدد ، من أمهيت الحديدة إذا
حددتها ، شبه بعيره بالنمر لزرقة عينيه ، وسرعة سيره ، وقال : صر أذنه وصررها : سواها
، ونصبها ، والاصواب كون هذا المصرع بعد ذلك في سياق ذكر البعير كما في سائر الكتب
فإنه فيها بعد قوله : والقطن.
والفضفاض : الواسع ، والبدن : الدرع ، قال
الجزري : يريد به كثرة العطاء ، وقال
غيره : كناية عن سعة الصدر ، والقيل بالفتح : الملك
قوله : للوسن ، أى لشأن الرؤيا التى
رآها الملك ، وفي بعض النسخ ( يسري )
بدل ( كسرى ) أي يجري ، لا يرهب الرعد ، في بعض الروايات لا يرهب الدهر ، وتجوب
أي تقطع ، والعلنداة : الناقة الصلبة القوية ، واشجن بالتحريك : الناقة المتداخلة
الخلق ، كأنها شجرة متشجنة : أي متصلة الاغصان ، وفي بعض الرويات : شزن ، أي تمشي من نشاطها على جانب ، وشزن فلان : إذ نشط ، وقيل : الشزن : الذي أعيى
من الجفاء ، وقيل : الغليظ المرتفع ، كأنه مصدر ، أي ذات شجن ، ويقال : بات فلان
على
شزن ، أي على قلق يتقلب من جنب إلى جنب ، وأشزان الخيل : ضروب نشاطها.
قوله : ترفعني طورا ، في الفائق
والنهايه وغيرهما :
ترفعني وجنا ، وتهوي بي وجن.
وفي بعض التب :
وجنآء تهوي من وجن ، والوجن والوجن جمع
الوجين وهو الارض الغليظة ، والوجنآء : الناقة الشديدة ، أي لم تزل الناقة التي هذه صفتها ترفعني مرة في الارض
بهذه الصفة ، وتخفضني أخرى ، وفي أكثر نسخ الكتاب : دجن بالدال المهملة. والدجنة :
الظلمة ، ولعله تصحيف. والجآجي جمع الجؤجؤ ، وهو الصدر ، والقطن بالتحريك : ما بين
الوركين ، يعني أن السير قد هزلها ، وذهب بلحمها ، وفي بعض الروايات عالي الجآجي ،
وهو قريب من العاري ، لان العظم إذا عرى عن اللحم يرى مرتفعا عاليا ، والبوغآء : التراب الناعم ، والدمن بكسر الدال وفتح الميم : ما تجمع وتلبد منه ، قال الجزري :
كأنه من المقلوب ، تقديره تلفه الريح في بوغآء الدمن ، وتشهد له الاخرى :
تلفه الريح ببوغاء
الدمن.
وفي الفائق والنهاية وغيرها بعدها :
كأنما حثحث من حضني تكن .
حثحث : أسرع وحث ، والحضن : الجانب ، وتكن
: اسم جبل حجازي ، والمعنى
أن من كثرة التراب والغبار الذي أصابه في سرعة سيره كأنما أعجل من هذا الموضع
الذى اجتمع فيه التراب الكثير.
قوله : على جمل يسيح ، في سائر الكتب
على جمل مشيح ، جاء إلى سطيح ، والمشيح
بضم الميم والحاء المهملة : الجاد المسرع ، وقد أوفى أى أشرف ، والضريح : القبر ، أى
قرب
أن يدخل القبر.
قوله : إذا كثرت التلاوة ، أى تلاوة
القرآن ، والهراوة : العصا ، وصاحب الهراوة
النبي صلىاللهعليهوآله
لانه كان يأخذ العنزة
بيده ويصلي إليها.
قوله : فليس الشام لسطيح شاما ، أى لم
يبق حينئذ سطيح ، أو يتغير أحوال الشام ، وفي بعض الروايات بعد قوله على عدد الشرفات : ثم تكون هنات وهنات ، أى شدائد
وامور عظام ، والشمير : الشديد التشمير.
قوله : تفريق وتغيير ، في بعض الروايات
: تشريد وتغير.
قوله : أفرطهم ، على صيغة الماضي ، أى
تركهم وزال عنهم ، والاطوار : الحالات.
قوله : دهارير ، قال الجزري : حكى الهروي عن الازهرى أن الدهارير جمع
الدهور ، أراد أن الدهر ذو حالتين : من بؤس ونعم ، وقال الجوهري : يقال : دهر
دهارير ، أى شديد ، كقولهم : يوم أيوم ، وقال الزمخشرى : الدهارير : تصاريف الدهر ونوائبه ،
مشتق من لفظ الدهر ، ليس له واحد من لفظه ، كعباديد. والمهاصير : جمع المهصار ، وهو
الشديد
الذى يفترس. والصرح : القصر. قوله : أولاد علات ، أى من امهات شتى ، كناية عن
عدم الالفة والمحبة بينهم. قوله : أن قد أقل ، أي افتقر وقل ما في يده.
_________________
قوله : هم بنو الام ، أى يعطف بعضهم على
بعض ، كما هو شأن أولاد ام
واحدة. والنشب بالتحريك : المال والعقار ، وكلمة إما زائدة ، وفي بعض النسخ لما ، وهو أظهر.
١٥ ـ ك
: أبي ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي
عمير ، عن أبان بن عثمان يرفعه
بإسناده قال : لما بلغ عبدالله بن عبدالمطلب زوجه عبدالمطلب آمنة بنت وهب الزهرى ،
فلما
تزوجها
حملت برسول الله (ص) ، فروي عنها أنها قالت : لما حملت برسول الله (ص)
لم أشعر بالحمل ولم يصبني ما يصيب النسآء من ثقل الحمل ، ورأيت في نومي كأن آتيا
أتاني وقال لي : قد حملت بخير الانام ، فلما حان وقت الولادة خف ذلك علي حتى
وضعه (ص) ، وهو يتقي الارض بيديه
، وسمعت قائلا يقول : وضعت خير البشر ، فعوذيه بالواحد الصمد ، من شر كل باغ وحاسد ، فولدت رسول الله (ص) عام الفيل
لاثنتى عشرة ليلة من شهر ربيع الاول يو مالاثنين ، فقالت آمنة : لما سقط إلى الارض
اتقى الارض بيديه وركبتيه ، ورفع رأسه إلى السمآء ، وخرج مني نور أضاء ما بين
السمآء
والارض ، ورميت الشياطين بالنجوم ، وحجبوا عن السمآء ، ورأيت قريش الشهب والنجوم
تسير في السمآء ، ففزعوا لذلك وقالوا : هذا قيام الساعة ، واجتمعوا إلى الوليد بن
المغيرة
فأخبروه بذلك ، وكان شيخا كبيرا مجربا ، فقال : انظروا إلى هذه النجوم التي يهتدى
بها في البر
والبحر ، فإن كانت قد زالت فهو قيام الساعة ، وإن كانت هذه ثابتة فهو
لامرقد حدث ، وابصرت الشياطين ذلك فاجتمعوا إلى إبليس فأخبروه بأنهم قد منعوا
من السمآء ، ورموا بالشهب ، فقال : اطلبوا ، فإن أمرا قد حدث ، فجالوا في الدنيا
ورجعوا
فقالوا : لم نر شيئا ، فقال : أنا لهذا ، فخرق ما بين المشرق والمغرب فانتهى إلى الحرم
_________________
فوجد الحرم محفوفا
بالملائكة ، فلما أراد أن يدخل صاح به جبرئيل فقال : اخسأ ياملعون ، فجاء من قبل حرآء فصار مثل الصر قال : يا جبرئيل ما هذا؟ قال : هذا نبي قد ولد وهو
خير الانبياء ، قال : هل لي فيه نصيب؟ قال : لا ، قال : ففي امته؟ قال : نعم ، قال
: قد رضيت ، قال : وكان بمكة يهودي ، يقال له : يوسف ، فلما رأى النجوم يقذف بهاو تتحرك قال : هذا
نبي قد ولد في هذه الليلة ، وهو الذي نجده في كتبنا أنه إذا ولد وهو آخر الانبياء
رجمت الشياطين ، وحجبوا عن السمآء ، فلما أصبح جاء إلى نادي قريش وقال : يا معشر
قريش هل ولد فيكه الليلة مولود؟ قالوا : لا ، قال : أخطأكم والتوراة ، ولد إذا
بفلسطين ، وهو آخر الانبياء وأفضلهم ، فتفرق القوم فلما رجعوا إلى منازلهم أخبر كل
رجل أهله بما قال اليهودي ، فقالوا : لقد ولد لعبد الله بن عبدالمطلب ابن في هذه
الليلة ، فأخبروا بذلك يوسف اليهودي ، فقال : قبل أن أسألكم أو بعده ، فقالوا : قبل ذلك ، قال
: فأعرضوه علي ، فمشوا إلى باب آمنة
فقالوا : اخرجي ابنك ينظر إليه هذا اليهودي ، فأخرجته في قماطه فنظر في عينيه ، وكشف عن كتفيه ، فرأى شامة سودآء بين كتفيه ، عليها شعرات ، فلما نظر إليه وقع إلى الارض مغشيا عليه ، فتعجبت منه قريش و
ضحكوا ، فقال : أتضحكون
يا معشر قريش ، هذا نبي السيف ليبيرنكم
، وقد
ذهبت النبوة من بني إسرائيل إلى آخر الابد ، وتفرق الناس يتحدثون بما أخبر اليهودي
، ونشأ في المصدر : اليوم كما ينشأ
غيره في الجمعة ، وينشأ في الجمعة كما ينشأ
غيره في الشهر .
_________________
فس
: روي عن آمنة ام النبي صلىاللهعليهوآله
أنها قالت : لما حلت برسول الله صلىاللهعليهوآله
لم
أشعر بالحمل. وساق الحديث إلى آخره بأدنى تغيير في اللفظ والترتيب ولم يذكر فيه
التاريخ .
١٦ ـ يج
: روي عن الصادق عليهالسلام
أنه قال : لما ولد رسول الله صلىاللهعليهوآله
قال إبليس
الابالسة : قد أنكرت الليلة الارض ، فصاح في الابالسة فاجتمعوا إليه ، فقال : اخرجوا
فانظروا ما هذا الامر الذي حدث ، فذهبوا ثم رجعوا وقالوا : ما وجدنا شيئا ، قال : أنا
لها ، ثم ضرب بذنبه على قذاله ثم اغتمس في الدنيا حتى انتهى إلى الحرم ، فوجده منطبقا
بالملائكة ، فذهب ليدخل فصاح به جبرئيل عليهالسلام
فقال : ورائك ، فقال : حرف أسألك عنه
إلي فيه نصيب؟ قال : لا ، قال : في امته؟ قال : نعم ، فلما أصبحوا أقبل رجل من أهل
الكتاب إلى الملا من قريش قال : أولد فيكم مولود الليلة؟ قالوا : لا ، قال : فولد
إذا
بفلسطين غلام اسمه أحمد ، به شامة كلون الخز الادكن ، فتفرق القوم فبلغهم أنه
ولد لعبدالله بن عبدالمطلب غلام ، الوا : فطلبناه وقلنا له : إنه ولد فينا غلام ، قال
: قبل
أن قلت لكم أو بعده؟ قالوا : قبل ، قال : فانطلقوابنا ننظر إليه ، فانطلقوا فقالوا
لامه : اخرجي ابنك حتى ننظر إليك ، قالت : إن ابني والله لقد سقط ، فما سقط كما تسقط
الصبيان ، لقد اتقى الارض بيده ، ثم رفع راسه إلى السمآء فنظر إليها ، ثم خرج منه
نور
حتى نظرت إلى قصور بصرى ، وسمعت هاتفا يقول : قد ولدته سيد هذه الامة ، فإذا
وضعته فقولي :
اعيذ بالواحد
|
|
من شر كل حاسد
|
وكل خلق مارد
|
|
يأخذ بالمراصد
|
في طرق الموارد
|
|
من قائم وقاعد
|
وسميه محمدا ، فأخرجته فنظر إليه وإلى
الشامة التي بين كتفيه ، فخر مغشيا عليه ، فأخذوا الغلام وردوه إلى امه ، وقالوا : بارك الله لك فيه ، فلما أفاق قالت له : مالك؟
قال : ذهبت نبوة بني إسرائيل إلى يوم القيامة ، هذا والله الغلام الذي يبيرهم ، ثم
قال
لقريشك أفرحتم؟ أما والله ليسطون بكم سطوة يتحدث بها أهل المشرق والمغرب ، فكان
_________________
أبوسفيان يقول : إنما
يسطو بمضر ، واتي به عبدالمطلب فأخذه ووضعه في حجره
فقال :
الحمد لله الذي أعطاني
|
|
هذا الغلام الطيب الاردان
|
قد سناد في المهد على الغلمان .
بيان : قال الفيروزآبادي : القذال كسحاب
: جماع مؤخر الرأس ، ومقعد العذار
من الفرس خلف الناصية. وقال : الدكنة بالضم : لون إلى السواد.
١٧ ـ قب
: أبان بن عثمان رفعه بإسناده قالت آمنة رضي الله عنها : لما قربت ولادة
رسول الله (ص) رايت جناح طائر أبيض قد مسح على فؤادي ، فذهب الرعب عني ، و
اتيت بشربة بيضآء ، وكنت عطشى فشربتها ، فأصابني نور عال ، ثم رأيت نسوة كالنخل
طوا لا تحدثني ، وسمعت كلاما لا يشبه كلام الآدميين ، حتى رأيت كالديباج الابيض ، قد ملا بين السمآء والارض ، وقائل يقول : خذوه من أعز الناس ، ورأيت رجالا وقوفا
في
الهوآء بأيديهم أباريق ، ورأيت مشار الارض ومغاربها ، ورأيت علما من سندس على قضيب
من ياقوتة قد ضرب بين السمآء والارض في ظهر الكعبة ، فخرج رسول الله (ص) رافعا
إصبعه
إلى السمآء ورأيت سحابة بيضآء تنزل من السمآء حتى غشيته فسمعت نداء : طووا بمحمد
شرق الارض وغربها والبحار لتعرفوه باسمه ونعته وصورته ، ثم انجلت عنه الغمامة فإذا
أنابه في
ثوب أبيض من اللبن ، وتحته حريرة خضرآء ، وقد قبض على ثلاثة مفاتيح من اللؤلؤ
الرطب ، و
قائل يقول : قبض محمد على مفاتيح النصرة والريح والنبوة ، ثم أقبلت سحابة اخرى فغيبته
عن وجهي أطول من المرة الاولى ، وسمعت نداء : طوفوا بمحمد الشرق والغرب ، واعرضوه
على روحاني الجن والانس ، والطير والسباع ، وأعطوه صفآء آدم ، ورقة نوح ، وخلة
إبراهيم ، ولسان إسماعيل ، وكمال يوسف وبشرى يعقوب ، وصوت داود ، وزهديحيى ، وكرم عيسى ، ثم
انكشف عنه فإذا أنابه وبيده حريرة بيضآء قد طويت طيا شديدا وقد قبض عليها ، وقائل
يقول : قد قبض محمد على الدنيا كلها ، فلم يبق شئ إلادخل في قبضته ، ثم إن ثلاثة نفر كأن
الشمس
_________________
تطلع من وجوههم في
يد أحدهم إبريق فضة ونافجة
مسك ، وفي يد الثاني طست من
زمردة خضرآء لها أربع جوانب ، من كل جانب لؤلؤة بيضآء ، وقائل يقول : هذه الدنيا
فاقبض عليها يا حبيب الله ، فقبض على وسطها ، وقائل يقول : قبض الكعبة ، وفي يد
الثالث
حريرة بيضآء مطوية فنشرها. فأخرج منها خاتما تحار أبصار الناظرين فيه ، فغسسل بذلك لاماء
من الابريق سبع مرات ، ثم ضرب الخاتم على كتفيه ، وتفل في فيه ، فاستنطقه فنطق
فلم أفهم ما قال إلا أنه قال : في أمان الله وحفظه وكلائته ، قد حشوت قلبك إيمانا
و
علما ويقينا وعقلا وشجاعة ، أنت خير البشر ، طوبى لمن اتبعك ، وويل لمن تخلف عنك ،
ثم ادخل بين اجنحتهم ساعة ، وكان الفاعل به هذا رضوان ، ثم انصرف وجعل يلتفت إليه
ويقول : أبشريا عزالدنيا والآخرة ،
ورأيت نورا يسطع من رأسه حتى بلغ السمآء ، ورأيت قصور الشامات كأنها شعلة نارنورا ، ورأيت حولي من القطا أمرا عظيما قد
نشرت أجنحتها .
١٨ ـ قب
: المفضل بن عمر قال : سمعت أبا عبدالله عليهالسلام
يقول : لما ولد رسول الله (ص)
فتح لآمنة بياض فارس
، وقصور الشام ، فجائت فاطمة بنت أسد إلى أبي طالب ضاحكة
مستبشرة فأعلمته ما قالته آمنه ، فقال لها ابوطالب : وتتعجبين من هذا؟ إنك تحلبين
و
وتلدين بوصيه ووزيره .
١٩ ـ قب
: قال عبدالمطلب : لما انتصفت تلك
الليلة إذا أنا ببيت الله قد اشتمل بجوانبه
الاربعة ، وخر ساجدا في مقام إبراهيم ، ثم استوى البيت مناديا : الله أكبررت محمد
المصطفى ،
_________________
الآن قد طهرني ربي
من أنجاس المشركين ، وأرجاس الكافرين ، ثم انتقضت الاصنام ، وخرت على وجوهها ، وإذا أنا بطير الارض حاشرة إليها ، وإذا جبال مكة مشرفة عليها ،
و
وإذا بسحابة بيضآء بإزاء حجرتها فأتيتها وقلت : أنا نائم أو يقظان؟ قالت : بل
يقظان ، قلت فأين نور جبهتك؟ قالت : قد وضعته ، وهذه الطيتنا زعني أن أدفعه إليها فتحلمه
إلى
أشعاشها
، وهذه السحاب تظلني لذلك
، قلت : فهاتيه أنظر إليه ، قالت : حيل بينك
وبينه إلى ثلاثة أيام ، فسلك سيفى وقلت : لتخرجنه أولا قتلنك ، قالت : شأنك وإياه
، فلما هممت أن ألج البيت بدر
إلي من داخل البيت رجل ، وقال لي : ارجع
وراك ، فلا سبيل لاحد من ولد آدم إلى رويته أو أن تنقضي زيارة الملائكة ، فارتعدت
و
وخرجت .
٢٠ ـ قب
: عن أميرالمؤمنين عليهالسلام
قال : لما ولد رسول الله صلىاللهعليهوآله
القيت الاصنام في
الكعبة على وجوهها ، فلما أمسى سمع صيحة من السمآء : جاء الحق وزهق الباطل إن
الباطل كان زهوقا.
وورد أنه أضاء تلك الليلة جميع الدنيا ،
وضحك كل حجر ومدر وشجر ، وسبح
كل شئ في السمآوات والارض لله عزوجل ، وانهزم الشيطان وهو يقول : خير الامم ، وخير الخلق ، وأكرم العبيد ، وأعظم العالم محمد صلىاللهعليهوآله
.
٢١ ـ قب
: من إبانة ابن بطة
قال : ولد النبي صلىاللهعليهوآله
مختونا مسرورا ، فحكي
ذلك عند جده عبدالمطلب ، فقال : ليكونن لابني هذا شأن .
٢٢ ـ قب
: قال المأمون للحكيم إيزد خواه ما شاء الله لما صحح عنده إحكاما : لم
_________________
لا تؤمن بنبينا وأنت
بهذا المحل من العلم والكياسة؟ فقال : كيف اؤمن واصدق كاذبا و
أنا أعلم كذبه ، والنبي لا يكذب؟ فقال المأمون : كيف؟ قال : قوله : أنا آخر نبي
وخاتم
الانبيآء ، ولا يكون بعدي نبى أبدا ، وهو الذي
قال في علمي كذب لا محالة ، لانه ولد
بالطالع الذي لو ولد فيه مولود لابد أن يكوننبيا ، فظهر لي بهذا كذبه ، إذ قال : لانبي بعدي ، فكيف اؤمن به واصدقه؟ فخجل المأمون من ذلك ، وتحير الفقهآء ، فقال
متكلم : من هاهنا قلنا : إنه صادق ، وإنه خاتم الانبيآء لان الحكمآء كلم اجتمعوا
على
أن نجمه (ص) كان المشتري وعطارد والزهرة والمريخ ، ولا يولد بها ولد إلا ويموت من
ساعته ، وإن عاش فيموت لا محالة ، ولا يجاوز يوم السابع ، وهو قد عاش وبقي ثلاثا وستين سنة
، فصح أنه آية ، وقد أتى من المعجزات الباهرة بمالم يأت بمثله أحد قبله ولا بعده ، فأقر
إيزدخواه ، وأسلم ، فسمي ما شاء الله الحكيم ، فمن نظر المشتري له العلم والحكمة
والفطنة والسياسة والرئاسة ، ومن نظر عطارد اللطافة والظرافة والملاحة والفصاحة
والحلاوة ، ومن نظر الزهرة الصباحة والهشاشة
والبشاشة والحسن والطيب والجمال والبهآء والغنج
والدلال ، ومن نظر المريخ السيف والجلادة والقتال والقهر والغلبة والمحاربة ، فجمع
الله
فيه جميع المدائح.
وقال بعض المنجمين : موالد الانبيآء
السنبلة والميزان ، وكان طالع النبي
(ص) : الميزان ، وقال (ص) : ولدت بالسماك ، وفي حساب المنجمين أنه السماك
الرامح .
٢٣ ـ قب
: حملت به امه في أيام التشريق ، عند جمرة العقبة الوسطى ، في منزل
_________________
عبدالله بن
عبدالمطلب ، وولد بمكة عند طلوع الفجر من يوم الجمعة السيابع عشر من شهر
ربيع الاول ، بعد خمس وخمسين يوما من هلاك أصحاب الفيل ، وقالت العامة : يوم
الاثنين الثاني
أو العاشر منه ، لسبع بقين من ملك أنوشيروان ، ويقال : في ملك هرمز
لثمان سنين وثمنية أشهر مضت من ملك عمرو بن هند ملك العرب ، ووافق شهر الروم
العشرين من شباط في السنة الثانية من ملك هرمز بن أنوشيروان ، والاول هو الصحيح
لقوله : ( ولدت في زمن الملك العادل أنوشيروان ).
قال الكليني : في شعب أبي طالب ، في دار
محمد بن يوسف ، في الزاوية القصوى
عن يسارك ، وأنت داخل الدار.
وقال الطبري : في بيت من الدار التي
تعرف اليوم بدار يوسف
، وهو أخوالحجاج
ابن يوسف ، وكان قد اشتراها من عقيل ، وأدخل ذلك البيت في الدارحتى أخرجته خيزران
واتخذته مسجدا يصلى فيه .
الزهرة ، عن أبي عبدالله الطرابلسي : البيت
الذي ولد فيه رسول الله في دار محمد
بن يوسف .
٢٤ ـ نجم
: حدثنا ابن حميد ، عن سلمة ، عن محمد بن إسحاق
قال : كان من
حديث كسرى كما حدثني
به بعض أصحابي عن وهب بن منبة : كان سكر
دجلة
_________________
الغورآء ، وأنفق
عليها من الاموال ما يدرى ما هو ، وكان طاق مجلسه قد بنى بنيانا لم ير
مثله ، وكان يعلق به تاجه فيجلس فيه إذا جلس للناس ، وكان عنده ستون وثلاث مائة
رجل من العلمآء من بين كاهن وساحر ومنجم ، قال : وكان فيهم رجل من العرب يقال له :
السائب ، يعتاف اعتياف
العرب ، قلما يخطئ ، بعث إليه باذان
من اليمن ، وكان
كسرى لاذا حزنه أمر جمع كهانه وسحاره ومنجميه وقال : انظروا في هذا الامر ما هو ، فلما أن بعث الله نبيه محمدا (ص) أصبح كسرى ذات غداة وقد انقضت طاق ملكه من وسطها
، وانخرقت عليه دجلة الغوراء
، فلما رأى ذلك حزنه ، وقال : انقضت طاق ملكي من
وسطها من غير ثقل ، وانخرقت دجلة الغوراء ( شاه بشكست ) يقول : الملك انكسر ، ثم دعا بكهانه وسحاره ومنجمه ودعا السائب معهم وقال : انقضت طاق ملكي من غير
ثقل ، وانخرقت دجلة الغوراء ( شاه بشكست ) انظروا في هذا الامر ما هو ، فخرجوا من
عنده فنظروا في أمره فاخذ عليهم بأقطار السمآء ، وأظلمت عليهم الارض ، وتسكعوا
في علمهم ، فلا يمضي لساحر سحره ، ولا لكاهن كهانته ، ولا يستقيم لمنجم عم نجومه ،
وبات السائب في ليلة ظل
على ربوة من الارض يرمق برقا نشأ من قبل الحجاز ، ثم
استطار حتى بلغ المشرق ، فلما أصبح ذهب ينظر إلى ما تحت قدميه فإذا روضة خضرآء ، فقال فيما يعتاف : لئن صدق
ليخرجن من الحجاز سلطان يبلغ المشرق ، يخصب
عنه الارض كأفضل ما أخضبت عن ملك كان قبله ، فلما خلص الكهان والمنجمون بعضهم
إلى بعض ورأوا ما قد أصابهم ورأى السائب ما قد رأى قال بعضهم لبعض : تعلمون؟ والله
_________________
ما حيل بينكم وبين
علمكم إلا لامر جاء من السمآء ، وإنه لنبي قد بعث أو هو مبعوث
يسلب هذا الملك ويكسره ، ولئن نفيتم لكسرى ملكه ليقتلنكم ، فأقيموا بينكم أمرا
تقولونه
حتى تؤخرونه عنكم إلى أمر ما شاع
، فجاؤا إلى كسرى فقالوا له : قد نظرنا في
هذا الامر فوجدنا حسابك الذي وضعت به طاق ملكك وسكرت دجلة الغوراء وضعوه
على النحوس ، فلما اختلف عليهم
الليل والنهار وقعت النحوس على مواقعها ، فذلك
كل وضع عليها
، وإنا سنحسب
لك حسابا تضع عليه بنيانك فلا تزول ، قال : فاحسبوا ، فحسبوا له ، ثم قالوا له : ابنه ، فبنى فعمل في دجلة ثمانية أشهر ، وأنفق
فيها
من الاموال ما لا يدرى ما هو حتى إذا فرغ ، قال لهم : أجلس على سورها؟ قالوا : نعم
، فأمر البسط
والفرش والرياحين فوضعت عليها ، وأمر بالمرازبة فجمعوا إليه النقابون ، ثم خرج حتى جلس عليها ، فبينا هو هنالك إذ انتسفت دجلة بالبنيان من تحته فلم يخرج
إلا بآخر رمق ، فلما أخرجوه جمع كهانه وسحاره ومنجميه فقتل منهم قريبا من مائة ، وقال : نميتكم
وأدنيتكم دون الناس فأجريت عليكم أرزاقي تلعبون بي؟ قالوا : أيها
الملك أخطأنا كما أخطأ من قبلنا ، ولكنا سنحسب حسابا فنبينه حتى تضعها على الوثاق
من السعود ، قال : انظروا ماتقولون ، قالوا : فإنا نفعل ، قال : فاحسبوا ، فحسبوا
ثم قالوا له : ابنه فبنى وأنفق من الاموال ما لا يدرى ما هو ثمانية أشهر ، فلما فرغوا قال : أفأخرج
وأقعد عليها؟
قالوا : نعم ، فهاب الجلوس عليها ، وركب برذونا له ، وخرج يسير عليها
_________________
فبينا هو يسير إذا
انتسفت دجلة بالبنيان فلم يدرك إلا بآخر رمق ، فدعاهم فقال : والله
لآمرن على آخركم ، ولانزعن أكتافكم ، ولاطر حنكم تحت أيدي الفيلة ، أو لتصدقني
ما هذا الامر الذى تلقون علي؟ قالوا لا نكذبنك أيها الملك ، أمرتنا حين انخرقت
عليك
دجلة وانقضت
عليك طاق مجلسك من غير ثقل أن ننظر في علمنا
، فأظلمت علينا
بأقطار السمآء
فتردد علمنا في أيدينا ، فلا يستقيم لساحر سحره ، ولا لكاهن كهانته ، ولا لمنجم علم نجومه فعرفنا أن هذا الامر حدث من السمآء ، وأنه قد بعث نبي أو هو
مبعوث ، فلذلك حيل بيننا وبين علمنا ، فخشينا إن نفينا إليك ملكك أن تقلنا ، فكرهنا من الموت ما يكره الناس فعللناك عن أنفسنا بما رأيت ، قال : ويحكم فهلا
يكون
بينتم لي هذا فأرى فيه رأيي؟! قالوا : منعنا من ذلك ما تخوفنا منك ، فتركهم ولها
عن
دجلة حين غلبته .
بيان
: التسكع : التيحر والتمادي في الباطل. والمرازبة : رؤساء الفرس وامراءهم ، ويقال : نميته تنمية أى رفعته ، ولفق الحديث : زخرفه ، ثم الظاهر إن قوله : فلما
أن بعث الله نبيه ، من سهو الرواة أو الكتاب ، وكان مكانه فلما ولد النبي صلىاللهعليهوآله كما
عرفت في الاخبار السابقة ، على أنه يحتمل وقوع مثل هذا في الوقتين معا.
٢٥ ـ عم
: ولد صلىاللهعليهوآله
يوم الجمعة عند طلوع الشمس ، السابع عشر من شهر
ربيع الاول عام الفيل ، وفي رواية العامة ولد صلىاللهعليهوآله
يوم الاثنين ، ثم اختلفوا فمن قائل
يقول : لليلتين من شهر ربيع الاول ، ومن قائل يقول : لعشرليال خلون منه ، وذلك
لاربع
وثلاثين سنة وثمانية أشهر مضت مزملك كسرى أنوشيروان بن قباد ، وهو قاتل مزدك
والزنادقة
ومبيرهم ، وهو الذى عنى رسول الله (ص) على ما يزعمون ولدت في زمان الملك لصالح ، _________________
ولثماني سنين
وثمانية أشهر من ملك عمرو بن هند ملك العرب ، وكنيته أبوالقاسم ، وروى
أنس بن مالك قال : لماولد إبراهيم بن النبي صلىاللهعليهوآله
من مارية أتاه جبرئيل فقال : السلام
عليك أبا إبراهيم ، أو يا أبا إبراهيم ، ونسبه محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب ، واسمه
شيبة
الحمد بن هاشم ، واسمه عمرو بن عبد مناف ، واسمه المغيرة بن قصي ، واسمه زيد بن
كلاب
ابن مرة بن كعب بن لوى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر ، وهو قريش بن كنانة
ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، روي عنه صلىاللهعليهوآله أنه
قال : إذا بلغ نسبي عدنان فأمسكوا. وروي عن ام سلمة زوج النبي صلىاللهعليهوآله : قالت : سمعت النبي صلىاللهعليهوآله
يقول : معد بن عدنان بن ادد بن زيد بن ثرا بن أعراق الثرى ، قالت
ام سلمة : زيد هميسع ، وثرا نبت ، وأعراق الثرى ، إسماعيل بن إبراهيم عليهالسلام ، قالت : ثم قرأ رسول الله صلىاللهعليهوآله
: ( وعادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا ) لا يعلمهم
إلا الله.
وذكر الشيخ أبوجعفر بن بابويه رضياللهعنه : عدنان بن أدبن
ادد بن يامين بن
يشجب بن منحر بن صابوغ بن الهميسع ، وفي رواية اخرى : عدنان بن ادد بن زيد بن
يقدد بن يقدم بن الهميسع بن نبت بن قيذار بن إسماعيل عليهالسلام
. وقيل : الاصح
الذي اعتمد عليه أكثر النساب وأصحاب التواريخ أن عدنان هو أد بن ادد بن اليسع بن
الهميسع بن سلامان بن نبت بن حمل بن قيذار بن إسماعيل بن إبراهيم عليهالسلام بن تارخ بن
ناحور بن ساروع
بن ارغونا بن فالع
بن عابر وهو هود عليهالسلام
بن شالح بن أرفخشد
ابن سام بن نوح بن ملك بن متوشلح بن اخنوخ ويقال : احنوخ وهو إدريس عليهالسلام
ابن يازد
بن هلايل
بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم أبي البشر عليهالسلام
، وامه آمنة
_________________
بنت وهب بن عبد مناف
بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لوي بن غالب ، وأرضعته
حتى شب حليمة بنت عبدالله بن الحارث بن شجنة السعدية ، من بني سعد بن بكر بن هوازن
، وكانت ثويبة مونلاة أبي لهب بن عبدالمطلب أرضعته أيضا بلبن ابنها مسروح ، وذلك قبل
أن تقدم حليمة ، وتوفيت ثوبية مسلمة سنة سبع من الهجرة ، ومات ابنها قبلها ، وكانت
قد أرضعت ثويبة قبل حمزة بن عبدالمطلب عمه ، لذلك قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لابنة حمزة : إنها ابنة أخي من الرضاعة ، وكان حمزة أسن من رسول الله صلىاللهعليهوآله بأربع سنين ، وأما
جدته ام أبيه عبدالله فهي فاطمة بنت عمر بن عائذ بن عمران بن مخزوم ، وام
عبدالمطلب
سلمى بنت عمرة
من بني النجار ، وام هاشم عاتكة بنت مرة بن هلال من بني سليم ، وام قصي وزهرة فاطمة بنت سعد من أزد السراة
، وصدع (ص) بالرسالة
يوم السابع
والعشرين من رجب ، وله يومئذ أربعون سنة ، وقبس صلىاللهعليهوآله
يوم الاثنين لليلتين بقيتا من
صفر سنة عشرين من الهجرة
وهو ابن ثلاث وستين سنة .
٢٦ ـ نجم
: ذكر الزمخشري في ربيع الابرابر أنه قال بعض المنجمين : إن مواليد
الانبياء السنبلة والميزان ، وكان طالع النبي صلىاللهعليهوآله
الميران ، وقال : (ص) : ولدت بالسماك ، وفي حساب المنجمين أنه المساك الرامح ، وكان في ثاني طالعه زحل. فلم يكن له ملك
ولا عقار .
٢٧ ـ يل
: قال الواقدي : أول ما افتتح به عقيل بن أبي وقاص أن قال : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله الذي جعلنا من نسل إبراهيم ، ومن شجرة إسماعيل
، ومن غصن نزار ، ومن ثمرة عبد مناف ، ثم أثنى على الله تعالى ثنآء بليغا ، وقال فيه
جميلا ، وأثنى
_________________
على اللات والعزى ، وذكرهم
بالجميل ، وعقد النكاح ، ونظر إلى وهب ، وقال : يا
أبا الوداح زوجت كريمتك آمنة من ابن سيدنا عبدالمطلب على صداق أربعة آلاف درهم بيض
هجرية جياد ، وخمس مائة مثقال ذهب احمر؟ قال : نعم ، ثم قال : يا عبدلله قبلت هذا
الصداق
يا أيها السيد الخاطب؟ قال نعم ، ثم دعا لهما بالخير والكرامة ، ثم أمر وهب أن
تقدم
المائدة فقدمت مائدة خضرة فاتي من الطعام الحار والبارد والحلو والحامض فأكلوا
وشربوا ، قال : ونثر عبدالمطلب على ولده قيمة لف درهم من النثار ، وكان متخذا من مسك بنادق
، ومن عنبر ومن سكر ومن كافور ، ونثر وهب بقيمة ألف درهم عنبرا ، وفرح الخلق بذلك
فرحا شديدا.
قال الواقدي : فلما فرغو من ذلك نظر
عبدالمطلب إلى وهب وقال : ورب
السمآء إني لا افارق هذا السقف أو اؤلف بين ولدي وحليلته ، فقال وهب : بهذه السرعة
لايكون ، فقال عبدالمطلب : لابد ن ذلك ، فقام وهب ودخل على امرأته برة وقال لها : اعلمي أن عبدالمطلب قد حلف برب السمآء أنه لا يفارق هذا السقف أو يؤلف بين ولده
عبدالله وبين زوجته آمنة ، فقامت المرأة من وقتها ودعت بعشر من المشاطات وأمرتهن
أن
يأخذن في زينة آمنة ، فقعدن حول آمنة ، فواحدة منهن تنقش يديها ، وواحدة تخضب ، وواحدة تسرح ذؤابتها
، فلما كان عند غروب الشمس وقد فرغن من زينتها نصبوا سريرا
من الخيزران ، وقد فرشوا عليه من ألوان الديباج والوشي ، وقعدت الجارية على السرير
وعقدن على رأسها تاجا ، وعلى جبينيها إكليلا ، وعلى عنقها مخانق الدر والجواهر ، وتخوتمت بأنواع الخواتيم ، وجاء وهب وقال لعبدالمطلب : يا سيدي اقدم على العروس ، فقام عبدالمطلب إلى العروس وهي كأنها فلقة قمر من حسنها ، وتقدم عبدالمطلب إلى
السرير وقبله وقبل عين العروس ، فقال عبدالمطلب لولده عبدالله : اجلس يا ولدي معها
على السرير وافرح برؤيتها ، قال : فرفع عبدالله قدمه وصعد إلى السرير ، وقعد إلى
جنب
العروس ، وفرح عبدالمطلب ، وكان من عبدالله إلى أهله ما يكون من الرجال إلى النسآء
، _________________
فواقعها ، فحملت
بسيد المرسلين وخاتم النبيين ، وقام من عندها إلى عند أبيه فنظر إليه
أبوه وإذا النور قد فارق من بين عينيه ، وبقي عليه من أثر النور كالدرهم الصحيح ، وذهب
النور إلى ثدي آمنة ، فقام عبدالمطلب إلى عند آمنة ونظر إلى وجهها فلم يكن النور
كما
كان في عبدالله بن أنور ، فذهب عبدالمطلب إلى عند حبيب الراهب فسأله عن ذلك ، فقال
حبيب : اعلم أن هذا النور هو صاحب النور بعينه ، وصار في بطن امه ، فقام عبدالمطلب وخرج
مع الرجل وبقي عبدالله عند أهله إلى أن ذهبت الصفرة من يديه ، وذلك أن العرب كانوا
إذا دخلوا بأهلهم خضبوا أيديهم بالحنآء ، ولا يخرجون من عندهم وعلى أيديهم أثر من
الحنآء ، وبقي عبدالله أربعين يوما ، وخرج ونظر أهل مكة إلى عبدالله والنور قد
فارق
موضعه ، فرجع عبدالمطلب من عند حبيب وقد أتى على رسول الله صلىاللهعليهوآله شهر واحد في بطن
امه ، ونادت الجبال بعضها بعضا ، والاشجار بعضها بعضا والسمآوات بعضها بعضا ، يستبشرون ويقولون : ألا إن محمدا قد وقع في رحم امه آمنة ، وقد أتى عليه شهر ففرح
بذلك الجبال والبحار والسمآوات والارضون ، فورد عليه كتاب من يثرب بموت
فاطمة بنت عبدالمطلب ، وكان في الكتاب أنها ورثت مالا كثيرا خطيرا ، فأخرج أسرع
ما تقدر عليه ، فقال عبدالمطلب لولده عبدالله : يا ولدي لابد لك أن تجئ معي إلى
المدينة ، فسافر مع أبيه ودخلا مدينة يثرب ، وقبض عبدالمطلب المال ، ولما مضى من
دخولهما المدينة عشرة أيام اعتل عبدالله علة شديدة ، وبقي خمسة عشر يوما ، فلما كان اليوم السادس عشر مات عبدالله ، فبكى عليه أبوه عبدالمطلب بكاء شديدا ، وشق سقف البيت لاجله في دار فاطمة بنت عبدالمطلب ، وإذا بها تف يهتف ويقول : قد
مات من كان في صلبه خاتم النبيين ، وأي نفر لا يموت؟ فقام عبدالمطلب : فغسله و
كفنه ودفنه في سكة يقال لها : شين ، وبنى على قبره قبة عظيمة من جص وآجر ، ورجع
إلى مكة ، واستقبلته رؤساء قريش وبنو هاشم ، واتصل الخبر إلى آمنة بوفا زوجها ، فبكت ونتفت شعرها ، وخدشت وجهها ، ومزقت جبيها ، ودعت بالنائحات ينحن على
_________________
عبدالله ، فجاء بعد
ذلك عبدالمطلب إلى دار آمنة وطيب قبليا ، ووهب لها في ذلك الوقت
ألف درهم بيض ، وتاجين قدا تخذهما عبد مناف لبعض بناته ، وقال لها : يا آمنة لا
تحزني فإنك عندي جليلة ، لاجل من في بطنك ورحمك ، فلاتهتك أمرك ، فسكتت
وطيب قلبها.
قال الواقدي : فلما أتى على رسول الله صلىاللهعليهوآله في بطن امه شهران
أمر الله تعالى
مناديا في سمآواته وأرضه أن ناد
في السمآوات والارض والملائكة : أن استغفر والمحمد
صلىاللهعليهوآله
وامته ، كل هذا ببركة النبي صلىاللهعليهوآله.
قال الواقدي : فلما أتى علي رسول الله
(ص) في بطن امه ثلاثة أشهر كان أبوقحافة
راجعا من الشام ، فلما بلغ قريبا من مكة وضعت تاقته جمجمتها على الارض ساجدة ، و
كان بيد أبي قحافة قضيب فضربها بأوجع ضرب ، فلم ترفع رأسها ، فقال أبوقحافة : فما
أرى ناقة تركت صاحبها ، وإذا بهاتف يهتف ويقول : لا تضرب يا أبا قحافة من لا يطعيك
، ألا ترى أن الجبال والبحار والاشجار سوى الآدميين سجدوا الله ، فقال أبوقحافة : يا
هاتف
وما السبب في ذلك؟ قال اعلم أن النبي الامي قد أتى عليه في بطن امه ثلاثة أشه ، قال
أبوقحافة : ومتى يكون خروجه ، قال : سترى يا أبا قحافة إن شاء الله تعالى ، فالويل
كل الوليل لعبدة الاصنام من سيفه وسيف أصحابه ، فقال أبوقحافة : فوقفت ساعة حتى
رفعت الناقة رأسها ، وجئت إلى عبدالمطلب فأخبرته.
قال الواقدي : فلما أتى على رسول الله صلىاللهعليهوآله أربعة أشهر كان
زاهد على الطريق
من الطائف ، وكان له صومعة بمكة على مرحلة ، قال : فخرج الزاهد وكان اسمه حبيبا ، فجآء إلى بعض أصدقائه بمكة ، فلما بلغ أرض الموقف ، إذا بصبي قد وضع جبينه على
الارض ، وقد سجد على جمجمته ، قال حبيب : فدنوت منه فأخذته ، وإذا بهاتف يهتف و
يقول : خل عنه يا حبيب ، ألا ترى إلى الخلائق من البر والبحر ولاسهل والجبل قد
_________________
سجدوا الله شكرا لما
أتى على النبي الزكي الرضي المرضي في بطن امه خمسة أشهر ، وهذا
الصبي قد سجدالله ، قال حبيب : فتركت الصبي ودخلت مكة وبينت ذلك لعبدالمطلب ، وعبد
المطلب يقول : اكتم هذا الاسم ، فإن لهذا الاسم أعداء ، قال : وذهب حبيب إلى
صومعته فإذا
الصومعة تهتز ولا تستقر ، وإذا على محرابه مكتوب وعلى محراب كل راهب : يا أهل
البيع والصوامع آمنوا بالله وبرسول محمد بن عبدالله ، فقد آن خروجه ، فطوبى ثم
طوبى
لمن آمن به ، والويل كل الويل لمن كفربه ، ورد عليه حرفا مما يأتي به من عند ربه ،
قال
حبيب : فقلت : السمع ولاطاعة ، إني لمؤمن وطائع غير منكر.
قال الواقدي : فلما أتى على رسول الله صلىاللهعليهوآله في بطن امه ستة
أشهر خرج أهل
المدينة واليمن إلى العيد ، وكان رسمهم أنهم يمرون في كل سنة ستة أعياد ، وكانوا
يذهبون عند شجرة عظيمة يقال لها : ذات أنواط ، وهي التي سماها الله تعالى في كتابه
( ومناة الثالثة الاخرى ) فذهبوا في ذلك وأكلوا وشربوا وفرحوا وتقاربوا من لاشجرة
، وإذا بصيحة عظيمة من وسط الشجرة وهو هاتف يقول
: يا أهل اليمن ، ويا أهل اليمامة ، ويا أهل البحرين ، ويا عبد الاصنام ، ويا من سجد للاوثان ، جآء الحق وزهق الباطل
إن الباطل كان زهوقا ، يا قوم قدجاء كم الهلاك ، قد جاء كم التلف ، قد جاءكم الويل
والثبور ، قال : ففزعوا من ذلك وانهزموا راجعين إلى منازلهم متحيرين متعجبين
من ذلك.
قال الواقدي : فلما أتى على رسول الله (ص)
في بطن امه سبعة أشهر جاء سواد بن قارب
إلى عبدالمطلب ، وقال له : اعلم با أبا الحارث أني كنت البارحة بين النوم واليقظة ،
فرأيت أبواب السمآء مفتحة ، ورأيت الملائكة ينزلون إلى الارض ، معهم ألوان الثياب
يقولون : زينوا الارض فقد قرب خروج من اسمه محمد ، وهو نافلة عبدالمطلب رسول الله
_________________
إلى الارض ، وإلى
الاسود والاحمر والاصفر ، وإلى الصغير والكبير والذكر والانثى ، صاحب السيف القاطع ، والسهم النافذ ، فقلت لبعض الملائكة : من هذا تزعمون؟ فقال : ويلك هذا محمد بن
عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف ، فهذا ما رأيت ، فقال له
عبدالمطلب : اكتم الرؤيا ولا تخبربه أحدا لننظر ما يكون.
قال الواقدي : فلما أتى على النبي صلىاللهعليهوآله في بطن امه ثمانية
أشهر كان في بحر
الهوآء حوتة يقال لها : طينوسا
، وهي سيدة الحيتان ، فتحركت الحيتان ، وتحركت
الحوتة ، واستوت قائمة على ذنبها ، وارتفعت وارتقع الامواج عنها ، فقالت الملائكة
: إلهنا
وسيدنا ترى إلى ما تفعل طينوسا ولا تطيعنا ، وليس لنا بها قوة ، قال : فصاح
إستحيائيل
المل كصيحة عظيمة ، وقال لها : قري يا طينوسا ألا تعرفين من تحت ، فقالت طينوسا : يا إستحيائيل أمر ربي يوم خلقني إذا ولد محمد بن عبدالله استغفري له ولامته ، والآن
سمعت الملائكة يبشر بعضهم بعضا فلذلك قمت وتحركت ، فناداها استحيائيل قري
واستغفري ، فإن محمدا قد ولد ، فلذلك انبطحت
في البحر ، وأخذت في التسبيح والتهليل
والتكبير والثنآء على رب العالمين.
قال الواقعدي : فلما أتي على رسول الله صلىاللهعليهوآله في بطن امه تسعة
أشهر أوحى الله
إلى الملائكة في كل سمآء : أن اهبطوا إلى الارض ، فهبط عشرة آلاف ملك بيد كل ملك
قنديل يشتعل بالنور بلادهن ، مكتوب على كل قنديل : لا إله إلا الله ، محمد رسول
الله ، يقرأه كل عربي كاتب ، ووقفوا حول مكة في المفاوز ، وإذا بهاتف يهتف ويقول : هذا نور محمد رسول الله (ص) ، قال : فورد الخبر على عبدالمطلب فأمر بكتمانه إلى
أن يكون.
قال الواقدي : فلما كملت تسعة أشهر
لرسول الله صلىاللهعليهوآله
صار لا يستقر كوكب
في السمآء إلا من موضع إلى موضع يبشرون بعضهم بعضا ، والناس ينظرون إلى الكواكب
_________________
في السمآء مسيرات لا
يستقرون ، فأقام ذلك ثلاثين يوما.
قال الواقدي : فلما تم لرسول الله صلىاللهعليهوآله تسعة أشهر نظرت ام
رسول الله (ص)
آمنة إلى امها برة وقالت : يا اماه إني احب أن أدخل البيت فأبكي على زوجي ساعة
وأقطر دمعي على شبابه وحسن وجهه ، فإذا دخلت البيت وحدي فلا يدخل علي أحد ، فقالت لهابرة : ادخلي يا آمنة فابكي ، فحق لك البكاء ، قال : فدخلت آمنة البيت
وحدها
وقعدت وبكت وبين يديها شمع يشتعل ، وبيدها مغزل من آبنوس ، وعلى مغزلها فلقة
من عقيق أحمر ، وآمنة تبكي وتنوح إذا أصابها الطلق ، فوثبت إلي الباب لتفتحه فلم
ينفتح ، فرجعت إلى مكانها ، وقالت : واوحدتاه ، وأخذها الطلق والنفاس ، وما شعرت بشئ
حتى انشق السقف ، ونزلت من فوق أربع حوريات ، وأضاء البيت لنور وجوههن ، وقلن لآمنة : لا بأس عليك يا جارية إنا جئناك لنخدمك ، فلا يهمنك أمرك ، وقعدت الحوريات واحدة على يمينها ، وواحدة على شمالها ، وواحدة بين يديها ، وواحدة من ورائها ، فهو مت عين آمنة وغفت غفوة ، قال ابن عباس : ما كان من أمر
ام الصبي
إلا أنها كانت نائمة عند خروج ولدها من بطنها ، فانتبهت ام النبي (ص)
فاذا النبي تحت ذيلها ، قد وضع جبينه على الارض ساجدا لله ، ورفع سبابتيه مشيرا
بهما
لا إله إلا الله.
قال الواقدي : ولد رسول الله صلىاللهعليهوآله في ليلة الجمعة قبل
طلوع الفجر في شهر ربيع الاول
لسبعة عشر
منه في سنة تسعة آلاف سنة وتسعمأة وأربعة أشهر وسبعة أيام من وفاة
آدم عليهالسلام.
قال الواقدي : ونظرت امه آمنة إلى وجه
رسول الله (ص) فإذا هو مكتحل العينين ، منقط الجبين والذقن ، وأشرق من وجنتي النبي صلىاللهعليهوآله
نور ساطع في ظلمة الليل ، ومر
_________________
في سقف البيت ، وشق
السق ، ورأت آمنة من نور وجهه كل منظر حسن وقصر بالحرم ، وسط في تلك الليلة أربعة وعشرون
شرفا من أيوان كسرى ، وأخمدت في تلك الليلة
نيران فارس ، وأبرق في تلك الليلة برق ساطع في كل بيت ، وغرفة في الدنيا ممن قد
علم
الله تعالى وسبق في علمه أنهم يؤمنون بالله ورسوله محمد صلىاللهعليهوآله ، ولم يسطع في بقاع
الكفر
بأمر الله تعالى ، وما بقي في مشارق الارض ومغاربها صنم ولا وثن إلا وخرت على
وجوهها
ساقطة على جباهها خاشعة ، وذلك كله إجلالا للنبي صلىاللهعليهوآله.
قال الواقدي : فلما رأى إبليس لعنه الله
تعالى وأخزاه ذلك وضع التراب على رأسه
وجمع أولاده وقال لهم : يا أولادي اعلموا أننني ما أصابني منذ خلقت مثل هذه
المصيبة ، قالوا : وما هذه المصيبة؟ قال : اعلموا أنه قد ولد في هه الليلة مولود اسمه محمد
بن عبدالله (ص)
يبطل عبادة الاوثان ، ويمنع السجود للاصنام ، ويدعو الناس إلى عبادة الرحمن ، قال
: فنثروا التراب على رؤوسهم ، ودخل إبليس لعنه الله تعالى في البحر الرابع وقعد فيه
للمصيبة
هو وأولاده مكروبين أربعين يوما.
قال الواقدي : فعند ذلك أخذت الحوريات
محمدا (ص) ولففنه في منديل رومي ، ووضعنه بين يدي آمنة ، ورجعن إلى الجنة يبشرون الملائكة في السمآوات بمولد النبي
(ص) ، ونزل جبرئيل وميكائيل عليهماالسلام
ودخلا البيت على صورة الآدميين وهما
شابان ، ومع جبرئيل طشت من ذهب ، ومع ميكائيل إبريق من عقيق أحمر ، فأخذ جبرئيل
رسول الله صلىاللهعليهوآله
وغسله ، وميكائيل يصب المآء عليه فغسلان ، وآمنة في زاوية البيت قاعدة
فزعة مبهوتة ، فقال لها جبرئيل : يا آمنة لا نغسله من النجاسة ، فإنه لم يكن نجسا
، ولكن نغسله من ظلمات بطنك ، فلما فرغوا من غسله وكحلوا عينيه ونقطوا جبينيه بوقة
كانت معهم مسك وعنبر وكافور مسحوقا بعضه ببعض فذروه فوق رأسه (ص) قالت آمنة : وسمعت جلبة
وكلاما على الباب ، فذهب جبرئيل إلى الباب فنظر ورجع إلى البيت
وقال : ملائكة سبع سمآوات يريدون السلام على النبي (ص) فاتسع البيت ودخلوا عليه
_________________
موكب بعد موكب وسلموا
عليه ، وقالوا : السلام عليك يا محمد ، السلام عليك يا محمود ، السلام عليك يا أحمد ، السلام عليك يا حامد.
قال الواقدي : فلما دخل من الليل ثلثه أمر الله تعالى جبرئيل عليهالسلام أن يحمل
من الجنة أربعة أعلام ، فحمل جبرئيل الاعلام ونزل إلى الدنيا ، ونصب علما خضر على
جبل قاف مكتوبا
عليه بالبياض سطران : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله (ص) ، ونصب
علما آخر على جبل أبي قبيس له ذؤابتان مكتوب على واحدة منهما : شهادة أن لا إله
إلا الله ، وفي الثانية : لادين إلا دين محمد بن عبدالهل ، ونصب علما آخر على سطح بيت الله
الحرام له ذؤابتان
مكتوب على واحدة منهما : طوبى لمن آمن بالله وبمحمد ، والوليل لمن كفر به ورد عليه
حرفا
مما يأتي به من عند ربه ، ونصب علما آخر على ضراح بيت الله المقدس وهو أبيض عليه
خطان مكتوبان بالسواد ، الاول : لا غالب إلا الله ، والثاني : النصر لله ولمحمد صلىاللهعليهوآله.
قال الواقدي : وذهب إستحيائيل ووقف على ركن جبل أبي قبيس ونادى بأعلى صوته : يا أهل مكة آمنوا بالله ورسوله ، والنور الذي أنزلنا ، وأمر الله غمامة أن ترفع
فوق
بيت الله الحرام ، وتنثر على البيت الحرام ريش الزعفران والمسك والعنبر ، وتمطر
على
البيت ، فلما أصبحوا رأوا ريش الزعفران والمسك والعنب ، وارتفعت الغمامة وأمطرت
على البيت ، وخرجت الاصنام من بيت الله الحرام ، وجاؤا إلى عند الحجر وانكبوا على
وجوههم ، وجاء جبرئيل بقنديل أحمر له سلسلة من جزع أصفر ، وهو يشتعل بلادهن
بقدرة الله تعالى.
قال الواقدي : وبرق من وجه النبي صلىاللهعليهوآله برق وذهب في الهوآء
حتى التزق بعنان
السمآء ، وما بقي بمكة دار ولا منظر إلا دخله ذلك النور ، ممن سبق في قدر الله
تعالى
وعلمه أنه يؤمن بالله ، وبرسوله محمد صلىاللهعليهوآله
، وما بقي في تلك الليلة كتاب من التوراة
والانجيل والزبور ومما كان فيه اسمه صلىاللهعليهوآله
أو نعته إلا وقطر تحت اسمه قطرة دم ، وقال : _________________
لان الله تعالى بعثه
بالسيف ، وما بقي في تلك الليلة دير ولا صومعة إلا وكتب على
محاريبها اسم محمد صلىاللهعليهوآله
، فبقيت الكتابة إلى الصباح حتى قرء الرهبانية والديرانية ، وعلموا أن النبي الامي صلىاللهعليهوآله
قد ولد.
قال الواقدي : فعندها قامت آمنة رضياللهعنه وفتحت الباب ، وصاحت
صيحة
وغشي عليها ، ثم دعت بامها برة وأبيها وهب وقالت : ويحكما أين أنتما؟ فما رأيتما
ما جرى علي؟ إني وضعت ولدي ، وكان كذا وكذا ، تصف لهما ما رأته ، قال : فقام وهب
ودعا بغلام وقال : اذهب إلى عبدالمطلب وبشره ، وأهل مكة على المغاير قد صعدوا
والصروح ينظرون إلى العجائب ولا يدرون ما الخبر ، وكذلك عبدالمطلب قد صعد مع
أولاده فما شعروا بشئ حتى قرع الغلام الباب ، ودخل على عبدالمطلب وقال : يا سيدنا
أبشر فإن آمنة قد وضعت ولدا ذكرا ، فاستبشر بذلك ، وقال : قد علمت أن هذه براهين
ودلائل لمولودي ، فذهب عبدالمطلب إلى آمنة مع أولاده ونظروا إلى وجه رسول الله صلىاللهعليهوآله
ووجهه كالقمر ليلة لابدريسبح ويكبر في نفسه ، فتعجب منه عبدالمطلب.
قال الواقدى : فأصبح أهل مكة يوم الثاني
ونظروا إلى
القندى وإلى السلسلة
وإلى ريس الزعفران والعنبر ينزل منالغمامة ، وإلى الاصنام وقد خرجن منكبات على
وجوههن
، وبقى الخلق على ذلك ، وجاء إبليس أخزاه الله على صورة شيخ زاهد وقال : يا أهل مكة لا يهمنكم
أمر هذا فإنما أخرج الاصنام الليل العفاريت والمردة ، وسجدوا
لهن ، فلا يهمنكم ، وأمر إبليس لعنه الله أن تدخل الاصنام إلى جوف بيت الله الحرام
ففعلوا ذلك ، وإذا بهاتف يهتف ويقول : جاء الحق وزهق الباطل ، ، إن الباطل كان
زهوقا.
قال الواقدى : فأرسل الله تعالى إلى البيت جللا من الديباج الابيض مكتوب عليها
_________________
بخط أسود : بسم الله
الرحمن الرحيم : يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا
وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا.
قال الواقدى : فتعجب الناس من ذلك وبقيت
الجلل على البيت أربعين يوما ، فذهب
رجل من آل إدريس وكان بيده مد سمنا
فتمسح بذلك الجلل والتحف به فارتفع الجلل
من ليلته ، ولم لم يلتحف به لبقي على بيت الله الحرام هذا الديباح إلى يوم القيامة.
قال الواقدى : فاجتمع رؤساء بني هاشم
وذهبوا إلى حبيب الراهب وقالوا : يا حبيب
بين لنا خبر هذا الجلل وإخراج الاصنام من جوف بيت الله الحرام ، والكواكب
السائرات ، والبرق الذى برق في هذه الليلة ، والجلبات التي سمعنا مما هي ، فقال
حبيب : أنتم تعلمون أن ديني ليس دينكم ، وأنا أقول الحق ، إن شئتم قاقبلوا ، وإن
شئتم
لا تقبلوا ، ما هذه العلامات إلا علامات نبي مرسل في زانكم ، ونحن وجدنا في
التوراة ذكر
وصفه وفي الانجيل نعته ، وفي الزبور اسمه ، واسمه في الصحف ، وهو الذي يبطل عبادة
الاوثان
والاصنام ، ويدعو إلى عبادة الرحمن ، ويكون على العلم قاطع السيف ، طاعن الرمح ، نافذ السهم ، تخضع له ملوك الدنيا وجبابرتها ، فالويل الويل لاهل الكفر والطغيان ،
وعبدة الاوثان من سيفه ورمحه وسهمه. فمن آمن به نجا ، ومن كفر به هلك ، فقام الخلق
من عنده مغمومين مكروبين ، ورجعوا إلى مكة محزونين.
قال الواقدي : وأصبح عبدالمطلب اليوم
الثاني ودعا بآمنة وقال لها : هاتي ولدي ، وقرة عيني ، وثمرة فؤادي ، فجائت آمنة ومحمد على ساعدها ، فقال عبدالمطلب : اكتميه
يا آمنة ولا تبديه لاحد ، فإن قريشا وبني امية يرصدون في أمره ، قالت آمنة : السمع
والطاعة ، فجآء عبدالمطلب ومحمد على ساعده ، وأتى به إلى بيت الله الحارم ، وأراد أن يمسح
بدنه بالات و
العزى لتسكن دمدمة
قريش وبني هاشم
، ودخل عبدالمطلب بيت الله الحرام ، فلما وضع
_________________
رجله في البيت سمع
النبي (ص) يقول : بسم الله وبالله ، وإذا البيت يقول : السلام عليك يامحمد
ورحمة الله وبركاته ، وإذا بهاتف يهتف ويقول : جاء الحق وزهق الباطل ، إن الباطل
كان
زهوقا ، فتعجب عبدالمطلب من صغر سنه وكلامه ومما قال له البيت ، فأمر عبدالمطلب
خزنة البيت أن يكتموا ما سمعوا من البيت ومن محمد صلىاللهعليهوآله.
قال الوقدي : فتقدم عبدالمطلب إلى اللات
والعزي وأراد أن يمسح بدن النبي (ص) بالات والعزى فجذب من ورائه ، فالتفت إلى ورائه فلم ير احدا ، فتقدم ثانية فجذبه
من ورائه
جاذب ، فنظر إلى ورائه فلم ير أحدا ، ثم تقدم ثالثة فجذبه الجاذب جذبة شديدة حتى
أقعده
على عجزه ، وقال : يا أبا الحارث أتمسح بدنا طاهرا ببدن نجس؟!
قال الواقدي : فعند ذلك وقف عبدالمطلب
على باب بيت الله الحرام والنبي على
ساعده وأنشأ يقول :
الحمد لله الذي أعطاني
|
|
هذا الغلام طيب الارداني
|
قد سادفي ى المهد على الغلماني
|
|
اعيذه بالبيت ذي الاركاني
|
حتى أراه مبلغ الغشياني
|
|
اعيذه من كل ذي شنآني
|
من حاسد ذي طرف العيناني
قال : وخرج عبدالمطلب متكفرا مما سمع ، ورأى
من محمد صلىاللهعليهوآله
إلى امه ، وقد
وقعت الدمعة في قريش وبين
بني هاشم بسبب محمد صلىاللهعليهوآله.
قال الواقدي : فلما كان اليوم الثالث
اشترى عبدالمطلب مهدا من خيزران أسود ، له شبكات من عاج ، مرصع بالذهب الاحمر ، وله بركتان من فضة بيضآء ، ولونه من جزع
أصفر ، وغشاه بجلال ديباج أبيض ، مكوكب بذهب ، وبعث إليها من الدرو اللؤلؤ الكبار
الذي تلعب به الصبيان في المهد بألوان الخرز
، وكان النبي صلىاللهعليهوآله
إذا انتبه من نومه
_________________
يسبح الله تعالى
بتلك الخرز.
قال الواقدي : فلما كان اليوم الرابع
جاء سواد بن قارب
إلى عبدالمطلب ، و
كان عبدالمطلب قاعدا على باب بيت الله الحرام وقد حف به قريش وبنوهاشم ، فدنا سواد
بن
قارب وقال : يا أبا الحارث اعلم أني قد سمعت أنه قد ولد لعبد الله ذكر ، وأنهم
يقولون
فيه : عجائب ، فاريد أن أنظر إلى وجهه هنيئة ، وكان سواد بن قارب رجلا إذاتكلم سمع
منه ، وكان رجلا صدوقا ، فقام عبدالمطلب ومعه سواد بن قارب وجآء إلى دار آمنة رضي
الله
عنها ودخلا جميعا والنبي صلىاللهعليهوآله
نائم ، فلما دحلا القبة قال عبدالمطلب : اسكت يا سواد
حتى ينتبه من نومه ، فسكت فدخلا قليلا قليلا حتى دخلا القبة ، ونظر إلى وجه النبي صلىاللهعليهوآله
وهو في مهده نائم ، وعليه هيئة الانبيآء ، فلما كشف الغطآء عن وجهه برق من وجهه
برق شق
السقف بنوره ، والتزق بأعنان
السمآء ، فالقى عبدالمطلب وسواد أكمامهما على وجهيهما من
شدة الضوء ، فعندها انكب سواد على النبي صلىاللهعليهوآله
وقال لعبدالمطلب : اشهدك على
نفسي أني آمن بهذا الغلام ، وبما يأتي به من عند ربه ، ثم قبل وجنات النبي صلىاللهعليهوآله
وخرجا جميعا ، ورجع سواد إلى موضعه ، وبقي عبدالمطلب فرحا نشيطا.
قال محمد بن عمر الواقدي : فلما أتي على
النبي (ص) شهر كان إذا نظر إليه الناظرون
توهموا أنه من أبناء سنة لوقارة جسمه ، وتمام فهمه ، وكانوا يسمعون من مهده
التسبيح
والتحميد والثنآء على الله تعالى.
قال الواقدي : فلما أتى على رسول الله (ص)
شهران مات وهب جده أبوامه آمنة ، وجآء عبدالمطلب وجماعة من قريش وبني هاشم وغسلوا وهبا وحنطوه وكفنوه ودفنوه
على ذيل الصفا .
_________________
بيان
: المخانق : جمع المخنقة كمكنسة وهي
القلادة. والتهويم : هز الرأس من النعاس.
وغفت : نامت. والصرح : القصر وكل بناء عال.
٢٨ ـ كا
: علي بن محمد بن بندار ، عن إبراهيم بن إسحاق الاحمر ، عن أحمد بن
الحسين
، عن أبي العباس ، عن جعفر بن إسماعيل ، عن إدريس ، عن أبي السائب ، عن أبي عبدالهل ، عن أبيه عليهماالسلام
قال : عق أبوطالب عن رسول الله (ص) يوم السابع ودعا
آل أبى طالب فقالوا : ما هذه؟ فقال : هذه عقيقة أحمد ، قالوا : لاي شئ سميته أحمد؟
قال : سميته أحمد لمحمدة أهل السمآء والارض .
٢٩ ـ كا
: علي عن أبيه ، عن البزنطي ، عن أبان ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر
عليهالسلام
قال : لما ولد النبي (ص) جاء رجل من أهل الكتاب إلى ملا من قريش ، فيهم هشام
ابن المغيرة والوليد بن المغيرة ، والعاص بن هشام ، وابووجزة بن أبي عمرو بن امية
وعتبة
ابن ربيعة ، فقال. أولد فيكم مولد الليلة؟ فقالوا : لا ، قالك فولد إذا بفلسطين
غلام اسمه
أحمد ، به شامة كلون الخز الادكن ، ويكون هلاك أهل الكتاب واليهود على يديه ، قد
أخطأكم والله يا معشر قريش ، فتفرقوا وسألوا فاخبروا أنه ولد لعبدالله بن
عبدالمطلب
غلام ، فطلبوا الرجل فلقوه ، فقالوا : إنه قد ولد فينا والله غلام ، قال : قبل أن
أقول لكم
أو بعد ما قلت لكم؟ قالوا : قبل أن تقول لنا ، قال : فانطلقوا بنا إليه حتى ننظر إليه
، فانطلقوا حتى أتوا امه فقالوا : اخرجي ابنك حتى ننظر إليه ، فقالت : إن ابني والله
لقد سقط
وما سقط كما يسقط الصبيان ، لقد اتقى الارض بيديه ، ورفع رأسه إلى السمآء فنظر
إليها ، ثم خرج منه نور حتى نظرت إلى قصور بصري ، وسمعت هاتفا في الجو يقول : لقد ولدتيه
سيد الامة ، فاذا وضعتيه فقولي : اعيذه بالواحد ، من شر كل حاسد ، وسميه محمدا ، قال
الرجل : فأخرجته فنظر إليه ثم قلبه ونظر إلى الشامة بين كتفيه فخر مغشياعليه ، فأخذوا
الغلام
فأدخلوه إلى أمه وقالوا : بارك الله لك فيه ، فلما خرجوا أفاق ، فقالوا له : مالك
ويلك؟
قال : ذهبت نبوة بني إسرائيل إلى يوم القيامة ، هذا والله من يبيرهم ، ففرحت قريش
_________________
بذلك فلزا رآهم قد
فرحوا قال : فرحتم ، أما والله ليسطون بكم سطوة يتحدث بها
أهل المشرق والمغرب ، وكان أبوسفيان يقول : يسطو بمصره .
٣٠ ـ كا
: حميد بن زياد ، عن محمد بن أيوب ، عن محمد بن زياد ، عن أسباط بن سالم ، عن أبي عبدالله عليهالسلام
قال : كان حيث طلقت آمنة بنت وهب وأخذها المخاض بالنبي (ص)
حضرتها فاطمة بنت أسد امرأة أبي طالب ، فلم تزل معها حتى وضعت ، فقالت إحداهما
للاخرى : هل ترين ما أرى؟ فقالت : وما ترين؟ قالت : هذا النور الذي قد سطع ما بين
المشرق والمغرب ، فبينما هما كذلك إذ دخل عليهما أبوطالب فقال لهما : ما لكما؟ من
أي شئ تعجبان؟ فاخبرته فاطمة بالنور الذي قد رأت. فقال لها أبوطال : ألا ابشرك؟
فقالت : بلى ، فقال : أما إنك ستلدين غلاما يكون وصي هذا المولود .
٣١ ـ كا
: الحسين بن محمد ، عن المعلى ، عن أحمد بن محمد بن عبدالله ، عن ابن مسعود ، عن عبدالله بن إبراهيم الجفري قال : سمعت إسحاق بن جعفر يقول : سمعت أبي يقول : الاوصيآء إذا حملت بهم امهاتهم أصابها فترة شبه الغشية ، فأقامت في ذلك يومها ذلك
إن
كان نهارا ، اوليلتها إن كان ليلا ، ثم ترى في منامها رجلا يبشرها بغلام عليم حليم
قتفرح
لذلك ، ثم تنتبه من نومها فتسمع من جانبها الايمن في جانب البيت صوتا يقول : حملت
بخير ، وتصيرين إلى خير ، وجئت بجير ، أبشري بغلام حليم عليم ، وتجدى خفة في بدنها
، ثم تجد
بعد ذلك اتساعا من جنبيها وبطنها ، فإذا كان لتسع من شهورها سمعت في
البيت حسا شديدا ، فإذا كانت الليلة التي تلد فيها ظهر لها في البيت نور تراه لا
يراه غيرها
_________________
إلا أبوه ، فإذا
ولدته ولدته قاعاد ، وتفتحت له حتى يخرج متربعا ، ثم يستدير بعد
وقوعه إلى الارض ، فلا يخطئ القبلة حيث كانت بوجهه ، ثم يعطس ثلاثا يشير بإصبعه
بالتحميد ، ويقع مسرورا
مختونا ، ورباعيتاه من فوق وأسفل وناباه وضاحكاه ، ومن بين
يديه مثل سبيكة الذهب نور ، ويقيم يومه وليلته تسيل يداه ذهبا ، وكذلك الانبيآء
إذا ولدوا ، وإنما الاوصياء أعلاق من الانبيآء .
أقول
: سياتي شرح الخبر مع سائر الاخبار في ذلك في كتاب الامامة.
٣٢ ـ ن
: في خبر الشامي أنه سأل أميرالمؤمنين عليهالسلام
من خلق الله من الانبيآء
مختونا؟ قال : خلق الله عزوجل آدم عليهالسلام
مختونا ، وولد شيث عليهالسلام
مختونا ، وإدريس
ونوح وسام بن نوح وإبراهيم وداود وسليمان ولوط ، وإسماعيل وموسى وعيسى ومحمد ، صلوات الله عليهم .
٣٣ ـ د
: روي أن قريشا كانت في جدب شديد ، وضيق
م نالزمان ، فلما حملت
آمنة بنت وهب برسول الله (ص) اخضرت لهم الارض ، وحملت لهم الاشجار ، وأتاهم الوفد
من كل مكان ، فأخصب أهل مكة خصبا عظيما ، فسمت السنه التي حمل فهيا برسول الله
(ص) سنة الفتح والاستيفآء والابتهاج ، ولم تبق كاهنة إلا حجبت عن صاحبها ،
_________________
وانتزع علم الكهنة ،
وبطل سحر السحرة ، ولم يبق سرير لملك من الملوك إلا أصبح
منكوسا ، والملك مخرسا لا يتكلم يومه ذلك ، وفي كل شهر من الشهورندآء من اسمآء
أن أبشروا فقدآن لمحمد أن يخرج إلى الارض ميمونا مباركا .
٣٤ ـ د
: عن أبي جعفر عليهالسلام
قال : سمعت آبائي يحدثون : كانت لقريش كاهنة يقال
لها : جرهمانية ، وكان لها ابن من أشد قريش عبادة للاصنام ، فلما كانت الليلة التي
ولد
فيها رسول الله صلىاللهعليهوآله
جآءت إليها تابعتها
، وقالت لها جرهمانية : حيل بيني وبينك ، جآء النور الممدود الذي من دخل في نوره نجا ، ومن تخلف عن نوره هلك ، أحمد صاحب
اللوآء الاكبر ، والعز الابدي ، وابنها يسمع ، فلما كانت الليلة الثانية عاد بمثل
قوله ، ثم مر ، فلما كانت
الليلة الثالثة عاد بمثل قوله
فقالت : ويحك ومن أحمد؟ قالت : ابن
عبدالله بن عبدالمطلب يتيم قريش صاحب الغرة الحجلاء ، والنور الساطع ، فلما تكلمت
بهذا الكلام نظرت إلى صنمها يمشي مرة ويعدو مرة ، ويقول : ويلي من هذا المولود ، هلكت
الاصنام ، قال : فكانت الجرهمانية تنوح على نفسها بهذا الحديث .
٣٥ ـ د
: قيل : لما ولد رسول الله (ص) قال : أبوطالب لفاطمة بنت أسد : أي شئ
خبرتك به آنمنة أنها رأت حين ولدت هذا المولود؟ قالت : خبرتني أنها لما ولدته خرج
معتمدا على يده اليمنى ، رافعا رأسه إلى السمآء ، يصعد منه نور في الهوآء حتى
ملا الافق ، فقال لها أبوطالب : استري هذا ، ولا تعلمي به أحدا ، أما إنك ستلدين
مولودا
يكون وصيه .
٣٦ ـ كا
: علي بن محمد ، عن عبدالله بن إسحاق
العلوى ، عن محمد بن زيد الرزامي ، عن محمد بن سليمان اليلمي ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال : حججنا مع أبي
عبدالله
_________________
عليهالسلام
السنة التي ولد فيها ابنه موسى عليهالسلام
وساق الحديث إلى أن قال : وذكرت حميدة
أنه سقط من بطنها حين سقط واضعا يده على الارض ، رافعا رأسه إلى السمآء ، فأخبرتها
أن ذلك أمارة رسول الله صلىاللهعليهوآله
، وأمارة الوصي عليهالسلام
من بعده
، فقال لي : إنه لما
كانت الليلة التي علق
فيها بجدي أتى آت جد أبي بكأس فيه شربة أرق من المآء ، وألين
من الزبد ، وأحلى من الشهد ، وأبرد من الثلج ، وأبيض من اللبن ، فسقاه إياه وأمره
بالجماع ، فقام فجامع فعلق بجدي ، ولما أن كانت الليلة التي علق فيها بأبي أتي آت
جدي
فسقاه كما سقى جد أبي وأمره بمثل الذي أمره ، فقام فجامع فعلق بأبي ، ولما أن كانت
الليلة التي علق فيها بي أتى آت أبي فسقاه بما سقاهم ، وأمره بالذي أمرهم به ، فقام
فجامع
فعلق بي ، ولما أن كانت الليلة التي علق فيها بابني أتاني آت كما أتاهم ففعل بي
كما فعل
بهم ، فقمت بعلم الله ، وإني مسرور بما يهب الله لي فجامعت فعلق بابني هذا المولود
، فدونكم ، فهو والله صاحبكم من بعدي ، وإن نطفة الامام مما أخبرتك ، وإذا سكنت
النطفة في الرحم أربعة أشهر وانشئ فيها الروح بعث الله تبارك وتعالى ملكا يقال له
: حيوان فكتب على عضده الايمن : ( وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو
السميع العليم ) ولاذا وقع من بطن امه وقع واضعا يديه على الارض ، رافعا رأسه إلى
السمآء ، فأما وضعه يديه على الارض فإنه يقبض كل علم لله أنزله من السمآء إلى
الارض ، وأما رفعه رأسه إلى السمآء فإن مناديا ينادي به من بطنان العرش من قبل رب العزة
من الافق الاعلى باسمه واسم أبيه ، يقول : يا فلان بن فلان اثبت تثبت ، فلعظيم ما
_________________
خلقتك ، أنت صفوتي
من خلقي ، وموضع سرى ، وعيبة
علمي ، وأميني على وحيي ، وخليفتي في أرضي ، لك ولمن تولاك أوجبت رحمتي ، ومنحت جناني ، وأحللت جواري ، ثم وعزتي وجلالي لاصلين
من عاداك أشد عذابي ، وإن وسعت عليه في دنباى من سعة
رزقي ، فإذا انقضي الصوت صوت المنادي أجابه هو واضعا يديه ، رافعا رأسه إلى السمآء
يقول : ( شهد الله أنه لا إله إلا هو ، والملائكة واولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا
هو العزيز
الحكيم ) قال : فإذا قال ذلك أعطاه الله العلم الاول والعلم الآخر ، واستحق زيارة
الروح
في ليلة القدر .
٣٧ ـ أقول
: روى الشيخ
أبوالحسن البكري في كتاب الانوار عن أبي
عمرو الشيباني وجماعة من أهل الحديث أن السحرة والكهنة ولاشياطين والمردة والجان
قل
مولد رسول الله صلىاللهعليهوآله كانوا يظهرون
العجائب ويأتون بالغرائب ، ويحدثون الناس
بما يخفون من السرائر ، ويكتمون في الضمائر ، وتنطق السحرة والكهنة على ألسنة الجن
والشياطين والمردة بما يسترقون من السمع من الملائكة ، ولم تحجب السمآء عن
الشياطين
حتى بعث النبى صلىاللهعليهوآله.
قال البكري : ولقد بلغنا أنه كان بأرض
اليمامة كاهنان عظيمان فاقا على أهل
زمانهما في الكهانة ويتحدث الناس بهما في كل مكان ، وكان أحدهما اسمه ربيعة بن
مازن
ويعرف بسطيح ، وهو أعلم الكهان ، والآخر اسمه وشق بن باهلة اليماني ، فأما
سطيح فإن الله تعالى قدخلقه قطعة لحم بلا عظم ولا عصب سوى جمجمة رأسه ، وكان يطوى
كما
_________________
يطوى الثوب ، وينشر
ويجعل على وضمة
كما يجعل اللحم على وضمة القصاب ، لا ينام
من الليل إلا اليسير ، يقلب طرفه إلى السمآء ، وينظر إلى النجوم الزاهرات ، والافلاك
الدائرات ، والبروق اللامعات ، ويحمل على وضمه إلى الامصار ، ويرفع إلى الملوك في
تلك الاعصار
، يسألونه عن غوامض الاخبار ، وينبئهم بما في قلوبهم من الاسرار ، و
يخبربما يحدث في الزمان من العجائب
، وهو ملقى على ظهره
، وشاخص ببصره ، لا
يتحرك منه غير عينيه ولسانه ، وقد لبث دهرا طويلا على هذه الحالة ، فبينا هو كذلك
ذات
ليلة شاخصا إلى السمآء إذ لاحت له برقة مما يلي مكة ملات الاقطار ، ثم رأى
الكواكب قد علا منها النيران ، فظربها دخان ، وتصادم بعضها ببعض ، واحد بعد واحد .
حتى غابت في الثرى ، فلم يرلها نور ولا ضيآء
، فلما نظر سطيح إلى ذلك دهش
وحار وأيقن بالهلاك والدمار ، وقال : كواكب تظهر بالنهار ، وبرق يلمع بالانوار ، يدل على عجائب وأخبار ، وظل يومه ذلك حتى انقضى النهار ، فلما أدركه الليل
أمر غلمانه أن يحملونه إلى موضع فيه جبل هناك ، وكان شامخا في الجبال ، فأمرهم
أن يرفعوه عليه ، فجعل يقلب طرفه يمينا وشمالا ، فإذا هو بنور ساطع ، وضياء لامع ،
قد علا على الانوار ، وأحاط على الاقطار ، وملا الآفاق ، فقال لغلماه : انزلوني
فإن
_________________
عقلي قد طار ، ولبي
قد حار ، من أجل هذه الانوار ، وإني أرى أمرا جليلا ، وقد دنا
مني الرحيل ، بلا شك عن قليل ، قالوا له : وكيف ظهر لك ذلك يا سطيح؟ قال : يا
ويلكم إني رأيت أنوارا قد نزلت من السمآء إلى الارض ، وأرى الكواكب بقد تساقطت
إلى الارض وتهافتت
، وإني أظن أن خروج الهاشمي قددنا ، فإن كان الامر كذلك
فالسلام على الوطن
من أهل الامصار واليمن ، إلى آخر الزمن ، فحار غلمانه من كلامه ، وأنزلوه ، وقد أرق
تلك الليلة أرقا ، وأصبح قلقا ، لم يتهنأ برقاد ، ولم يوطأ له مهاد ، كثير الفكر والسهاد
، وجمع قومه وعشيرته وقال لهم : إني أرى أمرا عظيما ، وخطبا جسيما ، وقد غاب عني خبره ، وخفي علي أثره ، وسأبعث إلى جميع إخواني من الكهان ، فكتب
إلى سائر البلدان ، وكتب
إلى وشق يخبره
عن الحال ، وبشرح له المقال ، فرد
عليه الجواب ، قد ظهر عندي بعض الذي ذكرت ، وسيظهر نور الذي وصفت ، غير أني
لا علم لي فيه ، ولا أعرف شيئا من دواعيه ، فعند ذلك كتب إلى الزرقآء ملكة اليمن ،
وكانت من أعظم الكهنة والسحرة
، قد ملكت قومها بشرها وسحرها ، وكان المجاورون
لها آمنين في معايشهم ، لا يخافون من عدو ، ولا يجزعون من احد ، وكانت حادة البصر
، عظيمة الخطر ، تنظر من مسيرة ثلاثة أيام ، كما ينظر الانسان الذي بين يديه ، وإذ
أراد أحد من أعدائها الخروج إلى بلدها تخبر قومها ، وتقول : احذروا فقد جاءكم
عدوكم
من جهة كذا وكذا ، فيجدون الامر كما ذكرت.
قال أبوالحسن البكري : ولقد بلغني أن
أهل اليمامة قتلوا قتيلا من غسان وكان
قد قتلمنهم رجلا قبل ذلك فبلغ قومه قتله فاجمعوا أن يكبسوا قومها في أربعة آلاف
_________________
مدرع ، وقال لهم
سيدهم من غسان : يا ويحكم أتطمعون في الدخول إلى اليمامة وفيها
الزرفآء؟ أما تعلمون أنها تنظر إلى الوافدين ، وتعاين ، الواردين من البعد؟ فكيف
إذا رأت ركائبكم
قد أقبلت فتخبر قومها ويأخذون حذرهم
وأنشأ يقول :
إني أخاف من الزرقآء وصولتها
|
|
إذا رأت جمعكم يسري إلى البلد
|
ترميكم باسود لا قوام لكم
|
|
بشرها ثم لا تبقي على أحد
|
كم من جموع أتوها قاصدين لها
|
|
فراح جمعهم بالخوف والنكد
|
فقالوا : ما الذي تشير به علينا؟ قال : رأيت
رأيا وأنا أرجو أن يكون فيه الظفر
إن ساعدني فيه القدر ، قالوا : وما ذلك؟ قال : إني أقول لكم : انزلوا عن خيلكم ، ثم اعمدوا إلى الشجر ، فيقطع
كل واحد منكم ما يستره ثم تحملونه في أيديكم ، ثم تقودون خيلكم ، وتسيريون في ظل الشجر ، فعسى أن يتغير عليها النظر ، قالوا : نعم
الرأي ما رأيت ، ففعلوا ما قال حتى بقي
بينهم وبين اليمامة ثلاثة أيام ، جعلوا أمامهم
رجلا معه كتف بعير يلوح
به ، ونعل يخصفه ، لينكر عليها
النظر ، فلما نظرت
إليهم الزرقاء وكانت في صومعتها صاحب بأعلا صوتها وقالت : يا أهل اليمامة أقبلوا ،
فأقبل
إليها الناس وقالوا : ما عندك من
خبر؟ قالت : إني رأيت
عجبا عجبيبا ، وأظن أن
الملبسة تسير إلينا في ظل الشجر ، وهم جمع كثير ، يتقدمهم رجل في يده كتف بعير ، ومعه
_________________
نعل يخصفه تارة ، وتارة
يلوح بكتف البعير ، فلما سمعوا كلامها أعرضوا عنها وقال بعضهم
لبعض : إن الزرقاء قد خرفت ، وتغير نظرها ، فهل رأيتم شجرا يسير ، ورجلا يلوح بكتف
بعير ، إن هذا وسواس
وجنون قد عارضها ، فلما سمعت منهم ذلك أغلقت صومعتها ، وكان لا يقدر عليها أحد قط ، فلم يلبثوا بعد ذلك إلا قليلا حتى كبسوا اليمامة ، وهدموا
البنيان ، وسبوا النسوان ، وقتلوا الرجال ، وأخذوا الاموال ، ثم ولوا راجعين ، فوقع
بقومها الندامة ، وأعقبتهم الملامة حيث لم يسمعوا منها وخالفوها.
ثم إن سطيحها كتب إليها كتابا يقول فيه
: باسمك اللهم من سطيح ، صاحب القول
الفصيح
، إلى فتاة اليمامة ، المنعوتة بالشهامة
من سطيح الغساني ، الذي ليس له
في عصره ثاني ، أما بعد فإني كتبت إليك كتابي وأنا في هموم وسكرات ، وغموم و
خطرات ، وقد تعلمين ما الذي يحل بنا من الدمار
والهلاك ، من خروج التهامي
الهاشي الابطحي العربي المكي المدنى السفاك للدماء ، وقد رأيت برقة لمعت ، و
كواكبا سطعت
وإني أظن أن ذلك من علاماته ، ولا شك أنه قرب أوانه ، وما
كتبت إليك إلا بما أرى عندك من التحصيل ، وما في نساء عصرنا لك من مثيل ، فإذاورد
رسولي إليك وقدم كتابي عليك رديي جوابي بما عندك من الخطاب ، وما ترينه من
الصواب ، فإنه لا يقر لي قرار ، لافي الليل ولا في النهار ، ولم أقف على هذه الدلائل
والآثار والسلام.
ثم دعا بغلام له اسمه صبيح ، وقال له : سر
بهذا الكتاب إلى اليمامة
، وأتني
_______________
بالجواب ، فأخذ صبيح
الكتاب ومضى به حتى صار بينه وبين اليمامة ثلاثة أيام فرمقته
الزرقآء والكتاب في طي عمامته ، فصاحت في قومها قد جاءكم راكب قصاد ، إلى بلكدم
وارد ، قد أرسل زمام ناقته ، والكتاب
في طي عمامته ، فجعل القوم يرتقبونه إلى أن وصل
بعد ثلاثة أيام ، فلما رأتة انحدرت إليه ، وفتحت الباب ، فدفع إليها الكتاب ، فقرأته
ثم قالت : خبر قبيح ، أتانا به صبيح ، من كاهن اليمن سطيح ، يسأل عن نور ساطع ، وضيآء
لامع ، ذلك ورب الكعبة من دلائل خراب
الآطلال ، ويتم
الاطفال ، فإنه يظهر
من عبد مناف ، محمد النبى بلاخلاف ، قال صبيح : فتعجبت من كلامها ، وطلبت الجواب ،
فكتبت : إلى سطيح يقول : بسم الله من الزرقآء
الذي ليس عليها
شئ يخفى ، إلى
سيد غسان ، وأفضل الكهان ، المعروف بسطيح ، صاحب القول الفصيح ، أما بعد فإنه
ورد كتابك علي ، وقدم رسولك لدي ، تذكر أمرا عظيما ، قد هجس بقلبك ، واختلج
بلبك ، ، أما نزول الكواكب فكأنك بآيات
الهاشمي قد قربت ، فإذا قرأت كتابي
فأيقظ نفسك ، واحذر من الغفلة والتقصير ، وبادرإلى التشمير والمسير لنلتقي بمكة ، فإني
راحلة إليها لاعرف هذا الامر على حقيقته ، فلعنا نتساعد على هذا المولود ، فنعمل
فيه
الحيلة عسى أن نظفر بهلاكه ، ونخمد نوره قبل إشراقه ، فلما قرء كتابها انتحب وبكى
بكاء شديدا ، ثم قال :
_________________
لا صبر لا صبر أضحى بعد معرفة
|
|
تعذو الجلادة كالمستضعف الوهن
|
إن كان حقا خروج الهاشمي دنا
|
|
فارحل بنفسك لا تبكي على اليمن
|
ثم اجعل القفر أوطانا تقيم بها
|
|
واعذعن الاهن ثم الدار والوطن
|
فالعيش في مهمه من غيرما جزع
|
|
أهنأ من العيش في ذل وفي حزن
|
قال
: ثم أخذ في اهبة السفر ، وخرج من ساعته إلى مكة ، وقال لقومه : إني
سائر إلى نارقد تأججت ، فإن أدركت إخمادها رجعت إليكم ، وإن كانت الاخرى فالسلام
مني عليكم ، فإني لاحق بالشام اقيم بها حتى أموت ، فلما وصل مكة أقبل إلى
سطيح رجال من قريش ، وفيهم أبوجهل وأخوه أبوالبختري وشيبة وعتيبة بن أبي معيط
والعاص بن وائل ، فقالوا : يا سطيح ما قدمت إلا لامر عظيم ، ألك حاجة فتضى؟ فقال
لهم : بورك فيكم ، ما لي يديكم حاجة ، فقالوا : له : تمضي معنا إلى منازلنا؟ فقال
: بل
أنزل عند من إليهم قصدت ، نحوهم أردت ، وبفنائهم أنخت ، وقد علمتم فضلي ، وقد
جئتكم احدثكم بما كان وما يكون إلهاما ألهمني الله بالصواب ، وأنطقني بالجواب ، فأين المتقدمون في العهد ومن لهم السابقة في الحمد والمجد؟ لقد أردت أفضل قريش
من بني عبدمناف ، فأنا لهم المبشر بالبشير النذير ، والقمر المستنير ، فقد قرب ما
ذكرته ، فأين عبدالمطلب وسلالته الاشبال ، فعظم ذلك على أبي جهل وتفرقوا
عنه يمينا وشمالا ، واتصل الخبر إلى بني عبد مناف ، فجمع أبوطالب إخوته : عبدالله
والعباس وحمزة وعبدالعزى ، وقال لهم : إن هذا القادم عليكم هو كاهن اليمن و
_________________
وسيدها ، وقد كان
قديما ورد على أبيكم وأخبره بمولود يخرج من ظهره ، مبارك في
عمره ، يملك الاقطار ، ويدعو إلى عبادة الملك الجبار ، فساروا إليه ، وقال لهم : انكروه أنسابكم ، ولا تعرفن
أحسابكم ، ثم إن أبا طالب سار في إخوته حتى
وردوا إليه ، وكان في ظل الكعبة جالسا ، والناس حوله ، فلما نظر إلهيم فرح بهم ، ثم دفع أبوطالب سيفه ورمحه إلى غلامه وقال
: هذه هدية مني إلى سطيح ، فإنه لواجب الحق علينا ، ثم انحرف إليه من قبل أن يخبره غلامه ، فلما وصل إليه
قال : حييت
بالكرامة ، وخلدت في النعمة ، فإنا قد أتيناك زائرين ، ولواجب حقك
غير منكرين
، فقال سطيح : خييتم بالسلام ، وأتحفتم بالانعام ، فمن أي العرب أنتم؟
فأراد أبوطالب أن يعلم مقدار علمه ، قال : نحن قوم من بني جمح ، فقال سطيح : ادن
مني
أيها الشيخ وضع يدك على وجهي ، فإن لي في ذلك حاجة ، فدنا منه ، ووضع يده على
وجهه ، فقال سطيح : وعلام الاسرار ، المحتجب عن الابصار ، الغافر للخطيئة ، وكاشف
البلية
إنك صاحب الذمم الرفيعة ، والاخلاق المرضية ، والمسلم إلى غلامي الهدية : قناة
خطية ، وصفيحة
هندية ، وإنكم لاشرف البرية ، وإن لك ولاخيك أشرف الذرية ، وإنك
ومن أتى معك من سلالة هاشم الاخيار ، وإنك لاشك عم نبي المختار ، المنعوت في الكتب
والاخبار ، فلا تكتم نسبك فإني عارف بنسبكم ، فتعجب أبوطالب من كلامه وقال له : يا شيخ لقد صدقت في المقال ، وأحسنت الخصال فنريد أن تخبرنا بما يكون في زماننا ، _________________
وما يجري علينا ، فقال
سطيح : والدائم الابد ، ورافع السمآء بلا عمد ، الواحد الاحد ، الفرد الصمد ، ليبعثن م نهذا وأشار إلى عبدالله عن قريب الامد ، نبي يهدي إلى
الرشد ، يدمر كل صنم ، ويهلك كل من لها عبد ، لا يرفع سيفه عن أحد ، يدعو إلى
عبادة
الله الاحد ، يعينه على ذلك معين ، هو ابن عمه له قرين ، صاحب صولات عظام ، وضربات
بالحسام ، أبوه لاشك هذا وأشار بيده إلى أبي طالب فقالوا له : يا شيخ نحب أن
تصف لنا هذا النبي ، وتبين لنا نعته ، فقال : اسمعوا مني كاملا صحيحا ، سيظهر منكم
عن قليل شخص نبيل ، وهو رسول الملك الجليل ، وإن لسان سطيح عنه لكليل ، وهو
رجل لا بالقصير اللاصق ، ولا بالطويل الشاهق ، حسن القامة ، مدور الهامة ، بين
كتفيه
علامة ، على رأسه عمامة ، تقوم له الدعامة
، إلى يوم القيامة ، ذلك والله سيد تهامة ، يزهر
وجهه في الدجى ، وإذا تبسم أشرقت الارض بالضيآء ، أحسن من مشى ، وأكرم من نشأ ، حلو الكلام ، طلق اللسان ، نقي زاهد ، خاشع عابد ، لا متجبر ولا ممتكبر ، إن نطق
أصاب ، وإن سئل أجاب ، طاهر الميلاد ، برئ من الفساد ، رحمة على العباد ، بالنور محفوف ، وبالمؤمنين
رؤف ، وعلى أصحابه عطوف ، اسمه في التوراة والانجيل معروف ، يجير الملهوف ، وبالكرامة
موصوف ، اسمه في السمآء أحمد ، وفي الارض محمد صلىاللهعليهوآله.
فقال له ابوطالب : يا سطيح هذا الشخص
الذي ذكرت أنه يعينه ، ويقاربه في
حسبه ونسبه انعته لنا كما نعت لنا هذا ، فقال : إنه همام ، وليث ضرغام ، وأسد
قمقام ، وقائد مقدام ، كثير الانتقام ، يسقى كأس الحمام ، عظيم الجولة ، شديد
الصولة ، كثير الذكر في الملا ، يكون لمحمد صلىاللهعليهوآله
وزيرا ، ويدعى بعد
موته أميرا ، اسمه في
التوراة برءيا ، وفي الانجيل إليا
، وعند قومه عليا ، ثم أمسك مليا كأنه قد سلب
عقله ، وهو متفكر في أمره
، والناس ينظرون إليه ، ثم التفت إلى أبي طالب وقال : _________________
أيها السيد رد يدك
على وجهي ثانية ، ففعل أبوطالب ، فلما حس
سطيح بيد أبي طالب
تنفس الصعدآء ، وأن كمدا
وقال : يا أبا طالب خذ بيد أخيك عبدالله
فقد ظهر
سعدكما ، فأبشرا بعلومجدكما ، فالغصنان من شجرتكما ، محمد لاخيك ، وعلي لك ، فبهت
أبوطالب من كلامه ، وشاع في قريش ما قاله سطيح ، فعند ذلك قال أبوجهل لعنه الله : معاشر
الناس من قريش ليس هذه
بأول حادثة نزلت بنا من بني هاشم ، فقد سمعتم من سطيح من
ظهور هذا الرجل النبي يفسد أدياننا ، ومن يشاركه من ولد أبي طالب ، فبيناهم كذلك
إذ جاء أبوطالب ووقف وسط الناس ونادى بأعلى صوته : يا معاشر قريس اصرفوا عن
قلوبكم الطيش ،
ولا تنكروا ما سمعتم ، فنحن بالقدمة أولى ، وعلى يدنا نبعت
زمزم ، والله ما سطيح بكاذب ، بل إنه
في كلامه لصائب ، وما نطق بكلمة إلا ظهر
برهانها ، أليس هو القائل لكم بأنه يطلع عليكم
سيف لا يترك منكم أحدا في بلد
اليمن ، فلم يكن إلا كرقدة النائم
، وإذا قد ظهر ما قال ، وعن قليل سيظهر ما ذكر
على رغم من يعاديه ، ثم إن أبا طالب أمر بسطيح أن يرفع إلى منزله فأكرمه وحباه
وقربه ، وخلع عليه وكساه ، وباتت مكة تموج تلك الليلة ، فلما برق الصباح فأول
_________________
من خرج إلى الابطح
أبوجهل ، ثم بعث عبيده إلى سادات قريش فقدموا عليه ، فلما ارتفع
النهار ضاق الابطح من كل جانب ، فقام أبوجهل ونادى : يا آل غالب ، يا آل طالب ، يا ذوي العلا
والمراتب ، أترضون لانفسكم أن ترموا بالمناكب ، كما ذكر أبوطالب؟
إن هذا من العجائب ، لنقل جلاميد الصفا إلى البحر الاقصى أيسر مما ذكر سطيح : أنه
سيظهر من بني عبد مناف نبي عن قليل ، يرمينا بالبوار والتنكيل ، تبا لكم إن كانت
أنفسكم بما ذكره راضية ، وإلى ما أخبر به واعية ، فإن رضيتم بذلك فمن الآن عليكم
مني السلام ، وأنا راحل عنكم خارج عن أرضكم ، فمجاورة الترك أحب إلي من المقام
عندكم ، ثم تركهم ومضى ، فضجت المحافل ، وبقي الابطح يموج بأهله ، فمضوا إليه
وقالوا
له : يا أبا الحكم أنت السيد فينا
، وإن رأينا رأيك ، وأمرنا إليك ، فقال : إني أرى
من الرأي أن نتحضروا منزل
أبي طالب ، وتخاطبوه في قول هذا الكاهن ، لئلا يكون سبب
العداوة بيننا وبينه ، فإما أن يسلم إلينا سطيحا ، أو يخرجه من أرضنا ، فإن أبى
كان
السيف أمضى ، والموت أقضى ، وأنشد شعرا :
لضرب عنقي بسيفي ، يا قوم عمدا بكفي
|
|
وقطع أحجار أرض ، إلى قرار بخسف
|
أولى وأهون عندي ، من
أن ارام بعسف
فلما بلغ أبا طالب مقالة أبي جهل جمع
إخوته وأقاربه وقال : تجللوا بالسلاح ، واستعدوا للكفاح
، وقال : إني أرى دماء قد غلت ، وآجالاً قد قربت ، ثم سار
_________________
حتى قدم الابطح ، فشخصت
إليهم الابصار ، وخرست الالسن ، وجلس كل قائم هيبة لابي
طالب ثم تحظى
القبائل ، حتى توسط الناس ، ثم رفع صوته وقال : يا سكان زمزم
والصفا ، وأبي قبيس وحرى ، من الثالب لبني عبدالمطلب منكم ، وإني اذكركم بهذا
اليوم العبوس
، الذي تقطع فيه الرؤوس ، ويكون بأيدينا هذه النفوس ، وإني قائل
لكم : وحق إله الحرم ، وبارئ النسم ، أني لاعلم عن قليل ليظهرن المنعت في التوراة
والانجيل الموصوف بالكرم والتفضيل ، الذي ليس له في عصره مثيل ، ولقد تواترت
الاخبار ، أنه يبعث في هذه الاعصار ، رسول الملك الجبار ، المتوج بالانوار ، ثم
قصد
الكعبة وأتى الناس ورائه إلا أبا جهل وحده ، وقد حلت به الذلة والصغار ، والذل
والانكسار ، فلما دنا أبوطالب من الكعبة قال : اللهم رب هذه الكعبة اليمانية ، والارض المدحية
، وعزا فوق عزنا بالنبي المشفع الذي بشر به سطيح فأظهر اللهم يا رب تبيانه ، وعجل
برهانه ، واصرف عناكيد المعاندين ، يا أرحم الرحمين.
ثم جلس أبوطالب والناس حوله فوثب إليه
منبه بن الحجاج وكان جسورا عليه ، فقام وتطاولت الناس تنظرما يقول له ، فنادى برفيع صوته : يا أبا طالب ظهرت عزتك ، وأنارت طلعتك ، وابتهج شكرك
بالكرم السني ، والشرف العلي ، وقد علمت رؤساؤكم
من القبائل وأهل النهى والفضائل ، أنكم أهل الشرف الاصيل ، وأنت سيد مطاع قاهر ، _________________
ولكن ليس لمثلك أن
يسمع ما قاله كاهن ، وأنت تعلم أنهم أوعية الشيطان ، يأتون بالكذب
والبهتان ، فلعلك أن تصيره
إلينا ولعله يظهر شيئا مما قاله ، فإن النبوة لها دلائل
وآثار ، لا تخفى على العاقل ، فأمر أبوطالب أن يحضر سطيح ، فلما وضعوه على الارض
نادى
سطيح : يا معاشر قريش لقد أكثرتم الاختلاف ، وزادت قلوبكم بالارتجاف ، بذيتم بألسنتكم
على آل عبد مناف ، تكذبونه فيما نطق ، وتلومونه إذا صدق ، وقد أرسلتم إلي تسألوني
عن الحال الظاهر ، وعن أمر النبي الطاهر ، صاحب البرهان ، وقاصم الاوثان ، ومذل
الكهان ، وأيم الله ما فرحنا بظهوره ، لان الكهانة عند ولادته تزول ، ولكني أقول :
إذا
كان ذلك فلا خير لسطيح في الحياة ، وعندها يتمني الوفاة ، فإنه قد قرب ، فأتوني
بامهاتكم ونسائكم لترون العجب العجيب ، الذي ليس فيه تكذيب ، حتى أوقفكم
هذه الساعة ، وأعرفكم أيتهن الحامل به ، فقالوا له : أتعلم الغيب؟ قال : لا ، ولكن
ل
صاحب من الجن يخبرني ويترق السمع ، ثم إن القوم افترقوا إلى منازلهم ، وأتوا
بنسائهم ، ولم تبق واحدة من النسآء إلا جاؤا بها ، فأقبل أبوطالب وقال لاخيه : أمسك زوجك ولا
تحضرها ، وأمسك هو زوجته فاطمة رضي الله عنها وأقبلت النسوان جمع ، فنظر إليهن ، ثم
قال اعزلوا النسآء عن الرجال ، ثم أمر النسآء أن يتقدمن إليه ، فجعل سطيح ينظر
إليهن
بعينه ولايتكلم ، قالوا له : خرس لسانك ، وخاب ظنك ، فقال : والله ما خاب ظني ، ورفع
رأسه
وطرفه إلى السمآء ، وقال : وحق الحرمين لقد تركتم من نسائكم اثنتين ، الواحدة منهن
الحامل
بالمولود الهادي إلى الرشاد محمد ، والاخرى ستحمل عن قريب ، وتلدغلاما أمينا يدعى
بأميرالمؤمنين ، وسيد الوصيين ، ووارث علوم الانبيآء والمرسلين ، فلما سمع العرب منه ذلك دهشوا
وخابوا ، وانطلق أبوطالب إلى منزله وعنده إخوته ، وأتى بزوجته فاطمة بنت أسد ، وآمنة
زوجة أخيه عبدالله ، فلما وصلتا بجمع الناس
من النسآء صاح سطيح بأعلى صوته
_________________
وجعل يبكى ويقول : يا
ذوي الشرف ، هذه والله الحاملة بالنبي المختار رسول الله (ص) ، فلما دنت آمنة منه قال لها : ألست حاملة؟ قالت : نعم ، فالتفت عند ذلك إلى قريش ، وقال الآن شهد قلبي ، وثبت لبني ، وصدقني صاحباي ، هذه سيدة نسآء العرب والعجم ، وهي الحامل بأفضل الامم ، ومبيد كل وثن وصنم ، يا ويح العرب منه ، قددنا ظهوره ، ولاح نوره ، وكأني
أرى من يخالفه قتيلا ، وفي التراب جديلا
، وطوبى لمن صدق
منكم بنبوته ، وآمن برسالته ، ثم طوبى له قد أخذ الارض ، ورجعت له بالامن طولها
والعرض
، ثم التفت إلى فاطمة وصاح صيحة ، وشهق شهقة ، وخر مغشيا عليه ، فلما
أفاق من غشيته انتحب وبكى ، وقال بأعلى صوته : هذه والله فاطمة بنت أسد ، ام
الامام
الذي يكسر الاصنام
، وهو الامير الذي ليس في عقله طيش ، قاتل الشجعان ، ومبيد
الاقران ، الفارس الكمي ، والضيغم القوي ، المسمى بأميرالمؤمنين علي ، ابن عم النبي
عليهما أفضل الصلاة والسلام ، آه ثم آه ، كم ترى عيني من بطل مكبوب. وفارس منهوب ،
فلما سمع قريش كلام سطيح وثبوا عليه بالسيوف ليقتلوه ، فمنعهم بنوهاشم وجميع قريش ، ونادى أبوجهل لعنه الله : افسحوا لي عن هذا الكاهن ، فلابد لنا من قتله حتى نشتفي
منه ، وإن حلتم دونه لاجعلن لكم الدمار ، ولاردنكم البوار فالتفت أبوطالب إليه
_________________
وقال له : ويحك يا
أخس العرب وأذلها ، إني أراك تحب فراق العشيرة ، مثلك من يتكلم
بهذا الكلام وأنت أخس اللئام
، ثم عاجله بضربة ، وحالوا بينه وبينه فلحقه بعض السيف
فشجه شجة موضحة
، وصار الدم يسيل على وجهه ، فنادى أبوجهل : يا آل المحافل ، ورؤساء القبائل ، أترضون أن تحملوا العار ، وترموا بالشنار ، اقتلوا سطيحا وآمنة
وفاطمة
بنت أسد وبني هاشم جميعا ، واخمدوا نارهم ، واطفؤا شرارهم ، فحمل قريش بأجمعهم على
سطيح ، ولم يكن لبني هاشم طاقة ، فالتجأت النسآء بالكعبة ، وثار الغبار ، وطار
الشرار ، وكثرت الزعقات
، وارتجت الارض بطولها والعرض.
ويروى عن آمنة ام النبي (ص) قالت : حين
ريأت السيوف قد دارت حولي ذهلت
في أمري ، والقوم يريدون قتلي ، فبينا أنا كذلك إذ اضطرب الجنين في بطني ، وسمعت
شيئا كالانين ، وإذا بالقوم قد صيح بهم صيحة من السمآء ، وصرخ بهم صارخ من الهوآء
، فذهلت العقول ، وسقطت الرجال والسنآء على الوجوه صرعى ، كأنهم موتى ، قالت : آمنة
: فرفعت بصري نحو السمآء فرأيت أبواب السمآء قد فتحت ، وإذا أنا بافرس في يده حربة
من نار ، ومن ينادي ويقول : لا سبيل لكم إلى رسول الملك الجليل ، وأنا أخوه جبرئيل
، قالت : فعند ذلك سكن قلبي ، ورجع إلي جناني ، وتحققت دلائل النبوة لولدي محمد صلىاللهعليهوآله ، ثم انصرفنا إلى منازلنا ، وأقبل أبوطالب آخذا بيد أخيه عبدالله ، وجلسا بفناء
الكعبة
يهنئان أنفسهما بما رزقا من الكرامة والنصر ، والقوم صرعى ، فلبثوا كذلك ثلاث
ساعات
منالنهار ، ثم قاموا كأنهم سكارى ، ثم تقدم منبه بن الحجاج ، ووقف إلى جانب
أبي طالب ، وقال : إنك لم تزل عاليا في المراتب ولمن ناواك غالبا لكن نريد منك أن
تصرف عنا سطيحا ، فإن كان ما تكلم به صحيحا فنحن أولى بأن نعاضده ، وأنشأ يقول :
أبا طالب إنا إليك عصابة
|
|
لنرجوك فارحم من أتى لك راجيا
|
ونحن فجيران لكم ومعاضد
|
|
على كل من أضحى وأمسى معاديا
|
_________________
أبا طالب حييت بالرشد والحبا
|
|
ووقيت ريب الدهر ما دمت باقيا
|
فإن كان رب العرش يرسل منكم
|
|
إلينا رسولا وهو للحق هاديا
|
فنحن لنرجو أحمدا في زماننا
|
|
نجالد عنه بالسيوف الاعاديا
|
أبا طالب فاصرف سطيحا فإنه
|
|
أتى منه آت بالاذى والد واهيا
|
ودع عنك حرب الاهل والطف تكرما
|
|
ولا تتركن الدم في الارض جاريا
|
فرق أبوطالب رحمة لقريش ، وقال : حبا
وكرامة ، سأصرفه عنكم إذا كرهتموه
ولكن سوف تعلمون صحة ما ذكرلكم ، ثم أمر بسطيح أن يحضر ، فلما حضر قال : أتدري
لماذا أحضرتك؟ فقال : نعم ، لقد سألوني
الخروج عن مكانهم
، والانتزاح عن
بلادهم ، وأنا عازم
، ثم قال : إذا ظهر فيكم البشير النذير فاقرأوه مني السلام الكثير ، وقولوا له : إن سطيحا أخبرنا بخروجك فكذبناه ، ومن جوارك طردناه ، وستأتيكم مبشرة
عندها من العلم أكثر مما عندي ، ولا شك أنها قد دخلت بلادكم ، وحلت بساحتكم ، ثم إن سطيحا عزم على الخروج ، ورفعوه على بعيره ، وأحاط به بنوهاشم ليود عوه ، فبينما
هم
كذلك إذ أشرفت راحلة تركض براكبها ، والغبار يطير من تحت أخفافها فنظر إليها
عمرو بن عامر وقال : يا سادات مكة أتتكم الداهية الدهيآء زرقاء اليمامة بنت مرهل ، كاهنة اليمامة ، فما استتم كلامه وإذا بها قد صارت في أوساطهم ، ونادت بأعلى صوتها
: _________________
يا معاشر قريش حييتم
بالاكثار ، وعمرت بكم الديار ، فإني فارقت أهلي وخرجت من
أوطاني ، وجعلت قصدي إليكم لاخبركم عن أشياء قد دنت وقربت ، وسوف يظهر في دياركم
عن قريب العجب العجيب ، فإن أذنتم لي بالنزول نزلت ، وإن أحببتم الرحيل رحلت ، ثم قالت شعرا :
إني لاعلم ما ياتي من العجب
|
|
بأرضكم هذه يا معشر العرب
|
لقد دنا وقت مبعوث لامته
|
|
محمد المصطفى المنعوت في الكتب
|
فعن قليل سيأتي وقت بعثته
|
|
يرمي معانده بالذل والحرب
|
يدعو إلى دين غير اللات مجتهدا
|
|
ولا يقول بأصنام ولا نصب
|
وقد أتيت لاخبركم ببينة
|
|
مما رأيت من الانوار والشهب
|
عما قليل ترى النيران مضرمة
|
|
ببطن مكة ترمي الجمع باللهب
|
فإن أذنتم وإلا رحت راجعة
|
|
وتندمون إذا ما جاء بالعطب
|
وآخر بذباب السيف يعضده
|
|
قرن يدانيه في الاحساب والنسب
|
فلما سمع قريش كلامها وشعرها أمروها
بالنزول ، فنزلت ، وقالوا : هل تنطق بما
نطق به سطيح أم لا ، فقال لها عتبة
: ما الذي راع سيدة اليمامة؟ هل لك من حاجة
فتقضى؟ فقالت : إني لست ذات فقر ولا إقلال ، ولا محتاجة ، إلى رفد ولا مال ، بل
جئتكم
ببشارة ابشركم ، وحذراحذركم ، وليست البشارة لي ، بل هي وبال علي ، فقال
عتبة : يا زرقاء وما هذا الكلام؟ أراك توعدين نفسك وإيانا بالبوار والدمار ، فقلت
: يا أبا الوليد ، ومن هو بالمرصاد ، ليخرجن من هذا الواد ، نبي يدعو إلى الرشاد ، وينهى
عن
_________________
الفساد ، نوره في وجهه يتردد ، واسمه محمد
عليه أفضل الصلاة والسلام ، كأني به عن قريب
يولد ، يساعده على ذلك مساعد ، ويعاضده معاضد ، يقاربه في الحسب ، ويدانيه في
النسب ، مبيد الاقران ، ومجدل الشجعان ، أسد ضرغام ، وسيف قصام ، جسور في الغمرات ، هزبر
في الفلوات ، له ساعد قوي ، وقلب جرئ ، واسمه أميرالمؤمنين علي ، ثم قالت : آه ثم
آه ، من
يوم سألقاه ، وأعظم
مصيبتاه ستكونن لي قصة عجيبة ، ومصيبة وأي مصيبة ، فلو أردت النجاة
سارعت إلى إجابته ، وتركت ما أنا عليه من مكائدته ، ولكن أرى خوض البحار ، والعرض
على النار أيسر من الذل
ولاصغار ، ولا أنا شارية
بعزي ذلا ، ولا بعلمي جهلا ، ثم أنشأت تقول :
ذوي القبائل والسادات ويحكم
|
|
إني أقول مقالا كالجلاميد
|
لو كنت من هاشم اؤ عبدالمطلب
|
|
أو عبد شمس ذوي الفخر الصناديد
|
أو من لوي سراة الناس كلهم
|
|
ذوي السماحة والافضال والجود
|
أو من بني نوفل أو من بني أسد
|
|
أو من بني زهرة الغر الاهاجيد
|
لكن أول من يحظى بصاحبكم
|
|
إذا جرى ماؤه في يابس العود
|
لكن أرى أجلي قد حان مدته
|
|
لما دنا مولد يا خير مولود
|
ثم قالت : هيهات ، لا جزع مما هوآت ، وخالق الشمس والقمر ، ومن إليه مصير
البشر ، لقد صدقكم سطيح الخبر ، فلما سمعوا ما قالت حاروا ، ثم نظرت إلى أبي طالب
وأخيه عبدالله ، وكانت عارفة بعبدالله قبل ذلك ، لانه كان مسافرا إلى نحو اليمن
قبل أن
_________________
يتزوج بآمنة بنت وهب
، وكان نور النبي صلىاللهعليهوآله
في وجهه ، وأن الزرقاء نظرت إليه وقد
نزل بقصر من قصور اليمامة ، وذهب أبوه عبدالمطلب في حاجة وتركه عند متاعه وسيفه
عند رأسه ، فنزلت الزرقاء مسرعة ، وفي يدها كيس من الورق ، فوثبت عليه ثم قالت
له : يا فتى حياك الله بالسلام ، وجللك بالانعام ، من أي العرب أنت؟ فما رأيت أحسن
منك وجها ، قال : أنا عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف ، سيد الاشراف ، ومطعم الاضياف ، سادات الحرم ، ومن لهم السابقة في القدم ، فقالت : فهل لك يا سيدي
من فرحتين عاجلتين؟ قال : وما هما؟ قالت : تجامعني الساعة ، وتأخذ هذه الدراهم ، وأبذل
لك مأة من الابل محملة تمرا وبسرا وسمنا ، فلما استتم كلامها قال : إليك عني ، فما
أقبح صورتك يا ويلك
، أما علمت أنا قوم لا نركب الآثام
، اذهبي ، وتناول سيفا
كان نده فانهزمت ورجعت خائبة ، فأقبل أبوه فوجده وسيفه مسلول وهو يقول شعرا :
أنرتكب الحرام بغير حل
|
|
ونحن ذووا المكارم في الانام
|
إذا ذكر الحرام فنحن قوم
|
|
جوارحنا تصان عن الحرام
|
فقال أبوه : يا ولدي ما جرى عليك بعدي؟ فأخبره بخبره ، ووصف له
صفاتها
فعرفها ، وقال له : يا بني هذه زرقاء اليمامة
، قد نظرت إلى النور الذى في وجهك
يلوح ، فعرفت أنه الشرف الوكيلد ، والعز الذى لا يبيد ، فأرادت أن تسلبه منك ، والحمد لله الذي عصمك عنها ، ثم رحل به إلى مكة ، وزوجه بآمنة بنت وهب ، فلما رأته
الزرقاء عرفته ، وعلمت أنه تزوج ، فقالت : ألست صاحبي باليمامة في يوم كذا؟ قال
لها :
_________________
نعم ، فلا أهلا بك
ولا سهلا ، يا ابنة اللخناء
، قالت : أين نور الذى كان في غرتك؟
قال : في بطن زوجتي آمنة بنت وهب ، قالت : لا شك أنها لذلك أهل ، ثم نادت برفيع
صوتها : يا ذوي العز والمراتب إن الوقت متقارب ، وإن الامر لواقع ، ما له من دافع
، فتفرقوا عني ، فقد جاء المسآء ، وفي الصباح يسمع مني الاخبار ، وأوقفكم على حقيقة
الآثار ، فتفرقوا عنها.
قال : فلما مضى من الليل شطره مضت إلى
سطيح ، وقد خرج من مكة فقالت له : ما ترى؟
قال : أرى العجب ، والوقت قد قرب ، وحدثها بما قد جرى من قريش ، قالت له : ما تشير
به
علي؟ قال لها : أما أنا فقد كبر سني ولو لاخيفة العار لامرت من يريحني منالحياة ، ولكني
سأذهب إلى الشام ، واقيم بها حتى يأتيني الحمام ، فإنه لا طاقة لي به ، فإنه المؤيد
المنصور ، ومن يعاديه مقهور ، قالت : يا سطيح وأين أعوانك؟ لم لا يساعدونك على هذا الامر ، و
يعينونك على هلاك آمنة قبل أن يخرج من الاحشاء؟ قال لها : يا زرقآء وهل يقدر أحد
أن يتعرض لآمنة ، فإن من تعرض لها عاجلة التدمير ، من اللطيف الخبير ، أما أنا
وأصحابي فلا نتعرض لها ، والآن أنصحك ، فإياك أن تصلي إلى آمنة ، فإن حافظها
رب السمآوات والارض ، فإن لم تقبلي ، نصيحتي فدعيني وما أنا عليه ، فلعلي أموت
الليلة أو غدا ، فلما سمعت مقالته أعرضت عنه ، وباتت ليلتها ساهرة ، فلما أصبح
الصباح
أقبلت إلى بني هاشم ، وقالت : أنعم الله لكم الصباح ، لقد أشرفت بكم المحافل ، ووفقتم ، إذ ظهر فيكم المنعوت في التوراة والانجيل والزبور والفرقان ، فياويل من يعاديه ، _________________
وطوبى لمن اتبعه ، فلم يبق أحد من بني هاشم إلا فرح بما
ذكرت الزرقاء ، ووعدوها
بخير ، فقالت لهم
: لست محتاجة إلى مال ولا رفاد ، ولكن ماجئت من الاقطار إلا لاخبركم
بحقيقة الاخبار
، فقال أبوطالب : قد وجب حقك علينا ، فهل لك من حاجة؟ قالت : نعم ، اريد أن تجمع بيني وبين آمنة حتى أتحقق ما اخبركم به ، قال : سمعا وطاعة ، فجاء بها إلى منزل آمنة ، فطرق الباب ، فقامت آمنة لفتح الباب فلاح من وجهها نور
ساطع ، وضيآء لامع فسقطت
الزرقاء حسدا ، وأظهرت تجلدا ، فلما دخلت المنزل
أتوها بطعام فلم تأكل ، وقالت : سوف يكون لمولود كم هذا عجب عجيب ، وسوف تسقط
الاصنام ، وتخمد الازلام ، وينزل على عبادها الدمار ، ويحل بهم البوار ، ثم إنها
خرجت من المنزل متفكرة في قتل آمنة ، وكيف تعمل الحيلة ، وجعلت تتردد إلى سطيح
وتطلب منه المساعدة ، فلم يلتفت إليها ولا إلى قولها ، فأقبلت حتى نزلت على امرأة
من
الخزرج اسمها تكنا
، وكانت ما شطة لآمنة ، فلما كان في بعض الليالي استيقظت تكنا
فرأت عند رأس الزرقاء شخصا يحدثها ، ويقول :
كاهنة اليمامة
|
|
جاءت بذي تهامة
|
_________________
ستدرك الندامة
|
|
إذا أتاها من له العمامة
|
فلما سمعت الزرقاء ذلك ، وثبت قائمة ، وقالت
له : لقد كنت صاحب الوفاء ، فلم
حبست نفسك عني هذه المدة ، فإني في هموم متواترات ، وأهوال وكربات ، فقال لها : يا ويلك يا زرقاء لقد نزل بنا أمر عظيم ، لقد كنا نصعد إلى السمآء السابعة ، ونسترق
السمع ، فلما كان في هذه الايام القليلة طردنا من السمآء ، وسمعنا مناديا ينادي في
السمآوات : إن الله قد أراد أن يظهر المكسر للاصنام ، ومظهر عبادة الرحمن ، فامتنعوا
جملة الشياطين من السمآء ، وتحدرت علينا ملائكة بأيديهم شهب من نار ، فسقطنا كأننا
جذوع النخل ، وقد جئتك لاحذرك ، فلما سمعت كلامه قالت له : انصرف عني ، فلابد
أن أجتهد غاية المجهود ، في قتل هذا المولود ، فراح عنها وهو يقول :
إني نصحتك بالنصيحة جاهدا
|
|
فخذي لنفسك واسمعي من ناصح
|
لا تطلبي أمرا عليك وباله
|
|
فلقد أتيتك باليقين الواضح
|
هيهات أن تصلى إلى ما تطلبي
|
|
من دون ذلك عظم أمر فادح
|
فالله ينصر عبده ورسوله
|
|
من شر ساحرة وخطب فاضح
|
عودي إلى أرض اليمامة واحذري
|
|
من شر يوم سوف يأتي كادح
|
ثم إنه طارعنها ، وتكنا تسمع ما جرى بينهما ، وكأنها لم تسمع
ما جرى ، _________________
فلما أصبحت جلست بين
يدي الزرقاء فقالت : ما لي أراك مغمومة؟ قالت لها : يا اختاه
إن الذي نزل بي من الهموم والغموم لخروجي من الاوطان ، وذهابي من البلدان ، وتشتتتي
في كل مكان ، وتفردي عن الخلان ، قالت لها : ولم ذلك؟ قالت لها : يا ويلك من حامل
مولود ، يدعو إلى
أكرم معبود ، يكسر الاصنام ، ويذل السحرة والكهان ، يخرب
الديار ، ولا يترك بملكة أحدا من ذوي الابصار ، وأنت تعلمين أن القعود على النار ، أيسر من الذل والصغار ، فلو وجدت من يساعدني على قتل آمنة بذلت له المنا ، وأعطيته
الغنا ، وعمدت إلى
كيس كان معها
فأفرغته بينيدي تكنا
، وكان ما لا جزيلا ، فلما نظرت تكنا
إلى المال لعب بقلبها ، وأخذ بعقلها
، وقالت لها : يا زرقاء لقد
ذكرت أمرا عظيما ، وخطبا جسيما ، والوصول إليه بعيد ، وإني ماشطة لجملة نساء
بني هاشم ، ولا يدخل عليهن غيري ، ولكن سوف افكر لك فيما ذكرت ، وكيف اجسر
على ما وصف ، والوصول إلى ما ذكرت ، قالت الزرقاء : إذا دخلت على آمنة وجلست عندها
فاقبضي على ذؤائبها ، واضربيها بهذا الخنجر ، فإنه مسموم ، فإذا اختلط الدم بالسم
هلكت ، فإذا وقع عليك تهمة ، أو وجب عليك دية فأنا أقوم بخلاصك ، وأدفع عنك عشر
ديات غير الذي دفعته إليك في وقتي هذا ، فما أنت قائلة؟ قالت : إني اجبتك ، لكن
اريد
منك اليلة بأن تشغلي بني هاشم عني ، قالت الزرقاء : إني هذه الساعة آمر عبيدي
أن يذبحوا الذبائح ، ويعملوا الخمور ، ويطرحوها في الجفان ، فإذا أكلوا وشربوا من
ذلك
ظفرت بحاجتك ، قالت لها تكنا
: الآن تمت الحيلة ، فافعلي ما ذكرت ، فصنعت
_________________
الزرقاء ما ذكرت ، وأمرت
عبيدها ينادون
في شوارع مكة أن
يجمعوا الناس ، فلم يبق أحد إلا وحضر وليمتها من أهل مكة ، فلما أكلوا وشربوا وعلمت أن القوم قد
خالط عقولهم الشراب أقبلت إلى تكنا وقالت : قومي إلى حاجتك ، فقامت تكنا و
جاءت بالخنجر ورشت في جوانبه السم ، ودخلت على آمنة فرحبت بها آمنة ، و
سألتها عن حالها ، وقالت : يا تكنا ماعودتيني بالجفآء فقالت : اشتغلت بهمي و
حزني ، ولو لا أياديكم الباسطة علينا لكنا بأقبح حال ، ولا أحد أعز علي منك ، هلمي يا بنية إلي
حتى ازينك ، فجائت آمنة وجلست بين يدي تكنا ، فلما فرغت
من تسريح شعرها عمدت إلى الخنجر وهمت أن تضربها به ، فحست تكنا كأن أحدا
قبض على قلبها
فغشى على بصرها ، وكأن ضاربا ضرب على يدها فسقط الخنجر من
يدها إلى الارض ، فصاحت : واحزناه ، فالتفتت آمنة إليها وإذا الخنجر قد سقط من
يدتكنا ، فصاحت آمنة فتبادرت النسوان إليها ، وقلن لها : مادهاك ؟ قالت : يا ويلكن
أما ترين ما جرى علي من تكنا ، ادت أن تقتلني بهذا الخنجر ، فقلت : يا تكنا ما
أصابك؟
ويلك تريدين أن تقتلي آمنة على أي جرم؟ فقالت : يا ويلكن قد أردت قتل آمنة ، و
الحمد لله الذي صرف عنها البلاء ، فقالت : الحمدلله على السلامة من كيدك يا تكنا ،
فقالت
لها النسآء : يا تكنا ما حملك على ذلك؟ قالت : لا تلوموني ، حملني طمع الدنيا الغرور ، ثم أخبرتهن بالقصة ، وقالت لهن : ويحكن دونكن الزرقاء اقتلنها قبل أن تفوتكن ، ثم سقطت ميتة ، فصاحت النسوان صيحة عالية ، فأقبل بنوهاشم إلى منزل آمنة ، فإذا
_________________
بتكنا ميتة ، وقد تجلل نور آمنة ، ونظروا إلى
الخنجر ، وحكوا
لهم القصة ، فخرج أبوطالب ينادي : أدركوا الزرقاء وقد وصلها الخبر ، فخرجت هاربة فتبعها الناس
من بني هاشم وغيرهم فلم يدركوها ولم يلحقوها ، فسمع أبوجهل ذلك فقال : وددت أنها
قتلت آمنة ، ولكن حاد عنها أجلها ، وأرجوا بسطيح أن يعمل أحسن مما عملت الزرقاء ، فلما سمع سطيح بخبر الزرقاء أمر غلمانه أن يحملوه على راحلته ، وسافر إلى الشام .
فلما ولد رسول الله (ص) لم يبق صنم إلا
سقط . وغارت
يحيرة ساوة ، وفاض
وادي سماوة ، وخمدت نيران فارس ، وارتج إيوان كسرى وهو جالس ، ووقع منه
أربع عشرة شرفة ، فلما أصبح كسرى نظر إلى ذلك وهاله ، فدعا بوزرائه وقال لهم : ما هذا الذي حدث في هذه البلاد؟ فهل عندكم من علم؟ فقال المؤبذان : أيها الملك
العظيم الشأن لقد رأيت إبلا صعابا تقودها ، خيل عراب ، وقد خاضت في الوادي ، وانتشرت
في البلاد ، وماذاك إلا لامر عظيم ، فبينما هم كذلك إذا ورد عليهم كتاب بخمود
النيران
كلها ، فزادهم هما وغما ، ثم أتاه بعد ذلك خبر البحيرة والوادي ، فأقبل على المؤبذان
فقال : إنا لا نعلم أحدا من العلمآء نسأله
عن ذلك ، فقال المؤبذان : إنا نكتب إلى
النعمان بن المنذر كتابا لعله يعرف أحدا يعلم ذلك ، فكتب إلى النعمان كتابا فأرسل
إليه
رجلا اسمه عبد المسيح ، وكان ابن اخت سطيح ، فقال له كسرى : هل عندك علم مما أريد
أن أسألك عنه؟ فقال : لا ، ولكن لي خال اسمه سطيح ، ويسكن في مشارف الشام ، يعرف
خبرك ، ويعرف ما تريد ، فقال له كسرى : اخرج إليه واسأله عما اريد أن أسألك عنه ، _________________
فإن أجاب عد إلي
بالجواب ، أجزل لك الجائزة والنوال ، ثم خرج عبد المسيح إلى أن
وصل إلى الشام ، فوجد سطيحا يجود بنفسه ، ويعالج سكرات الحمام ، فسلم عليه ، فلم
يرد عليهالسلام
، فلما كان بعد ساعة فتح عينيه وقال : جاء عبدالمسيح ، على جمل يسيح ، من
عند كسرى يصيح ، بلسان فصيح ، مرسولا إلى سطيح ، سيد بني غسان ، يسأل عن
ارتجاع
الايوان ، وخمود النيران ، ورؤيا المؤبذان ، كان إبلا صعابا تقودها خيل
عراب ، وقد قطعت الوادي ، وانتشرت في البلاد ، ذلك والله ما كنا نتوقع من خروج
السفاك ، ومالك الاملاك ، يا عبدالمسيح أقول لك : قولا صحيحا ، إذا فاض وادي
سماوة ، وغارت بحيرة ساوة ، فليست الشام لسطيح بشام ، تظهر الدلالات ويملك منهم
ملوك
على عدد الشرفات المتساقطات ، وكل ما هو آت آت ويكون الراحة لسطيح في الممات ، ثم صرخ صرخة ومات ، ثم إن عبدالمسيح خرج إلى كسرى فأخبره بما قاله سطيح ، فأعطاه وأنعم عليه لما اخبر بأن
يملك منهم أربعة عشر ملكا.
قال أبوالحسن البكري : حدثنا أشياخنا
وأسلافنا الرواة لهذا الحديث ، أنه لما
تتابعت أشهر آمنة سمعت مناديا
ينادي من السمآء : مضى لحبيب الله كذا وكذا ، و
كان تهتف بآمنة الهواتف في الليل والنهار ، وتخبر زوجها عبدالله بذلك ، فيقول لها
: اكتمي
أمرك عن كل أحد
، فلما مضى لها ستة أشهر لم تجد ثقلا
، ولما كان الشهر
_________________
السابع دعا
عبدالمطلب ولده عبدالله وقال : يا بني إنه قرب ولادة آمنة ، ونحن نريد أن
نعمل وليمة ، وليس عندنا شئ ، فامض إلى يثرب واشترلنا منها ما يصلح لذلك ، فخرج
عبدالله من وقته ، وسافر حتى وصل إلى يثرب ، وطرقته حوادث الزمان فمات بها ، ووصل خبره إلى مكة ، فعظم عليهم ذلك ، وبكى أهل مكة جميعا عليه ، واقيمت المآتم في
كل ناحية ، وناح عليه أبوه وآمنة وإخوته ، وكان مصابا هائلا فظيعا ، فلما كان
الشهر
التاسع أراد الله تعالى خروج النبي صلىاللهعليهوآله
وهي لم يظهر لها أثر الحمل ، ولا ما تعتاده النسآء ، وكانت تحدث نفسها كيف وضعي ، ولم يعلم بي أحد من قومي؟ وكانت دار آمنة
وحدها ، فبينما هي كذلك إذ سمعت وجبة
عظيمة ففزعت من ذلك ، فإذا قد دخل عليها
طير أبيض ، ومسح بجناحه على بطنها ، فزال عنها ما كانت تجده من الخوف ، فبينما هي
كذلك إذ دخل عليها نسوان طوال ، يفوح منهن رائحة المسك والعنبر ، وقد تنقبن
بأطمارهن
، وكانت من العبقري الاحمر ، وبأيديهن أكواب من البلور الابيض ، قالت آمنة : فقلن لي : اشربي يا آمنة من هذا الشراب ، فلما شربت أضاء نور وجهي ، و
علاه نور ساطع ، وضيآء لامع ، وجعلت أقول : من أين دخلن علي هذه النسوة ، وكنت
قد أغلقت الباب؟ فجعلت أنظر إليهن ولم أعرفهن ثم قلن : يا آمنة اشربي من هذا
الشراب ، وابشري بسيد الاولين والآخرين محمد المصطفى صلىاللهعليهوآله
، وسمعت قائلا
قول :
صلى الاله وكل عبد صالح
|
|
والطيبون على السراح الواضح
|
المصطفى خير الانام محمد
|
|
الطاهر العلم الضيآء اللائح
|
زين الانام المصطفى علم الهدى
|
|
الصادق البر التقي الناصح
|
صلى عليه الله ما هب الصبا
|
|
وتجاوبت ورق الحمام النائح
|
_________________
ثم قمن النسوة وخرجن ، فإذا أنا بأثواب
من الديباج قد نشرت بين السمآء
ولا أرض وسمعت قائلا يقول : خذوه وغيبوه عن أعين الناظرين والحاسدين ، فإنه
ولي رب العالمين
، قالت آمنة : فداخلني الجزع والفزع ، وإذا أنا بخفقان أجنحة
الملائكة ، وإذا بهاتف قد نزل ، وسمعت تسبيحا وتقديسا وأرياشا مختلفة هذا ولم يكن
في البيت أحد إلا أنا ، فبينما أنا أقول في نفسي : أنا نائمة أو يقظانة؟ إذ لمع
نور أضاء لاهل
السمآء والارض حتى شق سقف البيت ، وسمعت تسبيح الملائكة ، فبينما أنا متعجبة من
ذلك إذ وضعت ولدي محمدا صلىاللهعليهوآله
، فلما سقط إلي الارض سجد تلقاء الكعبة رافعا يديه
إلى السمآء كالمتضرع إلى ربه ، وسمعت من داخل البيت جلبة عظيمة ، وقائلا يقول
شعرا :
كم آية منأجله ظهرت فما
|
|
تخفى وزادت في الانام ظهورا
|
ورأته آمنة يسبح ساجدا
|
|
عند الولادة للسمآء مشيرا
|
قالت آمنة : وسمعت أصواتا مختلفة ، وإذا
بسحابة بيضآء قد نزلت على ولدي ، فأخذته وغيبته عني ، فلم أره فصحت خوفا على ولدي ، وإذا بقائل يقول لي : لا تخافي
، و
سمعت قائلا يقول : طوفوا بمحمد مشارق
الارض ومغاربها ، وبرها ، وبحرها ، ووعرها
، واعرضوه على الجن والانس ، ليعرفوا نعته ، قالت آمنة : كان ما بين غيبته ورجوعه
أسرع
من طرفة عين ، وإذا هو قد جاؤابه إلي وهو مدرج في ثوب أبيض من صوف ، وهو
قابض على مفاتيح ثلاثة ، ورجل قائم على رأسه وهو يقول : قبض محمد على مفاتيح النصر
، و
مفاتيح النبوة ، ومفاتيح الكعبة ، فبينا أنا كذلك وإذا أنا بسحابة اخرى أعظم من
الاولى ،
_________________
وسمعت منها تسبيحا وخفقان أجنحة الملائكة ، فنزلت وأخذت
ولدي فدمعت عيني ، ورجف قلبي ، وإذا أنا بقائل يقول : طوفوا بمحمد على مولد النبيين ، وأعرضوه على
سائر المرسلين ، واعطوه صفوة آدم عليهالسلام
، ورأفة نوح عليهالسلام
، وحلم إبراهيم عليهالسلام
، ولسان إسماعيل عليهالسلام
، وجمال يوسف عليهالسلام
، وصبر أيوب عليهالسلام
، وصوت داود
عليهالسلام
، وزهد يحي عليهالسلام
، وكرم عيسى عليهالسلام
، وشجاعة موسى عليهالسلام
، وأعطوه من أخلاق
الانبيآء ، قالت آمنة : ورأيته قابضا على حريرة بيضآء مطوية طيا شديدا ، والمآء
يخرج
منها ، وقائل يقول : قبض محمد على الدنيا بأسرها ، ولم يبق شيئا إلا وقد دخل في
قبضته ، قالت : فبينما أنا كذلك وإذا أنا بثلاثة نفر قد دخلوا علي والنور يظهر من وجوههم ، يكاد نورهم يخطف الابصار ، في يد أحدهم إبريق من فضة ، وفي يد آخر طست من زبرجد
أخضر ، فوضع الطست بين يديه وقال له : يا حبيب الله اقبض من حيث شئت ، قالت آمنة :
فنظرت إلى موضع قبضته ، فإذا هو قد قبض على وسطها ، قالت : فسمعت قائلا يقول : قبض محمد على الكعبة وما حولها ، ورأيت في يد الثالث حريرة مطوية ، وإذا بخاتم من
نور
يشرق كالشمس ، ثم حمل ولدي فناوله صاحب الطست ، وصب عليه الآخر من الابريق سبع
مرات ، ثم ختم بذلك الخاتم بين كتفيه ، ثم لفه تحت جناحه ، وغيبه عني ، وكان ذلك
رضوان خازن الجنان ، ثم أخرجه وتلكم في اذنه بكلام لا أفهمه ، ثم قبله ، وقال : أبشر
يا محمد فإنك سيد الاولين والآخرين ، وأنت الشفيع فيهم يوم الدين ، ثم خرجوا و
تركوه ، ثم رأيت ثلاثة أعلام منصوبة : واحد بالمشرق ، وواحد بالمغرب ، والثالث على
الكعبة
، وتلك الاعلام من النور
مثل قوس السحاب.
قالت آمنة : ثم رأيت بعد ذلك غمامة
بيضآء قد نزلت من السمآء على ولدي ، و
غيبته عني ساعة طويلة ، فلم أره ، فحن عليه قلبي ، وقد حيل بيني وبينه ، وكأني
نائمة
مما جرى عليه ، فبينا أنا كذلك وإذا بولدي قد ردوه علي ، وإذا به مكحول مقمط بقماط
_________________
من حرير الجنة ، تفوح
منه رائحة المسكم الاذفر.
قال عبدالمطلب : كنت في الساعة التي ولد
فيها رسول الله (ص) أطوف بالكعبة ، وإذا بالاصنام قد تساقطت وتناثرت ، والصنم الكبير سقط على وجهه ، وسمعت قائلا
يقول : الآن
آمنة قد ولدت رسول الله صلىاللهعليهوآله
، فلما رأيت ما حل بالاصنام تلجلج
لساني ، وتحير عقلي ، وخفق فؤادي حتى صرت لم أستطع الكلام ، فخرجت مسرعا اريد
باب بني شيبة ، وإذا الصفا والمروة يركضان بالنور فرحا ، ولم أزل مسرعا إلى أن
قربتت من
منزلة آمنة ، وإذا بغمامة بيضآء قد عمت منزلها ، فقربت من الباب وإذا روائح المسك
الاذفر
والندر والعنبر قد عبقت
بكل مكان حتى عمتني الرائحة ، فدخلت على آمنة وإذا بها
قاعدة ، وليس عليها أثر النفاس ، فقلت : أين مولودك اريد أن أنظر إليه؟ قالت : قد
حيل
بيني وبينه ، ولقد سمعت مناديا ينادي : لا تخافي على مولودك ، وسيرد عليك بعد
ثلاثة
أيام ، فسل
عبدالمطلب سيفه وقال اخرجي لي ولدي هذه الساعة وإلا علوتك به ، فقالت : إنهم قد دخلوا به هذه الدار ، قال عبدالمطلب : فهممت بالدخول إلى الدار إذ
برزلي
شخص من داخل الدار كأنه النخلة السحوق ، لم أر أهول منه ، وبيده سيف وقال لي : ارجع ليس لك إلى ذلك من سبيل ، ولا لغيرك حتى تنقضي زيارة الملائكة ، فخرجت خائفا
مما رأيت من الاهوال.
قال صاحب الحديث : بلغنا أن الساعة التي
ولد فيها رسول الله صلىاللهعليهوآله
طردت الشياطين
والمردة هار بين ، ومنهم من غمي عليه
، ومنهم من مات ، وأما سطيح ووشق
فماتا
في تلك الليلة ، وأما زرقآء اليمامة فإنها كانت جالسة مع خدمها وجواريها إذ صرخت
_________________
صرخة عظيمة وغشي
عليها ، فلما ، فلما أفاقت أنشأت تقول :
أما المحال فقد مضى لسبيله
|
|
ومضت كهانة معشر الكهان
|
جآء البشير فكيف لي بهلاكه
|
|
هيهات جآء الوحي بالاعلان
|
فلما تمت له ثلاثة أيام دخل عليه جده
عبدالمطلب فلما نظر إليه قبله ، وقال : الحمد لله الذي أخرجك إلينا ، حيث وعدنا
بقدومك ، فبعد هذا اليوم لا ابالي أصابني الموت
أم لا ، ثم دفعه إلى آمنة فجعل يهش
ويضحك لجده وامه ، كأنه ابن سنة ، قال
عبدالمطلب : يا آمنة احفظي ولدي هذا ، فسوف يكون له شأن عظيم ، وأقبل الناس من كل
فج عميق يهنؤن عبدالمطلب ، وجائت جملة النسآء إلى آمنة وقلن لها : لم لم ترسلي
إلينا؟
فهنؤنها بالمولود وقد عبقت بهن جمع رائحة المسك ، فكان يقول الرجل لزوجته : من أين
لك هذا؟ فتقول : هذا من طيب مولود آمنة ، فأقبلت القوابل ليقطعن سرته فوجدنه مقطوع
السرة ، فقلن لآمنة ك ما كفاك إنك وضعت به حتى قطعت سرته بنفسك؟ فقالت لهن : والله لم أره إلا على هذه الحالة
، فتعجبت القوابل من ذلك ، وكانت تأتيها القوابل
بعد ذل كو إذا به مكحولا ، مقموطا
، فيتعجبن منه ، فلما مضى له من الوضع سبعة أيام
أو لم عبدالمطلب وليمة عظيمة وذبح الاغنام ، ونحر الابل ، وأكل الناس ثلاثة أيام ،
ثم التمس له مرضعة تربيه
على عادة أهل مكة .
ايضاح
: الاطال جمع الطل بالتحريك ، وهو ما شخص
من آثار الدار. والهمام
_________________
بالضم وتخفيف الميم
: الملك العظيم الهمة. والضرغام بالكسر : الاسد. والقمقام بالفتح : السيد. والمقدام بالكسر : الرجل الكثير الاقدم على العدو. والحمام بالكسر : الموت.
والمناكب لعله من النكبة بمعنى المصيبة ، ويقال : كافحوهم : إذا استقبلوهم في
الحرب
بوجوهم ليس دونها ترس ولاغيره. والكمي : الشجاع. وذباب السيف بالضم : طرفه الذي
يضرب به. والقصم : الكسر. والهزبر بكسر الهآء وفتح الزرآء : الاسد. والجلاميد جمع
الجلمود وهو لاصخر. والسراة بالضم جمع سري وهو الشريف. قولها : من يحظى هو على
بنآء المجهول من الحظوة وهي القدر والمنزلة. وقال الجوهري : لخن السقآء بالكسر
أي أنتن ، ومنه قولهم : أمة لخنآء ، ويقال : اللخنآء : التي لم تختن انتهي. والورق
بالضم
جمع الاورق ، وهو الذي في لونه بياض إلى سواد. وفي القاموس : الند : طيب معروف أو
العنبر. والسحوق من النخل : الطويلة ، وغمي على المريض واغمي مضمومتين : غشي عليه
ثم أفاق.
تتمة
مفيدة : اعلم أن ظاهر أخبار المولد السعيد أن
الشهب لم تكن قبله ، وإنما
حدثت في هذا الوقت ، وهو خلاف المشهور ، ويمكن أن تكون كثرتها إنما حدثت عند
ذلك ، وكانت قبل ذلك نادرة.
قال الرازي في تفسير قوله سبحانه : (
فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا ) ما
ملخصه : فإن قيل : هذه الشهب كانت موجودة قبل المبعث ، لان جميع الفلاسفة تكلموا
في أسباب انقضاضها وقد جاء وصفها في شعر الجاهلية ، وقد روي عن ابن عباس أيضا ما
يدل
على كونها في الجاهلية ، فما معنى تخصيها بمبعثه صلىاللهعليهوآله؟
ثم أجاب بوجهين : الاول
أنها ما كانت قبل المبعث ، وهذا قول ابن عباس وابي بن كعب وجماعة ، وهؤلآء زعموا
أنه
كتب الاوائل قد توالت عليها التحريفات ، فلعل المتأخرين ألحقوا هذه المسألة طعنا
منهم في هذه المعزة ، وكذا الاشعار المنسوبة إلى أهل الجاهلية لعلها مختلقة عليهم
ومنحولة ، والخبر غير ثابت.
والثاني وهو الاقرب إلى لاصواب أنها
كانت موجوده إلا أنها زيدت بعد المبعث ،
وجعلت أكبر وأقوى
انتهى .
وأقول
: يحتمل وجه ثالث وهو أن تكون هذه موجودة قبل الاسلام بمدة ، ثم ارتفعت وزالت مدة مديدة ، ثم حدثت بعد الولادة أو البعثة ، ويؤيده ما روي عن
أبي
ابن كعب أنه قال : لم يرم بنجم منذ رفع عيسى عليهالسلام
حتى بعث رسول الله صلىاللهعليهوآله
، وسيأتي مزيد تحقيق في كتاب السمآء والعالم إن شاء الله تعالى.
( باب ٤ )
* ( منشأه ورضاعه وما ظهر من اعجازه عند ذلك ) *
* ( إلى نبوته صلىاللهعليهوآله ) *
١
ـ يج : روي أنه لما ولد النبي صلىاللهعليهوآله قدمت حليمة بنت أبي
ذؤيب في نسوة من
بني سعد بن بكر تلتمس الرضعآء بمكة ، قالت : فخرجت معهن على أتان ومعي زوجي ، ومعنا شارف لنا ما بيض
بقطرة من لبن ، ومعنا ولد ما نجد في ثديي ما نعلله به وما
نام ليلتا جوعا ، فلما قدمنا مكة لم تبق منا امرأة إلا عرض عليها محمد فكرهناه
فقلنا : يتيم ، وإنما يكرم الظئر
الوالد ، فكلصواحبي أخذن رضيعا ولم آخذ شيئا ، فلما
لم أجد غيره رجعت إليه فأخذته فأتيت به الرحل
فأمسيت وأقبل ثدياي باللبن حتى
أرويته وأرويت ولدي أيضا ، وقام زوجي إلى شارفنا تلك يلمسها بيده ، فإذا هي حافل ،
فحلبها وأرواني من لبنها ، وروى الغلمان ، فقال : يا حليمة لقد أصبنا نسمة مباركة
، فبتنا
بخير ورجعنا ، فركبت أتانى
ثم حملت محمدا معي ، فوالذي نفس حليمة بيده لقت طفت
بالركب حتى أن النسوة يقلن : يا حليمة امسكي علينا ، أهذه أتانك التي خرجت عليها؟
قلت : نعم ، ما شأنها؟ قلن : حملت غلاما مباركا ، ويزيدنا الله كل يوم وليلة خيرا
، والبلاد
_________________
قحط ، والرعاة
يسرحون ، ثم يريحون ، فتروح أغنام بني سعد جياعا ، وتروح غنمي شباعا
بطانا حفلاء فتحلب وتشرب .
بيان : الشارف : السمنة من النوق. قوله
: ما بيض أي الاناء ، قال الجوهري : بيضت الاناء : أي ملاته من الماء ، أو اللبن ، والاصوب أنه ما تبض بالتآء ، ثم الباء
التحتانية الموحدة المكسورة ، ثم الضاد المشددة ، قال الجزري : فيه ما تبض ببلال
أي ما
يقطر منها لبن ، يقال : بض الماء : إذا قطر وسال ، وقال الجوهري : ضرع حافل ، أي
ممتلئ لبنا.
٢ ـ قب
: ذكرت حليمة بنت أبي ذؤيب عبدالله بن الحارث
من مضر زوجة الحارث
ابن عبدالعزى
المضري أن البوادي أجدبت ، وحملنا الجهد على دخول البلد ، فدخلت
مكة ، ونسآء بني سعد قد سبقن إلى مراضعهن ، فسألت مرضعا فدلوني على عبدالمطلب ، وذكر أن له مولودا يحتاج إلى مرضع له ، فأتيت إليه فقال : يا هذه عندي بني لي يتيم
اسمه محمد ، فحملته ففتح عينيه لينظر إلي بهما فسطع منهما نور ، فشرب من ثديي
الايمن
ساعة ، ولم يرغب في الايسر أصلا ، واستعمل في رضاعه عدلا ، فناصف فيه شريكه ، واختار اليمين اليمين ، وكان ابني لا يشرب حتى يشرب رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فحملته على
الاتان وكانت قد ضعفت عند قدومي مكة فجعلت تبادر سائر الحمر إسراعا قوة ونشاطا ، واستقبلت الكعبة وسجدت لها ثلاث مرات ، وقالت : برئت من مرضي ، وسلمت من غشي
وعلي سيد المرسلين ، وخاتم النبيين وخير الاولين والآخرين ، فكان الناس يتعجبون
منها ومن سمني وبرئي ودر لبني ، فلما انتهينا إلى غار خرج رجل يتلالؤ نوره إلى
عنان
السمآء وسلم عليه ، وقال : إن الله تعالى وكلني برعايته ، وقابلنا ظبأ وقلن : يا
حليمة
_________________
لا تعرفين من تربين
هو أطيب الطيبين ، وأطهر الطاهرين ، وما علونا تلعة ولا هبطنا
واديا إلا سلموا عليه ، فعرفت
البركة والزيادة في معاشنا ورياشنا حتى أثرينا وكثرت
مواشينا وأموالنا ، ولم يحدث في ثيابه ، ولم تبدعورته ، ولم يحتج في يوم إلاّ مرّة
، وكان
مسرورا مختونا ، وكنت أرى شابا على فراشه يعدله ثيابه ، فربيته خمس سنين ويومين ، فقال
لي يوما : أين يذهب إخواني كل يوم؟ قلت : يرعون غنما فقال : إنني اليوم اوافقهم ، فلما ذهب معهم أخذه ملائكة وعلوه على قلة جبل ، وقاموا بغسله وتنظيفه ، فأتاني
ابني
وقال : ادركي محمدا فإنه قد سلب ، فأتيته فإذا هو بنور يسطع في السمآء فقبلته فقلت
: ما أصابك؟ قال : لاحزني إن الله معنا ، وقص عليها قصته ، فانتشر منه فوح مسك
أذفر ، وقال الناس : غلبت عليه الشياطين ، وهو يقول : ما أصابني شئ ، وما علي من
بأس ، فرآه كاهن وصاح وقال : هذا الذي يقهر الملوك ، ويفرق العرب .
ايضاح
: قوله : واختار اليمين ، أي صاحب اليمن والبركة ، والغث : المهزول ، والمراد هنا المصدر ، ويقال : أثرى الرجل : إذا كثرت أمواله.
٣ ـ قب
: روي عن حليمة أنه جلس محمد وهو ابن ثلاثة أشهر ، ولعب مع الصبيان
وهو ابن تسعة ، وطلب مني أن يسير مع الغنم يرعى وهو ابن عشرة ، وناضل الغلمان
بالنبل وهو ابن خمشة عشر ، وصارع الغلمان وهو ابن ثلاثين ، ثم رددته إلى جده.
ابن عباس : إنه كان يقرب إلى الصبيان
تصبيحهم فيخلسون
ويكف ، ويصبح
الصبيان غمصا رمصا ، ويصبح صقيلا دهينا ، ونادى شيخ على الكعبة : يا عبدالمطلب إن
حليمة امرأة عربية ، وقد فقدت ابنا
اسمه محمد ، فغضب عبدالمطلب وكان إذا غضب خاف
_________________
الناس منه ، فنادى :
يا بني هاشم ، ويا بني غالب اركبوا فقد محمد ، وحلف أن لا أنزل حتى
أجد محمدا ، أو أقتل ألف أعرابي ومأة قرشي ، وكان يطوف حول الكعبة ، وينشد أشعارا
منها :
يا رب رد راكبي محمدا
|
|
رد إلي واتخذ عندي يدا
|
يا رب إن محمدا لن يوجدا
|
|
تصبح قريش كلهم مبددا
|
فسمع نداء : إن الله لا يضيع محمدا ، فقال
: أين هو؟ قال : في وادي فلان ، تحت
شجرة ام غيلان ، قال ابن مسعود
: فأتينا الوادي فرأيناه يأكل الرطب من ام
غيلان ، وحوله شابان ، فلما قربنا منه ذهب الشابان وكانا جبرئيل وميكائيل عليهماالسلام ، فسألناه من أنت؟ وماذا تصنع؟ قال : أنا بن عبدالله بن عبدالمطلب ، فحمله عبدالمطلب
على
عنقه وطاف به حول الكعبة ، وكانت النسآء اجتمعن عند آمنة على مصيبته ، فلما رآها
تمسك بها ، وما التفت إلى أحد.
وكان عبدالمطلب أرسل رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى رعاته في إبل
قد ندت له
يجمعها ، فلما أبطأ عليه نفذ ورائه في كل طريق وكل شعب ، وأخذ بحلقة باب الكعبة
وهو يقول : يا رب إن تهلك
آلك ، إن تفعل فأمر ما بدا لك ، فجاء رسول الله صلىاللهعليهوآله
بالابل ، فلما رآه أخذه فقبله ، فقال : بأبي لاوجهتك بعد هذا في شئ ، فإني أخاف
أن تغتال فتقتل .
بيان : قال الجزري : في حديث المولد أنه
كان يتيما في حجر أبي طالب ، وكان
يقرب إلى الصبيان تصبيحهم فيختلسون ويكف ، أي غدائهم ، وهو اسم على تفعيل كالترغيب
_________________
والتنوير ، وقال : في
حديث ابن عباس كان الصبيان غمصا رمصا ، ويصبح رسول الله صقيلا
دهينا ، يقال : غمصت
عينيه مثل رمصت ، يقال : غمصت العين ورمصت من الغمص
والرمص ، وهو البياض الذي يجمع في زوايا الاجفان ، فالرمص : الرطب ، والغمص : اليابس
، والغمص والرمص جمع أغمص وأرمص ، وانتصبا على الحال لا على الخبر ، لان أصبح تامة
وهي بمعنى الدخول في الصباح ، قاله الزمخشري.
٤ ـ قب
: عن ابن عباس قال : قال أبوطالب لاخيه : يا عباس اخبرك عن محمد أني
ضممته فلم افارقه ساعة من ليل أو نهار ، فلم أئتمن أحدا حتى نومته في فراشي ، فأمرته
أن يخلع ثيابه وينام معي ، فرأيت في وجهه الكراهية ، فقال : يا عماه اصرف بوجهك
عني حتى أخلع ثيابي وأدخل فراشي ، فقلت له : ولم ذاك؟ فقال : لا ينبغي لاحد أن
ينظر إلى جسدي ، فتعجبت من قوله وصرفت بصري عنه حتى دخل فراشه ، فإذا دخلت
أنا الفراش إذا بيني وبينه ثوب ، والله ما أدخلته في فراشي ، فأمسه فإذا هو ألين
ثوب ، ثم شممته كأنه غمس في مسك ، وكنت إذا أصبحت فقدت الثوب ، فكان هذا دأبي ودأبه ، وكنت كثيرا ما أفتقده في فراشي ، فإذا قمت لاطلبه بادرني من فراشي ، ها أناذا يا
عم
فارجع إلى مكانك.
وكان النبي (ص) يأتي زمزم فيشرب منها
شربة ، فربما عرض عليه أبوطالب الغداء
فيقولك لا اريده أنا شعبان.
وكان أبوطالب إذا أراد أن يعشي أولاده
أو يغديهم يقول : كما أنتم حتى يحضر
ابني ، فيأتي رسول الله فيأكل معهم فيبقى الطعام .
٥ ـ قب
: القاضي المعتمد في تفسيره قال أبوطالب : لقد كنت كثيرا ما أسمع منه
إذا ذهب من الليل كلاما يعجبني ، وكنا لا نسمي على الطعام ولا على الشراب حتى
سمعته يقول : بسم الله الاحد ، ثم يأكل ، فإذا فرغ من طعامه قال : الحمد لله كثيرا
، _________________
فتعجبت منه ، وكنت
ربما أتيت غفلة فأرى من لدن رأسه نورا ممدودا قد بلغ السمآء ، ثم لم أرمنه كذبة قط ، ولا جاهلية قط ، ولا رأيته يضحك في موضع الضحك ، ولا
وقف مع صبيان في لعب ، ولا التفت إليهم ، وكان الوحدة أحب إليه والتواضع.
وكان النبي ابن سبع سنين فقالت اليهود :
وجدنا في كتبنا أن محمدا يجنبه ربه من
الحرام والشبهات فجربوره ، فقدموا إلى أبي طالب دجاجة مسمنة ، فكانت قريش يأكلون
منها ، والرسول تعديل يده عنها ، فقالوا : مالك؟ قال : أراها حراما يصونني ربي
عنها ، فقالوا : هي حلال فنلقمك ، قال : فافعلوا إن قدرتم ، فكانت أيديهم يعدل بها إلى
الجهات ، فجاؤه بدجاجة اخرى قد أخذوها لجار لهم غائب على أن يؤدوا ثمنها إذا جاء ، فتناول
منها لقمة فسقطت من يده ، فقال عليهالسلام
: وما أراها إلا من شبهة يصونني ربي عنها ، فقالوا : ناقمك منها ، فكلما تناولوا منها ثقلت في أيديهم ، فقالوا : لهذا شأن عظيم.
ولما ظهر أمره (ص) عاداه أبوجهل ، وجمع
صبيان بني مخزوم وقال : أنا أميركم ، وانعقد صبيان بني هاشم وبني عبدالمطلب على النبي وقالوا : أنت الامير ، قالت ام
علي عليهالسلام
: وكان في صحن داري شجرة قد يبست وخاست ، ولها زمان يابسة ، فأتى النبي صلىاللهعليهوآله يوما
إلى الشجرة فمسها بكفه فصارت من وقتها وساعتها خضرآء ، وحملت الرطب ، فكنت في
كل يوم أجمع له الرطب في دوخلة ، فإذا كانت وقت ضاحي النهار يدخل يقول : يا اماه
أعطيني ديوان العسكر ، وكان يأخذ الدوخلة ثم يخرج ويقسم الرطب على صبيان
بني هاشم ، فلما كان بعض الايام دخل وقال : يا اماه أعطيني ديوان العسكر ، فقلت : يا ولدي اعلم أن النخلة ما اعطتنا اليوم شيئا ، قالت : فوحق نور وجهه لقد رأيته
وقد
تقدم نحو النخله وتكلم بكلمات وإذا بالنخلة قد أنحنت حتى صار راسها عنده ، فأخذ من
الرطب ما أراد ، ثم عادت النخلة إلى ما كانت ، فمن ذلك اليوم قلت : اللهم رب
السمآء
ارزقني ولدا ذكرا يكون أخا لمحمد ، ففي تلك الليلة واقعني أبوطالب فحملت بعلي بن
أبي طالب فرزقته ، فما كان يقرب صنما ولا يسجد لوثن ، كل ذلاك ببركة محمد صلىاللهعليهوآله .
_________________
بيان
: خلست أي لم تثمر ، من قولهم : خاس بوعده : إذا أخلفه ، أو فسدت من
قولهم : خاس الشئ : إذا فسد. والدوخلة : بالتشديد كازنبيل يعمل من الخوص.
والقصوصرة : يترك فيها التمر وغيره ، وفي الخبر غرابة من جهة أن الحمل
بأميرالمؤمنين عليهالسلام
إنما كان بعد ثلاثين من سنه صلىاللهعليهوآله
، ويظهر منه أنه كان في صباه.
٦ ـ قب
: كتاب العروس وتاريخ الطبري إنه أرضعته ثويبة مولاة أبي لهب بلبن
ابنها مسروح أياما ، وتوفيت مسلمة سنة سبع من الهجرة ، ومات ابنها قبلها ، ثم
أرضعته
حليمة السعدية فلبث فيهم خمس سنين وكانت أرضعت قبله حمزة وبعده أبا سلمة المخزومي
، وخرج مع أبي طالب في تجارته وهو ابن تسع سنين ، ويقال : ابن اثنتى عشرة سنة ، وخرج
إلى الشام في تجارة لخديجة وله خمس وعشرون سنة .
٧ ـ كا
: محمد بن يحي ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن النعمان ، عن سعيد بن عبدالله
الاعرج ، عن أبي عبدالله عليهالسلام
قال : إن قريشا في الجاهلية هدموا البيت ، فلما أرادوا
بنائه حيل بينهم وبينه ، والقي في روعهم
حتى قال قائل منهم : ليأتي كل رجل منكم
بأطيب ماله ، ولا تأتوا بمال اكسبتموه من قطيعة رحم ، أو حرام ، ففعلوا فخلى بينهم
وبين بنائه ، فبنوه حتى انتهوا إلى موضع الحجر الاسود فتشاجروا فيهم أيهم يضع
الحجر
الاسود في موضعة ، حتى كاد أن يكون بينهم شر ، فحكموا أول من يدخل من باب
المسجد ، فدخل رسول الله صلىاللهعليهوآله
، فلما أتاهم أمر بثوب فبسط ثم وضع الحجر في
وسطه ، ثم أخذت القبائل بجوانب الثوب فرفعوه ، ثم تناوله صلىاللهعليهوآله فوضعه في موضعه ، فضحه الله به .
٨ ـ كا
: علي بن إبراهيم وغيره بأسانيد مختلفة رفعوه قالوا : إنما هدمت قريش
_________________
الكعبة لان السيل
كان يأتيهم من أعلى مكة فيدخلها فانصدعت ، وسرق من الكعبة غزال
من ذهب رجلاه جوهر
، وكان حائطها
قصيرا ، وكان ذلك قبل مبعث النبي صلىاللهعليهوآله
بثلاثين سنة ، فأرادت قريش أن يهدموا الكعبة ويبنوها ويزيدوا في عرصتها ، ثم
أشفقوا من
ذلك وخافوا إن وضعوا فيها المعاول أن تنزل عليهم عقوبة ، فقال الوليد بن المغيرة :
دعوني
أبدأ فإن كان لله رضى لم يصبني شئ
، وإن كان غير ذلك كففت
، فصعد على الكعبة ، وحرك منها حجرا ، فخرجت عليه حية ، وانكسفت الشمس ، فلما رأوا ذلك بكوا و
تضرعوا وقالوا : اللهم إنا لا نريد إلا الصلاح ، فغابت عنهم الحية فهدموه ونحوا
حجارته
حوله حتى بلغوا القواعد التي وضعها إبراهيم عليهالسلام
، فلما أرادوا أن يزيدوا في عرصته
وحركوا القواعد التي وضعها إبراهيم عليهالسلام
أصابتهم زلزلة شديدة وظلمة فكفوا عنه ، وكان بنيان إبراهيم عليهالسلام
الطول ثلاثون ذراعا ، والعرض اثنان وعشرون ذراعا ، والسمك
تسعة أذرع ، فقالت قريش : نزيد في سمكها ، فبنوها فلما بلغ البنآء إلى موضع الحجر
الاسود تشاجرت قريش في وضعه ، قال
كل قبيلة : نحن أولى به ، ونحن نضعه ، فلما
كثربينهم تراضوا بقضآء من يدخل من باب بني شيبة ، فطلع رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقالوا : هذا الامين قد جاء فحكموه ، فبسط ردائه وقال بعضهم : كساء طاروني كان له ووضع
الحجر فيه ، ثم قال : يأتي من كل ربع من قريش رجل ، فكانوا عتبة بن ربيعة من عبد
شمس ، والاسود بن المطلب من بني أسد بن عبدالعزى ، وأبوحذيفة بن المغية من بني
مخزوم ، وقيس بن عدي من بني سهم فرفعوه ، ووضعه النبي صلىاللهعليهوآله في موضعه ، وقد كان
بعث ملك الروم بسفينة فيها سقوف وآلات وخشب وقوم من الفعلة إلى الحبشة ليبنى له
_________________
هناك بيعة فطرحتها
الريح إلى ساحل الشريعة فبطحت ، فبلغ قريشا خبرها فخرجوا
إلى الساحل فوجدوا ما يصلح للكعبة من خشب وزينة وغير ذلك فابتاعوه وصاروا به إلى
إلى مكة ، فوافق ذلك ذرع الخشب البنآء
ما خلا الحجر ، فلما بنوها كسوها الوصائل
وهي الاردية .
بيان
: الطاروني : ضرب من الخز. والربع : المحلة
، ويحتمل الضم. قوله
عليهالسلام
: فبطحت على بناء المجهول ، أي انقلبت ، يقال : بطحه ، أي ألقاه على وجهه ، وقوله
: ذرع الخشب بيان لقوله : ذلك ، والبنآء مفعول وافق ، وقوله : ما خلا الحجر ، ولعل
المراد
به الاحجار المنصوبة في ظاهر البيت ، أي كان طول الخشب موافقا لطول بنآء البيت إلا
بقدر الحجر المنصوب في الجانبين ، لئلا تظهر رؤوس الاخشاب من خارج ، ويحتمل على
بعد أن يقرء الحجر بالكسر ، أى لم يكن حجر إسماعيل داخلا في طول الخشب. وقال
الجوهري : الوصائل : ثياب مخططة يمانية ، وفي بعض النسخ بالدال ، أي الثياب
المنسوجة.
قال في القاموس : الوصد محركة : الانسج ، والاول أظهر.
٩ ـ كا
: علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد
بن محمد بن أبي نصر ، عن داود بن سرحان ، عن أبي عبدالله عليهالسلام
قال : إن رسول الله صلىاللهعليهوآله
ساهم قريشا في بنآء البيت ، فصار لرسول الله
من باب الكعبة إلى النصف ما بين الركن اليماني إلى الحجر الاسود.
وفي رواية اخرى : كان لبني هاشم من
الحجر الاسود إلي الركن الشامي .
بيان : قوله عليهالسلام : ما بين الركن
اليماني ، أي إلى منتصف الضلع الذي بين
الركن اليماني والحجر ، والرواية الاخرى تنافي ذلك ، إذ لو كان المراد جميع بني
هاشم فكان ينبغي أن يدخل فيه جميع ما كان للنبي (ص) مع أنه لا يدخل فيه إلا ما
_________________
كان منه بين الحجر
والباب ، وإن كان المراد سائر بني هاشم غيره صلىاللهعليهوآله
فكان ينبغي أن
لا يدخل فيه مابين الحجر إلى الباب إلا أن يتكلف بأنهم كانوا أشركوه مع بني هاشم
في هذا الضلع ، وخصوه من الضلع الآخر بالنصف ، فجعل بنو هاشم له صلىاللهعليهوآله فكان ينبغي أن
لا يدخل فيه ما بين الحجر إلى الباب إلا أن يتكلف بأنهم كانوا أشركوهمع بني هاشم
في هذا الضلع ، وخصوه من الضلع الآخر بالنصف ، فجعل بنو هاشم له صلىاللهعليهوآله ما بين
الحجر والباب ، وفي بعض النسخ بدل الشامي اليماني ، والاشكال والتوجيه
مشتركان.
١٠ ـ كا
: محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي
عبيدة قال : سمعت أبا عبدالله عليهالسلام
يقول : لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا
على امتها من الرضاعة ، وقال : إن عليا عليهالسلام
ذكر لرسول الله صلىاللهعليهوآله
ابنة حمزة ، فقال
رسول الله صلىاللهعليهوآله
: أما علمت أنها ابنة أخي من الرضاعة ، وكان رسول الله (ص) وعمه
حمزة عليهالسلام
قد رضعا
من امرأة .
١١ ـ كا
: محمد بن يحيى ، عن سعد بن عبدالله ، عن إبراهيم بن محمد الثقفي ، عن علي بن
المعلى ، عن أخيه محمد ، عن درست بن أبي منصور ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير
، عن أبي عبدالله عليهالسلام
قال : لما ولد النبي صلىاللهعليهوآله
مكث أياما ليس له لبن ، فألقاه أبوطالب
على ثدي نفسه ، فأنزل الله فيه لبنا فرضع منه أياما حتى وقع أبوطالب على حليمة
السعدية فدفعه إليها .
قب
: عنه عليهالسلام
مثله .
١٢ ـ د
: قالت حليمة السعدية : كانت في بني سعد شجرة يابسة ما حملت قط ، فنزلنا
يوما عندها ورسول الله صلىاللهعليهوآله
في حجري فما قمت حتى اخضرت وأثمرت ببركة منه ، وما
أعلم أني جلست موضعا قط إلا كان له أثر ، إما نبات ، وإما خصب ، ولقد دخلت على
_________________
امرأة من بني سعد
يقال لها : أم مسكين وكانت سيئة الحال ، فحملته فأدخلته منزلها ، فإذا هي قد أخصبت وحسن حالها ، فكانت تجئ كل يوم فتقبل رأسه.
قالت حليمة : ما نظرت في وجه رسول الله
(ص) وهو نائم إلا ورأيت عينيه مفتوحتين
كأنه يضحك ، وكان لا يصيبه حر ولا برد.
قالت حليمة : ما تمنيت شيئا قط في منزلي
إلا اعطيته من الغد ، ولقد أخذ ذئب
عنيزة لي فتد اخلنى من ذلك حزن شديد ، فرأيت النبي صلىاللهعليهوآله
رافعا رأسه إلى السمآء ، فما شعرت إلا والذئب والعنيزة على ظهره قدردها علي ما عقر منها شيئا.
قالت حليمة : ما أخرجته قط في شمس إلا
وسحابة تظله ، ولا في مطر إلا وسحابة
تكنه من المطر.
قالت حليمة : فما زال من خيمتي نور
ممدود بين السمآء والارض ، ولقد كان الناس
بصيبهم الحر والبرد فما أصابني حر ولا برد منذ كان عندي ، ولقد هممت يوما أن أغسل
رأسه فجئته وقد غسل رأسه ودهن وطيب ، وما غسلت له ثوبا قط ، وكلما هممت بغسل
ثوبه سبقت إليه فوجدت عليه ثوبا غيره جديدا.
قالت : ما كنت أخرج لمحمد ثديي إلا وسمعت
له نغمة ، ولا شر قط إلا وسمعته
ينطق بشئ ، فتعجبت منه حتى إذا نطق وعقد كان يقول : بسم الله رب محمد إذا أكل ، و
في آخر ما يفرغ من أكله وشربه يقول : الحمد لله رب محمد .
١٣ ـ يل
: قال الواقدي : فلما أتى على رسول الله (ص) أربعة أشهر ماتت امه
آمنة رضي الله عنها ، فبقي (ص) بلا أب ولا ام ، وهو من أبناء أربعة أشهر ، فبقي
يتيما في
حجر جده عبدالمطلب ، فاشتد عليه
موت آمنة ليتم محمد (ص) ، ولم يأكل ولم يشرب
ثلاثة ايام ، فبعث عبدالمطلب إلى بنيته ، عاتكة وصفية وقال لهما : خذ محمدا صلىاللهعليهوآله ، _________________
والنبي (ص) لا يزداد
إلا بكاء ولا يسكن ، وكانت عاتكة تلعقه
عسلا صافيا مع الثريد ، وهو لا يزداد إلا تماديا في البكاء.
قال الواقدي : فضجر عبدالمطلب فقال لعاتكة : فلعله يقبل ثدي واحدة
منهن
ويرضعن ولدي وقرة عيني فبعثت عاتكة بالجواري والعبيد نحو نسآء بني هاشم وقريش
ودعتهن
إلى رضاع النبي صلىاللهعليهوآله
، فجئن إلى عاتكة واجتمعن عندها في اربعمائة وستين جارية من
بنات صناديد قريش
، فتقدمت كل واحدة منهن ووضعن ثديهن في فم رسول الله صلىاللهعليهوآله
فما قبل منهن أحدا ، وبقين متحيرات ، وكان عبدالمطلب جالسا فأمر بإخراجهن والنبي
صلىاللهعليهوآله
لا يزداد إلا بكاء وحزنا ، فخرج عبدالمطلب مهموما وقعد عند ستارة الكعبة
ورأسه بين ركبتيه ، كأنه امرأه ثكلاء ، وإذا بعقيل بن أبي وقاص وقد أقبل وهو شيخ
قريش وأسنهم ، فلما رأى عبدالمطلب مغموما قال له : يا أبا الحارث ، ما لي أراك
مغموما؟
قال : يا سيد قريش إن نافلتي يبكي ولا يسكن شوقا إلى اللبن من حين ماتت امه ، و
أنا لا أتهنأ بطعام ولا شراب
، وعرضت عليه نسآء قريش وبني هاشم فلم يقبل ثدي
واحدة منهن
، فتحيرت وانقطعت حيلتي ، فقال عقيل : يا أبا الحارث إني لاعرف في
أربعة وأربعين صنديدا من صناديد العرب امرأة عاقبلة هي أفصح لسانا ، وأصبح وجها ،
وأرفع
_________________
حسباونسبا ، وهي
حليمة بنت أبي ذؤيب عبدالله بن الحارث بن سخنة
بن ناصر بن سعد بن
بكرين زهرين منصور بن عكرمة بن قيس بن غيلان
بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان
ابن اكدد
بن يشخب بن يعرب بن نبت بن إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن ، فقال عبدالمطلب : يا سيد قريش لقد نبهتني لاعمر عظيم وفرجت عني ، ثم دعا عبدالمطلب
بغلام اسمه شمردل وقال له : قم يا غلام واركب ناقتك ، واخرج نحو حي بني سعد بن
بكر ، وادع لي أبا ذؤيب عبدالله بن الحارث العدوي ، فذهب الغلام واستوى على ظهر
ناقته ، وكان حي بني سعد من مكة على ثمانية عشر ميلا في طريق جدة ، قال : فذهب الغلام نحو
حي بني سعد فلحق بهم وإذا خيمتهم من مسح
وخوص ، وكذلك خيم الاعراب والبوادي ، فدخل شمردل الحي وسأل عن خيمة عبدالله ابن الحارث فأعطوه الاثر ، فذهب شمردل إلى
الخيمة فإذا بخيمة عظيمة ، وإذا على باب الخيمة غلام أسود ، فاستأذن شمردل في
الدخول
فدخل الغلام وقال : أنعم صباحا يا أبا ذؤيب ، قال : فحياه عبدالله ، وقال له : ما
الخبر يا شمردل؟ فقال : اعلم يا سيدي إن مولاي أبا الحارث عبدالمطلب قد وجهني نحوك
، وهو يدعوك ، فإن رأيت يا سيدي أن تجيبه فافعل ، قال عبدالله : السمع والطاعة ، و
قام عبدالله من ساعته ودعا بمفتاح الخزانة فأعطي المفتاح. ففتح باب الخزانة ، وأخرج
منها جوشنة فأفرغها على نفسه ، وأخرج بعد ذلك درعا فاضلا فأفرغه على نفسه فوق
جوشنه ، واستخرج بيضة عادية فقلبها على رأسه ، وتقلد بسيفين ، واعتقل رمحا ، ودعا
بنجيب فركبه ، وجاء نحو عبدالمطلب ، فلما دخل تقدم شمردل وأخبر عبدالمطلب ، _________________
وكان جالسا مع رؤساء
مكة ، مثل عتبة بن ربيعة ، والوليد بن عتبة ، وعقبة بن أبي معيط ، وجماعة من قريش ، فلما رأى عبدالمطلب عبدالله قام على قدميه واستقبله وعانقه
وصافحه
وأقعده إلى جنبه ، وألزق ركبتيه بركبتيه ، ولم يتكلم حتى استراح ، ثم قال له
عبدالمطلب : يا أبا ذؤيب أتدري بما دعوتك؟ قال : يا سيدى وسيد قريش ورئيس بني هاشم حتى
تقول فأسمع منك وأعمل بأحسنه ، قال اعلم : يا أبا ذؤيب أن نافلتي محمد بن عبدالله
مات أبوه ، ولم يبن عليه أثره ، ثم ماتت أمه وهو ابن أربعة أشهر ، وهو لا يسكن من
البكاء عيمة إلى اللبن ، وقد أحضرت عنده
أربعمائة وستين جارية من أشرف
وأجل بني هاشم ، فلم يقبل من واحدة منهن لبنا ، والآن سمعنا أن لك بنتا ذات لبن ، فإن رأيت أن تنفذها لترضع ولدي محمدا ، فإن قبل لبنها فقد جاءتك الدنيا بأسرها ، وعلي
غناك وغنى أهلك وعشيرتك ، وإن كان غير ذلك ترى مما رأيت من النسآء غيرها فافعل ، ففرح عبدالله فرحا شديدا ، ثم قال : يا أبا الحارث إن لي بنتين ، فأيتهما تريد؟
قال
عبدالمطلب : اريد أكملهما عقلا ، وأكثرهما لبنا ، وأصونهما عرضا ، فقال عبدالله : هاتيك
حليمة لم تكن كأخواتها ، بل خلقها الله تعالى أكمل عقلا ، وأتم فهما ، وأفصح لسانا
، وأثج لبنا ، وأصدق لهجة ، وأرحم قلبا منهن جمع.
قال الواقدي : فقال عبدالمطلب إني ورب
السمآء ما اريد ، إلا ذلك ، فقال
عبدالله : السمع والطاعة ، فقام من ساعته واستوى على متن جواده وأخذ نحو بني سعد
بعد أن أضافه ، فلما أن وصل إلى منزل دخل على ابنته حليمة وقال لها : أبشري ى فقد
جاءتك الدنيا بأسرها ، فقالت حليمة : ما الخبر؟ قال عبدالله : أعلمي أن عبدالمطلب
رئيس
قريش وسيد بني هاشم سألني إنفاذك إليه لترضعي ولده ، وتبشري بالعطاء الجزيل ، ففرحت حليمة بذلك ، وقامت من وقتها وساعتها واغتسلت وتطيبت وتبخرت وفرغت
من زينتها ، فلما ذهب من الليل نصفه قام عبدالله وزين ناقته فركبت عليها حليمة ، وركب
_________________
عبدالله فرسه وكذلك
زوجها بكر بن سعد السعدي ، وخرجوا من دارهم في داج من الليل ، فلما أصبحوا كانوا على باب مكة ودخلوها ، وذهبت إلى دار عاتكة ، وكانت تلاطف محمدا
وتلعقه العسل والزيد الطري ، فلما دخلت الدار وسمع عبدالمطلب بمجيئها جاء من
ساعته ودخل الدار ، ووقف بين يدي حليمة ، ففتحت حليمه جيبها وأخرجت ثديها الايسر ،
وأخذت رسول الله (ص) فوضعته في حجرها ووضعت ثديها في فمه ، والنبي (ص) ترك
ثديها الايسر واضطرب إلى ثديها الايمن ، فأخذت حليمة ثديها الايمن من يد النبي
صلىاللهعليهوآله
ووضعت ثديها الايسر في فمه ، وذلك أن ثديها الايمن كان جهاما لم يكن فيه
لبن ، وخافت حليمة أن النبي صلىاللهعليهوآله
إذا مص الثدي
ولم يجد فيه شيئا لا يأخذ بعده
الايسر ، فيأمر عبدالمطلب بإخراجها من الدار ، فلما ألحت على النبي صلىاللهعليهوآله أن يأخذ
الايسر والنبي يميل إلى الايمن فصاحت عليه وقالت : يا ولدي مص الايمن حتى تعلم أنه
جهام يابس لا شئ فيه ، قال : فلما مص النبي الايمن امتلا فانفتح باللبن حتى ملا
شدقيه
بأمر الله تعالى وببركته ، فضجت حليمة وقالت : واعجباه منك يا ولدي ، وحق رب
السمآء
ربيت بثدي الايسراثنى عشر ولدا ، وما ذاقوا من ثديي الايمن شيئا والآن قد انفتح
ببركتك ، وأخبرت بذلك عبدالله فامرها بكتمان ذلك ، فقال
عبدالمطلب : تكونين عندي فآمر
لك بإفراغ قصر بجنب قصري ، واعطيك كل شهر ألف درهم بيض ، ودست ثياب رومية ، وكل يوم عشرة أمنان خبز حوارى ولحما مشويا ، قال : فلما سمع أبوها عبدالله ذلك
أوحى لها أن لا تقيمي عنده ، قالت : يا أبا الحارث لوجعلت لي مال الدنيا ما أقمت
عندك
ولا تركت الزوج والاولاد ، قال عبدالمطلب : فإن كان هكذا فأدفع إليك محمدا على
شرطين ، قالت : وما الشرطين؟ قال عبدالمطلب : أن تحسني إليه ، وتنوميه إلى جنبك ، وتدثريه
_________________
بيمينك ، وتوسديه
بيسارك ، ولا تنبذيه ورآء ظهرك ، قالت حليمة : وحق رب السمآء
إني منذ وقع عليه نظري قد ثبت حبه في فؤادي ، فلك السمع والطاعة يا أبا الحارث ، ثم قال : وأما الشرط الثاني أن تحمليه إلي في كل جمعة حتى أتمتع برؤيته ، فإني
لا أقدر على مفارقته ، قالت : أفعل ذلك إن شاء الله تعالى ، فأمر عبدالمطلب أن
تغسل رأس
محمد صلىاللهعليهوآله
فغسلت رأسه ، ولففته في خرق السندس ، ثم إن عبدالمطلب دفعه إليها وأخذ
أربعة آلاف درهم ، وقال لها : يا حليمة
نمضي إلى بيت الله حتى اسلمه إليك فيه ، فحمله على ساعده ودخل وطاف بالنبي صلىاللهعليهوآله
سبعا وهو على ساعده ملففا بخرق السندس ، ثم إنه دفعه إليها وأربعة الآف درهم بيض ، وأربعين ثوبا من خواص كسوته ، وهب
لها أربع جوار رومية ، وحلل سندس ، ثم إن عبدالله بن الحارث أتى بالناقة فركبتها
حليمة ، وأخذت رسول الله صلىاللهعليهوآله
في حجرها وشيعه عبدالمطلب إلى خارج مكة ، ثم أخذت
حليمة رسول الله صلىاللهعليهوآله
إلى جنبها من داخل خمارها ، فلما بلغت حليمة حي بني سعد
كشفت عن وجه رسول الله صلىاللهعليهوآله
فأبرق من وجناته نور فارتفع في الهوآء طولا وعرضا إلى
أعنان السمآء .
قال الواقدي : فلما رأى الخلق ذلك لم
يبق في حي بني سعد صغير ولا كبير ولا
شيخ ولا شاب إلا استقبلوا حليمة وهنأوها بما رزقها الله تعالى من الكرامة الكبرى ،
فذهب حليمة إلى باب خيمتها وبركت الناقة والنبي صلىاللهعليهوآله
في حجرها ، فما وضعته
عند الصغير إلا حمله الكبير ، وما وضعته عند الكبير إلا وأخذه الصغير ، وذلك كله
لمحبة النبي (ص).
قال الواقدي : فبقي النبي (ص) عند حليمة
ترضعه وكانت تقول : يا ولدي ورب
السمآء إنك لعندي أعز من ولدي ضمرة وقة عيني ، أترى أعيش حتى أراك كبيرا
كما رأتيك صغيرا؟ وكانت تؤثر محمدا على أولادها جدا ، ولا تفارقه ساعة .
_________________
قال الواقدي : قالت حليمة : والله ما
غسلت لمحمد ثوبا من بول ولا غائط ، بل كان
إذا جاء وقت حاجته ينقلب من جنب إلى جنب حتى تعلم حليمة بذلك وتأخذه و
تخدمه حتى تقضي
حاجته ، ولا شممت ورب السمآء من محمد رائحة النتن قط ، بل كان
إذا خرج من قبله أو دبره شئ يفوح منه رائحة المسك والكافور ، قالت حليمة : فلما
أتى على النبي صلىاللهعليهوآله
تسعة أشهرما رأيث ما يخرج من دبره
، لان الارض كانت تبتلع ما
يخرج منه فلهذا لم أره.
قال الواقدي : ولما كملت له عشرة أشهر
قامت حليمة يوم الخميس وقعدت على
باب الخيمة منتظرة لانتباه النبي (ص) لتزينه وتحمله إلى عند جده عبدالمطلب ، قال :
فلم ينتبه النبي (ص) وأبطأ الخروج من الخيمة إلى حليمة ، فلم يخرج إلا بعد أربع
ساعات ، فخرج رسول الله (ص) مغسول الرأس ، مسرح الذوائب ، وقد زوق جبينه وذقنه ، وعليه ألوان الثياب من السندس والاستبرق ، فتعجبت حليمة من زينة النبي صلىاللهعليهوآله ومن
لباسه مما رأت عليه ، فقالت : يا ولدي من أين لك هذه الثياب الفاخرة والزينة
الكاملة؟
فقال لها محمد (ص) : أما الثياب فمن الجنة ، وأما الزينة فمن الملائكة ، قال : فتعجبت
حليمة من ذلك عجبا شديدا ، ثم حملته إلى جده في يوم الجمعة ، فلما نظر إليه
عبدالمطلب
قام إليه واعتنقه ، وأخذه إلى حجره ، فقال له : يا ولدي من أين لك هذه الثياب
الفاخرة
والزينة الكاملة؟ فقال له النبي (ص) : يا جد استخبر ذلك من حليمة ، فكلمته حليمة و
قالت : ليس ذلك من أفعالنا ، فأمر عبدالمطلب حليمة أن تكتم ذلك ، وأمر لها بألف
درهم بيض ، وعشرة دسوت
ثياب ، وجارية رومية ، فخرجت حليمة من عنده فرحة
مسرورة إلى حيها.
قال الواقدي : فلما أتى على النبي خمسة
عشر شهرا كان إذا نظر إليه الناظر
يتوهم أنه من أبناء خمس سنين لاتمام وقارة جسمه وملاحة بدنه.
_________________
قال الواقدي : فلما حملت حليمة النبي (ص)
إلى حيها حين أخذته من عند عبدالمطلب
وكان لها اثنان وعشرون رأسا من المواشي فوضعت في تلك السنة كل شاة توأما ببركة
النبي صلىاللهعليهوآله
، وخرج من عندها ولها ألف وثلاثون رأسا من الشاغية والراغية.
قال الواقدي : وكان لرسول الله صلىاللهعليهوآله
إخوة من الرضاعة يخرجون بالنهار لالى
الرعاية ويعودون بالليل إلى منازلهم ، فرجعوا ذات ليلة مغمومين ، فلما دخلوا الدار
قالت
لهم حليمة : مالي أراكم مغمومين؟ قالوا : يا امنا إن في هذا اليوم جاء ذئب وأخذ
شاتين من شياهنا وذهب بهما ، فقالت حليمة : الخلف والخير على الله تعالى ، فسمع
النبي
قولهم ، فقال لهم : لا عليكم ، فإني أسترجع الشاتين من الذئب بمشية الله تعالى ، فقال
ضمرة : واعجبا منك يا أخي قد أخذهما بالامس ، فكيف تسترجعهما باليوم؟ فقال النبي
(ص) : إنه صغير في قدرة الله تعالى ، فلما أصبحوا قام ضمرة وأخذ رسول الله على
كتفه فقال
النبي (ص) : مر بي إلى الموضع الذي أخذ الذئب فيه الشاتين ، قال : فذهب برسول الله
(ص)
إلى ذلك الموضع ، فعند ذلك نزل النبي صلىاللهعليهوآله
عن كتف أخيه ضمرة وسجد سجدة لله
تعالى وقال : الهي وسيدي ومولاي تعلم حق حليمة علي ، وقد تعدى ذئب على
مواشيها ، فأسألك أن تلزم الذئب برد المواشى إلي ، قال : فما استتم دعائه حتى أوحى
الله
تعالى إلى الذئب : أن يرد المواشي إلى صاحبها.
قال الواقدي : إن الذئب لما ذهب
بالشاتين حين أخذهما نادى مناد : يا أيها الذئب
احذر الله وبأسه
وعقوبته ، واحفظ الشاتين اللتين أخذتهما حتى تردهما على خير
الانبيآء والمرسلين ، محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب صلىاللهعليهوآله
، فلما سمع الذئب الندآء تحير
ودهش ، وكل بهما راعيا يرعاهما إلى الصباح ، فلما حضر النبي عليهالسلام ودعا بدعائه قام
الذئب وردهما ، وقبل قدم النبي صلىاللهعليهوآله
، وقال : يا محمد اعذرني فإني لم أعلم أنهما لك ، فأخذ ضمرة الشاتين ، ولم ينقص منهما شئ فقال ضمرة : يا محمد ما أعجب شأنك؟
وأنفذ أمرك؟ فبلغ ذلك عبدالمطلب فأمرهم بكتمانه فكتموه مخافة أن يحسده
قريش .
_________________
قال الواقدي : فبقي رسول الله (ص) سنتين
ونظر إلى حليمة وقال لها : مالي لا أرى
إخوتي بالنهار وأراهم بالليل؟ فقالت له : يا سيدي سألتني عن إخوتك وهم يخرجون
في النهار إلى الرعاء ، فقال لها النبي (ص) : يا أماه احب أن أخرج معهم إلى الرغاء
، وأنظر إلى البر والسهل والجبل ، وأنظر إلى الابل كيف تشرب اللبن من امهاتها ، وأنظر
إلى القطائع
، وإلى عجائب الله تعالى في أرضه ، وأعتبر من ذلك ، وأعرف المنفعة من
المضرة ، فقالت له حليمة : أفتحب يا ولدي ذلك؟ قال : نعم ، فلما أصبحوا اليوم
الثاني
قامت حليمة فغسلت رأس محمد (ص) ، وسرحت شعره ، ودهنته ومشطته وألبسته ثيابا
فاخرة ، وجعلت في رجليه نعلين م نحذى
مكة ، وعمدت إلى سلة وجعلت فيها أطعمة
جيدة ، وبعثته مع أولادها ، وقالت لهم : يا أولادي اوصيكم بسيدي محمد (ص) أن
تحفظوه ، وإذا جاع فأطعموه ، وإذا عطش فاسقوه ، فإذاعي
فأقعدوه حتى يستريح ، فخرج
النبي صلىاللهعليهوآله
وعلى يمينه عبدالله بن الحارث ، وعن يساره ضمرة ، وقرة قدامه ، والنبي
صلىاللهعليهوآله
بينهم كالبدر بين النجوم ، فما بقي حجر ولا مدر إلا وهم ينادون : السلام
عليك يا محمد ، السلام عليك يا أحمد ، السلام عليك يا حامد ، السلام عليك يا محمود
، السلام
عليك يا صاحب القول العدل : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، طوبى لمن آمن بك ،
والويل
لمن كفر بك ، ورد عليك حرفا تأتي به من عند ربك ، والنبي صلىاللهعليهوآله يرد عليهمالسلام ، وقد
تحير الذين معه مما يرون من العجئاب ، ثم إن النبي صلىاللهعليهوآله
أصابه حر لاشمس ، فأوحي الله تعالى إلى إستحيائيل : أن مد فوق رأس محمد صلىاللهعليهوآله سحابة بيضآء ، فمدها
فأرسلت عزاليها
كأفواه القرب ، ورش القطر على السهل والجبل ، ولم تقطر على رأس
_________________
محمد (ص) قطرة ، وسالت
من ذلك المطر الاودية ، وصار الوحل في الارض ما خلا طريق
محمد (ص) ، وكان ينزل من تلك السحآبة
ريش الزعرفان ، وسنابل المسك ، وكان في
تلك البرية نخلة يابسة عادية
قد يبست أغصانها ، وتناثرت أوراقها منذ سنتين ، فاستند
النبي صلىاللهعليهوآله
إليها فأورقت وأرطبت وأثرمت وأرسلت ثمارها من ثلاثة أجناس : أخضر ، وأحمر ، واصفر ، وقعد النبي صلىاللهعليهوآله
هنالك يكلم إخوته ورأى النبي (ص) رضوة خضرآء ، فقال : يا إخوتي اريد أن أمر بهذه الروضة ، وكان ورآء الروضة تل كؤود ، وعليه
أنواع النباتات ، فقال
: يا إخوتي ما ذلك التل؟ فقالوا له : يا محمد ورآء ذلك التل
البراري والمفاوز ، فقال النبي صلىاللهعليهوآله
إني قد اشتهيت أن أنظر إليه ، فقال القوم : نحن
نمضي معك إليه ، فقال لهم النبي صلىاللهعليهوآله
: بل اشتغلوا أنتم بأعمالكم ، وأنا أمضي وحدي و
أرجع إليكم سريعا إن شاء الله تعالى ، فقالوا جميعا : مر يا محمد فإن قلوبنا متفكرة
بسبك.
قال الواقدي : ثم إن النبي (ص) مر في
تلك الروضة وحده ونظر إلى تلك
البراري والمفاوز ، وهو يعتبر ويتعجب من الروضة حتى بلغ التل ، ونظر إلى جبل
شاهق في الهوآء كالحائط ولا يتهيأ له صعوده لاعتداله وارتفاعه في الهواء ، فقال
النبي
صلىاللهعليهوآله
في نفسه : إني اريد أن أصعد هذا التل فأنظر إلى ما ورائه من
العجائب.
قال الواقدي : فأراد النبي صلىاللهعليهوآله أن يصعد الجبل فلم
يتهيأ له ذلك لاستوائه في
الهوآء فصاح إستحيائيل في الجبل صيحة أرعشته فاهتز اهترازا ، وقال له : أيها الجبل
ويحك أطع محمدا (ص) خير المرسلين ، فإنه يريد أن يصعد عليك ، ففرح الجبل وتراكم
بعضه إلى بعض كما يتراكم الجلد في النار ، فصعد النبي صلىاللهعليهوآله أعلاه ، وكانت تحت
_________________
هذا الجبل حيات
كثيرة من ألوان شتى ، وعقارب كالبغال ، فلما هم النبي صلىاللهعليهوآله بالنزول
إلى تحت الجبل صاح الملك استحيائيل صيحة عظيمة ، وقال : أيتها الحيات والعقارب
غيبوا أنفسكم في جحوركم
وتحت صخوركم لا يراكم سيد الاولين والآخرين ، فسارع الحيات والعقارب إلى ما أمرهم استحيائيل ، وغيبوا أنفسهم في كل جحر وتحت
كل حجر ، ونزل البني صلىاللهعليهوآله
من الجبل فرأى عين ماء بارد أحلى من العسل وألين من
الزبد ، فقعد النبي صلىاللهعليهوآله
عند العين ، فنزل جبرئيل عليهالسلام
في ذلك الموضع وميكائيل
وإسرافيل ودردائيل ، فقال جبرئيل : السلام عليك يا محمد ، السلام عليك يا أحمد ، السلام
عليك يا حامد ، السلام عليك يا محمود ، السلام عليك ياطه : السلام عليك يا أيها
المدثر ، السلام عليك يا أيها المليح ، السلام عليك يا طاب طاب ، السلام عليك يا سيد يا سيد ، السلام عليك يا فارقليط ، السلام عليك يا طس ، السلام عليك يا طسم ، السلام عليك
يا شمس
الدنيا ، السلام عليك يا قمر الآخرة ، السلام عليك يا نور الدنيا والآخرة ، السلام
عليك
يا شمس القيامة ، السلام عليك يا خاتم النبيين ، السلام عليك يا زهرة الملائكة ، السلام
عليك يا شفيع المذنبين
، السلام عليك يا صاحب التاج والهراوة
، السلام عليك يا
صاحب القرآن والناقة ، السلام عليك يا صاحب الحج والزيارة ، السلام عليك يا صاحب
الركن والمقام ، السلام عليك يا صاحب السيف القاطع ، السلام عليك يا صاحب الرمح
الطاعن ، السلام عليك يا صاحب السهم النافذ ، السلام عليك يا صاحب المساعي ، السلام
عليك
يا أبا القاسم ، السلام عليك يا مفتاح الجنة ، السلام عليك يا مصباح الدين ، السلام
عليك
يا صاحب الحوض المورود ، السلام عليك يا قائد المسلمين ، السلام عليك يا مبطل
عبادة
الاوثان ، السلام عليك يا قائد المرسلين ، السلام عليك يا مظهر الاسلام ، السلام
عليك يا
يا صاحب قول لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، طوبى لمن آمن بك ، والويل لمن كفر
بك ، ورد
عليك حرفا مما تأتي به من عند ربك ، والنبي صلىاللهعليهوآله
يرد عليهالسلام
، فقال لهم : من
_________________
أنتم؟ قالوا : نحن
عبادالله ، وقعدوا حوله ، قال : فنظر النبي (ص) إلى جبرائيل عليهالسلام
قال : ما اسمك؟ قال : عبدالهل ، ونظر إلى إسرافيل وقال له : ما اسمك؟ قال : اسمي
عبدالله ، ونظر إلى ميكائيل وقال له : ما اسمك؟ قال : عبدالجبار ، ونظر إلى
دردائيل
وقال له : ما اسمك؟ قال : عبدالرحمن ، فقال النبي صلىاللهعليهوآله
كلنا عباد الله ، وكان مع جبرئيل
طست من ياقوت أحمر ، ومع ميكائيل إبريق من ياقوت أخضر وفي الابريق مآء من الجنة ، فتقدم جبرئيل عليهالسلام
ووضع فمه على فم محمد (ص) إلى أن ذهبت ثلاث ساعات من النهار ، ثم قال : يا محمد اعلم وافهم ما بينته لك ، قال : نعم إن شاء الله تعالى ، وقد ملا
جوفه علما
وفهما وحكما وبرهانا ، وزاد الله تعالى في نور وجهه سبعة وسبعين ضعفا ، فلم يتهيأ
لاحد
أن يملا بصره من رسول الله (ص) ، فقال له جبرائيل عليهالسلام
: لا تخف يا محمد ، فقال له
النبي (ص) : ومثلي من يخاف؟ وعزة ربي وجلاله وجوده وكرمه وارتفاعه في علو مكانه
لو علمت شيئا
دون جلال عظمته لقلت : لم أعرف ربي قط ، قال : ونزل جبرائيل إلى
ميكائيل وقال : حق لربنا أن يتخذ مثل هذا حبيبا ، ويجعله سيد ولد آدم ، ثم إن
جبرائيل عليهالسلام
ألقى رسول الله (ص) على قفاه ورفع أثوابه ، فقال له النبي (ص) : ما تريد
تصنع يا أخي جبرائيل؟ فقال جبرائيل : لا بأس عليك ، فأخرج جناحه ، وشق بطن
النبي صلىاللهعليهوآله
وأدخل جناحه في بطنه ، وخرق قلبه ، وشق المقلبة وأظهر نكتة سودآء فأخذها
جبرائيل عليهالسلام
فغسلها ، وميكائيل يصب المآء عليه ، فنادى مناد من السمآء يقول : يا جبرائيل
لا تقشر قلب محمد صلىاللهعليهوآله
فتوجعه ، ولكن اغسله بزغبك والزغب ، هو الريش الذي تحت
الجناح فأخذ جبرئيل زغبة وغسل بها قلب محمد (ص) ثم ، رد المقلبة إلى القلب ، والقلب
إلى
الصدر ، فقال عبدالله بن العباس : ذات يوم والنبي صلىاللهعليهوآله
قد بلغ مبلغ الرجال : سألت
النبي (ص) بأي شئ غسل قلبك يا رسول الله؟ ومن أي شئ؟ قال : غسل من الشك
واليقين
لا من الكفر ، فإني لم أكن كافرا قط ، لاني كنت مؤمنا بالله من قبل أن
_________________
أكون في صلب آدم عليهالسلام فقال له عمر بن الخطاب : متى نبئت يا
رسول الله؟ قال : يا أبا حفص نبئت وآدم بين الروح والجسد.
قال الواقدي : فقال إسرافيل لمحمد صلىاللهعليهوآله
: ما اسمك يافتى؟ فقال النبي (ص) : أنا محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف ولي اسم غير هذا ، قال
إسرافيل : صدقت يا محمد ، ولكني امرت بأمر فأفعل ، قال النبي صلىاللهعليهوآله
: افعل ما امرت به ، فقام
إسرافيل إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله
وحل أزار قميصه ، وألقاه على قفاه
، وأخرج خاتما كان
معه وعليه سطران : الاول لا إله إلا الله ، والثاني محمد رسول الله ، وذلك خاتم
النبوة ، فوضع الخاتم بين كتفي النبي صلىاللهعليهوآله
، فصار الخاتم بين كتفيه كالهلال الطالع بجسمه ، واستبان السطران بين كتفيه كالشامة يقرئهما كل عربي كاتب ، ثم دنا دردائيل وقال : يا محمد تنام الساعة ، فقال له : نعم ، فوضع النبي صلىاللهعليهوآله
رأسه في حجر دردائيل وغفا
غفرة فرأى في المنام كأن شجرة نابتة فوق رأسه ، وعلى الشجرة أغصان غلاظ مستويات
كلها ، وعلى كل غصن من أغصانها غصن وغصنان وثلاثة وأربعة أغصان ، ورأى عند ساق
الشجرة من الحشيش ما لايتهيأ وصفه ، وكانت الشجرة عظيمة غليظة الساق ذاهبة في
الهوآء ، ثابتة الاصل ، باسقة الفرع
، فنادى مناديا : يا محمد! أتدري ما هذه الشجرة؟ فقال
_________________
النبى (ص) : لا يا
أخي ، قال : اعلم أن هذه الشجرة أنت ، والاغصان أهل بيتك ، والذي
تحتها محبوك ومواليك ، فأبشر يا محمد بالنبوة الاثيرة ، والرئاسة الخطيرة ، ثم إن
دردائيل أخرج ميزانا عظيما كل كفة منه ما بين السمآء والارض ، فأخذ النبي صلىاللهعليهوآله
ووضعه في كفه ، ووضع مأه من أصحابه في كفه فرجح بهم النبي صلىاللهعليهوآله ، ثم عمد إلى
ألف رجل من خواص امته فوضعهم في الكفة فرجح بهم النبي صلىاللهعليهوآله ، ثم عمد إلى نصف امته فرجح بهم النبي ، ثم عمد إلى امته كلهم ثم الانبيآء والمرسلين
ثم الملائكة كلهم أجمعين ثم الجبال والبحار ثم الرمال ثم الاشجار ثم الامطار ثم
جميع ما خلق الله تعالى فوزن بهم النبي صلىاللهعليهوآله
فلم يعدلوه ، ورجح النبي صلىاللهعليهوآله
بهم ، فلهذا قال : خير الخلق محمد صلىاللهعليهوآله
، لانه رجح بالخلق أجمعين ، وهذا كله يراه بين النوم
واليقظة ، فقال دردائيل : يا محمد طوبى لك ، ثم طوبى لك ولامتك ، وحسن مآب ، والويل
كل الويل لمن كفر بك ورد عليك حرفا مما تأتي به من عند ربك ، ثم عرج الملائكة إلى
السمآء .
قال الواقدي : فلما طال مكث النبي طلبه
في تلك المفاوز إخوته أولاد حليمة ، فلم
يجدوه فرجعوا إلى حليمة فأعلموها بقصته ، فقامت ذاهلة العقل ، تصيح في حي بني سعد
، فوقعت الصيحة في حي بني سعد أن محمدا قد افتقد ، فقامت حليمة ومزقت أثوابها ، وخدشت
وجهها ، وكشفت شعرها
وهي تعدو في البراري والمفاوز والقفار حافية القدم ، والشوك
يدخل في رجليها ، والدم يسيل منهما ، وهي تنادي : واولداه ، واقرة عيناه ، واثمرة
فؤاداء ، ومعها نسآء بني سعد يبكين معها ، مكشفات الشعور ، مخدشات الوجوه ، وحليمة
_________________
تسقط مرة ، وتقوم
اخرى ، وما بقي في الحي شيخ ولا شاب ولا حر ولا عبد إلا يعدوا
في البرية في طلب محمد صلىاللهعليهوآله
وهم يبكون كلهم بقلب محترق ، وركب عبدالله بن الحارث
وركب معه آل بني سعد ، وحلف إن لا وجدت محمدا (ص) الساعة وضعت سيفي في آل بني
سعد وغطفان ، وأقتلهم عن آخر هم ، وأطلب بدم محمد صلىاللهعليهوآله
، وذهبت حليمة على حالتها
مع نسآء بني سعد نحو مكة ودخلها ، وكان عبدالمطلب قاعدا عند أستار الكعبة مع روسآء
قريش وبني هاشم ، فلما نظر إلى حليمة على تلك الحالة ارتعدت فرائصه وصاح وقال : ما الخبر؟ فقالت حليمة : اعلم أن محمدا قد فقدناه منذ أمس ، وقد تفرق آل سعد في
طلبه ، قال : فغشي عليه ساعة ، ثم أفاق أن محمدا قد فقدناه منذ أمس ، وقد تفرق آل سعد في
طلبه ، قال : فغشي عليه ساعة ، ثم أفاق وقال كلمة لا يخذل قائلها : لا حول ولا قوة إلا
بالله العلي
العظيم ، ثم قال : يا غلام هات فرسي وسيفي وجوشني ، فقام عبدالمطلب وصعد إلى أعلى
الكعبة ونادى : يا آل غالب ، يا آل عدنان ، يا آل فهر ، يا آل نزار ، يا آل كنانة
، يا آل مضر ، يا آل مالك ، فاجتمع عليه بطون العرب ورؤسآء بني هاشم وقالوا له : ما الخبر يا
سيدنا؟
فقال لهم عبدالمطلب : إن محمدا صلىاللهعليهوآله
لا يرى منذ أمس فاركبوا وتسلحوا ، فركب ذلك
اليوم مع عبدالمطلب عشرة آلاف رجل ، فبكى الخلق كلهم رحمة لعبدالمطلب ، وقامت
الصيحة والبكاء في كل جانب حتى المخدرات خرجن من الستور مرافقة لعبد المطلب مع
القوم إلى حي بني سعد ، وسائر الاطراف ، وانجذب عبدالمطلب نحوحي عبدالله بن
الحارث وأصحابه باكين العيون ، ممزقين الثياب ، فلما نظر عبدالله إلى عبدالمطلب
رفع
صوته بالبكآء وقال : يا أبا الحارث واللات والعزى واثاف ونائلة إن لم أجد محمدا
_________________
وضعت سيفي في حي بني
سعد وغطفان وأقتلهم عن آخرهم ، قال : فرق قلب عبدالمطلب
على حي آل سعد وقال : ارجعوا أنتم إلى حيكم إن لم أجد محمدا الساعة رجعت إلى مكة
ولا أدع فيها يهوديا ولا يهودية ، ولا أحدا ممن أتهمه بمحمد ، فأمدهم تحت سيفي
مدا طلبا لدم محمد صلىاللهعليهوآله.
قال الواقدي : وأقبل من اليمن أبو مسعود
الثقفي وورقة بن نوفل وعقيل بن أبي
وقاص وجازوا على الطريق الذي فيه محمد صلىاللهعليهوآله
، وإذا بشجرة نابتة في الوادي ، فقال ورقة
لابي مسعود : إني سلكت هذا الطريق ثلاثين مرة ، وما رأيت قط هاهنا هذه الشجرة ، قال عقيل : صدقت ، فمروا بنا حتى ننظر ما هي ، قال : فذهبوا جميعا وتركوا الطريق
الاول ، فلما قربوا من الشجرة رأوا تحت الشجرة غلاماً أمرد ما راى الراؤون مثله ، كأنه قمر
، فقال عقيل وورقة : ما هو إلا جني! فقال أبومسعود : ما هو إلا من الملائكة وهم
يقولون
والنبي صلىاللهعليهوآله
يسمع كلامهم ، فاستوى قاعدا فرأى القوم ورآءه ، فقال أبومسعود : ما أنت
يا غلام؟ أجني أنت أم إنسي؟ فقال النبي صلىاللهعليهوآله
: بل أنا إنسي ، فقال : ما اسمك؟
قال : محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف ، فقال أبومسعود : أنت
نافلة
عبدالمطلب؟ قال : نعم ، قال : كيف وقعت هاهنا؟ فقص عليهم القصة من أولها إلى آخرها
، فنزل
أبومسعود عن ظهر ناقته وقال له : أتريد أن أمر بك إلى جدك؟ فقال النبي صلىاللهعليهوآله : نعم ، فأخذه على قربوس سرجه ومروا جميعا حتى بلغوا قريبا من حي بني سعد ، فنظر النبي
صلىاللهعليهوآله
في البرية فرأى جده عبدالمطلب وأصحابه لا يرونه ، فقالوا : يا محمد إنا لا نراه ، وذلك
أن نظرته نظرة الانبيآء عليهمالسلام
، فقال لهم : مروا حتى أراكم ، فمروا وإذا عبدالمطلب
مقبل هو وأصحابه ، فلما نظر عبدالمطلب إلى محمد صلىاللهعليهوآله
وثب عن فرسه ، وأخذ
_________________
رسول الله (ص) إلى
سرجه ، وقال له : أين كنت يا ولدي؟ وقد كنت عزمت أن أقتل أهل مكة
جميعا ، فقص النبي صلىاللهعليهوآله
القصة على جده من أولها إلى آخرها ، ففرح عبدالمطلب فرحا
شديدا ، وخرج من خيله ورجله ودخله مكة ، ودفع إلى أبي مسعود خمسين ناقة ، و
إلى ورقة بن نوفل وعقيل ستين ناقة ، قال : وذهب حليمة إلى عبدالمطلب وقالت له : ادفع
إلي محمدا صلىاللهعليهوآله
، فقال عبدالمطلب : يا حليمة إني أحببت أن تكوني معنا بمكة وإلا ما كنت
بالذي اسلمه إليك مرة اخرى ، فوهب لعبد الله بن الحارث أبيها ألف مثقال ذهب أحمر ،
و
عشرة آلاف درهم بيض ، ووهب لبكر بن سعد جملة بغير وزن ، ووهب لاخوان النبي صلىاللهعليهوآله
أولاد حليمة وهما ضمرة وقرة أخواه من الرضاعة مأتي ناقة ، وأذن لهم بالرجوع إلى
حيهم .
بيان
: اعتقل رمحه أي جعله بين ركابه وساقه. والعيمة : شهوة اللبن. والثلج : السيلان. والجهام بالفتح : السحاب لا مآء فيه. والحواري بالضم وتشديد الواو والرآء
المفتوحة : ما حور من الطعام أي بيض. والوحي : الاشارة والكلام الخفي. والتزويق : التزيين والتحسين والنقش. والثاغية : الشاة. والراغية : البعير ، ولعل الملبة ما
في جوف
القلب ولم أجده في كتب اللغة. والاثيرة : المكرمة المختارة.
اقول
: هذا الخبر وإن لم نعتمد عليه كثيرا
لكونه من طرق المخالفين إنما أوردته
لما فيه من الغرائب
التي لا تأبى عنها العقول ، ولذكره في مؤلفات أصحابنا.
١٤ ـ د
: عن آمنة بنت أبى سعيد السهمي قالت : امتنع أبوطالب من إتيان اللات
_________________
والعزى بعد رجوعه من
الشام في المرة الاولى حتى وقع بينه وبين قريش كلام كثير ، فقال لهم أبوطالب : إنه لا يمكنني أن افارق هذا الغلام ولا مخالفته ، وإنه يأبى أن
يصير
إليهما ، ولا يقدر أن يسمع بذكرهما ، ويكره أن آتيهما أنا ، قالوا : فلاتدعه وأدبه
حتى يفعل
ويعتاد عبادتهما ، فقال أبوطالب : هيهات ما أظنكم تجدونه ولا ترونه يفعل هذا أبدا
، قالوا : ولم ذاك؟ قال : لاني سمعت بالشام جميع الرهبان يقولون : هلاك الاصنام على
يد هذا الغلام ، قالوا : فهل رأيت يا أبا طالب منه شيئا غير هذا الذي تحكيه عن
الرهبان؟
فإنه غير كائن أبدا أو نهلك جميعا ، قال : نعم ، نزلنا تحت شجرة يابسة فاخضرت
وأثمرت ، فلما ارتحلنا وسرنا نثرت على رأسه جميع ثمرها ونطقت ، فما رأيت شجرة قط تنطق قبلها
وهي تقولك يا أطيب الناس فرعا ، وأزكاهم عودا ، امسح بيديك المباركتين على لابقي
خضرآء
إلى يوم القيامة ، قال : فمسح يده عليها فازدادت الضعف نورا وخضرة ، فلما رجعنا
للانصراف
ومررنا عليها ونزلنا تحتها فإذا كل طير على ظهر الارض له فيها عش وفرخ ، ولها
بعدد كل صنف من الطير أغصان كأعظم الاشجار على ظهور الارضين ، قال : فما بقي
طير إلا استقبله يمد جناحه على رأسه ، قال : فسمعت صوتا من فوقها وهي تقول : ببركتك
يا سيد النبيين والمرسلين قد صارت هذه الشجرة لنا مأوى ، فهذا ما رأيت ، فضحكت
قريش
في وجهه ، وهم يقولون : أترى يطمع أبوطالب أن يكون ابن أخيه ملك هذا الزمان .
١٥ ـ د
: عن أبي جعفر محمد الباقر عليهالسلام
قال : لما أتى على رسول الله (ص) اثنان
وعشرون شهرا من يوم ولادته رمدت عيناه ، فقال عبدالمطلب لابي طالب : اذهب بابن
أخيك إلى عراف الجحفة وكان بها راهب طبيب في صومعته ، فحمله غلام له في سفط هندي
حتى أتى به الراهب فوضعه تحت الصومعة ، ثم ناداه أبوطالب : يا راهب ، فأشرف عليه
فنظر حول الصومعة إلى نور ساطع ، وسمع حفيف أجنحة الملائكة ، فقال له : من أنت؟
قال : أبوطالب بن عبدالمطلب ، جئتك بابن أخي لتداوي عينه ، فقال : وأين هو؟ قال : في لاسفط قد غطيته من الشمس ، قال : اكشف عنه ، فكشف عنه ، فإذا هو بنور ساطع
_________________
في وجهه قد أذعر
الراهب ، فقال له : غطه فغطاه ، ثم أدخل الراهب رأسه في صومعته فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله حقا حقا ، وأنك الذي بشر به في التوراة
والانجيل
على لسان موسى وعيسى عليهماالسلام
، فأشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسوله ، ثم أخرج رأسه و
قال : يا بني انطلق به فليس عليه بأس ، فقال له أبوطالب : ويلك يا راهب لقد سمعت
منك
قولا عظيما ، فقال : يا بني شأن ابن أخيك أعظم مما سمعت مني ، وأنت معينه على ذلك
ومانعه ممن يريد من قريش ، قال : فأتى أبوطالب عبدالمطلب فأخبره بذلك ، فقال له
عبدالمطلب : اسكت يا بني لا يسمع هذا الكلام منك أحد ، فوالله ما يموت محمد حتى
يسود
العرب والعجم .
١٦ ـ د
: حدث بكر بن عبدالله الاشجعي ، عن
آبائه قالوا : خرج سنة خرج
رسول الله صلىاللهعليهوآله
إلى الشام عبد مناف بنكنانة ونوفل بن معاوية بن عروة تجارا إلى
الشام ، فلقاهما أبوالمويهب الراهب فقال لهما : من أنتما؟ قالا : نحن تجار من أهل
الحرم
من قريش ، قال لهما : من أي قريش؟ فأخبراه ، فقال لهما : هل قدم معكما من قريش
غيركما؟ قالا : نعم شاب من بني هاشم اسمه محمد ، فقال أبوالمويهب : إياه والله
أردت ، فقالا : والله ما في قريش أخمل ذكرا منه ، إنما يسمونه يتيم قريش ، وهو أجير لامرأة منا
يقال لها : خديجة ، فما حاجتك إليه؟ فأخذ يحرك رأسه ويقول : هو هو ، فقال لهما : تدلاني عليه ، فقالا : تركناه في سوق بصرى ، فبينما هم في الكلام إذ طلع عليهم
رسول
الله صلىاللهعليهوآله
فقال : هو هذا ، فخلابه ساعة يناجيه ويكلمه ، ثم أخذ يقبل بين عينيه ، و
أخرج شيئا من كمه لا ندري ما هو ورسول الله صلىاللهعليهوآله
يأبى أن يقبله ، فلما فارقه قال لنا : تسمعان مني ، هذا والله نبي هذا الزمان ، سيخرج إلى قريب يدعو الناس إلى شهادة أن
لا إله إلا الله ، فإذا رأيتم ذلك فاتبعوه ، ثم قال : هل ولد لعلمه أبي طالب ولد
يقال له : علي؟ فقلنا : لا ، قال : إما أن يكون قد ولد أو يولد في سنته ، وهو أول من يؤمن به
، نعرفه ، وإنما لنجد صفته عندنا في الوصية كما نجد صفة محمد بالنبوة ، وإنه سيد
العرب
وربانيها وذو قرينها ، يعطي السيف حقه ، اسمه في الملا الاعلى علي ، هو أعلى
الخلائق يوم
_________________
القيامة بعد
الانبيآء ذكرا ، وتسميه الملائكة البطل الازهر المفلح ، لا يتوجه إلى وجه
إلا أفلح وظفر ، والله لهو أعرف بين أصحابه في السمآوات من الشمس الطالعة.
وحدث العباس ، عن أبي طالب قال أبوطالب
: يا عباس ألا اخبرك عن محمد (ص) بما رأيت منه؟ قلت : بلى ، قال : إني ضممته إلي فلم افارقه في ليل ولا نهار ، وكنت
أنومه في فراشي ، وآمره أن يخلع ثيابه وينام معي ، فرأيت في وجهه الكراه ة ، وكره
أن
يخالفني ، فقال : يا عماه اصرف وجهك عني حتى أخلع ثيابي وأدخل فراشي ، قلت له : ولم ذلك؟ قال : لا ينبغي لاحد من الناس أن ينظر إلى جسدي ، قال : فتعجبت من ذلك ، و
صرفت بصري عنه حتى دخل فراشه ، فلما دخلت أنا الفراش إذا بيني وبينه ثوب ألين ثوب
مسسته قط ، ثم شممته فإذا كأنه قد غمس في المسك ، فكنت إذا أصبحت افتقدت الثوب
فلم أجده ، فكان هذا دأبي ودأبه ، فجهدت وتعمدت أن أنظر إلى جسده ، فو الله ما
رأيت له
جسدا ، ولقد كنت كثيرا ما أسمع إذا ذهب من الليل شئ كلاما يعجبني ، وكنت ربما
آتيته غفلة فأرى من لدن رأسه نورا ممدودا قد بلغ السمآء ، فهذا ما رأيت يا عباس.
قال ليث بن أبي نعيم : حدثني أبي ، عن
جدي ، عن أبي طالب قال : كنا لا نسمي
على الطعام ولا على الشراب ، ولا ندري ما هو حتى ضممت محمدا (ص) إلي ، فأول ما
سمعته
يقول : بسم الله الاحد ، ثم يأكل ، فإذا فرغ من طعامه قال : الحمد لله كثيرا ، فتعجبنا
منه ، وكان يقول : ما رأيت جسد محمد قط ، وكان لا يفارقني الليل والنهار ، وكان
ينام معي
في فراشي فأفقده من فراشه ، فإذا قمت لاطلبه بادرني من فراشه فيقول : ها أنا يا عم
ارجع
إلى مكانك ، ولقد رأيت ذئبا يوما قد جائه وشمه وبصبص حوله. ثم ربض بين
يديه ، ثم انصرف عنه ، ولقد دخل ليلا البيت فأضآء ما حوله ، ولم أرمنه نجوا قط ، ولا
رأيته يضحك في غير موضع الضحك ، ولا وقف مع صبيان في لعب ولا التفت إليهم ، وكان
الوحدة أحب إليه والتواضع ، ولقد كنت أرى أحيانا رجلا أحسن الناس وجها يجئ تى
_________________
يمسح على رأسه ويدعو
له ثم يغيب ، ولقد رأيت رؤيا في أمره ما رأيتها قط ، رأيته وكأن
الدنيا قد سيقت إليه ، وجميع الناس يذكرونه ، ورأيته وقد رفع فوق الناس كلهم ، وهو
يدخل في السمآء ، ولقد غاب عني يوما فذهبت في طلبه ، فإذا أنابه يجئ ومعه رجل لم
أرمثله قط ، فقلت له : يا بني أليس قد نهيتك أن تفارقني؟ فقال الرجل : إذا فارقك
كنت
أنا معه أحفظه ، فلم أرمنه في كل يوم إلا ما احب حتى شب ، وخرج يدعو إلى
الدين .
١٧ ـ سر
: من جامع البزنطي عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر وأبا عبدالله عليهماالسلام
يقولان : حج رسول الله صلىاللهعليهوآله
عشرين حجة مستسرا ، منها عشرة حجج ، أو قال : سبعة الوهم من
الراوي قبل النبوة ، وقد كان صلى قبل ذلك وهو ابن أربع سنين ، وهو مع أبي طالب في أرض بصرى ، وهو موضع كانت قريش تتجر إليه من مكة .
١٨ ـ نهج
: في وصف الرسول صلىاللهعليهوآله
: ولقد قرن الله به من لدن كان فطيما أعظم
ملك من ملائكته ، يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهار ، ولقد كنت
معه أتبعه اتباع الفصيل
أثر امه ، يرفع لي في كل يوم علما من أخلاقه
، و
يأمرني بالاقتدآء به ، ولق كان يجاور في كل سنة بحرآء فأراه ولا يراه غيري ، ولم
يجمع
بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله وخديجة وأنا ثالثهما ، أرى نور الوحي و
الرسالة ، وأشم ريح النبوة .
اقول
: قال عبدالحميد بن أبي الحديد : روي أن بعض أصحاب ابي جعفر محمد
ابن علي الباقر عليهماالسلام
سأله عن قول الله تعالى : « إلا
من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين
_________________
يديه
ومن خلفه رصدا » فقال عليهالسلام : يوكل الله تعالى
بأنبيآئه ملائكة يحصون أعمالهم ، ويؤدون
إليهم تبليغهم الرسالة ، ووكل بمحمد ملكا عظيما منذ فصل عن الرضاع يرشده إلى
الخيرات ، ومكارم الاخلاق ، ويصده عن الشر ومساوي الاخلاق ، وهو الذى كان يناديه :
السلام عليك يا محمد يا رسول الله ، وهو شاب لم يبلغ درجة الرسالة بعد ، فيظن أن
ذلك
من الحجر والارض ، فيتأمل فلا يرى شيئا.
وروى الطبري في التاريخ عن محمد بن
الحنفية ، عن أبيه علي عليهالسلام
قال : سمعت
رسول الله صلىاللهعليهوآله
يقول : ما هممت بشئ مما كان أهل الجاهلية يعملون به غير مرتين ، كل ذلك يحول الله بيني وبين ما اريد من ذلك ، ثم ما هممت بسوء حتى أكرمني الله
برسالته ، قلت ليلة لغلام من قريش كان يرعى معي بأعلى مكة : لو أبصرت لي غنمي حتى
أدخل مكة فأسمر
بها كما يسمر الشباب ، فخرجت اريد ذلك حتى إذا جئت
أول دار من دور مكة سمعت عزفا
بالدف والمزامير ، فقلت : ما هذا؟ قالوا : هذا فلان
تزوج ابنة فلان ، فجلست أنظر إليهم ، فضرب الله على اذني ، فكنت فما أيقظني
إلا مس الشمس ، فجئت
إلى صاحبى فقال : ما فعلت؟ فقلت : ما صنعت شيئا ثم
أخبرته الخبر ، ثم قلت له ليلة اخرى : مثل ذلك ، فقال : افعل ، فخرجت فسمعت حين
دخلت مكة مثل ما سمعت حين دخلتها تلك الليلة ، فجلست أنظر فضرب الله على اذني ، فما أيقظني إلا مس الشمس ، فرجعت إلى صاحبي فأخبرته الخبر ، ثم ما هممت بعدها
بسوء حتى أكرمني الله برسالته.
وروى محمد بن حبيب في أماليه قال : قال
رسول الله صلىاللهعليهوآله
: أذكر وأنا غلام ابن سبع
سنين ، وقد بنى ابن جذعان دارا له بمكة ، فجئت مع الغلمان نأخذ التراب والمدر في
حجورنا فننقله فملات حجري ترابا ، فانكشفت عورتي فسمعت نداء من فوق رأسي : يا
_________________
محمد أرخ إزارك ، فجعلت
أرفع رأسي فلا أرى شيئا إلا أني أسمع الصوت ، فتماسكت لم
ارخه ، فكأن إنسانا ضربني على ظهري فخررت لوجهي ، وانحل إزاري وسقط
التراب إلى الارض ، فقمت إلى دار أبي طالب عمي ولم أعد.
فأما حديث مجاورته (ص) بحرآء فمشهور ، وقد
ورد في الكتب الصحاح أنه كان
يجاور في حراء من كل سنة شهرا ، وكان يطعم في ذلك الشهر من جاءه من المساكين ، فإذا قضى جواره من حرآء كان أول ما يبدؤ به إذا انصرف أن يأتي باب الكعبة قبل أن
يدخل بيته فيطوف بها سبعا أو ماشاءالله من ذلك ، ثم يرجع إلى بيته حتى جاءت السنة
التي أكرمه الله تعالى فيها بالرسالة فجاور في حرآء في شهر رمضان ومعه أهله خديجة
و
على بن أبي طالب وخادم لهم ، فجاءه جبرئيل بالرسالة ، قال صلىاللهعليهوآله : جاءني وأنا نائم
بنمط
فيه كتاب فقال : اقرأ ، قلت : ما أقرأ؟ ففتني
حتى ظننت أنه الموت ثم أرسلني فقال : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ) إلى قوله : ( علم الانسان ما لم يعلم ) فقرأته ثم
انصرف عني ، فهببت من نومي ، وكأنما
كتب في قلبي كتاب ، وذكر تمام الحديث.
وأما حديث إن الاسلام لم يجتمع عليه بيت
واحد يومئذ إلا النبي وهو
عليهماالسلام
وخديجة فخبر عفيف الكندي مشهور
، وقد ذكرناه من قبل ، وأن
أبا طالب قال له : أتدري من هذا؟ قال : لا ، قال : هذا محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب ، وهذا
ابني علي بن أبي طالب ، وهذه المرأة خلفهما خديجة بنت خويلد زوجة محمد ابن أخي ، وأيم
الله ما أعلم على الارض كلها أحدا على هذا الذين غير هؤلاء الثلاثة .
_________________
وقال أيضا : روى محمد بن إسحاق بن يسار
في كتاب السيرة النبوية ، ورواه أيضا محمد
ابن جرير الطبري في تاريخه قال : كانت حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية ام رسول الله
صلىاللهعليهوآله
التي أرضعته تحدث أنها خرجت من بلدها ومعها زوجها وابن لها ترضعه
في نسوة من بني سعد بن بكر يلتمس الرضعاء بمكة في سنة شهبآء لم تبق شيئا ، قالت : فخرجت على أتان لنا قمرآء عجفآء ، ومعنا شارف لنا ما تبض بقطرة ، ولا ننام ليلنا
أجمع من بكاء صبينا الذي معنا من الجوع ، ما في ثديي ما يغنيه ، ولا في شارفنا ما
يغذيه ، ولكنانر جوالغيث والفرج ، فخرجت على اتاني تلك ولقد راثت بالركب ضعفا و
عجفا حتى شق ذلك عليهم ، حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء ، فما منا امرأة إلا
وقد عرض عليها محمد فتأباه إذا قيل لها : إنه يتيم ، وذلك أنا إنما كنا
نرجوالمعروف من
أبي الصبي ، فكنا نقول : يتيم ، ما عسى أن تصنع امه وجده ، فكنا نكرهه لذلك ، فما
بقيت امرأة ذهبت معي إلا أخذت رضيعا غيري ، فلما اجتمعنا للانطلاق قلت لصاحبي : والله إني لاكره أن أرجع من بين صواحبي لم آخذ رضيعا ، والله لاذهبن إلى ذلك
اليتيم
فلآخذنه ، قال : لا عليك أن تفعلي ، وعسى الله أن يجعل لنافيه بركهة ، فذهبت إليه
فأخذته وما يحملني على أخذه إلا أني لم أجد غيره ، قالت : فلما أخذته رجعت إلى
رحلي
فلما وضعته في حجري أقبل عليه ثدياي بماشآء من لبن ، فرضع حتى روى ، وشرب معه
أخوه حتى روى ، وما كنا ننام قبل ذلك من بكاء صبينا جوعا ، فنام وقام زوجي إلى
شارفنا
تلك فنظر إليها فإذا أنها حافل فحلب منها ما شرب وشربت حتى انتهيناريا وشبعا ، فبتنا بخير ليلة ، قالت : يقول صاحبي حين أصبحنا : تعلمين والله يا حلمية لقد أخذت
نسمة مباركة ، فقلت : والله إني لارجوذلك ، ثم خرجنا وركبت أتاني تلك وحملته معي
عليها ، فو الله لقطعت بالركب ما يقدر عليها شئ من حميرهم حتى أن صواحبي ليقلن لي
: _________________
ويحك يا بنت أبي
ذؤيب اربعي
علينا ، أليس هذه أتانك التي كنت خرجت عليها؟
فأقول لهن : بلى والله ، إنها لهي ، فيقلن : والله إن لها لشأنا ، قالت : ثم قدمنا
منازلنا
من بلاد بني سعد وما أعلم أرضا من أرض العرب أجدب منها ، فكانت غنمي تروح علي
حين قدمنا به معنا شباعا ملاء لبنا
، فكنا نحتلب ونشرب وما يحلب إنسان قطرة لبن ، ولا يجدها في ضرع حتى أن الحاضر من قومنا ليقولون لرعاتهم : ويلكم اسرحوا حيث
يسرح راعي ابنة أبي ذؤيب ، فيفعلون فيروح أغنامهم جياعا ما تبض بقطرة ، وتروح
غنمي شباعا لبنا ، فلم نزل نعرف من الله الزيادة والخيربه حتى مضت سنتاه وفصلته ، فكان
يشب شبابا لا يشبه الغلمان حتى كان غلاما جفرا فقدمنا به على امه آمنة بنت وهب
ونحن
أحرص شئ على مكثه فينا لما كنا نرى من بركته ، فكلمنا أمه وقلنالها : لوتر كتيه
عندنا حتى يغلظ فإنا نخشى عليه وباء مكة ، فلم نزل بها حتى ردتة معنا فرجعنا
به إلى بلاد بني سعد ، فو الله إنه لبعد ما قدمنا بأشهر مع أخيه في بهم لنا خلف
بيوتنا إذ أتانا أخوه يشد
فقال لي ولابيه : ها هو ذاك أخي القرشي قد جاءه رجلان
عليهما ثياب بيض فأضجعاه وشقا بطنه فهما يسوطانه ، قالت : فخرجت أنا وأبوه
نشتد نحوه فوجدناه قائما منقعا وجهه ، فالتزمته والتزمه أبوه وقلنا : مالك يا بني؟
قال : جائني رجلان عليهما ثياب بيض فأضحعاني ، ثم شقا بطني ، فالتمسا فيه شيئا لا
أدري ما هو ، قالت : فرجعنا به إلى خبائنا ، وقال لي أبوه : يا حليمة لقد خشيت أن
يكون
هذا الغلام قد اصيب
فألحقيه بأهله
، قالت : فاحتملته حتى قدمت به على امه ، فقالت : ما أقدمك به يا ظئر
وقد كنت حريصة عليه وعلى مكثه عندك؟ فقلت لها : قد
_________________
بلغ الله بابني
وقضيت الذي علي ، وتخوفت عليه الاحداث ، وأديته إليك كما تحبين ، قالت : ما هذا شأنك فاصدقيني خبرك ، قالت : فلم تدعني حتى أخبرتها الخبر ، قالت : أفتخوفت عليه الشيطان؟ قلت : نعم ، قالت : كلا والله ما للشيطان عليه من سبيل وإن
لابني لشأنا ، أفلا أخبرك خبره؟ قلت : بلى ، قالت : رأيته حين حملت به أنه خرج مني
نور أضاءت له قصور بصرى من الشام ، ثم حملت به فو الله ما رأيت حملا قط كان أخف
ولا
أيسر منه ، ثم وقع حين ولدته وإنه واضع يديه بالارض ، ورافع رأسه إلى السمآء ، دعيه
عنك ، وانطلقي راشدة .
وروى الطبري في تاريخه عن شداد بن أوس
قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله
يحدث
عن نفسه ويذكر ما جرى له وهو طفل في أرض بني سعد بن بكر ، قال : لما ولدت
استرضعت في بني سعد ، فبينا أنا ذات يوم منتبذا من أهلي في بطن وادمع أتراب لي
من لاصبيان نتقاذف بالجلة إذ أتاني رهط ثلاثة ، معهم طست من ذهب مملوة ثلجا ، فأخذوني من بين أصحابي ، فخرج أصحابي هرابا حتى انتهوا إلى شفير الوادي ، ثم عادوا
إلى الرطه فقالوا : ما رابكم إلى هذا الغلام فإنه ليس منا ، هذا ابن سيد قريش وهو
مسترضع فينا غلام يتيم ليس له أب ، فماذا يرد عليكم قتله؟ وماذا تصيبون من ذلك؟
ولكن إن كنتم لابد قاتليه فاختاروا منا أينا شئتم فاقتلوه مكانه ، ودعوا هذا
الغلام ، فإنه
يتيم ، فلما رأى الصبيان أن القوم لا يحيرون لهم جوابا انطلقوا هرابا مسرعين إلى
الحي يؤذنوهم ويستصرخونهم على القوم ، فعمد أحدهم فأضجعني إضجاعا لطيفا ، ثم شق
ما بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي وأنا أنظر إليه فلم أجد لذلك مسا ، ثم أخرج
_________________
أحشاء بطني فغسلها
بذلك الثلج ، فأنعم غسلها
ثم أعادها مكانها ، ثم قام الثاني منهم
فقال لصاحبه : تنح ، فنحاه عني ، ثم أدخل يده في جوفي وأخرج قلبي وأنا أنظر إليه
فصدعه ، ثم أخرج منه مضغة سودآء فرماها ، ثم قال بيده : يمينة منه ، وكأنه يتناول
شيئا فإذا في يده خاتم من نور تحار أبصار الناظرين دونه ، فختم به قلبي ، ثم أعاده
مكانه
فوجدت برد ذلك الخاتم في قلبي دهرا ، ثم قال الثالث لصاحبه : تنح عنه ، فأمر يده
ما
بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي ، فالتأم ذلك الشق ، ثم أخذ بيدي فأنهضني من مكاني
إنهاضا لطيفا ، وقال للاول الذي شق بطني : زنه بعشرة من امته ، فوزنني بهم فرجحتهم
، فقال : دعوه فلو وزنتموه بامته كلها لرجحهم ، ثم ضموني إلى صدورهم وقبلوا رأسي
وما بين عيني ، وقالوا : يا بحيب
لا ترع إنك لو تدري ما يراد بك من الخير لقرت عيناك
فبينا أنا كذلك إذا أنا بالحي قد جاؤا بحذافيرهم ، واذا امي وهي ظئري أمام الحي
تهتف بأعلى صوتها وتقول : يا ضعيفاه ، فانكب علي اولئك الرهط فقبلو رأسي وبين
عيني وقالوا : حبذاء أنت من ضعيف ، ثم قالت ظئري : يا وحيداه ، فانكبوا على
وضموني إلى صدورهم وقبلوا راسي وبين عيني ثم قالوا : حبذا أنت من وحيد ، وما
أنت بوحيد ، إن الله وملائكته معك والمؤنين من أهل الارض ، ثم قالت ظئري : يا
يتيماه
إستضعفت من بين أصحابك فقتلت لضعفك ، فانكبوا علي وضمونى إلى صدورهم وقبلوا
رأسي وما بين عيني وقالوا : حبذا أنت من يتيم ، ما أكرمك على الله ، لو تعلم ما
يراد بك
من الخير ، قال : فوصل الحي إلى شفير الوادي فلما بصرت بي امي وهي ظئري قالت : يا
بنى لا أراك حيا بعد
، فجاءت حتى انكبت علي وضمتني إلى صدرها ، فوالذي نفسي
بيده إني لفي حجرهاقدضمتني إليها وإن يدي لفي يد بعضهم ، فجعلت ألتفت إليهم وظننت
أن القوم يبصرونهم ، فإذاهم لا يبصرونهم ، فيقول بعض القوم : إن هذا الغلام قد
أصابه لمم
أوطائف من الجن ، فانطلقوا به إلى كاهن بني فلان حتى ينظر إليه ويداويه ، فقلت : ما
_________________
بي شئ مما يذكر ، إن
نفسي سليمة
، وإن فؤادي صحيح ليست بي قلبة ، فقال أبى
وهو زوج ظئري : ألا ترون كلامه صحيحا؟ إني لارجو أن لا يكون على ابني بأس ، فاتفقوا على أن يذهبوا بي إلى الكاهن ، فاحتملوني حتى ذهبوا بي إليه ، فقصوا عليه
قصتي ، فقال : اسكتوا حتى أسمع من الغلام فهو أعلم بأمره منكم ، فسألني فقصصت عليه أمري
وأنا يومئذ ابن خمس سنين ، فلما سمع قولي وثب وقال : يا للعرب اقتلوا هذا الغلام ،
فهو واللات والعزى لئن عاش ليبدلن دينكم ، وليخالفن أمركم ، وليأتينكم بمالم
تسمعوا به قط ، فانتزعتني ظئري من حجره ، وقالت : لو علمت أن هذا يكون من
قولك ما أتيتك به
، ثم احتملوني ، فأصبحت وقد صار في جسدي أثر الشق ما بين
صدري إلى منتهى عانتي كأنه الشراك .
بيان
: أقول : رواه الكازروني في المنتقى
بأسانيد
ولنشرح بعض ألفاظها : الرضعاء
جمع رضيع ، وقال الجزري : في حديث حليمة في سنة شهباء أي ذات قحط وجدب ، وقال : القمراء : الشديدة البياض. قولها : راثت من الريث بمعنى الابطاء ، وفي أكثر
رواياتهم : ولقد أذمت ، قال الجزري : ومنه حديث حليمة فلقد أذمت بالركب ، أي حبستهم لانقطاع
سيرها ، كأنها حملت الناس على ذمها انتهى. والعجف : الهزال. حتى انتهينا ريا أي
بلغنا غايته. لقطعت بالركب أى من سرعة سيرها وشدة تقدمها انقطع الركب عنها.
_________________
واربعي أي ارفقي بنا
، وانتظري بنا. واللبن بمعنى اللبون.
وقال الجزري : في حديث حليمة كانت يشب
في اليوم شباب الصبي في الشهر فبلغ
ستا وهو جفر ، استجفر الصبي : إذا قوى على الاكل ، وأصله في أولاد المعز إذ بلغ
أربعة
أشهر وفصل عن امه وأخذ في الرعي ، قيل له : جفر ، والانثى جفره انتهى.
والبهم جمع بهمة وهي أولاد الضأن.
والسوط : خلط الشئ بعضه ببعض ، والمسواط : ما يساط به القدر ليختلط بعضه ببعض. قوله : منتقعا أي متغيرا. والجلة بالفتح : البعر.
قوله : ما رابكم
أي ماشككم ، ومعناه هاهنا : ما دعاكم إلى أخذ هذا. قوله : ماذا
يرد عليكم ، أي ما ينفعكم ذلك. قوله : فأنعم غسلها ، أي بالغ فيه. قوله : ثم قال
بيده
يمنة ، أي أشار بيده ، أومدها إلى جانب يمينه. والقبلة : الداء.
١٩ ـ د
: كتاب التذكرة ولد صلىاللهعليهوآله
مختونا مسرورا ، فأعجب جده عبدالمطلب
وقال : ليكونن لابني هذا شأن ، فكان له أعظم شأن وأرفعه ، امه آمنة بنت وهب بن
عبد مناف بن زهير
بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ، شهد الفجار وهي
حرب كانت بين قريش وقيس وهو ابن عشرين سنة ، وبنيت الكعبة بعد الفجار بخمس عشرة
سنة فرضيت به قريش في نصب الحجر الاسود ، وكان طول الكعبة قبل ذلك تسعة أذرع
ولم تكن تسقف فبنتها قريش ثمانية عشر ذراعا وسقفتها ، وكان يدعى في قريش بالصادق
الامين ، وخرج مع عمه أبي طالب في تجاره إلى الشام وله تسع سنين ، وقيل : اثنتى
عشر
سنة ، ونظر إليه بحيرا
الراهب فقال : احفظوا به فإنه نبي ، وخرج إلى الشام
في تجاره لخديجة بنت خويلد وله خمس وعشرون سنة ، وتزوجها بعد ذلك بشهرين
_________________
وأيام ، ودفعه جده
عبدالمطلب إلي الحارث بن عبدالعزى بن رفاعة السعدي زوج حليمة
التي أرضعته ، وهي بنت أبي ذؤيب عبدالله بن الحارث ، واخته أسماء ، وهي التي
كانت تحضنه ، وسبيت يوم حنين ، ومات عبدالمطلب وله ثمان سنين ، وأوصى به إلى أبي
طالب ، ودخل الشعب مع بني هاشم بعد خمس سنين من مبعثه ، وقيل : بعد سبع ، لما
حصرتهم
قريش ، وخرج منه سنة تسع من مبعثه ، ثم رجع إلى مكة في جوار مطعم بن عدي ، ثم
كانت بيعة العقبة من الانصار ، ثم كان من حديثها أنه خرج في موسم من المواسم يعرض
نفسه ويدعوالناس إلى الاسلام ، فلقى ستة نفر من الانصار ، وهم : أو أمامة أسعد بن
زرارة ، وعقبة بن عامر بن ناي
، وقطنة بن عامر ، وعون بن الحارث ، ورافع بن مالك ، وجابر بن
عبدالله ، ثم كانت بيعة العقبة الاولى بايعه اثنا عشر رجلا منهم ، ثم بيعة العقبة
الثانية و
كانوا سبعين رجلا ، وامرأتين ، واختار (ص) منهم اثنى عشر نقيبا ليكونوا كفلاء قومه
: جابر بن عبدالله ، والبراء بن معرور ، وعبادة بن الصامت ، وعبدالله بن عمرو بن
حزام ، وأبو
ساعدة سعد بن عبادة ، والمنذر بن عمرو ، وعبدالله بن رواحة ، وسعد بن الربيع ، ورافع
بن
مالك العجلان ، وأبوعبدالاشهل أسيد بن حضير ، وأبوالهثيم بن التيهان حليف بني عمرو
ابن عوف ، وسعد بن خثيمة ، فكانوا تسعة من الخزرج ، وثلاثة من الاوس ، وأول من
بايع
منهم البراء بن معرور ، ثم تبايع الناس ، ثم هاجر إلى المدينة ومعه أبوبكر وعامر
بن
فهو مولى أبي بكر وعبدالله بن اريقط ، وخلف علي بن أبي طالب آخر ليلة من صفر ، وأقام
في الغار ثلاثة أيام ، ودخوله إلى المدينة يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من
ربيع
الاول ، فنزل بقباء في بني عمرو بن عوف على كلثوم بن الهرم ، فأقام إلى يوم الجمعة ، ودخل المدينة فجمع
في بني سالم ، فكانت أول جمعة جمعها صلىاللهعليهوآله
في الاسلام ، ويقال :
_________________
إنهم كانوا مائة رجل
، ويقال : بل كانوا أربعين ، ثم نزل على أبي أيوب الانصاري ، فأقام عنده سبعة أيام ، ثم بنى المسجد فكان يبنيه بنفسه ، ويبني معه المهاجرون
والانصار ، ثم بنى البيوت ، وكان يصلي حين قدم المدينة ركعتين ركعتين ، فأمر بإتمام أربع
للمقيم
وذلك في يوم الثلثاء لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الثاني بعد مقدمه بشهر .
٢٠ ـ أقول :
قال أبوالحسن البكري في كتاب الانوار : حدثنا أشياخنا وأسلافنا
الرواة لهذه الاحاديث أنه كان من عادة أهل مكة إذاتم للمولود سبعة أيام التمسوا
له مرضعة ترضعه ، فذكر الناس لعبدالمطلب انظر
لابنك مرضعة ترضعه ، فتطاولت
النسآء لرضاعته وتربيته ، وكانت آمنة يوما نائمة إلى جانب ولدها فهتف بها هاتف : يا آمنة إن أردت مرضعة لابنك ففي نسآء بني سعد امرأة تسمى حليمة بنت أبي ذؤيب ، فتطاولت آمنة إلى ذلك ، وكان كلما أتتها من النسآء تسألهن عن أسمائهن فلم تسمع
بذكر حليمة بنت أبي ذؤيب ، وكان سبب تحريك حليمة لرضاعة رسول الله صلىاللهعليهوآله أن
البلاد التي تلي مكة أصابها قحط وجدب إلا مكة ، فإنها كانت مخصبة زاهرة ببركة رسول
الله
صلىاللهعليهوآله
، وكانت العرب تدخل
وتنزل بنواحيها من كل مكان ، فخرجت حليمة مع
نسآء من بني سعد
، قالت حليمة : كنا نبقي اليوم واليومين لانقتات فيه بشئ ، وكنا قد شار كنا المواشي في مراعيها ، فكنت ذات ليلة بين النوم واليقظة وإذا قد
أتاني
آت وروماني في نهر ماء أبيض من اللبن ، وأحلى من العس ، وقال لي : اشربي فشربت ،
_________________
ثم ردني إلى مكاني ،
وقال لي يا حليمة : عليك ببطحاء مكة ، فإن لك بها رزقا واسعا ، وسوف تسعدين ببركة مولود ولد بها ، وضرب بيده على صدري ، وقال : أدرالله لك
اللبن ، وجنبك
المحق والمحن ، قال حليمة : فانتبهت وأنا لا اطيق حمل ثديي من
كثرة اللبن
، واكتسيت حسنا وجمالا ، وأصبحت بحالة غير الحالة الاولى ، ففزعت إلي نسآء قومي وقلن : يا حليمة قد عجبنا من حالك ، فما الذي حل بك؟ ومن
أين لك هذا الحسن والجمال الذي ظهر فيك؟ قالت : فكتمت أمري عليهن فتركنني
وهن أحسد الناس لي ، ثم بعد يومين هتف بي هاتف فسمعه بنو سعد عن آخرهم وهو يقول : يا نسآء بني سعد نزلت عليكم البركات ، وزالت عنكم الترحات برضاعة مولود
ولد بمكة ، فضله الواحد الاحد ، فهنيئا لمن له قصد ، فلما سمعوا ما قاله الهاتف
قالوا : إن لهذا المولود شأنا عظيما ، فرحل بنو سعد عن آخرهم إلى مكة ، قالت حليمة : ولم يبق أحد إلا وقد خرج إلى مكة ، قالت : وكنا أهل بيت فقر ولم يكن عندنا شئ
نحمل عليه ، وقد ماتت مواشينا من القحط ، وكانت حليمة من أطهر نسآء قومها و
أعفهن ، ولذلك ارتضاها الله تعالى لترضع رسول الله (ص) ، وكانت النسآء إذا دخلن
على آمنة
تسألهن عن أسمائهن ، فإذا لم تسمع بذكر حليمة تقول : ولدي يتيم لا أب له ولا مال ،
فيذهبن
عنها ، فأقبلت حليمة مع بعلها ودخلت مكة وخلفت بعلها خارج البلد وقالت له : مكانك
حتى أدخل مكة ، وأسأل عن هذا المولود الذي بشر نابه ، فلما دخلت حليمة مكة أرشدها
_________________
الله تعالى لالى أن
دخلت على عبدالمطلب وهو جالس بالصفا ، وكان له سرير منصوب عند
الكعبة يجلس عليه للقضاء بين الناس ، فلما أتته قالت له : نعمت صباحا أيها السيد ،
فقال لها : من أين أنت أيتها المرأة؟ قالت : من بني سعد أتينا نطلب رضيعا نتعيش من
اجرته ، وقد ارشدت إليك ، فقال : نعم عندى ولد لم تلد النسآء مثله أبدا ، غير أنه
يتيم
من أبيه وأنا جده أقوم مقام أبيه ، فإن أردت أن ترضعيه دفعته إليك وأعطيتك كفايتك
، فلما سمعت ذلك أمسكت عن الكلام ، ثم قالت : يا سيد بني عبدمناف لي بعل بظهر
مكة وهو مالك أمري وأنا أرجع إليه اشاوره في ذلك ، فإن أمرني بأخذه رجعت إليه و
أخذته ، فقال لها عبدالمطلب : شأنك ، فوصلت إلى بعلها وقالت له : إني وردت على
عبدالمطلب فقال : عندي مولود أبوه ميت ، وأنا أقوم مقامه ، فماتقول؟ قال : يرجعن
نسآء
بني سعد بالاحسان والاكرام وترجعين أنت بصبي يتيم؟ وكانت جملة نسآء بني سعد قد
دخلن
مكة ، فمنهن من حصل لها رضيع ، ومنهن من لم يحصل لها شئ ، فقالت حليمة : ترجع
نسآء بني سعد بالغنائم
، وأرجع أنا خائبة؟ وأسلبت
عبرتها ، فقال بعلها : ارجعي
إلى هذا الطفل اليتيم وخذيه فعسى أن يجعل الله فيه خيرا كثيرا ، فإن جده مشكور
بالاحسان ، فرجعت حليمة فوجدته في مكانه الاول فذكرت له قول زوجها ، فقام
عبدالمطلب
ومضى بها إلى منزل آمنة وأخبرها بذلك وأعلمها باسمها وقومها ، فقالت : هذه التي
امرت أن أدفع إليها ولدي ، فقالت لها آمنة : أبشري يا حليمة بولدي هذا ، فو الله ما
أخصبت بلادنا إلا ببركة ولدي هذا ، ثم أدخلتها آمنة البيت الذى فيه المصطفى (ص) ، فقالت
حليمة : أتوقدين يا آمنة مع ولدك المصباح في النهار؟ قالت : لا ، فو الله من حيث
ولد ما
أوقدت عنده النار ، بل هو يغيني عن المصباح ، فنظرت حليمة إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله وهو
ملفوف في ثوب من صوف أبيض ، يفوح منه رائحة المسك والعنبر ، فوقعت في قلبها محبة
محمد (ص) ، وفرحت وسرت به سرورا عظيما ، وكان نائما فأشفقت عليه أن توقظه من
_________________
نومه فأمسكت عنه
ساعة ، فخشيت أن تبطئ على بعلها فمدت يدها إليه لتوقظه ففتح
عينيه وجعل يهش لها
ويضحك في وجهها ، فخرج من فمه نور فتعجبت حليمة من
ذلك ، ثم ناولته ثديها اليمنى فرضع ، فناولته الاخرى فلم يرضع ، وكان ذلك إلهاما
من الله عزوجل ، ألهمه العدل والانصاف من صغره ، إذ كان لها ابن ترضعه ، وكان لا
يرضع
حتى يرضع أخوه ضمرة ، فرجعت حليمة بمحمد صلىاللهعليهوآله
، فقال لها عبدالمطلب : مهلا
يا حليمة حتى نزودك ، قالت : حسبي من الزاد هذا المولود ، وهو أحب إلي من الذهب
والفضة ومن جميع الاطعمة ، وأعطاها من المال والزاد والكسوة فق الطاقة والكفاية ، و
أعطتها آمنة كذلك ، فأخذت عند ذلك آمنة ولدها وقبلته وبكت لفراقه ، فربط الله على
قلبها ، فدفعته
إلى حليمة ، وقالت : يا حليمة احفظي نور عيني وثمرة فؤادي ، ثم خرجت حليمة من
بيت آمنة وشيعها عبدالمطلب ، قالت حليمة : والله ما مررت بحجر ولا مدر إلا ويهنئني
بما وصل
إلي ، فلما أقبلت على بعلها نظر إلى النور يشرق في غرته فتعجب من ذلك ، وألقى الله في
قلبه الرحمة له ، فقال لها : يا حليمة قد فضلنا الله بهذا المولود على سائر العالم
، فلا شك
أنه من أبناء الملوك ، فلما ارتحلت القافلة ركبت حليمة على أتان وجعلت تقول لزوجها
: لقد سعدنا بهذا المولود سعادة الدنيا والآخرة.
وسمعت آمنة هاتفا يقول :
قفي ساعة حتى نشاهد حسنه
|
|
قليلا ونمسي في وصال وفي قرب
|
فأين ذهاب الركب عن ساكن الحمى
|
|
وأين رواح الصب عن ساكن الشعب
|
إذا جئت واديه وجئت خيامه
|
|
وعاينت بدر الحسن في طيبه قف بي
|
وطف بالمطايا حول حجرة حسنة
|
|
حواست جمع كن
|
_________________
فعند مليح اللون
مهجتي التي
|
|
براها الاسى وجدا كما عنده قلبي
|
قفي يا حليمة ساعة
فلعلني
|
|
انا شده إذ كان
ذاشخصه
قربي
|
إذا طفت يا عيني اليمين تقربا
|
|
إلى الله يوم الحج
يا مهجتي طف بي
|
طواف شجي القلب لا شئ مثله
|
|
فإن دموعي جاريات
من السحب
|
ألا أيهنا الركب
الميم
قاصدا
|
|
إلى ساكن الاحباب هل عندكم حبي
|
قالت حليمة : فصارت الاتان تمركالريح
العاصف ، فبينا نحن سائرون إذ مررنا
على أربعين راهبا من نصارى نجران ، وإذا بواحد يصف لهم النبي صلىاللهعليهوآله ويقول : إنه يظهر في هذا الزمان أوقد ظهر بمكة مولود من صفاته كذا وكذا ، يكون على يده
خراب دياركم ، وقطع آثاركم ، وإذا إبليس قد تصور لهم في صوره إنسان وقال لهم : الذي تذكرونه مع هذه المرئة التي مرت بكم ، قالت حليمة : فقاموا إليه ونظروا
وإذا النور يخرج من وجهه ، ثم زعق بهم الشيطان وقال لهم : اقتلوه ، فشهروا سيوفهم
وقصدوني ، فرفع ولدي محمد رأسه إلى السمآء شاخصا فإذاهم بداهية عظيمة كالرعد
العاصف
نزلت إلى الارض ، وفتحت أبواب السمآء ، ونزلت منها نيران ، وإذا بهاتف يقول : خاب
سعي الكهان
، قالت حليمة : فعاينت نارا قد نزلت فخفت على ولدي منها ، فنزلت
على واديهم فأحرقته ومن فيه عن آخرهم ، فخفف وكدت أن أسقط عن الاتان ، وكان ذلك
_________________
أول ما ظهر من
فضائله صلىاللهعليهوآله
.
قال صاحب الحديث : إن أول ليلة نزل رسول
الله صلىاللهعليهوآله
بحي بني سعد أخضرت
أرضهم ، وأثمرت أشجارهم ، وكانوا في قطح عظيم ، وكانوا يحبونه لذلك محبه عظيمة.
وكان إذا مرض منهم مريض يأتون به إليه فيشفى
، وكثرت معجزاته ، فكان بنو سعد
يقولون : يا حليمة لقد أسعدنا الله بولدك هذا ، قالت : والله ما غسلت له ثوبا قط من
من نجاسة ، وكان له وقت يتوضأ فيه ولا يعود إلا إلى الغداة وكنت أسمع منه الحكمة ،
فلما كبر وترعوع
كان يقول : الحمد لله الذي أخرجني من أفضل نبات ، من الشجرة
التي خلق منها الانبيآء ، وكنت أتعجب منه ومن كلامه ، وكان يصبح صغيرا ، ويمسي
كبيرا ، ويزيد في
اليوم مثل ما يزيد غيره في الشهر ، ويزيد في الشهر مثل ما يزيد غيره
في السنة حتى كبر ونشأ ، ولم يكن في زمانه أحسن منه خلقا ، ولا أيسر منه مؤونة ، و
لقد كنا نجعل القليل من الطعام قد امنا ونجتمع عليه ونأخذ يده ونضعها فيه فنأكل ، ويبقى أكثر الطعام ، فلما صار ابن سبع سنين قال لامه حليمة : يا امي أين إخوتي ، قالت : يا بني إنهم يرعون الغنم التي رزقنا الله إياها ببركتك ، قال : يا اماه ما
أنصفتني ، قالت : كيف ذلك يا ولدي؟ قال : أكون أنافي الظل وإخوتى في الشمس و
الحر الشديد ، وأنا أشرب منها اللبن
قالت : يا بني أخشى عليك من الحساد ، وأخاف أن يطرقك طارق ، فيطلبني بك جدك ، قال لها : لا تخشى علي يا أماه من شي ء ، ولكن إذا كان غداة غد أخرج مع إخوتي ، فلما رأته وقد عزم على الخروج وهي خائفة
عليه
_________________
عمدت إليه وشدته من
وسطه ، وجعلت في رجليه نعلين ، وأخذ بيده عكازا ، وخرج مع إخوته ، فلما رأى أهل الحى
أتوا مسرعين إلى حليمة ، فقالوا لها : كيف يطيب قلبك
بخروج هذا البدر وما يصلح له الرعاية؟ قالت : يا قوم ما الذي تأمرونني به ولقد
نهيته
فلم ينته ، فأسأل الله تعالى أن يصرف عنه السوء ، ثم قالت : شعرا.
يا رب بارك في الغلام الفاضل
|
|
محمد سليل ذي الافاضل
|
وابلغه في الاعوام غير آفل
|
|
حتى يكون سيد المحافل
|
فلما كان وقت العشآء أقبل مع إخوته كأنه البدر
الطالع
، فقالت له : يا ولدي
لقد اشتغلت قلبي بخروجك عني في هذه البرية ، قالت حليمة : وكان في الغنم شاة قد
ضربها ولدي ضمرة فكسررجلها ، فأقبلت إلى ولدي محمد (ص) تلوذ به كأنها تشكوا إليه ،
فمسح عليها بيده ، وجعل يتكلم عليها حتى انطلقت مع الاغنام كأنها غزال ، وكان
كل يوم يظهر منه آيات ومعجزات ، وكان إذا قال للغنم : سيري سارت ، وإذا أمرها
بالوقوف وقفت ، وهي مطيعة له ، فخرج في بعض الايام مع إخوته وقد وصلوا إلى واد
عشيب ، وكانت
الرعاة تهابه لكثرة سباعه
، وإذا قد أقبل عليهم أسد وهو يزمجر
،
_________________
هائل الخلقة ، فلما
وصل إلى الاغنام فتح فاه وهم أن يهجم عليها ، فتقدم إليه محمد
رسول الله صلىاللهعليهوآله
، فلما نظر إليه الاسد نكس رأسه وولى هاربا
، فعند ذلك تقدم
إخوته إليه فقال لهم : ما شأنكم؟ قالوا : لقد خفنا عيك من هذا الاسد ، وأنت ما خفت
منه وكنت تكلمه ، قال : نعم كنت أقول له : لا تعود بقرب هذا الوادي بعد هذا اليوم
، فلما كان بعد ذلك رأت حليمة رؤيا وانتبهت فزعة مرعوبة ، وقالت لبعلها : إن سمعت
مني
أحمل محمدا إلى جده ، فإني أخشى أن يطرقه طارق ، فيعظم مصيبتنا عند جده ، ولقد
رأيت
كأن ولدي محمدا مع إخوته كما كان يخرج كل يوم إذ أتاه رجلان عظيمان لم أر أعظم
منهما ، عليهما ثياب من إستبرق ، وقصداه ، فجاءه واحد منهما يخنجر وشق به جوفه ، فانتبهت فزعته مرعوبة ، والرأي عندي أن تحمله إلى جده ، فقال لها : إن الذي
تذكرينه
في حق محمد ممتنع ، فإنه معصوم من الله تعالى
، ولقد رأيت الرهبان والاسد وغيره ، قالت : نعم ، ولكن لكن شئ آخر ونهاية
، فكم كبير مات ، وصغير عاش
، فقال
لها : إن منامك الذي رأيتها أضغاث أحلام ، ثم لما أصبح الصباح وأراد محمد صلىاللهعليهوآله أن
يخرج مع إخوته على العادة قالت : لا تخرج اليوم يا قرة عيني ، فاني أحب أن تكون
معي هذا اليوم حتى أشبع من النظر إليك ، فانك في كل يوم تخرج بكرة ولا تأتي إلا
عشية ، فقال لها : وكيف ذلك يا اماه وأي شئ خفت علي منه ، لا تخافي علي من
شئ ، فلم يقدر أحد أن يصل إلي بسوء ولا ضر ولا نفع إلا الله ربي ، فخرج مع إخوته
_________________
وهي راعبة عليه ، فلما
كان وقت القائلة أقبل أولاد حليمة يبكون ، فخرجت حليمة تعثر
في أذيالها حيث سمعت أولادها يبكون ، وحثت التراب على وجهها وشعرها ، وشهرت
بنفسها ، فقالت : ما الذي دهاكم؟ أخبروني ، قالوا : خرجنا نحن وأخونا محمد صلىاللهعليهوآله
وجلسنا تحت شجرة ، وإذا قبل أقبل عليه رجلان عظيمان لم نر مثلهما ، فلما وصلا
إلينا
أخذا أخانا محمدا صلىاللهعليهوآله
من بيننا ، ومضيا به إلى أعلى الجبل فأضجعه واحد منهما ، وأخذ
سكينا ، وشق بطنه ، وأخرج قلبه وأمعائه ، ولا شك أنك لا تلحقيه إلا هالكا ، فعند
ذلك لطمت خدها ، وقالت : هذا تأويل رؤياي البارحة ، وا أسفي عليك يا محمداه ، واجزعي
عليك يا ولداه يا قرة عيني ، ثم صرخت في الحي وخرجت وخرج بنو سعد كلهم في
أثرها ، وخرج زوجها الحارث يجر قناته وبيده حربة ، فلما أشرفوا على رسول الله صلىاللهعليهوآله
وجدوه جالسا ، والاغنام حوله محيطة به ، فتبادر القوم إليه ورفعوه وأتوا به وهم
يقولون : كل شئ تلقاه نحن وأولادنا وأموالنا فداك
، فجائت إليه حليمة وأخذته وقبلته وهي
تبكي بكاء عظيما ، وكشفت عن بطنه فلم تر أثرا فيه ، ولم تر في أثوابه دما ، فرجعت
إلى أولادها وقالت : كيف كذبتم على أخيكم؟ فقال رسول الله (ص) : لا تلوميهم فإني
كنت عندهم إذ أتاني رجلان ، وأخذاني وأضجعاني ، وأخذ واحد منهما سكينا فشق بها
فؤادي ، وأخرج منه نكتة سودآء ورمى بها ، وقال لي : هذا حظ الشيطان منك يا محمد ، ثم غلسلا فؤادي بالماء وأعاداه كما كان ، ثم أخرج أحدهما خاتما يشرق منه النور
فختم به
فؤادي ، ثم مسح على ما شقه فعاد كما كان ، ثم قالا لي : يا محمد لو علمت ما لله عليك
من السابقة
لقرت عيناك ، ثم قال أحدهما للآخرك زنه ، فوزنني بعشره من امتي
_________________
فرجحت بهم ، ثم زاد
عشرة فرجحت بهم ، ثم قال
: لو وزنته بجميع الامم
لرجح
بهم ، ثم عرجا نحو السمآء وأنا أنظر إليهما ، فقالت حليمة لبعلها : الرأي أنا نحمل
محمدا
إلى جده ، فقال : يمنعني من ذلك خبث نفسي من فراقنا له ، وإنه أعز عندنا من
الاولاد ، فلما سمعت كلام بعلها قالت : ما يوصل هذا الصبي إلى جده إلا أنا بنفسي ،
ثم أقبلت إليه وقالت : يا ولدي إن جدك إليك مشتاق وعمومتك ، فهل لك أن تسير إليهم؟
قال : نعم ، فقامت حليمة وشدت على راحلتها وركبت ، وأخذت محمدا قدامها وسارت طالبة
مكة ، وكان عبدالمطلب قد أنفذ إليها أن تحمل ولده إليه ، فكانت إذا نزلت في هبوط
ضمته
إليها ، وإذا رأت راكبا غمته
خوفا عليه إلى أن وصلت حيا من أحياء العرب ، وكان
عندهم كاهن وقد سقط حاجباه على عينيه من طول السنين ، والناس عاكفون عليه ، فلما
جازت عليهم غشي عليه ، فلما أفاق قال : يا ويلكم بادروا إلى المرأة التي مرت راكبة
، وخذوا منها الصبي الذي عندها واقتلوه قبل أن يخرب بلادكم ، قالت حليمة : وإذا أنا
بالرجال قد أقبلوا إلي ، فوقعت عليهم ريح صرعتهم في الحال ، فسرت عنهم ولم أحفل
بهم ، وجعلت
أسير حتى بلغت إلى مكة ، فوضعت ولدي محمدا (ص) عند اناس جلوس ، ومضيت عنه ناحية لحاجة ، فسمعت وجبة وصوتا عاليا ، فالتفت إلى ولدي فلم أره ، فسألت
عنه القوم الذين كانوا جلوسا قالوا : ما رأيناه ، فسألوني عن اسمه ، فقلت : محمد
بن عبدالله
ابن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف ، فقلت : وحق الكعبة والمقام لئن لم أجده رميت
بنفسي
من أعلى هذا الحائط حتى أموت ، وسألتهم وأخذت في جد السؤال فلم تعط خبرا ، فأخذت
جيبها ، ومزقت أثوابها
، ولطمت وجهها ، وبكت وأكثرت البكاء ، وحثت التراب على
_________________
رأسها ، وجعلت تقول
: واولداه ، واقرة عيناه ، واثمرة فؤاداه ، وا محمداه : فبينا هي كذلك
إذ خرج إلهيا شيخ كبير يتوكأ على عصا ، فقال لها : ما قصتك أيتها المرأة؟ فقالت : فقدت ولدي ى محمدا ، ولم أدر أين مضى ، قال لها : لا تبكين ، أنا أدلك على من يعلم
أين ذهب ، قالت : افعل يا سيدي ، فمضى قدامها إلى أن أتى الكعبة ، وطاف على صنم يقال له : هبل
، وقال : يا هبل أين محمد؟ فسقط الصنم لما ذكر محمدا ، فخرج الرجل خائفا ، قالت
حليمة : فحسست في نفسي أنه قد أخذه آخذ وذهب به إلى جده ، فقصدته مسرعة ، فلما رآني
قال : ما قصتك؟ قلت : ولدك محمد أتيت به ووضعته على باب مكة أقضي حاجة فرجعت فلم
أره ، فقال
: إنى أخشى أن يكون أخذه بعض الكهان ، فنادى عبدالمطلب : يا آل غالب ، وكانوا يتباركون بهذه الكلمة ، فلما سمع قريش صوت عبدالمطلب أجابوه من كل مكان ، فقال لهم : إن حليمة قد أقبلت بولدي محمد ، وطرحته على باب الكعبة ، ومضت لقضآء
حاجة لها وعادت فلم تره ، وأنا أخاف عليه أن يغتاله ساحر أو كاهن ، فقالوا : نحن
معك
سربنا أين شئت ، إن خضت بحرا خضناه ، وإن ركبت برا ركبناه ، ثم ركبوا وساروا
فلم يقفوا له على خبر ، فأتى عبدالمطلب إلى الكعبة وطاف بها سبعا ، وتعلق بأستارها
، ثم دعا وتضرع في دعائه ، فسمع هاتفا يقول : يا عبدالمطلب لا تخف على ولدك ، ولكن
اطلبه بوادي دعاية
عند شجرة الموز ، فمضى عبدالمطلب إلى المكان المذكور فوجده
قاعدا تحت الشجرة ، وقد تدلت عليه أثمارها
، فبادر إليه جده ، فأخذه وقبله ، وقال له : يا ولدي من أتي بك إلى هذا الموضع؟ قال : اختطفت بى طير أبيض ، وحملنى على
_________________
جناحه ، وأتى بى إلى
هاهنا ، وقد جعت وعطشت فأكلت من ثمرة هذه الشجرة ، وشربت
من المآء ، وكان الطائر جبرئيل عليهالسلام
.
ثم إن حليمة قالت لعبدالمطلب : إن ولدك قد
صار له عندنا
كذا وكذا ، قال : يا حليمة لا بأس عليك ، إمضي إلى امه وأخبريها بذلك ، فإنها أخبرتني يوم ولد
أنه سطع منه نور صعد إلى السمآء.
وذلك قوله تعالى (
ألم نشرح
لك صدرك )
الآية.
ثم إن عبدالمطلب كفل النبي صلىاللهعليهوآله إلى أن رمد النبي صلىاللهعليهوآله رمدة شديدة
وكان بالجحفة طبيب فوطأله جده راحلة وسار به إلى الجحفة ، فلما دخل صالح عبدالمطلب
أيها الطبيب عندي غلام اريد أن تطب عينه ، فرفع رأسه وقال له : اكشف لي عن
وجهه ، فلما كشف عن وجهه سقطت
الصومعة ، فرفع
الراهين رأسه ونادى بالشهادتين
والاقرار بنبوة محمد صلىاللهعليهوآله
، ثم قال : وما عسى أن أقول فيه لا بأس عليه مما نزل به ، ولكن
أيها الشيخ اسمع ما أقول لك ، إنه سيد العرب ، بل سيد الاولين والآخرين ، والمشفع
فيهم يوم الدين ، تنصره المئلائكة المقربون ، ويأمره الله أن يقاتل من يخالفه ، وينصره
الله
نصرا عزيزا ، وأشد الناس عليه قومه ، فقال عبدالمطلب : يا راهب ما تقول؟ فقال : والذي
لا إله إلا هو ، لئن أدركت زمانه لانصرنه ، فاحفظ ولدك ، فرجع بولده إلى مكة
_________________
فأقام بها حتى حضرته
الوفاة ، فأوصى به إلى عمه أبي طالب فكفله أبوطالب ، وأقبل به
إلى منزله ، ودع ابزوجته فاطمة بنت أسد ، وكانت شديدة المحبة لرسول الله صلىاللهعليهوآله ، شفيقة
عليه ، فقال لها أبوطالب : اعلمي أن هذا
ابن أخي ، وهو اعز عندي من نفسي ومالي ، و
إياك أن يتعرض عليك
أحد فيما يريد ، فتبسمت فاطمة من قوله ، وكانت تؤثره على سائر
أولادها ، وكان لها عقيل وجعفر ، فقالت له : توصيني في ولدي محمد وإنه أحب إلي من
نفسي
وأولادي ، ففرح أبوطالب بذلك ، فجعلت تكرمه على جملة أولادها ، ولا تجعله يخرج
عنها
طرفة عين أبدا ، وكان يطعم من يريد فلا يمنع ، وقد كان يشب في اليوم ما يشب غيره
في السنة وينمو ، فتعجب
أهل مكة من ذلك وحسنه وجماله ، فلما نظر أبوطالب إلى
حسنه وجماله قال : شعرا :
نور وجهك الذي فاق في الحسن
|
|
على نور شمسنا والهلال
|
أنت والله يا مناي وسؤلي
|
|
الذي فاق نوره المتعالي
|
أنت نور الانام من هاشم الغر
|
|
فقت كل العلا وكل الكمال
|
وعلو الفخار والمجد أيضا
|
|
ولقد فقت أهل كل المعالي
|
ثم بعد ذلك شاع ذكره في البلاد ، ثم إنه توجه يوما إلى نحو الكعبة
وأهل
مكة حولها ، وكان قد عمروا فيها عمارة ، وشالوا الحجر الاسود من مكانه ، فلما عموا
_________________
أن يردوه إلى مكانه
الاول اختلفوا فيمن يرده ، فكان كل منهم يقول : أنا أرده ، يريد
الخر لنسفه ، فقال لهم ابن المغيرة : يا قوم حكموا في أمركم من يدخل من هذا الباب
، وأجمعوا على ذلك
، وإذا بالنبي صلىاللهعليهوآله
قد اقبل عليهم ، فقالوا : هذا محمد ، نعم الصادق
الامين ، ذو الشرف الاصيل
، ثم نادوه فأقبل عليهم ، فقالوا : قد حكمناك في أمرنا ، من
يحمل الحجر الاسود إلى محله؟ فقال صلىاللهعليهوآله
: هذه فتنة ، ايتوني بثوب
، فأتوه به ، فقال : ضعوا الحجر فوقه ، وارفعوه من كل طرف قبيلة ، فرفعوه إلى مكانه ، والنبي صلىاللهعليهوآله هو الذي
وضعه في مكانه
، فتعجبت القبائل من فعله.
بيان
: الزعرق : الصياح والزمجرة : الصوت. قوله : غمته أي غطته .
٢١ ـ أقول
: روى الكاذروني : في المنتقى عن برة قال : أول م نأرضع رسول الله صلىاللهعليهوآله
ثويبة بلبن ابن لها يقال له : مسروح أياما قبل أن تقدم حليمة ، وكانت قد أرضعت
قبله
حمزة بن عبدالمطلب ، وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبدالاسد المخزومي ، وكانت تدخل
على رسول الله (ص) فيكرمها ، وكان رسول الله (ص) يبعث إلهيا بعد الهجرة بكسوة
_________________
وصلة حتى ماتت بعد
فتح خيبر .
٢٢ ـ وأورد الحافظ أبوالقاسم الاصبهاني في دلائل النبوة مسندا عن
العباس بن عبدالمطلب قال : قلت : يا رسول الله دعاني إلى الدخول في دينك أمارة
لنبوتك ، رأيتك في المهد تناغي
القمر ، وتشير إليه بإصبعك ، فحيث أشرت إليه مال ، قال : إني كنت احدثه ويحدثني ويلهيني عن البكاء ، وأسمع وجبته يسجد تحت
الكرسي .
قوله : وجبته أي سقطته.
٢٣ ـ وروى عن مجاهد قال : قلت لابن عباسك وقد تنازعت الظئر في رضاع
محمد صلىاللهعليهوآله؟
قال : إي والله ، وكل نساء الجن ، وذلك لما رد إلى آمنة من السماوات نادى
الملك في سمآء الدنيا : هذا محمد سيد الانبياء ، فطوبي لثدي أرضته ، فتنافست الطير
والجن ، في رضاعه ، قال : فنوديت
كلها : أن كفوا ، فقد أجرى الله ذلك علي أيدي الانس ، فخص
الله بذلك حليمة .
٢٤ ـ وروي أنه لما مضى على رسول الله صلىاللهعليهوآله
شهران وهو عند حليمة ترضعه
خرج عبدالمطلب فأتى إليها فقال لها : ادفعي إلي ابني : فقالت له : جعلني الله فداك
يا
عبدالمطلب دعه عندي فإنه قد ألفني ، قال : كيف لم تريديه قبل اليوم وتمتسكين به
الآن؟ قالت : لانه والله نسمة مباركة ، قد بورك لنا في جميع أبداننا وأموالنا ، فدعه
عندي
لا اريد منك عليه شيئا أبدا ، فتركه عندها ، وانصرفت عبدالمطلب ، فمكثت حليمة لا
تدخل في الليل إلى بيتها إلا ونظرت إلى السترقد انفجر ونزل عليه القمر يناغيه ، فيقول
زوجهاك إن لهذا الغلام لشانا عظيما ، ليسودن العرب كلها.
٢٥ ـ وروى حديث حليمة برواية اخرى عن ابن عباس أوردتها أيضا لفوائد
فيها ،
_________________
وهي أنه روي أنه كان
من سببها أن الله أجدب البلاد والزمان ، فدخل ذلك على عامة
الناس ، وكانت حليمة تحدث عن زمانها وتقول : كان الناس في زمان رسول الله صلىاللهعليهوآله في
جهد شديد ، وكنا اهل بيت مجدبين ، وكنت امرأة طوافة ، أطواف البراري والجبال ، ألتمس الحشيش والنبات ، فكنت لا أمر على شئ من النبات إلا قلت : الحمد لله الذي
أنزل بي هذا الجهد والبلاء ، ولما ولد النبي صلىاللهعليهوآله
خرجت إلى ناحية مكة ولم أكن دقت
شيئا منذ ثلاثة أيام ، وكنت ألتوي كما تلتوي الحية ، وكنت ولدت ليلتي تلك غلاما
فلم أدر أجهد الولادة أشكو أم جهد نفسي ، فلما بت ليلتي تلك أتاني رجل في منامي
فحملنى حتى قذفني في ماء أشد بياضا من اللبن ، وقال : يا حليمة أكثري من شرب هذا
المآء ليكثر لبنك ، فقد أتاك العز وغناء الدهر ، تعرفينني؟ قلت : لا ، قالك أنا
الحمد لله الذي
كنت تحمدينه في سرائك وضرائك ، فانطلقي إلى بطحاء مكة ، فإن لك فيها رزقا واسعا ، واكتمي شأنك ولا تخبري أحدا ، ثم ضرب بيده على صدري ، فقال : أدر الله لك اللبن ، وأكثر لك الرزق ، فانتبهت وأنا أجمل نساء بني سعد ، لا اطيق أن أسبل ثديي ، كأنهما
الجر العظيم ، يتسيب
منهما لبن ، وأرى الناس حولي من نسآء بني سعد ورجالهم في
جهد من العيش ، إنما كنا نرى البطون لازقة بالظهور ، والالوان شاحبة متغيرة ، لا نرى في الجبال الراسيات شيئا ، ولا في الارض شجرا ، وإنما كنا نسمع من كل جانب
أنينا كأنين المرضى ، وكادت العرب أن تهلك هزالا وجوعا ، فلما أصبحت حليمة وإنها
لقي جهد من العيش وتغير من الحال ، وقد أصبحت اليوم تشبه بنات الملوك ، قلن : إن
لها شأنا عظيما ، ثم احدقن بي يسألنني عن قصتي ، فكنت لا احير جوابا ، فكتمت
شأني لاني بذلك كنت امرت ، ولم تبق امرأه في بني سعد ذات زوج إلا وضعت غلاما ، ورأيت الرؤوس المشتعلة بالشيب قد عادت سودا لبركة مولد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فبينا نحن
كذلك إذ سمعنا صوتا ينادي : ألا إن قريشا قد وضعت العام كل بطونها ، وإن الله قد
_________________
حرم على نساء العام
أن يلدن البنات من أجل مولد في قريش ، وشمس النهار ، وقمر
الليل ، فطوبى لثدي أرضعته ، ألا فبادرون إليه يا نساء بني سعد ، قالت : فنزلنا في
جبل و
عزمنا على الخروج إلى مكة ، فخرج نساء بني سعد على جهد منهن ومخمصة ، وخرجت
أنا مع بني لي على أتان لي معناق
تسمع لها في جوفها خضخضة
، قدبدأ عظامها
من سوء حالها ، وكانت تخفضني طورا ، وترفعني آخر ، ومعي زوجي ، فكنت في طريقي
أسمع العجائب من كل ناحية ، لا أمر بشئ إلا استطال إلي فرحا ، وقال لي : طوبى
لثديك يا حليمة ، انطلقي فإنك ستأتين بالنور الساطع ، والهلال البدري ، فاكتمي
شأنك
وكوني من ورآء القوم ، فقد نزلت بشاراتك ، قالت : فكنت أقول لصاحبي : تسمع ما
أسمع؟ فيقول : لا ، مالي أراك كالخائفة الوجلة تلتفتين يمنة ويسرة ، مري أمامك ، فقد
تقدم نساء بني سعد ، وإني أخاف أن يسبقني إلى كل مولود بمكة ، قالت : فجعلنا
نجد في المسير والاتان كأنها تنزع حوافرها من الظهر نزعا ، فينا أنا في مسيري إذا
أنا برجل في بياض الثلج ، وطول النخلة الباسقة ، ينادي من الجبل : يا حليمة مري
أمامك ، فقد أمرني الله عزوجل أن أدفععنك كل شيطان رجيم ، قالت : حتى إذا صرنا
على فرسخين من مكة بتنا ليلتنا تلك ، فرأيت في منامي كان على رأسي شجرة خضرآء ، قد
ألقت بأغصانها حولي ، ورأيت في فروعها شجرة كالنخلة ، قد حملت من أنواع الرطب ، و
كان جميع من خرج معي من نساء بني سعد حولي ، فقلن : يا حليمة أنت الملكة علينا ، فبينا أنا كذلك إذ سقطت من تلك الجشرة في حجري تمرة فتناولتها ووضعتها في فمي ، فوجدت لها حلاوة كحلاوة العسل ، فلم أزل أجد طعم ذلك في فمي حتي فارقني رسول
الله صلىاللهعليهوآله
، فلما أصبحت كتمت شأني ، قلت : إن قضى الله لي أمرا فسوف يكون ، ثم
ارتحلنا حتى نزلنا مكة يوم الاثنين وقد سبقني نساء بني سعد ، وكان الصبي الذي معي
قد ولدته لا يبكي ولا يتحرك ولا يطلب لبنا ، فكنت أقول لصاحبي : هذا الصبي ميت
_________________
لا محالة ، فكنت إذا
قلت ذلك يلتفت إلي الصبي فيفتح عينية ويضحك في وجهي ، وأنا
متعجبة من ذلك ، فلما توسطنا مكة قلت : لصاحبي : سل من أعظم الناس قدرا بمكة ، فسأل عن ذلك فقيل له : عبدالمطلب بن هاشم ، فقلت له : سل من أعظم قريش ممن ولد
له في عامه هذا ، فقيل لي : آل مخزوم ، قالت : فأجلست صاحبي في الرحل وانطلقت إلى
بني مخزوم ، فإذا أنا بجميع نساء بني سعد قد سبقننى إلى كل مولود بمكة ، فبقيت لا
أدري
ما أقول ، وندمت على دخولي مكمة ، فبينا أنا كذلك إذا بعبدالمطلب ، وجمته تضرب
منكبه ، ينادي بنفسه بأعلى صوته : هل بقي من الرضاع أحد ، فإن عندي بنيا لي يتيما
وما عند اليتيم من الخير ، إنما يلتمس كرامة الآباء ، قالت : فوقفت لعبد المطلب
وهو
يومئذ كالنخلة طولا ، فقلت : أنعم صباحا أيها الملك المنادي ، عندك رضيع ارضعه ، فقال
هلمي ، فدنوت منه ، فقال لي : من أين أنت؟ فقلت : امرأة من بني سعد ، فقال لي : إيه
إيه كرم وزجر ، ثم
قال لي : ما اسمك؟ فقلت : حليمة ، فضحك وقال : بخ بخ خلتان
حسنتان : سعد وحلم ، هاتان خلتان فيها غنى الدهر ، ويحك يا حليمة عندي بني لي يتيم
اسمه محمد ، وقد عرضته على جميع نساء بني سعد فأبين أن يقبلنه ، وأنا أرجو أن
تسعدي به ، قالت : فقلت له : إني منطلقة إلى صاحبي ومشاورته في ذلك ، قال لي : إنك لترضعين غير كارهة
، قالت : قلت : بالله لارجعن إليك ، قالت : فرجعت إلى صاحبي فلما أخبرته الخبر كأن
الله قد قذف في قلبه فرحا ، ثم قال لي : يا حليمة بادري إليه لا يسبقك إليه أحد ، قالت
: وكان معي ابن اخت لي يتيم ، قال : هيهات إني أراكم لا تصيبون في سفركم هذا خيرا ، هؤلاء نساء بني سعد يرجعن بالرضاع والشرف ، وترجعون أنتم باليتيم ، قالت : فأردت
والله لارجع
إليه ، فكأن الله قذف في قلبي إن فارقك محمد لا تفلحين ، وأخذتني الحمية
وقلت : هؤلاء نسآء بني سعد يرجعن بالرضاع والشرف ، وأرجع أنا بلا رضاع؟ والله
لآخذنه
وإن كان يتيما ، فلعل الله أن يجعل فيه خيرا ، قالت : فرجعت إلى عبدالمطلب ، فقلت
له :
_________________
أيها الملك الكريم
هلم الصبي ، قال : هل نشطت لاخذه؟ قالت : قلت : نعم ، فخر عبدالمطلب
ساجدا ، ورفع رأسه إلى السمآء وهو يقول : اللهم رب المروة والحطيم ، اسعدها بمحمد
، ثم مر بين يدي يجر حلته فرحا حتى دخل بي على آمنة ام رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فإذا أنا
بامرأة ما رأيت في الآدميين أجمل وجها منها ، هلالية بدرية ، فلما نظرت إلى ضحكت
في
وجهي ، وقالت : ادخلي يا حليمة ، فدخلت الدار فأخذت بيدي ، فأدخلتني بيتا كان فيه
رسول الله صلىاللهعليهوآله
، فإذا أنابه ووجهه كالشمس إذا طلعت في يوم ديجانها ، فلما رأيته
على هذه الصفة استدر
كل عرق في جسدي بالضربان ، فناولتني النبي صلىاللهعليهوآله
، فلما أن
وضعته في حجري فتح عينيه لينظر إلى فسطع منهما نور كنور البرق إذا خرج من خلال
السحاب فألقمته ثديي الايمن فشرب منه ساعة ، ثم حولته إلى الايسر فلم يقبله ، و
جعل يميل إلى اليمنى فكان ابن عباس يقول : الهم العدل في رضاعه ، علم أن له شريكا
، فناصفه عدلا وكانت الثدي اليمنى تدر لرسول الله صلىاللهعليهوآله
، والثدي اليسرى تدر لابني ، وكان ابني لا يشرب حتى ينظر إلى محمد صلىاللهعليهوآله
قد شرب ، وكنت كثيرا ما أسبق إلى مسح
شفتيه ، فكنت أسبق إلى ذلك فنام في حجري ، فجعلت أنظر إلى وجهه ، فرأيت عينيه
مفتوحتين ، وهو كالنائم ، فلم أتما لك فرحا ، وأخذتني العجلة بالرجوع إلى صاحبي ، فلما
أن نظر إليه صاحبي لم يتمالك أن قام وسجد ، وقال : يا حليمة ما رأيت في الآدميين
أجمل
وهها من هذا ، قالت : فلما كان في الليل وطاب النوم وهدأت الاصوات انتبهت فإذا به
وقد خرج منه نور متلالئ ، وإذا أنا برجل قائم عند رأسه ثوب أخضر ، فانبهت
صاحبي وقلت : ويحك ألا ترى إلى هذا المولود؟ قالت : فرفع رأسه فلما نظر إليه قال
لي
يا حليمة اكتمي شأنه ، فقدأخذت شجرة كريمة لا يذهب رسمها أبدا ، قالت : فأقمنا
بمكة
سبعة أيام بلياليهن ما من يوم إلا وأنا أدخل على آمنة ، فلما عزمنا على الخروج
دعتني
آمنة فقالت : لا تخرجي من بطحآء مكة حتى تعلميني ، فإن لي فيك وصايا اوصيك بها ، قالت : فبتنا فلما كان في بعض الليل انتبهت لاقضي حاجة ، فإذا برجل عليه ثياب خضر
_________________
قاعدعند رأسه يقبل
بين عينيه ، فانبهت صاحبي رويدا فقلت : انظر إلى العجب العجيب ، قال : اسكتي واكتمي شأنك ، فمنذ ولد هذا الغلام قد أصحبت أحبار الديا على أقدامها
قياما ، لا يهنؤها عيش النهار ، ولا نوم الليل ، وما رجع أحد من البلاد أغنى منا ،
فلما
أصبحنا من الغد وعزمنا على الخروج ركبت أتاني وحملت بين يدي محمدا صلىاللهعليهوآله ، وخرجت
معي آمنة تشيعني ، فجعلت الاتان تضرب بيدها ورجلها الارض وترفع رأسها إلى السمآء
فرحة مستبشرة ، ثم تحولت بي نحو الكعبة ، فسجدت ثلاث سجدات ، حتى استوينا
مع الركب سبقت الاتان كل دوابهم ، فقالت نساء بني سعد : يا بنت أبي ذؤيب أليس
هذا أتانك التي كانت تخفضك طورا وترفعك آخر؟ فقلت : نعم ، فقلن : بالله إن لها
لشأنا عظيما ، فكنت أسمع الاتان تقول : إي والله وإن لي لشأنا ، ثم شأنا ، أحياني
الله
عزوجل بعد موتي ، ورد علي سمني بعد هزالي ، ويحكن يا نساء بني سعد إنكن لفي
غفلة ، أتدرين من حملت؟ حملت سيد العرب محمدا رسول الله رب العالمين ، هذا ربيع الدنيا
وزهرة الآخرة ، وأنا أنادي من كل جانب : استغنيت يا حليمة آخر دهرك ، فأنت سيدة
نساء بني سعد ، قالت : فمررت براع يرعى غنما له ، فلما نظرت الغنم إلي جعلن
يستقبلن
وتعدو إلي كما تعدو سخالها
، فسمعت من بينها قائلا يقول : أقر الله عينك يا حليمة ، أتدرين ما حملت؟ هذا محمد رسول رب العالمين ، إلى كل ولد آدم من الاولين والآخرين
، قالت : فشيعتني امه ساعة وأوصتني فيه بوصايا ، ورجعت كالباكية ، قالت : وليس كل
الذي رأيت في طريقي احسن وصفه ، إلا أني لم أنزل منزلا إلا أنبت الله عزوجل فيه
عشبا ، وخيرا كثيرا ، وأجشارا قد حملت من أنواع الثمر ، حتى أتيت به منزل بني سعد
، وما نعلم والله أن أرضا كانت أجدب منها ، ولا أقل خيرا ، وكانت لنا غنيمات دبرات
مهزولات ، فلما صار رسول الله صلىاللهعليهوآله
في منزلي صارت غنمي تروح شباعا حافلة ، تحمل
وتضع وتدر وتحلب ، ولا تدر في بني سعد لاحد من الناس غيري ، فجمعت بنو سعد رعاتها
_________________
وقالوالهم : ما بال
أغنام حليمة بنت أبي ذؤيب تحمل وتضع وتدر وتحلب ، وأغنامنا لا
تحمل ولا تضع ولا تأتي بخير؟ اسرحوا حيث تسرح رعاة بنت أبي ذؤيب حتى تروح غنمكم
شباعا حافلة ، قالت : فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والبركة والفضل والخير ببركة
النبي صلىاللهعليهوآله
حتى كنا نتفضل على قومنا ، وصاروا يعيشون في أنافنا ، فكنت أرى
من يومه
عجبا ، ما رأيت له بولاقط ، ولا غسلت له وضوءا قط ، طهارة ونظافة ، وذلك
أني كنت اسبق إلى ذلك ، وكان له في كل يوم وقت واحد يتوضأ فيه ولا يعود إلى
وقته من الغد ، ولم يكن شئ أبغض إليه من أن يرى جسده مكشوفا ، فكنت إذا كشفت
عن جسده يصيح حتى أسترعليه ، فانتبهت ليلة من الليالي فسمعته يتكلم بكلام لم أسمع
كلاما
قط أحسن منه ، يقول ( لا إله إلا الله قدوسا قدوسا ، وقد نامت العيون والرحمن لا
تأخذه
سنة ولا نوم ) وهو عند أول ما تكلم ، فكنت أتعجب من ذلك ، وكان يشب شبابا لا يشبه
الغلمان ، ولم يبك قط ، ولم يسئ خلقه ، ولم يتناول بيساره ، وكان يتناول بيمينه ، فلما
بلغ النطق لم يمس شيئا إلا قال : ( بسم الله ) فكنت معه في كل دعة وعيش وسرور ، وكنت قد اجتنبت الزوج لا أغتسل منه هيبة لرسول الله صلىاللهعليهوآله
، حتى تمت له سنتان
كاملتان ، وقد ثمر
الله لنا الاموال ، وأكثر لنا من الخير ، فكانت تحمل لنا الاغنام ، وتنبت لنا الارض ، وقد ألقى الله محبته على كل من رآه ، فبينا هو قاعد في حجري إذا
مرت به غنيماتي
فأقبلت شاة من الغنم حتى سجدت له ، وقبلت رأسه ، فرجعت إلى
صويحباتها ، وكان ينزل عليه في كل يوم نور كنور الشمس فيغشاه ثم ينجلي عنه ، وكان أخواه من الرضاعة يخرجان فيمران بالغلمان فيلعبان معهم ، وإذا رآهم محمد
صلىاللهعليهوآله
احتنبهم وأخذ بيد أخويه ثم قال لهما : إنا لم نخلق لهذا ، فلما
________________
ثم له ثلاث سنين قال
لي يوما ، يا اُمّاه مالي لا أرى أخوي بالنهار؟ قلت له : يا بنى
إنهما يرعيان غنيمات ، قال : فما لي لا أخرج معهما؟ قلت له : تحب ذلك؟ قال : نعم ،
فلما أصبح دهنته وكحلته وعلقت في عنقه خيطا فيه جزع يمانية ، فنزعها ثم قال لي : مهلا يا اماه فإن معي من يحفظني ، قالت : ثم دعوت با بني فقلت لهما : اوصيكما
بمحمد
خيرا ، لا تفارقاه ، وليكن نصب أعينكما ، قالت : فخرج مع أخويه في الغنم ، فبيناهم
يترامون بالجلة يعني البعر إط هبط جبرائيل وميكائيل ومعهما طست من ذهب فيه ماء
وثلج
فاستخرجاه من الغنم والصبية فأصجعاه وشقا بطنه ، وشرحاه صدره ، فاستخرجا منه نكتة
سودآء وغسلاه بذلك الماء والثلج ، وحشيا بطنه نورا ، ومسحا عليه فعاد كما كان ، قالت
: فلما
رأى أخواه ذلك أقبل أحدهما اسمه ضمرة يعدو وقد علاه النفس وهو يقول : يا امه أدركي
أخي محمدا وما أراك تدركينه ، قالت : فقلت : وما ذاك؟ قال : أتاه رجلان عليهما
ثياب خضر
فاستخرجاه من بيننا وبين الغنم فأضجعاه وشقا بطنه ، وهما يتوطئانه ، قالت : فخرجت
أنا وأبوه ونسوة من الحى فإذا أنابه قائما ينظر إلى السمآء ، كأن الشمس تطلع من
وجهه ، فالتزمته والتزمه أبوه ، ووالله لكأنما غمس في المسك غمسة ، وقال له أبوه : يا بنى
مالك؟
قال : خير يا أبه ، أتاني رجلان انقضا على من السمآء كما ينقض الطير فأضجعاني
وشقا بطني ، وحشياه بشئ كان معهما ، ما رأيت ألين منه ، ولا أطيب ريحا ومسحا على
بطني ، فعدت كما كنت ، ثم وزناني بعشرة من امتي فرجحتهم ، فقال أحدهما : فلو
وزنته بامته كلها لرجح ، وطارا كذلك حتى دخلا السمآء ، قالت : فحملناه إلى خيم
لنا ، فقال الناس : اذهبوا به إلى كاهن حتى ينظر إليه ويداويه ، فقال محمد : ما بي
شئ مما
تذكرون ، وإني أرى نفسي سليمة ، فؤادي صحيحا بحمد الله ، فقال الناس : أصابه لمم
أو
طائف من الجن.
_________________
قالت : فغلبوني على رأيي حتى انطلقت به
إلى كاهن ، فقصصت قصته ، قال : دعيني
أن أسمع من الغلام؟ فإن الغلام أبصر بأمره منكم ، تكلم يا غلام ، قالت حليمة : فقص
ابني محمد صلىاللهعليهوآله
قصته من أولها إلى آخرها ، فوثب الكاهن قائما على قدميه وضمه إلى صدره
ونادى بأعلى صوته : يا آل العرب يا آل العرب ، من شر قد اقترب ، اقتلوا هذا الغلام
و
اقتلوني معه ، فإنكم إن تركتموه وأدرك مدرك الرجال ليسفهن أحلامكم ، وليبدلن
أديانكم ، وليدعونكم إلى رب لا تعرفونه ، ودين تنكرونه ، قالت : فلما سمعت مقالته
انتزعته من يده وقلت : أنت أعته
وأجن من ابني ، ولو علمت أن هذا يكون منك
ما أتيتك به ، اطلب لنفسك من يتقلك فإنا لا نتل محمدا ، فاحتملته واتيت به منزلي ،
فما بقي
يومئذ في بني سعد بيت إلا ووجد منه ريح المسك.
وكان ينقض عليه كل يوم طيران أبيضان
يغيبان في ثيابه ولا يظهران ، فلما رأى
أبوه ذلك قال لي : يا حليمة إنا لا نأمن على هذا الغلام ، وقد خشيت عليه من تباع
الكهنة فألحقيه بأهله قبل أن يصيبه عندنا شئ ، قالت : فلما عزمت على ذلك سمعت
صوتا في جوف الليل ينادي : ذهب ربيع الخير ، وأمان بني سعد ، هنيئا لبطحاء مكة إذا
كان مثلك فيها يا محمد ، فالآن قد أمنت أن تخرب ، أو يصيبها بؤس بدخولك إليها يا
خير
البشر ، قالت : فلما أصبحت ركبت أتاني ووضعت النبي صلىاللهعليهوآله
بين يدي ، فلم أكن أقدر
افارقه مما كنت انادي يمنة ويسرة حتى انتهيت به إلى الباب الاعظم من أبواب مكة
وعليه
جماعة مجتمعون ، فنزلت لاقضي حاجة وأنزلت النبي صلىاللهعليهوآله
فغشيتني كالسحابة البيضآء و
سمعت وجبة شديدة ، ففزعت ، وجعلت ألتفت يمنة ويسرة ونظرت فلم أر النبي (ص) ، فصحت
: يا معشر قريش الغلام الغلام ، قالوا : ومن الغلام؟ قلت : محمد بن آمنة ، قالو : ومن
أين كان معك
محمد لعلك تحلمين
أو منك هذيان؟ قلت : لا والله ما حلمت وإني لفي يقين من أمري ، فجعلت
أبكي وانادي : وا محمداه ، فبينا أنا كذلك إذا أنا بشيخ كبير فقال لي : أيتها
السعدية
_________________
إن لك لقصة عجيبة ، قالت
: قلت : إي والله لقصتي عجيبة ، محمد بن آمنة أرضعته ثلاثة
أحوال لا افارقه
ليله ونهاره ، فنعشني
الله به ، وأنضر وجهي
، ومن علي ، و
أفضل ببركته حتى إذا ظننت أني قد بلغت به الغاية أديت إلى امه الامانة لاخرج
من عهدي وأمانتي ، فاختلس مني اختلاسا قبل أن يمس قدمه الارض ، وإني أحلف
بإله إبراهيم لئن لم أجده لارمين بنفسي من حالق الجبل ، قالت : وقال لي الشيخ : لا تبكي أيتها السعدية ادخلي على هبل ، فتضرعي إليه فلعله يرده عليك فإنه القوي
على ذلك العالم بأمره ، قالت : فقلت له : أيها الشيخ كأنك لم تشهد ولادة محمد ليلة
ولد
ما نزل بالات والعزى؟ فقال لي : أيتها السعدية إني أراك جزعة ، فأنا أدخل على هبل
وأذكر أمرك له ، فقد قطعت أكبادنا ببكائك ، وما لاحد من الناس على هذا صبر ، قالت
: فقعدت مكاني متحيرة ، ودخل الشيخ على هبل وعيناه تذرفان بالدموع فسجد له طويلا ، وطاف به اسبوعا ، ثم نادى : يا عظيم المن ، يا قويا في الامور ، إن منتك على قريش
لكثيرة ، وهذه السعدية رضيعة محمد تبكي ، قد قطع بكائها الانياط ، وأبرز العذارى ، فإن رأيت أن ترده عليها إن شئت ، قالت : فارتج والله الصنم ، وتنكس ومشى على رأسه
وسمعت منه صوتا يقول : أيها الشيخ أنت في غرور ، مالي ولمحمد ، وإنما يكون هلاكنا
على يديه ، وإن رب محمد لم يكن ليضيعه ويحفظه ، أبلغ عبدة الاوثان أن معه الذبح
الاكبر ، ألا أن يدخلوا في دينه ، قالت : فخرج الشيخ فزعا مرعوبا ، نسمع لسنه
قعقعة ، ولركبتيه اصطكاكا يقول لي : يا حليمة ما رأيت من هبل مثل هذا
، فاطلبي
_______________
ابنك ، إني أرى لهذا
الغلام شأنا عظيما ، قالت : فقلت لنفسي : كم تكتم أمره
عبدالمطلب ، أبلغه الخبر قبل أن يأتيه من غيري ، قالت : فدخلت على عبدالمطلب ، فلما
نظر إلي قال لي : يا حليمة مالي أراك جزعة باكية ، ولا أرى معك محمدا؟ قالت : قلت
: يا أبا الحارث جئت بمحمد أسر ما كان ، فلما صرت على الباب الاعظم من أبواب مكة
نزلت لاقضي حاجة فاختلس منى اختلاسا قبل أن يمس قدمه الارض ، فقال لي : اقعدي
يا حليمة ، قالت : ثم علا الصفا فنادى : يا آل غالب ، يعني يا آل قريش ، فاجتمع
إليه الرجال
فقالوا له : قل يا أبا الحارث فقد أجبناك ، فقال لهم : إن ابني محمدا قد فقد ، قالوا
له : فاركب يا أبا الحارث حتى نركب معك ، قالت : فدعا عبدالمطلب براحلته فركبها ، و
ركب الناس معه ، فأخذ أعلى مكة وانحدر على أسفلها. فلما أن لم ير شيئا ترك الناس
واتزر
بثوب ، وارتدى بآخر ، وأقبل إلى البيت الحرام فطاف به اسبوعا وأنشأ يقول : ( شعر )
يا رب رد راكبي محمدا
|
|
رد إلي واتخذ عندي يدا
|
أنت ألذي جعلته لي عضدا
|
|
يا رب إن محمدا لم يوجدا
|
حواست جمع كن
|
|
حواست جمع كن
|
حواست جمع كن
|
|
حواست جمع كن
|
فجمع قومي كلهم تبددا
قال : فسمعنا مناديا ينادي من جو الهوآء
: معاشر الناس ، لا نضجوا ، فإن لمحمد
ربا لا يضيعه ولا يخذله ، قال عبدالمطلب : يا ايها الهاتف من لنابه؟ وأين هو؟ قال
: بوادي تهامة ، فأقبل عبدالمطلب راكبا متسلحا ، فلما صار في بعض الطريق تلقاه ورقة
بن
نوفل فصارا جميعا يسيران ، فبينما هم كذلك إذا النبي صلىاللهعليهوآله
تحت شجرة ، وقال بعضهم : بينا أبومسعود الثقفي وعمرو بن نوفل يدوران على رواحلهما إذا هما برسول الله قائما
عند
شجرة الطلحة وهي الموز يتناول من ورقها ، فقال أبومسعود لعمرو : شأنك بالغلام ، فأقبل
إليه عمرو وهو لا يعرفه ، فقال له : من أنت يا غلام؟ فقال : أنا محمد بن عبدالله
بن عبدالمطلب
بن هاشم ، فاحتمله بين يديه على الراحلة حتى أتى به عبدالمطلب.
قال إسحاق : فحدثني سلمة ، عن محمد ، عن
يزيد ، عن ابن عباس أنه قال : لما أن
رد الله محمدا على عبدالمطلب تصدق ذلك اليوم على فقرآء قريش بألف ناقة كومآء ، و
_________________
خمسين رطلا من ذهب ،
ثم جهز حليمة بأفضل الجهاز .
٢٦ ـ وروي أنه لما سلمته امه إلى حليمة السعدية لترضعه ، وقامت سوق
عكاظ ، انطلقت به إلى عراف من هذيل يريه الناس صبيانهم ، فلما نظر إليه صاح : يا معشر
هذيل ، يا معشر العرب ، فاجتمع الناس من أهل المواسم ، فقال : اقتلوا هذا الصبي ، فانسلت
به
حليمة ، فجعل الناس يقولون : أي صبي؟ فيقول : هذا الصبي ، فلا يرون شيئا قد انطلقت
به امه ، فيقال : ما هو؟ فيقول : رأيت غلاما وآلهته ليقتلن أهل دينكم ، وليكسرن
آلهتكم ، وليظهرن أمره عليكم ، فطلب بعكاظ فلم يوجد ، ورجعت به حليمة إلى منزلها
فكانت بعد لا تعرضه لعراف ولا لاحد من الناس.
٢٧ ـ وروي بإسناد
ذكره عن شد ادبن أوس قال : بينا رسول الله (ص) يحدثنا
على باب الحجرات إذ أقبل شيخ من بني عامر هو مدرة قومه وسيدهم ، شيخ كبير يتوكأ
على عصاد ، فمثل بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوآله
ونسبه إلى جده ، فقال : يا بن عبدالمطلب إني
انبئت أنك رسول الله إلى الناس ، أرسلك بما أرسل به إبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم
من الانبيآء عليهمالسلام
، ألا وإنك تفوهت بعظيم ، إنما كانت الانبيآء والخلفآء في بيتين من
بيوت بني إسرآئيل : بيت خلافة ، وبيت نبوة ، فلا أنت من أهل هذا البيت ، ولا من
أهل
هذا البيت ، إنما أنت رجل من العرب ، ممن كان يعبد هذه الحجارة والاوثان ، فمالك و
للنبوة؟ ولكن لكل قول حقيقة فأتني بحقيقة قولك ، وبدؤ شأنك ، فأعجب النبي صلىاللهعليهوآله
مسائلته ، ثم قال : يا أخبابني عامر إن للحديث الذي تسأل عنه نبأ فاجلس فسل ، فثنى
رجله
_________________
وبرك كما يبرك
البعير ، فاستقبله رسول الله (ص) بالحديث ، فقال : يا أخا بني عامر إن
حقيقة قولي وبدؤ شأني أني دعوة إبراهيم عليهالسلام
، وبشرى أخي عيسى بن مريم عليهالسلام
و
وإني كنت بكر امي ، وإنها حملتني كأثقل ما تحمل النسآء حتى جعلت تشتكي إلى
صواحباتها ثقل ما تجد ، ثم إن امي رأت في المنام أن الذي في بطنها نور حتى أضآءت
له مشارق الارض ومغاربها ، ثم إنها ولدتني ، فلما نشأت بغضت إلي الاوثان ، وبغض
إلي الشعر ، وكنت مسترضعا في بني بكر ، فبينا أنا ذات يوم مع أتراب لي من الصبيان
في بطن واد وإذا أنا برهط معهم طشت من ذهب ملآن ثلجا ، فأخذوني من بين أصحابي ، وانطلقوا أصحابي هرابا حتى إذا انتهوا إلى شفير الوادي أقبلوا على الرهط ، فقالوا
: ما رابكم إلى هذا الغلام ، فإنه ليس منا ، هذا ابن سيد قريش وهو مسترضع فينا من
غلام
ليس له أب ولا ام ، فماذا يرد عليكم قتله ، وما تصيبون من ذلك؟ فإن كنتم لابد
قاتليه فاختاروا منا أيناشئتم فاقتلوه مكانه ، ودعوا هذا الغلام ، فلما رأى
الصبيان أن
القوم لا يحيرون إليهم جوابا انطلقوا هرابا مسرعين إلى الحي ، يؤذنونهم بي ويستصر
خوفهم
على القوم ، فعمد أحدهم فأضجعني على الارض إضجاعا لطيفا ، ثم شق ما بين مفرق
صدري إلى منتهى عانتي ، وأنا أنظر إليه ، لا أجد لذلك مسا ، ثم أخرج أحشاء بطني
فغسلها بذلك الثلج فأنعم غسلها ، ثم أعادها مكانها ، ثم قام الثاني منهم فقال
لصاحبه : تنح ، فنحاه عني ، ثم أدخل يده في جوفي فأخرج قلبي فصدعه ، فأخرج منه مضغة سودآء فرمى
بها ، ثم قال بيده : يمنة منه ، كأنه تناول شيئا ، فإذا أنا في يده بخاتم نور تحار
أبصار
الناظرين دونه ، فختم به قلبي فامتلاء نورا ، وذلك نور النبوة والحكمة ، ثم أعاده
إلى
مكانه فوجدت برد ذلك الخاتم ، ثم قام الثالث منهم فقال لصاحبه : تنح ، فنحاه عني و
أمر يده ما بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي فالتأم ذلك الشق بإذن الله عزوجل ، ثم
أخذ بيدي فأنهضني من مكاني إنهاضا لطيفا ، ثم قال للاول الذي شق بطني : زنه بعشرة
من امته ، فوزنني بهم فرجحتهم ، ثم قال : زنه بمأة من امته ، فوزنني بهم فرجحتهم ،
ثم قال : زنه بألف من امته فوزنني بهم فرجحتهم ، فقال : دعوه فلووزنتموه بامته
كلها
_________________
رجحهم ، ثم انكبوا
علي فضموني إلى صدورهم فقبلوا رأسي وما بين عيني ، ثم قالوا : يا حبيب لم ترع ، إنك لو تدري ما يراد بك من الخير لقرت عينك فبينا نحن كذلك إذا
نحن بالحي قد جاؤا بحذافيرهم ، وإذا امي وهى ظئري أمام الحي تهتف بأعلى صوتها
وهي تقول : يا ضعيفاه استضعفت من بين أصحابك فقتلت لضعفك ، فانكبوا علي وضموني
لالى صدورهم وقبولا رأسي وما بين عيني وقالوا : حبذا أنت من ضعيف ، قالت ظئري : يا وحيداه ، فانكبوا علي وقالوا : حبذا أنت من وحيد ، وما أنت بوحيد ، إن الله
عزوجل
معك ، والملائكة والمؤمنون من أهل الارض ، ثم قالت ظئرى : يا يتيماه ، فانكبوا علي
و
قالوا : حبذا أنت من يتيم ، ما أكرمك على الله عزوجل ، ولو تدري ما يراد بك من
الخير ، فلما بصرت بي امي وهي ظئري قالت : يا بني لا أراك حيا بعد؟ فجائت فأخذتني وضمتني
إلى صدرها ، وأجلستني في حجرها ، فو الذي نفسي بيده إني لفي حجرها ، وإن يدي لفي
يد بعضهم : فجعلت أتلفت إليهم فظننت أنهم يبصرونهم ، فإذاهم لا يبصرونهم ، فيقول
بعض
القوم : قد أصاب هذا الغلام لمم او طيف
من الجن ، فاذهبوا به إلى كاهننا حتى ينظر
إليه ويداويه ، فقلت : يا هذا ما بي شئ مما تذكرون ، إني لارى نفسي سليمة ، وفؤادي
صحيحا ، ليس بي قلبة ، فقال أبي وهو زوج ظئري : ألا ترون إلى كلامه صحيحا؟ إني
لارجو أن لا يكون با بني بأس ، فأتوا بي كاهنهم فقصوا عليه قصتي ، فقال : استكتوا
حتى
أسمع من الغلام أمره ، فهو أعلم بأمره منكم ، فسألني فقصصت عليه أمري من أوله إلى
آخره ، فوثب إلي وضمني إلى صدره ، ثم نادى بأعلى صوته : يا للعرب ، مرتين ، اقتلوا
هذا الغلام واقتلوني معه ، فواللات والعزي لئن تركتموه وأدرك ليخالفن أمركم ، و
ليسفهن عقولكم وعقول آبائكم ، وليبدلن دينكم ، وليأتينكم بدين لم تسمعوا بمثله ، فعمدت ظئري فانتزعتني من حجره وقالت : لانت أعته وأجن من ابني هذا ، ولو علمت
_________________
أن هذا قولك ما
آتيتك به ، فاطلب لنفسك من يقتلك ، فإنا غير قاتل هذا الغلام ، ثم
احتملوني فأدوني إلى أهلي ، وأصبحت معرى
مما فعل بي ، وأصبح أثر الشق ما بين
مفرق صدري إلى منتهى عانتي كأنه الشراك ، فذاك يا أخابني عامر حقيقة أمري ، وبدؤ
نشأتي.
فقال العامري : أشهد بالله الذي لا إله
غيره أن أمرك حق ، فانبئني عن أشياء
أسألك عنها ، قال : سل عنك ، كلمه بلغة عامر ، قال : يابن عبدالمطلب ماذا يزيد في
العلم
قال : التعلم ، قال : فما يزيد في الشر؟ قال : التمادي ، قال : هل ينفع البر بعد
الفجور؟
قال : نعم التوبة تغسل الحوبة ، والحسنات يذهبن السيئات ، وإذا ذكر العبد ربه عز
وجل في الرخآء أجابه عند البلاء ، قال يابن عبدالمطلبب : وكيف ذاك؟ قال : لان الله
عز
وجل يقول : وعزتي وجلالي لا أجمع أبدا لعبدي أمنين ، ولا أجمع عليه أبدا خوفين ، إن
هو آمنني في الدنيا خافني يوم أجمع فيه عبادي لميقات يوم معلوم ، فيدوم له خوفه ، وإن
هو خافني في الدنيا آمنني يوم أجمع فيه عبادي في حظيرة القدس ، فيدوم له أمنه ، ولا
أمحقه فيمن أمحق ، قال : يابن عبدالمطلب فإلى ما تدعو؟ قال : أدعو إلى عبادة الله
عزو
جل ، وحده لا شريك له ، وأن تخلع الانداد ، وتكفر باللات والعزي ، وتقر بماجآء به
الله عزوجل من
كتاب أو رسول ، وتصلي الصلوات الخمس بحقائقهن ، وتودى زكاة
مالك يطهرك الله عزوجل ، ويطهر لك مالك ، وتصوم شهرا من السنة ، وتحج البيت إذا
وجدت إليه سبيلا ، وتغتسل من الجنابة ، وتؤمن بالموت ، وبالبعث بعد الموت ، وبالجنة
والنار ، قال : يابن عبدالمطلب فإذا فعلت ذلك فمالي؟ قال : جنات عدن تجري من
تحتها الانهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى ، قال : يابن عبدالمطلب فهل مع هذا
شئ من الدنيا؟ فإنه يعجبني الوطأة في العيش ، قال : نعم النصر والتمكين في البلاد
، فأجاب وأناب.
_________________
هذا حديث حسن غريب بهذا السياق يعد في
إفراد محمد بن يعلى .
ومدرة القوم : خطيبهم ، والمتكلم عنهم.
وقوله : فمثل ، أي قام ، وتفوهت أي تكلمت.
وقوله : دعوة إبراهيم هي قول الله عزوجل عن إبراهيم عليهالسلام
: ( ربنا وابعث فيهم رسولا
منهم ) وقوله تعالى : (
قال : ومن
ذريتي ).
وقوله : إني كنت بكر امي ، أي أول ولد
ولدته ، وفي نسخة : كنت في بطن امي وقوله : مارابكم أي ما شكككم ، ومعناه هاهنا : ما
دعاكم
إلى أخذ هذا الغلام ، وقوله : فماذا يرد عليكم قتله؟ أي ما ينفعكم ذلك. ولا يحيرون
أي لا يرجعون ولا يردون. ويؤذنونهم : يعلمونهم. ويستصرخون أي يستغيثون بهم.
وقوله : فأنعم غسلها ، أي بالغ فيه. وقوله : فصدعه ، أي فشقه. وقوله : ثم قال بيده
يمنة منه ، أي أشار بيده إلى جانب يمينه. قوله : فإذا أنا في يده بخاتم نور ، أي
رأيت
حينئذ ذلك في يده. وقوله : رجحهم
، أي رجح بهم وعليهم. وقوله : لم ترع ، أي
لا تخف. وجواب قوله : ( ولو تدري ما يراد بك ) في المرة الاخيرة محذوف ، تقديره : لقرت عينك. والقلبة : الدآء. واللام في يا للعرب للاستغاثة. وقوله : معرى من
العروآء
وهي الرعدة. وقوله : سل عنك ، وفي رواية اخرى قال : كان النبي صلىاللهعليهوآله يقول للسائلين
قبل ذلك : سل عما شئت وعما بدالك ، فقال للعامري : سل عنك ، لانها لغة بنى عامر ، فكلمه بما يعرف. قوله : فأتيني بحقيقة ذلك وفي رواية : فأنبئني. والحوبة : الاثم.
والوطأ : النعمة .
٢٨ ـ كنز
الكراجكى : روي عن حليمة السعدية قالت : لما تمت
للنبي صلىاللهعليهوآله
_________________
سنة تكلم بكلام لم
أسمع أحسن منه ، سمعته يقول : ( قدوس قدوس ، نامت العيون و
الرحمن لا تأخذه سنة ولا نوم ) ولقد ناولتني امرأه كف تمر من صدقة فناولته منه وهو
ابن
ثلاث سنين فرده علي ، وقال : يا امه لا تأكلي الصدقة ، فقد عظمت نعمتك ، وكثر
خيرك ، فإني لا آكل الصدقة ، قالت : فو الله ما قبلتها بعد ذلك .
٢٩ ـ ثم قال الكاذروني : روي أن شق صدره صلىاللهعليهوآله كان في سنة ثلاث من
مولده
وقيل : في سنة أربع على ما روي عن محمد بن سعد ، عن محمد بن عمر ، عن أصحابه قال :
مكث
(ص) عندهم سنتين حتى فطم ، وكان ابن أربع سنين فقدموا به على امه
زائرين لها به ، وأخبرتها حليمة خبره وما رأوا من بركته ، فقالت آمنة : ارجعي يا بني
فإني أخاف عليه وباء مكة ، فو الله ليكونن له شأن ، فرجعت به ، ولما بلغ أربع سنين
أتاه الملكان فشقا بطنه ، ثم نزلت به إلى آمنة وأخبرتها خبره ، ثم رجعت به أيضا ، وكان
عندها سنة ونحوها
لا تدعه يذهب مكانا بعيدا ، ثم رأت غمامة تظله إذا وقف وقفت ، وإذا سار سارت ، فأفزعها ذلك أيضا من أمره ، فقدمت به إلى امه لترده وهو ابن خمس
سنين ، فأضلته في الناس فالتمسته فلم تجده ، وذكر نحو ما تقدم .
وقد روي أن عبدالمطلب بعثه (ص) في حاجة
وضاع ، وفي
الاخبار أن حليمة
قدمت على رسول الله صلىاللهعليهوآله
بمكة وقد تزوج بخديجة فشكت إليه جدب البلاد وهلاك الماشية
فكلم رسول الله صلىاللهعليهوآله
خديجة ، فأعطتها أربعين شاة وبعيرا ، وانصرفت إلى أهلها ، ثم
قدمت عليه صلىاللهعليهوآله
بعد الاسلام فأسلمت هي وزوجها .
وروي في الحديث : استأذنت امرأة على
النبي (ص) كانت أرضعته ، فلما دخلت
_________________
عليه قالك امي امي ،
وعمد إلى ردائه فبسطه لها فقعدت عليه .
وروى عن أبي حازم قال : قدم كاهن مكة
ورسول الله ابن خمس سنين ، وقد قدمت به
ظئره إلى عبدالمطلب ، وكانت تأتيه به في كل عام ، فنظر إليه الكاهن مع عبدالمطلب
فقال : يا معشر قريش اقتلوا هذا الصبي
فإنه يفرقكم ويقتلكم ، فهرب به عبدالمطلب
فلم يزل قريش تخشى من أمره ما كان الكاهن حذرهم من أمره .
وفي سنة ست من مولده صلىاللهعليهوآله ماتت امه كما مر
ذكره .
ولنذكر ما حدث في سنة سبع من مولده (ص)
: روي عن نافع بن حسين
قال : كان
رسول الله صلىاللهعليهوآله
يكون مع امه آمنة فلما توفيت قبضه إليه جده عبدالمطلب ، وضمه
ورق عليه رقة لم يرقها على ولده ، وكان يقربه منه ويدنيه ، ويدخل عليه إذا خلا
وإذا
نام ، وكان يجلس على فراشه ، فيقول عبدالمطلب إذا رأى ذلك : دعوا ابني فإنه يؤنس
ملكا ، وقال قوم : من بني مدلج
لعبدالمطلب احتفظ به فإنا لم نرقد ما أشبه بالقدم
التي في المقام منه ، فقال عبدالمطلب لابي طالب : اسمع ما يقول هؤلاء ، فكان
أبوطالب
يحتفظه
، وقال عبدالمطلب لام أيمن وكانت تحضن رسول الله صلىاللهعليهوآله
: يا بركة لا تغفلي
عن ابني ، فإن أهل الكتاب يزعمون أن ابني نبي هذه الامة ، وكان عبدالمطلب الوفاة
أوصى
أباطالب بحفظ رسول الله صلىاللهعليهوآله
وحياطته.
ومما وقع في تلك السنة ما روي أنه أصاب
رسول الله (ص) رمد شديد فعولج بمكة
_________________
فلم يغن عنه ، فقيل
لعبدالمطلب : إن في ناحية عكاظ راهبا يعالج الاعين ، فركب إليه
فناداه وديره مغلق فلم يجب ، فتزلزل به ديره حتى خاف أن يسقط عليه ، فخرج مبادرا
فقال : يا عبدالمطلب إن هذا الغلام نبي هذه الامة ، ولو لم أخرج إليك لخر علي ديري
فارجع به واحفظه لا يغتاله بعض أهل الكتاب ، ثم عالجه وأعطاه ما يعالج به ، وألقى
الله
له المحبة في قلوب قومه وكل من يراه.
ومن ذلك خروج عبدالمطلب برسول الله صلىاللهعليهوآله يستسقون كما روي
بإسناد ذكره
عن رقيقة بنت صيفي بن هاشم قالت : تتابعت على قريش سنون أقحلت الضرع ، وأرمت
العظم ويروى وأرقت وأدقت فبينا أنا راقدة اللهم أو مهومة ومعي صنوي فإذا أنا
بهاتف سيت يصرخ بصوت صحل يقول : يا معشر قريش إن هذا النبي المبعوث منكم
هذا إبان نجومه ، فحي هلا بالحيا والخصب ، ألا فانظروا رجلا منكم طوالا عظاما ، أبيض بضا ، أشم العرنين ، سهل الخدين ، له فخر ، يكظم عليه. ويروى : رجلا وسيطا
عظاما جساما أوطف
الاهداب ، ألا فليخلص هو وولده وليدلف إليه من كل بطن رجل ، ألا فليشنوا من المآء ، وليمسوا من الطيب ، وليطوفوا بالبيت سبعا ، ألا وفيهم
الطيب
الطاهر لداته ، ألا فليستسق الرجل وليؤمن
القوم ، ألا فغثتم إذا ما شئتم وعشتم ،
_________________
قالت : فأصبحت
مذعوره قد قف جلدي ، ودله عقلي ، واقصصت رؤياي فو الحرمة والحرم
إن بقي أبطحي إلا قال : هذا شيبة الحمد ، وتتامت عنده قريش ، وانقض إليه من كل
بطن رجل فشنوا ومسوا واستلموا وطوفوا ، ثم ارتقوا أبا قبيس ، وطفق القوم يدفون
حوله ما إن يدرك سعيهم مهله حتى قروا بذروة الجبل ، واستكفوا جنابيه ، فقام
عبدالمطلب
فاعتضد ابن ابنه محمدا فرفعه على عاتقه وهو يومئذ غلام قد أيفع أو كرب ، ثم قال : (
اللهم
ساد الخلة
، وكاشف الكربة ، أنت عالم غير معلم ، مسئول غير مبخل ، وهذه عبداؤك ، وإماؤك ، بعذرات حرمك يشكون
إليك سنتهم التي أذهبت الخف والظلف
، فاسمعن اللهم ، وأمطرن علينا غيثا مريعا مغدقا
) فما راموا البيت حتى انفجرت
السمآء بماءها ، وكظ الوادي بثجيجه ، فسمعت شيخان العرب وجلها : عبدالله بن جدعان
وحرب بن امية وشهاب بن المغيرة يقولون لعبدالمطلب : هنيئا لك أبا البطحاء! وفي ذلك
قالت رقيقة : ( شعر ) :
بشيبة لاحمد أسقى الله بلدتنا
|
|
فقد فقدنا الحيا واجلوذالمطر
|
فجاد بالمآء جوني له سب
|
|
سحا فعاشت به الانعام والشجر
|
منا من الله بالميمون طائره
|
|
وخير من بشرت يوما به مضر
|
مبارك الاسم يستسقى الغمام به
|
|
ما في الانام له عدل ولا خطر
|
قوله : أقحلت من قحل قحولا : إذ يبس.
راقدة أي نائمة. مهمومة يقال : هوم
أي هز رأسه من النعاس. صيت فيعل من صات يصوت كالميت من مات. والصحل : الذي في صوته ما يذهب بحدته من بحة وهو مستلذ في السمع. إبان نجومه : وقت
_________________
ظهوره ، وهو فعلان
من آب الشئ : إذا تهيأ. وحي هلا أي ابدأبه واعجل بذكره.
والحيا بفتح الحاء مقصورا : المطر لانه حياة الارض. وطوال مبالغة في طويل ، وكذا
عظام وجسام ، وفعال مبالغة في فعيل ، وفعال أبلغ منه ، نحو كرام وكرام. والكظم
الامساك وترك الابداء ، أي إنه م نذوي الحسب والفخر وهو لا يبدي ذلك. والبض
بالباء الموحدة المفتوحة ، والضاد المعجمة ، من البضاضة وهو رقة اللون وصفآء
البشرة.
والعرنين بالكسر : الانف ، وقيل : رأسه. والوسيط : أفضل القوم من الوسط. أوطف
الاهداب : طويلها. فليخلص أي فليتميز هو وولده من الناس من قوله تعالى : ( خلصوا
نجيا ).
وليدلف إليه وليقبل إليه من الدليف وهو المشي الرويد ، والتقدم في رفق. وشن
المآء : صبه على رأسه ، وقيل : الشن : صب الماء متفرقا. قوله : لداته على وجهين : أن
يكون جمع لدة مصدر ولد نحو عدة وزنة ، يعني أن مولده ومواليد من مضى من آبائه
كلها موصوف بالطهر والذكاء ، وأن يارد أترابه
، وذكر الاتراب اسلوب من أساليهم
في تثبيت الصفة وتمكينها ، لانه إذا جعل من جماعة وأقران ذوي طهارة فذاك أثبت
لطهارته
وأدل على قدسه. غثتم : مطرتم بكسر الغين ، أو بضمه. قف : تقبض واقشعر. و
القفة : الرعدة. دله : دهش وتحير. شيبة الحمد : اسم لعبدالمطلب عامر ، وإنما قيل له
: شيبة لشيبة كانت في رأسه حين ولد ، وقد مر سبب تسميته بعبدالمطلب. تتامت التتام : التوافر. يدفون الدفيف : المر السريع. والمهل بالاسكان : التوءده. استكفوا : أحدقوا
من الكفة وهى ما استدار ككفة الميزان. جنابيه أي جانبيه. أيفع : ارتفع. كرب : قرب
من الايقاع ، ومنه الكروبيون : المقربون من الملائكة. والعبداء والعبدى بالمد
والقصر : العبيد. والعذرة : الفناء. وكظيظ الوادي : امتلاؤه. والثجيج : المآء المثجوج ، أي
المصبوب.
والشخيان : جمع شيخ كالضيفان في ضيف. وقيل له : أبوالبطحاء لان أهلها عاشوا به و
انتعشوا ، كما يقال للطعام
: أبو الاضياف. واجلوذ أي كثر وامتد. جوني : سحاب
_________________
أسود ، وسبل : جار. سحا أي منصبا. والعدل : المثل ،
وكذلك الخطر.
ثم قال : ومن ذلك خروج عبدالمطلب لتهنئة
سيف بن ذي يزن كما حدثنا
إسماعيل بن المظفر بإسناده
عن عفير بن زرعة بن سيف بن ذي يزن قال : لما ظفر
جدي سيف على الحبشة وذلك بعد مولد النبي صلىاللهعليهوآله
بسنتين أتت وفود العرب وأشرافها
وشعراؤها لتهنئته ، وتذكر ما كان من بلائه وطلبه ثبار قومه.
أقول : وساق الحديث مثل ما تقدم برواية
الصدوق في باب البشائر.
ثم قال : هذا الحديث دال على أن الوفادة
إلى ابن ذي يزن كان في سنة ثلاث
من مولد رسول الله صلىاللهعليهوآله
، والاصح أنها كانت سنة سبع ، لانه يقول عبدالمطلب : توفي
أبوه وامه وكفلته أنا وعمه ، وام رسول الله صلىاللهعليهوآله
لم تمت حتى بلغ ست سنين .
ثم قال : وأما ما كان سنة ثمان من مولده
(ص) فمن ذلك موت عبدالمطلب رضي
الله عنه ، وكان يوصي برسول الله صلىاللهعليهوآله
عمه أباطلب ، وذلك أن أباطالب وعبدالله أبا
رسول الله صلىاللهعليهوآله
كانا لام ، وكان الزبير من امهما أيضا ، لكن كانت كفالة أبي طالب له
بسبب ، فيه ثلاثة أقوال : أحدها : وصية عبدالمطلب لابي طالب. والثاني : أنهما
اقترعا
فخرجت القرعة لابي طالب. والثالث : أن رسول الله صلىاللهعليهوآله
اختاره ، ومات عبدالمطلب وهو
يومئذ ابن ثنتين وثمانين سنة ، ويقال : ابن مائة وعشرين سنة.
_________________
ومن ذلك كفالة أبي طالب رسول الله (ص) ،
قالوا : لما توفي عبدالمطلب قبض
أبوطالب رسول الله صلىاللهعليهوآله
إليه ، فكان يكون معه ، وكان أبوطالب لامال له وكان يحبه
حبا شديدا لا يحب ولده كذلك ، وكان لا ينام إلا إلى جنبه ، ويخرج فيخرج معه ، وقد
كان يخصه بالطعام ، وإذا أكل عيال أبي طالب
جميعا أو فرادى لم يشبعوا ، وإذا أكل
معهم رسول الله (ص) شبعوا ، فكان إذا أراد أن يغديهم قال : كما أنتم حتى يحضرابني
، فيأتي رسول الله (ص) فيأكل معهم ، وكانوا يفضلون من طعامهم ، وإذا لم يكن معهم لم
يشبعوا ، فيقول ابوطالب : إنك لمبارك ، وكان الصبيان يصبحون رمضا شعثا ، ويصبح رسول الله (ص
دهينا كحيلا ،
، وكان أبوطالب يلقى له وسادة يقعد عليها ، فجاء النبي صلىاللهعليهوآله فقعد
علهيا ، فقال أبوطالب : وآله ربيعة
إن ابن أخي ليحس بنعيم.
وروي عن عمرو بن سعيد أن أباطالب قال : كنت
بذي المجاز ومعي ابن أخي يعني
النبي صلىاللهعليهوآله
، فأدركني العطش فشكوت إليه ، فقلت : يابن أخي قد عطشت ، وما قلت له
وأنا أرى أن عنده شيئا إلا الجزع ، قال : فثنى وركه ثم برك ، فقال : يا عم أعطشت؟
قال : قلت : نعم ، فأهوى بعقبيه إلى الارض فإذا بالمآء ، فقال : اشرب يا عم ، فشربت.
ومن ذلك هلاك حاتم الذي يضرب به المثل في الجود والكرم.
ومن ذلك موت كسرى أنوشيروان وولاية ابنه
هرمز.
ومما كان في سنة تسع من مولده (ص) ما
روي في بعض الروايات أن أباطالب
خرج برسول الله صلىاللهعليهوآله
إلى بصرى وهو ابن تسع سنين.
ومما كان سنة عشر من مولده (ص) الفجار
الاول ، وهو قتال وقع بعكاظ ، وكانت
الحرب فيه ثلاثة أيام.
_________________
ومما كان سنة إحدى عشرة من مولده (ص) ما
روي عن ابي بن كعب قال : إن أبا
هريرة سأل رسول الله (ص) ما أول ما رأيت من أمر النبوة؟ فاستوى جالسا وقال : لقد
سألت
يا أبا هريرة إني لفي صحراء ابن عشر سنين وأشهر ، وإذا بكلام فوق رأسي ، وإذا رجل
يقول لرجل : أهو هو؟ فاستقبلاني بوجوه لم أرها لخلق قط ، وأرواح لم أجدها من خلق
قط ، وثياب لم أرها على خلق قط ، فأقبلا إلي يمشيان حتى أخذ كل واحد منهما
بعضدي لا أجد لاخذهما مسا ، فقال أحدهما لصاحبه : اضجعه ، فأضجعاني بلا قصر ولا
هصر ، فقال
أحدهما لصاحبه : افلق صدره ، ففلق أحدهما صدري بلا دم ولا وجع ، فقال له : اخرج الغل والحسد ، فأخرج شيئا كرصة العلقة ، ثم نبذها فطرحها ، ثم قال
له : ادخل الرأفة والرحمة ، فإذا مثل الذي أخرج شبه الفضة ، ثم هز أبهام رجلي فقال
: اعدوا بنبيكم ، فرجعت
بهما أعدوا
بهما رأفة على الصغير ورحمة للكبير .
وأما ما كان سنة اثنتى عشرة من مولده (ص)
إلى ثلاث عشرة منه فجروجه (ص)
مع أبي طالب إلى الشام ، روي أنه لما أتت لرسول الله صلىاللهعليهوآله
اثنتى عشرة سنة وشهران و
عشرة أيام ارتحل به أبوطالب للخروج إلى الشام ، وذلك أنه لما تهيأ للخروج أضب به
رسول الله صلىاللهعليهوآله
، فرق له أبوطالب ، وفي رواية : لما تهيبأ أبوطالب للرحيل وأجمع على
السيرهب
له رسول الله صلىاللهعليهوآله
فأخذ بزمام ناقته ، وقال : يا عم إلى من تكلني؟ لا أب
لي ، ولا ام ، فرق ، فقال : والله لاخرجن به معي ، ولا يفارقني ولا افارقه أبدا ، فخرج
به معه ، فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام وبها راهب يقال له : بحيرا في صومعة له
_________________
وكان ذا علم في
النصرانية ، ولم يزل في تلك الصومعة راهب يصير إليه علمهم من كتاب فيما
يزعمون يتوارثون كابرا عن كابر.
يقال : أضب على ما في نفسه : إذا أخرجه
، وأضب : تكلم ، ويقال : جاء فلان يضب
لسانه أي اشتد حرصه.
وروي عن داود بن الحسين قال : لما خرج
أبوطالب إلى الشام وخرج معه
رسول الله صلىاللهعليهوآله
في المرة الاولى وهو ابن اثنتى عشرة سنة ، فلما نزل الركب بصرى لاشام
وبها راهب يقال له : بحيرا في صومعة له ، وكان علماء النصارى يكونون في تلك
الصومعة
يتوارثونها عن كتاب يدرسونه ، فلما نزلوا ببحيرا وكان كثيرا ما يمرون به لا يكلمهم
حتى إذا كان ذلك العام ونزلوا منزلا قريبا من صومعته. قد كانوا ينزلونه قبل ذلك
كلما
مروا ، فصنع لهم طعاما ثم دعاهم ، وإنما حمله على دعاءهم أنه رأى حين طلعوا غمامة
تظل رسول الله صلىاللهعليهوآله
من بين القوم حتى نزلوا تحت الشجرة ، ثم نظر إلى تلك الغمامة
أظلت تلك الشجرة ، وأخضلت أغصان الشجرة على النبي صلىاللهعليهوآله
حين استظل تحتها ، فلما رأى بحيرا ذلك نزل من صومعته وأمر بذلك الطعام فاتي به ، فأرسل إليهم فقال : إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريس ، وأنا احب أن تحضوه كلكم ولا تخلفون منكم
صغيرا ولا كبيرا ، حرا ولا عبدا ، فإن هذا شئ تكرموني به ، فقال له رجل : إن لك
لشأنا
با بحيرا ، ما كنت تصنع بنا هذا ، فما شأنك اليوم؟ قال : فإنى أحببت أن اكرمكم
ولكم
حق ، فاجتمعوا إليه وتخلف رسول الله صلىاللهعليهوآله
من بين القوم لحداثة سنه ، ليس في القوم
أصغر منه في رحالهم تحت الشجرة ، فلما نظرا بحيرا إلى القوم فلم ير الصفة التي
يعرفها
ويجدها عنده ، وجعل ينظر فلا يرى الغمامة على أحد من القوم ، ويارها متخلفة على
رأس
رسول الله صلىاللهعليهوآله
، قال بحيرا : يا معشر قريش لا يتخلفن أحد منكم عن طعامي ، قالوا : ما
تخلف أحد إلا غلام هو أحدث القوم سنا في رحالهم ، فقال : ادعوه فليحضر طعامي ، فما
أقبح أن تحضروا ويتخلف رجل واحد ، مع أني أراه من أنفسكم فقال القوم : هو والله
_________________
أوسطنا نسبا ، وهو
ابن أخي هذا الرجل ، يعنون أباطالب ، وهو من ولد عبدالمطلب ، فقام الحارث بن عبدالمطلب بن عبد مناف وقال : والله أن كان بنا للوم أن يتخلف ابن
عبدالمطلب
من بيننا ، ثم قام إليه فاحتضنه وأقبل به حتى أجلسه على الطعام ، والغمامة تسير
على
رأسه ، وجعل بجيرا يلحظه لحظا شديدا ، وينظر إلى أشياء في جسده قد كان يجدها عنده
من صفته ، فلما تفرقوا عن طعامهم قام إليه الراهب فقال : يا غلام أسألك بحق اللات
و
العزى إلا أخبرتني عما أسألك ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله
: لا تسألني بالات والعزى ، فوالله
ما أبغضت شيئا بغضهما ، قال : بالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه ، قال : سلني
عما بدالك ، فجعل يسأله عن أشياء من حاله حتى نومه ، فجعل رسول الله صلىاللهعليهوآله يخبره فيوافق ذلك
ما عنده ، ثم جعل ينظر بين عينيه ، ثم كشف عن ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على
موضع الصفة التي عنده ، فقبل موضع الخاتم ، وقالت قريش : إن لمحمد صلىاللهعليهوآله عند هذا
الراهب لقدرا ، وجعل أبوطالب لما يرى من الراهب يخاف على ابن أخيه ، قال الراهب
لابي طالب : ما هذا الغلام منك؟ قال أبوطالب : ابني ، قال : ما هو ابنك ، وما
ينبغي لهذا
الغلام أن يكون أبوه حيا ، قال : فابن أخي ، قال : فما فعل أبوه؟ قال : هلك وامه
حبلى به ، قال : فما فعلت امه؟ قال : توفيت قريبا ، قال : صدقت ، ارجع بابن أخيك
إلى
بلده ، واحذر عليه اليهود ، فو الله لئن رأوه وعرفوا منه ما أعرف ليبلعنه غشا ، فإنه
كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم ، نجده في كتبنا ، وما روينا عن آبائنا ، واعلم أني
قد
أديت إليك النصيحة ، فلما فرغوا من تجارتهم خرج به سريعا ، وكان رجال من يهود
قد رأوا رسول الله صلىاللهعليهوآله
وعرفوا صفته فأرادو أن يغتالوه فذهبوا إلى بحيرا فذاكروه أمره ، فنهاهم أشد النهي ، وقال لهم : أتجدون صفته؟ قالوا : نعم ، قال : فما لكم إليه
سبيل ، فصدقوه وتركوه ، ورجع به أبوطالب ، فما خرج به سفرا بعد ذلك خوفا عليه.
وكان في سنة أربع عشرة من مولده صلىاللهعليهوآله
الفجار الآخر بين هوازن وقريش ، وحضره
رسول الله صلىاللهعليهوآله.
وفي سنة سبع عشرة وثبت العظمآء والاشراف
بالمدائن فخلعوا هرمز ، وسملوا
_________________
عينيه وتركوه.
وفي سنة تسع عشرة قتلوا هرمز بعد خلعه ،
وفيها ولى ابنه برويز وكان يسمى
كسرى.
وفي سنة ثلاث وعشرين كان هدم الكعبة
وبنيانها في قول بعض العلمآء .
وفي سنة خمس وعشرين كان تزويج خديجة رضي
الله عنها كما سيأتي شرحه.
وفي سنة خمس وثلاثين من مولده صلىاللهعليهوآله هدمت قريش الكعبة
على الاصح. قال
ابن إسحاق : كانت الكعبة رضمة فوق القامة فأرادت قريش رفعها وتسقيفها ، وكان نفر
من
قريش وغيرهم قد سرقوا كنز الكعبة ، وكان يكون في بئر في جوف الكعبة فهدموها لذلك
وذلك في سنة خمس وثلاثين من مولده صلىاللهعليهوآله
، وقيل في سبب هدمها : إنه كان الجرف
يطل على مكة ، وكان السيل يدخل من أعلاها حتى يدخل البيت فانصدع ، فخافوا أن
ينهدم ، وسرق منه حلية وغزال من ذهب كان عليه در وجوهر ، ولذلك هدم البيت ، ثم
إن سفينة أقبلت في البحر من الروم ، ورأسهم باقوم وكان بانيا ، فتحطمت السفينة
بنواحي
جده ، فخرج الوليد بن المغيرة في نفر من قريش إلى السفينة فابتاعوا خشبها ، وكلموا
الرومي باقوم فقدم معهم وقالوا : لو بنينهابيت ربنا ، فامروا بالحجارة فجمعت ، فبينا
رسول الله صلىاللهعليهوآله
ينقل معهم وهو يومئذ ابن خمس وثلاثين سنة وكانوا يضعون ازرهم على
عواتقهم ويحملون الحجارة ، ففعل ذلك رسول الله صلىاللهعليهوآله
فلبط به ونودي : عورتك ، وكان
ذلك أول ما نودي ، فقال له أبوطالب : يابن اخي اجعل إزارك على رأسك ، قال : ما
أصابني
ما أصابني إلا في التعري ، فما رئيت لرسول الله صلىاللهعليهوآله
عورة.
وفي البخاري عن جابر بن عبدالله قال : لما
بنيت الكعبة ذهب النبي صلىاللهعليهوآله
وعباس
ينقلان الحجارة ، فقال العباس للنبي : إجعل إزراك على رقبتك من الحجارة ، فخر إلى
الارض وطمحت عيناه إلى السمآء ثم أفاق ، فقال ، إزاري إزاري ، فشد عليه إزاره ، ثم
_________________
إنهم أخذوا في بنائهم
، وميزوا البيت ، واقترعوا عليه فوقع لعبد مناف وزهرة ما بين
الركن الاسود إلى ركن الحجر وجه البيت ، ووقع لبني أسد بن عبدالعزى وبني عبدالدار
ما بين الحجر إلى ركن الحجر الآخر ، ووقع لتيم ما بين ركن الحجر إلى الركن اليماني
، ووقع لسهم وجمح وعدي وعامر بن لؤى ما بين الركن اليماني إلى الركن الاسود ، فنبوا ، فلما انتهوا إلى حيث موضع الركن من البيت قالت كل قبيلة : نحن أحق بوضعه ،
فاختلفوا حتى خافوا القتال ، ثم جعلوا بينهم أول رجل يدخل من باب بني شيبة فيكون
هو
الذي يضعه ، فقالوا : رضينا وسلمنا ، فكان رسول الله صلىاللهعليهوآله
أول من دخل من باب بني شيبة ، فلما رأوه قالوا : هذا الامين قد رضينا بما قضى بيننا ، ثم أخبروه الخبر ، فوضع
رسول الله
صلىاللهعليهوآله
ردائه وبسطه في الارض ثم وضع الركن فيه ، ثم قال : ليأت من كل ربع من أراع
قريش رجل ، وكان في ربع عبد مناف عتبة بن ربيعة ، وكان في الربع الثاني أبوزمعة ، وكان
في الربع الثالث أبوحذيفة ابن المغيرة ، وكان في الربع الرابع قيس بن عدي ، ثم قال
رسول الله صلىاللهعليهوآله
: ليأخذ كل رجل منكم بزاوية من زوايا الثوب ، ثم ارفعوه جميعا فرفعوه ، ثم وضعه رسول الله صلىاللهعليهوآله
بيده في موضعه ذلك ، فذهب رجل من أهل نجد ليناول
النبي صلىاللهعليهوآله
حجرا يسد به الركن ، فقال العباس بن عبدالمطلب : لاونحاه ، وناول
العباس رسول الله صلىاللهعليهوآله
حجرا فسد به الركن ، فغضب النجدي حين نحي ، فقال رسول
الله صلىاللهعليهوآله
: إنه ليس يبني معنا في البيت إلا منا ، ثم بنوا حتى انتهوا إلى موضع الخشب ، وسقفوا البيت ، وبنوه على ستة أعمدة ، وأخرجوا الحجر من البيت.
وفي هذه السنة ولدت فاطمة عليهماالسلام بنت رسول الله (ص)
، وفيها مات زيد بن عمرو بن
نفيل .
وروي عن عامر بن ربيعة قال : كان زيد بن
عمرو بن نفيل يطلب الدين وكره
_________________
النصرانية واليهودية
وعبادة الاوثان والحجارة ، وأظهر خلاف قومه ، واعتزل آلهتهم ، وما كان يعبد آباؤهم ، ولا يأكل ذبائحهم ، فقال لي : يا عامر إني خالفت قومي ، واتبعت
ملة إبراهيم عليهالسلام
وما كان يعبده وإسماعيل عليهالسلام
من بعده ، فقال : وكانوا يصلون إلى هذه
القبلة ، وأنا أنتظر نبيا من ولد إسماعيل عليهالسلام
يبعث ، لا أراني أدركه ، وأنا اؤمن به
واصدقه ، وأشهد أنه نبي ، فإن طالت بك مدة فرأيته فاقرأه مني السلام ، قال عامر : فلما نبئ رسول الله صلىاللهعليهوآله
أسلمت وأخبرته بقول زيد ، وأقرأته منه السلام ، فرد عليه
رسول الله صلىاللهعليهوآله
السلام وترحم عليه ، وقال : قد رأيته في الجنة يسحب ذيولا
رضياللهعنه.
وأما ما كان سنة ثمان وثلاثين من مولده
(ص) ففي هذه السنة رأى الضوء والنور ، وكان يسمع الصوت ولا يدري ما هو.
وأما سنة أربعين من مولده صلىاللهعليهوآله ففي هذه السنة قتل
كسرى برويز النعمان بن
المنذر لغضب كان له عليه ، قتله قبل المبعث بسبعة أشهر .
بيان
: قوله : ليحس بنعيم ، أي يرى ويعلم أن
له ملكا ونعيما. والهصر :
الجذب ، والامالة ، والكسر ، والدفع ، والادناء ، وعطف شئ رطب ، ويقال : هصر
ظهره ، أي ثناه إلى الركعوع. كرصة العلقة أي كعلقة ارتص والتزق بعضها ببعض ، أو التزقت بشئ. وهب أي نهض وأسرع. وفي القاموس : الخضل ككتف وصاحب كل
ندى يترشف نداه ، واخضأل الشجر كالطمأن واخضال كالحمار : كثرت أغصانها. ليبلعنه
بالعين المهملة ، غثا بالغين المعجمة ، والثأ المثلثة أي وإن كان مهزولا ، أو
بالتاء المثناة من
غت المآء : إذا شرب جرعا بعد جرع من غير إبانة الاناء عن فمه ، وفي بعض النسخ
ليبلغنه
عنتا ، وهو ظاهر. وقال الجزري : الرضمة واحدة الرضم والرضام ، وهى دون الهضاب ،
_________________
وقيل : صخور بعضها
على بعض. قوله : فلبط به على بناء المجهول ، أي صرع وسقط إلى
الارض.
اقول
: إنما أوردت سياق هذه القصص مع عدم الوثوق عليها ، لاشتمالها على
تعيين أوقات ما أسلفناه في الاخبار المتفرقة ، وكونها موضحة لبعض ما ابهم فيها .
نشكر الباري جل وعلا لما وفقنا من
الاشراف على طبع هذا المجلد أعني الجزء
الخامس عشر من كتاب بحار الانوار من هذه الطبعة النفيسة. وهو الجزء الاول من
المجلد السادس حسب تجزئة المؤلف ( قده ) وهو مشتمل على ٢٢٦ حديثا في أربعة أبواب ،
والمجهودات الواسعة التي بذلناها في تصحيح هذا الكتاب بمرئى ومنظر من المطالع
الكريم
ومع ذلك فانا بتأييد من الله لباستعداد بذل المجهود أكثر فأكثر في المجلدات الآتية
ومنه التوفيق وعليه التكلان.
|
دار التصيحيح
والترجمة
ج ٢ ١٣٧٩ هـ
|
_________________
فهرست ما في هذا الجزء
خطبة الكتاب.................................................................................. ١
باب ١ بدء خلقه وما جرى له في الميثاق ،
وبدء نوره وظهوره صلىاللهعليهوآله
من لدن آدم عليهالسلام
وبيان حال آبائه العظام ، وأجداده الكرام ، سيما عبد المطلب ووالديه عليهم الصلاة والسلام
، وبعض أحوال العرب في الجاهلية ، وقصة الفيل وبعض النوادر ، وفيه ١٠٠ حديثاً ٢ ـ ١٧٤
باب ٢ البشائر بمولده ونبوته من الأنبياء
والأوصياء صلوات الله عليه وعليهم وغيرهم من الكهنة وسائر الخلق ، وذكر بعض المؤمنين
في الفترة ، وفيه ٦٠ حديثاً............................................................. ١٧٤
ـ ٢٤٨
باب ٣ تاريخ ولادته صلىاللهعليهوآله وما يتعلق بها ، وما
ظهر عندها من المعجزات والكرامات والمنامات ، وفيه ٣٧ حديثاً ٢٤٨ ـ ٣٣١
باب ٤ منشأه ورضاعه وما ظهر من إعجازه عند
ذلك إلى نبوته صلىاللهعليهوآله
، وفيه ٢٩ حديثاً... ٣٣١ ـ ٤١٤
نقدم
شكرنا العاطر إلى الفاضل البارع الشريف
(جلال الدين الاُرموي الشهير بالمحدث)
لما تفضل
علينا نسخاً مخطوطة من كتاب
بحارالأنوارونسأل
الله تعالى أن يوفّقه وإيّانا لأنّه
وليّ التوفيق

مراجع التصحيح والتخريج
والتعليق
بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة على
سيدنا محمد وآله الطاهرين.
اما
بعد : فقد بذلنا جهدنا في تصحيح الكتاب
وتنميقه وتحقيق نصوصه و
أسانيده وإخراجه بهذه الصورة البهية مزدانا بتعاليق يحتاج إليها في فهم غرائب
ألفاظه وشرح غوامضه ولم آل جهدا في مراجعة أصوله ومآخذه وكان مرجعنا في المقابلة ـ
مضافا إلى النسخة المطبوعة بطهران المشهورة بطبعة أمين الضرب ، والنسخة المطبوعة
الحروفية ـ نسخة ثمينة نادرة وهي نسخة المصنف : النسخة الأصلية قد وقفنا عليه في مكتبة الفقيد ثقة الإسلام
والمحدثين الحاج السيد ( صدر الدين العاملي ) بإتحاف من ولده العالم العامل الحاج السيد ( مهدي الصدر العاملي الأصبهاني ) والنسخة مخطوطة بخط جيد في غاية الدقة و
الإتقان معلمة بخطوط أفقية بالحمرة كتب المصنف بخطه الشريف عناوين أبوابها ورموز مصادرها وتفسير الآيات وشروح ألفاظ الحديث وأما متون الأحاديث فهي بخط غيره وعليها اعتمدت في المقابلة والتصحيح يرى القارىء صحيفة من صورتها الفتوغرافية في الصفحة الآتية.
وكان مرجعنا في تخريج أحاديثه وتعاليقه
كتبا أوعزنا إلى بعضها في المجلدات السابقة ونذكر هاهنا زائدا على ما ذكرنا سابقا :
١ ـ الإصابة لابن حجر المطبوع بمصر في
١٣٥٨
٢ ـ إعلام الورى في أعلام الهدى للطبرسي
المطبوع بإيران في ١٣١٢
٣ ـ الإقبال للسيد ابن طاووس المطبوع
بإيران في ١٣١٢.
٤ ـ إمتاع الأسماع للمقريزي المطبوع
بمصر في ١٩٣١ م
٥ ـ الأنوار لأبي الحسن البكري : نسخة
مخطوطة من مكتبتي وهي تزيد على نسخة المصنف وقد ذكرت بعض الزيادة في التعليق ، وهي
نسخة نادرة لم نقف على غيرها إلى الآن
٦ ـ تفسير فرات بن إبراهيم المطبوع في
المطبعة الحيدرية في النجف.
٧ ـ التقريب لابن حجر المطبوع بهند في
١٣٥٦
٨ ـ الخرائج والجرائح للراوندي المطبوع
بإيران ضميمة أربعين المجلسي في ١٣٠٥
٩ ـ السرائر للحلي المطبوع بإيران في
١٢٧٠
١٠ ـ السيرة النبوية لابن هشام المطبوع
بمصر في ١٣٥٦
١١ ـ شرح نهج البلاغة لابن الحديد
المطبوع بمصر في أربع مجلدات.
١٢ ـ فرج المهموم في ذكر علماء النجوم
لابن طاوس المطبوع بالنجف في ١٣٦٨
١٣ ـ كشف الغمة للإربلي المطبوع بإيران
في ١٢٩٤
١٤ ـ مقتضب الأثر في النص على الأئمة
الاثنى عشر لابن عياش المطبوع بالنجف في ١٣٤٦
١٥ ـ مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب
المطبوع بإيران الطبعة الأولى
١٦ ـ المنتقى في مولود المصطفى
للكازروني نسخة مخطوطة من مكتبة العلامة النسابة السيد شهاب الدين.
١٧ ـ نهاية الإرب للقلقشندي المطبوع
ببغداد في ١٣٧٨
١٨ ـ اليقين في إمرة أمير المؤمنين عليهالسلام لابن طاوس المطبوع
بالنجف في ١٣٦٩
وفي الختام لا أنسى ثنائي الجميل على من
وازرني وساعدني في مشروعي هذا المقدس ، ومن الله أسأل توفيقي وتوفيقاتهم إنه ولي
حميد وله الحمد أولا وآخرا.
|
قم المشرفة : خادم
العلم والدين
عبد الرحيم
الرباني الشيرازي عفى عنه وعن والديه
|
*(رموز الكتاب)*
ب : لقرب الاسناد.
|
ع : للعلل الشرائع.
|
لد : للبلدين الامين.
|
بشا : لبشارة المصطفى.
|
عا : لدعائم الاسلام.
|
لي : لامالى الصدوق.
|
تم : لفلاح السائل.
|
عد : للعقائد.
|
م : لتفسير الامام العسكري (ع)
|
ثو : لثواب الاعمال.
|
عدة : للعدة.
|
ما : لامالى الطوسى.
|
ج : للاحتجاج.
|
عم : لاعلام الورى
|
محص : للتمحيص.
|
جا : لمجالس المفيد.
|
عين : للعيون والمحاسن.
|
مد : للعمدة.
|
جش : لفهرست النجاشي.
|
غر : للغرر والدرر.
|
مص : لمصباح الشريعة.
|
جع : لجامع الاخبار.
|
غط : لغيبة الشيخ.
|
مصبا : للمصباحين.
|
جم : لجماع الاسبوع.
|
غو : لغوالي اللئالي.
|
مع : لمعاني الاخبار.
|
جنة : للجنة.
|
ف : لتحف العقول.
|
مكا : لمكارم الاخلاق.
|
حة : لفرحة الغرى.
|
فتح : لفتح الابواب.
|
مل : لكامل الزيارة.
|
ختص : لكتاب الاختصاص.
|
فر : لتفسير فرات بن إبراهيم.
|
منها : للمنهاج.
|
خص : لمنتخب البصائر.
|
فس : لتفسير علي بن إبراهيم.
|
مهج : لمهج الدعوات.
|
د : للعدد.
|
فض : لكتاب الروضة.
|
ن : لعيون أخبار الرضا (ع).
|
سر : للسرائر.
|
ق : للكتاب العتيق الغروى.
|
نيه : لتنبيه الخاطر.
|
سن : للمحاسن.
|
قب : لمناقب ابن شهر آشوب
|
نجم : لكتاب النجوم.
|
شا : للارشاد.
|
قبس : لقبس المصباح.
|
نص : للكافية.
|
شف : لكشف اليقين.
|
قضا : لقضاء الحقوق.
|
نهج : لنهج البلاغة.
|
شى : لتفسير العياشي.
|
قل : لاقبال الاعمال.
|
نى : لغيبة النعماني.
|
ص : لقصص الانبياء.
|
قية : للدروع.
|
هد : للهداية.
|
صا : للاستبصار.
|
ك : لاكمال الدين.
|
يب : للتهذيب.
|
صبا : لمصباح الزائر.
|
كا : للكافي.
|
يج : للخرائج.
|
صح : لصحيفة الرضا (ع).
|
كش : لرجال الكشي.
|
يد : للتوحيد.
|
ضا : لفقه الرضا (ع).
|
كشف : لكشف الغمة.
|
ير : لبصائر الدرجات.
|
ضوء : لضوء الشهاب.
|
كف : لمصباح الكفعمى.
|
يف : للطرائف.
|
ضه : لروضة الواعظين.
|
كنز : لكنز جامع الفوائد وتأويل
الايات الظاهرة معاً.
|
يل : للفضائل.
|
ط : للصراط المستقيم.
|
ل : للخصال.
|
ين : لكتابى الحسين بن سعيد او لكتابه
والنوادر.
|
طا : لامان الاخطار.
|
|
يه : لمن لايحضره الفقيه.
|
طب : لطب الائمة.
|
|
|
|